كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة14%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20473 / تحميل: 5377
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ١

مؤلف:
العربية

كتاب الصلاة

الجزء الاول

الميرزا محمد حسين الغروي النائيني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب الصلاة

من إفادات قدوة الفقهاء والمجتهدين آية الله في الارضين

الميرزا محمد حسين الغروي النائيني

١٣٥٥ ه‍. ق

تأليف الفقيه المحقق الشيخ محمد علي الكاظمى الخراساني ١٣٦٥ ه‍.ق

الجزء الاول

الموضوع: فقه

٣

٤

المقصد الاول: في أقسام الصلاة

وقبل الدخول في المقصدو ينبغي تمهيد مقال يشتمل على مقدمتين: الاولى أنه وان قد أطالوا الاعلام في البحث في شرح لفظة الصلاة وبيان معانيها اللعوية والعرفية إلا أن الظاهر أنه لاثمرة مهمة في ذلك بعد معلومية المراد منها، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله استعملها في أول زمان البعثة في هذه العبادة الموظفة المخترعة الالهية التي هي رأس كل عبادة وميزان كل عمل.

فكلما وردت هذه اللفظة في الكتاب والسنة فالمراد منها هذا المعنى الذي نتعبد به صباحا ومساء إلا أن تقوم قرينة على أن المراد منها ليس هذا المعنى، ولا حاجة إلى إتعاب النفس وإثبات أن هذه العبادة كانت في الشرائع السابقة بزيادة ونقصان وأنها كانت

٥

تسمى بهذه اللفظة حتى تكون حقيقة لغوية إذ مع أن إثبات ذلك لايهمنا لاطريق لنا إلى إثباته، إذ تسمية تلك العبادة التي كانت في تلك الشرائع بلفظ الصلاة غير معلوم، وعلى تقدير العلم بذلك لم يعلم أن إطلاق لفظ الصلاة على ما كانوا يتعبدون به في الشرائع السباقة بأي عناية كان، إذ من المحتمل أن يكون إطلاق الصلاة عليه بعناية معناها اللغوي وهو الدعاء لامن باب كونها وظيفة خاصة إلهية وعبادة مخترعة شرعية كما هو كذلك في شرعنا، فإن ما وظف في الشرائع السابقة لم يعلم ماهو، فلعله كان سنخ من الدعاء، فإطلاق الصلاة عليه من باب المعنى اللغوي، وهذا بخلاف الاطلاق في شرعنا، فإنه ليس من ذلك الباب قطعا، وإنما لفظ اطلق على موضوع خاص ومعنى مخصوص مغاير للمعنى اللغوي. وكيف كان فقد عرفت أن إطلاق لفظ الصلاة على هذه العبادة الخاصة كان من أول الامر وأول البعثة كما يظهر ذلك من بعض التواريخ والاخبار، فلابد من حمل لفظة الصلاة على هذا المعنى كلما وردت في الكتاب والسنة، ولكن بعد اشتهارها في ذلك في لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولسان تابعيه إلا أن يقوم دليل على خلافه.

المقدمة الثانية قد اختلفت كلمات الاصحاب في أعداد الصلوات المفروضة، فربما أنهاها بعض إلى تسعة وآخر إلى سبعة وغير ذلك مما يظهر للمتتبع، هذا ولكن لابد أن يكون التقسيم باعتبار اختلاف القيود والخصوصيات المأخوذة فيها الموجبة لاختلافها في نوعها بحسب الجعل الشرعي.

٦

وأما الخصوصية الموجبة للاختلاف في الصنف والفرد فلا يون ميزانا للتقسيم وإلا لزادت الاقسام إلى ما لايمكن إحصاؤها.

فيحنئذ نقول: هكذا ينبغي تقسيمها بأن يقال: هذه العبادة المخترعة الشرعية التي تسمى صلاة إما أن تكون مفروضة وإما أن تكون مسنونة، ثم المفروضة إما أن تكون مفروضة بحسب الجعل الاولي وإما أن يعرض لها وصف الفرض.

