كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات0%

كتاب الخراجيات مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 232

كتاب الخراجيات

مؤلف: المحقق الثاني والمحقق الاردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني
تصنيف:

الصفحات: 232
المشاهدات: 18277
تحميل: 4566

توضيحات:

كتاب الخراجيات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18277 / تحميل: 4566
الحجم الحجم الحجم
كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات

مؤلف:
العربية

للنّافع: " وإنّما يحلّ بعد قبض السلطان أو نائبه - ولهذا قال المصنف:(١) ما يأخذه باسم المقاسمة - فقيّدة بالأخذ ".

ويفهم من الدروس أيضاً ذلك، بل أخصّ منه على ما نقله فيه، إذ يفهم عدم الجواز عنده إلاّ في المعاوضة حيث قال فيه: " وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات كالهبة والصدقه والوقف ولا يحلّ تناولها بغير ذلك ".

ومنه يعلم أنّ جواز التناول مطلقاً ليس بمجمع عليه أيضاً، بل فيه خلاف حيث يفهم عدمه عند الشهيد وعند السيد المذكور وفي النافع أيضاً على ما فهمه.

وأمّا أدلّتهم فهي بعض الأخبار ولا دلالة ظاهرة فيها وادّعى النصوصيّة فيها الشيخ علي وهي خبر أبي بكر الحضرميّ الذي رواه الشيّخ عنه، عن أبي عبداللّهعليه‌السلام وموضع الدلالة منه قولهعليه‌السلام : " ما منع ابن أبي سمّاك أنْ يبعث اليك بعطائك، أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً؟"(٢) .

وقال الشيخ عليّ فيها: " قلت: هذا نصّ في هذا الباب إلى قوله: حيث إنّه يستحقّ في بيت المال نصيباً، وقد تقرّر في الاُصول تعدّي الحكم بالعلّة المنصوصة ".

قلت: الحديث غير معلوم الصحّة وعدم ظهور الدلالة، إذ غايتها جواز قبول الحضرمي في عطاء ابن أبي سمّاك لأنّ له في بيت المال نصيباً فُهم بالقياس جواز الأخذ منه لمن كان مثل الحضرميّ في الاستحقاق من بيت المال، بأن يكون من المصالح، فلم يدلّ على جواز أخذ الخراج من كل جائر مؤمناً وغيره لكل أحد، سواء كان ممن يستحقّ من بيت المال أو لا.

____________________

(١) أي المحقق الأولرحمه‌الله .

(٢) الوسائل ج١٢ ص١٥٧ باب٥١ من ابواب ما يكتسب به ح٦ وايضاً في التهذيب ج٢،ح١٠٢ و ج٦ ص٣٣٦ ح٥٤.

٢٠١

فالاستدلال بمثله في هذه المسألة لا يخلو عن إشكال وأشدّ منه تسميته بالنص.

نعم يمكن الاستدلال به في الجملة على جواز أخذ الجوائز من الجائر كما استدلّ به عليه العلّامة في المنتهى(١) وليس بتامّ أيضاً.

وأيضاً صحيحة هشام الدالّة على جواز شراء مال الصدقة من الجائر حتى يعرف أنّه حرام(٢) ولا خفاء في عدم دلالتها على المدّعى وهو ظاهر.

وأيضاً ما روي أنّ الحسنينعليهما‌السلام قبلاً جوائز معاوية(٣) وعدم الدلالة ظاهر.

وأيضاً صحيحة عبد الرحمن، حين قال له أبو الحسنعليه‌السلام : " مالك لا تدخل مع عليًّ في شراء الطعام، إنّي أظنّك ضيّقاً قال: قلت: نعم، فإنْ شئت وسّعت عليَّ، قال: اشتره "(٤) ومعلوم أن ليس فيه إلاّ الدلالة على جواز شراء طعام كان عبد الرحمن ضيّقا من شرائه، ولايدّل على جواز أخذ الخراج من كل جائر لكلّ أحد بكلّ وجه هو المدعى.

وأيضاً صحيحة جميل بن صالح قال: " أرادوا بيع تمرعين أبي زياد، فأردت أن أشتريه، فقلت: حتى أستأذن أبا عبداللّهعليه‌السلام فأمرت مصادفاً فسأله فقال: قل له فليشتره فانه ان لم يشتره إشتراه غيره "(٥) وهي مثل ما قبلها في الدلالة بل اقلّ، على أنّه قد يكون صحّتهما موقوفة على توثيق عبد الرحمن ومصادف.

ونقلهما الشيخ علي في خراجيّة(٦) ، وقال: " وقد استدل بالاخير في المنتهى

____________________

(١) المنتهى/ج٢، ص١٠٢٦.

(٢) الوسائل ج١٢ ص١٦١ ح٥ كتاب التجارة، الكافي ج٥ ص٢٢٨ ح٢، التهذيب ج٦ ص٣٧٥ ح٢١٥.

(٣) الوسائل ج١٢ ص١٥٧ كتاب التجارة باب٥١ من ابواب مايكتسب به ح٤ و ص١٥٩ ح١٣، قرب الاسناد ص٤٥، التهذيب ج٦ ص٣٣٧ ح٥٦.

(٤) الوسائل ج١٢ ص١٦١ كتاب التجارة باب٥٢ من ابواب مايكتسب به ح١، التهذيب ج٦ ص٣٣٦ ح٥٣.

(٥) الوسائل ج١٢ ص١٦٢ كتاب التجارة باب٥٣ من ابواب مايكتسب به ح١، الكافي ج٥ ص٢٢٩ ح٥، التهذيب ج٦ ص٣٧٥ ح٢١٣.

(٦) رسائل المحقق الكركي/المجموعة الأولى ص٢٧٢.

