كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 19664
تحميل: 5097


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19664 / تحميل: 5097
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

كتاب الصلاة

الجزء الاول

الميرزا محمد حسين الغروي النائيني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب الصلاة

من إفادات قدوة الفقهاء والمجتهدين آية الله في الارضين

الميرزا محمد حسين الغروي النائيني

١٣٥٥ ه‍. ق

تأليف الفقيه المحقق الشيخ محمد علي الكاظمى الخراساني ١٣٦٥ ه‍.ق

الجزء الاول

الموضوع: فقه

٣

٤

المقصد الاول: في أقسام الصلاة

وقبل الدخول في المقصدو ينبغي تمهيد مقال يشتمل على مقدمتين: الاولى أنه وان قد أطالوا الاعلام في البحث في شرح لفظة الصلاة وبيان معانيها اللعوية والعرفية إلا أن الظاهر أنه لاثمرة مهمة في ذلك بعد معلومية المراد منها، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله استعملها في أول زمان البعثة في هذه العبادة الموظفة المخترعة الالهية التي هي رأس كل عبادة وميزان كل عمل.

فكلما وردت هذه اللفظة في الكتاب والسنة فالمراد منها هذا المعنى الذي نتعبد به صباحا ومساء إلا أن تقوم قرينة على أن المراد منها ليس هذا المعنى، ولا حاجة إلى إتعاب النفس وإثبات أن هذه العبادة كانت في الشرائع السابقة بزيادة ونقصان وأنها كانت

٥

تسمى بهذه اللفظة حتى تكون حقيقة لغوية إذ مع أن إثبات ذلك لايهمنا لاطريق لنا إلى إثباته، إذ تسمية تلك العبادة التي كانت في تلك الشرائع بلفظ الصلاة غير معلوم، وعلى تقدير العلم بذلك لم يعلم أن إطلاق لفظ الصلاة على ما كانوا يتعبدون به في الشرائع السباقة بأي عناية كان، إذ من المحتمل أن يكون إطلاق الصلاة عليه بعناية معناها اللغوي وهو الدعاء لامن باب كونها وظيفة خاصة إلهية وعبادة مخترعة شرعية كما هو كذلك في شرعنا، فإن ما وظف في الشرائع السابقة لم يعلم ماهو، فلعله كان سنخ من الدعاء، فإطلاق الصلاة عليه من باب المعنى اللغوي، وهذا بخلاف الاطلاق في شرعنا، فإنه ليس من ذلك الباب قطعا، وإنما لفظ اطلق على موضوع خاص ومعنى مخصوص مغاير للمعنى اللغوي. وكيف كان فقد عرفت أن إطلاق لفظ الصلاة على هذه العبادة الخاصة كان من أول الامر وأول البعثة كما يظهر ذلك من بعض التواريخ والاخبار، فلابد من حمل لفظة الصلاة على هذا المعنى كلما وردت في الكتاب والسنة، ولكن بعد اشتهارها في ذلك في لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولسان تابعيه إلا أن يقوم دليل على خلافه.

المقدمة الثانية قد اختلفت كلمات الاصحاب في أعداد الصلوات المفروضة، فربما أنهاها بعض إلى تسعة وآخر إلى سبعة وغير ذلك مما يظهر للمتتبع، هذا ولكن لابد أن يكون التقسيم باعتبار اختلاف القيود والخصوصيات المأخوذة فيها الموجبة لاختلافها في نوعها بحسب الجعل الشرعي.

٦

وأما الخصوصية الموجبة للاختلاف في الصنف والفرد فلا يون ميزانا للتقسيم وإلا لزادت الاقسام إلى ما لايمكن إحصاؤها.

فيحنئذ نقول: هكذا ينبغي تقسيمها بأن يقال: هذه العبادة المخترعة الشرعية التي تسمى صلاة إما أن تكون مفروضة وإما أن تكون مسنونة، ثم المفروضة إما أن تكون مفروضة بحسب الجعل الاولي وإما أن يعرض لها وصف الفرض.

