الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 45285
تحميل: 5764

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45285 / تحميل: 5764
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

٢٢١

٢٢٢

رسالة في الدماء الثلاثة - الحيض وأحكامه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة على محمّد سيد المرسلين وآله الغرّ الميامين، حجج اللّه على الخلق أجمعين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

قولهقدس‌سره : « وأقلّ الحيض ثلاثة أيّام وأكثره عشرة، وكذا أقل الطهر، ولا حدّ لأكثره، وهل يشترط التوالي في الثلاثة، أم يكفي كونها في جملة العشرة ؟ الأظهر الأوّل ».

أقول: لا إشكال في أنّ أقل دم يحكم عليه بالحيضية ثلاثة، وأكثره عشرة. وهل يعتبر في الأوّل عدم تخلّل نقاء يوم بينها أم يكفي كونها في جملة العشرة ؟ المشهور هو الأوّل. وعن النهاية(١) الثاني، وعلى الثاني، فهل النقاء المتخلّل بين الدمين حيض؟ فيه إشكال، وحاصل الخلاف والإشكال هو أنّ توالي أقلّ أيّام الدم شرط في كونها حيضاً أم لا، وعلى العدم، فهل اليوم المتخلّل حيض أم لا ؟ فاندفع ما يرد على ظاهر المشهور من أنّه بناءً على كون النقاء المتخلّل حيضاً، لا يكون أقلّ أيّام الحيض إلاّ ثلاثة متوالية، فينبغي تحرير النزاع في أن الثلاثة المتفرقة حيض أم لا،

____________________

(١) النهاية: باب حكم الحائض والمستحاضة وأغسالهن، ص ٢٦، س ٤.

٢٢٣

وان كان على الأول من أفراد الأكثر. وكيف كان فحجّة المشهور، امور:

الأوّل: أصالة عدم الحيض الحاكمة على ما يوافقها ويخالفها من الاصول الحكمية، كاستصحاب الأحكام الوضعية والتكليفية، وأصالة البراءة عنها واستصحابها، كما قرّر في محلّه. نعم إن قلنا بعدم الحكومة فالاصول متساقطة فينبغي الاحتياط.

لا يقال: ان أصل البراءة بكلا معنييه معارض باستصحاب الأحكام التكليفية فيبقى أصالة عدم الحيض سليمة.

لأنّا نقول: معنى عدم حكومة هذا الأصل معارضة بما يعارض استصحاب الأحكام التكليفية.

لا يقال: أصالة عدم الحيض معارضة بأصالة عدم الاستحاضة.

لأنّا نقول: أمّا على القول بثبوت الواسطة بين الدمين فلا إشكال في عدم المعارضة، وإن قلنا بعدم الواسطة فأصالة عدم الحيض حاكمة على أصالة عدم الاستحاضة لأنّ المستفاد من الفتاوى والنصوص: أنّ كلّ ما لم يكن حيضاً فهو استحاضة(١) ، مع أنّا لو أغمضنا عن استفادة ذلك من النصوص والفتاوى قلنا أنا نثبت أحكام الاستحاضة بأن نحكم بوجوب الصلاة بمقتضى أصالة عدم الحيض السليمة عن المعارض في خصوص الصلاة، فيجب الاغتسال مع غمس القطنة للقطع ببطلان الصلاة واقعاً بدونه، لأنّها إمّا حائض أو مستحاضة. ويجب تجديد الوضوء لكلّ صلاة مع عدم الغمس، لأنّ وضوء(٢) الواحد لا يرفع حدثها قطعاً. ولا ينبغي أن يتوهّم إمكان العكس بأن ينفى بأصالة عدم الاستحاضة وجوب الأغسال وغيرها من أحكام المستحاضة ليلزم من ذلك نفي وجوب الصلاة وغيرها،

____________________

(١) وسائل الشيعة: كتاب الطهارة: باب وجوب رجوع ذات العادة المستقرّة إليها مع تجاوز العشرة من ح ٧، ج ٢ ص ٥٤٤.

(٢) كذا في النسخة الخطية، والصحيح الوضوء.

٢٢٤

لما تقرّر في محلّه من أنّ نفي الآثار واللوازم بالاصول، لا ينفي الملزوم، بخلاف إثبات الملزوم فانّه يوجب ثبوت اللازم. كذا أفاد بعض مشايخنا أعلى اللّه مقامه وزاد إكرامه. وللنظر في بعض ما ذكر مجال.

قولهقدس‌سره : وإن قلنا بعدم الواسطة.

أقول: لا إشكال في أنّ أصالة عدم الحيض لا يثبت كون الدم الموجود غير حيض، إلاّ على القول بالأصل المثبت، وعليه فالأصلان متعارضان، لأنّ كلاً من أصالة عدم الحيض والاستحاضة يثبت لازمها، لأنّ مفروض الكلام دوران الأمر بين الحيض وغير النفاس والعذرة والقرحة، وعدم الواسطة بين الحيض والاستحاضة غيرها، والأصلان بالنسبة إلى إثبات اللازم متعارضان.

والحاصل: أنّا نعلم إجمالاً بأنّ الدم الموجود مردّد بين الحيض والاستحاضة، والأصل عدم كلّ واحد منهما، ومقتضى هذا العلم سقوط الأصلين، فمن أين يثبت موضوع القاعدة المذكورة ؟ فتأمّل.