٢٠٢

على هذه الدعوى ثم اعترض الشيخ عليّ على نفسه بأنّ جواز الشراء لايدلّ على غيره، وأجاب أنّ حل الشراء يستلزم حلّ جميع أسباب النقل " وأنت تعلم أنّه غير واضح، إذ قد يكون جواز الشراء لحصول العوض وغير ذلك، الا ترى أنّ المكاتب يجوز له الشراء ولا يجوز له الهبة، وأيضاً اجاب عن عدم لزوم جواز الأخذ بأمر الجائر من جواز أخذ ما قبضه على تقدير تسليمه بنحو ذلك، وهو غير ظاهر.

وبالجملة هذه المسألة في الغاية من الإشكال، حيث إنّهم حكموا بها بهذه الأدّلة و قالوا: لا يجوز الأخذ إلاّ بإذن الجائر.

بل نقل الشيخ علي عن البعض " انّه لايجوز السرقة والكتمان للزارع " مع قولهم بعدم جواز الأخذ للجائر وأنّه ظالم، فلا يجوز البيع منه حينئذ بل لا يمكن تحقّق البيع، وكيف يجوز بيع مال المسلمين الّذي الناظر فيه الامامعليه‌السلام ومصرفه بعض المصالح أخذه الظالم ظلماً أن يُشترى منه أويتّهب، إلاّ أنْ يقال هذا استنقاذ لابيع حقيقة ولا صدقة ولكن حينئذ شرط الإذن أو القبض غير ظاهر. وكيف لايجوز لمن في ذمته السرقة والكتمان؟ بل ينبغي، بل يجب عدم جواز الإعطاء له إن أمكن، لأنّه لاتبرأ ذمّته على تقدير قدرته على المنع و لا يتعيّن ما اُخذ منه مالاً للخراج والزكاة.

لكن ما جزم بهذا النقل، بل قال: اظن سماعاً عن علي بن هلال. وما نقلوا دليلاً على عدم الجواز إلاّ بإذن الجائر والجواز به سوى مامرّ. فلولا خوف خلاف الإجماع لأمكن القول بعدم جواز البيع أيضاً إذ ليس في الأخبار جواز بيع مال الخراج المبحوث عنه.

نعم قد يوجد في بعض الاخبار جواز شراء الزكاة فيحتمل زكاة مال المشترى على طريق الاستنقاذ، وأن يكون المراد ممّن عنده الزكاة لاعين الزكاة، وأن يكون العامل مأذوناً من الامامعليه‌السلام وما كان معلوماً ظاهراً للتقيّة، أو

يكون للتقيّة، أو قضيّة في واقعةٍ فلا يتعدّى وأمثالها كثيرة، وان يكون لطفاً من اللّه تعالى تسهيلاً للشريعة ونفياً للحرج على تقدير عدم ثبوت براءة الذمّة والضرورة واستحقاق الزكاة فيؤوّل كلام الأصحاب على بعض تلك الوجوه على تقدير صحّته مثل كون الآخذ من المصالح والمصرف أو الذّي يقدر أن يأخذه ويصرفه في مصرفه وغير ذلك وقد احتمل الشيخ إبراهيم في النقض كون الجائر مخالفاً بظنّ إمامته وكذا المعطي ويفهم من شرح الشرائع أيضاً.

تمّت الرسالة الخراجيّة لمولانا أحمد الاردبيليرحمه‌الله في رابع شهر رجب الأصب سنه ١٣١٣.

٢٠٣

الرسالة الثانية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

فائدة

الّذي أظنّ تحريم ما يأخذون في هذا الزمان بغير إذن الامامعليه‌السلام مثل العشر الحاصل من القرايا، فإنّ حلّه في الأصل واستحقاق المسلمين له على ما يفهم من كلامهم -رحمهم‌الله تعالى - موقوف على كون تلك القرايا فتحت عنوة بإذن الإمامعليه‌السلام ، ومعمورة حينئذٍ، أو فتحت على أن الأرض للمسلمين، وعلى عدم وقفيّتها، وعدم دعوى من في يده ملكيّتها، والحال أنّهم يأخذون من الوقف وممّن يدّعي الملكيّة، وعلى ثبوت المعاملة كالمزرعة من الإمامعليه‌السلام أو نائبه مع من يؤخذ منه الخراج.

أمّا التوّقف على الفتح عنوة بإذن والمعمورّية حين الفتح فلأنّ كلّ ذلك مصرّح به في محلّه.

وأمّا على عدم دعوى ملكيّتها فلأنّهم صرَّحوا بأنَّ كلّ من يدّعي ملكيّة شيء وهو تحت يده ولم يعلم فساده، يقبل قوله في ملكه، بل مجرّد اليد دليل الملكيّة مع عدم العلم بالفساد. ولا شك في أنّه يمكن صحّة تملكّه، مع أنّه صرَّح بذلك

٢٠٤

الشهيد الثّاني في شرح الشرائع(١) وذكر لاحتمال صحّة تملكّه وجهين.

وأمّا على ثبوت المعاملة، فإنَّ حاصل القرية لزارعها إذا كان البذر له ولايجوز أخذ مال الغير إلاّ على وجه شرعيّ وليس بالفرض هناك ما يمكن إلاّ مثل ذلك.

وأنت تعلم أنَّ إثبات كلّ ذلك في زماننا هذا دونه خرط القتاد كيف؟!

وأسهله إثبات الفتح عنوة في العراق. مع أنَّه قال الشيخ في المبسوط: " وعلى الرواية التي رواها الأصحابنا - إنَّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمامعليه‌السلام فغنمت تكون الغنيمة للإمامعليه‌السلام خاصّة -(٢) تكون هذه الأرضون وغيرها ممّا فتحت بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ ما فتحت في أيّام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إن صح شيء من ذلك، للإمام خاصّة لايشترك فيها غيرهعليه‌السلام "(٣) ، وقال الشيخ إبراهيم -رحمه‌الله - في نقض الخراجيَّة: " قال السيد عميد الدين في شرح النافع وظاهره أنّه حكاه عن شيخه فخرالدين: وأما العراق فقيل إنّه فتح عنوة فهو للمسلمين لا يباع ولا يوقف ولايوهب ولايملك، لأن الحسن والحسينعليهم‌السلام كانا مع الجيش، وفتح بإذن عليّعليه‌السلام وقيل لم يفتح عنوة لأنّ الفتح عنوة هو الّذي يكون بحضور الإمام أو نائب الإمام أو إِذن الإمام، وليس هنا شيء من ذلك، وكذلك قولهم إنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام كانا مع الجيش أيضاً غير معلوم فلا يكون مفتوحاً عنوة فيكون للإمامعليه‌السلام ، وهو المفتى به وكذا قال والده قدس اللّه سرهما، انتهى ".