فالمفروضة بحسب الاصل والجعل الاولي على أنواع أربع:

الاول، الصلاة اليومية: ومنها الجمعة فإنها بدل عن الظهر في يومها وليست هي مباينة لليومية في نوعها حتى تعد قسما آخر في قبالها كما عن بعض، بل هي داخلة في اليومية حقيقة، ولافرق في اليومية بين الاداء والقضاء من الولي وغيره، فإن القضاء هي الصلاة اليومية، غايته أنه في خارج الوقت وليس خصوصية الوقتية منوعة بحيث تكون صلاة الظهر في وقتها مباينة لها في خارج الوقت في نوععها كمالايخفى.

النوع الثاني، صلاة العيدين: فإنها باعتبار اشتمالها، على خصوصيات وقيود تحفها من الكيفية والوقت تكون مباينة في نوعها لسائر الصلوات.

النوع الثالث، صلاة الآيات: أعم من الخسوب والكسوف والزلزلة وكل آية، فإنها بجميع أقسامها نوع واحد مباين لسائر أنواع الصلاة، غاية الامر يكون الاختلاف في سبب الوجوب فإنه تارة يكون الخسوف واخرى يكون غيره.

النوع الرابع، صلاة الطواف: فإنها وإن كانت بحسب الصورة كصلاة الصبح إلا أنه باعتبار أخذ زمان ومكان خاص فيها تكون مباينة في نوعها لباقي الصلوات. فهذه الانواع الاربع مفروضة بحسب الاصل. وأما المفروضة بالعارض فكالمستأجر عليها والمنذورة وما شابهها، ولكن

٧

ينبغي أن يعلم أنه ليست المفروضة بالعارض مباينة بالنوع للمفروضة بالاصل أو المسنونة بل هي متحذة بالنوع لسائر الصلاة، وإنما الاختلاف نشأ من سبب الوجوب كما تقدم، فلو نذر صلاة الظهر أو صلاة الليل أو استؤجر عليها لم يخرج المنذور عن حقيقته قبل النذر بل هو باق على ما كان عليه من النوع، غاية الامر أنه عرض له وصف الوجوب بعد ما كان فاقدا له، ويلحقه بعض أحكام الصلاة الواجبة من وجوب الاستقبال والاستقرار، وغير ذلك على ما يأتي تفصيله فيما بعد إن شاء‌الله.

فعلم أن أنواع الصلاة المفروضة منحصرة في هذه الاربع، وصلاة الاموات لاينبغي عدها من هذه العبادة الخاصة والوظيفة المخصوصة بل هي أشبه شئ بالصلاة بمعناها اللغوي. وينبغي حينئذ أن ترتب كتاب الصلاة على فصول أربع، يبحث في كل فصل عن نوع من هذه الانواع الاربع مع ما يلحقه من الاحكام واللواحق.

٨

الصلوات اليومية

وفيه أركان، وينبغي أولا تعداد ركعاتها ونوافلها، فنقول: لاإشكال ولاخلاف في أن عدد ركعاتها سبعة عشر في الحضر وإحدى عشر في السفر بإسقاط الركعتين الاخيرتين من الرباعيات الثلاث، بل ربما كاد أن يكون ذلك من ضروريات الدين.

وأما النوافل فالمشهور المعروف بين الاعلام أنها أربعة وثلاثون ركعة، ولكن قد وردت طوائف من الاخبار أنها ثلاثة وثلاثون بإسقاط الوتيرة(١) ، أو تسعة وعشرون(٢) بإسقاط أربع من نافلة العصر أيضا أو سبعة وعشرون بإسقاط ركعتين من نافلة المغرب أيضا(٣) هذا ولكن حيث كانت هذه الطوائف مما أعرض عنها الاصحاب وإن كان يوجد بينها من الصحاح فلابد إما من طرحها أو تأويلها بما لاينافي ما عليه المشهور بل كاد أن يكون من المجمع عليه بل هو كذلك في هذه

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٣٢ باب ١٣ من أبواب أعداد الفرائص ح ٥

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٤٢ باب ١٤ من أبواب اعداد الفرائض، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٤٢ باب ١٤ من أبواب أعداد الفرائض، ح ١. [ * ]

٩

الاعصار ويمكن حملها على زيادة مزية وتأكد استحباب في سبعة وعشرين بحيث لم تكن تلك المزية في الساقط، لا أن الساقط لم يكن من النوافل المرتبة ولعله يشعر إلى ذلك بعض الاخبار كقولهعليه‌السلام لا تصل أقل من أربع وأربعين ركعة(١) .. إلخ.

