الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية6%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48042 / تحميل: 6351
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

ويدل عليه قولهعليه‌السلام ، في صحيحة ابن رئاب : فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً فذلك رضاً منه، ولا شرط له، قال: قيل له: وما الحدث؟ قال : إن لامس، أو قبّل أو نظر منها الى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء(١) .

وصحيحة الصفار، كتبت الى أبي محمدعليه‌السلام : في الرجل اشترى دابّةً من رجلٍ، فأحدث فيها من أخذ الحافر، أو نعلها، أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار، بعد الحدث الذي يحدثها، أو الركوب الذي يركبها؟ فوقّع: اذا أحدث فيها حدثاً، فقد وجب الشراء، إن شاء اللّه(٢) .

وظاهر الأخير، وإن كان اختصاص السقوط بغير مثل الركوب - كما أن ظاهر السؤال عدم كون ركوب الفراسخ حدثاً - فلا يشمله الخبر الأوّل أيضاً. إلاّ أنّ الظاهر بعد التأمل أن تفريق الراوي بل مثل أخذ الحافر، والركوب تفنّن في الكلام.

وأنّ قولهعليه‌السلام (إذا أحدث فيها حدثاً) جواب عن كلا المسألتين - أعني السقوط بما فرضه الراوي حدثاً، وما عدّه في قباله - ولا أقلّ من الاحتمال؛ فالخبر الأوّل سليم عن المعارض، مضافاً الى إمكان دعوى الإجماع، على أنّ مثل الركوب فراسخ مسقط للخيار، فلو كان للخبر ظهور في احتمال اختصاص السقوط بغير الركوب لما كان العمل به جائزاً، كيف وهو ممنوع

ثم اعلم، أنّ ما شك دخوله في الضابط، فالمرجع فيه العرف، فإن ارتفع وإلاّ فأصالة بقاء الخيار سليم عن المعارض.

وأمّا كلمات العلماء، فلا يحضرني ما أرجع إليه، والمنقول من عبائرهم فليس مطابقاً لما حكيناه عن التذكرة بالصراحة.

فعن المقنعة أنّ هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع، إلاّ أن يحدث فيه المبتاع حدثاً يدلّ على الرضا(٣) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٤ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٠.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤ من ابواب الخيار ح ٢ ج ١٢ س ٣٥١.

(٣) المقنعة: ص ٥٩٢.

٤٨١

وحكي عنه التمثيل لذلك في موضع آخر: بأن ينظر من الأمة الى ما يحرم لغير المالك(١) .

وعن الغنية في موضعين منها: استثناء إحداث الحدث الدال على الرضا عن ثبوت الخيار(٢) .

وعن السرائر - بعد الحكم بالخيار في الحيوان الى ثلاثة أيام - : هذا إذا لم يحدث في هذه المدّة حدثاً يدلّ على الرضا(٣) .

وعن موضع آخر: إذا لم يتصرّف فيه تصرّفاً يؤذن بالرضا في العادة(٤) .

وهذه العبائر - كما ترى - مثل الأخبار في عدم الشمول لمثل الأمر بالسقي، وتمثيل الأوّل بالنظر محمول على ما حملنا عليه الأخبار، من قصد الاستمتاع.

وبالجملة: كلّما عدّ في نظر العرف تصرّفاً في المبيع يكون مسقطاً، ولو فرضنا مخالفة المشهور لما ذكرنا، وحكمهم بأنّ كلّ تصرفٍ لغويّ يكون مسقطاً فذلك لا يوهن به ما اخترناه، للعلم بأنّ دليلهم في تعيين الضابط ليس الأخبار التي قد أشرنا الى بعضها، وهي - كما عرفت - لا دلالة فيها على اعتبار غير ما ذكرناه في السقوط.

وأمّا الأمر الثاني: فتحقيق الكلام فيه يتوقف على التكلّم في الأخبار.

فنقول: إن الظاهر أنّ المراد من الرضا ليس الرضا الحاصل عند العقد الثاني غالباً، بعد الفراغ منه، ولو في مدّة يسيرة، فأنّ إسقاط الخيار بذلك، ولو بشرط اقترانه بما يكشف عنه يوجب عدم حدوث الخيار في أغلب أفراد البيع.

ويشهد له - أيضاً - رواية عبد اللّه بن الحسن بن زيد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، عن أبيه، عن جعفرعليه‌السلام ، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: قال رسول

____________________

(١) المقنعة: ص ٥٩٣.

(٢) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) ص ٥٢٦ س ٢ و س ١٣.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٤١.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٧.

٤٨٢

اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في رجلٍ اشترى عبداً لشرط الى ثلاثة أيام، فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف باللّه ما رضيته، ثم هو بريء من الضمان(١) . فأنّ المراد من الرضا هو الالتزام، وإلاّ فالرضا بالملكية - كما عرفت - حاصل بعد العقد، ولو في زمان يسير، فلا حاجة الى الحلف، فالمراد الالتزام قلباً لو أنشأه بفعلٍ أو قول.

وكيف كان قولهعليه‌السلام فذلك رضاً، يحتمل وجوهاً:

أحدها: أن يكون تنزيلاً مراعياً للحدث منزلة الرضا، ومقتضاه سقوط الخيارية، حتى مع العلم بأنّه لا يكون مع الرضا.

ثانيها: أن يكون إخباراً عن الواقع، والمراد منه: التنزيل العرفي، لا بمعنى تقييد القضية بقولنا: عرفاً، بل بمعنى كون بناء الأخبار على تنزيل المخبر نفسه منزلة العرف.

ثالثها: أن يكون إخباراً عن الواقع، ويكون المراد: أنّ الإحداث متى تحقّق فهو رضاً - بناءً على أنّ مطلق الكاشف عن الالتزام القلبي إلتزام - وإن لم يقصد به إنشاء الالتزام.

رابعها: أن يكون إخباراً عن الواقع، ويكون المراد: أنّه متى تحقّق الحدث فالرضا محقّق، ويكون الاتحاد، الذي هو مفهوم القضية، كناية عن ذلك، ومصحّح دعوى الاتحاد: إمّا هو الدلالة - أعني كون الحدث دالاً على الرضا - وإمّا كون الرضا غالباً سبباً لحدوث الحدث، وإمّا مجرد مصاحبة الحدث للرضا.

وأوجه المصحّحات هو الأوّل، حيث أنّ اتحاد الدّال مع مدلوله حال الكشف عن المدلول إذا لوحظ بهذه الحيثيّة أظهر من اتحاد المسبب مع سببه، أو اتحاد المتصاحبين مع الآخر.

وإذا عرفت ذلك، فمقتضى أوّل الوجوه المحتملة في الفقرة المذكورة أن يكون هو الجواب للشرط. وعليه - كما مرّ الإشارة إليه - لا فرق بين أنواعه من حيث الاقتران

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٥ من ابواب الخيار ح ٤ ج ١٢ ص ٣٥٢.

٤٨٣

بالرضا، وعدم الاقتران به.

وأمّا على باقي الوجوه، فلا يخفى أنّه لا يصحّ أن يكون جواباً للشرط، لأنّ الأخبار بهذه المعاني ليس غرضاً لهعليه‌السلام ، فهي - حينئذٍ - إمّا حكمة للجواب، نظير كون الرضا حكمةً لكون الافتراق مسقطاً في خيار المجلس، وحكم هذا كما لو كان هو الجواب، ضرورة أنّ الحكمة لا تفيد موضوع الحكم، فلا فرق في الحدث بين المقرون فيه بالرضا، وبين غيره، وإمّا علّة له. وهذا الوجه يختلف حكمه باعتبار المعاني السابقة.

فإن قلنا: إنّ المراد: هو التنزيل العرفي، فإن اريد التنزيل في الحكم - أعني عدم سلطنة المشتري معه على الردّ - كان مقتضاه السقوط في كلّ ما هو بحكم الالتزام عرفاً؛ وإن لم يكن كاشفاً عن الرضا، لاقترانه بما يعلم معه عدم الرضا كوطء الجارية، وركوب الدابة فراسخ وأمثالهما فإنّ من لاحظ عمل العرف يقطع بأنّ مثل هذه التصرفات لا يصلح معها رّد البيع، ولا يكون المتصرّف مسلّطاً عليه عندهم، وإن علم صدورها من غير التزام، فضلاً عن الشكّ في ذلك، أو ظهور كونه مع الرضا. والإحداث - بمقتضى ما اخترنا في معناه - كلّه من هذا القبيل. وعليه لا تكون القضيّة غالبيّةً.

وإن اريد منه التنزيل في الموضوع أمكن أنّ ما لا يكون له ظهور في الالتزام - لاقترانه بما يدلّ على عدم الالتزام - خارج عن العلّة، فيخرج بذلك عن عموم الإحداث، لاقتضاء العلّة قصر الحكم على موردها.

وإن قلنا: إن الحدث الالتزام حقيقة - لأنّ كلّ ما دلّ على الالتزام قلباً إلتزام - وإن لم يقصد به إنشاؤه، فإن كان الحكم عليه بذلك بملاحظة نوعه كان مقتضاه سقوط الخيار بكلّ كاشفٍ نوعيّ ولو لم يكن تصرفاً، وعدم الاعتبار بما قرن بما يعلم معه عدم الرضا والالتزام فأنّه ليس التزاماً - حينئذٍ - وإن كان بملاحظة شخص التصرف اعتبر دلالة الشخص عليه، وحيث لم يعلم الاكتفاء بالظنّ كان المناط حصول العلم بالرضا.

٤٨٤

ومثل هذه الصورة في الحكم، إن قلنا: إنّ المراد: اتحاد الحدث مع الرضا، وهو كناية عن وجوده، فإن اعتبر ذلك بملاحظة النوع دخل في الحكم كلّ كاشفٍ عن الرضا، وخرج من أفراد التصرف ما يعلم - لوجود القرينة - عدم حصول الرضا معه وإن اعتبر بملاحظة شخص التصرّف كان المناط العلم بالرضا، ثم إن قضية هذا الوجه كون المسقط الرضا القلبي، وعدم العبرة بالتصرف إلاّ من حيث الكشف.

غاية الأمر، أنّه على التقدير الأوّل اعتبر الكشف النوعي، والظهور في إثبات مناط السقوط - وحينئذ - يشكل الأمر من حيث أنّ قضية ذلك، كون الرضا اذا حصل مسقطاً وإن لم يعلم به، وكون حصول العلم به كافياً في الحكم بالسقوط، من أيّ طريقٍ حصل عليه، فيجب على ذي الخيار الوفاء بالعقد، إذ الالتزام قلباً - وإن لم يحدث أمر مظهر للرضا - والتزام الأصحاب بذلك في غاية الإشكال، فإن ثبت إجماع وجب التقييد بوجود الكاشف عن الرضا، والالتزام بأنّ للكاشف دخلاً في رفع الخيار

الثالث من الخيارات - خيار الشرط

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد للّه رب العالمين. والصلاة على محمد وآله الطاهرين. ولعنة اللّه على اعدائهم ومن أبغضهم وعاندهم أجمعين الى يوم الدين.

والمراد منه: المسبّب عن شرطه في متن العقد. وهو ممّا لا خلاف فيه عندنا. وحكاية الاجماع بلغت الاستفاضة.

٤٨٥

والأصل فيه قبل الإجماع عموم الأخبار(١) المسوّغة للشرط، وأخبار خاصّة(٢) ، لعلّه تأتي الإشارة الى بعضها في المسائل الآتية - إن شاء اللّه -.

والإشكال في الاستدلال بالطائفة الاولى: بأنّ الشرط مخالف لمقتضى العقد، وهو اللزوم فيسري الأخبار الخاصّة، لمعارضتها - ما استثني - مخالفة الكتاب والسنّة من الشروط في الأخبار العامّة لا يلتفت اليه بعد الإجماع وسيأتي المراد من مخالفة الكتاب والسنّة في باب الشروط.