فلا يسمع دعوى الشهرة بل الإجماع في كون العراق فتحت عنوة.

____________________

(١) مسالك الافهام/ص١٥٥ ج١.

(٢) الوسائل ج٦ ص٣٦٩ ح١٦ التهذيب ج٤ ص١٣٥ ح١٢.

(٣) المبسوط/ج٢ ص٣٤.

٢٠٥

والّذي يوجد في كلام بعض الأصحاب من جواز أخذ ما أخذ الجائر باسم الخراج، لايدلّ على الإجماع، ويمكن أن يكون مع حصول الشرائط من الجائر المخالف مع كون الآخذ مصرفاً للخراج وأخذ ما يحتاج إليه، فلا يسمع دعوى الإجماع في جواز أخذه مطلقاً.

كيف؟! وتوقّف مدّعي الإجماع المحقّق الثاني في جواز أخذه لغير من يكون مصرفاً للخراج مثل الغزاة والقضاة، والمدّعي الآخر الشهيد الثاني تردّد في شرح الشرائع في جواز أخذه من الجائر الموافق(١) .

ثمّ إن أغمضنا عن ذلك كلّه، كيف يجوز لواحد منا سواء كان مصرفاً للخراج أم لا أن يأخذ مالاً كثيراً فوق ما يحتاج إليه هو لجميع المسلمين، بمعنى أنّه مال لمصالحهم العامّة مثل المسجد والقنطرة، يصرفه وليّهم فيها وهو الإمامعليه‌السلام أو نائبه، بغير إذنهم وإذن وكيلهم و وليّهم ويتصرّف فيه كيف شاء؟

وبالجملة معلوم عدم جواز التصرّف في مال الناس إلا على الوجه الشرعي المعلوم شرعيّته عقلاً ونقلاً كتاباً وسنّةً وإجماعاً، وما رأيت دليلاً منها يدلّ على جواز أخذ واحد منّا شيئاً ممّا يأخذه الجائر باسم الخراج ولم نعلم هل لكلّ أحد من المسلمين أو للفقراء المستحقّين له أو للصالح في الجملة، بقدر الحاجة وفوقها وهل الجائر هو المخالف أو الاعم وإِن كان ظاهر ذلك العموم. ولهذا تردّد في بعض أفراده بعض المجتهدين المدّعي للإجماع كما أشرنا إليه وذلك ليس بكتاب ولا سنّة ولا إجماع ولا برهان عقليّ حتّى يكون حجة بالنّسبة الى من يدّعي الاستدلال وكذا بالنسبة الى مقلّديه، كما عرفت.

____________________

(١) مسالك الافهام/ ص١٥٥، ج١ حيث قال... لان المسلمين بين قائل باولوية الجائر وتوقف التصرّف على اذنه وبين مفوض الامر الى الامام العادل. المعلّق.

٢٠٦

مع أنّه فرع جواز تقليده وهو ظاهر، مع أنّهم يدّعون الإجماع على بطلان تقليد الموتى، ومعلوم أنّ حلّه ليس ممّا يحتاج إلى الدليل ولا التقليد وهو ظاهر.

والعجب أنّ الآخذين الآن وإن كانوا غنيين عن هذا وفوق حاجتهم، مستندهم كلام المحقّق الثاني مع أنّه يفهم من كلامهرحمه‌الله في مواضع، التردّد في جوازه لكلّ أحد مثل الغنيّ وغيره المصالح وأنّه مع دعواه البرهان عليه ما اكتفى بذلك في أخذه بل شارك أهل القرية في البذر واشترى بعض الأشجار منهم صرّح به في الخراجيّة.

أعجب منه عدم جواز الأخذ إلاّ بإذن الجائر مع عدم جواز الأخذ له، وعدمُ جواز التصرّف في الحاصل إلاّ بعد القسمة وإخراج الحقّ الّذي يطلبه ظلماً. فما علم جواز أخذ الخراج على الإطلاق ولا لزومه على الزارع. نعم يلزم اُجرة من تصرّف في أرض الخراجيّة إن ثبت فيكون ديناً في ذمّته يأخذه الوالي أو وكيله يصرفه في مصالح المسلمين. واللّه أعلم بالصواب.

تمّت هذه الرّسالة الخراجيّة أيضا من تأليفات المولى الفاضل العالم المرحوم المغفور الورع التقي مولانا أحمد الاردبيلي أسكنه اللّه تعالى في جنانه.

٢٠٧

رسالة في الخراج

تأليف

الشيخ ماجد بن فَلاح

" الفاضِلِ الشيبَاني "

بسم اللّه الرحمن الرحيم

نبذة من حياة الفاضل الشيباني(ره)

لاشبهة في تقدم الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي " قده م٩٤٠ " على الفاضل الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي البحراني الحلّي " ره م بعد ٩٥١ " في العلم والتحقيق والتبحر، كما لاشك في أن الشيخ علي أبعد غوراً وأصحّ رأياً وأقوى سياسة في قبوله جائزة " الشاه طهماسب " ومخالطته لملوك الصفوية.

وإن العالم اذا تورّع عن جوائز الملوك وتنزّه عنها وتجنّب الانحياز اليهم تورّعاً، فلا لوم عليه ولا يقدح ذلك فيه، بل هو طريق السلامة. ولكن اللّوم على القطيفي في قدحه في الشيخ وإطالة لسانه عليه مع جلالة قدره وعظم محله في العلم، وكون القطيفي ليس من رجاله، فانّ من تورّع عن جوائز الملوك لايجوز له القدح فيمن يأخذها، لوجوب حمل فعله على الصحة، لاسيّما إن كان من أجلاء العلماء كالمحقق الكركي(١) .

