الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 45261
تحميل: 5764

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45261 / تحميل: 5764
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

يقال أنّه كاف في صحة الامتثال المحبوبية الواقعية ولما كان المكلّف معتقداً للأمر بفعله أغنى ذلك عن توجيه الخطاب إليه، إذ الغرض منه هو البعث والتحريك وهو حاصل لاعتقاده الأمر.

قوله: وإمّا من جهة القول بعدم التكليف الخ. هذا أيضاً لا يدفع الاشكال - بناءً على المشهور من كون العقاب على ترك الواجب الواقعي - يتوجّه عليه أيضاً ما مرّ من عدم الأمر، وعدم معقولية إجزاء إمتثال ذلك عن الأمر الواقعي.

قوله: وإمّا جهة تسليم تكليفه بالواقع الخ.

أقول: استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الواقعي - بناءً على هذا الوجه - صحيح ومبنيّ على ما تقدّم من أنّ استحقاق العقاب على مخالفة الواقع ليس موقوفاً على وجود العلم به، بل يكفي فيه التمكّن من العلم به ولو قبل زمان وجوبه إذا قام احتمال الوجوب عند المكلّف.

ولكن يشكل الأمر لو حصل للمكلّف إلتفات - بعد الفراغ عن التمام والوقت باق - إلى أنّ الواجب هو القصر، إذ مع عدم إستمرار غفلته إلى آخر الوقت لا معنى لانقطاع الخطاب، إذ انقطاعه انّما هو بسبب عدم القدرة على الامتثال بسبب سوء اختياره، نظير من لم يذهب إلى الحج مع القافلة الأخيرة، ومع عدم استمرار غفلته لا يخرج بهذه الغفلة عن التمكّن من الامتثال.

ثم انّه بناءً على هذا الوجه: يكون التمام واجباً واقعياً لا ظاهرياً، وعلاج اشكال الأمر هو ما مرّ في الوجهين السابقين.

واعلم أنّه لمّا كان اشكال إجزاء المأمور به بالأمر الثاني عن الأمر الأوّل مطرداً في الوجوه أخّرنا دفعه فنقول: مقتضى القاعدة الأولية أن لا يجزي غير المأمور به عن المأمور به وإن كان ذلك الغير مأموراً بأمر آخر، إلاّ أنّه يعقل الاجزاء فيما إذا كان ذلك الغير مشتملاً على مصلحة يتدارك بها المصلحة التي لأجلها أمر بالواجب، لأنّ الغرض من الأمر إذا حصل وهو إدراك تلك المصلحة، لا يعقل حينئذٍ بقاء ذلك الأمر، فنقول: إنّ من الجائز أن يكون فعل التمام الصادر من الجاهل مشتملاً على

١٨١

مصلحة يتدارك بتلك المصلحة ما يفوت عنه بترك القصر بحيث لو فعله في الوقت لا يبقى مورد لتلك المصلحة، حتى لو فرض التفاته إلى الواجب الواقعي في الوقت يكون فعله عليه واجباً، أو بعد الوقت يكون القضاء عليه واجباً.

فان قلت: إذا كان فعل التمام الصادر من الجاهل مشتملاً على مصلحة القصر فتكليفه في الواقع بالقصر تعييناً لا مقتضي له، إذ المصلحة المقصود - كما هو الغرض - حاصلة بأمرين فلا موجب للتضييق عليه.

والحاصل: أنّ الفعلين إذا اشتركا في حصول الغرض بهما لا موجب لتعيين أحدهما في الواقع وجعل الآخر بدلاً ظاهريّاً عنه، وإن لم يشتركا في المصلحة وحصول الغرض فلا معنى لسقوط الأمر بغير ما تعلّق هو به.

قلت: لا ندّعي أنّ فعل التمام - من حيث هو - مشتمل على مصلحة يتدارك به مصلحة القصر حتى يكون في عرض القصر ويكون مقتضاه حينئذٍ التخيير الواقعي بينهما دون البدلية عن الواقع، بل نقول: إنّ من الجائز أن يكون فعل التمام في مقام إمتثال الأمر الواقعي الذي تعلّق بالقصر في الواقع وبالتمام بزعم المكلّف مشتملاً على مصلحة بها يتدارك ما يفوت من القصر، نظير مصلحة السلوك في الامارات المجعولة طرقاً إلى الواقع تعبّداً، ولا ندّعي إشتماله على تمام تلك المصلحة حتى يقال: أنّ لازم ذلك أيضاً ليس الاّ التخيير الواقعي بين القصر والاتمام، إذ كل منهما مشتمل على المصلحة على تقدير إتيانه بداعي الامتثال، بل نقول: من الجائز أن يكون إتيانه بداعي إمتثال الأمر الواقعي مشتملاً على مصلحة يكون معها قابلاً لأن يقبله المولى بدلاً عن الواقع، لا بمعنى حصول الغرض منه بتمامه بحيث لا يبقى معه مورد للأمر الأوّل، بل بمعنى أنّه مشتمل على مصلحة يصحّ للآمر مع تلك المصلحة أن لا يرفع اليد عن الأمر الواقعي، فيجب على المكلّف حيث يلتفت إليه إمتثاله أداءً وقضاءً، ويصح له أن يرفع اليد ويقبله إمتثالاً لذلك الأمر، فيسقط ذلك الخطاب عن المكلّف لأجل حكمة رآها الآمر، فالمصلحة الموجودة في التمام هو مصلحة البدلية عن الواقع، لا مصلحة توجب الأمر به تعييناً أو تخييراً بينه وبين

