كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات0%

كتاب الخراجيات مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 232

كتاب الخراجيات

مؤلف: المحقق الثاني والمحقق الاردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني
تصنيف:

الصفحات: 232
المشاهدات: 18288
تحميل: 4566

توضيحات:

كتاب الخراجيات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18288 / تحميل: 4566
الحجم الحجم الحجم
كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات

مؤلف:
العربية

الاُولى: قد ذكر في كلامه مرّة بعد اُخرى الشريف المرتضىقدس‌سره والمحقّق الطوسي والعلّامة رضوان اللّه عليهم أجمعين توطئة عند نفوس بعض العامّة ومن ذكرهم يعيدون عمّا عمله فلا يستحلّون ما استحلّه ونحن لا نمنع كون المرتضى ذاحشمة وارتفاع ولا يكثر (يكسره خ) (يشر في خ ل) ذلك اذا كان غير مشتمل على مايخالف الشرع على أن عادة السلف أن من تقدم من فقهائهم وعلمائهم لا يذكرونهم إلاّ بأحسن ما عملوا امتثالاً للخبر النبوي على ما فاه [به عليه] الصلاة والسلام، ولا نقول (ولايقولون خ ل) بعد موته إلاّ خيراً، هذا وإن علم أنه كان يفعل غير ذلك فكيف اذا لم يعلم، بل علم من شواهد الحال والآثار أنه كان من أهل التقوى والصلاح، ومع التحقيق لو فعل من ذكره فعله لم يكن حجّة إذا قام الدليل على مرجوحيّته، وإن شئت أن تطّلع على بعض هذه الاُمور فانظر في كتاب السيّد النقيب العالم العامل التقيّ النقي ابن طاووس الحسيني الذي صنّفه لابنه المعبّر عنه بثمرة المهجة فإنه أشار الى المرتضى وأخيه في أمر سهل هو تولّيهما النقابة وردّ عليهما ولم يحتشمهما من الردّ، وردّ قول من يحتجّ بهما في ذلك من شدّة صلاحه وتقواه وورعه الذي لايوصف، وأمّا ما في العقائد (الفضائل خ ل) للمحقّق الطوسي لا استشهاد به فإنه كان داخلاً في سلك الاُمراء والملوك، وفي الإشارة كفاية. وبالجملة فمثل هذا لا يقوم عذراً فضلاً عن الحجّة.

الثانية: المعذرة الى أرباب العلم والنظر والتقوى والورع فيما زلّ فيه الذهن أو غفل عنه القلب فإن ذلك شأن غير المنزل من كتاب أو سنّة، فإن صحّة جميع المطالب ليس من علامات الفضائل ذوو الفضل يعرفون أهله يكفيه الأنظار والإيراد والإصرار، لكن المطلوب منهم إمعان النظر وإتعاب الفكر قبل المبادرة بردّ أو إيراد، فإن الاستعجال مظنّة الخطأ، وفيما فعلته من النقض فاني انما فعلته لاعتقاد وجوبه على أن هذا المؤلّف - فيما علمته واللّه على ما أقول شهيد - في مرتبة يقصّر عمّا يدّعيه لنفسه فأحببت أن اُعرّفه واُعرف أهل الفضل مرتبته، وأيضاً

١٨١

فرسالته هذه مع كونه(١) واهية المباني ركيكة المعاني قد اشتهرت بين أهل الراحة وحبّ الاشتهار بشعائر الأبرار فأحببت إظهار ماغفلوا عنه قربةً الى اللّه تعالى لئلا يضيع الحقّ فتدخل في سلك من رضي بإضاعته وسكت عن إنكار تضييعه، لولا ذلك لكنت من المعرضين عنها كما أعرضت عن جواب استغابته وإعرابه من لا يؤمن على سفك الدماء المحرّمة عن الأعوام واللّه الحكم يوم القيامة، والعذر فيما أيضاً من التشنيع، فإن مثل ذلك جواباً عمّا سبق من تشنيعه جائز بل هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وقع في تصنيف سبب خطائه فيه، فإن بدأ استحقّ الجواب وهذه عادة السلف، فان شككت في ذلك فلاحظ تصنيف العلّامة خصوصاً المختلف، وانظر ما شنّع فيه على ابن إدريس مع أن مصنّفه إمام المذهب في العلم والعمل، وأنما فعلوا ذلك ليكون علمائهم منزّهين عن التعرّض بمثل ذلك، قال الشاعر:

بسفك الدماء يا جارتي تحقن الدما

وبالقتل تنجو كلّ نفس من القتل

وقال تعالى " ولكم في القصاص حياة "(٢) . وقلت [مع] قريحتي الفاترة:

ولو أن زيداً سالم الناس سالموا

وكانوا له إخوان صدق مدى الدهر

ولكنّه اُوذي فجوزي بعض ما

جناه نكالاً والتقاضي الى الحشر

الثالثة: روى الشيخ في التهذيب عن محمّد بن يعقوب عن علي بن محمّد عن ابن جمهور عن أبيه رفعه عن أبي عبداللّهعليه‌السلام قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً ما يقول: اعلموا علما يقيناً إن اللّه تعالى لم يجعل للعبد وإن اشتدّ جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائدته أن يسبق ما سمّى به في الذكر الحكيم ولم يخل بين العبد في ضعفه وقلّة حيلته أن يبلغ ما سمّى له في الذكر الحكيم، أيّها الناس إنه لن يزاد امرءً نقيراً بحذقه ولن ينقص امرءً نقيراً بحمقه، فالعالم بهذا

____________________

(١) الظاهر " كونها " هو الصواب.

(٢) البقرة: ١٧٩.

