كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 19665
تحميل: 5098


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19665 / تحميل: 5098
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

وما ورد من أن علي بن الحسين كان ينزع الفرو المأخوذ من أرض العراق في وقت الصلاة، معللا بأن أهل العراق يستحلون الميتة بالدباغ(١) .

فليس فيه دلالة على خلاف ما ذهب إليه المشهور وإن استدل به صاحب القول الاول، فإن نفس أخذذهعليه‌السلام ولبسه وإن كان في غير حال الصلاة دليل على أنه ما كان يعامل معه معاملة الميتة، بداهة أنه لو كان المأخوذ ممن يستحل الميتة بالدبغ مما لايحكم عليه بالتذكية وكان بحكم الميتة لما جاز لبسه واستعماله في حال من الاحوال، فنفس استعماله ولو في غير حال الصلاة أقوى شاهد على أنه بحكم المذكى.

وذلك لاينافي نزععه في حال الصلاة، فإن ذلك كان للتنزيه وشدة الاحتياط لاحراز الواقع الذي ينبغي البناء عليه لكل أحد فضلا عن المعصومعليه‌السلام ، والاحتياط في الموضوع لاينافي مرتبة العصمة، فتأمل. وكذلك لاينافي ما ذهب إليه المشهور خبر الاشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفرعليه‌السلام : ما تقول في الفرو نشري من السوق؟ فقالعليه‌السلام : إذا كان مضمونا فلابأس(٢) .

وإن استدل به صاحب القول الثاني بناء على حمل الضمان على ضمان البائع، فيدل بمفهومه على عدم جواز الشراء عند عدم ضمان البائع ذكاته، فإن أقصى ما يفيده المفهوم هو ثبوت البأس عند عدم الضمان، وذلك غير صريح ولاظاهر في المنع عن الشراء، فلايمكن أن يقاوم ماتقدم من الادلة الصريحة على جواز الشراء من السوق ولو علم أن البائع كان ممن يستحل الميتة بالدبغ.

____________________

(١) الوسائل: ج ٢ ص ١٠٨١ باب ٦١ من أبواب النجاسات، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٢ ص ١٠٧٣ باب ٥٠ من أبواب النجاسات، ح ١٠ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٢٢١

وربما يستدل للتفصيل المزبور بما رواه عبدالرحمن قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها هي ذكية فيقول بل فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية فقالعليه‌السلام : لاولكن لابأس أن تبيعها وتقول قد شرط الذي اشتريتها منه أنها ذكية فقلت: وما أفسد ذلك قالعليه‌السلام : استحلال أهل العراق الميتة ويزعمون أن دباغ الجلد ذكاته(١) .. إلخ.

فإن ظاهر التعليل هو المنع عن الاخذ ممن يستحل الميتة بالدبغ مطلقا حتى مع الاخبار بالتذكية، غاية الامر أن صدر الرواية دلت بالصراحة على جواز الشراء عند الاخبار بالتذكية، وإن منع عن بيعها على أنها ذكية، فيبقى صورة عدم الاخبار داخل في التعليل.

وفيه: أن التعليل إنما سيق لاجل المنع عن بيعها على أنها ذكية لالاصل المنع عن الشراء، فليس في الرواية ما يدل على المنع عن الشراء عند عدم الاخبار، بل المتحصل من الرواية هو أنه حيث كان أهل العراق يستحلون الميتة بالدبغ فليس للمشتري منهم أن يبيع ما اشتراه على أن ذكي، لان ظاهر الاشتراط هو الاخبار عن الذكاة وأنه عالم به مع أنه لم يعلم به، فإن أخذه ممن يستحل ذلك يوجب عدم العلم بالذكاة، وإخبار البائع الاول لايوجب العلم به فليس للبائع الثاني الاخبار على سبيل الجزم بذكاته، وأين هذا من الدلالة على التفصيل المزبور؟ وبالجملة: بعد لم يظهر لنا دليل يدل على خلاف ما ذهب إليه المشهور، وعلى تقدير ثبوته فهو مؤول أو مطروح، لعدم مقاومته لما تقدم من الادلة الدالة على اعتبار يد المسلم مطلقا ولو كان ممن يستحل الميتة بالدبغ، فالاقوى ما عليه المشهور

____________________

(١) الوسائل: ج ٢ ص ١٠٨١ باب ٦١ من أبواب النجاسات، ح ٤ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٢٢٢

الامر السابع: مقتضى إطلاق الادلة هو عدم جواز الصلاة في الميتة مطلقا، سواء كان مما تتم الصلاة فيه أولا، وسواء كان نعلا أو خفا أو غيره.

وما ورد(١) في(٢) بعض الاخبار من نفي البأس عن النعال والخفاف إذا لم تكن من أرض المسلمين فمحمول أو مطروح، بداهة عدم مقاومته لمطلقات الباب، مع أنه معارض لصريح بعض الاخبار الوارد في خصوص الخفاف من المنع عن الصلاة فيها إذا كانت من ميتة، وهو ما رواه الحلبي قلت لابي عبدالله: الخفاف عندنا في السوق فنشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقالعليه‌السلام : صل فيها حتى يقال لك إنما ميتة بعينها(٣) فاحتمال جواز الصلاة في الخفاف المصنوعة من الميتة ضعيف غايته، كضعف احتمال جواز الصلاة في خصوص النعال، لما ورد(٤) في عدة من الاخبار من أن نعل موسىعليه‌السلام الذي امر بخلعه كان من جلد ميتة، فيظهر منه جواز لبس النعل من الميتة، وإذا جاز لبسه جاز الصلاة فيه.