بقي الكلام في صلاة الغفيلة والوصية اللتين بين المغرب والعشاء وصلاة أربع ركعات بعد العشاء فهل هي من الرواتب الموظفة في هذه الاوقات أو ليست كذلك، بل ربما احتمل بعض عدم مشروعيتها، ولكن الانصاف أن صلاة الغفيلة في غاية الاعتبار، لان الشيخرحمه‌الله ذكرها في مصباحه(٢) الذي هو متأخر عن التهذيب والاستبصار وكان عليه العمل، فهو في غاية القوة، ولابصغى إلى مناقشة بعض في مشروعيتها أو عدها من نافلة المغرب. وأما الوصية فإنها وإن لم تكن بتلك المثابة من الاعتبار على ما ذكره شيخنا الاستاذ مد ظله في بحثه إلا أنه ليس كذلك، فإنها قد ذكرها الشيخرحمه‌الله أيضا في مصباحه(٣) فهي في الاعتبار الغفيلة.

وأما أربع ركعات بعد العشاء فقد وردت رواية(٤) أن الصادقعليه‌السلام كان يصليها بعد العشاء، ونقل عن بعض الاعلام العمل بها ومداومتها سفرا وحضرا، ولابأس به بعد جبر ضعف الرواية لو ان بعمل بعض الاصحاب وبعد التسامح في أدلة السنن. نعم جعلها من الرواتب الموظفة الليلية مشكل، والامر في ذلك سهل.

ثم إنه لا إشكال في سقوط نافلة الظهر والعصر في السفر في غير مواطن التخيير

____________________

(١) و (٤) الوسائل: ج ٣ ص ٤٣ باب ١٤ من ابواب اعداد الفرائض، ح ٤.

(٢) و (٣) مصاح المتهجد: ص ٩٤. [ * ]

١٠

وعدم سقوط نافلة المغرب والصبح، إنما الكلام في سقوط نافلة العشاء فيه وسقوط نافلة الظهر والعصر في مواطن التخيير وسقوط أربع ركعات التي تزاد في نافلة الظهر يوم الجمعة في السفر.

أما سقوط نافلة العشاء في السفر فالمشهور على سقوطها بل ادعي الاجماع عليه، للاخبار المستفيضة الدالة على أن كل صلاة مقصورة في السفر تسقط نافلتها وفي بعضها أن الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولابعدهما شئ إلا المغرب(١) ولاشعار خبر ابي يحيى الحناط قال: سألت الصادقعليه‌السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال: يا بني لو صلحت النافلة بالنهار في السفر تمت الفريضة(٢) . فإنه يشعر بأن التمامية علة لثبوت النافله، ومنه يعلم إشعاره بأن القصرية علة للسقوط، فيدور الثبوت والسقوط مدار التمامية والقصرية.

وعن بعض الاعلام عدم سقوطها لرواية فضل بن شاذان عن الرضاعليه‌السلام : إنما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لانها زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع(٣) . وفي خبر ابن الضحاك أنه كان الرضاعليه‌السلام يصلي الوتيرة في السفر(٤) وبهذين الخبرين لاخصيتهما واشتمال الاول على التعليل خصوصا مع التسامح في أدلة السنن لو كان فيهما ضعف يقوى في النظر عدم السقوط وإن ذهب شيخنا الاستاذ مد ظله إلى السقوط عملا بتلك المطلقات.

وأما سقوط نافلة الجمعة في السفر فالاقوى سقوطها، للاخببار المستفيضة من

____________________

(١) و (٢) الوسائل: ج ٣ ص ٦٠ باب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٣ و ٤ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٧٠ باب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٣.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٦١ باب ٢١ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٨ نقلا بالمعنى. [ * ]

١١

سقوط النافلة النهارية، وهي منها.