فالمفروضة بحسب الاصل والجعل الاولي على أنواع أربع:

الاول، الصلاة اليومية: ومنها الجمعة فإنها بدل عن الظهر في يومها وليست هي مباينة لليومية في نوعها حتى تعد قسما آخر في قبالها كما عن بعض، بل هي داخلة في اليومية حقيقة، ولافرق في اليومية بين الاداء والقضاء من الولي وغيره، فإن القضاء هي الصلاة اليومية، غايته أنه في خارج الوقت وليس خصوصية الوقتية منوعة بحيث تكون صلاة الظهر في وقتها مباينة لها في خارج الوقت في نوععها كمالايخفى.

النوع الثاني، صلاة العيدين: فإنها باعتبار اشتمالها، على خصوصيات وقيود تحفها من الكيفية والوقت تكون مباينة في نوعها لسائر الصلوات.

النوع الثالث، صلاة الآيات: أعم من الخسوب والكسوف والزلزلة وكل آية، فإنها بجميع أقسامها نوع واحد مباين لسائر أنواع الصلاة، غاية الامر يكون الاختلاف في سبب الوجوب فإنه تارة يكون الخسوف واخرى يكون غيره.

النوع الرابع، صلاة الطواف: فإنها وإن كانت بحسب الصورة كصلاة الصبح إلا أنه باعتبار أخذ زمان ومكان خاص فيها تكون مباينة في نوعها لباقي الصلوات. فهذه الانواع الاربع مفروضة بحسب الاصل. وأما المفروضة بالعارض فكالمستأجر عليها والمنذورة وما شابهها، ولكن

٧

ينبغي أن يعلم أنه ليست المفروضة بالعارض مباينة بالنوع للمفروضة بالاصل أو المسنونة بل هي متحذة بالنوع لسائر الصلاة، وإنما الاختلاف نشأ من سبب الوجوب كما تقدم، فلو نذر صلاة الظهر أو صلاة الليل أو استؤجر عليها لم يخرج المنذور عن حقيقته قبل النذر بل هو باق على ما كان عليه من النوع، غاية الامر أنه عرض له وصف الوجوب بعد ما كان فاقدا له، ويلحقه بعض أحكام الصلاة الواجبة من وجوب الاستقبال والاستقرار، وغير ذلك على ما يأتي تفصيله فيما بعد إن شاء‌الله.

فعلم أن أنواع الصلاة المفروضة منحصرة في هذه الاربع، وصلاة الاموات لاينبغي عدها من هذه العبادة الخاصة والوظيفة المخصوصة بل هي أشبه شئ بالصلاة بمعناها اللغوي. وينبغي حينئذ أن ترتب كتاب الصلاة على فصول أربع، يبحث في كل فصل عن نوع من هذه الانواع الاربع مع ما يلحقه من الاحكام واللواحق.

٨

الصلوات اليومية

وفيه أركان، وينبغي أولا تعداد ركعاتها ونوافلها، فنقول: لاإشكال ولاخلاف في أن عدد ركعاتها سبعة عشر في الحضر وإحدى عشر في السفر بإسقاط الركعتين الاخيرتين من الرباعيات الثلاث، بل ربما كاد أن يكون ذلك من ضروريات الدين.

وأما النوافل فالمشهور المعروف بين الاعلام أنها أربعة وثلاثون ركعة، ولكن قد وردت طوائف من الاخبار أنها ثلاثة وثلاثون بإسقاط الوتيرة(١) ، أو تسعة وعشرون(٢) بإسقاط أربع من نافلة العصر أيضا أو سبعة وعشرون بإسقاط ركعتين من نافلة المغرب أيضا(٣) هذا ولكن حيث كانت هذه الطوائف مما أعرض عنها الاصحاب وإن كان يوجد بينها من الصحاح فلابد إما من طرحها أو تأويلها بما لاينافي ما عليه المشهور بل كاد أن يكون من المجمع عليه بل هو كذلك في هذه

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٣٢ باب ١٣ من أبواب أعداد الفرائص ح ٥

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٤٢ باب ١٤ من أبواب اعداد الفرائض، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٤٢ باب ١٤ من أبواب أعداد الفرائض، ح ١. [ * ]

٩

الاعصار ويمكن حملها على زيادة مزية وتأكد استحباب في سبعة وعشرين بحيث لم تكن تلك المزية في الساقط، لا أن الساقط لم يكن من النوافل المرتبة ولعله يشعر إلى ذلك بعض الاخبار كقولهعليه‌السلام لا تصل أقل من أربع وأربعين ركعة(١) .. إلخ.