وبالجملة: الكلام هنا في أحكامه بعد الفراغ من صحّته في الجملة، وهو يتمّ برسم مسائل:

الاولى: لا فرق عندنا بين اتّصال زمان الخيار بالعقد وانفصاله، لعموم أدلّة الشرط. وعن الشافعيّ(٣) : منع الأخير؛ مستدلاً بأنّه يلزم صيرورة اللازم جائزاً بعد تحقّق اللزوم.

والجواب: منع بطلان التالي، مع أنّه كما عن التذكرة(٤) منتقض ببعض الخيارات الآتية كخيار الرؤية.

نعم، يجب أن تكون مدّة الخيار مضبوطةً من حيث المبدأ، والمنتهى. فلا يصحّ شرطه الى قدوم الحاجّ، أو الحصاد، أو الدباس لأنّه غرر، والبيع يصير به غرراً في بعض المواقع، لأنّه حقّ ماليّ يقع عليه الصلح، ويبذل بإزائه المال، ويختلف بوجوده وعدمه فيه المبيع.

ولذا يقع التشاحّ في مقدارٍ يسيرٍ منه، فاشتبه الجهل به الجهل بمقدار المكيل والموزون، في كون المعاوضة معه - سواء كان عوضاً، أو كان ملكه شرطاً في ضمنها - غرريّاً، فيكون الشرط منه فاسداً، على القول بأنّ الغرر في غير البيع مبطل. والبيع

____________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة: ب ٦ و ٧ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٣ - ٣٥٤.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٠ س ٣٨.

(٤) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٠ س ٣٨.

٤٨٦

حتى مع القول بأنّه في غير البيع لا يفسد فاسداً، لأنّه يسري الغرر من الشرط اليه، فلا يبتني الفساد على القول بإبطال الغرر في غير البيع، وأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد.

ومن هنا علم، أنّه لا حاجة الى الاستدلال بأنّ اشتراط المدّة المجهولة مخالف للكتاب والسنة، لأنّه غرر، إن أريد منه كون الشرط في نفسه فاسداً لكونه غرراً، وإن اريد منه أنّه لا يستلزمه الغرر في البيع يكون مخالفاً للكتاب والسنة.

ففيه: أنّ الشرط أنّه لا يكون ما أبطل الشرط المخالف شاملاً لمثل ذلك، لأنّ المراد منه: ما كان بنفسه مخالفاً، لا ما كان صحّته ملازماً لوقوع مخالفة للكتاب.

ثم اعلم، أنّه قد حقّق في محلّه، أنّ المناط في ابطال الغرر كون المعاملة التي تطرّق فيها الجهل بنوعها معه غرريّةً، وإن لم يكن كذلك في شخص المقام فلا عبرة بمسامحة المتعاقدين في بعض الموارد، وإقدامهم على الغرر.

وممّا يؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه، النهي عن السلف الى الدباس والحصاد، مع إقدام الناس عليه كثيراً.

لا يقال: لا نسلّم أنّ اشتراط المدّة المجهولة غرر، لأنّ الجهل بأصل الخيار أعظم من الجهل بحدوده، ولا ريب أنّ البيع مع الشكّ في ثبوت بعض الخيارات لا يكون باطلاً ولا يعدّ غرريّاً.

لأنّا نقول: دخول الخيار في العقد بحكم الشارع غير دخوله فيه بجعل المتعاقدين، فأنّ الجهل بالأوّل راجع الى الجهل بصفات البيع، وحدوث الطوارئ الخارجة مع العلم بصفات المبيع، والجهل بالثاني راجع الى الجهل بما وقع العقد عليه، وكون الثاني موجباً للغرر، ولا يلزم فيه كون الأوّل كذلك.

فإن قلت: المعاملة إذا لم تؤمّن من ترتّب الضرر عليها خطر، سواء كان منشأ ذلك الجهل بما وقع العقد عليه، أو اعتبر فيه، أو غير ذلك، ومع الجهل بثبوت الخيار تكون المعاملة خطراً.

قلت: ليس كلّ غررٍ منهيّاً عنه، بل هو ما كان مستنداً الى البيع لو خلي بطبعه،

٤٨٧

مع قطع النظر عن الخارج. ثمّ إنّه لا فرق في بطلان العقد مع عدم تعيين المدّة، بين أن يطلق الشرط من غير تصريح بالمدّة، وبين التصريح بها من غير تعيين أصلاً، وبين التعيين بأمرٍ غير مضبوطٍ كقدوم الحاج لأنّ البيع في جميع هذه الصور غرر.

إلاّ أنّه حكي عن المقنعة(١) والانتصار(٢) والخلاف(٣) وجواهر القاضي(٤) والحلبي(٥) : أنّه يكون البيع صحيحاً، ومدّة الشرط ثلاثة أيام. بل نسب ذلك الى المشهور بين المتقدّمين، وعن الانتصار وتالييه الاجماع عليه. وعن الخلاف نسبته الى أخبار الفرقة.

وهذه الحكاية بمنزلة أخبارٍ مرسلة، فهي مؤيّدة بالاجماعات السابقة، والشهرة المحكيّة كافية في إثبات الصحّة. مضافاً الى قولهعليه‌السلام : (الشرط في الحيوان ثلاثة للمشتري اشترط أو لم يشترط) دلّ بمفهومه على أنّ الشرط في غير الحيوان ثلاثة على تقدير الاشتراط. والمراد ينبغي أن يكون شرطه مطلقاً، لا مع تعيين المدّة، ضرورة أنّه لا يختص الصحّة مع التعيين بالثلاثة، بل أيّ عددٍ اعتبر في العقد كان الشرط صحيحاً.

وفيه: أنّ ظاهر المنطوق ثبوت الخيار في الثلاثة على تقديري شرط الخيار وعدمه، والمفهوم عدم ثبوت الخيار في الثلاثة على التقديرين، فهو يدلّ على أنّه ثابت في الثلاثة على تقدير الشرط، وليس فيه دلالة على اختصاص الثبوت على تقدير الشرط بالثلاثة، فيصير موجباً لحمل الكلام على شرط الخيار مطلقاً، دون شرط الخيار ثلاثة أيام، لعدم إمكان الأخذ بظاهر الاختصاص على هذا التقدير.

ويرد على ما قبله: أنّ المرسل المحكيّ عن الشيخ لم يوجد منه أثر في كتب

____________________

(١) المقنعة: كتاب البيع ص ٥٩٢.

(٢) الانتصار: ص ٢١١.

(٣) الخلاف: ج ٣ ص ٢٠ مسألة ٢٥.

(٤) جواهر الفقه: كتاب البيع ص ٥٤ مسألة ١٩٤.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٥٣.

٤٨٨

الأخبار، فلعلّ نسبته الى الأخبار مبنيّ على اجتهاده، فلا يعلم في المقام خبر مرسل ينجبر ضعفه سنداً أو دلالة بما مرّ من الأجماع.

والحاصل: أنّ احتمال استناد الشيخ في إرساله الى اجتهاده في دلالة الأخبار يمنع عن الاستناد الى إرساله، واحتمال استناد المجمعين الى دلالاتٍ اجتهاديّةٍ في الأخبار مانع عن تأييد مرسل الشيخ، أو انجباره باجماعهم، لأنّ انجبار المرسل سنداً، أو دلالةً بالإجماع إنّما يصحّ إذا كان مسند المجمعين هو المرسل.

فلو فرضنا أنّ هنا مرسلاً قابلاً للإنجبار لم يصحّ هنا دعوى انجباره بما ذكر.

وممّا يؤيّد كون إرسال الشيخ مبنيّاً على الاجتهاد، اختياره في المبسوط(١) القول بالبطلان كما حكاه عنه السيد في الرياض(٢) .

وأمّا الاجماعات، فهي مع مصير المتأخرين الى خلافها، لا يمكن المصير معها الى مخالفته القاعدة المتّفق عليها، خصوصاً مع كون أغلب إجماعات السيّد في الغنية، والقاضي في الجوهر مأخوذة من إجماعات السيّد في الانتصار كما قيل. وإجماعه هنا مع قوّة احتمال بنيانه على الاجتهاد - كما عرفت من مخالفة الشيخ الذي هو في أطراف آخر عصره له - موهون بمخالفته له في غير الانتصار كما حكاه عنه في الرياض(٣) .

وربّما ينتصر للقائلين بالصحّة: بأنّه ليس في الأدلّة ما يخالف ذلك، لأنّ الغرر مندفع بتحديد الشرع، وإن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحّة العقد مع الجهل به، أو بمدّته.

وفيه: أنّ الغرر لا يندفع بتحديد الشرع ما لم يكن رافعاً لمناطه، وهو جهل المتعاقدين الموجب لعدم الأمن من الوقوع في الضرر.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٣.

(٢) رياض المسائل: في خيار الشرط ج ١ ص ٥٢٤ س ٣٢.

(٣) رياض المسائل: ج ١ ص ٥٢٤ س ٣٢.

٤٨٩

وأمّا صحّة البيع في الجهل بخيار الحيوان - فقد عرفت - أنّه لعدم دخول مثل ذلك في الغرر المنهيّ عنه، وقياس ما نحن فيه عليه لا وجه له، بعد كون ما وقع في ضمن العقد محمولاً.

وبالجملة: دعوى كون التحديد الشرعيّ مخرجاً للمعاملة عن عنوان الغرر، مع بقاء مناطه الذي هو الجهل الموجب لعدم أمن المتعاقدين من الوقوع في الضرر، لا يخلو عن ضعف.

نعم، لو قلنا: إنّ حكمة بطلان الغرر آثاره التشاحّ والنزاع كان تحديد الشرع موجباً لارتفاع حكمة البطلان، فكان الالتزام بالصحّة والتخصيص في إطلاق النهي الموجب للفساد مع قيام الدليل المخصّص تعيّناً.

فتلخّص أنّ الأقوى ما اختاره المتأخرون من فساد البيع. وربّما يحكى هنا التفصيل بين الشرط والعقد به بطلان الأول دون الثاني. وقد عرفت، أنّه لا وجه له، لأنّ الغرر في الشرط يوجب كون العقد غرريّاً، ولعلّه يأتي تحقيق ذلك - إن شاء اللّه تعالى - في باب الشروط.

مسألة: مبدأ هذا الخيار عند الاطلاق حين الفراغ من العقد، لأنّه المتبادر من الاطلاق، وقد عرفت البحث في خلاف الشيخ في ما سبق، فلا نعيده.

مسألة: كما يجوز جعل هذا الخيار للمتعاقدين، كذلك يجوز جعله لأجنبيّ واحداً أو أكثر، ويجوز لكلّ واحدٍ ممن له الخيار - على تقدير التعدّد - الفسخ والإجازة، ولكنّ مع التعارض يقدّم الفسخ، لأنّ فائده الخيار تأثيره، فلو لم يؤثّر لغي الشرط اللازم الذي أمر المتعاقدان بالوفاء به فالتردّد في ذلك، أو الجزم بعدمه ليس في محلّه. وهل يجب على الأجنبيّ رعاية أصلح الأمرين بحال المشروط له؟

قد يقال: نعم، لأنّه أمين. وهو مشكل، لأنّ هذا التعليل لا يلائم ما قالوه: إنّه بحكم لا توكيل، فالمناط مراعاة لفظ الشرط، فإن كان مقتضياً لذلك - ولولا

٤٩٠

انصرافه - كان هو المبيع، وإلاّ كان إطلاقه محكماً.

والحاصل: أنّ المراد من جعل الخيار للأجنبيّ، الذي هو عنوان هذه المسألة تسليطه على أيّ الأمرين شأنه من إبقاء العقد ودفعه، على أن يكون مستقلاً في ذلك، لا جعل الخيار لمن شرط الخيار للأجنبيّ، وشرط كون الأجنبي وكيلاً عنه، ولذا لا يؤثر فسخه، فليس هنا شيء أو ثمن عليه الأجنبيّ، فيجب عليه مراعاة المصلحة لكونه أجنبيّاً.