١٨٢

القصر، نظير المواطن الأربعة، وهذا الوجه جار في الوجوه الثلاثة المتقدّمة إلاّ أنّه يشكل الالتزام بذلك في بعض الصور على الوجه الأخير، وهو ما لم يكن جهل المكلّف مستمراً إلى آخر الوقت، لأنّ بناء ذلك الوجه على سقوط الخطاب بالواقع بسبب ترك بعض المقدّمات الذي أفضى إلى ترك الواجب، ولا ريب أنّ غفلة المكلّف عن القصر بعد ترك التعلّم ما لم يستمرّ إلى آخر الوقت، أو لم يكن سبباً لفعل المسقط لا يكون مفضياً إلى ترك الواجب حتى يكون الخطاب من أوّل الأمر لعلم الآمر بخروج امتثاله بعد ترك المقدّمة اختياراً المفضي إلى الغفلة عن قدرة المكلّف ساقطاً، نظير تارك الحج مع القافلة الأخيرة، وحينئذٍ فان قلنا: إنّ هذا الفعل المأتي به في حال الغفلة مسقط عن الواجب يكون مبغوضاً، ضرورة أنّ سبب المبغوض مبغوض، ويكون في الواقع لكونه صادراً عن اختيار المكلّف منهيّاً عنه، فكيف يكون محبوباً في الواقع ومجزياً عن الواقع؟

والحاصل: أنّ فرض إشتمال التمام الموجب لسقوط القصر على المصلحة المقتضية لسقوطه مقتض لتعلق النهي به، لأنّه الذي به يفوت الواجب وينقطع الخطاب المتعلّق به. هذا مع أنّ الخطاب بالواقع منقطع حينئذٍ بعد الفراغ عن التمام لا قبله، الاّ أن يقال: إنّه ينقطع عند ترك المقدّمة الموجب لفعل هذا المسقط، لأنّه من ذلك الحين يخرج الامتثال عن قدرة المكلّف كما مرّ.

قوله: والتزام أنّ غير الواجب مسقط عن الواجب الخ.

قد مرّ أنّ الوجوه السابقة أيضاً لم يكن المأتي به في حال الجهل مأموراً به فعلاً بناءً عليها، إلاّ أن يكون المقصود من عدم الوجوب هنا عدم المحبوبيّة الواقعيّة، ولا ريب أنّه معه يشكل سقوط الواجب به.

قوله: نعم قد يوجب الخ.

المقصود هنا ليس النهي من جهة كونه مشتملاً على المصلحة يكون معه سقوط الواقع، بل المراد النهي من جهة التمانع في الوجود الخارجي باعتبار عدم توسعة الزمان لهما.

١٨٣

قوله: فقد كلّفه بالقصر والاتمام على تقدير معصيته في التكليف الخ.

توضيح مرام هذا القائل هو أنّ التكليف بالقصر مطلق بالنسبة إلى المعصية في ذلك التكليف بالمعنى الذي يأتي ومع فرض تحقّق شرائط تنجّزه التي منها تمكّن المكلّف من تحصيل العلم به مع قيام احتمال وجوبه يكون متنجّزاً والتكليف بالاتمام مرتّب على معصيته في التكليف بالقصر، إن قلنا: بأنّ الشرط المتأخّر ممكن عقلاً، فالتكليف بالاتمام في أوّل الوقت مشروط بعصيان المكلّف في التكليف بالقصر تركه له في تمام الزمان المضروب له، فهذا الشرط إن كان حاصلاً في زمان حصوله الذي هو الزمان المتأخّر عن زمان حصول المشروط يكون المشروط حاصلاً في زمانه الذي هو الزمان المتقدم على زمان تحصيل الشرط والاّ فلا، وإن قلنا: بأنّ الشرط المتأخر غير معقول يكون التكليف مشروطاً بكون المكلّف في أوّل الوقت ممّن يعصي تكليفه بالقصر، وعلى التقديرين تحقّق المعصية في تمام الوقت كاشف عن تنجّز التكليف بالاتمام، لكنها على الأوّل نفس الشرط، وعلى الثاني منشأ لانتزاع الشرط أعني الأمر الانتزاعي الذي تحقّقه منوط ومربوط بتحقّق منشأ انتزاعه.

قوله: وسلك هذا الطريق في مسألة الضد الخ.

أقول: صحّة العبادة فرع الأمر بها، وحيئنذٍ فاذا فرضنا: أنّ الواجبين المتزاحمين كان أحدهما أهمّ كان هو المأمور به لا غير، فصحّة غير الأهمّ لا معنى له، ضرورة أنّ الأمر به عيناً غير موجود، لقبحه مع الأمر بالأهم وتخييراً كذلك، لقبح تجويز غير الأهم مع استلزامه فوت الأهم. وهذا القائل لمّا كان الترتب في الأمر بالشيئين عنده ممكناً بنى على أنّ التكليف بغير الأهم مشروط إمّا بأمر متأخّر عنه وهو عصيان التكليف بالأهمّ، أو مقارن له وهو كون المكلّف ممن يعصي لذلك التكليف.