بقي الكلام في صلاة الغفيلة والوصية اللتين بين المغرب والعشاء وصلاة أربع ركعات بعد العشاء فهل هي من الرواتب الموظفة في هذه الاوقات أو ليست كذلك، بل ربما احتمل بعض عدم مشروعيتها، ولكن الانصاف أن صلاة الغفيلة في غاية الاعتبار، لان الشيخرحمه‌الله ذكرها في مصباحه(٢) الذي هو متأخر عن التهذيب والاستبصار وكان عليه العمل، فهو في غاية القوة، ولابصغى إلى مناقشة بعض في مشروعيتها أو عدها من نافلة المغرب. وأما الوصية فإنها وإن لم تكن بتلك المثابة من الاعتبار على ما ذكره شيخنا الاستاذ مد ظله في بحثه إلا أنه ليس كذلك، فإنها قد ذكرها الشيخرحمه‌الله أيضا في مصباحه(٣) فهي في الاعتبار الغفيلة.

وأما أربع ركعات بعد العشاء فقد وردت رواية(٤) أن الصادقعليه‌السلام كان يصليها بعد العشاء، ونقل عن بعض الاعلام العمل بها ومداومتها سفرا وحضرا، ولابأس به بعد جبر ضعف الرواية لو ان بعمل بعض الاصحاب وبعد التسامح في أدلة السنن. نعم جعلها من الرواتب الموظفة الليلية مشكل، والامر في ذلك سهل.

ثم إنه لا إشكال في سقوط نافلة الظهر والعصر في السفر في غير مواطن التخيير

____________________

(١) و (٤) الوسائل: ج ٣ ص ٤٣ باب ١٤ من ابواب اعداد الفرائض، ح ٤.

(٢) و (٣) مصاح المتهجد: ص ٩٤. [ * ]

١٠

وعدم سقوط نافلة المغرب والصبح، إنما الكلام في سقوط نافلة العشاء فيه وسقوط نافلة الظهر والعصر في مواطن التخيير وسقوط أربع ركعات التي تزاد في نافلة الظهر يوم الجمعة في السفر.

أما سقوط نافلة العشاء في السفر فالمشهور على سقوطها بل ادعي الاجماع عليه، للاخبار المستفيضة الدالة على أن كل صلاة مقصورة في السفر تسقط نافلتها وفي بعضها أن الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولابعدهما شئ إلا المغرب(١) ولاشعار خبر ابي يحيى الحناط قال: سألت الصادقعليه‌السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال: يا بني لو صلحت النافلة بالنهار في السفر تمت الفريضة(٢) . فإنه يشعر بأن التمامية علة لثبوت النافله، ومنه يعلم إشعاره بأن القصرية علة للسقوط، فيدور الثبوت والسقوط مدار التمامية والقصرية.

وعن بعض الاعلام عدم سقوطها لرواية فضل بن شاذان عن الرضاعليه‌السلام : إنما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لانها زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع(٣) . وفي خبر ابن الضحاك أنه كان الرضاعليه‌السلام يصلي الوتيرة في السفر(٤) وبهذين الخبرين لاخصيتهما واشتمال الاول على التعليل خصوصا مع التسامح في أدلة السنن لو كان فيهما ضعف يقوى في النظر عدم السقوط وإن ذهب شيخنا الاستاذ مد ظله إلى السقوط عملا بتلك المطلقات.

وأما سقوط نافلة الجمعة في السفر فالاقوى سقوطها، للاخببار المستفيضة من

____________________

(١) و (٢) الوسائل: ج ٣ ص ٦٠ باب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٣ و ٤ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٧٠ باب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٣.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٦١ باب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٨ نقلا بالمعنى. [ * ]

١١

سقوط النافلة النهارية، وهي منها.