١٨٢

العامل به أعظم الناس راحة في منفعة والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلاً في مضرّة، وربّ منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه، وربّ مقدور في الناس مصنوع له، فأقف أيّها الساعي من سعيك واقصر من عجلتك وانتبه من سنة غفلتك وتفّكر فيما جاء عن اللّه عزوجل على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واحتفظوا بهذه الحروف السبعة فإنها من قول أهل الحجى ومن عزائم اللّه في الذكر الحكيم إنه ليس لأحد أن يلقى اللّه عزّوجل بخِلّة من هذه الخِلال الشرك باللّه فيما افترض عليه، أو شفى غيظ بهلاك نفسه، أو أمر بأمر يعمل بغيره، أو استنجح الى مخلوق بإظهار بدعة في دينه، أو سرّه أن يحمده الناس بما لم يفعل، والمتجبّر المختال وصاحب الابهة(١) . وعن الحسن بن محبوب عن حريز قال: سمعت أبا عبداللّهعليه‌السلام يقول: اتّقوا اللّه وصونوا أنفسكم بالورع وقوّوه بالثقة والاستغناء باللّه عن طلب الحوائج الى صاحب سلطان، واعلم أن من خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه أخمده اللّه ومقته عليه ووكله إليه، فان هو غلب على شيء من دنياه فصار منه إليه شيء نزع اللّه البركة منه ولم يأجره على شيء ينفقه في حجّ ولا عتق ولابر(٢) .

ولنقطع الكلام على هذا حامدين للّه حيث جعلنا من أتباع العترة الظاهرة، ونسأله أن يمنّ علينا بصيانة دينهم وما ينسب إليه عن المشبّهة الباطنة والظاهرة، وأن يجعلهم شفعاءنا في الدنيا والآخرة والحمد للّه.

تمّت في سنة ١١٠٩ هـ ق.

________________________

(١) تهذيب الأحكام ج٦ ص٣٢٢ حديث:٤/٨٨٣ باب٩٣ في المكاسب مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٢) تهذيب الأحكام ج٦ ص٣٣٠ حديث:٣٥/٩١٤ باب٩٣ في المكاسب " أخبار الولاية " مع اختلاف يسير.

١٨٣

رسالتان في الخَراج

تأليف

المحقق البارع الشيخ أحمد

" المُقدَّسِ الأردَبيلي "

بسم اللّه الرحمن الرحيم

نبذة من حياة المولى المقدّس الأردبيلي "قدس‌سره "

ذكره - أول من ذكره من أرباب الرجال والتراجم - السيّد مصطفى التفرشي (ت ١٠٢١)

في " نقد الرجال " فقال: أحمد بن محمَّد الأردبيلي، أمره في الجلالة والثقة والأمانة أشهر من أن يذكر، وفوق ما تحوم حوله عبارة كان متكلماً فقيهاً عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة، أورع أهل زمانه وأعبدهم واتقاهم(١) . ونقل قوله الأردبيلي في " جامع الرواة "(٢) .

ذكره الحر العاملي (ت١١٠٤) في القسم الثاني من " أمل الآمل " فقال: كان عالماً فاضلاً مدققاً عابداً ثقة ورعاً، عظيم الشأن جليل القدر، معاصراً لشيخنا البهائي. ثمّ نقل قول التفرشي أيضاً(٣) .

وعلق عليه المولى عبداللّه الاصفهاني في " رياض العلماء " يقول: أقول: قرأ العقليات في بلدة شيراز على مولانا جمال الدين محمود، تلميذ مولانا جلال الدين الدواني... وحين ذهب الى النجف الأشراف ترك العقليات واقتصر على النقليات حتى أنّا سمعنا من الشيوخ أنه حين كان السيّد محمّد (العاملي صاحب المدارك) والشيخ حسن (العاملي صاحب المعالم) يقرأون عليه شرح المختصر (في الأصول للعضدي) كان لا يرخصهما أن يقرءا عليه كل مسألة (يراها) باعتقاده

____________________

(١) نقد الرجال: ٢٩.

(٢) جامع الرجال: ٦١:١.

(٣) أمل الآمل ٢٣:٢.

١٨٤

لامدخلية لها في الدين، فيتجاوزان عن ذلك الموضع الى مسألة اخرى نافعة(١) .

أشهر ما عُرف به:

إن أشهر واكثر شيء وأقدس ما عُرف به المقدّس الأردبيلي هو ما اشتهر عنه من تشرفه بلقاء الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن المنتظر " عجل اللّه تعالى فرجه " وأول من ذكره بهذا في كتابه هو المولى المجلسي "قدس‌سره " في موسوعته " بحار الأنوار " في باب من رآه قريباً من زماننا، قال:

منها: ما أخبرني به جماعة عن السيد الفاضل مير علاّم قال: كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغريّ " على مشرّفها السلام " وقد ذهب كثير من الليل. فبينا أنا أتجول هناك اذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة، فأقبلت اليه فلما قربت منه عرفت أنه استاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا أحمد الأردبيلي " قدّس اللّه روحه "(٢) فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان مغلقاً فانفتح له عند وصوله اليه، ودخل الروضة، فسمعته يتكلم كأنما يناجي أحداً، ثم خرج واُغلق الباب.

فمشيت خلفه حتى خرج من الغري وتوجه نحو مسجد الكوفة، فمشيت خلفه بحيث لا يراني، حتى دخل المسجد وصار الى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين عنده، ومكث طويلاً، ثم رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري، وكنت خلفه.