ثم إنّه لا إشكال في أنّه لا ينتقل هذا الخيار الى وارث الأجنبيّ إن قلنا: إنّه مجرد ولاية التصرّف في العقد، وكذلك الأمر إن قلنا: إنّه حقّ مالي كسائر الخيارات وكالخيار المشروط للمتعاقدين، لأنّ الظاهر أنّ الخيار جعل لشخص الأجنبيّ منحيث هو مشخصه، نظير الوقف على شخص. وسيأتي توضيحه في أحكام الخيار إن شاء اللّه تعالى.

وفي توقف صحة هذا الشرط على قبول الأجنبي، وعدمه وجهان:

من عدم وجوب الوفاء بالشرط، ومن أنّ حصول ذلك للأجنبيّ بفعل الغير قهر عليه مناف لسلطنته على نفسه، ولم أعثر هنا على كلامٍ لأحد.

ثم إنّه قال في التذكرة : لو باع العبد و شرط الخيار للعبد صحّ البيع ، و الشرط عندنا لأنّ العبد بمنزلة الأجنبيّ(١) .

وفي القواعد: لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه(٢) .

وفيه أيضاً: لو كان العبد لأجنبيّ لم يملك مولاه، ولا يتوقف على رضاه اذا لم يمنع حقاً للمولى(٣) .

قلت: إن كان العلّة في كون الخيار لمولى العبد عدم قابلية العبد لملك الخيار لم يكن فرق بين عبد أحد البيّعين، وعبد الأجنبيّ، مع أنّ مقتضى ذلك فساد

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢١ س ٢١.

(٢) و (٣) قواعد الأحكام: الجزء الاول ص ١٤٤ س ١.

٤٩١

الشرط، لا لكونه للمولى، لأنّه غير مقصود.

وإن كان معناه عدم تأثير لفظ العبد فسخاً وإجازة ما لم يقترن برضا المولى - لأنّه لا يقدر على شيء - لم يكن فرق بينهما أيضاً.

والتحقيق: أنّ العبد إن منعنا ملكه للحقوق - كما أنّه لا يملك الأحوال - فالشرط فاسد. وإن قلنا: إنّه يملك الحق فالظاهر توقف تأثير لفظه على إذن المولى.

ولا يتوهّم، أنّ هذا يرجع الى كون الخيار للمولى، إذ لا أثر لفسخ المولى، وأنّما إذنه شرط في تأثير المؤثر، وهو فسخ العبد.

هذا إن كان المقصود من جعل الخيار للعبد سلطنته على الفسخ في الجملة، ولو في حال إذن المولى.

وإن كان القصد سلطنته عليه مطلقاً - ولو من دون إذن مولاه - ففيه إشكال. والأقوى في النظر عاجلاً فساد الشرط، لأنّ العبد « لا يقدر على شيءٍ وهو كلّ على مولاه »(١) نطق بذلك الكتاب العزيز والقرآن المجيد.

مسألة: يجوز لكلّ منهما اشتراط الاستئمار، والمراد: أن يشترط أحدهما على صاحبه أن يأتمر المشروط عليه بأمر الأجنبيّ إذا استأمره المشروط له في أمر العقد، أو يأمره ابتداءً، فأن أمر الأجنبيّ بالاجازة لم يكن لأحدهما الفسخ، لأنّ فعله معلّق بمقتضى جعلهما على الأمر به، ولم يحصل. ولأنّ معنى الائتمار الالتزام بأمره، ومعناه الالتزام بالعقد عند الأمر بإجازته، وإن أمر بالفسخ، فإن لم يكن المشروط له طالباً له فالظاهر أنّه لا يجب، وإن طلبه فكذلك، لأنّ معنى ائتماره بأمره ليس إنشاء الفسخ، بل الرضا به، والالتزام به اذا أجازه المشروط له، ومقتضى ذلك سلطنة المشروط له على الفسخ، لا وجوب الفسخ على المشروط عليه.

والحاصل: أنّ المستأمر هو المشروط له، فالأمر بالفسخ متوجّه إليه، لا إلى المشروط عليه، فليس معنى الائتمار المشروط عليه بهذا الأمر إلاّ الرضا به، والالتزام

____________________

(١) النحل: ٧٦.

٤٩٢

بفعل المشروط.

ولو فرض أنّه شرط أحدهما على صاحبه استئماره الأجنبي فالمفهوم منه عرفاً ليس - أيضاً - إنشاؤه الفسخ، ولا سلطنة عليه دون المشروط له، بل الرضا به والالتزام به إذ اختاره المشروط له.

ومن هنا علم، أنّ المشروط عليه ليس له السلطنة على الفسخ في الصورتين. وممّا ذكر، ظهر الفرق بين هذه المسألة، وجعل الخيار للأجنبيّ، لأنّ الخيار هنا للمشروط له، وأمر الأجنبي بالفسخ شرط لحصوله، فالأجنبيّ هنا كالمشروط له في المسألة السابقة في أنّه لا يكون فسخه مؤثّراً. ويجب تعيين مدّة الاستئمار، لأنّ بدونه يكون الشرط غرراً.

فرع

إذا أمره الأجنبيّ بالفسخ ابتداءً، وكان الشرط الائتمار بأمره بعد الاستئمار فهل للمشروط له الفسخ؟ وجهان:

من أنّ الشرط غير حاصل، ومن أنّ الغرض من شرط الاستئمار - وهو حصول الأمر - وهو حاصل.

والحاصل: أنّ شرط الاستئمار ليس مقصوداً بذاته، وإنّما اعتبر لكونه سبباً لحصول الأمر، فالشرط حقيقةً هو الالتزام بأمر الأجنبي.

نعم، لو علم تعلّق غرض بالاستئمار غير تحصّل الأمر كان عدم حصول الخيار بالأمر ابتداءً واضحاً.

فرع

لو شرط أحدهما على صاحبه قبل الفسخ، اذا أمره الأجنبي فالظاهر وجوب ذلك عليه، بل الظاهر أنّه لو لم يفعل أجبره الحاكم. ولكنّ هذه المسألة من مسائل الشرط. والحاصل: أنّ مسألة الاستئمار المعدودة من مسائل شرط الخيار، حقيقتها

٤٩٣

اشتراط أحدهما على صاحبه خياره، بعد أن يأمره الأجنبيّ بالفسخ، أو يأمر صاحبه به.

وتوهّم التلفيق في الانشاء، لأنّ الشرط هو الخيار على تقدير أمر الأجنبيّ ليس في محلّه، لأنّ الأمر هنا معرّف للزمان، فافهم.

مسألة: من أفراد شرط الخيار الشرط بعد ردّ الثمن، ويعبّر عن البيع المشروط فيه: بيع الخيار، وهو بيع الشيء مع اشتراط البائع لنفسه على المشتري الخيار في يده، بأن يردّ الثمن، ويرتجع المبيع. وحاصله شرط السلطنة على الارتجاع بعد تحقّق الردّ، وهو جائز.

وعن التذكرة(١) ، الاجماع عليه، ويدلّ عليه قبله عمومات لزوم الشرط، وجملة من الأخبار الواردة في خصوص المسألة.

منها: موثقة إسحاق بن عمار، قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه ، سأله رجل وأنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج الى بيع داره، فمشى الى أخيه، فقال له: أبيعك داري هذه، ويكون لك أحبّ إليّ من أن يكون لغيرك، على شرط لي أنّي اذا جئتك بثمنها الى سنةٍ أن تردّها عليّ قال: لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها ردّها عليه، قلت: أرأيت لو كان للدار غلّة لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلّة للمشتري، ألا ترى أنّها لو أحرقت كانت من ماله(٢) الخبر.

قوله: اذا جئتك بثمنها الى سنةٍ، ظاهره الابتدائي، وإن كان مطلقاً إلاّ أنّه يمكن دعوى كون المراد من ذلك المجيء بالثمن، على أن يكون المشتري الملازم للفسخ الفعلي، نظراً الى أن الغرض من ذلك ليس إلاّ ارتجاع المبيع.

قوله: تردّها عليّ، يحتمل أن يكون المراد هو الردّ الخارجيّ، ويكون المعنى أنّي اذا جئتك بالثمن تردّ المبيع، ولا يكون لك - حينئذٍ - كلام. وحاصل الشرط - حينئذٍ -

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢١ س ٣٩.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٨ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٥. مع اختلاف في بعض الالفاظ.

٤٩٤

سلطنة البائع على الفسخ الفعلى، وأن يكون المراد هو الإقالة على أن يكون الردّ الخارجيّ كنايةً عن ملزومه الذي هو الإقالة. فالشرط - حينئذٍ - إقالة المشتري عند إقالة البيع. وهذا مخالف لظاهر اللفظ.

ويحتمل - بعيداً - أن يكون المراد من الردّ: الردّ الحكميّ، وهو اخراجه من ماله وإدخاله في مال البائع، وهذا يرجع الى شرط معاوضةٍ جديدة، وهو - مع بعده في نفسه - لا يلائم قوله: اذا جئتك بالثمن، لأنّه ظاهر في الفسخ الفعليّ.

وبالجملة: التمسّك بالرواية لفروض المسألة مشكل.

ومنها: رواية معاوية بن ميسرة، قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه: عن رجل باع داراً له من رجل، وكان بينه وبين الذي اشترى الدار خلطة، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال: له شرطه.(١) . الخبر.

قوله: إن أتيتني بمالي هو نظير قوله في الرواية السابقة: إن جئتك بالثمن.

قوله: فالدار دارك، يحتمل أن يكون المراد ظاهره، وهو أنّ الدار لك عند الإتيان بالثمن، فيرجع الى شرط حصول الفسخ بعد الردّ، وأن يكون كناية عن الالتزام بردّ الدار، وعدم السلطنة على منعه عنها، فيكون الشرط سلطنة البائع على الفسخ بالردّ.

وهذا، وإن كان مخالفاً للظاهر، لا يبعد أن تحمل الرواية عليه، نظراً الى ظهور كون السؤال في هذه الأخبار عن حكمه عن المعاملة المتعارفة بين الناس، وهو البيع بشرط خيار البائع، وسلطنته على ردّ الثمن، وارتجاع المبيع.

ومنها: رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : قال: إن بعت رجلاً على شرط، فإن أتاك بمالك، وإلاّ فالمبيع لك(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٨ من ابواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٥٥.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٧ من ابواب الخيار ح ٢ ج ١٢ ص ٣٥٤.

٤٩٥

أقول: يحتمل أن يكون المراد من قوله: (بعت رجلاً) الشراء - بناءً على أنّ لفظ البيع يطلق على المعنى الأعمّ من الشراء والبيع - فيكون المراد من الشرط شرط ردّ المبيع عند ردّ الثمن، ويكون المراد من البيع في قوله: فالبيع لك: المبيع، فيكون كناية عن لزومه، وعدم سلطنة البائع على ردّ الثمن وارتجاع المبيع، وحينئذٍ تكون الرواية من أدلّة ما نحن فيه، أو أن يكون المراد من قوله: بعت معناه الحقيقي، ويكون المراد من الشرط، شرط تعجيل الثمن مثلاً، ويكون المراد من البيع في قوله: فالبيع لك العقد - أي - اختياره إبقاءً ودفعاً لك، فلا دخل له بمسألتنا.

والثاني وإن كان أقرب من الأول - لعدم التجوّز في لفظ البيع - إلاّ أنّ إرادة العقد من البيع بعيد. مع أنّ الظاهر أنّ قولهعليه‌السلام : فإن أتاك بمالك هو تعبير عن الشرط، وكون المراد منه، المال الذي ثبت كونه له بهذا البيع، حتى يكون المراد من إتيانه التعجيل في الاقباض بعيد.

مع أنّ في التعبير بالاتيان، ودخل الدفع والاقباض نوع إيماء إلى أنّ الشرط هو الردّ، لا تعجيل الثمن، ومع ذلك وضوح المسألة أشدّ من أن نحتاج في إثباتها الى هذا الخبر.

