كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 19680
تحميل: 5098


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19680 / تحميل: 5098
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

ملاحظة ما يتحصل منها، فنقول: إن مقتضى القاعدة الاولية هو أنه عند التمكن من معرفة القبلة يجب الصلاة إليها، بمقتضى قوله تعالى: فولوا وجوهكم(١) ، وقولهعليه‌السلام في موثق عمار بعد السؤال عن رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قالعليه‌السلام : إن كان متوجها فيما بين المغرب والمشرق فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم(٢) ، الخبر. فإن الظاهر منه أنه لو علم جهة القبلة فاللازم عليه هو الصلاة نحوها ولايكفيه غيرها.

ثم إنه قد ورد أيضا أن ما بين المغرب والمشرق قبلة كما في رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لاصلاة إلا إلى القبلة، قال: قلت: اين حد القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله(٣) . وهذه الرواية وإن حملناها سابقا على ما إذا تبين له بعد الصلاة كما في عدة من روايات اخر إلا أنه لاداعي إلى هذا الحمل بعد عموم اللفظ وشموله إلى ما قبل الصلاة.

وطريق الجمع بين هذه الرواية وما دل من وجوب استقبال عين الكعبة هو أن استقبال العين إنما هو للمتمكن من معرفتها، بداهة أن التكليف بالتوجه نحوها إنما هو فرغ الامكان فهو مخصوص قهرا بالمتمكن، وأما قولهعليه‌السلام " ما بين المشرق والمغرب قبلة كله " فلابد من حمله بما إذا يتمكن من معرفة القبلة، كما ربما يشعر به قوله في السؤال " أين حد القبلة " أي أين حد القبلة التي يجزي الصلاة إليها في الجملة أي في صورة عدم التمكن من استقبال العين، فقالعليه‌السلام " ما بين المشرق والمغرب قبلة " أي مع عدم معرفة القبلة يجزيه الصلاة إلى ما بين

____________________

(١) البقرة: ١٤٤.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٩ باب ١٠ من أبواب القبلة، ح ٤.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢١٧ باب ٢ من أبواب القبلة، ح ٩، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١٦١

المشرق والمغرب، فلو علم جهة المشرق والمغرب فهو، وإن لم يعلم جهتيهما فلابد من إحراز كون صلاته واقعة بينهما، وذلك إنما يكون بالصلاة إلى ثلاث جهات على نحو التثليث، فإنه حينئذ يجوز كون صلاته واقعة بينهما ولايكفيه الصلاة إلى ثلاث جهات على نحو التربيع، لعدم إحراز البينونية حينئذ كما لايخفى.

ثم إنه لو خلينا وأنفسنا لكان اللازم عند التحير وعدم معرفة القبلة هو الاكتفاء بثلاث صلاة على جهة التثليث، ولكن بعد ورود الدليل على أنه يصلي إلى أربع جهات فلابد مع التمكن من الاربع من الصلاة إلى أربع، ويبقى صورة عدم التمكن من الاربع والتمكن من الثلاث تحت إطلاق قوله " ما بين المشرق والمغرب قبلة " فلابد من الصلاة إلى ثلالاث جهات على جهة التثليث لاحراز البينونية، ولايجوز الاكتفاء بواحدة.

نعم يبقى في المقام صورة ما إذا لم يتمكن إلا من صلاتين، فإنه خارج عن تحت دليل الاربع وخارج عن " ما بين المغرب والمشرق " فيمكن أن يقال حينئذ بالاكتفاء بصلاة واحدة، لاطلاق قولهعليه‌السلام " صلى إلى أي جهة شاء "(١) ولكن مع ذلك يمكن أن يقال: إنه بعد خروجه المتمكن من الاربع والثلاث من ذلك الاطلاق فيصير إطلاقه موهونا ويكون المتيقن منه هو ما إذا لم يتمكن إلا من جهة واحدة، ويبقى المتمكن من الاثنين باقيا على حكمه الاصلي من وجوب الاتيان بالمقدمات العلمية مهما أمكن. هذا حاصل ما أفاده شيخنا الاستاذ مد ظله في هذا المقام، ولكن بعد للنظر فيه مجال، فتأمل.

الامر الخامس: أنه لا إشكال في عدم الاعادة والقضاء على من صلى أربع ثم

____________________

(١) تهذيب الاحكام، ج ٢ ص ٤٥ باب ٥ من ابواب القبلة، ح ١٤٣ نقلا بالمضمون. [ * ]

١٦٢

تبين الخلاف وأن القبلة لم تكن على نفس الجهة التي صلى نحوها بل كانت بيمينها ويسارها، لانه مضافا إلى أن الحكم بالصلاة إلى الاربع وسقوط الزائد لم يكن من قبيل الحكم الظاهري الذي يمكن انكشاف الخلاف فيه، بل هو حكم واقعي حعل للمتحير، فقبلة المتحير في الحقيقة في هذا الحال هي ربع الفلك، أن صلاته تكون حينئذ فيما بين المغرب والمشرق، وقد ورد النص على أن الصلاة لو وقعت بينهما لاإعادة وقضاء(١) . ومنه يعلم أيضا الحكم فيما إذا لو صلى إلى ثلاث جهات فيما إذا كان تكليفه ذلك وأنه لاإعادة عليه ولاقضاء، لان ما بين المغرب والمشرق قبلة له في هذا الحال حقيقة.