فلما قرب من الحنانة(٣) أخذني سُعال لم أقدر على دفعه، فسعلت، فالتفت الي فعرفني وقال: أنت مير علاّم؟ قلت: نعم، قال: ما تصنع هنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة الى الآن، واُقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بماجرى لك في هذه الليلة من البداية الى النهاية. فقال: اُخبرك، على أن لاتخبر به أحداً مادمت حياً: فلما توثق ذلك مني قال: كنت اُفكر في بعض المسائل وقد

____________________

(١) رياض العلماء ٥٦:١.

(٢) من هنا يبدو أنه انما حدث بهذا بعد وفاة المقدس.

(٣) الحنانة: موضع بين النجف والكوفة اقرب الى النجف فيه مسجد.

١٨٥

اُغلقت عليّ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين وأسأله عن ذلك، فلما وصلت إلى الباب فتح لي مفتاح كما رأيت، فدخلت الروضة وابتهلت الى اللّه تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك، فسمعت صوتاً من القبر أن: إئت مسجد الكوفة وسل من القائمعليه‌السلام فانه إمام زمانك، فأتيت الى المحراب وسألته عنها واُجبت. وها أنا أرجع الى بيتي(١) .

ونقل هذا الخبر عن المولى المجلسي تلميذه السيد نعمة اللّه الجزائري في كتابه " الأنوار النعمانية "(٢) . حدثني أوثق مشايخي علماً وعملاً: أنه كان لهذا الرجل - وهو المولى الأردبيلي - تلميذ من أهل تفرش(٣) اسمه: مير علاّم، وقد كان بمكان من الفضل والورع، قال ذلك التلميذ:

كانت لي حجرة في المدرسة المحيطة بالقبة الشريفة، فاتفق أني فرغت من مطالعتي وقد مضى جانب كثير من الليل، فخرجت من الحجرة انظر في صحن الحضرة، وكانت الليلة شديدة الظلام، فرأيت رجلاً مقبلاً على الحضرة الشريفة، فقلت: لعل هذا سارق جاء ليسرق شيئاً من القناديل، فنزلت وأتيت الى قربه فرأيته وهو لايراني، فمضى الى الباب ووقف، فرأيت القفل قد سقط وفتح له الباب الثاني (الرواق) والثالث (الحرم) على هذا الحال، فأشرف على القبر فسلّم، وأنى من جانب القبر ردّ السلام! فإذا هو يتكلم مع الإمامعليه‌السلام في مسألة علمية!

ثمّ خرج من البلد متوجهاً الى مسجد الكوفة، فخرجت خلفه وهو لا يراني، فلما وصل الى محراب المسجد سمعته يتكلم مع رجل آخر بتلك المسألة. ثم رجع ورجعت خلفه. فلما بلغ الى باب البلد أضاء الصبح فأعلنت له نفسي وقلت له: يا مولانا كنت معك من الأول الى الآخر، فأعلمني من كان الرجل الأول الذي كلمته في القبة؟

____________________

(١) بحار الأنوار ١٧٤:٥٢.

(٢) الأنوار هنا جمع النور بفتح النون بمعنى الزهرة والكمامة والبرعم، ولذلك اضيفت الى النعمان ملك الحيرة، كما في شقائق النعمان. وليس جمع النور بمعنى الضوء حيث لايناسب الاضافة.

(٣) بلدة تبعد عن قم ثلاثين كيلومتراً الى أراك.

١٨٦

ومن الرجل الآخر الذي كلمك في مسجد الكوفة؟ فأخذ عليّ المواثيق أني لا اُخبر أحداً بسرّه حتى يموت، ثم قال لي:

يا ولدي إن بعض المسائل تشتبه علي فربّما خرجت في بعض الليل الى قبر مولانا أمير المؤمنين وكلمته في المسألة وسمعت الجواب، وفي هذه الليلة أحالني على مولانا صاحب الزمان وقال لي: إن ولدنا المهدي هذه الليلة في مسجد الكوفة فامض اليه وسله عن هذه المسألة، فكان ذلك الرجل هو المهديعليه‌السلام .

ذكر ذلك السيد الجزائري ثمّ قال: هذه نبدة من أحواله فاعتبر أحواله الباقية!

كان عام الغلاء يقاسم الفقراء ما عنده من الأطعمة ويبقي لنفسه مثل سهم واحد منهم، فاتفق أنه فعل في بعض السنين الغالية هكذا، فغضبت عليه زوجته وقالت: تركت أولادنا في مثل هذه السنة يتكفّفون الناس؟! فتركها ومضى عنها الى مسجد الكوفة للاعتكاف!

فلما كان اليوم الثاني جاء رجل مع دواب حملها الطعام الطيب من الحنطة الصافية والطحين الناعم، فقال: هذا بعثه اليكم صاحب المنزل وهو معتكف في مسجد الكوفة!

فلما جاء المولى من اعتكافه أخبرته زوجته بأن الطعام الذي أرسلته مع الأعرابي طعام حسن! فحمد اللّه تعالى. وما كان له خبر عنه.

وكان يتعمّم بعمامة كبيرة، فإذا طلب منه أحد عمامة أو مقنعة قطع له من تلك العمامة(١) .

ومن جملة ورعه:

ومن جملة ورعه: أنه كان يستأجر دابة من النجف ويأخذها من صاحبها يمضي بها الى زيادة الكاظمين والعسكريينعليهم‌السلام ، فإذا أراد الرجوع ربما أعطاه بعض أهل بغداد من الشيعة كتاباً (رسالة) ليوصلها الى بعض أهل النجف، فكان يضع

____________________

(١) الأنوار النعمانية ٣٠٢:٢ تبريز.