ثمّ إنّ ظاهر عبارة الكتاب لا يطابق ما نقلناه عنه بالمعنى، فانّه قال: إن المستفاد من الفتاوى والنصوص أنّ كلّ دم لم يحكم عليه بأنّه حيض استحاضة، ونسبة هذه القاعدة بهذا المعنى - لو كان مسلّمة - إلى أصالة عدم الحيض كنسبة قاعدة الطهارة إلى استصحابها في أنّ جريانها بعد سقوط الاستصحاب، فيكون المرجع إليها بعد تساقط الأصلين، ولا يكون موجبة لحكومة أحدهما على الآخر.

والحاصل: أنّ اصالة عدم الحيض إن ثبت بها أنّ الدم الموجود غير حيض، فموضوع القاعدة المذكورة لا يتحقق مع جريانها، فالرجوع إليها عند سقوط هذا الأصل، وإن لم يثبت ذلك، فالقاعدة جارية، سواء كان هناك أصل أم لم يكن، وليس لها تعلّق بمجرى الأصلين ليوجب حكومة أحدهما على الآخر، فتأمّل.

٢٢٥

قوله: بمقتضى أصالة عدم الحيض السليمة عن المعارض في خصوص الصلاة.

أقول: لا إشكال في أنّ ثبوت التكليف بالصلاة في مفروض الكلام ملازم واقعاً لحدوث الاستحاضة، كما أنّ عدم حدوث الاستحاضة ملازم لعدم التكليف بالصلاة واقعاً، والمفروض أنّ مقتضى الأصلين ثبوت التكليف وعدم الاستحاضة، فالجمع بينهما مخالف للعلم الإجمالي، وطرح أحدهما المعيّن لا موجب له.

والحاصل: أنّ مقتضى عدم الحيض الذي يجب البناء عليه للأصل، هو ثبوت التكليف بالصلاة واقعاً، ومقتضى عدم الاستحاضة الذي يجب البناء عليه للأصل هو الطهارة عن حدث الاستحاضة، ونعلم قطعاً بوقوع نقيض أحدهما، والعمل بالأصلين مخالفة عملية لهذا القطع.

وبعبارة اخرى: مقتضى الأصلين مطلوبية الصلاة بدون غسل الاستحاضة، ونقطع بفساد مثل هذه، وأنّها ليست مطلوبة واقعاً، وطرح أحدهما دون الآخر ترجيح بغير دليل.

لا يقال: مقتضى أصالة عدم الاستحاضة صحّة الصلاة بدون غسلها، والمفروض القطع بخلافه، وليس مقتضى أصالة عدم الحيض بالنسبة إلى ثبوت التكليف قطعي الخلاف، فيجب طرح أصالة عدم الاستحاضة.

لأنّا نقول: هذه مغالطة فانّ مقتضى أصالة عدم الاستحاضة ليس الصحّة الملازمة للمطلوبية الفعلية بل مقتضاها الصحّة من جهة حصول هذا الشرط المجامع لعدم التكليف من جهة فقدان شرط التكليف.

والحاصل: أنّ الذي نقطع بخلافه هو المعنى المتحصّل من الأصلين، وإلاّ فكلّ أصل بإنفراده لا قطع بمخالفة مقتضاه للواقع فتأمّل.

٢٢٦

قولهقدس‌سره : فيجب الاغتسال.

أقول: لا إشكال في أنّه بعد تساقط أصالتي عدم الحيض والاستحاضة من حيث الطهارة التي هي شرط للصلاة وجوداً، لا طريق ظاهراً ولا واقعاً إلى إحراز الطهارة، وان فرضنا سلامة أصالة عدم الحيض عن المعارض من حيث التكليف، فكيف يعقل التكليف بالصلاة منجزاً، ولو كان ذلك التكليف ظاهرياً؟

والحاصل: أنّ التكليف بالصلاة المتقوّمة بالطهارة موقوف على القدرة على تحصيل الطهارة، وحصول هذا الشرط مجهول، إذ لا طريق إلى العلم به، ونفس دليل التكليف لا يثبت القدرة على الإطاعة.

وبعبارة اخرى: أصالة عدم الحيض لا يثبت كون الصلاة مع غسل الاستحاضة صلاة مع الطهارة حتى تجب بوجوب الصلاة بالاستصحاب، والعقل أيضاً أنّما يلزم بذلك بعد القطع بالتكليف بالصلاة وتوقّف القطع بالفراغ عليه، والشكّ في حصول شرط التكليف لا يجامع القطع بثبوته.

فإن قلت: لا يجوز رفع اليد عن إطلاق دليل الاستصحاب بمجرّد الشكّ.

قلت: إن كان مصداق المكلّف به مبيّناً، كان لما ذكر وجه، ولكن بعد الجهل وتردّده بين ما نعلم بأنّه لا يكلّف به وما لا يعلم كونه مصداقاً، لا حكم للإطلاق.

والحاصل: أنّه لا حكم للأطلاق بالنسبة إلى غير المقدور ولو علم كونه مصداقاً، ولا حكم له بالنسبة إلى المقدور للشكّ في الصدق فتأمّل، لئلاّ يختلط عليك الأمر، واللّه الهادي.

قوله: بخلاف الملزوم.

أقول: اللازم إذا لم يكن لزومه شرعيّاً، لا يثبت بإثبات الملزوم إلاّ إذا كان

٢٢٧

لازماً لنفس الإثبات، ووجوب الأغسال ليس من لوازم وجوب الصلاة واقعاً ولو كانت مقدّمة لها، لأنّ وجوب المقدّمة ليس من اللوازم الشرعية لوجوب ذي المقدمة، وليس من لوازم وجوب الصلاة ظاهراً أيضاً، لأنّ مقدمية الأغسال مشكوكة.

فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ مقتضى الاصل هو الاحتياط بترك محرّمات الحائض، والإتيان بواجبات المستحاضة، للعلم الإجمالي بثبوت أحد التكليفين وعدم أصل حاكم يقتضي تعيّن بعض المحتملات.

الثاني: أصالة الاشتغال فانّها لو علمت أنّ الدم لا يستمرّ ثلاثة أيّام كان اشتغال ذمّتها بالتكليف المعلّق على دخول الوقت المقتضي للتنجّز بعد حصول المعلّق عليه ثابتاً، والشكّ في ثبوت المسقط فيجب إحرازه.

وممّا ذكرنا ظهر اندفاع ما اورد في المقام من أنّه أنّما يصحّ التمسّك بأصل الشغل إذا كان بعد مضيّ الوقت وإلاّ فالأصل البراءة.

وتحقيقه أنّ التكليف معلّقاً أو منجزاً إذا ثبت، فما لم يعلم المسقط يجب الاحتياط عقلاً. وتمام الكلام في الاصول. إلاّ أن يقال: إنّ هذا - مع أنّه لا يثبت به الحيض به، ولذا لا يرتفع به وجوب قضاء الصوم، بل لابدّ فيه من أصالة البراءة أو دليل آخر - انّما يسلّم إذا كان موضوع التكليف هو مطلق المكلّف، وكان الحيض مسقطاً، ونحن لا نسلّم ذلك، بل التكليف متعلّق بالطاهر عن الحيض، وبعد تعلّق الشك لا يعلم ثبوت الخطاب منجزاً أو معلّقاً.

نعم إن ثبت الشغل بمضيّ زمان يسع الفعل كان مجرى قاعدة الشغل فتأمّل.

الثالث: عموم ما دلّ على وجوب العبادات وإباحة ما يحرم على الحائض، خرج منها من علم أنّها حائض، وهي التي استمرّ دمها الى ثلاثة أيّام.

أقول: الرجوع إليها مطلقاً انّما يصحّ إذا كان الشك في تحقّق الحيض بدون التوالي واقعاً، وكانت الشبهة مفهومية، والمقدّمتان قابلتان للمنع، أمّا الثانية فلأنّ مرجع الشك إلى أنّ طبيعة الحيض تقتضي الاستمرار الى ثلاثة أيّام أم لا، وإلاّ

٢٢٨

فمفهوم الحيض أمر مبيّن.

والحاصل: إنّ عدم كون التوالي داخلاً في مفهوم الحيض أمر واضح، انّما الشك في أنّه من لوازمه الخارجيّة حتى يستكشف من عدم اللازم عدم الملزوم، أو أنّه لازم غالبي لا يمكن القطع بالعدم مع عدمه، وأمّا الأولى فلإمكان أن يكون شرطاً شرعياً في ترتّب أحكام الحيض عليه، ولا إشكال في أنّ المرجع بعد تحقّق الصدق العرفي إطلاق ما دلّ على حكم الحائض.

بل يمكن أن يقال: مع القطع باعتبار التوالي إذا فرض الصدق حقيقة، لا يجوز الرجوع الى أدلة اعتبار التوالي، لأنّ التزام التخصيص في أحكام الحائض لا يخلو من صعوبة، وإنّما يتصوّر شرطيّة التوالي بلحاظ تنزيل منزلة العدم، ولكنّ الأولى منع كون التوالي شرطاً شرعياً، لأنّه مخالف لظاهر أدلّة اعتباره، وأدلّة أحكام الحيض.

الرابع: الأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة الدالّة على أنّ أقل الحيض ثلاثة(١) ، فانّ الظاهر منها الثلاثة المتوالية.

لا نقول: إنّ لفظ الثلاثة ظاهرة في المتوالية، حتى يقال: انّ نذر صيام ثلاثة أيّام لا يوجب الصيام ثلاثة متوالية، بل لمّا كان الحيض من الامور التي لها وجود إستمراري، واتّحادها وتعدّدها بالاتّصال والانقطاع، كان الظاهر من لفظ الأكثر، والأقلّ، والأقصى، والأدنى، بملاحظة ذلك أكثر زمان بقاء الدم، وأقل زمان بقائه، فالمعنى أقلّ زمان وجود الحيض الذي لا ينقص عنه ثلاثة.

فإن قلت: المراد من الحيض، هو الحالة الباقية ببقاء سيلان الدم ولو حكماً، والثلاثة بالنسبة إليها متوالية، وإن كان سيلان الدم الموجب لها متفرّقاً، بناءً على أنّ النقاء المتخلّل بين الدماء حيض، كما هو المشهور.

قلت: الظاهر من الحيض هو الدم، أو سيلانه، وحمله على الحالة الحاصلة

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب أنّ أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، ج ٢، ص ٥٥١ - ٥٥٣، انظر الباب.

٢٢٩

مجاز، لا يصار إليه بدون صارف عن الظاهر، مع إمكان منع البناء المذكور وإن كان ضعيفاً، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

فإن قلت: إنّ المراد من العشرة التي هي أكثر الحيض هو الأكثر بحسب البقاء(١) الحالة المانعة وإن لم يكن جميعها دماً، ولذا حكم المشهور - الحاكمون بأنّ النقاء المتخلّل حيض - بأنّ الدم في اليوم الحادي عشر من مبدأ الرؤية ليس بحيض، وإن لم يكن الدم بعد الثلاثة مستمرة.