وأما لو صلى إلى جهة واحدة فيما كان تكليفه ذلك فربما يتوهم وجوب الاعادة والقضاء لو كان مستدبرا، ووجوب الاعادة فقط لوكان إلى جهة المشرق والمغرب، وعدم وجوب شئ لو كان بينهما إلى جهة القبلة، لما سيمر عليك من الاخبار الدالة على ذلك.

ولكن يدفعه أن تلك الاخبار مقصورة بمن أحرز جهة القبلة فتبين الخطأ، لامن لم يحرز القبلة لعدم معرفتها وكان تكليفه الواقعي الصلاة إلي أي جهة شاء كما فيما نحن فيه. فالاقوى عدم الاعادة والقضاء عليه أيضا، وإن أشكل شيخنا الاستاذ بالنسبة إلى الاعادة.

نعم يبقى صورة واحدة وهو ما إذا صلى إلى جهتين فيما كان تكليفه ذلك، فإنه خارج عما بين المغرب والمشرق وخارج عن إطلاق الصلاة إلى أي جهة شاء، فمقتضى القاعدة في صورة انكشاف الخلاف أن يكون عليه الاعادة والقضاء، وإن كان بعيدا من المذاق حيث إنه من صلى إلى جهة واحدة لايكون

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٩ باب ١٠ من أبواب القبلة، ح ٥ نقلا بالمضمون. [ * ]

١٦٣

عليه إعادة ولاقضاء ومن صلى إلى جهتين يكون عليه الاعادة والقضاء، فتأمل.

الامر السادس: لافرق في عدم التمكن فيما ذكر له من الاحكام بين أن يكون ذلك لضيق الوقت أو لامر آخر، لاطلاق الدليل.

الامر السابع: لو حصل له الظن إلى أن القبلة في أحد هاتين الجهتين فهل يلحق هذا الظن بالظن إلى القبلة في الاعتبار بحيث لايجب عليه الصلاة إلى أربع، أو لايلحق بذلك بل يجب عليه الصلاة إلى أربع؟ ربما يتوهم ابتناء المسأللة على أن اعتبار الظن بالقبلة هل يلازم اعتبار الظن بالنفي وأن القبلة لم تكن في هذه الجهة أو لايلازم، فإن قلنا بالملازمة فلا يجب عليه الصلاة إلى أربع، لان الظن بكون القبلة في أحد هاتين الجهتين يلازم الظن بعدم القبلة في الجهتين الباقيتين، والمفروض اعتبار الظن بالنفي كالاثبات، فلا تجب الصلاة إليهما.

وإن لم نقل بالملازمة فتجب، لان الظن بعدم القبلة في الجهتين وجوده كعدمه، هذا ولكن لايخفى عليك عدم ابتناء المسألة على ذلك، فإنه وإن قلنا بالملازمة بين اعتبار الظن بالاثبات وبين اعتباره بالنفي لكن هذه الملازمة إنما هي فيما إذا كان الظن بالاثبات معتبرا، والظن في كون الثلبة في أحد هاتين الجهتين لم يقم دليل على اعتباره، لخروجه عن موضوع الاخبار التي [ دلت ](١) على اعتبار الظن بالقبلة، فإنها ظاهرة في الظن في جهة خاصة لامردد بين جهتين، كما هو الظاهر من قولهعليه‌السلام " فتحرى وتعمد القبلة جهدك "(٢) فإذا لم يكن مثل هذا الظن معتبرا فكيف يقال باعتبار الظن بالنفي؟ فلابد له حينئذ من الصلاة إلى أربع مع الامكان، فتأمل، جيدا.

____________________

(١) ما بين المعقوفتين لم توجد في النسخة واثبتناه لاقتضاء السياق.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٣ باب ٦ من أبواب القبله. [ * ]

١٦٤

هذا تمام الكلام في أحكام الجاهل بالقبلة والمتحير بها.

لايجوز صلاة الفريضة على الراحلة اختيارا إلا مع الضرورة

إعلم أن هنا مسائل ينبغي التعرض لها.

الاولى: الصلاة على الراحلة وما يجري مجراها من الحمل والارجوحة والقجاوة وما شابهها. والاشكال فيها من جهتين، من جهة الاستقبال ومن جهة الاستقرار. والمعروف الذي عليه المعظم أنه لايجوز أن يصلي الفريضة على الراحلة إلا لضرورة، وأما النافلة فيجوز مطلقا ولو اختيارا. وهذا لاإشكال فيه في الجملة، لدلالته جملة من الاخبار عليه كما سيمر عليك بعضها.

إنما الاشكال فيما إذا طرأ على الفرض النفل كالصلاة المعادة، أو طرأ على النفل الفرض كما لو نذر النافلة، فهل العبرة على الاصل في كل من الطرفين بأن يلاحظ في المعادة وما شابهها حكم الفريضة ويلاحظ في المنذورة حكم النافلة، أو أن العبرة على الوصف الطارئ أيضا في كل من الطرفين، أو يفصل بين نقل عرض له الفرض فيلحقه أحكام الفرض وبين فرض عرض له النفل كالمعادة فيلحقه حكم النفل؟ ثم إن هذه الوجوه ليست في خصوص مسألة القبلة والاستقرار، بل هي جارية في جميع ما يختص به النافلة من الاحكام، كعدم بطلان الشك في الثنائية منها، وجواز البناء على الاكثر والاقل، وغير ذلك من الاحكام المختصة بالنافلة.