١٨٧

الكتاب في جيبه ويمشي ويسوق الدابة من بغداد الى النجف، ويقول: ان صاحب الدابة لم يأذن لي في حمل هذا الكتاب على دابته(١) .

والخبر بهذا التعبير قد يوهم تكرر الأمر ممّا يستبعد معه، ولكن معاصر السيّد الجزائري وزميله في الدراسة: السيد محمّد صالح الخاتون آبادي (ت١١١٦) صهر العلّامة المجلسي، ذكر الخبر في كتابه " حدائق المقربين " فقال: " كان يخرج من النجف الأشرف الى زيارة الكاظمينعليهما‌السلام على دابة الكراء، فاتفق أنه خرج في بعض أسفاره ولم يكن معه مكاريّ الدابة، فلما أراد أن يرجع من الكاظمين أعطاه بعض أهل بغداد رقيمة (رسالة) ليوصلها الى بعض أهل النجف، فأخذها وجعلها في جيبه، ولكنه لم يركب بعد على الدابة فكانت هي تمشي قدامه الى النجف، وكان يقول: أنا لم أُوذن من المكاريّ بحمل ثقل هذه الرقيمة (الرسالة).

قال: وحكموا أيضاً: أنه كان اذا أراد الحركة الى الحائر المقدس لأجل الزيارات المخصوصة كان يحتاط في صلاته بالجمع بين القصر والتمام ويقول: ان طلب العلم فريضة وزيارة الحسينعليه‌السلام سنة، فاذا زاحمت السنة الفريضة احتمل تعلق النهي عن ضد الفريضة بها وصيرورتها - من أجل ذلك - سفر معصية! مع أنه كان لا يدع في ذهابه وايابه مطالعة الكتب والتفكر في مشكلات العلوم مهما استطاع(٢) .

وما نقله السيد الجزائري من بذل المترجم من عمامته الكبيرة أيضاً نقله معاصره وزميله في الدراسة السيد الخاتون آبادي في " حدائق المقربين " بأدق ممّا نقله الجزائري وقدم له مقدمة قال فيها: وكان يأكل ويلبس ما يصل اليه بطريق الحلال رديّاً كان أم سنيّاً ويقول: المستفاد من الأحاديث الكثيرة وطريقة الجمع بين الأخبار: أن اللّه يحب أن يرى أثر ماينعمه على عباده عند السعة، كما يحبّ الصبر على القناعة عند الضيق. فكان لا يردّ من أحد شيئاً، ومتى التمس أحد منه أن يلبس

____________________

(١) الأنوار النعمانية ٣٠٢:٢ تبريز.

(٢) روضات الجنات ٨٢:١ عن حدائق المقربين للسيد الخاتون آبادي صهر المولى المجلسي.

١٨٨

شيئاً من الثياب النفيسة لبسها، وتكرر أنّه اهديت اليه عمائم غالية فيلبسها ويخرج بها الى الزيارة، فاذا طلب شيئاً منها أحد السائلين خرق منها قطعة لأجله، وهكذا، حتى لا يبقى على رأسه عند عودته لبيته من تلك العمامة النفيسة سوى ذراعاً واحداً!(١) .

ومن صبره على القناعة عند الضيق كان يلبس ما يصل اليه من طريق الحلال ولو كان رديّاً أورثاً، حتى حكي أنه لرثاثة أثوابه أصابه بعض زوار النجف في الطريق فلم يعرفه، فطلب منه أن يغسل ثياب سفره وقال: اُريد أن تُزيح عنها درن الطريق وتجيئني بها. فتقبل منه ذلك وباشر بنفسه قصارتها وتبييضها الى أن فرغ منها فجاء بها الى ذلك الرجل ليسلمها اياه، فاتفق أن عرفه الرجل في هذه المرة وجعل الناس يوبخونه على ذلك العمل وهو يمنعهم عن الملامة ويقول: إن حقوق إخواننا المؤمنين اكثر من أن يقابل بها غسل الثياب!.

ولعل العمامة والثياب النفيسة التي كانت تهدى اليه كانت من الشاه عباس الصفوي فكان لا يردّ من أحد شيئاً حتى من الشاه الصفوي، بل يلبسها بالتماسه، ولكنه بذلك يبدلها للسائلين بالتماسهم، فكأن يده كانت اليد المحلّلة بين السلطان والناس.

قال الخونساري في " روضات الجنات ": كان الشاه عباس الصفوي يبالغ في تعظيمه وتبجيله ويرسل اليه بكل جميل، وهو في ذلك يستدعي من جنابه أن يتوجه الى إيران، ويتحاشى الشيخ في جوابه عن قبول ذلك، ويؤكد على رضاه بما أنعم اللّه عليه من التوفيق للمقام في النجف الأشرف(٢) ولعل ذلك أيضاً كان من تقدّسه واحتياطاته، وان كان لم يحترز عن قبول هداياه.

* * *

____________________

(١) روضات الجنات ٨٢:١ عن حدائق المقربين للسيد الخاتون آبادي صهر المولى المجلسي.

(٢) روضات الجنات ٨٣:١.

١٨٩

وساطاته وشفاعاته:

ولذلك كان يلجأ اليه أحياناً بعض المقصّرين في خدمة الحكومة الصفوية ويطلبون منه الوساطة والشفاعة فيشفع لهم، كما نقل الخونساري في " روضات الجنات " عن كتاب " المقامات " الذي وضعه سيّدنا الجزائري في شرح أسماء اللّه الحسنى، قال: التجأ الى مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجل كان مقصّراً في خدمة الحكومة الصفوية، وطلب من الأردبيلي " نوّر اللّه ضريحه " أن يكتب الى السلطان الشاه عباس الأول يطلب منه أن لايؤذيه، فكتب اليه بالفارسية ما ترجمته هكذا:

" ليعلم باني الملكُ المستعار عباس! أن هذا الرجل وان كان في أول أمره ظالماً فهو الآن يبدو مظلوماً، فلو عفوت عن تقصيره لعل اللّه يعفو عن بعض تقصيراتك.