ومن هنا يعلم أنه لو قلنا بأن النوافل إنما هي للوقت لا للفريضة على أضعف الاحتمالين كان الاقوى أيضا السقوط، لان الاخبار مصرحة في سقوط النوافل النهارية في السفر، سواء كانت للوقت أو للفريضة. وأما سقوط النوافل في مواضع التخيير كالحرمين فهل تسقط مطلقا سواء أتم أو قصر أو أنها لاتسقط مطلقا أو يفصل بين الاتمام فلاتسقط وبين التقصير فتسقط؟ وجوه بل أقوال. أما وجه السقوط مطلقا فلان الصلاة في السفر بحسب الجعل الاولي مقصورة، وأن الاتمام في المواطن الاربعة رخصة، فإذا كانت بحسب الجعل مقصورة فلابد من أن تسقط نافلتها، لما عرفت من الاخبار من أن كل صلاة مقصورة تسقط نافلتها.

وبعبارة اخرى: أنه لاإشكال في أن الصلاة في الحضر قد ااخذت بالنسبة إلى الركعتين الآخرتين بشرط الانضمام، وفي السفر في غير المواطن الاربعة بشرط لا، وفي المواطن الاربعة لابشرط، ومعنى كونها لابشرط أنه للمكلف إيقاعها تماما، وحينئذ يقع الكلام في أن الاخبار الدالة على الملازمة بين القصر في الفريضة وسقوط نافلتها هل تدل على الملازمة فيما يجب التقصير ويتحتم أو الاعم من ذلك ومما يجوز التقصير؟ فإن قلنا بالاول فلا تكون دالة على سشقوط النافلة في مواطن التخيير لعدم تحتم القصر فيها، فلابد من الرجوع إلى عمومات مشروعية النافلة. وإن قلنا بالثاني فلابد من سقوط لجواز التقصير في المواطن الاربعة، ولايبعد استفادة هذا المعنى من الاخبار.

وحاصله: أن النافلة تدور مدار تمامية الصلاة، بحيث كلما وجبت الصلاة تماما فالنافلة تشرع. وربما قيل بأن النافلة تدور مدار فعل الصلاة تماما، فإذا أتم في المواطن الاربعة فلا تسقط النافلة، وإن قصر فتسقط. وربما

١٢

يشعر إلى ذلك خبر أبي يحيى الحناط(١) المتقدم، فتأمل.

وعلى أي حال، الركن الاول من الفصل الاول في مقدمات الصلاة التي يجب أو يستحب تحصيلها قبل فعل الصلاة، وفيه أبحاث:

تعيين المواقيت من الوقت الاشتراكي والاختصاصي للظهر والعصر

فاعلم أنه لاإشكال في أن أول وقت الظهر هو الزوال بل الاجماع منعقد عليه، وما ورد من الاخبار من القدمين(٢) والمثل(٣) وأمثال ذلك محمول على وقت الفضيلة للمتنفل، وربما يأتي الاشارة إليه، وكذلك لاإشكال ولاخلاف في صحة فعل العر عقيب فعل الظهر خلافا للعامة، وكذا في العشاء‌ين يدخل وقت المغرب بأول ذهاب الحمرة المشرقية، ويصح فعل العشاء عقيبها وإن لم يذهب الشفق نعم نقل عن بعض الاعلام لزوم تأخير العشاء إلى ذهاب الشفق كما هو كذلك عند العامة أيضا، ولكن قد تواتر الاخبار بصحتها قبل ذلك فلا ينبغي الشك فيه، وكذلك لاإشكال في امتداد وقت الظهر إلى مقدار اداء العصرقبل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٦٠ باب ٢١ من أبواب اعداد الفرائض، ح ٤. [ * ]

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٢ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ١ و ٢.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٩ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٣٣. [ * ]

١٣

الغروب، وصحة فعل المغرب إلى مقدار أداء العشاء قبل الانتصاف أو قبل الفجر، على تفصيل يأتي في محله. إنما الخلاف والاشكال في أن ما بين الزوال والغروب وقت لمجموع الظهرين، وكذلك ما بين المغرب وانتصاف الليل وقت لمجموع العشاء‌ين، أو أنه يختص من أول الوقت بمقدار أداء الظهر كما أنه يختص من آخر الوقت بمقدار أداء العصر، وكذلك في طرف العشاء‌ين.