وجه الضعف هو أنه أولا: مجرد جواز لبس ذلك في شريعة موسىعليه‌السلام لايثبت جوازه في شريعتنا، مع ما ورد(٥) من المنع عن استعمال الميتة بقول مطلق الشامل للنعل، بل لم يعلم جواز ذلك حتى في شريعة موسىعليه‌السلام ، لانه كان لبسه والامر بخلعه قبل تلبسه بمرتبة النبوة على ما هو المحكي.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٣١٠ باب ٣٨ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٢) هو ما رواه الهاشمي، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم يكن من أرض المسلمين، فقالعليه‌السلام : أما النعال والخفاف فلابأس بها. " منه ".

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٣١٠ باب ٣٨ من أبواب لباس المصلي، ح ٢ نقلا بالمضمون.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٢٤٩ باب ١ من أبواب لباس المصلي، ح ٣ و ٤.

(٥) الوسائل: ج ١٦ ص ٣٦٨ باب ٣٤ من كتاب الاطعمة والاشربة. [ * ]

٢٢٣

وثانيا: قد روي(١) عن الحجةعليه‌السلام تكذيب ذلك، وأنه لم يكن نعل موسىعليه‌السلام من جلد الميتة، بل المراد من خلع النعل الذي أمر به الله تعالى هو خلع محبة الاهل الذي كان في قلب موسى.

وبالجملة: لايمكن رفع اليد عن المطلقات بمثل هذا، فالاقوى عموم المنع حتى من حمل أجزاء الميتة كما ربما يشعر به رواية(٢) تقليد السيف المتقدم، بناء على كون تقليد السيف من باب المحمول، لامن باب كونه ملبوسا وإلا كان دالا على عدم جواز الصلاة فيما لاتتم الصلاة فيه، فتأمل جيدا. هذا تمام الكلام في الامر الاول من الامور المعتبرة في لباس المصلي.

أن لايكون من أجزاء غير مأكول اللحم

وإن ذكي وكان قابلا للتذكية، فإن التذكية فيما كان قابلا لها إنما توجب جواز سائر الاستعمالات ماعدا الصلاة. ولسنا الآن في بيان ما يقبل التذكية من الحيوانات فإن لبيان ذلك مقاما آخر، وإن كان الاقوى قبول كل حيوان مأكول وغير مأكول للتذكية حتى المسوخات، لما حكاه شيخنا الاستاذ مد ظله من ورود بعض الادلة على قبول بعض المسوخات للتذكية، وإذا ثبت في البعض ثبت في الكل لعدم القول بالفصل. بل ربما يستفاد قابلية كل حيوان للتذكية من قولهعليه‌السلام في ذيل صحيح إبن بكير(٣) الآتي " ذكاه الذابح أو لم يذكه " بداهة ظهوره في أن التذكية

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٤٩ باب ١ من أبواب لباس المصلي، ح ٤.

(٢) الوسائل: ج ٢ ص ١٠٧٢ باب ٥٠ من أبواب النجاسات، ح ٤.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٠ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ١. [ * ]

٢٢٤

هي عبارة عن نفس الذبح وكل حيوان قابل للذبح، فيستفاد من ذلك كبرى كلية وهي قابلية كل حيوان للتذكية إلا ما خرج كالحشرات، فتأمل. وعلى كل حال المهم في المقام هو البحث عن مانعية غير المأكول للصلاة.

وتنقيح البحث عن ذلك يستدعي رسم امور:

الاول: لاإشكال ولاخلاف في مانعية غير المأكول للصلاة وفسادها إذا وقعت فيه، وهذا في الجملة ماقد تواترت به النصوص، إنما الكلام في أن ذلك على نحو الكبرى الكلية وأن كل غير مأكول لاتجوز الصلاة فيه عدا ما استثنى من الخز والسنجاب، أو ليس ذلك على نحو الكبرى الكلية بل المانعية مقصورة بما يأكل اللحم مما له ناب ومخلب؟ ولابد أولا من ذكر بعض ما ورد في الباب من الادلة، ثم نعقبه بما هو المستفاد منها فنقول: روى ابن أبي عمير عن إبن بكيرقال: سأل زرارة أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لاتقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك

٢٢٥

أكله فالصلاة في كل شئ منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه(١) .

وفي رواية جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام قال: يا علي لاتصل في جلد ما لايشرب لبنه ولايؤكل لحمه(٢) . وفي رواية إبن أبي حمزة قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام وأباالحسنعليه‌السلام عن لباس الفراء والصلاة فيها، فقال: لاتصل فيها إلا ما كان منه ذكيا، قال: أو ليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ قال: نعم(٣) إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت: وما يؤكل لحمه من غير الغنم؟ فقال: لابأس بالسنجاب فإنه دابة لاتأكل اللحم، وليس هو مما نهى عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب(٤) . وفي رواية محمد بن إسماعيل بإسناده يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لاتجوز الصلاة في شعر ووبر ما لايؤكل لحمه، لان أكثرها مسوخ(٥) .