كتبه عبد سلطان الولاية: أحمد الأردبيلي " فأجابه الشاه:

" عباس يعرض عليكم: إن الخدمة التي أمرتم بها بقبّلها وقدّمها مع الامتنان، فالرجاء أن لاينسى (المولى) هذا المحبّ عن دعاء الخير. كتبه كلب عتبة عليعليه‌السلام : عباس "(١) .

بل كان أحياناً يتوسط لبعض فقراء السادة اليه أوالى والده الشاه طهماسب لإعانتهم، كمانقله الجزائري أيضاً وقال: فلما وصلت الكتابة اليه قام وقرأها وقوفاً تعظيماً لها، فلما رأى فيها وصفه بالاخوة من قبل الأردبيلي قال: إذا دفنتموني فضعوا هذا الكتاب تحت رأسي، لاحتج به على منكر ونكير بأن المولى أحمد الأردبيلي سمّاني أخاً له. فأحضر كفنه ووضع الكتاب فيه(٢) .

____________________

(١) روضات الجنات ٨٥:١ هكذا بدون تاريخ، والتاريخ الرسمي لجلوس الشاه عباس سنة ٩٩٦ بينما يأتي أن وفاة الشيخ في ٩٩٣ أي قبل جلوس الشاه عباس بثلاث سنين. ولكن المنشي الميرزا اسكندر بيك المؤرخ الأول لاول عهد الصفوية ذكر في كتابه تاريخ عالم آرا العباسي: أن وفاة الشاه السابق الشاه طهماسب كان في ٩٨٤ وبعده تناثر الملك حتى توافقوا بعد فترة على ابنه الشاه عباس فملك، وإنما تاريخ جلوسه الرسمي ٩٩٦ وليس تاريخ تملكه. وبه يندفع الاشكال وينحل.

(٢) روضات الجنات ٨٤:١، ٨٥ عن المقامات للسيد الجزائري.

١٩٠

مشايخه:

مرّعن الأفندي في " رياض العلماء ": أنّه قرأ العقليات في بلدة شيراز على مولانا:

١ - جمال الدين محمود، تلميذ مولانا جلال الدوّاني. والشرعيات على(١) .

وعن تلمذته على جمال الدين محمود قال الخونساري في " روضات الجنات ":

كان شريكاً في الدرس مع المولى عبداللّه اليزدي (صاحب حاشية المولى عبداللّه في المنطق شرح تهذيب المنطق للتفتازاني) والمولى الميرزا جان الباغ نوي عند المولى جمال الدين محمود الذي كان من تلامذة المولى جلال الدوّاني.

وقد قرأ في المنقول والمعقول على بعض تلامذة الشهيد الثاني وفضلاء المشاهد المشرفة.

٢ - وله الرواية عن السيّد علي الصائغ من كبار تلامذة الشهيد المبرور، كما في أول الأربعين للمجلسي(٢) .

تلامذته:

قال الافندي في " رياض العلماء ": سمعت من مشايخنا أن له "قدس‌سره " عشرة تلاميذ كلهم فضلاء علماء منهم:

١ - الميرزا محمد الاسترابادي.

٢ - الميرفضل اللّه (ابن السيّد محمد الاسترابادي).

٣ - السيّد محمّد صاحب " المدارك "

٤ - الشيخ حسن (صاحب المعالم)(٣) .

_________________________

(١) رياض العلماء ٥٦:١ والنسخة ناقصة عن شيخه في الشرعيات.

(٢) روضات الجنات ٨٥:١

(٣) رياض العلماء ٥٦:١، ٥٧.

١٩١

ومرّ عن المولى المجلسي وتلميذه السيّد الجزائري، أن منهم:

٥ - المولى مير علاّم التفرشي الذي روى عنه لقاء المترجم بالحجة " عجل اللّه فرجه " ونقل الخونساري في " روضات الجنات " أن المولى الميرزا محمَّد الاسترآبادي سأل المولى أحمد المقدّس عند وفاته عمن يستحق أن يرجع إليه بعده؟ فقال: أما في الشرعيات فالى الميرعلاّم، وأما في العقليات فالى المير فضل اللّه(١) وكأنه أضاف عن الخاتون آبادي.

٦ - المولى عبد اللّه التستري(٢) ولم نعثر على غيرهم.

مؤلفاته:

قال الأفندي في " رياض العلماء ": له:

١ - شرح " ارشاد الأذهان الى أحكام الايمان " (للعلّامة الحلي) وهو موجود الآن من الأول الى آخر مباحث الوقوف والصدقات، ثم لم يوجد فيما بين (كذا) ويوجد من الصيد والذباحة الى الآخر. وقد سمعنا من بعض الأفاضل أنه قد كتبه ولكن لعسر الاطلاع على خطه لم يكتبه أحد من الناس الى أن اندرس.

ونسب اليه مولانا سلطان حسين الاسترابادي في كتاب " تحفة المؤمنين "

٢ - زبدة البيان.

٣ - حاشية على إلهيات شرح التجريد، بسط الكلام فيه في بحث الامامة، ونقل الأدلة عن الفخر الرازي وأبطلها.

٤ - رسالة فارسية في حرمة الخراج تنسب اليه.

٥ - تعليقات على " قواعد الاحكام " للعلّامة.