وعلى أي حال قيل: إن العبرة إنما هي حكم الاصل ولايلتفت إلى العارض، سواء كان الاصل نفلا طرأ عليه الفرض كالمنذورة أو فرضا طرأ عليه النفل

١٦٥

كالمعادة، ففي الاول يجوز صلاتها على الراحلة اختيارا ولا يبطلها الشك، وفي الثاني لايجوز صلاتها على الراحلة ويبطلها الشك لو كانت ثنائية أو ثلاثية. وقد استدل على ذلك بالاستصحاب في كل من الفرضين، ففي الاول استصحاب حكم النافلة إلى ما بعد النذر، وفي الثاني استصحاب أحكام الفريضة إلى ما بعد صيرورتها نافلة، هذا. ولكن الانصاف أنه لاموقع للتمسك بالاستصحاب في كل من الطرفين، للشك في الموضوع إن لم نقل بتبدله قطعا.

وبيان ذلك: هو أن الوصف العنواني الذي يؤخذ في موضوع دليل الحكم.

تارة: بمناسبة الحكم والموضوع يكون المتفاهم منه عرفا أن للوصف العنواني دخلا في موضوع الحكم حدوثا وبقاء، كما في قوله: إعط الزكاة الفقير فإن العرف يرى بمناسبة الحكم والموضوع أن لوصف الفقر دخلا في الحكم بإعطاء الزكاة، فلو زال الفقر يكون من باب زوال الموضوع، وكذلك قوله: قلد المجتهد العادل وأمثال ذلك مما يكون للوصف في نظر العرف دخلا في الحكم.

واخرى لايرى العرف للوصف العنواني دخلا في الموضوع بحسب مرتكزاته وما يراه من مناسبة الحكم والموضوع، بل يرى الوصف معرفا ومن قبيل العلة للحكم لاأنه جزء موضوع له، كقوله: الماء المتغير نجس، فإن العرف يفهم أن معروض النجاسة إنما هو جسم الماء لاوصف التغير، وإنما اخذ التغير علة لعروض هذا الحكم على نفس الماء، ومن هنا يرى النجاسة باقية ببقاء الماء وإن زال التغير، بحيث لو فرض حكم الشارع بالطهارة عند زواله يرى من باب ارتفاع الحكم عن موضوعه مع بقائه لاارتفاعه بارتفاعه.

وثالثة يشك في أنه من أي القبيلين هل للوصف العنواني دخل في الموضوع أو أنه يكون معرفا وعلة، ولاغرو في شك العرف في ذلك وتفصيله موكول إلى محله في

١٦٦

باب الاستصحاب.

ثم إنه لاإشكال في عدم جريان الاستصحاب في القسم الاول، للقطع بارتفاع الموضوع. وكذلك لاإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الثاني، للقطع ببقاء الموضوع، فلو شك أن التغير هل علة الحدوث فقط حتى تبقى النجاسة عند زواله، أو علة للبقاء أيضا حتى ترتفع بزواله، كان الاستصحاب هو المحكم. وأما القسم الثالث فلايجري فيه الاستصحاب أيضا، للشك في الموضوع مع أنه يعتبر في باب الاستصحاب القطع ببقائه كما بين في محله.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن مثل جواز الصلاة على الراحلة مع فوت الاستقبال والاستقرار، ومثل أن الشك في الثنائية لايبطل، ومثل جواز البناء على الاقل والاكثر، وغير ذلك من الاحكام المترتبة على النافلة، حيث إنها كانت أحكاما تسهيلية وجعلها إنما هو لاجل التوسعة فهي إنما تناسب النافلة لانه يتسامح فيها ما لايتسامح في الفريضة، فمن القريب جدا أن يكون لوصف التنفل دخل في موضوع هذه الاحكام، لان مناسبة الحكم والموضوع يقتضي أن تكون جعل مثل هذه الاحكام المبتنية على التسامح والتسهيل إنما هو لاجل النافلة، لخلاف ما يقابلها من الاحكام من عدم جواز الصلاة على الراحلة، وبطلان الشك في الثنائية والثلاثية، ولزوم البناء على الاكثر، وأمثال ذلك من الاحكام المتنية على التضيق وعدم المسامحة، فإنها تناسب وصف الفرض، فمن القريب أيضا جدا أن يكون لوصف الفرض دخل في مثل هذه الاحكام.

والمنذورة حيث عرض لها وصف الفرض فتناسب أن يلحقها أحكام الفرض، فلو ادعى أحد القطع بأن لوصفي الفرض والنفل دخلا في موضوع هذه الاحكام لما كان مجازفا وكانت دعواه في محله، فيكون المقام من قبيل القسم الاول الذي يكون للوصف العنواني دخل في متعلق الحكم مثل إعط الزكاة الفقير، ففي

١٦٧

مثل النفل الذي عرض له الفرض مما يقطع بارتفاع الموضوع فلا موقع للاستصحاب. وإن أبيت عن ذلك فلا أقل من الشك، فيكون من القسم الثالث الذي يشك في الموضوع فلايجري الاستصحاب فيه أيضا، والمنع عن الشك في مدخلية وفي الفرض والنفل في الاحكام يكون خلاف الانصاف، فالاقوى أنه لاموقع للاستصحاب في كل من الطرفين.