وفي الباب روايات اخر صريحة الدلالة في المنع عن الصلاة فيما لايؤكل لحمه إلا أنها واردة في موارد خاصة كالثعلب والاررنب والسمور وأمثال ذلك، وفيما ذكرناه غنى وكفاية.

إذا عرفت ذلك فيقع الكلام حينئذ فيما هو المستفاد منها، فنقول: مقتضى رواية ابن بكير(٦) هو عموم المنع عن كل ما لايؤكل لحمه، ويستفاد

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٠ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٦.

(٣) وفي بعض النسخ " وما يؤكل لحمه من غير الغنم " بإسقاط كلمة (لا) " منه ". راجع الكافي: ج ٣ ص ٣٩٧، ح٣.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٢ باب ٣ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٥) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٧.

(٦) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٠ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ١. [ * ]

٢٢٦

منها الملازمة بين غير المأكول وفساد الصلاة، كما أنه يستفاد منها الملازمة بين المأكول والصحة، فهذه الرواية بنفسها تدل على كبرى كلية، وهي صحيحة السند ومعمول بها عند الاصحاب، وإن كان إبن أبي بكير في نفسه ملعونا، كما يظهر من سوء تعبيره في الرواية بقوله " زعم أنه إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " هذا، مع ما ذكر في حالاته من الذم، وعلى أي حال كونه مذموما في نفسه لايضر بصحة روايته، فلا إشكال من هذه الجهة، كما لاإشكال في دلالتها على الكبرى الكلية.

نعم مقتضى التعليل في ذيل رواية إبن أبي حمزة(١) هو عدم المنع في خصوص ما إذا لم يكن آكل اللحم ولم يكن له ناب ومخلب، فمقتضى القاعدة لو لم يكن في المقام شئ آخر هو تخصيص الكبرى الكلية المستفاد من رواية إبن بكير بما في ذيل رواية إبن أبي حمزة.

ولكن مقتضى التعليل الوارد في ذيل رواية محمد بن إسماعيل(٢) وهو قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ" هو عموم المنع أيضا(٣) فالحري هو ملاحظة النبسة

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٢ باب ٣ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٧.

(٣) وقد أفاد شيخنا الاستاذ مد ظله أن النسبة بين التعليلين إنما هي بالاعم الاخص المطلق، وان قولهعليه‌السلام " لان اكثرها مسوخ " أخص من قولهعليه‌السلام " لانه لايأكل اللحم ". وتقريبه هو أن قولهعليه‌السلام " لانه لايأكل اللحم " قد اشتمل على عقد إيجابي وهو جواز الصلاة فيما لايأكل اللحم، وعقد سلبي وهو عدم جواز الصلاة فيما يأكل اللحم، والنسبة إنما تلاحظ بين كلا العقدين من الايجابي والسلبي مع قوله لان أكثرها مسوخ ". وحينئذ يكون قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ " أخص مطلقا من التعليل الآخر، لان العقد الايجابي والسلبي يعم جميع أصناف الحيوانات، بداهة أنه كل حيوان في الدنيا إما أن يكون آكل اللحم وإما أن لايكون، فكل حيوان لابد وأن يكون داخلا في أحد العقدين، وهذا بخلاف قوله " لان أكثرها مسوخ " فإنه مختص بصنف خاص من الحيوان وهو ما كان مسوخا، وحينئذ يكون دلالة قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ " على مانعية الحيوان المسوخ وإن لم يكن أكل اللحم أظهر لاخصيته، ويخرج قولهعليه‌السلام " لانه لايأكل اللحم " عن العلية. ثم على تقدير كون النسبة بين التعليلين بالعموم من الوجه لابد أيضا من أنه بكلا العلتين، وذلك لانه لو قصرنا االمانعية بخصوص آكل اللحم وما كان له ناب أو مخلب يلزم أن يبقى قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ " بلامورد، ذلك لان المسوخ إما آكل اللحم وإما غير آكل، فإن كان آكل اللحم فمانعيته عن الصلاة انما يكون من جهة آكليته للحم، بمقتضى مفهوم قولهعليه‌السلام " لانه لايأكل اللحم " لامن جهة مسوخيته، إذا المسوخية مع كونه آكل اللحم مما [ لا ] أثرلها، وإذا خرج هذا القسم من المسوخ عن قوله " لان اكثرها مسوخ " فلايبقى له إلا مورد واحد وهو المسوخ الغير الآكل، فلوخص المانعية بخصوص الآكل قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ " عن العلية ويبقى بلا مورد وهذا مما لايجوز، لان كل عام بالنسبة إلى بعض موارده نص في الجملة، فتأمل.

ثم إن هذا كله على تقدير اشتمال الرواية على كلمة " لا " وأما بناء على مافي بعض نسخ الصحاح من سقوط كلمة " لا " فيكون التعليل حينئذ أجنبيا عن المقام كما لايخفى وجهه على المتأمل، فتأمل جيدا. " منه ". [ * ]

٢٢٧

بين التعليلين وما يستفاد منهما. والظاهر أن تكون النسبة بينهما هي العموم من وجه، فإن مقتضى التعليل في رواية إبن أبي حمزة(١) هو علية عدم آكل اللحم ولم يكن له ناب ومخلب للجواز سواء كان من المسوخ أو لم يكن، ومقتضى التعليل في رواية محمد بن إسماعيل(٢) هي علية المسوخ سواء كان ذي ناب ومخلب أو لم يكن، فيقع التعارض بينهما في المسوخ الذي لم يكن له ناب ومخلب، فإن مقتضى التعليل في رواية إبن أبي حمزة هو جواز الصلاة فيه، ومقتضى التعليل في رواية محمد بن إسماعيل هو عدم جواز الصلاة فيه، هذا.