٦ - تعليقات على " تذكرة الفقهاء " للعلّامة في الفقه، رأيتهما بخطه على الكتابين في مشهد الحسينعليه‌السلام .

____________________

(١) روضات الجنات ٨٠:١.

(٢) روضات الجنات ٨٢:١.

١٩٢

٧ - تعليقات على شرح المختصر للعضدي، رأيتها بخطه.

٨ - رسالة فارسية في مناسك الحج مختصرة، رأيتها في دهخوارقان.

٩ - رسالة فارسية في الامامة، مبسوطة.

١٠ - حواشي كتاب كاشف الحق.

١١ - رسالة اثبات الواجب.

١٢ - رسالة في عدم صحة قول الأصحاب بعدم خلو الزمان عن المجتهد، رأيتها بخط الأمير شرف الدين الشولستاني، في استراباد، نقلاً عن خط ولد المؤلف.

١٣ - رسالة في كون أفعال اللّه تعالى معللة بالأغراض، رأيتها في مازندران(١) .

١٤ - حديقة الشيعة، ذكره الحرفي " أمل الآمل " بعد أن ذكر له: آيات الأحكام، وشرح الإرشاد وقال: كبير لم يتم(٢) ولم ينص عليه المجلسي ولكنه عقد المصباح الثالث من مصابيح كتابه بالفارسية: " عين الحياة " في ذم الصوفية، حيث عدّد من كتب في الردّ عليهم قال: " وزبدة العلماء والمتورعين مولانا أحمد الأردبيلي " وما يعرف عن الأدبيلي في الرد على الصوفية إنما هو في كتابه هذا: حديقة الشيعة.

ولم يذكره الأفندي في تعداد كتبه، ولكنه قال في ترجمة العطار: " قال محّمد بن غياث الدين في " تلخيص كتاب حديقة الشيعة " للمولى أحمد الأردبيلي بالفارسية " ومثله في ترجمة عبداللّه بن حمزة الطوسي(٣) وذكره صاحب " الحدائق " في لؤلؤة البحرين " وقال: ذكره شيخنا عبداللّه بن صالح وشيخنا العلّامة الشيخ سليمان بن عبداللّه البحراني وغيرهم، فلا يلتفت الى انكار بعض أبناء هذا الوقت بأن الكتاب ليس له وأنه مكذوب عليه(٤) وقال الخونساري في " روضات الجنات ": ويدل عليه أيضاً ما يوجد في مجلده الثاني الذي يختص بفضائل الائمة واثبات إمامتهم

____________________

(١) رياض العلماء ٥٧:١.

(٢) أمل الآمل ٥٧:٢.

(٣) مستدرك الوسائل ٣٩٥:٣.

(٤) لؤلؤة البحرين: ١٥٠.

١٩٣

بالدليل والبرهان من الحوالة الى " زبدة البيان " ثم قال: ومن تصنيفاته:

١٥ - تعليقات على خراجية الشيخ علي المحقق الكركي(١) واضاف التبريزي عن الطهراني:

١٦ - استيناس المعنوية، في الكلام.

١٧ - اصول الدين. ومنها نسخة بالمكتبة الرضوية:

١٨ - حاشية على شرح التجريد للقوشجي(٢) ولعلها هي التي مر ذكرها عن الأفندي.

خراجيات المترجم:

مرّ عن الأفندي في " رياض العلماء " أن له رسالة في حرمة الخراج بالفارسية.

وعن الخونساري في " روضات الجنات ": أن له تعليقات على خراجية الشيخ علي المحقق الكركي.

وفي سنة ١٣١٣ طبعت خراجيات المحقق الكركي وردّها للفاضل القطيفي ودعم الردّ للمترجم وردّ الدعم للفاضل الشيباني وردّ الردّ للمترجم، واُعيد طبعها بالاوفست سنه ١٤٠٢بقم المقدّسة في مجموعة بعنوان " كلمات المحقيقين " وذكر العلّامة الطهراني خراجيتي المترجم في " الذريعة "(٣) .

وطبعت خراجية المترجم في دعم الفاضل القطيفي مع خراجيته الاُخرى في ردّ الفاضل الشيباني، مع كفاية الاُصول للآخوند الخراساني سنة ١٣١٨ كما في " ريحانة الأدب "(٤) .

والخراجيتان للمترجم عربيتان يبدو من أولاهما أنها الأولى، حيث قال الفاضل

____________________

(١) روضات الجنات ٨٣:١ و٨٤.

(٢) ريحانة الأدب ٣٦٩:٥ وفيه صورة للمقدس الأردبيلي رسمت بأمر الشاه عباس الصفوي.

(٣) الذريعة ١٤٤:٧.

(٤) ريحانة الأدب ٣٦٩:٥.

١٩٤

الشيباني في ردّها: انه قد اشتهر أن مولانا أحمد الأردبيلي " سلمه اللّه تعالى وأبقاه " يقول بتحريم الخراج. وقد سألني جماعة من أصحابه عن ذلك فقلت لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئاً يدل على تحريمه. فبعد مدة ظهرت منه رسالة محصلها: أن الخراج فيه شبهة. وأنا أنقل عبارته حرفاً بحرف...

فكأنّ هذه الرسالة التي يردّها التي تدل على " أن الخراج لا يخلو عن شبهة " هي اولى رسائله، وهي في خمس صحائف من الطبعة القديمة من القطع المتوسط، فلما ردّها الفاضل الشيباني برسالة في أربع عشرة صحيفة من نفس القطع والطبع، أجابه المترجم برسالة في ورقة واحدة بصفحتين قال في أولها: فائدة: الذي أظن تحريم ما يأخذون في هذا الزمان بغير اذن الامامعليه‌السلام مثل العشر الحاصل من القرى...