قوله: ويرده الخ.

توضيح مرامه: أنّ التكليف بالقصر هنا وبالأهم في مسألة الضدّ لعدم اشتراطه بشىء يكون منجّزاً، والتكليف بالاتمام وبغير الأهمّ بحصول شرط في زمانه أيضاً

١٨٤

مطلق فكل من التكليفين حاصل في زمان الآخر ولا ترتّب بينهما.

والحاصل: أن التكليف المشروط إذا حصل شرطه يكون منجّزاً، والمفروض أنّ التكليف الآخر وهو التكليف بالقصر هنا وبالاهم في الضد مطلق فيلزم التكليف بالمتنافيين في زمان لا يسع لهما في مسألة الضد، وكذلك هنا في آخر الوقت، فالاشتراط المذكور لا يرفع ذلك إلاّ إذا كان حدوث التكليف الثاني بعد تحقّق المعصية.

نعم فائدة هذا الاشتراط إختصاص هذا المحال بصورة كون المكلّف عاصياً بالنسبة إلى التكليف المطلق وعلى تقدير عدم الاشتراط لزم ذلك مطلقاً.

وقد ذكر لصحّة الترتّب وجوه اخر:

أحدها: أنّ التكليف الثاني لمّا كان معلّقاً على أمر اختياري للمكلّف وهو معصية التكليف الأوّل، أو على أمر حصوله باختيار المكلّف وهو كون المكلّف ممّن يعصي التكليف الأوّل جاز تنجّزه عند حصول شرطه من لزوم إرادة إيجاد المتنافيين في زمان لا يسع لهما لا يمنع عن صحة التكليف، لأنّ التكليف بالمحال إذا كان ناشئاً من اختيار المكلّف لا ضير فيه.

وفيه: أنّه لا فرق في قبح التكليف بغير المقدور بين ما إذا كان سبب الخروج عن القدرة هو المكلّف خارجاً عن القدرة في نفسه، مع أنّ خروج ايجاد المتنافيين عن القدرة انما هو لذاته، والمكلّف انّما هو سبب تنجّز هذا التكليف، لكون أحد التكليفين مشروطاً بأمر اختياري له. والظاهر أنّ من يجوّز التكليف بغير المقدور إذا كان ناشئاً من اختيار المكلّف يريد جواز التكليف بما يكون خروجه عن القدرة باختيار المكلف، لا ما يكون سبب حدوثه هو المكلّف، لكون شرطه اختيارياً.

الثاني: أنّ التكليف المشروط مرتبته متأخّرة عن التكليف المطلق، وليس أحدهما في مرتبة الآخر، ومعه لا مانع من تحقّقهما.

بيان ذلك: أنّ التكليف الأوّل لا يصحّ أن يكون مشروطاً بوجود متعلّقه أو مشروطاً بعدمه، لأنّ الأوّل يرجع إلى إرادة ايجاد الشيء بشرط وجوده، والثاني

١٨٥

يرجع إلى إرادة ايجاد الشيء بشرط عدمه، فالاشتراط يرجع إمّا إلى طلب الحاصل أو طلب المحال، واذا لم يصح تقييد الأمر الأوّل بأحد القيدين لم يكن فيه إطلاق بالنسبة إليهما، لأنّ الاطلاق انّما يتحقّق بعدم الاشتراط حيث كان الاشتراط سائغاً، وأمّا مجرّد عدم الاشتراط لا يوجب الاطلاق، ولا فرق فيما ذكرنا من عدم صحّة الاشتراط بين أن يكون شرط تحقّق التكليف هو وجود ذلك الفعل في الزمان الثاني إن قلنا بصحة الشرط المتأخّر، أو كون المكلّف حال التكليف ممّن يفعل الفعل في الزمان الثاني، وبين أن يكون الشرط في تحقّق التكليف وجود متعلّقه على نحو سائر الشرائط التي وجودها قبل تحقّق المشروط، وذلك واضح.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ التكليف الثاني لما كان مشروطاً بأمر لم يكن التكليف الأوّل مشروطاً به لم يكن في مرتبة التكليف الأوّل، والتكليف الأوّل لمّا لم يصحّ اشتراطه بما شرط به الثاني لم يكن باطلاقه ثانياً في مرتبة التكليف الثاني، لأنّ ثبوته باطلاقه فرع الاطلاق، وقد عرفت انه لا اطلاق له بعدم صحّة اشتراطه بهذا الشرط فليس شيء من التكليفين ثابتاً في مرتبة الآخر والتكليف بأحد المتنافيين مع ثبوت التكليف بالآخر لا يصحّ إذا لزم منه ثبوت أحد التكليفين في مرتبة الآخر وقد عرفت أنّ ذلك لا يلزم فيما نحن فيه.