ولكن من المعلوم أن دلالة ذيل رواية إبن أبي حمزة على انحصار علة المنع في آكل اللحم مما كان له ناب ومخلب إنما هو بالاطلاق، إذ ليست العلية بنفسها موضوعة للعلة المنحصرة، بل الانحصار إنما يستفاد من الاطلاق من الاطلاق وعدم ذكر علة اخرى، وهذا بخلاف دلالة ذيل رواية محمد بن إسماعيل، فإنها تدل على علية

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٢ باب ٣ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٧. [ * ]

٢٢٨

المسوخية بالنصوصية، فلابد من رفع اليد عن إطلاق ما في رواية إبن أبي حمزة وعدم دلالته على الانحصار. فيتحصل من مجموع الذيلين علية كل من المسوخية وكون الحيوان ذي ناب ومخلب للمنع وعدم جواز الصلاة في شئ منها.

وإذا ثبت المنع عن المسوخ وإن لم يكن ذي ناب ومخلب فيثبت في غير المسوخ أيضا مما حرم أكله، لان قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ " علة لعموم المنع، وأن المنع عن غير المأكول بجميع اقسامه إنما هو من جهة أكثرية المسوخ فيها، فمقتضى هذا التعليل هو عموم المنع لكل ما لايؤكل.

مع أن الظاهر أن يكون قولهعليه‌السلام " لان أكثرها مسوخ " علة للتشريع لاعلة للحكم، ومن المعلوم أن الحكم في باب علل التشريع لايدور مدارها بل يطرد ولو في غير موردها، وعليه يرتفع التعارض بين العلتين أيضا، فإن التعليل في ذيل رواية ابن أبي حمزة(١) إنما يكون علة للحكم، وفي ذيل رواية محمد بن إسماعيل(٢) إنما يكون علة للتشريع.

الامر الثاني: بعد ماثبت عموم المنع عن كل حيوان غير مأكول اللحم سواء في ذلك السباع وغيره، فهل يختص المنع بخصوص ما إذا كان له نفس سائلة كما استظهرنا ذلك في مانعية الميتة، أو يعم المنع لكل حيوان وإن لم يكن له نفس سائلة؟ مقتضى إطلاقات أدلة الباب هو عموم المنع لكل حيوان.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٢ باب ٣ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٧. [ * ]

٢٢٩

ولايقاس المقام بما تقدم في الميتة، فإن في باب الميتة حيث إن مادل على المنع عنها إنما كان غالبا جوابا عما فرضه السائل من الجلود والفراء وغيره، ولم يعهد أخذ مثل ذلك مما لانفس له، فكان المنع عنها منصرفا إلى ذلك، لان نجاسة الميتة هي التي كانت مرتكزة في الاذهان، وذلك هو الذي أوجب السؤال عن المشكوك أخذه من الميتة، فالمنع عن الميتة مقصور بالميتة النجسة وهي التي تكون لها نفس سائلة.

وهذا بخلاف المقام فإن قولهعليه‌السلام في صحيح ابن بكير " إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله(١) .. إلخ " عام يشمل كل حيوان محرم الاكل وإن لم يكن له نفس سائلة، وكذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي في وصيته " لاتصل في جلد مالايشرب لبه ولايؤكل لحمه "(٢) يعم كل حيوان.

ودعوى انصراف ذلك إلى خصوص ما كان له نفس سائلة مما لاشاهد عليها، خصوصا في قوله " كل شئ حرام أكله " كما في الصحيحة، فإن لفظة " كل " موضوعة للعموم فيعم جميع أصناف الحيوانات.

فإن قلت: نعم وإن كان لفظة " كل " عام للجميع إلا أن قولهعليه‌السلام في ذيل الصحيحة " ذكاه الذابح أو لم يذكه " يوجب تخصيص ذلك العموم بما إذا كان تذكيته بالذبح، وذلك مقصور بما إذا كان للحيوان نفس سائلة، بداهة أن تذكية مالانفس له ليس بالذبح.

قلت: ذلك لايصلح للتخصيص، فإن المقسم في قولهعليه‌السلام " ذكاه الذابح أو لم يذكه " هو الحيوان القابل للتذكية بالذبح وعدمه، فما لانفس له

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٠ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٦. [ * ]

٢٣٠

خارج عن المقسم وغير متعرض له في هذا التقسيم، إلا أن ذلك لايوجب خروجه عن عموم قولهعليه‌السلام " وكل شئ حرام أكله ".