ومن هنا يعلم أنه لو قلنا بأن النوافل إنما هي للوقت لا للفريضة على أضعف الاحتمالين كان الاقوى أيضا السقوط، لان الاخبار مصرحة في سقوط النوافل النهارية في السفر، سواء كانت للوقت أو للفريضة. وأما سقوط النوافل في مواضع التخيير كالحرمين فهل تسقط مطلقا سواء أتم أو قصر أو أنها لاتسقط مطلقا أو يفصل بين الاتمام فلاتسقط وبين التقصير فتسقط؟ وجوه بل أقوال. أما وجه السقوط مطلقا فلان الصلاة في السفر بحسب الجعل الاولي مقصورة، وأن الاتمام في المواطن الاربعة رخصة، فإذا كانت بحسب الجعل مقصورة فلابد من أن تسقط نافلتها، لما عرفت من الاخبار من أن كل صلاة مقصورة تسقط نافلتها.

وبعبارة اخرى: أنه لاإشكال في أن الصلاة في الحضر قد ااخذت بالنسبة إلى الركعتين الآخرتين بشرط الانضمام، وفي السفر في غير المواطن الاربعة بشرط لا، وفي المواطن الاربعة لابشرط، ومعنى كونها لابشرط أنه للمكلف إيقاعها تماما، وحينئذ يقع الكلام في أن الاخبار الدالة على الملازمة بين القصر في الفريضة وسقوط نافلتها هل تدل على الملازمة فيما يجب التقصير ويتحتم أو الاعم من ذلك ومما يجوز التقصير؟ فإن قلنا بالاول فلا تكون دالة على سشقوط النافلة في مواطن التخيير لعدم تحتم القصر فيها، فلابد من الرجوع إلى عمومات مشروعية النافلة. وإن قلنا بالثاني فلابد من سقوط لجواز التقصير في المواطن الاربعة، ولايبعد استفادة هذا المعنى من الاخبار.

وحاصله: أن النافلة تدور مدار تمامية الصلاة، بحيث كلما وجبت الصلاة تماما فالنافلة تشرع. وربما قيل بأن النافلة تدور مدار فعل الصلاة تماما، فإذا أتم في المواطن الاربعة فلا تسقط النافلة، وإن قصر فتسقط. وربما

١٢

يشعر إلى ذلك خبر أبي يحيى الحناط(١) المتقدم، فتأمل.

وعلى أي حال، الركن الاول من الفصل الاول في مقدمات الصلاة التي يجب أو يستحب تحصيلها قبل فعل الصلاة، وفيه أبحاث:

تعيين المواقيت من الوقت الاشتراكي والاختصاصي للظهر والعصر

فاعلم أنه لاإشكال في أن أول وقت الظهر هو الزوال بل الاجماع منعقد عليه، وما ورد من الاخبار من القدمين(٢) والمثل(٣) وأمثال ذلك محمول على وقت الفضيلة للمتنفل، وربما يأتي الاشارة إليه، وكذلك لاإشكال ولاخلاف في صحة فعل العر عقيب فعل الظهر خلافا للعامة، وكذا في العشاء‌ين يدخل وقت المغرب بأول ذهاب الحمرة المشرقية، ويصح فعل العشاء عقيبها وإن لم يذهب الشفق نعم نقل عن بعض الاعلام لزوم تأخير العشاء إلى ذهاب الشفق كما هو كذلك عند العامة أيضا، ولكن قد تواتر الاخبار بصحتها قبل ذلك فلا ينبغي الشك فيه، وكذلك لاإشكال في امتداد وقت الظهر إلى مقدار اداء العصرقبل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٦٠ باب ٢١ من أبواب اعداد الفرائض، ح ٤. [ * ]

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٢ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ١ و ٢.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٩ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٣٣. [ * ]

١٣

الغروب، وصحة فعل المغرب إلى مقدار أداء العشاء قبل الانتصاف أو قبل الفجر، على تفصيل يأتي في محله. إنما الخلاف والاشكال في أن ما بين الزوال والغروب وقت لمجموع الظهرين، وكذلك ما بين المغرب وانتصاف الليل وقت لمجموع العشاء‌ين، أو أنه يختص من أول الوقت بمقدار أداء الظهر كما أنه يختص من آخر الوقت بمقدار أداء العصر، وكذلك في طرف العشاء‌ين.