هذا، فان كانت له بعد هاتين الخراجيتين خراجية اخرى فارسية كما قاله الأفندي، فلعلها كانت الثالثة بعد هاتين.

وفاته ومدفنه:

قال التفرشي في " نقد الرجال " توفي "رحمه‌الله " في شهر صفر سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة، في المشهد المقدس الغروي، على ساكنه من الصلوات أشرفها ومن التحيات اكملها(١) والتفرشي أول من نقل تاريخ وفاته وعليه عول من بعده:

الحرّ العاملي في " أمل الآمل " والبحراني في " لؤلؤة البحرين " والخونساري في " روضات الجنات ".

ولم يعيّنوا محلّ دفنه، الا أن السيّد الأمين قال في " أعيان الشيعة ": دفن في الحجرة التي عن يمين الداخل الى الروضة المقدسة، كالعلّامة الحلي المدفون في الحجرة التي عن يسار الداخل الى الروضة أو يخرج لابدّ أن يقرأ له الفاتحة(٢) .

____________________

(١) نقد الرجال: ٢٩.

(٢) أعيان الشيعة: ٨٠:٣.

١٩٥

بينما كتب العلّامة السيّد محمّد صادق بحر العلوم في تعاليقه على " لؤلؤة البحرين ":

دفن في الايوان الذهبي العلوي، في حجرة خاصة به بجنب المنارة القبلية(١) .

وهي عن يسار الداخل إلى الروضة من الايوان لااليمين، وعليه السيرة والتسالم.

والسلام عليه يوم ولد، ويوم مات، ويوم يبعث حيّاً.

محمّد هادي اليوسفي الغروي

_______________________

(١) لؤلؤة البحرين: ١٤٨.

١٩٦

الرسالة الأولى

بسم اللّه الرحمن الرحيم

اعلم وفّقك اللّه لمرضاته أنَّ الخراج لايخلو عن شبهةٍ، فإنّه على ما فهم من كلامهم، اِنَّه كالاُجرة المضروبة على الارض الَّتي فُتِحَتْ عنوة وكانت عامرة حين الفتح، وفي معناه المقاسمة، سواء كانت من عين حاصل الأرض كالثّلث، أو من النّقد بل غيره أيضاً.

وقيل: إنَّه مختصّ بالقسم الثاني والمقاسمة بالاوّل.

وقد يفرق بالمضروب على الارض والمواشي وهي الّتي اُخذت بالسَّيف والغلبة مع النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو مع الإمام ونائبهما في الجهاد، وإلا يكون فيئاً(*) لهماعليهما‌السلام على ما يُفهم من عباراتهم وإن كان دليلهم لا يخلو عن ضعف، إلاّ كلام المحقّق في المعتبر(١) والنافع(٢) فإنه يدّل على تردّده في كون ما أخذه العسكر بغير إذنه فيئاً - وقالوا: وهذه الأرض للمسلمين قاطبة فيكون حاصلها لهم، وأمرها إلى الامامعليه‌السلام ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين من المساجد والقناطر والقضاة والأئمة والمؤذّنين وسدّ الثّغور والغزاة وغيرها.

وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس، لأنّه من الغنيمة وكلام أكثر

____________________

(*) كذا والصحيح " يكن "

(١) المعتبر/ص٢٩٦.

(٢) المختصر النافع ص٦٤.

١٩٧

الأصحاب خال عنه ونبّه عليه الشيخ إبراهيم -رحمه‌الله - في نقض الرّسالة الخراجيّة للشيخ عليّ بن عبدالعالي. وفي العبارة المنقولة عن المبسوط تصريح بوجوب الخمس في هذه الأراضي(١) .

واعلم أيضاً أنّه ما ثبت كون الأرض فتحت عنوة على الوجه المذكور إلاّ ما ثبت في زمن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كونه كذلك وأمّا غيره، فالعراق وُجد كونها مفتوحة عنوة في كثير من العبارات حيث فتحت في زمان الثّاني بالقهر وقيل: كان بإذن أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان الحسنانعليهما‌السلام مع العسكر، وقد منع ذلك، وذلك منقول عن فخر الفقهاء ووالده في التّنقيح(٢) .

ويفهم ذلك من كلام المبسوط وإن يفهم منه خلافه أيضاً(٣) وبالجملة، ما ثبت كونه كذلك.

نعم، فيما رواه الشيخ في الصحيح - على ما قيل - " عن محمد الحلبيّ قال: سئل أبو عبداللّهعليه‌السلام عن السواد، ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين الحديث "(٤) دلالة على ذلك، مع أنّه قد يكون للتقيّة على ما قيل، أو يكون لهعليه‌السلام جعلها كذلك تفضّلاً منه.

وأمّا ما سوى العراق مثل الشام، ونقل عن العلّامة(٥) ، وخراسان الى كرمان وخوزستان وهمدان وقزوين وحواليها ونقل أنّها خراجيّة عن القطب الراوندي في الخراجيّة(٦) ، فقد علمت أنَّ حليّته موقوفة على تحقيق كون الأرض، التي يؤخذ منها الخراج اُخذت عنوة وكانت معمورة حينئذٍ ومضروب الخراج ولم يدّع أحد

____________________

(١) المبسوط/ج٢ ص٦٦.

(٢) لايتوفر لدينا هذا الكتاب وقد نقل القطيفي هذا القول عن الفخر ووالده، راجع كلمات المحققين ص٢٨١.

(٣) المبسوط/ج٢ ص٣٤.