هكذا دافع السيد الأمين العاملي الشقراوي عن المحقق الثاني العاملي الكركي في قبال الفاضل القطيفي البحراني، وهكذا علق على مواقف القطيفي في مواجهة شيخه الكركي.

ولكن الفاضل القطيفي لم يكن يومئذٍ وحيداً في مواجهة المحقق الكركي، بل

____________________

(١) أعيان الشيعة ١٤٢:٢،١٤٣.

٢٠٨

كان معه في ذلك عدد غير قليل من أهل العلم وغيرهم ممن كان يلجّون في مواجهة الشيخ.

فكتب الشيخ ردّاً عليهم رسالة الخراجية: " قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج ".

فرده القطيفي - بعد ثمان سنين - بكتابه " السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ".

وسئل المحقق المقدس الأردبيلي عن المسألة فاشتهر عنه أنه يقول بتحريم الخراج، وبلغ ذلك الى معاصره الفاضل الشيخ ماجد بن فلاح الشيباني وسئل عن رأيه في ذلك، فقال لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئاً يدل على تحريمه. فبعد مدة ظهرت منه رسالة محصّلها: أن الخراج فيه شبهة. فردّها برسالة الخراجية هذه، وردّ بردّه القطيفي وانتصر للمحقق الكركي " قده ".

فردّها المحقق المقدس الأردبيلي " قده " برسالة الخراجية الثانية في التأكيد على تحريم الخراج بقول مطلق. ولم يشأ الشيباني أن يردّ الأردبيلي بردّ آخر وتوقّف عن ذلك. ولقد سبق القول عن كل ذلك في مقدمتي رسائل المحقق الكركي والفاضل القطيفي والمقدس الأردبيلي. ونحن نقدم الآن الخراجية الشيباني. ويقول هو في مقدمتها:

" فيقول الفقير الفاني: ماجد بن فلاح الشيباني: أنه قد اشتهر أن مولانا أحمد الأردبيلي " سلمه اللّه تعالى وأبقاه " يقول بتحريم الخراج. وقد سألني جماعة من أصحابه عن ذلك، فقلت لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئاً يدل على تحريمه. فبعد مدة ظهرت منه رسالة محصّلها: أنّ الخراج فيه شبهة... قال دام ظله ومتعّنا اللّه ببقائه وكثر من مثله وأمثاله... ".

وقال في خاتمتها:

" إن الشيخ إبراهيم المنسوب اليه الخلاف معترف بحلّه، وأثبت ذلك في نقضه، كما حكيناه عنه سابقاً. فرحم اللّه من أحسن النظر، وتفكّر في أمر دينه واعتبر،

وجعل ضالّته ونزّه نفسه عن التعصب والجدال، واعترف لأهل الفضل بفضلهم، ويزّل الناس بمنازلهم. وليكن هذا آخر ما خطر لهذا الفقير القاصر ".

وانما ذكره من أرباب التراجم السيد حسن الصدر في الجزء الثاني المخطوط من كتابه: " تكملة أمل الآمل " فقال: عالم فاضل، فقيه كامل، له رسالة في حل الخراج، ردّ فيها على المقدس الأردبيلي والشيخ إبراهيم القطيفي، وانتصر للمحقق الكركي. وكان معاصراً للمقدس.رحمه‌الله عليهم أجمعين(١) .

____________________

(١) السيّد حسن الصدر في الجزء الثاني المخطوط من تكملة أمل الآمل نقلاً عن الفوائد الرضوية: ٣٦٩.

٢٠٩

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي أحلّ خراج بلاده للمؤمنين من عباده، وألهم قلوب من يعتّد بكلامه حلّ تناوله واختصامه، و صلى اللّه على محمّد وآله الذين بيَّنوا لنا جميع حرام اللّه وحلاله.

وبعد، فيقول الفقير الفاني ماجد بن فلاح الشباني (الشيباني خ ل): إنّه قد اشتهر أنّ مولانا أحمد الأردبيلي - سلّمه اللّه تعالى و أبقاه - يقول بتحريم الخراج، وقد سألني جماعة من أصحابه عن ذلك، فقلت لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئاً يدلّ على تحريمه. فبعد مدّة ظهرت منه رسالة محصّلها أنّ الخراج فيه شبهة. وأنا أنقل عبارته حرفاً بحرف خوفاً من التغير والتبديل وكثرة الأقاويل.

فقال - دام ظلّه ومتّعنا اللّه ببقائه وكثّر من مثله وأمثاله- : " اعلم - وفّقك اللّه لمرضاته - أن الخراج لايخلو عن شبهة، فإنّه على مافهم من كلامهم إنّه كالاُجرة المضروبة على الأرض التي فتحت عنوة، وكانت عامرة حين الفتح، وفي معناه: المقاسمة، سواء كانت من عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره

أيضاً. وقيل: إنّه مختصّ بالقسم الثاني والمقاسمة بالأول، وقد يفرّق بالمضروب على الأرض أو المواشي، وهي التي اُخذت بالسيف والغلبة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مع الإمامعليه‌السلام أو نائبهما في الجهاد، وإلا يكون فيئاً لهماعليهما‌السلام على ما يفهم من عباراتهم، وإن كان دليلهم لا يخلو عن

٢١٠

ضعف، إلا كلام المحقّق في المعتبر(١) والنّافع،(٢) فإنّه يدلّ على تردّده في كون ما أخذه العسكر بغير إذنه فيئاً - وقالوا: وهذه الأرض للمسلمين قاطبةً، فيكون حاصلها لهم وأمرها إلى إلامامعليه‌السلام ويصرف حاصلها في مصارف المسلمين من المساجد والقناطر والقضاة و الأئمّة والمؤذّنين وسدّ الثغور والغزاة وغيرها، وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس، لأنّه من الغنيمة، وكلام أكثر الأصحاب خالٍ عنه، ونبّه عليه الشيخ إبراهيم(٣) في نقض الرسالة الخراجيّة لعليِّ بن عبدالعالي، وفي العبارة المنقولة عن المبسوط(٤) تصريح بوجوب الخمس في هذه الأراضي " إنتهى كلامه دام ظلّه(٥) .