مع أنه يمكن أن يقال: إن الذبح في الرواية إنما يكون كناية عن مطلق ما يتحقق به التذكية لاخصوص فري الاوداج، وإنما كان التعبير بالذبح لان غالب ما يتحقق به التذكية هو الذبح، وحينئذ يصير المعنى أن كل ما حرم أكله فالصلاة فيه فاسدة سواء ذكي بما يذكى به أو لم يذك وحينئذ يعم ما لانفس له لان مالانفس له له تذكية، غايته أن تذكيته ليس بالذبح بل بالخروج من الماء مثلا كما في السمك.

والحاصل: أن مقتضى العموم هو عموم المنع لكل حيوان. ويؤيد ذلك بل يدل عليه استثناء خصوص الخز مع كونه مما لانفس له، بناء على ما ذكره الشهيدقدس‌سره من أن الحيوانات البحرية كلها مما لانفس لها إلا التمساح، وحينئذ يكون استثناء الخز مع كونه بحريا لانفس له دليلا على عموم المنع لكل حيوان، فتأمل جيدا.

نعم لايعم ما كان غير قابل للاكل لعدم لحم فيه كالقمل والبراغيث والزنبور وأمثال ذلك، فإن الموضوع في غالب الادلة هو ما لايؤكل لحمه، فما لالحم له خارج عنها، وما في بعض الادلة من التعبير بحرمة الاكل كما في صحيح إبن بكير(١) فالمراد منه أيضا ما حرم أكل لحمه لانصرافه إلى ذلك، بل ربما يستدل على الجواز بالسيرة القطعية وغير ذلك كما لايخفى على المتتبع، فالظاهر خروج مالا لحم له عن عنوان الادلة. كما أن الظاهر خروج الانسان عنه أيضا لانصرافه إلى غير الانسان، فلا بأس بالصلاة مصاحبا لشعر الانسان وريقه، ويدل على ذلك ما في الصحيح كتبت إلى

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٠ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ١. [ * ]

٢٣١

أبي الحسنعليه‌السلام هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعرالانسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع بالجواز(١) . وكذلك يدل على ذلك ما ورد من جواز وصل المرأة شعر غيرها بشعرها. فالاقوى أن الانسان خارج عن عنوان الادلة، وعليه لو فرض نسج ثوب من شعر الانسان فلابأس بلبسه والصلاة فيه. ثم إن في عموم المنع لما كان محرم الاكل بالعارض كالموطوء والجلال يأتي الاشارة إليه.

هذا كله في الحيوان الذي يتخذ منه اللباس وغيره، وقد عرفت مقدار المانعية من حيث عموم الحكم لكل حيوان محرم الاكل وعدم العموم. بقي الكلام في مقدار المانعية من حيث مايتخذ من الحيوان من اللباس وغيره فنقول: لاإشكال في عموم المنع لكل لباس تتم الصلاة فيه سواء كان ساترا أو لم يكن، فلو كانت جبته الملبوسة فوق الساتر متخذة من غير المأكول فالصلاة فيها فاسدة.

وبالجملة: لا كلام في عموم الحكم ما تتم الصلاة فيه، إنما الكلام في عموم الحكم لما لاتتم الصلاة فيه كالتكة والجورب والقلنسوة.

ومقتضى صحيحة إبن بكير(٢) هو عموم المنع لذلك أيضا، فإن قولهعليه‌السلام " وكل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره.. إلخ " بإطلاقه شامل لما لاتتم الصلاة فيه بعد صدق كونه صلى فيه.

مضافا إلى ماورد في خصوص الجورب والتكة من المنع إذا كانت من وبر

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٧٧ باب ١٨ من أبواب لباس المصلي، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٠ من أبواب لباس المصلي، ح ١. [ * ]

٢٣٢

إبن بكير على مالايتأتي فيه الظرفية الحقيقية من ذكر الروث واللبن، بداهة أن الروث واللبن سواء كان في ثوب المصلي أو بدنه لايكون إلا كون الصلاة معه لافيه، مع أن الامامعليه‌السلام جعل مساق الروث واللبن مساق اللباس وعبر في الجميع بكلمة " في ".

ومن هنا التجأ بعض الاعلام إلى جعل كلمة " في " بمعنى المصاحبة والمعية، وعلى ذلك بنى عدم جواز الصلاة في الشعر الملقاة وفي المحمول ورده في الجواهر(١) بما حاصله: أن مجرد ثبوت الروث واللبن في الرواية لايوجب رفع اليد عما يقتضيه ظاهر كلمة " في " من الظرفية وجعلها بمعنى " مع " في جميع ما ذكر في الرواية من الوبر والشعر والجلد، إذ جعل كلمة " في " بمعنى " مع " في مثل هذه الامور بلاموجب، لامكان تحقق معنى الظرفية فيها كالصلاة في الثوب المعمول من الوبر أو الشعر أو الجلد، غايته أن في خصوص الروث واللبن لابد من التصرف بعد عدم إمكان إبقاء كلمة " في " بمعناها من الظرفية فيهما لعدم تحقق معنى الظرفية في ذلك.

والتصرف كما يكون بجعل كلمة " في " بمعنى " مع " كذلك يمكن أن يكون المراد من الصلاة في اللبن والروث الصلاة في الثوب المتلطخ بهما، فتكون كلمة " في " بمعناها من الظرفية في جميع ماذكر في الرواية، غايته أن في خصوص اللبن والروث يحتاج إلى تجوز في الكلام، ومن هنا استشكل في الجواهر(٢) في مانعية الشعر الملقاة وفي المحمول، لعدم شمول الادلة لهما بعد عدم جريان الظرفية فيهما، هذا.