ثم إنه إن قام دليل بالخصوص على تسرية حكم النقل إلى بعد عروض الفرض وبالعكس فهو، وإلا كان المتبع إلى الاطلاقات والعمومات الدالة على اعتبار الشرائط من القبلة والاستقرار، وعموم البناء على الاكثر عند الشك في الرباعية، وبطلان الشك في الثنائية، والقدر الثابت من التخصيص هو ما كان نفلا بالفعل، لان المقام يكون من إجمال المخصص الذي يدور أمره بين الاقل والاكثر، فلا مانع من الرجوع إلى العمومات، فتأمل جيدا. هذا في النفل الذي طرأ عليه الفرض.

وأما الفرض الذي طرأ عليه النفل كالمعادة احتياطا وجماعة فالاقوى فيه أيضا مراعاة حكم الفرض.

أما الصلاة المعادة احتياطا فأصل نفليتها شرعا مشكل، بل إنما هو لاجل حكم العقل بحسن الاحتياط من جهة احتمال الخلل، وعلى فرض أن يكون الاعادة مستحبا شرعا فاستحبابه إنما هو لاجل جبر الخلل المحتمل وقوعه في الصلاة، فلابد من أن تكون المعادة واجدة لجميع الشرائط حتى تقوم الصلاة المعادة مقام الاصل على تقدير وقوع الخلل فيها. وأما الصلاة المعادة جماعة فهى وإن كانت مستحبة شرعا إلا أن قولهعليه‌السلام

١٦٨

" ليختار الله أحبهما إليه "(١) يدل على أنها تكون من باب الامتثال عقيب الامتثال، فلابد أن تكون أيضا واجدة لجميع الشرائط حتى يمكن أن تكون أحبهما إليه. نعم يبقى الاشكال في صلاة العيدين والجمعة في زمان الغيبة، وأنه هل يجري عليها أحكام الفرض أو أحكام النقل؟ ولعله يأتي تحقيقه إن شاء‌الله عند التعرض لها.

ثم لايخفى عليك أن ما اخترناه من جريان أحكام الفرض على النافلة المنذورة إنما هو في غير حكم الجماعة، وأما بالنسبة إلى حكم الجماعة بحيث يجوز له أن بصلي الصلاة النافلة المنذورة جماعة، كسائر الفرائض التي تشرع فيها الجماعة دون النوافل، فأمره مشكل. وإن كان يظهر من عبارة الشهيد(٢) ،رحمه‌الله الاجماع على جواز ذلك، حيث حكي عنه: أن جميع أحكام الفريضة تجري على المنذورة حتى بالنسبة إلى الجماعة عندنا. فإن الظاهر من قوله " عندنا " هو دعوى الاجماع على ذلك، وإن كان في الظهور ما لايخفى.

وعلى كل حال فالمتيقن إنما هو تسرية أحكام الفرض على المنذورة سوى الجماعة إلا أن يقوم دليل على خلافه، هذا ما يقتضيه القاعدة. ولكن في خصوص المقام وردت رواية على جواز الصلاة المنذورة على الراحلة، وهي رواية علي بن جعفر: سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا، هل يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قالعليه‌السلام نعم(٣)

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٤٥٧ باب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة، ح ١٠.

(٢) ذكرى الشيعة: ص ٢٦٥ س ١٦.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٨ باب ١٤ من أبواب القبلة، ح ٦. [ * ]

١٦٩

والنسبة بين هذه الرواية وما دل(١) على عدم جواز الفريضة على الراحلة إلا لضرورة إنما بالعموم من وجه، لان هذه وإن كانت ظاهرة في خصوص النافلة كما لايخفى وجهه إلا أنها أعم من حيث الضرورة وعدمها، وتلك الروايات وإن كانت في خصوص الفريضة إلا أنها أعم من حيث كونها منذورة أو غيرها، فلابد من رفع اليد عن عموم أحدهما، إما بتخصيص الفريضة بغير المنذورة، وإما بتخصيص المنذورة بصورة الضرورة.

ودعوى أظهرية رواية علي بن جعفر، لانصراف الفريضة في أخبار المنع إلى الفرائض الاصلية فلا تشمل المنذورة خالية عن الشاهد، لعدم الانصراف على وجه يوجب صرف اللفظ عن ظاهره، بل إنما هو من الانصرافات البدوية التي لاعبرة بها، فالانصاف أن الفريضة في أخبار المنع ظاهرة في الاعم من المنذورة والفرائض الاصلية، كما أن ما دل على جواز فعل المنذورة على الراحلة ظاهر في الاعم من الضرورة وغيرها.