وفيه: أنّ عدم صحّة اشتراط التكليف الأوّل بوجود متعلّقه انّما يمنع عن تحقّق الاطلاق اللفظي الذي يرجع إليه عند الشك في بعض الصور، ولكنه لا يمنع عن وجود التكليف حال ثبوت التكليف الثاني، ضرورة أنّ التكليف الأوّل إذا ثبت لا يسقط الاّ بمضيّ زمانه أو بالاطاعة والمفروض أنّه في حال ثبوت التكليف الثاني لم يتحقّق شيء من الأمرين، لأنّ اشتراط التكليف الثاني بمعصية الأوّل لم يكن على وجه يوجب عدم حدوثه الاّ بعد تحقّق المعصية، بل كان ثبوتها في الزمان المتأخّر سبباً لحدوثه في الزمان المتقدم، وهو ثابت ومع ثبوته يلزم من التكليف الثاني التكليف بأحد المتنافيين في مرتبة التكليف بالآخر.

نعم لو كان لازم حصول شرط التكليف الثاني سقوط الأوّل بحصول ما يسقطه

١٨٦

لم يكن مانع عن صحته وقد عرفت انه لا يلزم ذلك.

الثالث: أنّ التكليف بالمتنافيين انّما يكون قبيحاً إذا لزم منه إرادة الجمع بينهما، وإذا لم يلزم منه ذلك فلا مانع منه، لأنّ المانع من التكليف بذلك ليس إلاّ التكليف بغير المقدور، والخارج عن قدرة المكلّف هو الجمع بينهما والتكليف بأحد المتنافيين حال التكليف بالآخر إنّما يلزم منه إرادة الجمع إذا كان كلاهما مطلقين، وأمّا مع تقييد الثاني بعدم ايجاد المكلّف متعلّق الأوّل لا يلزم منه ذلك.

بيان ذلك: أنّ لازم مطلوبية الجمع وقوع كلّ منهما في الخارج على صفة المطلوبية وإن كان في حال وقوع الآخر لو فرض إمكان الجمع ووقوعه، واللازم على تقدير تقييد أحد الأمرين بعدم وقوع متعلّق الآخر في الخارج منتف، ضرورة أنّ مع وقوع ما يكون عدمه شرطاً في تحقّق التكليف بالآخر، يكون وقوع الآخر على غير صفة المطلوبية لفقد شرط مطلوبيته.

وإن شئت التوضيح فافرض الترتّب في التكليفين المتعلقين بما يمكن الجمع بينهما، مثلاً لو قال الآمر: صم يوم الخميس وكن في المسجد في ذلك اليوم من أوّله إلى آخره، إذا تركت الصيام فيه فانّه على تقدير الجمع بين الصيام والدخول في المسجد، لا يقع الثاني منهما على صفة المطلوبية فانّ مطلوبيته مقيّدة بعدم فعل الصيام.

فان قلت: إنّ مع فرض تنجّز التكليف المشروط بالشرط المتأخّر لأنّ تحقق شرطه الذي هو معصية التكليف الأوّل في حال امتثال التكليف الثاني يكون التكليف الأوّل باقياً، لأنّه لم يحدث بعد ما يوجب سقوطه من مضيّ زمانه أو امتثاله، ولازم بقائه حينئذٍ وجود متعلّقه على صفة المطلوبية في هذا الحال وهو الشيء حال عدمه، والمفروض أنّ متعلق التكليف الثاني ايضاً إذا وجد في هذا الحال يوجد على صفة المطلوبية، لأنّ شرط مطلوبيته الذي هو عدم وجود متعلّق الأوّل الحاصل، فمانع التكليف بالمتنافيين وهو إرادة الجمع متحقّقه في هذا الفرض، غاية الأمر أنّ تحقّقه مبنيّ على أمر محال وهو تحقّق التناقض.

١٨٧

قلت: لازم المحال محال، وتوضيحه: أنّ مطلوبيّة الثاني مع وجود متعلّق الأوّل انّما هي مرتّب على أمر محال وهو عدم متعلّق الأوّل في حال وجوده والمرتّب على المحال محال، ومعنى بقاء التكليف الأوّل في حال تحقّق شرط التكليف الثاني ليس معناه مطلوبية الفعل في حال عدمه مقروناً بعدمه، بل معناه مطلوبية عدم استمرار العدم وبقاء هذا التكليف مع فرض عدم تحقق متعلّقه انّما هو لكون متعلّقه باقياً على اختيار المكلّف ومقدوراً له في هذا الحال، فهذا الحال لو فرض إمكانه أيضاً لا يكون وقوع الفعل معه على صفة المطلوبية والحاصل ان في هذا الفرض يمكن منع مطلوبية كل من متعلّقي الأمرين.

فإن قلت: إذا كان التكليف الثاني مشروطاً بعدم متعلّق التكليف في الزمان المتأخّر، فمتى يتحقّق تنجّزه ومتى يعلم المكلّف تنجّز ذلك التكليف؟

قلت: أمّا تنجّزه فان أمكن اشتراط وجود شيء بأمر متأخّر عنه فهو قبل مضيّ زمان التكليفين، وكذلك إن لم يكن لأنّ الشرط حينئذٍ الأمر المتحقّق قبل تحقّق التكليف المنتزع من العدم اللاحق، وأمّا العلم به فانّما يحدث إذا بنى المكلف على معصية الأوّل، وعلم أنّه يخالفه، ونظيره في ترتّب التنجّز على اختيار المكلّف ما لا يعقل الشك في صحّته وهو التكليف المعلّق على أمر مباح، كأن يقول المولى: يجوز لك الأكل، وإن تركت الأكل فاشتر اللحم في الزمان الذي كنت تأكل لو أخّرت الأكل.