ومنها: رواية سعيد بن يسار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : إنّا نخالط اناساً من أهل السواد وغيرهم، ونبيعهم ونربح عليهم في العشرة اثني عشر، وثلاثة عشر، ونؤجّل ذلك فيما بيننا وبينهم السنة، ونحوها، ويكتب لنا رجل منهم على داره أو أرضه بذلك المال، الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءً بأنه باع وقبض الثمن، فعنده إن هو جاء بالمال الى وقتٍ بيننا وبينهم أن نردّ عليه الشراء، فإن جاء هذا الوقت، ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في الشراء؟ فقال: أرى أنّه لك إذا لم يفعله، وإن جاء بالمال للوقت فتردّ عليه(١) .

أقول: قوله (فنعده) الظاهر أنّه ليس المراد من مجرّد الوعد بعد العقد، ولا قبله

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٧ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٤ مع تفاوت يسير.

٤٩٦

على وجهٍ لا يقع البيع على ذلك الشرط، بل المراد التباني على ذلك، على أن يكون البيع مشروطاً بذلك، والردّ المشروط هنا، ومجرّد المال يراد بهما ما مرّ في رواية إسحاق بن عمار.

وهذه الرواية تدلّ على جواز اشتراط ردّ بدل الثمن على تقدير تلفه، فأنّ الثمن - هنا - لكونه في الذمّة يتلف بمجرّد وقوع البيع صحيحاً، فاشتراط الردّ حقيقةً إشتراط الردّ ما يصلح أن يكون أداءً لذلك على تقدير بقائه وهو قبله. ولعلّه يأتي لذلك بيان أوضح من ذلك في بعض المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ اعلم، أنّ المراد من الردّ: هو تسليط المشتري على الثمن، ودفع البائع منعه عن تصرفه فيه بعد إحضاره إيّاه عند المشتري، وبعبارة اخرى إحضار له عند المشتري بهذا العنوان.

وأمّا قبض المشتري وحصوله تحت يده، فليس معتبراً، وهذا المعنى هو الظاهر من الأخبار. ثم إنّ الردّ بهذا المعنى، قد يجعل شرطاً لحصول الخيار أو مبدأ لحدوثه.

وقد يجعل قيداً للفسخ الذي جعل السلطنة عليه شرطاً في العقد، بمعنى أن يكون الشرط سلطنة المشتري على الفسخ المسبوق بالردّ.

وقد يجعل متعلّق الخيار المشروط على أن يكون فسخاً فعليّاً. وقد عرفت أنّ الأظهر من الأخبار هذا المعنى. وقد يكون الشرط انفساخ البيع عند الردّ كما هو محتمل الرواية الثانية، أو إقالة المشتري كما هو محتمل الرواية الاولى والأخيرة، والشرط بهذين المعنيين خارج عن مسألة شرط الخيار.

وفي صحة الأوّل منهما إشكال، فأنّ ذلك راجع الى شرط حصول ما يتوقّف على أسباب خاصّةٍ بدون حصول تلك الأسباب، فيبتنى صحة الشرط - حينئذٍ - على أن لا يكون التوقّف دائماً كما في مثل توقّف الزوجية على عقد النكاح، إذ على هذا التقدير يكون نفس الشرط في العقد سبباً لحصوله.

والحاصل: إن كان المعهود من الشرع حصوله بامور، وتوقّفه عليها في الجملة كتوقف الملكية على البيع - مثلاً - صحّ الشرط. وإن كان حصوله بها، وتوقّفه عليها

٤٩٧

مطلقاً - بحيث لا يصلح قيام الشرط مقام تلك الأسباب بعد ملاحظة أدلّة وجوب الوفاء، بحيث كان الشرط - حينئذ - مخالفاً للمشروع كاشتراط الزوجية - فهو باطل، ولكن يكفي في الحكم بالصحة الجهل بكونه من القسم الثاني، لأنّ مخالفة الشرع - حينئذٍ - غير معلومةٍ، والأصل عدمها، فيكون داخلاً في (المؤمنون) وخارجاً عن الاستثناء.

وتوهّم أنّه لا مجرى للأصل، لأنّ المعتبر دخوله في المستثنى منه، لا خروجه من المستثنى. والأصل لا يثبت الأوّل. يدفعه أنّ المستثنى منه ليس له عنوان، وجري يخالف الأصل، بل هو الغير المخالف. والأصل ثبّت هذا المفهوم، لأنّه عين مجراه.

فإن قلت: أصل التوقّف معلوم فلا معنى للأصل.

قلنا: التوقّف على وجهٍ يخالف شرط حصوله بدونها غير معلوم، والأصل عدمه، وأصالة عدمه على وجهٍ غير مخالف لا أثر له هنا حتى يعارض به أصالة عدم مشروعيّة على الوجه المخالف.

فإن قلت: هذا الأصل معارض بأصالة عدم حصول الانفساخ بعد الردّ.

قلنا: الشكّ في حصول الفسخ مسبّب عن الشك في صحة الشرط، وإذ قد أحرزنا - ولو بواسطة الأصل - صحته. فلا يبقى شكّ في حصوله.

والحاصل: أنّ أصالة عدم المخالفة حاكم على أصالة عدم تحقّق الانفساخ.

وسيأتي - إن شاء اللّه تعالى وتقدّس - ولي في صحّة التمسك بالأصل إشكال، لأنّ الوصف العنواني - وإن كان مطابقاً للأصل - يكون اتّصاف الموضوع به مشكوكاً غير مسبوق بالتعين، لأنّ حدوثه على أحد الوجهين - أعني متّصفاً بالمخالفة، وعدمها - مشكوك، وليس هذا من قبيل استصحاب طهارة المصلّي، لأنّه راجع الى استصحاب كونه طاهراً، وبعبارة اخرى راجع الى استصحاب اتّحاده مع عنوان الظاهر، وهو مسبوق باليقين.

والحاصل: أنّ إثبات الموضوع بإحراز بعض أجزائه بالوجدان، والبعض الآخر بالأصل، لا يخلو من شوب إشكال، لإمكان أن يقال: إنّ الأصل على وجهٍ يترتّب

٤٩٨

عليه المقصود من الاصول المثبتة؛ إذا لم يكن أصل الاتصاف له حال سابقة يقينيّة، فتأمل. ولعلّ يأتي بعض الكلام في ذلك في باب الشروط، وبعض المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى وتقدّس.

مسائل

الاولى: الظاهر أنّ الخيار ثابت في المدّة المضروبة، وإن لم يدفع المشتري الثمن الى البائع، لأنّ اشتراط الردّ في ثبوت الخيار إنّما هو على تقدير القبض، فالشرط ثبوت الخيار في المدة إذا حصل الثمن عند المشتري، سواء كان بالردّ، أو بحصوله عنده من حين العقد.

ويحتمل أن يقال: بعدم الخيار نظراً الى الظاهر من حيث أنه مشروط بالردّ، الذي يتوقّف على القبض فالشرط هو الخيار على تقدير القبض والردّ، وهو بعيد غاية البعد، لأنّ الغرض من هذه المعاملة التوصّل الى الثمن، عاجلاً مع القدرة على استرداد المبيع آجلاً، وهو ينافي الشرط على هذا الوجه. إلاّ أن يقال:

إنّ ذلك لا يوجب كون الشرط هو الخيار المشروط لحصول الثمن عند المشتري، سواء كان بالردّ بعد القبض، أو بثبوته عنده لعدم القبض، بل مقتضاه اشتراط التعجيل في أداء الثمن، والخيار على تقدير القبض والردّ، فيكون شرط الخيار منحلاً الى شرطين:

أحدهما: تعجيل المشتري وأداء الثمن، والخيار بعد الردّ، وحينئذ، فإن لم يعجّل في القبض يكون له خيار تخلّف الشرط، وإن عجّل فله بعد الردّ خيار الشرط.

وتظهر الثمرة في انقضاء المدّة، فأنّه على تقدير كون الخيار على تقدير عدم القبض مستنداً الى شرط الخيار يلزم العقد اذا لم يفسخ في المدة، وعلى تقدير كونه لتخلّف الشرط يكون باقياً، إن لم نقل بفورية هذا الخيار.

وفي إقباض المشتري وعدم قبض البائع، فأنّه على الأوّل يكون الخيار ثابتاً، لأنّ شرط الخيار حصول الثمن عند المشتري، وهو حاصل وإن كان بسبب عدم قبض

٤٩٩

البائع. وعلى الثاني لا خيار، لأنّ الشرط، وهو إقباض المشتري حاصل، وإنما الامتناع من البائع، فتأمّل.

الثانية: الردّ الذي اعتبر شرطاً لثبوت الخيار، إن اريد منه ردّ خصوص المقبوض فلا إشكال في أنّه لا يحصل الخيار بردّ بدله، سواء كان المقبوض ثمناً، أو أداءً للمضمون في ذمّة المشتري.

وإن أريد منه ردّه على تقدير بقائه، وردّ بدله على تقدير عدم بقائه فلا إشكال في ثبوت الخيار مطلقاً بردّ العين، وردّ بدله على تقدير تلفه. وفي صحّة تعليق الخيار على الرد الأعم من رد العين ورد البدل، حتى في صورة بقاء المقبوض في ملك البائع إشكال.

أمّا إذا كان المقبوض عين الثمن فالظاهر، لأنّه مخالف لمقتضى الفسخ لغة وشرعاً، لأنّ مقتضاه رجوع كلّ من العوضين الى محلّه قبل العقد، والرجوع الى البدل إنّما هو عند تغيير العين، فشرط الخيار المعلّق على الردّ بهدا المعنى مخالف للمشروع، وكذلك الأمر اذا كان المقبوض أداءً لما كان مضموناً في ذمّة المشتري، لأن ذلك المضمون بعد القبض متحد مع المقبوض، فهو - حينئذٍ - عين الثمن. وقد كان مقتضى الفسخ رجوع نفس العوض الى محلّه الأصليّ، مع بقائه في ملك البائع.

ويمكن أن يفرّق بين الصورتين، بأنّ مقتضى الفسخ اذا كان مضموناً في ذمّة المشتري رجوع ذلك الى المشتري، ولمّا كان ذلك حاصلاً عند البائع لم يكن مقتضاه إلاّ رجوعه الى المشتري بوصف حصوله عند البائع، وهذا لا يقتضي إلاّ كونه مضموناً بعد الفسخ في ذمة البائع.

وأمّا تعيّنه في المقبوض قبل الفسخ فالمفروض انه لم يعتبر في العقد، والقبض الواقع بعده لا يقتضي إلاّ تعيّن ما في ذمّة المشتري في المقبوض.

ويرد عليه: أنّ ملك البائع لهذا المقبوض أنّما هو من حيث اتّحاده في المثمن المعتبر في عقد البيع، فاذا رجع ما هو متّحد معه الى المشتري يقتضي الفسخ.

٥٠٠

فلا معنى لبقاء ذلك في ملك البائع.

وبعبارة اخرى: القبض الواقع بعد العقد اقتضى نقل ما في الذمّة الى الخارج، فالمقبوض عين الثمن، فهو راجع بعد الفسخ الى المشتري، لأنّه قضيّة العينيّة.

والحاصل: أنّ القبض فيما اذا كان الثمن مضموناً في الذمة ليس معاوضة من البائع والمشتري لما في الذمّة بالموجود الخارجي، حتى يقال: إنّ قضية هذه المعاوضة تلف الثمن والفسخ على تقدير التلف لا يقتضي إلاّ الرجوع الى البدل، والبدل نسبته الى المقبوض كنسبته الى غيره، بل هو نقل لما في الذمّة منها الى الخارج.

فالموجود الخارجي بعد القبض عين الثمن، فيرجع الى المشتري بعد الفسخ كما هو قضيّة العينيّة، والمسألة بعد محتاجة الى التأمل.

وفي اشتراط ردّ القيمة في المثلي على تقدير التلف، أو بالعكس إشكال. فأنّ معنى هذا الشرط وحقيقته كون القيمة المردودة ملكاً للمشتري بدلاً عن الثمن التالف بعد الفسخ، ورجوع المبيع الى البائع.