بل ربما يدعى أن رواية علي بن جعفر أظهر، لان الظاهر من السؤأل أن المنذورة هل هي كالفرائض لايجوز أن يصليها على الراحلة أو أنها كالنافلة يجوز، فكأنه كان المرتكز في ذهن السائل أن حكم النافلة هو جواز صلاتها اختيارا على الراحلة، وكان جهة السؤال في أن النذر يوجب تغيير الحكم أو لايوجب، فقولهعليه‌السلام " نعم " بمنزلة قوله إن النذر لايوجب تغيير الحكم وبعد يجوز صلاتها اختيارا على الراحلة، فتأمل فإن هذا أيضا كدععوى الانصراف في تلك الاخبار لايخلو عن مناقشة، فالاظهرية في البين في كل من الطرفين لم يكن، وعليه لابد من رفع اليد عن ظهور أحدهما، هذا.

ولكن بعد لم يعلم عمل الاصحاب على

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٦ باب ١٤ من أبواب القبلة. [ * ]

١٧٠

رواية علي بن جعفرعليه‌السلام ، فالقول بأنه لايجوز صلاة المنذورة على الراحلة اختيارا لايخلو عن قوة.

ثم إن هنا مقامين للتكلم (الاول) في جواز الصلاة على الراحلة مع فوات بعض الشرائط والافعال من القبلة والركوع والاستقرار وأمثال ذلك. (الثاني) جواز الصلاة على الراحلة مع عدم فوات شئ من الشرائط والاجزاء.

أما المقام الاول: فالمعروف بين الاصحاب عدم جواز الفريضة على الراحلة اختيارا وجوازه عند الضرورة، وأما النافلة فيجوز مطلقا، ويدل عليه عدة من الاخبار، كصحيح عبدالرحمن عن الصادقعليه‌السلام : لايصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل القبلة، وتجزيه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ماأمكنه من شئ، ويؤمي في النافلة إيماء(١) . وفي موثق عبدالله بن سنان قلت: لابي عبداللهعليه‌السلام : أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال: لا، إلا من ضرورة(٢) . وفي بعض الروايات(٣) تقييد الضرورة بالشدة، ومعلوم أنه ليس المراد من الشدة البالغة حد القدرة، بل المراد منها ما يعسر معه النزول والركوب.

وينبغي ان يعلم انه في مورد جاز الصلاة على الراحلة لابد من ملاحظة الشرائط والافعال مهما أمكن، لان الضرورات تتقدر بقدرها، فيستقبل القبلة ولو بالتكبيرة مع عدم التمكن من غيرها، ويراعي سائر الشرائط بقدر القدرة، ولايعتبر

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٦ باب ١٤ من أبواب القبلة، ح ١، وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٧ باب ١٤ من أبواب القبلة، ح ٤.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٦ باب ١٤ من أبواب القبلة، ح ٥ و ١١. [ * ]

١٧١

أن يصبر إلى ضيق الوقت كما يظهر من الشرائع(١) ، بل يجوز له البدار لكن بشرط اليأس عن زوال العذر، كما هو الشأن في جميع دوي الاعذار، على ما يأتي بيانه إن شاء‌الله في محله.

وحكم الصلاة على الراحلة [حكم](٢) الصلاة ماشيا فيجوز عند الضرورة دون الاختيار، وادعي على ذلك الاجماع، والظاهر أنه لودار الامربين الصلاة راكبا وبين الصلاة ماشيا فالحكم فيه التخيير، لان في كل منهما جهة لم تكن في الآخر، فإن في الركوب تفويتا للقيام مع استقرار المصلي بنفسه وإن كانت دابته متحركة، وفي المشي تفويت استقرار المصلي مع ثبوت القيام له، ولم يعلم أهمية أحد الجهتين، فلا محيص عن التخيير كما هو الشأن في كل متزاحمين لم يكن أحدهما أهم.

وربما يستدل على التخيير بقوله تعالى: وإن خفتم فرجالا أو ركبانا(٣) .

وفي الاستدلال ما لايخفي، لان المراد من رجالا أو ركبانا هو الحال المتلبس به المكلفين، فيصير المعنى إن خفتم العدو فصلوا سواء كنتم راكبين أو راجلين، وأين هذا من التخيير؟ هذا. ولكن يمكن أن يقال بتقديم المشي لاهمية القيام خصوصا الركني منه، فتأمل.

المقام الثاني: في جواز الصلاة على الراحلة مع عدم فوات شئ من الشرائط والاجزاء، كما إذا كانت الدابة معقولة وكان في كجاوة أو سرير يمكنه استيفاء الركوع والسجود

____________________

(١) شرائع اسلام: ج ١ ص ٦٦ في القبلة.

(٢) ما بين المعقوفتين لم توجد في النسخة واثبتناه لاقتضاء السياق.

(٣) البقرة: الآية ٢٣٩. [ * ]

١٧٢

وغير ذلك من الشرائط والاجزاء.