ولكن الانصاف أنه لايمكن المساعدة على ما في الجواهر(٣) من إبقاء كلمة

____________________

(١) و (٣) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٧٧.

(٢) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٧٩. [ * ]

٢٣٣

الارانب، كما في خبر علي بن مهزيار كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الارانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الارانب من غير ضرورة ولاتقية؟ فكتب: لاتجوز الصلاة فيها(١) . ومن العموم أنه لافرق بين وبر الارانب وغيرها ولابين التكة والقلنسوة، فالاقوى عموم المنع.

وما في خبر إبن عبدالجبار(٢) من جواز الصلاة في القلنسوة والتكة إذا كانت من وبر الارانب فلابد من حمله على التقية أو طرحه، لعدم مقاومته للادلة الدالة بالاطلاق وبالخصوص على عموم المنع.

بل ذكر شيخنا الاستاذ مدظله أن في نفس خبر إبن عبدالجبار ما يظهر منه أن الحكم كان لاجل التقية، فإن فيه قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لايؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الارانب؟ فكتبعليه‌السلام : لاتجوز الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه. فإن نسبة التذكية إلى نفس الوبر يشعر(٣) بالتقية، فتأمل فإن في الاشعار مالا يخفى، وعلى أي حال الاقوى ما عليه المعظم من عموم الحكم.

بقي الكلام في الشعر الملقاة على لباس المصلي أو بدنه وفي حكم المحمول. أما الشعر الملقاة فالظاهر أيضا عدم جواز الصلاة معها، وذلك لان كلمة " في " الواقعة في أخبار الباب وإن كانت ظاهرة في الظرفية على نحو تكون الصلاة واقعة في الشئ نحو ثبوت الشئ في المكان أو الزمان، وهذا المعنى من الظرفية مفقود في الشعر الملقاة على الثوب أوالبدن، لعدم كون الصلاة واقعة فيه بل معه، إلا أنه لابد من رفع اليد عما يقتضيه الظاهر الاولي من الظرفية، من جهة اشتمال موثقة

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٨ باب ٧ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٧٣ باب ١٤ من أبواب لباس المصلي، ح ٤.

(٣) لان الوبر ليس مما تحله الحياة حتى يعتبر فيه التذكية " منه ". [ * ]

٢٣٤

" في " في غير الروث واللبن على معناها الاولي من الظرفية الحقيقية، والتجوز في خصوص اللبن والروث بعد ما ذكر الجميع في الرواية على مساق واحد، كما لايمكن المساعدة على ما أفاده بعض الاعلام من جعل كلمة " في " بمعنى " مع " لانه خروج عما تقتضيه كلمة " في " بلاموجب.

فالاولى إبقاء كلمة " في " على معناها من الظرفية، ولكن ذكر الروث واللبن في الرواية يكون قرينة على أن المراد من الظرفية ليس هو معناها الاولي الظاهر من كلمة " في " من ثبوت الشئ في المكان أو الزمان، بل المراد منها معنى أوسع من ذلك بحيث يشمل مثل اللبن والروث الواقع على بدن المصلي أو لباسه ويصدق أنه صلى فيهما ولو بنحو من التوسعة في الظرفية.

وهذا المعنى من التوسعة موجود في الشعر الملقاة على لباس المصلي بل على بدنه، بل وكذا المحمول إذا كان مع المصلي بلاواسطة وعاء كما إذا كان في جيب المصلي، وأما لو كان في وعاء كما إذا فرض جعل بعض أجزاء مالايؤكل لحمه في قارورة أو وعاء آخر وكانت القارورة مع المصلي فصدق الظرفية على مثل هذا المحمول مشكل.

وحاصل الكلام: أن أدلة الباب وإن اشتملت على كلمة " في " الظاهرة في الظرفية إلا أنه لامحيص عن القول بالتوسعة في الظرفية على نحو يعم الشعر الملقاة على اللباس والبدن والمحمول بلا واسطة، فإن في الجميع يصح إطلاق (الصلاة فيه) بنحو من التسامح والتوسعة، والشاهد على ذلك إطلاق الظرفية في مثل الروث واللبن الذي لايكون ذلك إلا بعد التوسعة في معنى الظرفية.

نعم في المحمول مع الواسطة جميع مراتب الظرفية مفقود، وإنما الظرفية تكون في الوعاء المشتمل على المحمول، فيقال: صلى في قارورة فيها عظم ما لايؤكل مثلا، ولايقال: صلى في عظم ما لايؤكل، وهذا بخلاف ما إذا كان العظم مع

٢٣٥

المصلي بلاواسطة لصدق الظرفية فيه، وصح أن يقال: صلى في عظم مالايؤكل، هذا حاصل ما أفاده شيخنا الاستاذ مدظله في هذا المقام فتأمل فيه فإنه لايخلو عن تأمل خصوصا في التفرقة بين قسمي المحمول. وعلى كل حال الظاهر عموم المنع للشعر الملقاة على لباس المصلي لصدق الظرفية على مثل ذلك كما تقدم فيشمله الاطلاقات، مضافا إلى خصوص خبر الهمداني كتب إليه: يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لايؤكل لحمه من غير تقية ولاضرورة فكتب: لاتجوز الصلاة فيه(١) . وتضعيف الجواهر(٢) سنده مما لاوجه له بعد ما كان معمولا به.