وأقول: إنّ المفهوم من قوله " فإنّه... الخ " كون هذا الكلام دليلاً على كون الخراج فيه شبهة، ولا يخفى أن هذا الكلام بأسره لادلالة له على مدّعاه بشيء من الدلالات الثلاث، يعرف ذلك من كان سالكاً طريق الإنصاف، فإنّ كونه كالاُجرة وكون المقاسمة في معناه واختصاصه بالقسم الثاني، والمقاسمة بلأوّل لايدلّ على حلٍّ ولا تحريم ولاشبهة.

وقوله: " وقد يفرّق بالمضروب على الأرض أو المواشي " لاربط له بما قبله ولا بما بعده.

____________________

(١) المعتبر: كتاب الخمس ص٢٩٦.

(٢) المختصر النافع: كتاب الخمس ص٦٤.

(٣) السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج: المطبوع في ضمن الكتاب ص٥٨.

(٤) المبسوط: ج٢ - كتاب الجهاد - ص٢٨و٣٤.

(٥) راجع خراجيهّ المحقق الأردبيلي(ره) المطبوعة في ضمن الكتاب ص١٧-١٨.

٢١١

وقوله " وإلا يكون فيئاً " إن أراد به غنيمة الغازي بغير إذن الإمام كما يفهم من آخر هذه العبارة، فالصواب تركه، لأنّ المفروض كون الجهاد مع النبيّ أو الإمام أو نائبه في الجهاد، على ما صرّح به فكيف يكون ما أخذه فيئاً؟ وإن أراد به غيره فلا بدّ بيانه.

وقوله " وهذه للمسلمين - إلى قوله - وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس " لادخل له في الاستدلال على التحريم ولا الشبهة، بل إن كان ولا بدّ يكون دليلاً على كون الخراج حلالاً.

قال - دام ظلّه- : " واعلم أيضاً أنّه ما ثبت كون الأرض فتحت عنوة على الوجه المذكور إلا ماثبت في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كونه كذلك، وأمّا غيره فالعراق وجد كونها مفتوحة عنوةً في كثير من العبارات، حيث فتحت في زمان الثاني بالقهر، وقيل كان بإذن أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان الحسنان عليهما اسلام مع العسكر وقد منع ذلك، وذلك منقول عن فخر الفقهاء ووالده في التنقيح، ويفهم ذلك من كلام المبسوط(١) وإن يفهم خلافه أيضاً، وبالجملة ما ثبت كونه كذلك "(٢) إنتهى كلامه دام ظلّه.

وأقول: إنّ هذا الكلام مع قطع النظر عمّا فيه من عدم تحرير العبارة وربطها، لا يظهر المعطوف عليه ما هو؟ والمفهوم أنّ أرض العراق لم يثبت كونها خراجيّة، وهو مع تسليمه لا يدلّ على كون الخراج فيه شبهة، بل إن ثبت دلّ على أنّ المأخوذ منها بطريق الخراج حرام إن قلنا بأنّ القسمة للغازين أو قلنا بأنّها للإمام ولم نقل بأنّهعليه‌السلام جعلها كأرض الخراج تفضّلاً منه كما يجيء في كلام هذا المصنّف.

وقوله: " وبالجملة لم يثبت كونه كذلك " بعد تصريح العلماء بأنّها لا خلاف

____________________

(١) المبسوط: ج٢ - كتاب الجهاد - ص٣٣.

(٢) راجع خراجيتهّ(ره)، ص١٨.

٢١٢

فيه أنّها فتحت عنوة، ممّا لا يليق من مثل هذا الفاضل، فإنّ كون أرض العراق خراجيّة أشهر من الشمس وأبين من أمس لمن تصفّح مساطير العلماء، مثل عبارة المبسوط(١) والمنتهى(٢) ، والتذكرة(٣) ، والتحرير(٤) ، والسرائر(٥) ، وما رواه الشيخ بإسناده عن مصعب بن يزيد الأنصاري من قوله: إستعملني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ... الخ(٦) . وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام من قوله: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت عنوةً بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قد سار في أهل العراق مسيرة فهم(٧) إمام لسائر الأرضين(٨) . وما روي أيضاً عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبداللّهعليه‌السلام عمّا اختلف فيه ابن أبي ليلي، وابن شبرمة...الخ(٩) ، فكلّ هذا لا يفيد الظنّ بأنّ أرض العراق خراجيّة؟! فكيف لنا بثبوت المعاني اللغويَّة التي نأخذها من كتب المخالفين؟!

فليتأمّل ذلك المنصف.

قال - دام ظلّه -: " نعم، فيما رواه الشيخ في الصحيح على ما قبل عن محمَّد الحلبيّ، قال: سئل أبو عبداللّهعليه‌السلام عن السواد، ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين... الخ(١٠) دلالة على ذلك مع أنّها قد تكون للتقيّة على ما قيل، أو يكون لهعليه‌السلام جعلها كذلك تفضّلاً منه " انتهى كلامه دام ظلّه(١١) .

____________________

(١) المبسوط: ج٢ - كتاب الجهاد - ص٣٣.

(٢) منتهى المطلب: ج٢ - كتاب الجهاد - ص٩٣٧.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج١ - كتاب الجهاد - ص٤٢٨.

(٤) تحرير الأحكام: ج٢ - كتاب الجهاد - ص١٤٢.

(٥) السرائر: كتاب الزكاة - باب أحكام الأرضين ص١١١.

(٦) التهذيب: ج٤ ص١١٨ ح٣٤٣.