قلت: الحكم بأن النقاء المتخلّل حيض، واليوم الحادي عشر استحاضة، انما هو لنصّ(٢) خاص، وليس ذلك لتحقّق أكثر الحيض حقيقة.

والحاصل: انّ إنكار ظهور الأخبار في التوالي يشبه المكابرة.

حجّة القول بعدم إعتبار التوالي الأصل، وقد قرّر سابقاً، وإطلاق ما دلّ على حكم الحائض بعد الصدق العرفي.

فإن قلت: إنّ الرجوع الى العرف انّما هو في تشخيص مفاهيم الألفاظ، وأمّا الشبهة المصداقية بعد تبيّن المفهوم، فالرجوع فيها الى العرف لا وجه له.

فإن قلت: المرجع فيها أيضاً هو العرف، ولذا لا يحكم بنجاسة أثر الدم الباقي بعد الغسل، ويحكم بأنّ الماء مطلق، ويترّب عليه أحكام الاطلاق مع الصدق العرفي، وإن كان الأثر بحكم العقل عيناً غير خالص.

ولكنّ الإنصاف أنّ الرجوع في الموارد التي لم يكن الحكم بالصدق منهم من باب المسامحة، بل كان لأجل الأمارات الغالبيّة، والجهل والغفلة عن التخلّف مشكل، لأنّ الرجوع إليهم في موارد المسامحة حقيقة رجوع إلى تعيين المفهوم، وأنّ المراد من اللفظ هو الطبيعة الصادقة على هذه المصاديق، أو المفهوم الحقيقي العقلي، وأمّا في مثل ما نحن فيه الذي ليس لهم فيه مسامحة، فمفهوم اللفظ والمراد منه مبيّن،

____________________

(١) كذا في النسخة، والصحيح: بقاء.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٢ من أبواب الحيض ح ٢، ج ٢، ص ٥٥٥.

٢٣٠

فالرجوع إليهم ليس إلاّ رجوعاً في تعيين المصداق ولا دليل عليه، ودعوى أنّ الأحكام الشرعية واردة على الموضوعات العرفية، لا يؤثر في مثل هذا المقام.

الحجّة الثالثة: مرسلة يونس الصريحة في أنّ الأيّام المتفرّقة بين العشرة حيض(١) . بل قولهعليه‌السلام : فإن تمّ لها ثلاثة أيّام فهو من الحيض وهو أدنى الحيض(٢) ، يوهن ظهور الأخبار السابقة في التوالي:

قوله(٣) قدس‌سره : « وما تراه من الثلاثة إلى العشرة ممّا يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، تجانس أو اختلف ».

أقول: ظاهر العبارة أنّ الثلاثة داخلة في الحكم بقرينة قوله: « دون الثلاثة » مضافاً إلى بعد التعرّض لطرفيها دونها، ويحتمل أن يكون خارجة، وهو بعيد. بل لا يكاد يصحّ معه العبارة كما لا يخفى على المتأمّل.

وفي قوله: « مما أمكن » إشارة الى دليل الحكم، وهو قولهم : كلّ دم تراه المرأة ممّا أمكن ، أن يكون حيضاً فهو حيض ، المعبّر عنه بقاعدة الإمكان ، والمحكي عنه في المعتبر الإستدلال بها عليه(٤) وتبعه على ذلك في المنتهى ، والظاهر منه أنّها من المسلّمات(٥) ، بل عن الخلاف(٦) ونهاية العلاّمة دعوى الإجماع عليه(٧) . وحيث انّ القاعدة ممّا شاع التمسّك بها وعمّ نفعها لزم البحث في مدلولها ودليلها فنقول:

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب التتابع في اقل الحيض من كتاب الطهارة ح ٢، ج ٢ ص ٥٥٥.

(٢) وسائل الشيعة: ب أن اقل الحيض ثلاثة ايام من كتاب الطهارة، ح ٤ ج ٢، ص ٥٥١.

(٣) من هنا موجود فقط في نسخة طهران الى ص ١٧ / ٦٢.

(٤) المعتبر: ج ١ ص ٢٠٣.

(٥) منتهى المطلب: ج ١ ص ٩٨ س ٣١.

(٦) لم نعثر عليه.

(٧) نهاية الاحكام: ج ١ ص ١١٨ « وليس فيه دعوى الاجماع ».

٢٣١

الظاهر من الإمكان هو الإمكان المقابل للإمتناع دون الإحتمال، والمراد منه ليس الإمكان الذاتي بديهة، ولا الإمكان العرضي الملازم لوجود جميع أجزاء العلّة، إذ هو لا ينفك عن الوجوب، فالعلم به لا يجامع الشك في الحيضيّة، بل المراد هو الإمكان بملاحظة الشرائط المقدرة للحيض شرعاً. والظاهر أنّ المراد من الإمكان الشرعي هو الواقعي منه لا الإمكان بحسب ما وصل إلينا من الشرائط حتى يكون أصلاً في نفي الشرائط المشكوكة.

والحاصل أنّ المراد من القاعدة إحتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن يراد الحكم على حيضيّة ما يحتمل الحيضيّة.

الثاني: أن يراد الحكم على حيضيّة ما يمكن الحيضيّة بمقتضى الشرائط المعلومة.

الثالث: ما يمكن الحيضيّة بمقتضى الشرائط الواقعيّة.

وحيث انّ الظاهر من الإمكان ما يقابل الإمتناع بطل الوجه الأول. وحيث انّ الظاهر هو الإمكان الواقعي بطل الوجه الثاني.