والاقوال في المسألة ثلاثة على ما يظهر من الكلمات: قول بأن ما بين الزوال والغروب وقت لمجموع الفريضتين، غاية الامر أنه يجب فعل الظهر قبل العصر، ولازم هذا القول أنه لو نسي الترتيب وصلى العصر في أول الزوال صحت صلاته بمقتضى حديث " لاتعاد "(١) وقول بأنه يختص من أول الوقت بمقدار أداء الظهر كما يختص من آخره بمقدار أداء العصر، بحيث لاتصح الشريكة فيه بحال من الاحوال، حتى أنه لو فرض أنه صلى الظهر قبل الزوال على وجه صحيح، كما إذا دخل الوقت وهو بعد لم يفرغ منها على ما يأتي تفصيله إن شاء الله لاتصح فعل العصر قبل مضي مقدار أربع ركعات من الزوال، وكذلك لو صلى العصر قبل فعل الظهر على وجه يصح على ما يأتي ايضا لايصح فعل الظهر في الوقت الاختصاصي لها، وهذا القول هو الاختصاص المطلق.

وقول ولعل أن يكون عليه المعظم هو الاختصاص في الجملة، بمعنى أنه لو لم يصل الظهر على وجه صحيح لاتصح فعل العصر مطلقا ولو نسيانا في الوقت الاختصاصي للظهر، وكذلك في آخر الوقت لو لم يصل العصر على وجه صحيح لايصح فعل الظهر في الوقت الاختصاصي للعصر. وأما لو فرض أنه قد صلى

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٧٠ باب ٢٩ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٥. [ * ]

١٤

الظهر على وجه صحيح قبل الزوال، وكذا صلى العصر على وجه صحيح قبل فعل الظهر تصح فعل العصر عقيبها وإن وقعت المختص للظهر، وكذلك تصح الظهر في الفرض الثاني وإن وقعت في الوقت الاختصاصي للعصر، وهذا القول هو المعتمد وعليه تنطبق الاخبار بعد تقييد مطلقاتها وتحكيم نصوصها، فلابد أولا من ذكر الاخبار الواردة في المقام حتى يتضح حقيقة الحال، وهي على طوائف أربع: منها: ما دل على أن بمجرد الزوال يدخل وقت الظهرين، كرواية محمد بن علي ابن الحسين بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة(١) وقد ورد بهذا المضمون عدة روايات بأسانيد مختلفة.

ومنها: ما دل على هذا المعنى بزيادة قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " كرواية محمد بن يعقوب عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن جميعا عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضاعليه‌السلام : ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر، وأن وقت المغرب إلى ربيع الليل، فكتبعليه‌السلام : كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق(٢) ، الحديث.

ومنها: ذلك أيضا بزيادة قولهعليه‌السلام " ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس " كرواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩١ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩٥ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٢٠.

[*]

١٥

وقت الظهر والعصر فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعا، إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس(١) .

ومنها: ما دل على اختصاص أول الوقت بالظهر وآخر الوقت بالعصر وكذا العشاء‌ان، كرواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر، حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصرحتى تغيب الشمس(٢) وبهذا التفصيل ذكر وقت العشاء‌ين في تتمة هذا الحديث.

فهذه جملة الاخبار الواردة في المقام، فينبغي أن يعلم ما يتحصل من مجموعها وما يستفاد منها فنقول: أما الطائفة الاولى فهي كالصريحة في أن بمجرد الزوال يدخل الوقتان، بحيث يصلح هذا الزمان لوقوع أي من الصلاتين فيه، فتدل على صحة العصر في أول الزوال، سواء كان قد صلى الظهر أو لم يصلها، فدلالتها على صحة العصرفي أول الوقت في الجملة بالصراحة، وإن كان بالنسبة إلى فعل الظهر وعدمه يكون بالاطلاق والظهور، إذ لو لم تصح العصرفي اول الوقت بوجه من الوجوه وحال من الاحوال لم يبق مورد لقولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وذلك واضح.