والاقوال في المسألة ثلاثة على ما يظهر من الكلمات: قول بأن ما بين الزوال والغروب وقت لمجموع الفريضتين، غاية الامر أنه يجب فعل الظهر قبل العصر، ولازم هذا القول أنه لو نسي الترتيب وصلى العصر في أول الزوال صحت صلاته بمقتضى حديث " لاتعاد "(١) وقول بأنه يختص من أول الوقت بمقدار أداء الظهر كما يختص من آخره بمقدار أداء العصر، بحيث لاتصح الشريكة فيه بحال من الاحوال، حتى أنه لو فرض أنه صلى الظهر قبل الزوال على وجه صحيح، كما إذا دخل الوقت وهو بعد لم يفرغ منها على ما يأتي تفصيله إن شاء الله لاتصح فعل العصر قبل مضي مقدار أربع ركعات من الزوال، وكذلك لو صلى العصر قبل فعل الظهر على وجه يصح على ما يأتي ايضا لايصح فعل الظهر في الوقت الاختصاصي لها، وهذا القول هو الاختصاص المطلق.

وقول ولعل أن يكون عليه المعظم هو الاختصاص في الجملة، بمعنى أنه لو لم يصل الظهر على وجه صحيح لاتصح فعل العصر مطلقا ولو نسيانا في الوقت الاختصاصي للظهر، وكذلك في آخر الوقت لو لم يصل العصر على وجه صحيح لايصح فعل الظهر في الوقت الاختصاصي للعصر. وأما لو فرض أنه قد صلى

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٧٠ باب ٢٩ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٥. [ * ]

١٤

الظهر على وجه صحيح قبل الزوال، وكذا صلى العصر على وجه صحيح قبل فعل الظهر تصح فعل العصر عقيبها وإن وقعت المختص للظهر، وكذلك تصح الظهر في الفرض الثاني وإن وقعت في الوقت الاختصاصي للعصر، وهذا القول هو المعتمد وعليه تنطبق الاخبار بعد تقييد مطلقاتها وتحكيم نصوصها، فلابد أولا من ذكر الاخبار الواردة في المقام حتى يتضح حقيقة الحال، وهي على طوائف أربع: منها: ما دل على أن بمجرد الزوال يدخل وقت الظهرين، كرواية محمد بن علي ابن الحسين بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة(١) وقد ورد بهذا المضمون عدة روايات بأسانيد مختلفة.

ومنها: ما دل على هذا المعنى بزيادة قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " كرواية محمد بن يعقوب عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن جميعا عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضاعليه‌السلام : ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر، وأن وقت المغرب إلى ربيع الليل، فكتبعليه‌السلام : كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق(٢) ، الحديث.

ومنها: ذلك أيضا بزيادة قولهعليه‌السلام " ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس " كرواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩١ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩٥ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٢٠.

[*]

١٥

وقت الظهر والعصر فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعا، إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس(١) .

ومنها: ما دل على اختصاص أول الوقت بالظهر وآخر الوقت بالعصر وكذا العشاء‌ان، كرواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر، حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصرحتى تغيب الشمس(٢) وبهذا التفصيل ذكر وقت العشاء‌ين في تتمة هذا الحديث.

فهذه جملة الاخبار الواردة في المقام، فينبغي أن يعلم ما يتحصل من مجموعها وما يستفاد منها فنقول: أما الطائفة الاولى فهي كالصريحة في أن بمجرد الزوال يدخل الوقتان، بحيث يصلح هذا الزمان لوقوع أي من الصلاتين فيه، فتدل على صحة العصر في أول الزوال، سواء كان قد صلى الظهر أو لم يصلها، فدلالتها على صحة العصرفي أول الوقت في الجملة بالصراحة، وإن كان بالنسبة إلى فعل الظهر وعدمه يكون بالاطلاق والظهور، إذ لو لم تصح العصرفي اول الوقت بوجه من الوجوه وحال من الاحوال لم يبق مورد لقولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وذلك واضح.