لا يقال: الظاهر من الإمكان هو العقلي الملازم للوجوب في المقام، والمفروض عدم إرادته، فيدور الأمر بين إرادة الاحتمال والإمكان الشرعي، وليس الثاني أولى، لأنّا نقول:

أوّلاً: أنّ تطرّق الإحتمال يوجب الاقتصار على الإستدلال بالقاعدة فيما يشملها بالمعنى الثاني لأنّه المتيقّن.

وثانياً: أنّ الثاني هو الظاهر، لأنّ إرادة الأوّل يوجب التصرّف في اللفظ بخلاف الثاني كما لا يخفى، مضافاً إلى أنّ الحمل على الأوّل بعد معلوميّة كون القاعدة حكماً ظاهرياً لا حكما عيّن الدم بالحيضيّة الواقعيّة - إلاّ ما خرج - يوجب لغويّة التقيّد بالإمكان فتأمّل.

إذا عرفت ذلك فاعلم إنّ الشكّ في حيضيّة الدم قد ينشأ من الشكّ في وجود شرائط الحيض فيه ككون الدم من البالغة أو من غير اليائسة أو كونه دون الثلاثة، وقد ينشأ من شرطيّة الشيء للحيض ككون التوالي معتبراً في أقلّ الحيض، وقد

٢٣٢

ينشأ مع إجتماعه للشرائط الشرعيّة من امور خارجية لا يعتبر في الحيض وجوداً وعدماً.

أمّا القسم الأوّل فليس المرجع فيه هذه القاعدة سواء كان الشرط المشكوك وجوده مقارناً للشكّ أو متأخّراً كبلوغ الثلاثة. وقد يعبّر عن حصول مثل هذا الشرط باستقرار الإمكان، وهو لا يخلو من مسامحة لأنّ ما يحصل له الشرط المتأخّر في علم اللّه تعالى لا يمكن حيضه حين الشكّ، فالشكّ في حصوله يوجب الشكّ في الإمكان لا في استقراره، وكذلك القسم الثاني.

ودعوى: أنّ الأصل عدم اعتبار الشارع للشرط المشكوك فيكون ممكناً.

مدفوعة: بأنّ الأصل إن كان جارياً فالشكّ يرفع به، فلا محلّ للقاعدة، مع أنّ ترتّب الإمكان على عدم الاعتبار ليس أمراً شرعيّاً يثبت بالأصل.

أمّا القسم الثالث فهو المتيقّن من مورد القاعدة، ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماعات المنقولة أصالة السلامة المركوزة في جميع الأذهان، فانّ الاستحاضة مرض وفساد، وقد عبّر عنه بذلك في الأخبار كثيراً.

ودعوى: أنّ مقتضى عموم أدلّة الصفات مؤيّداً بأخبار خاصّة كإرجاع الحامل والنفساء إلى الصفات في بعض الأخبار الآتية أنّ المرجع عند الشارع في الدم المشتبه هو الصفات وأصالة السلامة على تقدير تسليم رجوع العرف إليها لا تعتنى بها بعد ثبوت الميزان الشرعي فانّ الإرجاع إليها ردع عن العمل بالأصل.

مدفوعة: بأنّ مجاري الأصل خارجة عن الشبهة عرفاً، فلا يكون من موارد أخبار الصفات حتى يكون ردعاً عن العمل بالأصل.

ثمّ إن الأصل المذكور إن صحّ التمسّك به كان جارياً في كثير من موارد الشبهة الموضوعيّة كالمبتدئة والمضطربة والمتقدّم(١) على العادة.

ولكنّ الإنصاف أنّ موارد الشبهة مختلفة، فقد يكون الشكّ بدوياً بحيث يستقرّ

____________________

(١) كذا في النسخة المخطوطة، والصحيح: والمتقدّمة.

٢٣٣

العرف على البناء على الأصل، كما إذا تخلّف بعض أوصاف الحيض مثلاً، وقد يكون مستقرّاً كما إذا كان هناك أمارة عرفية على العدم كقرب أيّام الحيض الماضي وبعد أيّامه الآتية. والأخذ به في الأوّل غير بعيد، وأمّا الثاني الذي يتوقف العرف فيه عن الحكم والتمسّك بالأصل فالاعتماد على الأصل مشكل. ومن هنا ربما يشكل التمسّك به في القسم الأول من حيث انّ الفصل في موارد إمكان الحيض بالرجوع إلى الأصل في بعض والرجوع إلى الصفات في بعض آخر غير الموارد المنصوصة مشكل.

والحاصل أنّ التمسّك بالأصل لا يخلو عن إشكال، فالأولى هو الرجوع الى الإجماعات المنقولة المتأيّدة بموافقة المشهور، وإرسالهم للقاعدة في موارد الاستدلال إرسال المسلّمات، والقصر على المتيقّن من مدلول القاعدة، وسيأتي لذلك مزيد تنقيح في بعض المباحث الآتية ان شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّه قد يتخيّل أنّ أخبار الصفات واردة على القاعدة من حيث انّ الفاقد لصفة الحيض لا يمكن أن يكون حيضاً شرعاً بحكم أخبار الصفات فلا يكون داخلا في موضوع القاعدة.