(٤) نقل مضمونه في كتاب من لايحضره الفقيه ج٣: ص٢٤٠ رقم ٣٨٧٩ والوسائل ج١٢: ص٢٧٤ ح٤ وج١٧: ص٣٤٦ ح١ والتهذيب ج٧: ص١٤٧ ح١.

(٥) راجع التذكرة/ج٢ ص٤٠٢.

(٦) رسائل المحقق الكركي/المجموعة الأولى ص٢٦٦.

١٩٨

ملكيَّتها ولم تكن موقوفة لما سيجيء ودونه خرط القتاد إِذ طريقه الخبر المتواتر أو خبر الواحد الصحيح وليس شيء من ذلك بمعلوم ولا مظنون بظن معتبر.

ولا يمكن إثباته بكونها معمورةً الآن، وأنَّ الجائر يأخذ عنها الخراج، كما قال الشيخ زين الدّين في شرح الشّرايع(١) حملاً لفعل المسلمين على الصحّة إذ الأصل عدمه، وذلك قرينة ضعيفة. إذ الجائر يرى عدم تقييده لأخذه مال الناس، ولدخوله فيما ليس له كالقتل وغير ذلك، فكيف يمكن حمل ذلك منه على الصحّة؟

ولأنّه يأخذ الخراج من غير محلّه وفوق الحق ومن غير رضى المتصرف، بل وقد ينقص محصوله عن الخراج، ولا يتمكّن من الترك، بل لو ترك الزراعة يؤخذ منه الخراج، على أنَّهم صرّحوا بأنَّ أخذ الجائر غير جائز وأنّه ظلم وحرام وهو آثم به، فكيف يحكم على الصحة والإباحة ولا يعتبر شرعاً في أخذ ما في أيدي الناس الدالة على الملكيّة؟ وقد يدّعى الملكيّةَ أيضاً.

قال فيه في شرح قول المصنّف: " والنّظر فيها أي الأرض المفتوحة عنوة الى الامام ":

" هذا مع ظهوره وبسط يده، وأمّا مع غيبته كهذا الزمان، فكل أرض يدعي أحد ملكيتها بشراء أو إرث ونحوها ولا يعلم فساد دعواه تقر في يده كذلك، لجواز صدقه، وحملاً لتصرفه على الصحة، فأنّ الأرض المذكورة يمكن تملّكها بوجوه "(٢) وذكر وجهين.

ثمّ على تقدير الثبوت فلا دليل يعتدّ به عليه، وإن كان ظاهر عبارات الأصحاب يفيده، لكن الأخذ بمجرد ذلك من غير ظهور دليل: وثبوتُ إجماعهم بحيث يقنع النفس به وإنْ اِدعى الشيخ على ذلك الإجماع في الخراجية لما يعلم في الإجماع ودعواه في هذا الزمان في مثل هذه المسألة مشكلُ، لأنّ الظّاهر أنّ

____________________

(١) مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام/ج١، ص١٥٥.

(٢) مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام/ج١، ص١٥٥.

١٩٩

المال لمن في يده من غير أن يكون لأحد شيئاً إذ ثبوت الخراج في أرضه من الإمام، وقبوله على ذلك المقدار المقرّ الآن غير واضح وإن سلّم أنّ أرضها ممّا يجب فيه الخراج. فيكون هو غاصباً يلزمه اجرة المثل وليس بمعلوم كونها المقدار المقرّر المأخوذ باسمه.

ثمّ إنّ ذلك دين في ذمّته فلا يمكن الأخذ إلاّ برضاه، ولا يتعيّن كون المأخوذ لذلك إلاّ بأخذهم أو أخذ وكيلهم وهو متعذّر حينئذ، فيكون ثابتاً في ذمّته يوصي به إلى أن يصل إلى صاحبه أو الحاكم لو أمكن ويكون له ذلك، إذ الإمام ناظر ولا يلزم من كون الحاكم نائباً عنه في الجملة كونه نائبا في ذلك، أو يوصل هو الى أهله أي يصرفه في مصالح المسلمين، أو يكون ساقطاً سيّما مع الاحتياج، إذ هو من المسلمين، فقد يكون هذا من نصيبه حيث إنّ المفهوم من كلام الشّيخ عليّ -رحمه‌الله - أنّ الآخذ إنّما يأخذه لأنّه من بيت مال المسلمين وللآخذ يصيب فيه وحصّة، ولا شكّ أنّ ذا اليد أيضاً كذلك.

ثمّ بعد ذلك كلّه كيف يصنع الآخذ بالخمس؟ وكيف يقسمه في هذا الزّمان من غير إذن الحاكم؟ وأيّ شيء يفعل بحصّتهعليه‌السلام ونجد أهل هذا الزمان غافلاً عن ذلك كلّه واعتمد ما في الرسالة الخراجيّة للشيخ علي وغيره مع قوله " لايجوز العمل بقول الميّت بوجه "، ويفهم من كلامه دعوى الاتّفاق ودليله عليه عباراتهم المنقولة في الرسالة، ومعلوم أنّها ليست عبارات جميعهم ولا بعضهم الذي فيه من يظنّ كونه الإمام ولو بجهل النسب على ما قالوه، مع أنّه لا يفيد الظّنَّ، على أنّ أكثر العبارات الّتي فيها لا يخلو عن شيء كما ذكر في نقضها، مع أنّ الأصحاب إنّما جوّزوا أخذ ما قبضه الجائر على ما يظهر من كلامهم، فالاجماع على تقديره إنّما يكون على ذلك لا مطلقاً لأنّ بعض الأصحاب صرّح بعدم جواز التناول بغير ذلك.

ونقل في النقض أنّ السيد عميد الدين ابن عبد الحميد قال في شرحه

٢٠٠