فان قلت: هذا التوجيه لا يتمّ في مسألة الضدّ، لأنّ مطلوبية غير الأهمّ ليس مقيّداً بحال عدم فعل الأهم، غاية الأمر أنّه لمّا كان الأهمّ مطلوباً منع أهميّة الأهمّ عن التكليف بغير الأهمّ.

قلت: إطلاق مطلوبيّة غير الأهم لا يلازم إطلاق طلبه لجواز مانع عن الاطلاق في الطلب.

والحاصل: أنّ اطلاق التكليف بغير الأهمّ لاستلزامه أحد الأمرين من التكليف بالمتنافيين، أو ترجيح غير الأهم على الأهم كان قبيحاً، ولأجل ذلك

١٨٨

لا يكون مطلوبيّته على نحو الاطلاق وان كان محبوبا مطلقا، والترتيب الذي ادّعيناه انّما هو في المطلوبية دون المحبوبية، هذا غاية ما يمكن أن يقال في تصحيح الأمر بالمتنافيين على وجه الترتيب، وأمتنها الوجه الأخير الذي هو من أفكار السيّد الاستاذ(١) .

ثم اعلم أنّ المانع من الجمع بين التكليف بالقصر والاتمام إمّا أن يكون إرادة المتنافيين في زمان لا يسع لهما، وقد مرّ انه لا يلزم ذلك مطلقاً وانّما هو في آخر الوقت، ومرّ أيضاً أنّ التكليفين ان ثبتا على وجه الترتيب لا يلزم من إجتماعهما المانع المذكور.

وإمّا أن يكون المانع عدم التخيير بينهما ووحدة التكليف، بيانه: أنّ مع العلم بأنّ الجاهل ليس تكليفه في الواقع إلاّ أحد الأمرين من القصر والاتمام بمعنى أنّه لايراد منه الجمع، وليس أيضاً مخيّراً بينهما فكيف يتصوّر أن يكون مكلّفاً بهما؟ والتزام الترتّب على تقدير الغفلة يدفع هذا الاشكال، لأنّ المعلوم من أدلّة إتّحاد تكليف الجاهل والعالم ليس إلاّ أنّ الجاهل مكلّف بالقصر، ولا يكون مخيّراً بين القصر والاتمام، وأمّا انّه ليس مكلّفاً بالاتمام تكليفاً مرتّباً على عصيان التكليف بالقصر فليس معلوماً، ولا ريب أنّه مع التزام التكليف بالاتمام بهذا الوجه لا يلزم عدم تكليف الجاهل بالقصر ولا كونه مخيّراً بينه وبين الاتمام.

فان قلت: على هذا التقدير أيضاً لا يكون تكليف الجاهل والعالم متّحداً، لأنّ المفروض أنّ الجاهلي مكلّف بشيء يخصّ به.

قلت: دليل الاتّحاد ليس إلاّ أدلّة بطلان التصويب وهي لا تقتضي إلاّ أنّ كل ما ثبت في حق العالم ثابت في حق الجاهل على النحو الذي ثبت في حق العالم، وأمّا عكسه وهو أنّ كلّ ما ثبت في حق الجاهل فهو ثابت في حق العالم فلا تدلّ عليه.

____________________

(١) لا يوجد لدينا كتاب السيد المجدد الشيرازي.

١٨٩

نعم بقي شيء وهو أنّه على تقدير تعقّل الترتيب فلا يقتضي كون إمتثال التكليف الثاني مجزياً عن الأوّل، خصوصاً إذا اريد منه اسقاط الاعادة، ضرورة أنّه مع التفات المكلّف بعد الاتمام إلى وجوب القصر وبنائه إلى القصر ما لم يقم دليل على سقوط ذلك التكليف، لا يكون شرط التكليف الثاني موجوداً، فضلاً عن إقتضاءه إمتثاله الإجزاء بالنسبة إلى التكليف الأوّل.

والحاصل: أنّ إجزاء إمتثال أحد التكليفين عن الآخر غير معقول، وعلى تقدير تعقلّه لا يعقل هنا بالنسبة إلى الاعادة في بعض الصور إذا فرض إلتفات المكلّف إلى التكليف وبنائه على امتثاله، فان هذا البناء كاشف عن عدم تنجز التكليف الثاني، وتوجيه الإجزاء - بالوجه الذي مرّت الاشارة إليه في الوجوه السابقة - يوجب الغناء عن هذا الوجه الذي اختلف في معقوليته. هذا مع أنّ اختصاص الجاهل بالخطاب معلّقاً على معصية الخطاب الأوّل على وجه لا يرفع جهله غير معقول، ولذلك التزمنا في بعض الوجوه السابقة إلى أنّ المحبوبية كافية في صحة العبادة لو فرضنا حصول الفعل بجميع القيود المعتبرة فيه التي منها قصد التقرّب.