وفيه : أنّ الحكم بعدم كون الدم حيضاً قد يكون لاعتبار أمر في حيضية الدم في نظر الشارع كالتوالي ثلاثة أيّام، وقد يكون لقيام أمارة كاشفة عن عدم الحيضية. و الإمكان المأخوذ في القاعدة انما هو بالنظر إلى الشرائط دون الكواشف، اعتبرت أم لم يعتبر(١) . غاية الأمر أنّ الكاشف إذا كان معتبراً كان مخصصاً موضوع للقاعدة(٢) ، أو حاكماً عليها بملاحظة رفعه للشكّ المأخوذ في موضوع القاعدة، ولا يمكن الإلتزام بشيء من الأمرين في القاعدة، وبملاحظة أخبار الصفات بعد فرض اعتبارها للزوم بقاء القاعدة على ذلك التقدير بلا مورد، أو قصرها على بعض الموارد النادره

____________________

(١) كذا في النسخة الخطية، والصحيح: لم تعتبر.

(٢) كذا في النسخة الخطية، والصحيح: موضوع القاعدة أو لموضوع القاعدة.

٢٣٤

كما اذا لم يمكن الرجوع إلى الصفة لظلمة أو مانع آخر.

والحاصل أنّا نقطع بأنّ العاملين بالقاعدة متّفقون على عدم الرجوع الى الصفات، فإن تمّ إجماعاً لم يبق مجال للتمسّك بأخبار الصفات، وإلاّ فلا وجه للتمسّك بالقاعدة في شيء من مواردها.

وممّا ذكرنا علم أنّ معارضة التمسّك بالقاعدة في حيضيّة الدم البالغ ثلاثاً باحتمال التجاوز عن العشرة وحدوث دم أشدّ لا وجه له، مع أنّ الأصل عدم حدوث الدم بعد العشرة بناءً على أنّ الأصل في الامور التدريجيّة غير جارية.

وأمّا إن قلنا بجريانها فأصالة العدم لا يجري(١) ، وإن قلنا بأن الأصل في طرف الوجود أيضاً لا يجري، لأنّ الشكّ هنا في مقتضى البقاء، لأنّ العدم مسبوق بالوجود. وكيف كان فالأصل عدم حدوث الدم الأشدّ.

والحاصل أنّ نفس إحتمال التجاوز لا ينافي الإمكان، وإثباته بالأصل مع إمكان المناقشة فيه بما عرفت من الوجهين لا ينفع بعد أصالة عدم حدوث الدم الأشدّ.

قولهقدس‌سره : « وتصير المرأة ذات عادة ».

أجمع علمائنا وأكثر العامّة على أنّ العادة في الحيض انما يثبت بالمرّتين. وعن بعض العامة أنّها تثبت بالمرّة الواحدة، وهو باطل، لأنّها من العود المأخوذ فيه أوّل مرتبة التكرار، ويدلّ على ثبوتها بالمرّتين، مضافاً إلى الإجماع، رواية سماعة بن مهران قال: سألته عن الجارية أوّل ما تحيض تقعد في الشهر يومين والثلاثة، قال: فلها أن تجلس ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة، فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها(٢) .

____________________

(١) كذا في النسخة الخطية، والصحيح: لا تجري.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٤من أبواب الحيض ح ١ ، ج ٢ ص ٥٥٩ مع اختلاف.

٢٣٥

وقولهعليه‌السلام في مرسلة يونس: فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر فإنّها تغتسل ساعة ترى الطّهر وتصلّي، ولا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى [ عليها ] حيضتان أو ثلاثة فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً تعمل عليه وتدع ما سواه، وتكون سنّتها فيما تستقبل إن استحاضت قد صارت لها سنّة إلى أن تجلس أقرائها، وإنّما جعل الوقت أن توالى عليها حيضتان أو ثلاث، لقول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله للتي تعرف أيّامها: دعي الصلاة أيّام إقرائك، فعلمنا أنّه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها ولكن سنّ لها الاقراء، وأدناه حيضتان فصاعداً(١) الخبر.

ثمّ إنّ أقسام العادة ثلاثة:

الأوّل إن تيقّن وقتاً وعدداً، وهذه أنفع العادات، فانّها تتحيّض بالرؤية ويرجع إليها عند التجاوز.

الثاني: إن تيقّن عدداً لا وقتاً، وهذه في الرؤية كالمضطربة، وفي العدد ذات العادة يرجع إليه عند التجاوز، وعبارة المصنّف يشمل القسمين، ولكن ليس فيها دلالة على أنّ من اتفق شهراها وقتاً وعدداً يحصل لها العادة بحسب الوقت، كما أنّ رواية سماعة(٢) يشمل القسمين، ولا تدلّ على حصول العادة وقتاً، فالتمسّك بها للوقتية العددية لا وجه له.

الثالث: إن تيقّن وقتاً لا عدداً، وهذه تتحيّض بالرؤية وترجع إليها عند الإختلاط في تعيّن الوقت كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. وفي ثبوت هذا القسم من العادة بالمرّتين إشكال، إذ قد عرفت أنّ الرواية لا تدلّ إلاّ على ثبوت العدد بهما، ومثلها المرسلة، ويحتمل اختصاصها بالقسم الأوّل، بل في ثبوت أصل هذا القسم إشكال، إلاّ أن يتمسّك بإطلاق قولهعليه‌السلام في مرسلة يونس القصيرة فإذا رأت الدم

____________________

(١) وسائل الشيعة ب ٧ من أبواب الحيض ح ٢، ج ٢ ص ٥٤٦. مع اختلاف.

(٢) وسائل الشيعة: ب وجوب ترك ذات العادة الصلاة من اول رؤية الدم، ح ١، ج ٢ ، ص ٥٥٩.

٢٣٦

في أيّام حيضها تركت الصلاة(١) لشمولها لمن حصلت لها عادة عرفية وقتاً، وفي حصولها عرفاً باتّحاد الوقت مرّتين بل ثلاثاً إشكال.