وأما الطائفة الثانية وهي المشتملة على قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩٢ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩٢ باب ٤ من أبواب المواقيت، ٧. [ * ]

١٦

هذه " فلا إشكال في أنها ليست في مقام شرطية الترتيب من دون تصرف في الوقت، فإنهلاوجه لذكر خصوص الترتيب من بين الشرائط، فينبغي حينئذ أن يعد سائر الشرائط أيضا كالقبلة والطهور وأمثال ذلك، مع أنه يلزم بناء على هذا أن يكون الاستثناء منقطعا، إذ لو كان في مقام بيان شرطية الترتيب فقط من دون تعرض للوقت لاتكون جملة قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " مرتبطة بما قبلها وهو قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " فإن عقد المستثنى منه إنما سيق لبيان الوقت المضروب للصلاة، والمفروض أن عقد المستثنى بناء على هذا يكون لبيان شرطية الترتيب، وشرطية الترتيب لادخل لها بالوقت المضروب للفعل، فيكون الاستثناء منقطعا، وهو خلاف الاصل كما بين في محله، فلابد من أن يكون قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " في بيان جعل مقدارمن الوقت للاولى ويرتبط حينئذ بما قبله، فكأنه أرادعليه‌السلام بهذه الجملة تقييد ما أطلقه أولا من قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وبيان أن أول الوقت إنما هو للصلاة الاولى، ولذا عقبهعليه‌السلام بما في الطائفة الثالثة وهو قوله " ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس".

فالطائفة الثالثة أقوى دليل على أن المراد من قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " لبيان تخصيص أول بالاولى، وإلا لم يكن معنى لقولهعليه‌السلام " ثم أنت في وقت منهما " إذا لو لم تكن الجملة لبيان تعيين الوقت وتخصيصه، بل لبيان شرطية الترتيب فقط، فالمكلف من أول الوقت في وقت منهما جميعا والترتيب شرط في تمام الوقت، فلامعنى لقولهعليه‌السلام حينئذ " ثم أنت في وقت منهما جميعا " لان التعقيب بكلمة " ثم " بعد بيان شرطية الترتيب لاموقع له إلا لافادة سقوط التريب وهو كما ترى ضروري البطلان، فالتعقيب ب‍ " ثم " إنما يصلح إذا كان ما قبلها وهو قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " لبيان

١٧

تخصيص الوقت وجعله أوله للاولى، فينطبق على ما في الطائفة الرابعة، وهي رواية داود بن فرقد وأمثالها مما دل على اختصاص أول الوقت بالظهر. وظهر ضعف القول الاول وهو أن ما بين الزوال والغروب وقت لمجموع الصلاتين، بحيث لونسي الظهر وصلى العصر في أول الزوال تقع صحيحة بمقتضى حديث " لاتعاد "(١) لان قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " لاتدل على أزيد من اشتراط الترتيب، وهو كسائر الشرائط عند النسيان يسقط، ورواية داود بن فرقد الدالة على الاختصاص ضعيف السند، لايقاوم ما دل من المطلقات من أنه إذا زال الزوال دخل الوقتان(٢) .

وجه الضعف: ما تقدم من أن قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه " يدل على الاختصاص بالبيان المتقدم، وأما رواية داود بن فرقد فهي مع كونها معتبرة في نفسها كما يظهر بالمراجعة يكفي في جبرها عمل المعظم بها. بقي الكلام فيما استفاده المعظم من أن الاختصاص إنما هو فيما إذا لم يصل صاحبة الوقت، وأما إذا كان قد صلاها بوجه صحيح تصح الشريكة في الوقت الاختصاصي، في مقابل من يقول بالاختصاص المطلق بحيث لم تصح الشريكة في الوقت المختص بحال من الاحوال وإن كان قد صلى صاحب الوقت قبله بوجه صحيح، والحق أنهم قد أجادوا فيما استفادوه من الاخبار، ولا محيص عن استفادة ذلك منها.