فان قلت يمكن تصوير الإجزاء بوجه آخر غير ما مرّت الاشارة إليه وهو أنّ الجاهل مكلّف بمطلق الصلاة ومكلّف بايجادها قصراً.

قلت: إن اريد من إجزاء فعل التمام إجزاء عن التكليف بمطلق الصلاة فهو يحصل، وإن لم يتعلّق به بخصوصه تكليف أصلاً، وإن اريد منه إجزاؤه عن التكليف بالقصر فلا يحصل وإن كلّف به بخصوصه أو معلّقاً على معصية التكليف بالقصر نعم يلزم من إجزائه عن التكليف بمطلق الصلاة سقوط الأمر بالقصر لعدم بقاء مورد له هذا مع فساد الوجه من أصله، لاقتضاء مخالفة تكليف الجاهل لتكليف العالم لأنّ تكليف الجاهل بالقصر حينئذٍ لكونه أحد أفراد المأمور به واشتماله على مزيّة ليس في مطلقه، ولا ريب في أنّ تكليف العالم ليس بمطلق الصلاة وبايجادها قصراً، ولذا لا يحصل الاجزاء بفعل التمام فتدبّر لئلا تتوهّم المنافاة بين هذا الكلام وما مرّ من إختصاص الجاهل بالتكليف بالتمام مرتّباً على التكليف

١٩٠

بالقصر لا يلزم منه التصويب.

القول في الفحص

قوله(١) : وإن كانت الشبهة وجوبية فمقتضى أدلّة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضاً.

أقول: أمّا دلالة الأدلّة اللفظية على عدم وجوبه فلأنّ إطلاقها يقتضي كون الجهل عذراً حتى مع التمكّن من رفعه، فانّ قولهعليه‌السلام : كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي(٢) ، يقتضي الاطلاق عند عدم وصول النهي إلى المكلّف، ومثله قوله: رفع ما لا يعلمون(٣) ، يعمّ ما يمكن تحصيل العلم به وما لا يمكن، وكذا قولهعليه‌السلام : الناس في سعة ما لا يعلمون(٤) .

نعم مثل قولهعليه‌السلام : ما حجب اللّه علمه عن العباد(٥) ، يمكن المناقشة في دلالتها: بأنّ الحجب ليس من اللّه تعالى مع القدرة على الاستعلام ولو نوقش في شمولها للشبهات الموضوعية، لأنّ بيانها ليس وظيفة الشارع فالحجب الحاصل فيها غير مستند اليه، كان عدم دلالته أوضح، وأمّا مخالفتها في الشبهات الحكمية فالاجماع على وجوب الفحص والأخبار الدالّة على وجوب التعلّم بعد معلومية عدم مطلوبية التعلّم في نفسه.

وأمّا العقل فحكمه بعدم وجوب الفحص مع التمكّن منه مع قطع النظر عن كونه حرجاً لكثرة موارد الشبهة فممنوع بل يمكن دعوى حكمه بوجوب الفحص هنا بالأولويّة، لأنّ وظيفة الشارع بيان كلي التكليف والمفروض بيانه، وأمّا بيان

____________________

(١) فرائد الاصول: ٥٢٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٣١٧ ح ٩٣٧.

(٣) المحاسن: ص ٣٣٩.

(٤) المحاسن: ص ٤٥٢ ح ٣٦٥ وفيه « يعلموا ».

(٥) التوحيد: ص ٤١٣ ح ٩.

١٩١

الموضوعات وجزئياتها فالمرجع فيه العرف وأهل خبرتها.

ثم إنّه لو فرضنا عدم حكم العقل بشيء فهل يجب مع قطع النظر عن الأدلّة اللفظية الاحتياط أو لا يجب؟

قد يقال: إنّ مع عدم حكم العقل بشيء لا يكون بيان لثبوت التكليف، ومعه فقاعدة قبح التكليف بلا بيان يقتضي البراءة.

والحاصل: أنّ العقل وإن لم يحكم مع قطع النظر عن الكلّية المذكورة بشيء لكنه بعد ملاحظتها يحكم بالبراءة، إذا المفروض عدم البيان لا عقلاً ولا نقلاً.

ويمكن المناقشة فيه: بأنّه كما لا يجوز على المولى أن يعاقب العبد بدون الحجّة، كذلك لا يجوز على العبد المخالفة بدون العذر، وحينئذٍ فان علم في مورد الشك في ثبوت الحكم أنّه معذور في المخالفة لو ثبت في الواقع يجوز له المخالفة الاحتمالية، وإن علم بعدم المعذورية لا يجوز له، وكذلك الأمر لو شك في المعذورية، لأنّه لا يقطع بعدم ترتّب الضرر على المخالفة، لأنّه مع كونه غير معذور يستحقّ العقاب والمفروض انّه شاكّ في المعذورية.

ولا ريب أنّه مع الشك في ترتّب الضرر وعدمه يجب الاحتياط تخليصاً عن الضرر المحتمل.

ودعوى انه مع الشك في المعذورية لا يثبت البيان فيقبح على المولى العقاب.

مدفوعة بأنّ مع الشك في المعذورية شاكّ في تمامية حجّة المولى وعدم تماميته، ومع الشك في عدم تمامية حجة المولى شاكّ في العقاب، ضرورة أنّ مع تمامية الحجّة في الواقع يستحقّ العقاب.