فإن قلت: إن ذلك معارض بما في رواية إبن عبدالجبار(٣) المتقدمة، فإن قولهعليه‌السلام فيها " وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه " جوابا عما سأله السائل من التكة المعمولة من وبر الارانب ومن القلنسوة التي عليها وبر ما لايؤكل، والمعلوم أنه لافرق بين الوبر الملقى على القلنسوة وبين الوبر الملقى على الثوب كمعلومية عدم الفرق بين الوبر والشعر فيكون معارضا لرواية الهمداني.

قلت: رواية إبن عبدالجبار قد اشتملت على جزء‌ين (أحدهما) جواز الصلاة في القلنسوة الملقى عليها وبر ما لايؤكل لحمه (وثانيهما) جوار الصلاة في التكة المعمولة من وبر الارانب.

وكل من الجزء‌ين له معارض بعد إلقاء الخصوصية عن القلنسوة والوبر.

أما الجزء الاول فهو معارض برواية الهمداني حيث دلت على المنع عن الصلاة في الشعر الملقاة.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥١ باب ٢ من أبواب لباس المصلي، ح ٤.

(٢) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٧٨.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٧٣ باب ١٤ من أبواب لباس المصلي، ح ٤. [ * ]

٢٣٦

وأما الجزء الثاني فهو معارض برواية إبن مهزيار(١) المتقدمة، حيث دلت على المنع عن الصلاة في التكك المعمولة من وبر الارانب، فيكون المقام نظير العام المخصص بمخصصين المستوعبين لافراد العام، ويدور الامربين الاخذ بالعام وطرح المخصصين أو الاخذ بالمخصصين وطرح العام، والمتعين في المقام هو طرح العام، لما تقدم من عدم عمل المعظم برواية إبن عبدالجبار(٢) ، مع أن فيها شائبة التقية فتأمل جدا.

بقي الكلام في حكم ما استثناه المعظم من جواز الصلاة في الخز والسنجاب. أما السنجاب فقد نسب إلى المشهور استثناؤه لدلالة جملة من الاخبار على جواز الصلاة فيه المعللة بعضها بأنه لايأكل اللحم(٣) . بل ربما يظهر من بعض الاخبار حلية أكل لحمه أيضا، كما في رواية ابن أبي حمزة(٤) بناء على بعض النسخ من إسقاط كلمة " لا " على ما تقدم، لكن الظاهر عدم ثبوت قول معتد به بين الاصحاب في حلية لحمه وإن قالوا بجواز الصلاة فيه. ولكن مع ذلك أشكل شيخنا الاستاذ مذ ظله تبعا لبعض الاصحاب في جواز الصلاة فيه، نظرا إلى ورود بعض الاخبار(٥) في المنع عنه، وعدم ثبوت شهر القدماء التي تكون هي العبرة في كسر الاخبار وجبرها في العمل بأخبار المجوزة، مع احتمال التقية فيها، فتأمل جيدا.

وأما الخز فالظاهر قيام الاجماع على استثنائه وبرا على ما هو المحكي، وإن نقل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٨ باب ٧ من أبواب لباس المصلي، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٧٣ باب ١٤ من أبواب لباس المصلي، ح ٤.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٢ باب ٣ من أبواب لباس المصلي، ح ٢ و ٣.

(٤) راجع ص ٢٢٠ من هذا الكتاب.

(٥) مستدرك الوسائل: ج ١ ص ٢٠١ باب ٤ من أبواب لباس المصلي، ح ١. [ * ]

٢٣٧

الخلاف بالنسبة إلى جلده ولكن خلاف ضعيف لايعتد به، فالاقوى جواز الصلاة في وبره وجلده لدلالة جملة من الاخبار(١) على ذلك من غير معارض.

نعم قال شيخنا الاستاذ مد ظلحه إن الظاهر كون هذا الخز المعروف في هذا الزمان غير الخز الذي كان يعمل منه الالبسة في عصر الائمةعليهم‌السلام وما تأخر عنه إلى ما قبل زمان الشهيدرحمه‌الله فإن الخز الذي كان في ذلك العصر كان ينسج من وبره الالبسة الفاخرة التي كانت تباع بأغلى القيم، وهذا الخز المعروف في هذا الزمان مما لايمكن أن يعمل من نفس وبره منفصلا عن جلده شئ أصلا وما في الجواهر(٢) من التمسك على اتحاد هذا الخز للخز السابق بأصالة عدم النقل منظور فيه، لانه إن اريد من أصالة العدم أصالة عدم نقل معنى ذلك الخز الذي كان في السابق فهو مما لايثبت كون هذا الخز الموجود في هذا الزمان هو ذلك الخز، وإن اريد من أصالة عدم النقل على نحو القهقراء فهو ليس بحجة عندنا.

وبناء على هذا يشكل الصلاة في هذا الخز إن ثبت كونه من محرم الاكل، وإلا فالجواز مبني على الجواز في المشكوك كما لايخفى. ثم إنه يعتبر في الخز بناء على جواز الصلاة فيه أن يكون خالصا، فلايجوز في المغشوش منه بوبر الارانب والثعالب وغير ذلك مما لايجوز الصلاة فيه منفردا.