وأما الطائفة الثانية وهي المشتملة على قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩٢ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩٢ باب ٤ من أبواب المواقيت، ٧. [ * ]

١٦

هذه " فلا إشكال في أنها ليست في مقام شرطية الترتيب من دون تصرف في الوقت، فإنهلاوجه لذكر خصوص الترتيب من بين الشرائط، فينبغي حينئذ أن يعد سائر الشرائط أيضا كالقبلة والطهور وأمثال ذلك، مع أنه يلزم بناء على هذا أن يكون الاستثناء منقطعا، إذ لو كان في مقام بيان شرطية الترتيب فقط من دون تعرض للوقت لاتكون جملة قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " مرتبطة بما قبلها وهو قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " فإن عقد المستثنى منه إنما سيق لبيان الوقت المضروب للصلاة، والمفروض أن عقد المستثنى بناء على هذا يكون لبيان شرطية الترتيب، وشرطية الترتيب لادخل لها بالوقت المضروب للفعل، فيكون الاستثناء منقطعا، وهو خلاف الاصل كما بين في محله، فلابد من أن يكون قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " في بيان جعل مقدارمن الوقت للاولى ويرتبط حينئذ بما قبله، فكأنه أرادعليه‌السلام بهذه الجملة تقييد ما أطلقه أولا من قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وبيان أن أول الوقت إنما هو للصلاة الاولى، ولذا عقبهعليه‌السلام بما في الطائفة الثالثة وهو قوله " ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس".

فالطائفة الثالثة أقوى دليل على أن المراد من قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " لبيان تخصيص أول بالاولى، وإلا لم يكن معنى لقولهعليه‌السلام " ثم أنت في وقت منهما " إذا لو لم تكن الجملة لبيان تعيين الوقت وتخصيصه، بل لبيان شرطية الترتيب فقط، فالمكلف من أول الوقت في وقت منهما جميعا والترتيب شرط في تمام الوقت، فلامعنى لقولهعليه‌السلام حينئذ " ثم أنت في وقت منهما جميعا " لان التعقيب بكلمة " ثم " بعد بيان شرطية الترتيب لاموقع له إلا لافادة سقوط التريب وهو كما ترى ضروري البطلان، فالتعقيب ب‍ " ثم " إنما يصلح إذا كان ما قبلها وهو قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " لبيان

١٧

تخصيص الوقت وجعله أوله للاولى، فينطبق على ما في الطائفة الرابعة، وهي رواية داود بن فرقد وأمثالها مما دل على اختصاص أول الوقت بالظهر. وظهر ضعف القول الاول وهو أن ما بين الزوال والغروب وقت لمجموع الصلاتين، بحيث لونسي الظهر وصلى العصر في أول الزوال تقع صحيحة بمقتضى حديث " لاتعاد "(١) لان قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " لاتدل على أزيد من اشتراط الترتيب، وهو كسائر الشرائط عند النسيان يسقط، ورواية داود بن فرقد الدالة على الاختصاص ضعيف السند، لايقاوم ما دل من المطلقات من أنه إذا زال الزوال دخل الوقتان(٢) .

وجه الضعف: ما تقدم من أن قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " يدل على الاختصاص بالبيان المتقدم، وأما رواية داود بن فرقد فهي مع كونها معتبرة في نفسها كما يظهر بالمراجعة يكفي في جبرها عمل المعظم بها. بقي الكلام فيما استفاده المعظم من أن الاختصاص إنما هو فيما إذا لم يصل صاحبة الوقت، وأما إذا كان قد صلاها بوجه صحيح تصح الشريكة في الوقت الاختصاصي، في مقابل من يقول بالاختصاص المطلق بحيث لم تصح الشريكة في الوقت المختص بحال من الاحوال وإن كان قد صلى صاحب الوقت قبله بوجه صحيح، والحق أنهم قد أجادوا فيما استفادوه من الاخبار، ولا محيص عن استفادة ذلك منها.