وفي جواز الصلاة كذلك إشكال، فان الظاهر من قولهعليه‌السلام " لايصلي على الدابة الفريضة إلا المريض.. إلخ " هو عدم جواز الصلاة على الدابة مطلقا سواء كانت واقفة أو سائرة، فيكون نفس الكون على الدابة مانعا عن الصلاة عليها كمانعية غير المأكول عن الصلاة فيه. وكون المنع عن الصلاة على الدابة إنما هو لاجل أن الغالب عدم إمكان استيفاء جميع الافعال عليها فيكون الحكم واردا مورد الغالب كما في الجواهر(١) مما لايمكن المساعدة عليه، لان النفي في قولهعليه‌السلام " لايصلي.. إلخ " لم يرد إلا لبيان مانعية الدابة عن الصلاة عليها، وليس له نظر إلى حيثية الاجزاء والشرائط وأنه مطلق بالنسبة إلى إمكان استيفائها وعدمه، حتى يمنع إطلاقه بالنسبة إلى ذلك بدعوى أن الغالب عدم إمكان الاستيفاء فالحكم وارد مورد الغالب، لما عرفت من أن قولهعليه‌السلام " لايصلي على الدابة " كقوله " لايصلي في الحرير " ظاهر في شرطية عدم الدابة وأنه وارد لمجرد بيان ذلك، فليس النفي متعرضا لحال الافعال حتى يبحث عن إطلاقه بالنسبة إلى ذلك وعدم إطلاقه.

نعم بالنسبة إلى مانعية الدابة يكون مطلقا من حيث كونها واقفة أو سائرة، غاية الامر أنا نقطع بأن الدابة من حيث كونها دابة ليس لها خصوصية تمنع عن الصلاة عليها، وإنما المانع هو عدم القرار الذي نسب إلى المشهور اعتباره في الصلاة زائدا على الاستقرار، والمراد من القرار هو أن يكون المصلي مستقرا على الارض ولو بواسطة أو ما بحكمها كالماء على ما سيأتي من جواز الصلاة في السفينة.

وتنقيح البحث في المقام يستدعي بسطا في الكلام فنقول: إن المصلي تارة

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٧ ص ٤٢٠. [ * ]

١٧٣

يكون مستقرا في مكان بحيث لم يكن له حركة عينية خارجية وإن كان له حركة تبعية عرضيه، كجالس السفينة في الانهار الصغار التي لم يكن لها تموج واضطراب لسكون الماء. واخرى لايكون مستقرا في مكان بل متحركا بحركة عينية خارجية ولو كان بتبع حركة الغير، كالراكب على الدابة في حال سيرها، وكالراكب في الشمندفر وإن كان حركته دون حركة الدابة إلا أنه مع ذلك له حركة حسية خارجية. وثالثة لايكون مستقرا في مكان ولم يكن له حركة أيضا، كراكب الدابة الواقفة سواء كان في محمل أو سرير أو غيره، وهذا أيضا يمكن على نحوين، فإن الدابة تارة تكون معقولة بحيث يؤمن من حركتها، واخرى لاتكون معقولة وتكون في معرض الحركة، وقس على الدابة غيرها مما يكون معلقا في الهواء. فهذه مجمل أقسام المصلي باعتبار حالاته من حيث المكان والاستقرار.

وأما حكمها فالقسم الاول مما لاشبهة في صحة صلاته، على خلاف في السفينة يأتي بيانه إن شاء‌الله وكذا لاشبهة في عدم صحة الصلاة في القسم الثاني، لفوات القرار والاستقرار معا فيه فهو المتيقن من أخبار المانعة عن جواز الصلاة على الراحلة. وأما القسم الثالث فهو بكلا قسميه يمكن أيضا دخوله في الاخبار المانعة، بناء على ما استظهرناه منهامن أن المنع إنما هو لبيان مانعية نفس الراحلة من جهة فوات القرار، وقد بنى شيخنا الاستاذ على ذلك.

ولكن الانصاف أن استظهار ذلك من الاخبار في غاية الاشكال، لامكان دعوى أن المنع عن الصلاة على الراحلة إنما هو لاجل فوات الاستقرار وغيره من الشرائط والاجزاء كما هو الغالب. ودعوى أن الحكم لم يرد لبيان ذلك لاتخلو عن إشكال، وعلى فرض التسليم وأن المنع إنما يكون واردا لبيان مانعية نفس الدابة فيمكن أن يقال: إن جهة

١٧٤

السؤال عن الصلاة على الراحلة إنما هو من جهة حركتها وسيرها، فالحكم إنما يكون منزلا على حال حركتها وسيرها كما هو الغالب، فلا يشمل ما إذا كانت معقولة.

وبالجملة: القول ببطلان الصلاة على المحمل والسرير المحمول على الدابة المعقولة المطمئن من حركتها، أو التخت المعلق في الهواء بحيث لايتحرك في حال الصلاة لايخلو عن تأمل بل منع، للشك في دخوله في أخبار المنع، والاصل فيه البراء‌ة لرجوع الشك فيه إلى الشك في مانعية الراحلة عن الصلاة فيكون من باب الاقل والاكثر الارتباطيين، وقد حرر في محله أن الاصل فيه هو البراء‌ة لا الاشتغال على الاقوى.