وهذا، وإن لم يكن منافياً لقضية الفسخ، لأنّه لا يقتضي إلاّ رجوع البدل، وليس مقتضاه تعيين المثل بدلاً عن المثلي لا يخلو من إشكال، لأن تعيين القيمة بدلاً عن المثلي مخالف لتعيين الشارع وحكمه ببدلية المثل. إلاّ أن يقال:

إنّ تعيين الشارع ليس على وجه الكلّيّة، بحيث لا يقبل التغيير ولو بالشرط، وفيه تأمل.

أو يقال: إنّ غرض المتعاقدين في تعيين البدل ليس بدليّة ذلك عن العين. بحيث لا يتوسّط بينهما دخول المثل في الذمة آناً ما، وفراغ الذمّة بالمدفوع على أن يكون أداءً عنه. وإنّما الغرض عدم استحقاق المشتري بعد الفسخ غير ما دفعه اليه البائع، فالشرط - حينئذٍ - بمنزلة شرط وفاء ما في الذمّة بغير جنسه.

وفيه: أنّ المتّبع(١) منطوق كلام المتعاقدين، وعموم الغرض له ولغيره لا يؤثّر في

____________________

(١) « المنع خ ».

٥٠١

صحّة الشرط على غير الوجه الذي اعتبراه، ووقع قصدهما إليه.

نعم لو شرطا كون المدفوع وفاءً لما يستقرّ بعد الفسخ في الذمّة، بحيث يكون حصوله في يد المشتري بعد الفسخ بمنزلة إيفاء البائع لما في الذمّة، كان الأقوى صحّة الشرط، ولكنّك قد عرفت أنّ حقيقة الشرط المذكور بدليّة القيمة عن التالف، ورجوعه الى المشتري بعد الفسخ من حيث أنّه بدل عنه، إلاّ أن يقال:

إنّ عموم الغرض قرينة على أنّ المراد من البدليّة أعمّ من بدليّة ذلك عن التالف بلا واسطة، والبدلية عنه بتوسط المثل، فاذا كان الشرط له وجه صحةٍ لزم الوفاء به.

ونقول هنا: إنّ الفسخ يوجب استقرار المثل في الذمّة، والشرط يقتضي كون حصول القيمة في يد المشتري وفاءً، فالمثل يستقرّ آناً ما ويسقط بالمدفوع.

هذا غاية ما يسع لي من المقال في دفع الإشكال، ولكنّ التأمّل بعد له مجال.

وإن أطلق الردّ، وكان الثمن عيناً فالذي رجّحه شيخنا - قدس اللّه نفسه الزكية - في المكاسب(١) ظهور ردّ نفس الثمن، واستظهر من إطلاق حاشية الشرائع(٢) والدروس:(٣) : أنّ الاطلاق لا يحمل على العين، وهو عندي غير بعيد.

وإن أطلق الردّ، وكان الثمن كلّيّاً في ذمة البائع فلا شبهة في أنّ الردّ يراد فيه ردّ ما يصدق عليه ذلك الكلّيّ، سواء قلنا: بأنّ المدفوع عينه، أو قلنا: إنّ ما في الذمّة بعد صحّة البيع تلف على المشتري بأداء المبيع، الذي ملكه بالبيع، ويكون ما يدفعه البائع بعد الفسخ بدلاً عنه.

وإن أطلق، وكان الثمن كلّيّاً في ذمّة المشتري فالظاهر أنّ الاطلاق لا يحمل على العين المقبوضة أداء للكليّ، وهل يراد من الأعمّ من ردّ البدل حتى في صورة بقاء المقبوض، فيفسد - بناء على ما مرّ - أو ردّه المقبوض على تقدير بقائه، والبدل على

____________________

(١) المكاسب: الخيارات ص ٢٣٠ س ٢٣.

(٢) ليس عندنا حاشية الشرائع.

(٣) الدروس الشرعيّة: كتاب الخيار ص ٣٦٠.

٥٠٢

تقدير تلفه، فيصحّ ؟ فيه إشكال. والمتيقّن هو الأخير.

قلت: الظاهر أنّ متعلّق الردّ المعلّق عليه الخيار هو الثمن الذي وقع عليه العقد، ومقتضى إطلاقه كفاية الردّ بغير المقبوض، لصدق ردّ الكلّيّ، كما أنّ قضية يصدق، يصدق على إقباض فردٍ منه، أيّ فردٍ كان.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ هذا الاطلاق ينصرف الى ردّ المقبوض ما دام باقياً، وردّ غيره إن تلف، نظراً الى ما نشاهد من حال العرف أنّ البائع منهم اذا أراد ارتجاع المبيع لا يرى لنفسه استحقاق تبديل المقبوض بغيره، وأنّه لو فعل ذلك وطالبه المشتري بالمقبوض لا يعدّ ذلك منه مطالبةً لغير ما يستحقّه، ولا عبرة(١) في تنقيح ذلك، لأنّه انما كان يطالب البائع مع بقاء المقبوض بردّه، لأنّه إن كان الشرط فاسداً لفساد البيع فليس له إمساك المقبوض لإرادة الاطلاق.

وإن كان واقعاً على الوجه الصحيح فلا يستحقّ الفسخ إلاّ مع ردّه، وعلى تقدير صحته إطلاق الردّ فالأصل عند الشك فيه، وفي إرادة ردّه - ما دام باقياً - يقتضي العمل بالتقييد، لأنّ الأصل عدم حدوث الخيار بردّ البدل، وعدم تأثير فسخه في ردّ المعاملة.

الثالثة: مقتضى تعلّق الخيار بالردّ، وتقيّد الفسخ بسبق الردّ - كما في بعض صور الاشتراط - عدم كون الردّ فسخاً. ضرورة أنّ الخيار على الأوّل موقوف على حصوله، وتأثير الفسخ موقوف على الخيار، وأنّ المسلّط عليه على الثاني هو الفسخ بعد الردّ.

ولعلّ هذا مستند ما ادّعي ظهوره من كلمات الأصحاب(٢) . وحكي عن الدروس(٣) النصّ عليه، من أن الرّدّ لا يكون فسخاً، حيث أنّ المعنون في كلماتهم هو شرط الخيار بعد الردّ، وربّما يعلّل ذلك بعدم دلالة الردّ على الفسخ. نعم، يدلّ

____________________

(١) ثمرة (خ).

(٢) الدروس الشرعيّة: ص ٣٦٠.

(٣) جواهر الكلام: ح ٢٣ ص ٣٧.

٥٠٣

على إرادته. والإرادة غير المراد.

قلت: لا أرى فرقاً بين دفع البائع السلعة الى المشتري في بيع المعاطات وردّ المشترى لها اليه اذا قصد إبطال المعاوضة الفعلية، فكما أنّ الأوّل إنشاء للبيع كذلك الثاني إنشاء بفسخه.

نعم، الفرق بينهما أنّ البائع يقصد من الإيصال الى المشتري تمليكه، وإخراجه عن يده مقدّمة للإيصال المقصود به التمليك، وأنّ الأخراج عن ملكه لا يكون مقصوداً له، وأنّما يحصل بحصول التمليك، والمشتري يقصد من إخراجه عن يده اخراجه عن ماله، الذي هو حقيقة إبطال العقد المعبّر عنه بالفسخ، والإيصال الى المشتري غير مقصود منه إلاّ تحقّق الخروج الظاهر، الذي يقصد به الخروج عن ملكه.

وإذا كان الردّ هناك كذلك، فلا أظنّك تدّعي الفرق بين الردّ في المقامين سلّمنا عدم قصد الإنشاء، لكنّا ندّعي دلالته على الرضا بملكيّة المردود اليه للمردود، وهذا المقدار كافٍ في حصول الفسخ، لما سيأتي في باب الفسخ، مضافاً الى أنّ الأخبار - كما عرفت - كلّها ناطقة بكفاية الردّ في حصوله.

لا يقال: إنّ موردها شرط خيار الفسخ بالردّ، لا شرط الخيار بعد الردّ كما هو مفروض الكلام، فأنّ المدّعى قابليّة الردّ لحصول الفسخ به في حدّ ذاته. وهذا لا يفرّق فيه مفروض الكلام عن مورد الأخبار.

نعم، الفرق بينهما من وجهٍ آخر، وهو عدم حصول الخيار قبل الردّ - هنا - لعدم شرطه، وحصوله هناك لاطلاق اشتراطه في متن العقد، وهذا هو الموجب للفرق بينهما كما عرفت.

الرابعة: يسقط هذا الخيار بامور:

منها: الإسقاط، ولا إشكال فيه إذا كان بعد الردّ، وقبل الفسخ، وأمّا قبل الردّ ففيه إشكال، فأنّه إسقاط لما لم يجب، وهو منجزاً - غير معقول إنشاء عن جدّ وتأثير. ضرورة أنّ إسقاط الحقّ فرع وجوده.

٥٠٤

ولذا منع العلاّمة(١) في التذكرة عن إسقاط خياري الحيوان والشرط قبل التفرق، إن قلنا: إنّ مبدأهما التفرّق، ومن هذا القبيل إسقاط خيار الغبن قبل تحقّق سببه، وهو العلم بالعيب، وإسقاط ضمان الودعيّ المفرّط قبل حصول التلف، وبراءة البائع من العيوب.

ولذلك أشكل في جامع المقاصد(٢) على المصنّف، حيث حكم بسقوط ضمان الودعيّ بالاسقاط بعد حصره المسقط في الاستئمان الجديد، بأنّ هذا ليس استئماناً جديداً، والاسقاط قبل تحقّق الضمان غير جائز.

وقال في المسالك - في هذه المسألة أو نظيرها كلاماً. محصّله - : انّ الضمان معنى متحقّق قبل حصول التلف دائرة استقرار البدل في ذمّة الضامن بعد التلف، وحاصله حدوث حقّ للمالك على الضامن يوجب الردّ اليه مع بقاء المال، وردّ بدله مع التلف(٣) .

وقالوا - في مسألة براءة البائع من العيب - : بأنّ ذلك ليس إسقاطاً، أنّما هو إبداء للمانع عن تأثير سبب الخيار في حدوثه، وهو وجود العيب.

وكذلك يمكن أن يقال بمثل ذلك في إسقاط خيار الغبن قبل حدوث السبب: بأنّ الاسقاط تقبّل للضرر المحتمل، فهو يمنع عن تأثير السبب في حدوثه بعد تحققه، وهو العلم بالغبن.

وبالجملة: الحكم بحصول السقوط هنا من غير إدخال الاسقاط الى بعض ما ذكر، أو ما يشبهه في غاية الإشكال.

[ ومجرّد السلطنة على الردّ لا تؤثر في ذلك، ويمكن أن يكون الوجه فيما نحن فيه

____________________

(١) المكاسب: الخيارات ص ٢٣٠ س آخر.

(٢) جامع المقاصد: ج ٦ ص ٤٨.

(٣) مسالك الافهام: ج ١ ص ٣١١ س ٤.

٥٠٥

رجوع إسقاط الخيار هنا إلى اسقاط الشرط، فأنّ الشرط في ضمن العقد يوجب كون المشروط له مالكاً لشرطه على المشروط عليه ، وهو - هنا - السلطنة على الفسخ من غير اعتبار رضا المشروط عليه، معلقاً على الردّ - كما هنا - أو مطلقاً كما في مطلق خيار الشرط. وحينئذٍ، فالفرق بين خيار الحيوان - بناءً على كون مبدئه التفرّق - وبين ما نحن فيه، ظاهر. وأمّا خيار الشرط، فلا فرق بينه، وبين ما نحن فيه.

أو يقال: إنّ شرط السلطنة على الخيار بعد الردّ يوجب ملك الردّ، وكونه من حقوقه على المشروط عليه. وهذا الحقّ - ما دام باقياً - يوجب حدوث الخيار بعد تحقق الردّ، فإسقاط الخيار إسقاط لهذا الحقّ.

ولعلّ الى هذا نظر من فرّق بين مطلق خيار الشرط، وهذا القسم منه، فتأمل فيه، فأنّه لا يخلو من إشكال. فأني لا أتعقّل معنى لملكية الفاعل المختار لفعله الى سلطنةٍ على المعاوضة عليه، وأخذ الاجرة.