والحاصل: أنّ الشك في تمامية الحجة وعدمها إن كان معقولاً كان الواجب الاحتياط في مورد الشك، نعم لو قلنا بأنّ تماميّة الحجّة ليست من الامور التي يدخلها الشك، لأنّ المكلّف إمّا قاطع بتماميّة الحجّة وإمّا قاطع بعدمها، كان الحكم في الشك في المعذورية هو البراءة.

ولكن هذه الدعوي في محلّ المنع، لأنّ الواجب على المولى رفع عذر المكلّف في

١٩٢

المخالفة بحيث يصدق على مخالفته أنّه عصى المولى، لأنّ حجّة المولى في مقام المؤاخذة ليست الاّ معصية العبد، وحيئنذٍ فان شكّ العبد في أنّ المخالفة الاحتمالية على تقدير مصادفتها الواقع تعدّ معصية لعدم كونه معذوراً أم لا لكونه معذوراً يشك في صحّة مؤاخذة المولى لوجود الحجّة وعدمها لعدمها.

والحاصل: أنّ حجّة المولى في مقام المؤاخذة ليست إلاّ المعصية ، وحجّة العبد عدمها للمعذورية، والشك في أحدهما مستلزم للشك في الآخر.

فإن قلت: لازم ذلك وجوب الاحتياط بعد الفحص أيضاً، إذ بقاء الشك بعده في ثبوت التكليف وعدمه يلزمه الشك في المعذورية المستلزم للشك في تمامية الحجة.

قلت: مجرّد الشك في ثبوت التكليف في نفس الأمر لا يوجب الشك في المعذورية، وانّما الموجب له في صدق المعصية على المخالفة الاحتمالية على تقدير المصادفة، والمخالفة بعد الفحص لا تعدّ معصية عند العقلاء قطعاً، ومع القطع بعدم المعصية يقطع بعدم العقاب.

وهذا معنى ورود قاعدة قبح العقاب بدون البيان على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، وخلاصة ما ذكرنا أنّ إرادة المولى من العبد - فعل شيء أو تركه فعلاً - لا يجوز إلاّ في مورد يحكم العقل والعقلاء: بأنّه حجّة تامّة واتماميّة حجّته قد يكون بعلم العبد بثبوت التكليف في الواقع، وقد يكون بقيام الطريق على ثبوته وقد يكون بقيام الاحتمال مع حكم العقلاء: بأنّه لا يكون المخالفة الاحتمالية هنا سائغاً وأنّه لا يكون العبد هنا معذوراً - كما في الشاكّ في التكليف قبل الفحص في الشبهات الحكمية -، والبيان في هذه الصورة هو حكم المعذورية على تقدير ثبوت التكليف في الواقع، وإذا فقد ذلك فلا يجوز للمولى أنّ يريد منه الامتثال فعلاً وأن يعقابه على ترك الامتثال - كما في مورد الشك بعد الفحص -.

وأمّا العبد فإن قطع بأنّه لا يريد المولى منه شيئاً فعلاً فيجوز له المخالفة - كما في مورد الشك بعد الفحص - وإن قطع بأنّه يريد منه الموافقة إمّا للعلم بالتكليف، أو

١٩٣

لقيام الطريق، أو لعدم المعذورية، يجب عليه الموافقة ولا يجوز له المخالفة، والقطع في مورد الشك القطع بانه لو ثبت التكليف في الواقع يكون امتثاله الفعلي مراداً، ولو شك في أنّ التكليف لو ثبت في الواقع يريد الموافقة لانه معذور أو لا يريد لأنّه غير معذور(١) فيجب الاحتياط.

فان قلت: إنّ الفحص في موارد الشبهات الموضوعية لا يرفع احتمال عدم المعذورية، لأنّ بيان التكليف على ما هو وظيفة الشارع حاصل.

قلت: بيان الحكم الكلّي ليس الاّ بمنزلة كلية الكبرى التي لا ينتج ثبوت الحكم في مورد الشبهة إلاّ بعد إثبات الصغرى الموجبة لإدراج المشتبه في موضوع الكبرى المذكورة فهي لا يكون بياناً لحكم المشتبه، وحينئذٍ فالعقاب على مخالفة الحكم عند الجهل بالموضوع عقاب بلا بيان، وكما أنّ الشك بعد الفحص لا حكم له في الشبهات الحكمية، كذلك لا حكم له في الشبهات الموضوعية، ولا فرق بينهما عند العقلاء في كون الجهل عذراً. نعم الحكم بالمعذوريّة قبل الفحص محلّ إشكال.

بل الانصاف: أن أصل الحكم بعدم وجوب الفحص مشكل، لأنّ العقل عرفت حاله، والاجماع في محلّ المنع، ويظهر ذلك بمراجعة ما حكاه المصنّف والأدلّة اللفظية يمكن أن يقال: أنّها واردة في مورد حكم العقل وليس ذلك بعيداً وإن كان مخالفاً لظواهرها، فالمعتمد في المسألة ظواهر الأخبار المؤيّدة بالشهرة بل الاجماع ظاهراً.

قوله وأمّا عدم وجوب الزائد فللزوم الحرج الخ.