ثمّ إن ظاهر الروايتين حصول العادة بتوافق شهرين متّصلين فما فوق في العدد، ولو كان عدد الأيّام في شهرين فصاعداً مختلفاً وحصلت لها مثل ذلك الإختلاف في الأشهر المتّصلة بالأشهر الاولى، كأن رأت في شهر خمساً وبعده ستّاً وبعده سبعاً ثمّ رأت في الرابع كالأوّل وهكذا، أو رأت في شهر ستّاً وبعده خمساً وبعده سبعاً ثمّ رأت في الرابع كالأوّل وهكذا، ففي صيرورة ذلك الاختلاف عادة إشكال. نعم إذا صار هذا الاختلاف عادتها عرفاً أمكن التمسّك له بقولهعليه‌السلام : إذا رأت المرأة الدم(٢) الخبر فتلخص من جميع ما ذكرنا أنّ العادة شرعيّة وهي المرّتان المتّصلتان بالنسبة إلى العدد دون الوقت فلا يثبت الوقتية العددية ولا الوقتية خاصّة بالمرّتين. نعم يثبت عدد الاولى بالمرّتين، وعرفية وهي جارية في جميع الأقسام، ولكن يمكن التمسّك لثبوتها مطلقاً بالمرّتين، مضافاً إلى إطلاق معاقد بعض الإجماعات بقولهعليه‌السلام في مرسلة يونس: فقد علم الآن أنّ ذلك صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً تعمل عليه وتدع ما سواه(٣) ، بتقريب أن يقال: إنّ الظاهر منها كون الشرطية في مقام بيان العادة العرفية، وإن حصل العلم من توالي الحيضتين على عدد مخصوص بكون ذلك الوقت خلقاً انّما هومن نفس التوالي وليس لكون المتوالي عليه هو العدد أو كون المتوالي هو الحيضتان مدخليّة في ذلك، بل الظاهر منه أنّ نفس التوافق مرّتين على أمر دليل على أنّ ذلك الامر وقت وخلق، خصوصاً بملاحظة قولهعليه‌السلام : وإنّما جعل الوقت أن توالى عليه حيضتان(٤) الخبر، فانّ الظاهر منه أنّ كلّ من كان سنته الأخذ بالأقراء يجوز لها الأخذ بالمرّتين.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ما يعرف به دم الحيض من دم القرحة ح ٣، ج ٢، ص ٥٦١.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب الحيض، ح ٣ ج ٢ ص ٥٦١.

(٣ و ٤) وسائل الشيعة: ب ثبوت عدة الحيض باستواء شهرين ح ٢، ج ٢، ص ٥٤٦.

٢٣٧

والحاصل أنّ الظاهر من الرواية هو أنّ مناط الرجوع إلى عدد مخصوص أو وقت كذلك كون ذلك خلق وطبيعة، وأنّ ذلك يحصل بالعلم به بحصوله مرّتين متّصلتين، وهذا بالنسبة الى تعيين العادة في الوقت غير بعيد، وأما حصول العادة بالنسبة إلى الإختلاف بذلك خصوصاً إذا لم يكن مرتّباً إشكال(١) فانّ دلالة المرّتين على كونه خلقاً ولو ظنّاً لا يخلو من إشكال، والتعبد بالمرّتين في إثبات الخلق مع خلوّه عن الدلالة مطلقاً يصعب إثباتها من الرواية، فتأمّل. فإن ثبت عدم القول بالفصل بين الأقسام، وإلاّ فالاحتياط لا منفي تركه.

ثم لا يخفى أنّ اعتبار الاختلاف في الوقت كاعتباره في العدد، سواء كان ذلك بالنسبة إلى الأوّل أو الآخر أو الوسط.

ثمّ إنّ الظاهر من الشهر هو الهلالي لا الحيضي ولا الجامع بينهما، إلاّ أنّ الظاهر أنّ ذكره في الخبر مبنيّ على أنّ الغالب في النساء هو التحيّض في كلّ شهر، فلا يعتبر الشهر الهلالي في حصول العادة العددية ومثله الوقتية، إلاّ أنّ حصولها في غير الهلالي متوقّف على ثلاث حيضات، فالعمل بالعادة إنّما هو في الحيضة الرابعة. ولا يعتبر في شيء من العادتين تساوي الطهر، نعم يتوقّف حصول العادة الوقتية بغير الشهر الهلالي عليه، وذلك واضح، وربّما ينسب إلى الشهيدقدس‌سره في الذكرى(٢) اعتباره لذلك. وفيه إشكال، وعبارته صعب الإنقياد لكلّ من الوجهين، وتغنينا عن التعرّض لها وضوح اصل المسألة.

وهل يؤخذ بأقلّ العددين في الوقتيّة المحضة لتكرّره مرّتين أولا من حيث انّه لم تحيض للاستواء مرّتين؟ وجهان، لعلّ أقواهما الأول، بناءً على ما مرّ من أن المرّتين ميزان عرفي كشف عنه الشارع، وعلى الوجهين لا إشكال في أنّه لا يثبت العدد الناقص بحيث يرجع إليه عند الإختلاط ويقتصر عليه، ضرورة أنّ ذلك قرء واحد

____________________

(١) مشكل (خ).

(٢) الذكرى: ج ١، ص ٢٨، س ٢٨.

٢٣٨

وليس بإقراء، والمرجع هو الثاني دون الأوّل. ولو كان الإختلاف بأقلّ من يوم واحد فعن كاشف الغطاء(١) أنّه لا يقدح في ذلك، وهو على إطلاقه مشكل، فإن صدق الاستواء في العدد في جميع فروضه مشكل، بل ممنوع.