والوجه الأوّل أيضاً لا يخلو من إشكال، لأنّ معنى ملكية الشرط الى تحقق أثره، وهو إن كان ملكية شيء فلا يقبل الاسقاط كاشتراط مال العبد في بيعه، وإن كان من الحقوق فيصحّ إسقاطه كاشتراط عتق العبد في ضمن البيع، فأنّه يقبل الاسقاط - من حيث هو - مع قطع النظر عن الحقوق. وآخر كما سيأتي الكلام فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

فالأولى أن يقال في ما نحن فيه: إنّ شرط الخيار معلقاً على أمر يوجب حدوث حقّ للمشروط له في أحد العوضين، وهو موجب لحدوثٍ بسببه الخيار عند حصول المعلّق عليه.

ولذلك، لا يجوز لمن ليس له الخيار التصرّفات المنافية له قبل حلوله. فتأمّل في الاستشهاد، والاسقاط راجع الى إسقاط هذا الحقّ. وهذا إذا أسقط لا يتحقّق ما يبتني تحقّقه على بقاء ذلك الى زمان حدوث المعلّق عليه.

ومنها: انقضاء مدّة الخيار، سواء لم يتحقّق الردّ أو تحقق، ولم يفسخ الى أن تقضى المدّة. ومن أفراد عدم الردّ، الرّد بغير الجنس. وأمّا ردّ المعيب إن كان الشرط ردّ

٥٠٦

البدل على تقدير التلف فهو ردّ، إلاّ أن للمشروط عليه إبداله.

ويمكن أن يقال: إنّه ليس، بردّ، نظراً الى أن انصراف الاطلاق الى ردّ الصحيح يوجب كون الشرط ردّ الصحيح، وهو غير حاصل. إلا أن يقال:

إنّ ذلك بمنزلة شرط مستقلّ من المشروط عليه الخيار على المشرط له، وهو ردّ الصحيح، وأثره ليس إلاّ السلطنة على الإبدال، حتى بعد الفسخ. في ذلك تأمّل، فأنّ الغرض من تعليق الخيار على الردّ هو كون الثمن تحت يد المشروط عليه فعلاً. وأن لا يبقى حقّه عند البائع بعد فسخ البيع ، وهذا يقتضي - نفسياً - للرد بالصحّة ](١) وليس هذا من قبيل وصف الصحّة في العوضين المنصرف اليه الاطلاق، لإمكان أن يقال:

إنّه بمنزلة الشرط وليس من المقوّمات التي ينتفي المعارض بانتفائها.

ومنها: التصرّف - بناءً على عموم إسقاطه للخيار إلاّ ما استثني - كتصرّف المغبون قبل العلم بالغبن، لاستفادة العموم من عموم العلّة في قوله، فذلك رضا، ولا شرط له.

وتحقيق الكلام: أنّ التصرّف، إمّا أن يكون بعد الردّ أو قبله، وعلى التقديرين، إمّا أن يكون الثمن كلّيّاً في ذمّة المشتري، وإمّا أن يكون عيناً خارجيّاً.

أمّا اذا كان التصرّف قبل الردّ وكان الثمن كليّاً فالظاهر أنّه لا يسقط الخيار به، لأنّ اشتراط الردّ راجع الى شرط أحد الأمرين من ردّ عين المقبوض، وبدله على تقدير التلف، فهو غير منافٍ لبقاء الخيار، فلا دلالة فيه على الرضا باللزوم.

وإذا كان قبل الردّ، وكان الثمن عيناً، فإن كان الشرط ردّه صريحاً فيسقط الخيار بالتصرف الموجب لتلفه، أو نقله نقلاً لازماً، ويلحق به التصرف في الثمن الكلّيّ إذا شرط ردّ المقبوض، إلاّ أن السقوط هنا يمكن أن يكون لانتفاء شرط ثبوت الخيار، فلو عاد اليه الملك بعد النقل يفسخ تلك المعاملة، أو بناقلٍ فيمكن

____________________

(١) ما بين المعقوفتين قيل بزيادته في الأصل، كما في الحاشية فراجع.

٥٠٧

القول بثبوت الخيار لعود إمكان الشرط.

ويحتمل العدم نظراً الى ثبوت اللزوم. والأوجه، الفرق بين فسخ المعاملة فيكون ثابتاً، والعود بالنقل فلا يكون، لعدم إمكان تأثير السبب السابق على البيع الخياريّ في ملك الثمن إلاّ برفع ما بينه وبين الفسخ من المعاوضات، فتأمّل.

وأمّا الغير الموجب للنقل، فإن قلنا بعموم ما دلّ على أنّ التصرّف مسقط لخيار الشرط - نظراً الى عموم التعليل - كان الخيار ساقطاً به، وحينئذ يسقط البحث في مسألة العود بالفسخ، والناقل الجديد في التصرف الناقل، ويلحق به صورة اشتراط الردّ مطلقاً اذا كان الثمن عيناً، بناء على ظهوره في ردّ تلك العين.

ومن هنا يعلم حال التصرف - بعد الردّ في العين - المشروط ردّه بالنصّ أو الاطلاق سواء كان الثمن كلّيّاً أو عينياً، وهو أن التصرّف أنّما ثبت إسقاطه الخيار حيث يعقل الاسقاط، وهو قبل الردّ غير معقول.

ولا دليل على أنّ التصرّف - كالاسقاط القوليّ - مسقط للشرط الموجب للخيار، أو الحقّ الحادث بسبب قبل ثبوت الخيار، كما وجّهنا تأثير الاسقاط قبل الردّ.

والحاصل: أنّه لا دلالة للتصرّف على إسقاط الشرط، ولا على إسقاط الحقّ الحادث بسببه غير الخيار، ولا دليل على كونه مؤثّراً في ذلك قهراً على المتصرّف، إلاّ أن يقال:

والفرق بين المقام، وخياري الحيوان والشرط، بأنّ المشروط له - هنا - مالك للخيار قبل الردّ، ولو من حيث ملكه للردّ الموجب له، فله إسقاطه بخلاف الخيارين، إن اريد منه كون ذلك موجباً لفعليّة الخيار، ففيه منع ظاهر. إلاّ أن يقال: لا معنى لكون البائع بالخيار إلاّ كونه بحيث متى أراد الفسخ فسخ.

وهذا المعنى حاصل في هذا المقام، لأنّه يصحّ أن يقال: إنّ البائع متى أراد أن يفسخ كان له ذلك. والسرّ فيه كون السبب باختياره.

وفيه: أنّ الخيار ليس مجرد التمكّن من الفسخ، بل هو ملك الفسخ والسلطنة عليه، وهذا المعنى غير حاصلٍ، وإن كان تحصيله اختيارياً لكون سببه اختيارياً، ولو

٥٠٨

كان اختيارية السبب كافياً في تحقّقه خرج السبب عن السببيّة.

وإن اريد منه كفاية ذلك في صحة الاسقاط - وهو بعيد عن العبارة - ففيه أنّ التوقّف عقليّ لا شرعيّ حتى يقبل تنزيل غير الشرط منزلته، بدليل. وهو مع ذلك مفقود.

هذا كلّه مع إمكان أن يقال: إنّ السبب في حدوث الخيارين - أيضاً - اختياري، خصوصاً - بناءً على مختار المشهور - كفاية حصول الافتراق ولو من أحدهما.

ويمكن القول: بأنّ الإسقاط قبل حدوث الخيار يؤثّر السقوط حين حدوثه، ولكنّه يحتاج الى دليلٍ مفقودٍ هنا، وأنّ القول به في مسألة الغبن لكونه التزاماً بالضرر، وهنا وجوه اخر للتفصّي عن الإشكال:

أحدها: أنّ لذي الخيار قبل حدوثه ضعيف من فسخ الخيار يلزمه قضية تعليقيّة - وهي ما نحن فيه - إن ردّ فله الخيار، وهذا الحقّ ملازم للخيار، وجوداً وعدماً، بل هو من قبيل المقتضي لثبوته في محلّه، فمتى سقط هذا الحق بمسقط كالاسقاط - مثلاً - منع ذلك عن حدوث الخيار، والاسقاط قبل الردّ راجع الى إسقاط ذلك الحقّ.

وفيه منع ذلك، ومنع كون إسقاط الخيار إسقاطاً له، إن اريد منه كون ذلك قصد منشأ السقوط. كيف، وربّما لا يكون شاعراً بذلك كما لو جهل بثبوته وكذلك لو اريد كونه أثراً له تعبّداً، بل المنع هنا أشدّ.

ثانيها: أنّ إسقاط الخيار هنا راجع الى إسقاط الشرط، ولا ريب أنّ المشروط له إسقاط شرطه، إن كان من قبيل الحقوق.

ويمكن المناقشة فيه: بأنّه اريد من السلطنة على إسقاط الشرط إسقاط الحقّ الذي كان سبباً عن الشرط.

ففيه: أنّه ما لم يحدث غير قابل للاسقاط، وإن اريد أنّ المشروط له مالك لحقّ على المشروط عليه بواسطة شرطه، وهو موجب لحدوث الشرط في محلّه، ففيه منع ثبوته، بل الحقّ الثابت بالشرط منحصر في ما تعلّق به الالتزام. إلاّ أن يقال:

٥٠٩

إن كون الخيار بعد الرد، الذي وقع عليه الالتزام من حقوق المشروط له، وله إسقاطه.

والحاصل: أنّ المدلول المطابقي للشرط الذي اعتبر في متن العقد - ولو كان قضية تعليقية من حقوق المشروط له، وله إسقاطه، وإسقاط الخيار قبل الردّ - لا يقصد منه إلاّ رفع هذه القضية.

ثالثها: أنّ الشرط ينحل الى أمرين:

أحدهما: السلطنة على الردّ.

والثاني: الفسخ بعده. وإسقاط الخيار إسقاط للسلطنة على الردّ.

والحاصل: أن معنى شرط الخيار معلّقاً على الرّد جعل السلطنة على الردّ، والخيار بعده. وفيه منع ذلك، بل الشرط هو الخيار متعلقاً، مع أن المراد من السلطنة على الرد، إن كان إلزام القبول على المشروط عليه.

ففيه: أنّ ذلك خلاف ما عرفت من أنّ المراد من الردّ: هو تمكين المشروط عليه قبل أو لم يقبل، وإن كان مجرّد التمكين، وكون هذا حقّاً لا يتحقق معناه.

ومنها: التصرف فيما اذا كان الشرط ردّ المقبوض من المشتري - سواء كان هو الثمن أداءً له، بناءً على عموم ما دلّ على أنّ التصرف مسقط لغير خيار الحيوان من أفراد الخيار، وهو إذا كان بعد الردّ - لا إشكال فيه.

وأمّا اذا وقع قبله ففيه إشكال، لإمكان أن يقال: إنّ معنى قولهعليه‌السلام : (إن أحدث حدثاً فذلك رضا منه). ولا شرط كون الحدث واقعاً للشرط، ولا دليل على أنه واقع له.

وفيه أنّ المفهوم من القضية أنّ الحدث سبب لعدم الشرط، لكونه رضا، وهو أعمّ من الدفع والرفع.

غاية الأمر، أنّ مورد الصحيحة من قبيل الرفع، وهو لا تخصيص، مع أن الدفع أهون من الرفع، فالتصرف أولى به من الرفع.

٥١٠

وحكي عن الأردبيلي(١) : أنّه منع من كون التصرف مسقطاً، معلّلاً، بأنّ المدار في هذا الخيار عليه، لأنّه شرّع لانتفاع البائع، بالثمن، فلو سقط الخيار سقطت الفائدة.

ولعلّ التعليل قرينة على أنّ المراد غير محلّ الكلام، وهو ما اذا لم يكن الشرط ردّ عين المقبوض؛ لأنّ الخيار مع شرط ردّ العين معلوم أنّه لم يشرّع للانتفاع بالثمن مع ثبوت الخيار.

وعن العلاّمة الطباطبائي(٢) : الردّ عليه، بأنّ التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار، ولا خيار إلاّ بعد الردّ، وما علّل به عدم السقوط لا ينافي السقوط بعد الردّ. وقد عرفت عموم النصّ لما قبل الردّ.