(٧) هكذا في المطبوعة ولكن في التهذيب " بسيرة فهي ".

(٨) التهذيب: ج٤ ص١١٨ ح٣٤٠.

(٩) التهذيب: ج٧ ص١١٥ ح٦٨٤.

(١٠) التهذيب: ج٧ ص١٤٧ ح٦٥٢.

(١١) راجع خراجيتهّ(ره)، ص١٨.

٢١٣

أقول: إنّ الحمل الثاني ينادي ويقول: مرحباً بالوفاق. فإنّ المقصود حلّ ما يؤخذ من أرض العراق بطريق الخراج. وأما الحمل الأوّل، فإنّما يستقم لو كان لهذا الخبر معارض أرجح منه، أمّا مع عدم المعارض فأيّ ضرورة إلى هذا الحمل.

قال - دام ظلّه -: " وأمّا ما سوى العراق مثل الشام، ونقل عن العلّامة: وخراسان إلى كرمان، وخوزستان وهمدان وقزوين و حواليها، ونقل أنّها خراجّية عن قطب الراوندي في الخراجيّة، فقد علمت، أنّ حلّيّته موقوفة على تحقيق كون الأرض التي يؤخذ منها الخراج اُخذت عنوة وكانت معمورة حينئذٍ ومضروب الخراج ولم يدّع أحد ملكيّتها ولم تكن موقوفة لما سيجيء ودونه خرط القتاد. إذ طريقه الخبر المتواتر أو خبر الواحد الصحيح وليس شيء من ذلك بمعلوم ولا مظنون بظن معتبر " إنتهى كلامه دام ظلّه(١) .

أقول: هذا الكلام يدلّ على حلّ الخراج وأنّه لا شبهة فيه، وإنّما الكلام في تحقيق أرض الخراج وليس هو المبحوث عنه. ثمّ اِنّ المتوقّف عليه حلّ الخراج إنمّا هو فتح المعصوم أو نائبه للأرض عنوةً وكونها محياة، وأمّا عدم ضرب الخراج وادّعاء أحد ملكيّتها لا ينافي كون الأرض خراجيّة، لأنّ المفتوح عنوة يملك تبعاً لآثار التصرّف، ولايقتضي ذلك سقوط الخراج بل يقتضي قرارها في يده مادام آثار التصرّف موجودة.

ثمّ دعوى انحصار الثبوت بالخبر المتواتر وخبر الواحد الصحيح دعوى خالية عن الدليل فلم لا يكفي فيها الشياع المفيد للظن؟ إذ لولم يكف فيها ذلك لبطل هذا الحكم مع امتداد الأوقات و فناء الشهور(٢) وعدم حصول التواتر، وذلك ينافي حكمة الشارع.

____________________

(١) راجع خراجيتهّ(ره)، ص١٨-١٩.

(٢) وفناء الدهور (ن خ).

٢١٤

قال - دام ظلّه -: " ولا يمكن إثباته بكونها معمورة الآن وأنّ الجائر يأخذ عنها الخراج كما قال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع: حملاً لفعل المسلمين على الصحّة، إذ الأصل عدمه وذلك قرينة ضعيفة، إذ الجائر يرى عدم تقييده لأخذه مال الناس ولدخوله فيما ليس له كالقتل وغير ذلك، فكيف يمكن حمل ذلك منه على الصحّة؟ ولأنّه يأخذ الخراج من غير محلّه وفوق الحقّ ومن غير رضا المتصرّف، بل وقد ينقص محصوله من الخراج ولا يتمّكن من الترك، بل لو ترك الزراعة يؤخذ منه الخراج، على أنّهم صرّحوا بأنّ أخذ الجائر غير جائز وأنّه ظلم وحرام وهو آثم به، فكيف يحكم على الصحّة والإباحة ولا يعتبر شرعاً في أخذ ما في أيدي الناس الدالّة على الملكيّة وقد يدّعي الملكيّة أيضاً؟ قال فيه في شرح قول المصنّف " والنظر فيها أي في الأرض المفتوحة عنوةً إلى الامام ". هذا مع ظهوره وبسط يده، أمّا مع غيبته كهذا الزمان فكلّ أرض يدّعي أحد ملكيّتها بشراء أو إرث ونحوها ولا يعلم فساد دعواه تقرّ في يده كذلك، لجواز صدقه وحملاً لتصرّفه على الصحّة فإنّ الأرض المذكورة يمكن تملّكها بوجوه وذكر وجهين " إنتهى كلامه دام ظلّه(١)(٢) .

أقول: الشيخ زين الدين -رحمه‌الله - ادّعى أنّ كونها خراجيّة يثبت بكونها معمورة الآن وأخذ الجائر منها، واستدلّ عليه بحمل فعل المسلمين على الصحّة، ولا يخفى تكررّ هذا الدليل في كلام الفقهاء وأنّهم استدلّوا به على مطالب كثيرة من جملتها ما استشهد به المصنّفُ من قول الشيخ زين الدين: " فكلّ أرض يدّعي أحدٌ ملكيّتها - إلى قوله: - حملاً لتصرّفه على الصحّة "، فقول المصنّف: " الأصل عدمه " إن أراد به عدم الخراج فلا يضرّ هذا المستدلّ إذا سلّم المصنّف دليله، وإن لم يسلّمه فلا حاجة إلى قوله " إذ الأصل عدمه "، وإن أراد أنّ الأصل عدم

____________________

(١) مسالك الأفهام: ج١ ص١٥٥.

(٢) راجع خراجيتهّ(ره)، ص١٩.

٢١٥

الصحّة ففيه ما يكفيه.

وقوله: " إنّ ذلك قرينة ضعيفة " بعد تسليم الدليل، لاوجه له إذ عدم تقيّد الظالم وما ذكر فيه من المطاعن لايخرجه عن الاسلام، ولا يقتضي تحريم ما في يده إذا لم نعلم تحريمه بعينه.