يمكن أن يقال: إنّ اللازم بحكم العقل ليس إلاّ الفحص على وجه يحصل اليأس عن وجدان الدليل ومع حصوله لا يجب الفحص والمخالفة إن حصلت من ترك الاحتياط لا يوجب استحقاق العقاب لأنّها لا تعدّ معصية وحينئذٍ فلا حاجة في نفي وجوب الفحص بعد اليأس إلى المراجعة إلى أدلّة الحرج وغيرها.

____________________

(١) الظاهر هنا، سهو القلم والصحيح هكذا: « يريد الموافقة لأنّه غير معذور، أو لا يريد لأنّه معذور ».

١٩٤

تمت هذا ما وصل الينا من افادات جد الأكرم السيّد المحقّق العلامة السيّد السند السيّد محمّد الاصفهاني رفع اللّه مقامه في مبحث البراءة.

ولقد صحّحنا هذا الكتاب من كتاب حجّة الاسلام والمسلمين وآية اللّه في الأنام الحاج الشيخ محمّد حسين الاصفهاني أصلاً وبالنجف مسكناً في السنة ١٣٥٣.

رساله في تقوّي السافل بالعالي

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

مسألة: اختلفت كلمات المتأخّرين(١) في اعتبار عدم اختلاف الماء سطحاً في اعتصامه بالكثرة على أقوال. والأجود تقديم قضية الأصل، ثم التعرّض لما تقتضيه حجج الأقوال.

فنقول: قد يقال: إنّ قولهعليه‌السلام : « إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء »(٢) يدلّ على اقتضاء الماء بطبعه التنجس بالملاقاة، وإلاّ لم يكن عدم التنجس مستنداً الى الكرّيّة، بل الى عدم المقتضي له، مع أنّ القلّة أمر عدميّ لا يعقل مدخليّته في النجاسة إلاّ لكونه مساوقاً لعدم المانع، فاذا تحقّقت الملاقاة المقتضية لتنجس الماء وجب البناء على مقتضاها الى أن يثبت المانع: إمّا لكفاية الشكّ في ثبوت المانع في العمل على المقتضى، أو لأنّ الأصل عدم وجود المانع، وعدم جعل المانعيّة إلاّ فيما ثبتت مانعيّته.

____________________

(١) المنتهى: في تحديد الكر، ج ١ ، ص ٧، س ١٧، ومدارك الاحكام: في مقدار الكر، ج ١، ص ٤٧ - ٤٩، والذخيرة: في مقدار الكر، ص ١٢١ و ١٢٢ و س ٤٣.

(٢) وسائل الشيعة: ب عدم نجاسة الكر من الماء الراكد ح ٢، ج ١، ص ١١٧.

١٩٥

١٩٦

١٩٧

١٩٨

١٩٩

لكن يمكن أن يقال: إنّ قوله: « اذا بلغ الماء. الى آخره »(١) معارض بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في النبويّ المشهور: « خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه. إلى آخره »(٢) لأنّ قوله : « لا ينجسه شيء » إمّا متعلّق بقوله: « خلق اللّه الماء » أو متفرّع عليه. وعلى التقديرين يجب أن تكون عدم نجاسة الماء بمجرّد الملاقاة مقتضى خلقته الأصليّة، مع أنّ الخارج من عموم « خلق اللّه » ليس إلاّ القليل.

وعنوان المخصّص اذا كان وجوديّاً اقتضى كونه مانعاً، وكون عنوان العامّ مقتضياً - كما لا يخفى - لكن يرد عليه: أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في النبويّ: « لا ينجسه شيء » مخصّص بمفهوم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اذا بلغ الماء »(٣) فيكون التفرّع على قوله: « خلق اللّه الماء طهوراً »(٤) عدم التنجّس بالملاقاة اذا كان كرّاً.

ولمّا كان عنوان المخصّص عدم الكرّيّة - كما هو ظاهر قوله صلى اللّه عليه و آله : « اذا بلغ الماء قدر كرّ »(٥) لزمه كون الكثرة مقتضية للاعتصمام.

فحاصل معنى الحديث بعد ملاحظة التخصيص: أنّ اعتصام الماء بالكثرة مقتضى خلقته الأصليّة، بخلاف سائر المائعات، فانّه لا ينفع في اعتصامها الكثرة، مع أنّ كون القلّة أمراً وجوديّاً لا ينفع في المقام، للقطع بأنّ ماله دخل في تأثير النجاسة في الماء هو فصله العدميّ.

هذا، ولكن بقي - هنا - شيء، وهو أنّه لا مانع من الرجوع الى عموم النبويّ عند الشكّ في مقدار الكرّ، أو ما يعتبر فيه شرعاً، لأنّ العامّ طريق الى رفع إجمال المخصّص.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب عدم نجاسة الكرّ من الماء الراكد ح ٢، ج ١، ص ١١٧.

(٢ و ٤) عوالي اللئالي: ح ٢٩ ، ج ٢ ، ص ١٥ ، مع اختلاف يسير.

(٣) وسائل الشيعة: ح ٢ ، ج ١ ، ص ١١٧.

(٥) عوالي اللئالي: ح ٣٠ ، ج ٢ ، ص ١٦.

٢٠٠