وقد يجاب عنه: بأنّ المستفاد من عموم النصّ والفتوى كون التصرف مسقطاً في كلّ مقام يصحّ إسقاطه بالقول، فأنّ تأثير الاسقاط في السقوط أنّما كان لأجل كونه إسقاطاً للشرط، وهي القضية التعليقية بناءً على أوسط الوجوه، وهو الوجه الثاني من وجوه التفصّي، والتصرف لا يكون إسقاطاً، ودلالته على الرضا بعدم الشرط لا يوجب إسقاطه به من حيث أنّه شرط.

ولذا، لو فرضنا أنّ الشرط غير الخيار، لا يمكن أن يقال: إنّ التصرف الدالّ على الرضا بعدم الشرط مسقط له إذ لا دليل عليه، فالأوجه ما مرّ من عموم النصّ لذلك في نفسه، ولو لم نقل بأنّ الاسقاط يؤثّر، ولكنّ هذه المناقشة لا تتوجّه على المجيب لبنائه على أنّ الاسقاط مسقط، لكون الاختيار في السبب كافياً في صحة الاسقاط.

وقد يناقش(٣) في كلام السيّد العلاّمة: بأنّ الخيار مستمرّ من حين العقد، لأنّ كونه من حين الردّ مستلزم لجهالة مبدئه، ولحكم العرف بذلك، ولأنّه الظاهر من

____________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان: ج ٨ ص ٤١٣.

(٢) المكاسب: الخيارات ص ٢٣١ س ٧.

(٣) جواهر الكلام : ج ٢٣ ص ٤٠.

٥١١

كثيرٍ من الأصحاب، حيث أنّهم تمسّكوا في ردّ قول الشيخ(١) -رحمه‌الله - بحدوث الملك بعد الخيار ببعض أخبار هذه المسألة الدالّة على أنّ علّة المبيع للمشتري.

وفيه: أنّ الجهل لا يمنع اذا لم يستلزم الغرر، وهو هنا مفقود اذا كان زمان السلطنة على الردّ والفسخ محدوداً وأمّا العرف فحكمهم تابع لجعل المتعاقدين، مع أنّه لو فرض تخلّفه عنه لا يؤثّر شيئاً، ضرورة أنّ الخيار تابع للشرط على أيّ وجهٍ أخذ في متن العقد.

وأمّا تمسّك الأصحاب بهذه الأخبار، فلعلّه مبنيّ على عموم دعوى الشيخ(٢) بحدوث الملك بعد الخيار، للخيار المنفصل عن العقد، فلابدّ من التأمّل في كلامه.

ثم إنّ مقتضى تقييد عنوان المسألة، بما إذا كان الشرط ردّ عين الثمن عدم سقوط الخيار، التصرف في الثمن بعد ردّه اذا كان الشرط ردّ ما يعمّ البدل، وأولى منه ما اذا كان الردّ بالبدل من المثل والقيمة ثم تصرف فيه، ولكنّ الحكم بعدم السقوط لا يخلو من إشكال، إذا تلف المبيع فهو من مال المشتري؛ لقولهعليه‌السلام - في ذيل موثقة إسحاق السابقة بعد حكمهعليه‌السلام بأنّ الغلّة للمشتري (ألا ترى أنها لو احترقت كانت من ماله) بل الظاهر منه معلومية الحكم بحيث لا يقبل الشبهة، ويصحّ التعليل به لحكم آخر.

ومثله قولهعليه‌السلام في ذيل رواية معاوية بن ميسرة، ولأنّ الأصل عدم الانتقال الى البائع قهراً عليه، آناً ما قبل التلف.

والظاهر أنّ الخيار لا يرتفع بذلك، فللبائع ردّ الثمن واسترجاع قيمة المبيع، أو مثله إن كان مثليّاً.

ويمكن أن يقال: إنّ الشرط الردّ، واسترجاع المبيع يجب لتلف المبيع، لم يبق محلّ للخيار. وبعبارة اخرى: الشرط هو السلطنة على استرجاع المبيع بعد الردّ، وهذا المعنى يتوقّف على بقاء المبيع، فثبوت الخيار مشروط ببقاء العين، فتلف المبيع نابع

____________________

(١) و (٢) الخلاف: ج ٣ ص ٢٢ مسألة ٢٩.

٥١٢

عن ثبوت الخيار بالردّ.

ثمّ إنّ ذلك لا ينافي وجوب إبقاء المبيع على المشتري إلى انقضاء زمان الخيار، لأنّ شرط الاسترجاع في معنى شرط إبقاء المبيع على المشتري، وقبوله التزام بالابقاء، فهو من حقوقه فيجب عليه.

وعلى هذا، فلو أتلفه أو نقله نقلاً لازماً كان للبائع الفسخ، ولو قبل الردّ لتخلّف الشرط، أو لأنّ شرط الاسترجاع بعد الردّ على الاطلاق موجب لحدوث حقّ للبائع، مانعٍ عن تصرف المشتري في المبيع تصرفاً ينافي ذلك، كإتلافه أو نقله، بل يوجب عدم نفوذ الثاني بدون إجازته، نظير منع حقّ الرهن عن نفوذ تصرف الراهن بدون إجازة المرتهن.

وهذا الوجه أنسب لما ذكرنا من سقوط الخيار بالتلف، وإن كان الأوّل أيضاً صحيحاً من حيث كونه مسقطاً لخيار الشرط، إلاّ أنه لا يبقى معه ثمرة بين السقوط وعدمه.

ولو تلف الثمن، فهو إمّا بعد الردّ، أو قبله، فعلى الأوّل يكون من المشتري، بناءً على أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له، حتى بالنسبة الى الثمن، وحينئذ ينفسخ البيع بالتلف.

وربّما يمنع عن ذلك تمسّكاً برواية معاوية بن ميسرة، وفيها قال له أبو الجارود: فإنّ هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين. قال: (هو ماله) وقالعليه‌السلام : (أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت تكون، الدار دار المشتري).

قلت: لعلّ وجه الاستدلال أنّ مجرّد كون تلف الدار من مال المشتري ليس فيه دلالة على ما قصد إثباته، وهو كون الثمن للبائع قبل الردّ، لجواز أن يكون للمشتري، ويكون المبيع للبائع مع كون تلفه على المشتري فله استرداد الثمن من البائع، ودفع قيمة المبيع الى البائع، فيكون المقصود من ذلك إثبات كون المبيع للمشتري بذلك لا إثبات كون الثمن للبائع بإزاء المبيع قبل الردّ، وهذا لا يتمّ إلاّ بعد لزوم كون تلف

٥١٣

المبيع على المشتري، لكونه مالاً له قبل التلف، وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر، وهذه الملازمة - إن سلمت - كان مقتضاه كون تلف الثمن على البائع.

وفيه: أنّ الاستدلال مبنيّ على الملازمة الغالبية، وإلاّ فالانفكاك معلوم في الجملة. فلعلّ هذا الثمن من أفراد غير الغالب، ولعلّ النكتة في العدول عن الاستدلال بكون تلف الثمن من مال البائع - مع هذه الملازمة الغالبية الى كون المبيع ملكاً للمشتري - تمسّكاً بهذه الملازمة: كون تلف الثمن على المشتري، وكونه من أفراد غير الغالب.

وبالجملة: الرواية لا تدلّ إلاّ على أنّ تلف المبيع على المشتري، ونماء الثمن للبائع، وهما لا ينافيان قاعدة كون تلف الثمن ممّن لا خيار له.

نعم، كون نماء الثمن للبائع مع كون تلفه من المشتري ينافيان قاعدة أنّ الخراج بالضمان، ومخالفة هذه القاعدة على تقدير ثبوت كون تلف الثمن من المشتري لا يختصّ بهذا المورد، فأنّ تلف المبيع اذا كان الخيار مخصوصاً بالمشتري يكون من البائع، ونماؤه يختصّ بالمشتري.

فهذه الرواية لا تختصّ بحكمٍ ينافي كون التلف ممّن لا خيار له، حتى يستكشف منه عدم ثبوت القاعدة في جانب الثمن.

وإن كان التلف قبل الردّ فالظاهر أنّ التلف من البائع لعدم الخيار.

ودعوى ثبوته بالقدرة على سببه، وقد عرفت الكلام فيها.

نعم، إن قلنا: إنّ قاعدة كون التلف ممّن لا خيار [ له ](١) موردها تزلزل البيع، وإن لم يكن الخيار فعليّاً، كان تلف الثمن على المشتري، فيفسخ البيع ، وعلى تقدير منع جريان القاعدة - هنا - في التلف قبل الردّ أو مطلقاً لا يسقط خيار المشتري بتلف الثمن، بل له ردّ البدل واسترجاع المبيع.

صرّح بذلك شيخنا في المكاسب(٢) . ولي فيه تأمل، لأنّ مفروض الكلام: إن

____________________

(١) اضفناها لضرورتها في المتن.

(٢) المكاسب: الخيارات ٢٣٢.

٥١٤

كان صورة ردّ عين الثمن فبقاء الخيار منافٍ للشرط، وإن كان أعمّ من ذلك، ومن شرط ردّ الثمن، وردّ البدل على تقدير التلف والإتلاف أو خصوص التلف فإطلاق الحكم ببقاء الخيار غير متوجّه. مع أنّ إجراء قاعدة كون التلف ممّن لا خيار له في صورة اشتراط الخيار، حتى مع رد البدل مطلقاً، أو في الجملة يحتاج الى تأملٍ في تلك المسألة، وليس هنا محلّه.

الخامسة: لا إشكال في أنّه إذا كان الردّ المعلّق عليه الخيار، الرد الى شخصه لا يتحقّق الخيار بالردّ الى غيره، ممّن يقوم مقامه بحكم الشارع أو بجعله، كما أنه لا إشكال في التحقق به اذا كان هو الردّ، ولو الى من يقوم مقامه على حسب ما شرط.

ولو شرط الردّ الى المشتري، ولم ينصّ على التخصيص والتعميم ففي قيام الردّ الى من يقوم مقامه مقام الردّ اليه في السببيّة، لحصول الخيار كما حكي ذلك عن المحقّق القمي(١) -رحمه‌الله - واختاره شيخنا -قدس‌سره - في المكاسب(٢) ، أو العدم كما حكي عن السيّد -رحمه‌الله - في المناهل(٣) . وجهان:

الأوّل: أنّ الظاهر، أنّ المراد من الردّ: حصول الثمنعند المشتري، وتملّكه له حتى لا يبقى بعد الفسخ في ذمّة البائع، وهو كما يحصل بالردّ الى شخصه، كذلك يحصل بالردّ الى من يقوم مقامه ولو بحكم الشارع.

والثاني: أنّ الردّ الى الحاكم من غير أن يكون قبضه من المشتري، لا يكون ردّاً الى المشتري، لأنّ المفروض أنّ المال قبل الفسخ ملك للبائع، ويد الحاكم على ما يكون مالاً للمشتري بمنزلة يد المشتري دون غيره، وقبضه المال عن المشتري، الذي به يتحقّق الردّ الى المشتري إنّما يكون بمنزلة قبض المشتري اذا كان صلاحه قبض الحاكم ليفسخ المشتري.

____________________

(١) جامع الشتات: ج ١ ص ١٩٥ س ١٠.

(٢) المكاسب: الخيارات ص ٢٣٢.

(٣) المناهل: كتاب البيع ص ٣٣٤ س ١٠.

٥١٥

والحاصل: أنّ مجرّد وضع الحاكم يده على الثمن ليس بمنزلة كون المال عند المشتري، لأنّ ولاية الحاكم أنّما هو على ما تحقق دخوله في ملك المشتري، ووضعه اليد عليه عن المشتري إنّما يتحقّق به الشرط اذا كان ذلك مصلحةً له، بمعنى توقّف حفظه ماله على ذلك، وإلاّ فليس للحاكم التصرف في ملك الغائب اذا كان مصلحة عليه الحفظ. وقد لا يكون ذلك مصلحة له بهذا المعنى.