بيانه: أن رواية داود بن فرقد إنما تدل على الاختصاص المطلق بالاطلاق، فإن قولهعليه‌السلام فيها " فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٧٠ باب ٢٩ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩١ باب ٤ من أبواب المواقيت، نقلا بالمضمون. [ * ]

١٨

يبقى.. إلخ " إنما يدل على عدم دخول وقت العصر حتى يمضي مقدار أربع ركعات من أول الوقت، سواء قد صلى الظهر قبل ذلك على وجه صحيح أو لم يصلها، فدلالتها على عدم دخول وقت العصرعند فعل الظهر قبل الزوال على وجه صحيح، كما إذا ظن بدخول الوقت فشرع في الصلاة ودخل عليه الوقت وهو بعد في الصلاة ولو قبل التسليم بناء على اعتبار الظن في باب الوقت انما يكون بالاطلاق، مع أن دلالة قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال فقد دخل الوقتان " بعد تقييده بقوله " إلا أن هذه قبل هذه " على صلاحية فعل العصر في أول الوقت في الجملة إنما يكون بالنصوصية، إذ لو لم تصح العصر في وقت الظهر بحال من الاحوال لم يبق مورد لقوله " دخل الوقتان " فحينئذ لابد من تقييد إطلاق رواية داود بن فرقد بما إذا لم يصل الظهر على وجه صحيح قبل دخول الوقت، ويبقى الصورة الاخرى وهي ما إذا صلى الظهر قبل ذلك داخلة في قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وهذا بخلاف ما إذا أخدنا بإطلاق رواية داود، فإنه لم يبق مورد حينئذ لقوله " دخل الوقتان " فمن باب تحكيم النص على المطلق يتسفاد من أفاده المعظم من أن الاختصاص إنما هو فيما إذا لم يؤد صاحبة الوقت.

وبعبارة أوضح: أن النسبة بين قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وبين ما في رواية داود بن فرقد وإن كان هو التباين، لان إطلاق قوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " يشمل فيما إذا لم يصل الظهر، فهو بإطلاقه دال على دخول وقت العصر وإن لم يكن قد صلى الظهر، وكذا إطلاق رواية داود بن فرقد الدالة على الاختصاص يدل على عدم دخول وقت العصر قبل مضي مقدار أربع ركعات من أول الزوال مطلقا سواء صلى الظهر أو لم يصلها، فالروايتان متعارضتان باطلاقهما. ولكن بعد تقييدعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " بقولهعليه‌السلام

١٩

عقيب ذلك كما في بعض الروايات " إلا أن هذه قبل هذه " فيخرج صوره عدم فعل الظهر عن إطلاقه، ويبقى صورة فعل الظهر قبل الزوال على وجه صحيح مشمولا لقوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " لعدم دخول هذه الصورة تحت المقيد، وهو قوله " إلا أن هذه قبل هذه " لان هذه الجملة إنما تصح فيما إذا كان الفرضان بعد باقيين في ذمة المكلف، إذ لو لم يبق في ذمة المكلف إلا فرض واحد لم يكن معنى لقوله " هذه قبل هذه " فالمقيد إنما يخرج صوررة عن تحت الاطلاق وهي ما إذا لم يفعل الظهر، وتبقى الصورة الاخرى وهي ما إذا فعل الظهر على الوجه الصحيح مشمولة لقولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان ".

وحينئذ تنقلب النسبة بين قوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وبين ما في رواية داود بالاعم والاخص المطلق بعد ما كانت بالتباين، فإن قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " يختص بعد التقييد بصورة واحدة، وهي دخول وقت العصرفي أول الزوال فيما إذا صلى الظهر بوجه صحيح قبل الزوال، ورواية داود أعم من هذه، فإن مفادها أنه سواء صلى الظهر أو لم يصلها وقت العصر لا يدخل، فيقيد إطلاقها بقوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " الذي هو يكون بعد التقييد كالنص في دخول وقت العصرعلى تقدير صلاة الظهر، فتأمل جيدا، هذا كله في أول الوقت.

وأما آخر الوقت فرواية داود بن فرقد وإن كانت قد دلت على اختصاص مقدار أربع ركعات من الغروب للعصر خاصة، سواء كان قد صلى الظهر قبل ذلك أو لم يصلها، ولازم ذلك عدم صحة الظهر في هذا الوقت لو كان قد صلى العصرقبل ذلك على وجه صحيح، كما إذا خاف الضيق فصلى العصر بظن أنه لم يبق من الوقت إلا مقدار أدائها فتبين خلافه وأن الوقت بعد باق، فإطلاق رواية داود بن فرقد يدل على خروج وقت الظهر حينئذ فلا يصح إيقاعها أداء،

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410