نعم يعتبر أن يكون المصلي مطمئنا بعدم حركة الدابة في حال الصلاة حتى يمكنه الجزم بالنية، إذ مع عدم الاطمئنان يكون حال الصلاة عليها كحال الصلاة في مواضع الزحام من حيث عدم تحقق الجزم بالنية، وأصالة عدم طرو المانع في الاثناء لايوجب حصول الجزم بالنية كما لايخفى. ولاينتقض بصلاة ذات العادة التي تحتمل طرو الحيض في أثنائها. لان القدر المتمكن منها هو الصلاة باحتمال عدم طرو الحيض فلايمكنها الجزم بالنية، فلابد لها من الامتثال الاحتمالي، لان صبرها يوجب تأكد احتمال طرو المناع، وهذا بخلاف المقام لان المفروض هو تمكنه من الصلاة على الارض، فهو متمكن من الامتثال القطعي وعليه لايجوز له الصلاة بالامتثال الاحتمالي، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في باب النية إن شاء‌الله.

بقي الكلام في حكم الصلاة في السفينة في حال سيرها، ولابد أولا من ذكر بعض الاخبار الواردة في الباب مما ظاهره التعارض والتنافي. فمنها: ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبدالله عن الصلاة في السفينة، فقال:

١٧٥

يستقبل القبلة ويصف رجليه، فإذا دارت واستطاع أن يتوجه إلى القبلة وإلا فليصل حيث توجهت به، وإن أمكنه القيام فليصل قائما وإلا فليقعد ثم يصلي(١) . ومنها: رواية جميل بن دراج أنه قال لابي عبداللهعليه‌السلام : تكون السفينة قريبة من الجدد فأخرج وأصلي؟ قال: صل فيها أما ترضى بصلاة نوحعليه‌السلام (٢) . وفي رواية يونس بن يعقوب أنه سأل أبا عبدالله عن الصلاة في الفرات وما هو اصغر منه من الانهار في السفينة، فقال: إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن(٣) . قال: وسأله عن الصلاة في السفينة وهي تأخذ شرقا وغربا فقال: استقبل القبلة ثم كبر ثم درمع السفينة حيث دارت(٤) .

ومنها: رواية علي بن إبراهيم قال: سألته عن الصلاة في السفينة، قال: يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة، ولايصلي في السفينة وهو يقدر على الشط(٥) . وفي رواية حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يسأل عن الصلاة في السفينة، فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا، فإن لم تقدروا فصلوا قياما، فإن لم تستطيوا فصلوا قعودا، وتحروا القبلة(٦) .

ومنها: ما في تفسير العياشي عن زرارة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء؟ قال: النافلة كلها سواء، تؤمي إيماء

____________________

(١) و (٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٣ باب ١٣ من أبواب القبلة، ح ١ و ٣.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٣ باب ١٣ من أبواب القبلة، ح ٥.

(٤) و (٥) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٤ باب ١٣ من أبواب القبلة، ح ٦ و ٨.

(٦) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٥ باب ١٣ من أبواب القبلة، ح ١٤. [ * ]

١٧٦

اينما توجهت دابتك وسفينتك، والفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الارض إلا من خوف فإن خفت أو مأت، وأما السفينة فصل فيها قائما وتوخ القبلة بجهدك، فإن نوحا قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة وهي مطبقة عليهم، قال: قلت: وما كان عليمه بالقبلة فيتوجهها وهي مطبقة عليهم؟ قال: كان جبرئيلعليه‌السلام يقومه نحوها، قال: قلت: فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟ قال: أما في النافلة فلا، إنما تكبر على غير القبلة الله أكبر، ثم قال: كل ذلك قبلة للمتنفل، أينما تولوا فثم وجه الله(١) .

فهذه جملة من الاخبار التي أردنا ذكرها، وهي كما ترى على طوائف: منها ما يدل على كيفية الصلاة في السفينة من استقبال القبلة وصف الرجلين والقيام مع التمكن، من دون أن يكون متعرضا لاصل حكم الصلاة في السفينة من قوله " سأل عن الصلاة في السفينة " بقرينة الجواب هو أن يكون السؤال عن أصل الكيفية، فهو من جهة الجواز مطلقا مهمل غير ناظر إليه، فلو فرض أنه ورد في عدم الجواز اختيارا وإنما الجواز مختص بصورة الاضطرار لايقع التعارض بينهما كمالايخفى.

ومنها: ما دل على جواز الصلاة في السفينة، وهو بإطلاقه يشمل صورتي الاختيار والاضطرار، بل ظاهر في خصوص الاختيار كالرواية الثانية، فإن الظاهر من قوله " تكون السفينة قريبة من الجدد " هو عدم المشقة في الخروج منها وعدم الاضطرار بالصلاة فيها، خصوصا مع قوله " فأخرج وأصلي " فقولهعليه‌السلام

____________________

(١) تفسير العياشي: ج ١ ص ٥٦ ح ٨١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٣ باب ١٣ من أبواب القبلة، ح ١. [ * ]

١٧٧

في الجواب " صل فيها " في قوة التصريح بجواز الصلاة فيها اختيارا. ويقرب من ذلك في التصريح بالجواز في صورة الاختيار رواية يونس بن يعقوب حيث قالعليه‌السلام : إن خرجت فحسن وإن صليت فحسن إذ في صورة الاضطرار لا يكون محل لقوله " وإن خرجت فحسن ".

نعم السؤال مختص بالانهار الصغار فلايشمل السفينة في البحر المتلاطم، وأما قوله في تتمة هذه الرواية قال: وسأله عن الصلاة في السفينة تأخذ شرقا وغربا، فلا يدل على جواز الصلاة في السفينة المضطربة اختيارا، لان الظاهر منه بقرينة الجواب هو أن يكون السؤال عن كيفية الصلاة في السفينة المضطربة لاعن أصل الجواز، فلاينافي اختصاصه بصورة الاضطرار كما لايخفى.