وهل العبرة في العادة باستواء الأخذ والانقطاع ولو حصل بينهما نقاء محكوم بالحيضيّة على نهج واحد أو مع الاختلاف، أو العبرة بأيّام الدم أم بالمتّصل منهما دون المنفصل؟ وجوه، ظاهر بعض العبارات خصوصاً مع قولهم: ولو اعتادت النقاء في أثناء العادة هو الأوّل كظاهر بعض النصوص كالمرسلة السابقة(٢) فانّ الظاهر منه أنّ المدار على التوافق في انقطاع الدم رأساً، وظاهر قولهعليه‌السلام : كلّما كبر سنّها نقصت أيّامها(٣) هو الثاني.

وربّما يدعى انصراف إطلاق أيّام الأقراء إلى أيّام الدم، وفيه منع، مع أنّ الظاهر منها هو الأيّام الخارجية المعهودة المعلومة وقتاً وعدداً، أو لا ريب أنّ الأخذ بأيّام الدم لا يصدق إلاّ مع الأخذ باليوم الواقع بعد أيّام النقاء المتخلّلة، ولا شبهة أنّه مع الحكم بكون ذلك حيضاً يلزم الحكم بكون الدم الحاصل في أيّام النقاء حيضاً، نعم لو ادّعي الإنصراف في الأيّام المتّصلة من أيّام الحيض الواحد أفادت الدعوى شيئاً، ولكن منعه أوضح من أن يخفى. نعم لو قلنا بأنّ النقاء المتخلّل طهر لزم الحكم بأنّ الدم الحاصل في أيّام النقاء إستحاضة فتأمّل.

والحاصل أنّ القائل بأنّ العبرة بأيام الدم إن لم يراعي الوقت بالنسبة الى آخر العدد ويجعله في غير محلّه فيطالب بدليله، وإن كان مراعياً له لزم من أخذ الوقت والعدد معاً أن يكون العبرة بالأخذ والإنقطاع، بل لو لم يكن عادة في الوقت وكان النقاء المتخلّل على نهج واحد لزم جعل العدد في غير ما يوافق يوم النقاء، مثلاً من

____________________

(١) كشف الغطاء: ص ١١٥، س ١٩.

(٢) وسائل الشيعة: ب ثبوت عدة الحيض باستواء شهرين، ح ٢، ج ٢، ص ٥٤٦.

(٣) وسائل الشيعة: ب ان اقل الحيض ثلاثة ايام واكثره عشرة ايام ح ٤، ج ٢، ص ٥٥١.

٢٣٩

كان عادتها خمسة وكان بين الثالث والرابع نقاء يومين لم يكن لها التحيّض في اليوم الرابع من مبدأ الأيام التي جعلها(١) حيضاً لأنّ عادتها رؤية الدم في السادس والسابع من مبدأ الدم، نعم من لم يكن طهرها على نهج واحد لم يوجب الأخذ بالعدد إلحاق الزائد، إذ المفروض أنّه لا وقت لها بالنسبة الى العدد الذي يقع النقاء بينه مختلفاً لا حقيقة ولا اعتباراً كما كان لها عادة اعتبارية في الفرض السابق، فليس عليها حينئذٍ إلاّ الأخذ بالعدد، وحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ العادة بالنسبة الى كلّ من الوقت والعدد متّبعة، فحيث لزم من إجتماعهما التحيّض بالزيادة على المعتاد نلتزم به، وحيث لا نلتزم ذلك نأخذ بالعدد.

والحاصل أنّ المناط في حصول العادة وقتاً وعدداً انّما هو الدم دون الأخذ والانقطاع، فان لزم من اجتماعهما التحيّض بالزائد نلتزم به، والمسألة محتاجة الى تأمّل، ولم أر لها في كلامهم تنقيحاً، والأقوى في المسألة أنّ المدار على الأخذ والانقطاع لصدق أيّام الأقراء على مجموع أيّام الدم وأيّام البياض المتخلّل بينها، ولقوله: فإذا انقطع الدم في المرسلة الطويلة(٢) فانّه ظاهر في الانقطاع رأساً.

ثمّ إنّه لا فرق ظاهراً فيما يتحقّق به العادة بين ما حكم بحيضيته بالوجدان أو بالتميّز أو بقاعدة الإمكان، بل لا خلاف فيه، كما هو المحكي عن المنتهى(٣) ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك أنّ التميّز والإمكان أمارتان شرعيتان لكون الدم حيضاً، فيصدق على من كان لها زمانان محكومان بالحيضيّة أنّها ذات أقراء متساوية فيجب عليها التحيّض برؤية الدم في أيّامها لقولهعليه‌السلام : دعي الصلاة أيّام اقرائك(٤) أو نقول: إنّ تساوي الحيضتين في الوقت أو العدد أمارة لكون ذلك

____________________

(١) كذا في النسخة المخطوطة، والصحيح : جعلتها. (٢) وسائل الشيعة: ب ثبوت عدة الحيض باستواء شهرين ووجوب رجوعها. ح ٢، ج ٢، ص ٥٤٦.

(٣) منتهى المطلب: في بيان اقسام الحيض واحكامه ج ١، ص ٩٨، س ٣١.

(٤) وسائل الشيعة: ب ثبوت عدة الحيض باستواء شهرين ووجوب رجوعها اليها ح ٢، ج ٢، ص ٥٤٦.

٢٤٠