وقوله: " من غير رضا المتصرّف " لا وجه له بعد الإحاطة بأنّ الخراج خارج عن ملك المتصرّف. ومن أوهن المطاعن قوله: " بل وقد ينقص محصوله عن الخراج " مع قطع النظر عمّا في العبارة، لما قرّر أنّ الخراج كالاُجرة، والعلاوة التي ذكرها وهي التصريح بأنّ أخذ الجائر غير جائز لا يقتضي تحريمه على مستحقّه ولا ينافي صحّة أخذ المستحقّ له ولا إباحته له وإن كان أخذ الجائر له محرّماً.

وقوله: " ولا يعتبر شرعاً في أخذ ما في أيدي الناس الدالّة على الملكيّة " إن أراد بما في أيدي الناس، الأموال التي يدّعون ملكها فليس الكلام فيه وإن أراد به الأموال التي في أيديهم إذا طلبها السلطان دفعوها إليه على أنّها عوضاً عن زرع هذه الأرض، فنفي الاعتبار لا وجه له.

وقوله: " قد يدّعي الملكيّة - إلى قوله - وذكر وجهين " لا طائل بذكره لأنّ كلامنا في الأرض التي لايدّعي صاحب اليد ملكيّتها أو يدّعيها مع علم فساد دعواه.

قال - دام ظلّه -: " ثمّ على تقدير الثبوت فلا دليل يعتدّ به عليه وإن كان ظاهر عبارات الأصحاب يفيده، لكن الأخذ بمجرّد ذلك من غير ظهور دليل.

وثبوت إجماعهم بحيث تقنع النفس به وإن ادّعى الشيخ علي بن عبدالغالي الإجماع على ذلك في الخراجيّة لما تعلم في الاجماع، ودعواه في هذا الزمان في مثل هذه المسألة مشكل، لأنّ الظاهر أنّ المال لمن في يده من غير أن يكون لأحد شيئاً، إذ ثبوت الخراج في أرضه من الامام وقبوله على ذلك المقدار الآن غير واضح وإن سلّم أنّ أرضها ممّا يجب فيه الخراج، فيكون هو غاصباً يلزمه اُجرة المثل و ليس بمعلوم

٢١٦

كونها المقدار المقّرر المأخوذ باسمه " انتهى كلامه أدام اللّه أيّامه(١) .

أقول - وباللّه التوفيق -: لايخفى أنّ هذا المصنّف يدّعي أن الخراج محرّم أو فيه شبهة، فكيف يكفيه في ذلك أن لا دليل يدلّ على تحليله. نعم، لو كان مانعاً كفاه ذلك. وعدم قبوله دعوى الإجماع من مثل الشيخ علي(٢) ، أو مثل الشيخ زين الدين(٣) ومثل المقداد(٤) -رحمهم‌الله تعالى - لا يلائم ما هو مقرّر من [أنّ ظ] الإجماع المنقول بخبر الواحد بل ولا المنقول بنقل مستفيض حجة.

وأعظم من بالغ في دعوى الإجماع شيخنا الشيخ زين الدين الذي بالغ في تتبّع الروايات وكلام الفقهاء فقال -رحمه‌الله تعالى -: " ما يأخذه الجائر في زمن الغلبة قد أذن أئمتُنا في تناوله منه، وأطبق عليه علماؤنا، لا نعلم فيه مخالفاً وإن كان ظالماً في أخذه، ولاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر العظيم على هذه الطائفة(٥) .

وقال المقداد -رحمه‌الله -: " إنّما قلنا بجواز الشراء من الجائر مع كونه غير مستحقّ للنصّ الوارد عنهمعليهم‌السلام بذلك، وللإجماع وإن لم يعلم مستنده أنَّ ما يأخذه الجائر حقّ لأئمّة العدل وقد أذنوا لشيعتهم في ذلك فيكون تصرّف الجائر كالفضولي إذا إنضمّ إليه إذن المالك " انتهى(٦) .

أقول: ومن ذلك يفهم جواز غير الشراء فتأمل. وما ورد من الروايات التي يدلّ بعضها صريحاً وبعضها بالفكر الصائب وإن كان في بعضها ضعف، وعبارات الفقهاء التي هي صريحة بحلّه ممّا يدلّ على تحليله.

وأصرح ما وجدناه في هذا الباب ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد ابن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن

____________________

(١) راجع خراجيهّ المحقق الأردبيلي(ره) ص١٩-٢٠.

(٢) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٨٠.

(٣) و (٥) مسالك الإفهام: - كتاب التجارة - ص١٦٨.

(٤) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: ج٢ - كتاب التجارة - ص١٩.

(٦) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: ج٢ - كتاب التجارة - ص١٩.

٢١٧

عبدالملك، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه وأبي الحسنعليهم‌السلام وعن المفضّل ابن صالح عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه إنما أخذ حقّه، فإذا كان مع إمام عادل فعليه القتل(١) ولكنّه وإن كان ضعيفاً فهو مع غيره من الأحاديث الدالّة على حلّ الخراج قد اعتضد بعمل الفقهاء وتوافق عباراتهم فضلاً عن الإجماع المدّعى على أنّ الخراج حلّ للمسلمين قاطبة.

ومن أعجب الاُمور أنّ هذا الخراج لم يذهب إلى تحريمه أجد من المسلمين فضلاً عن المؤمنين حتى أنّ الشيخ إبراهيم -رحمه‌الله - الذي نسب إليه الخلاف في ذلك قال في نقض الخراجيّة بما يدلّ اعتقاده بأنّ الخراج حلال للمسلمين وإن حرم أخذ الجائر له، وهذه عبارته: " ولو شئت أن أقول إنّ اختيار الدفع الى الظالم مع التمكّن من الكتمان والسرقة والجحود ممّا علم عدم جوازه من الدين بالضرورة لقلت، لأنّ ذلك حقّ للمسلمين يجب إيصاله إلى واليهم، فاذا كان غائباً وجب أن يوصل إلى نائبه وهو حاكم الشرع، فإن لم يمكن فإلى مستحقّه حسبة(٢) كالمال الذي في يده لغيره فإنه يدفعه إلى من يستحق قبضه شرعاً "(٣) .