وأما رواية على بن إبراهيم فالظاهر منها أيضا أن يكون السؤال عن كيفية الصلاة في السفينة بقرينة قولهعليه‌السلام " يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام " وأما قولهعليه‌السلام في ذيل هذه الرواية " ولايصلي في السفينة وهو يقدر على الشط " فغير معارض لما دل من جواز الصلاة في السفينة اختيارا، لان الظاهر من قولهعليه‌السلام " ولايصلي في السفينة " هو أن يكون في صورة عدم التمكن من استيفاء جميع أفعال الصلاة في السفينة، بقرينه قولهعليه‌السلام في صدر الرواية " يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام " فيختص المنع في هذه الصورة لافيما إذا تمكن من استيفاء جميع الافعال حتى الاستقرار فيما إذا لم تكن السفينة مضطربة.

نعم ربما يدعى ظهور رواية حماد بن عيسى في المنع عن الصلاة في السفينة في صورة الاختيار والتمكن من الخروج، لان الظاهر من قوله " إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا فإن لم تقدروا فصلوا قياما " هو أنه مع التمكن من الصلاة في السفينة تامة الاجزاء والشرائط يجب عليه الخروج مع القدرة عليه، هذا.

١٧٨

ولكن لا ملازمة بين التمكن من القيام والتمكن من استيفاء سائر أفعال الصلاة، فيمكن أن يكون المنع لاجل فوات الاستقرار كما ربما يدعى أنه الغالب أو فوات القبلة، فتأمل جيدا.

ومنها: رواية العياشي والانصاف أنها صريحة في جواز الصلاة في السفينة اختيارا مع التمكن من استيفاء الافعال وتكون شاهد جمع بين الاخبار، فإن التفصيل في الفريضة بين الراحلة والسفينة، وأن في الراحلة لايجوز إلا في صورة الاضطرار وفي السفينة يجوز مطلقا سواء قدر على الخروج أو لم يقدر يكون نصا في الجواز، نعم يختص الجواز بصورة التمكن من استيفاء الافعال بقرينة قولهعليه‌السلام " فصل فيها قائما وتوخ القبلة " وكذا يختص بصورة التمكن من الاستقرار وعدم اضطراب السفينة بقرينة كون السائل زرارة وهو عراقي، والسفن السارية في أنهار العراق من الفرات والدجلة لاتكون مضطربة غالبا.

فتحصل: أن المستفاد من مجموع الاخبار بعد تحكيم النص والاظهر على الظاهر هو أنه لو كانت السفينة غير مضطربة، وتمكن المصلي من استيفاء جميع أفعال الصلاة من القيام والقبلة وغيرذلك فالصلاة فيها اختيارا. تصح مع التمكن من الخروج، وإن لم يتمكن من استيفاء الافعال فجواز الصلاة مختص بصورة عدم التمكن.

وقد انقدح أيضا حال الصلاة على الراحلة، وأنه في الفريضة لايجوز إلا مع الاضطرار وعدم التمكن من النزول، وأما في النافلة فيجوز مطلقا ولايعتبر القبلة ولو مع التمكن فيها، بل يتوجه حيثما توجهت الدابة، كما صرحت به رواية العياشي المتقدمة. فما عساه يظهر من بعض الاخبار من اعتبار الاستقبال في حال الركوع والسجود والتكبير أو في خصوص حال التكبير، كقول الصادقعليه‌السلام في

١٧٩

حسن معاوية بن عمار: لابأس أن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي، ولابأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى(١) . وكصحيح عبدالرحمن قال فيه: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الصلاة في الليل في السفر في المحمل، فقالعليه‌السلام : إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك(٢) ، الخبر.

لابد من حمله على الافضلية، لعدم مقاومته لجملة من الاخبار المصرحة بعدم اعتبار القبلة في النافلة إذا صليت على الدابة، أو في حال المشي مطلقا حتى في حال التكبير المعللة في جملة منها بقوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله(٣) ، وأنها نزلت في النافلة في السفر.

وحاصل الكلام: أن في صلاة النافلة جهات من البحث:

الاولى: في أصل جوازها اختيارا على الراحلة وفي حال المشي.

الثانية: في عدم اعتبار القبلة فيها مطلقا ولو في حال التكبير.

الثالثة: في أن جواز الصلاة على الراحلة هل هو مختص بالسفر أو يعم الحضر أيضا؟ الرابعة: في أنه هل يعتبر الركوع والسجود فيها لو صليت ماشيا أو على الراحلة ولو بأن ينزل لهما، أولا يعتبر ذلك بل يجزي الايماء لهما مع جعل إيماء السجود أخفض؟ الخامسة: في أنه لو قلنا بعدم اعتبار القبلة فيها، فهل ذلك يختص بما إذا

____________________

(١) الوسائل:: ج ٣ ص ٢٤٤ باب ١٦ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٤١ باب ١٥ من أبواب القبلة، ح ١٣.

(٣) البقرة: ١١٥. [ * ]

١٨٠