ويمكن الجواب عن الأخير، بأنّ الشرط ليس قبض المشتري للثمن حتى يقال: إن قبض الحاكم عن المشتري ما لم يكن مصلحة له ليس قبض المشتري، وليس حصول المال تحت يد المشتري حتى يقال: إن يد الحاكم على مال المشتري بمنزلة يد المشتري، لا يده على مال الغير، بل الشرط أن يجعل البائع المشتري ومن يقوم مقامه متمكّناً من التصرف في المال.

وهذا المعنى لا يعتبر فيه أمر يناط باختيار الحاكم، حتى يناط حصوله بالمصلحة، ولا يعتبر فيه أيضاً فعليّة سلطنة المشتري، وحصول المال عنده حتى يقال: إن الحصول عند الحاكم ما لم يكن الثمن ملكاً للمشتري لا يكون بمنزلة حصوله عند المشتري وقبضه عنه، إنّما يجعل الحصول عنده بمنزلة الحصول عند المشتري اذا كان ذلك عن مصلحة.

ويجري هذا الاختلاف في الردّ الى عدول المؤمنين، مع عدم التمكّن من تمكين الحاكم. ولو اشترى وليّ الطفل عنه - كالأب - بشرط الخيار للبائع بعد الردّ فهل يكون الردّ الى وليّه الآخر - كالجدّ مطلقاً - موجباً لحصول الخيار، أو إذا لم يتمكّن من الردّ الى الوليّ البائع، أو لا يكون ذلك موجباً له مطلقاً ؟ وجوه، ويظهر وجه الأوّل، والأخير من التأمّل فيما سبق.

وأما الثاني: فلعلّ وجه ظهور اعتبار الرّد الى متولي الشراء، مع التمكّن منه في حصول الشرط، وهو غير بعيد، وتجري هذه الوجوه فيما اذا اشترى حاكم عن الطفل فردّ البائع الى حاكم آخر.

لا يقال: إنّ الوجه الأوّل لا يجري هنا - ولو قلنا به في الفروع السابقة - لأنّ ولاية

٥١٦

الحاكم الثاني على مال الطفل، الذي تحت يد الحاكم الأوّل مشروط لعدم كون تصرّفه مزاحمةً للحاكم الأوّل.

لأنّا نقول: مجرّد تمكينه الغير الاختياري، والتصرف الحاصل بفعل البائع لا يكون مزاحمةً، ولا يتوقّف ذلك التمكين على السلطنة الفعلية على التصرّف فيما يردّ اليه، حتى لو أنّ سلطنة الحاكم على هذا المال ما دامت مزاحمةً للحاكم الأوّل ليست سلطنةً عن الطفل، وإلاّ يمكن الردّ الى غير المشتري، لأنّ الحاكم ليس له سلطنة على غير مال الغائب، وسلطنته على القبض عن المشتري - أيضاً - مشروط بكونها مصلحةً له بغير المشتري ليس له سلطنة على هذا المال، بل لو فرض توقف الردّ على السلطنة الفعلية على التصرف في عين المدفوع لما كان الردّ الى المشتري - أيضاً - ممكناً، لأنّه قبل الردّ ليس له سلطنة فعلية على التصرف في ذلك المدفوع اليه.

نعم، يجب على الحاكم الثاني ردّ الثمن المقبوض الى الأوّل، بعد تحقق الفسخ، لأنّ إمساكه وحفظه - حينئذٍ - مزاحمة. مع إمكان أن يقال: إنّ المزاحمة في المال الذي كان تحت يد الحاكم الأول لا تجوز، وهذا مال جديد للطفل، فلا تكون مزاحمته حراماً. وفيه تأمل؛ فأن صدق المزاحمة في نظر العرف كافٍ في الحرمة، ومع الشك فيه، الأصل عدم الولاية. إلاّ أن يقال: إنّ المقتضي - وهو أهليّة الولاية - موجود، والأصل عدم المانع، وفيه تأمّل.

السادسة: الظاهر من إطلاق ردّ الثمن ردّ تمامه، لأنه الثمن، والبعض بعضه، فلو ردّ البعض وأراد الفسخ لم يكن له ذلك.

نعم له الرد تدريجاً الى أن يكمل فيفسخ حينئذ. فعلى هذا: لو ردّ البعض كان ذلك باقياً في ملكه، ولا يجوز للمشتري التصرف فيه.

وهل يكون أمانةً، فلا يضمن إلاّ بالإتلاف، وما يقوم مقامه من التلف عند التفريط أو يكون مضموناً مطلقاً؟ الظاهر ذلك، لأنّه نظير المقبوض بالسوم، فأنّ المشتري أنّما أقدم على أخذه على أن يؤدّه، أو بدله على تقديري إمضاء العقد والفسخ الى البائع، والبائع لم يجعله نائباً عنه في حفظه، وإنما أدّاه اليه على وجه الثمنيّة،

٥١٧

فعموم (على اليد)(١) سليم عمّا يوجب الخروج عنه.

نعم، لو خرج بالاستئمان فلا إشكال في عدم الضمان بدون التفريط.

وهل يصحّ شرط السلطنة على الفسخ فيما يردّ بدله من أجزاء المبيع، فبعد ردّ كل جزء يفسخ ما يقابله؟ الظاهر، نعم، بناءً على قبول العقد للتبعيض في الانفساخ اختياراً، ولي فيه تأمّل. وحينئذ. فلو ردّ البعض وفسخ ما يقابله، فإن اقتصر على فسخه الى أن انقضى مدّة الخيار كان المشتري مسلّطاً على الردّ في الباقي، لتبعّض المبيع عليه، وشرطه سلطنة البائع على الفسخ في البعض ليس التزاماً بالعقد، بالنسبة الى ما لم يفسخه البائع، ومنه تبيّن أنّ له الخيار قبل مضيّ زمان الخيار أيضاً. ولو شرط السلطنة على الفسخ في التمام بردّ البعض جاز.

قال شيخنا -قدس‌سره - في المكاسب: ويجوز اشتراط الفسخ في الكلّ، بردّ جزءٍ معيّنٍ من الثمن في المدة، بل بجزءٍ غير معيّنٍ، فيبقى الباقي في ذمّة البائع بعد الفسخ(٢) ، انتهى.

أقول: لعلّ مراده -رحمه‌الله - من الجزء غير المعيّن الفرد المنتشر بين الأفراد، المقدّرة بمقدارٍ معينٍ مع التساوي في الجنس والقيمة، مثل درهم من الدراهم، أو الربع من الكلّ بعد فرض اتحاد الأجزاء جنساً، وإلاّ فشرط رّد الجزء المجهول، قدراً وجنساً أو من إحدى الجهتين يؤدّي الى الغرر المفسد للعقد.

وقوله: « يبقى الباقي في ذمّة البائع » محمول على عدم بقاء عين الباقي، ضرورة أنّ العين بعد الفسخ تخرج عن ملك المشتري، ويجب على البائع ردّها اليه، ولا تتعلّق به الذمّة ما لم يكن تالفاً.

السابعة: كما يجوز للبائع شرط الفسخ بردّ الثمن كذلك يجوز للمشتري شرط الفسخ بردّ المبيع. ويجري فيه جميع المسائل السابقة من غير فرق، ويجوز اشتراط

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ٢ ص ٣٤٥ ح ١٠.

(٢) المكاسب: الخيارات ص ٢٣٢ س ٢٩.

٥١٨

الفسخ لكلّ منهما بردّ ما انتقل اليه.

الثامنة: ينتقل هذا الخيار الى الوارث في بعض الصور بالشرط لا بالإرث.

وتوضيحه: أنّ المراد من الردّ والخيار بعده قد يكون ردّ خصوص البائع، وخياره كذلك، وحيئنذٍ لا يكون للوارث الخيار بعد ردّه، لأنّ الشرط لم يحصل، والمشروط - أيضاً - غير قابل للانتقال، وذلك نظير شرط الخيار للأجنبيّ، في أنّه لا ينتقل الى وارثه لاعتبار الخصوصيّة.

وقد يكون ردّ البائع على وجهٍ يشمل غيره ممّن يقوم مقامه، وخياره على وجه الخصوصية، وحينئذٍ لا ينتقل الى الورثة ولو كان موت البائع بعد فعليّة خياره، لردّه الثمن الى المشتري بنفسه أو وكيله، لأنّ الخيار غير قابل للانتقال، وقد يكون عكس هذه الصورة، وهو ردّ خصوص البائع مع عدم اعتبار الخصوصيّة. وذلك يتصوّر على وجهين:

أحدهما: أن يكون المراد: خيار البائع عند وجوده، ومن يقوم مقامه عند عدمه، وحينئذ ينتقل الى الورثة لعموم الشرط.

الثاني: أن تكون خصوصيّة البائع غير ملحوظ أي لم يعتبر عدم ثبوت هذا الخيار لغيره، ولا اعتبر ثبوته له، نظير شرط الخيار في مدّة من غير شرط الردّ، وحينئذٍ، فإن حصل الردّ من البائع يكون الخيار منتقلاً الى الورثة بعده بالإرث، لأنّه لم يكن العموم مراداً في الشرط حتى يكون ثبوته به، ولا كان خصوص البائع وشخصه ملحوظاً حتى لا يكون الخيار قابلاً للانتقال.

وقد يكون المراد من الردّ والخيار: ردّ البائع وخياره من غير نظر الى الخصوصيّة وشخص البائع. وحينئذ، فإن أريد مع ذلك العموم منهما كان الانتقال الى الورثة قبل تحقّق الردّ بالشرط، وكذلك بعده.

وإن لم يرد العموم منهما، فإن تحقّق الردّ من البائع انتقل الى الوارث بالإرث، وإن لم يتحقّق فانتقاله الى الوارث تابع لكون الخيار المعلّق على حصول الردّ من حقوق البائع، بحيث تكون القضية التعليقية - وهي السلطنة على الخيار - إن تحقق

٥١٩

ردّها من حقوقه، فإن كان من الحقوق انتقل إليهم، وإلاّ فلا معنى للانتقال، وإن أريد العموم من الردّ، ولم يلاحظ في الخيار أو العكس الأمر.

ففي الصورة الاولى ينتقل بعد الردّ بالإرث، وقبله يتوقّف على كون القضية التعليقية من الحقوق المنتقلة بالإرث.

وفي الصورة الثانية ينتقل بعد الرّد: البائع في حياته الى الورثة بعد ثبوته بالشرط، وقبل الردّ يتوقّف على أن يكون الردّ الذي [ بيّنّاه ].

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين والصلاة على محمد وآله. ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

مسألة: لا إشكال في أنه لا يختصّ خيار الشرط بالبيع، وأنّه يجري في غيره في الجملة. ونفى الخلاف عن دخوله في عقود المعاوضات شيخنا في المكاسب(١) . وأمّا دخوله في غيرها ففيه إشكال واختلاف. ولنقدّم على المطلوب مقدّمةً:

فنقول: مقتضى عموم قولهعليه‌السلام : (المؤمنون عند شروطهم)(٢) صحّة هذا الشرط مطلقاً، عدا مواضع خاصّةٍ وقع الإتّفاق على عدم صحّة الشرط المذكور فيها. وقد يدّعى ابتناء ذلك على جريان التقابل في المشروط فيه، وعدمه.

فعلى الأوّل يؤخذ بالعموم. وعلى الثاني يحكم بفساد الشرط؛ نظراً الى أنّ أدلّة الشرط لا تجعل غير السبب الشرعيّ سبباً.

أقول: ويرد عليه: أنّ معنى الوفاء بالشرط العمل بمقتضاه، ولا ريب أنّ مقتضى شرط الخيار ترتيب آثار فسخ المعاملة على فسخ ذي الخيار، ووجوب هذا المعنى لازم مساوٍ لصحّة الفسخ، فكلّ شرطٍ لم يقم دليل، من إجماعٍ أو غيره على خروجه عن العموم كان مقتضاه العمل به.

____________________

(١) المكاسب: الخيارات ص ٢٣٢.

(٢) عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٢١٧ ح ٧٧.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604