بيانه: أن رواية داود بن فرقد إنما تدل على الاختصاص المطلق بالاطلاق، فإن قولهعليه‌السلام فيها " فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٧٠ باب ٢٩ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩١ باب ٤ من أبواب المواقيت، نقلا بالمضمون. [ * ]

١٨

يبقى.. إلخ " إنما يدل على عدم دخول وقت العصر حتى يمضي مقدار أربع ركعات من أول الوقت، سواء قد صلى الظهر قبل ذلك على وجه صحيح أو لم يصلها، فدلالتها على عدم دخول وقت العصرعند فعل الظهر قبل الزوال على وجه صحيح، كما إذا ظن بدخول الوقت فشرع في الصلاة ودخل عليه الوقت وهو بعد في الصلاة ولو قبل التسليم بناء على اعتبار الظن في باب الوقت انما يكون بالاطلاق، مع أن دلالة قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال فقد دخل الوقتان " بعد تقييده بقوله " إلا أن هذه قبل هذه " على صلاحية فعل العصر في أول الوقت في الجملة إنما يكون بالنصوصية، إذ لو لم تصح العصر في وقت الظهر بحال من الاحوال لم يبق مورد لقوله " دخل الوقتان " فحينئذ لابد من تقييد إطلاق رواية داود بن فرقد بما إذا لم يصل الظهر على وجه صحيح قبل دخول الوقت، ويبقى الصورة الاخرى وهي ما إذا صلى الظهر قبل ذلك داخلة في قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وهذا بخلاف ما إذا أخدنا بإطلاق رواية داود، فإنه لم يبق مورد حينئذ لقوله " دخل الوقتان " فمن باب تحكيم النص على المطلق يتسفاد من أفاده المعظم من أن الاختصاص إنما هو فيما إذا لم يؤد صاحبة الوقت.

وبعبارة أوضح: أن النسبة بين قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وبين ما في رواية داود بن فرقد وإن كان هو التباين، لان إطلاق قوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " يشمل فيما إذا لم يصل الظهر، فهو بإطلاقه دال على دخول وقت العصر وإن لم يكن قد صلى الظهر، وكذا إطلاق رواية داود بن فرقد الدالة على الاختصاص يدل على عدم دخول وقت العصر قبل مضي مقدار أربع ركعات من أول الزوال مطلقا سواء صلى الظهر أو لم يصلها، فالروايتان متعارضتان باطلاقهما. ولكن بعد تقييدعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " بقولهعليه‌السلام

١٩

عقيب ذلك كما في بعض الروايات " إلا أن هذه قبل هذه " فيخرج صوره عدم فعل الظهر عن إطلاقه، ويبقى صورة فعل الظهر قبل الزوال على وجه صحيح مشمولا لقوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " لعدم دخول هذه الصورة تحت المقيد، وهو قوله " إلا أن هذه قبل هذه " لان هذه الجملة إنما تصح فيما إذا كان الفرضان بعد باقيين في ذمة المكلف، إذ لو لم يبق في ذمة المكلف إلا فرض واحد لم يكن معنى لقوله " هذه قبل هذه " فالمقيد إنما يخرج صوررة عن تحت الاطلاق وهي ما إذا لم يفعل الظهر، وتبقى الصورة الاخرى وهي ما إذا فعل الظهر على الوجه الصحيح مشمولة لقولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان ".

وحينئذ تنقلب النسبة بين قوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " وبين ما في رواية داود بالاعم والاخص المطلق بعد ما كانت بالتباين، فإن قولهعليه‌السلام " إذا زال الزوال دخل الوقتان " يختص بعد التقييد بصورة واحدة، وهي دخول وقت العصرفي أول الزوال فيما إذا صلى الظهر بوجه صحيح قبل الزوال، ورواية داود أعم من هذه، فإن مفادها أنه سواء صلى الظهر أو لم يصلها وقت العصر لا يدخل، فيقيد إطلاقها بقوله " إذا زال الزوال دخل الوقتان " الذي هو يكون بعد التقييد كالنص في دخول وقت العصرعلى تقدير صلاة الظهر، فتأمل جيدا، هذا كله في أول الوقت.

وأما آخر الوقت فرواية داود بن فرقد وإن كانت قد دلت على اختصاص مقدار أربع ركعات من الغروب للعصر خاصة، سواء كان قد صلى الظهر قبل ذلك أو لم يصلها، ولازم ذلك عدم صحة الظهر في هذا الوقت لو كان قد صلى العصرقبل ذلك على وجه صحيح، كما إذا خاف الضيق فصلى العصر بظن أنه لم يبق من الوقت إلا مقدار أدائها فتبين خلافه وأن الوقت بعد باق، فإطلاق رواية داود بن فرقد يدل على خروج وقت الظهر حينئذ فلا يصح إيقاعها أداء،

٢٠