نعم في تعيين معنى الخلوص وأنه هل هو عبارة عن عدم خلطه بشئ مطلقا ولو كان الغش قليلا جدا بحيث لايراه العرف غشا، أو أنه ليس الامر كذلك فلابأس بالغش القليل الذي لايراه العرف غشا، وجهان مبنيان على أن الخلوص هل هو عند العرف معنى يجامع الغش القليل جدا بحيث لاينافي ذلك مع ما هو حقيقة المرتكز في ذهن العرف، نظير مفهوم الماء الصادق حقيقة بماله

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٦٠ باب ٨ من أبواب لباس المصلي

(٢) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٩١. [ * ]

٢٣٨

من المعنى على الماء المغشوش بقليل من التراب، أو أن الخلوص هو عبارة عن الخلوص الحقيقي بمعناه الساذج الخالص من كل شئ، وأن إطلاق العرف الخالص على ما كان الغش قليلا من باب التسامح من حيث إن الغش لايراه غشا، نظير الزيادة والنقيصة القليلة في التحديدات كالكر مثلا.

فإن كان الخلوص هو المعنى الاول فلاينافيه الغش القليل، وإن كان المعنى الثاني فالغش القليل ينافيه، وأنه لاعبرة بتسامح العرف وإطلاق الخالص عليه، كما لاعبرة بإطلاق الكر على مانقص منه قليلا، وحيث قلنا بأن هذا الخز غير الخز المستثنى في الاخبار فلاطائل في تنقيح معنى الخلوص وأن أي المعنيين صحيح، فإنه لاموضوع لهذا البحث حينئذ فتأمل جيدا.

ثم إنه ربما استثنى بعض تبعا لبعض الاخبار(١) الحواصل والسمور والفنك، ولكن الظاهر ذهاب المشهور على خلافه ومعارضة أخبار المجوزة لصراحة جملة من الاخبار الدالة على المنع، فلابد من حمل أخبار الجواز على التقية.

الامر الثالث: في تحقيق الحال في شرطية المأكولية أو مانعية غير المأكولية، وينبغي أولا من تمهيد مقدمة ربما يظهر منها فساد بعض ما قيل في المقام، وهي أنه قد حقق في محله من أن الشرطية والجزئية والمانعية والسببية غير قابلة لان تنالها بأنفسها يد الجعل، سواء في ذلك شرطية التكليف أو شرطية المكلف به(٢) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٥٤ باب ٤ من ابواب لباس المصلي.

(٢) وكذلك شرطية الوضع كما في باب العقود والايقاعات، وكذلك في باب الطهارة والنجاسة وأمثال ذلك، وبالجملة: المدعى هو أن الشرطية والجزئية والمانعية والسببية غير قابلة للجعل في أي باب من الابواب، سواء كان في باب التكليف أو في باب المتعلق والمكلف به أو في باب الوضع، لان ملاك استحالة الجعل في الجميع واحد كما لايخفى وجهه، فتأمل جيدا " منه ". [ * ]

٢٣٩

والسرفي ذلك واضح، فإن ما هو فعل الآمر والصادر عنه في مقام التشريع ليس إلا تصور عدة امور تكون موافقة لغرضه وقيام المصلحة بها، وبعد ذلك يجمعها في قالب الطلب وينشئها على طبق ما تصوره، فعند ذلك ينتزع من القيود الوجودية الجزئية والشرطية على اختلاف بينهما في كيفية الاعتبار من جعل الشئ داخلا في الماهية بحيث يتألف منه ومن غيره المركب فيكون جزء، ومن جعله خارجا عنها على نحو التقيد داخل والقيد خارج فيكون شرطا، وينتزع من القيود العدمية المانعية، وإلا فنفس الشرطية والمانعية والجزئية ليس لها ما بحذاء في وعاء، وليس لها ثبوت وتحقق لافي عالم التكوين ولافي عالم الاعتبار والتشريع.

بل تكون الشرطية وأخواتها أسوأ حالا من وجوب والمقدمة اللازم من وجوب ذيها، فإن وجوب المقدمة أمر ثابت في عالم الاعتبار ومتصور في عالم التشريع وتتعلق بها إرادة آمرية، غاية الامر إرادة تبعية تترشح من إرادة ذيها وخطابها لازم خطاب ذيها، وهذا بخلاف الشرطية وما شابهها فإنها امور انتزاعية صرفة غير متأصلة في عالم الاعتبار، وغير متعلقة لارادة أصلا ولو بإرادة تبعية، وليس لها نحو ثبوت وتحقق لافي عالم التصور السابق على الجعل ولا في عالم الجعل والانشاء، لما عرفت من أن الثابت في عالم التصور ليس إلا لحاظ امور متعددة متباينة يجمعها قيام المصلحة بها وموافقتها للغرض، ثم بعد ذلك. يجعلها في معرض الانشاء وقالب الطلب.

ففي عالم التصور لم يتصور إلا ذات الشرط والجزء من حيث دخله في الغرض ونفس المانع من حيث منعه عنه، لاشرطية الشرط وجزئية الجزء ومانعية المانع، فانها لم يقع التصور عليها ولم تدخل في عالم اللحاظ، بل المتصور والملحوظ هو

٢٤٠