فإذا كان الأمر كذلك فلا فرق مع غيبة الحاكم الشرعي أن يأخذ الخراج من الظالم أو من غيره، و كثيراً ما نسمع الفقهاء -رحمهم‌الله - تعالى يقولون: لو نجد الرفيق لقلنا كذا، فمسألة لم يوجد دليل على تحريمها ولا قائل به فكيف يجوز التجرّي على القول به؟ وما أشبه الخراج بالمتعة التي كانت على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوّل وكرهوه من زمن الثاني، بل هو في حكمه أعلى مرتبة حيث إنّ المخالفين نقلوا في تحريم المتعة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) التهذيب: ج١٠ ص١٢٨ ح١٢٨.

(٢) في الأصل " حسبته ".

(٣) السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج: ص١٢٢.

٢١٨

وعن بعض الصحابة، ولم ينقل مخالف ولا مؤالف حديثاً ولا قولاً في تحريمه، بل كان حلّه شائعاً(١) في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة والتابعين وجميع أهل العلم. وقوله: " فإن سلّم أنّ أرضها ممّا يجب فيه الخراج - الى قوله - وليس بمعلوم كونه المقدار المقدّر " لاوجه له بعد التسليم بأن الخراج هو الاُجرة الائقة بتلك الأرض.

قال - دام ظلّه -: " ثمّ إنّ ذلك دين في ذمّته فلا يمكن الأخذ إلاّ برضاه ولايتعيّن كون المأخوذ لذلك إلاّ بأخذهم أو أخذ وكيلهم وهو متعذّر حينئذٍ فيكون ثابتاً في ذمّته يوصي به إلى أن يصل إلى صاحبه أو الحاكم لو أمكن، ويكون له ذلك، إذ الامام ناظر ويلزم من كون الحاكم نائباً عنه في الجملة كونه نائباً في ذلك أو يوصل هو إلى أهله أي يصرفه في مصالح المسلمين أو يكون ساقطاً سيما مع الاحتياج إذ هو من المسلمين فقد يكون هذا من نصيبه، حيث إنّ المفهوم من كلام الشيخ علي(٢) أنّ الآخذ إنّما يأخذه لأنّه من بيت مال المسلمين، وللآخذ نصيب فيه وحصّة، ولاشك أنَّ ذا اليد أيضاً كذلك "(٣) انتهى كلامه دام ظلّه.

أقول: هذا الكلام لادخل له في تحريم الخراج، بل يدلّ على تحليله، إنّما الكلام في التوصّل إلى أخذه إذا لم يسمح به المستعمل للأرض، ولا يخفى أنّ للامامعليه‌السلام الأخذ من ذلك المستعمل ولو بالقهر إذا لم يسمح به ذلك المستعمل، وأمّا الجائر فقد دلّت الأحاديث والفتاوى والاجماع على أنّ ما يأخذه الجائر جائز لنا تناوله من يده. وهو أعمّ من الأخذ طوعاً أو كرهاً لأنّ " ما " من أدوات العموم حتّى أنّ في بعضها " ولو كان يتظلّم "، فلا يبعد أن يقال بالأخذ بتعين ذلك المأخوذ للخراج ويكون مغايراً للدين، على أنّا نقول: إنَّ الدّائن إذ

____________________

(١) ظاهراً (ن خ).

(٢) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج: ص٧٦.

(٣) راجع خراجيتهّ(ره)، ص٢٠.

٢١٩

امتنع من عليه الدين(١) جاز الأخذ منه قهراً، ويتعيّن ذلك عوضاً عنه، وتحريم السرقة والامتناع(٢) من أدائه إذا طلبه دليل على عدم جواز الأخذ من دون إذن الحاكم ومن ثبت أنّه قائم مقامه في جواز الأخذ من يده، ويدلّ على عدم سقوطه عن ذلك المستعمل، نعم لو أذن له في تبعيتّه لأجله فلا كلام في سقوطه وليس كلّ من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ منه من دون إذن الحاكم ومن يقوم مقامه ألا يرى(٣) أنّ الوقف العامّ كالوقف على الفقراء لكلّ فقير نصيب فيه ولم يجزله الأخذ إلاّ بإذن من له ولاية التفريق، وبعد الاحاطة بما قلناه، فلا وجه لقوله: " ولا يلزم من كون الحاكم نائباً عنه - إلى قوله - في مصالح المسلمين ".

قال - دام ظلّه -: " ثمّ بعد ذلك [كلّه] كيف يصنع الآخذ بالخمس وكيف يقسمه في هذا الزمان من غير إذن الحاكم؟ وأيّ شيء يفعل بحصّتهعليه‌السلام " ؟ انتهى كلامه دام ظلّه(٤) .

أقول: إن أراد أنّ الخمس أقلّ من الاُجرة اللائقة بتلك الأرض فلا ضرر فيه، لأنّ الآخذ أخذ أقلّ من حقّه فلا يكون حراماً، لأنّه أخذ بعض حقّه وإن أراد أنه أزيد فلا نزاع في تحريم الزائد، وقوله " وكيف يقسمه في هذا الزمان من غير إذن الحاكم " إن أراد به الحاكم الشرعي بأن يكون المعنى: وكيف يقسم الجائر للخراج من غير إذن الحاكم الشرعي، فإن سئل عن أنّ هذا التصرّف هل هو جائز للحاكم الجائر أم لا؟ قلنا: هو غير جائر له ولا يقتضي هو عدم جواز أخذنا من يده لإذن أئمّتناعليهم‌السلام في الأخذ من يده، وإن أراد به حاكم الجور قلنا: الأخذ من غيره مع طلب حاكم الجور له لا يجوز.

____________________

(١) اذا امتنع في أداء الدين ظ.

(٢) ومع الأمتناع ظ.

(٣) ترى ظ.

(٤) راجع خراجيتهّ(ره)، ص٢٠.

٢٢٠