كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 19676
تحميل: 5098


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19676 / تحميل: 5098
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

والسر في ذلك ما عرفت من أن الشك في المطلق مسبب عن الشك في المقيد، ولايمكن العكس بأن يقال: إن الشك في كون الامر في المقيد للوجوب مسبب عن الشك في إطلاق المطلق، وبعد الاخذ بأصالة الاطلاق في المطلق يرتفع موضوع الشك في كون الامر في المقيد للوجوب، ولابد حينئذ من حمله على الاستحباب، وذلك لان دليل المطلق غير متعرض للمقيد، غاية الامر أنه لو بقي على إطلاقه يكون معارضا للمقيد.

وهذا بخلاف دليل المقيد، فإنه بمنزلة القرينة للمطلق ك‍ (يرمي) في قولنا (أسد يرمي) فإن ظهور يرمي في رمي النبال يكون قرينة على أن المراد من الاسد هو الرجل الشجاع، ولايمكن أن يقال: إن ظهور أسد في الحيوان المفترس يكون قرينة على أن المراد من يرمي هو رمي التراب، وهذا واضح لاسترة فيه، وقد ذكرناه في باب المطلق والمقيد مفصلا، فراجع.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن مقتضى ما عرفت من حكومة الاصول الجارية في المقيد على الاصول الجارية في المطلق هو لزوم حمل المطلقات الورادة في امتداد وقت الظهرين إلى الغروب على المقيدات الظاهرة في خروج الوقت بالاقدام والمثلين للمختار، ولاتصل النوبة إلى حمل أوامر المقيدات على الفضيلة والاستحباب، كما سنعه المشهور. ولكن هذا إنما يتم لو لم يكن هناك قرينة على إرادة وقت الفضيلة من الاوامر المقيدة، وأما مع ثبوت القرينة في ذلك ينهدم ظهورالامر في الوجوب في المقيدات، وتبقى المطلقات على حالها من امتداد الوقت للمختارر إلى الغروب.

والانصاف أن ملاحظة مجموع الاخبار الواردة في هذه الباب مما يشرف

٦١

الفقيه القطع بإرادة وقت الفضيلة من الاقدام والمثلين، ولو لم يكن في أخبار الباب إلا رواية أحمد بن يحيى لكفى شاهدا في أن تلك الاخببار محمولة على تحديد وقت الفضل، وفيها قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسنعليه‌السلام : روي عن آبائك القدم والقدمين والاربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع والذرعين، فكتبعليه‌السلام : لاالقدم ولا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات، فإن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل الظهر، فإذا فرغت كان بين يدي الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات، إن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل العصر(١) .

فيظهر من السؤال والجواب أن الراوي تخيل أن تلك الاوقات أوقات للوجوب فسأل عما هو الواجب، فنفى الامامعليه‌السلام الوجوب وأنه ليس القدم والقدمان والمثل والمثلان وغير ذلك مما ورد عن آبائيعليهم‌السلام وقتا للوجوب، بل إذا زال الزوال دخل الوقتان، فالامامعليه‌السلام وإن ذكر في الجواب أو الوقت ولم يتعرض لآخره وأن امتداده إلى متى إلا أن جوابهعليه‌السلام كالصريح في أن التحديد بتلك الاوقات المروية عنهمعليهم‌السلام لم يكن تحديدا للوقت الواجب بحيث لايجوز التقديم والتأخير عنه، فهذه الرواية أقوى شاهد على ما ذهب إليه الشمهور من أن التحديد بذلك إنما هو لبيان وقت الفضل لاالاجزاء.

وممايدل على ذلك أيضا قولهعليه‌السلام في صحيحة زرارة: أحب الوقت إلى الله عزوجل أوله، حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة، فإن لم تفعل فإنك

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩٨ بباب ٥ من أبواب المواقيت، ح ١٣ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٦٢

في وقت منهما حتى تغيب الشمس(١) .

ضرورة أنه كالصريح في امتداد الوقت إلى الغربو، وإن كان أوله أفضل لانه أحب إلى الله، خصوصا بعد قوله " فإن لم تفعل " الظاهر في عدم الفعل اختيارا، إذ لايحسن التعبير ب‍ " إن لم تفعل " فيما إذا كان معذورا من الفعل، بل حق التعبير حينئذ أن يقال: فإن لم تتمكن، أو لم نقدر، أو كنت معذورا، وأمثال ذلك مما يدل على الاضطرار.

هذا مضافا إلى أن في نفس هذه الاخبار ما يدل على ذلك، كقولهعليه‌السلام في صحيحة إبن سنان في حديث: لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما، ولاينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت من شغل أو نسي(٢) ، الحديث. بداهة ظهور " لاينبغي " في كون آخر الوقت أيضا وقتا للاجزاء وإن كان التأخير مرجوحا، وقولهعليه‌السلام " أوله رضوان الله وآخره عفو الله "(٣) وأمثال ذلك من التعبيرات الدالة بنفسها على جواز التأخير اختيارا، وإن كان أوله أفضل.

هذا كله مع أن بعض الاخبار الدالة على خروج الوقت إذا صار الظل أربعة أقدام لابد من حملها على التقية أو طرحها، فإن ماورد من أن الحائض إذا طهرت بعد مضى أربعة أقدام من الزوال تصلي العصر لخروج وقت الظهر بذلك(٤) . مما لايمكن الالتزام به، بل هو مجمع على بطلانه، بداهة أن الحيض من أوضح مصاديق العذر والاضطرار فلابد من طرحها أو حملها على التقية.

وبالجملة: لاحاجة إلى إطالة الكلام في ذلك، فإن ملاحظة الاخبار تكفي في

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٨٧ باب ٣ من أبواب المواقيت، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٨٧ باب ٣ من أبواب المواقيت، ح ٤ وفيه: " اول الوقتين ".

(٣) الوسائل: ج٣ ص ٩٠، باب ٣ من أبواب المواقيت، ح ١٦.

(٤) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٨، باب ٤٩ من أبواب الحيض، ح نقلا بالمضمون. [ * ]

٦٣

حمل الاخبار المفصلة على الفضيلة، هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

بقي الكلام في الموضع الثاني: وهي الجمع بين نفس الاخبار المحددة المفصلة، فإنه قد عرفت اختلافها في ذلك أيضا، فبعضها تحديد بالمثل للظهر والمثلين للعصر، وهو منتهى ماورد من التحديد، وبعضها تحديد الظهر بالقدم والعصر بالقدمين، وهو أقل التحديدات، وما بينهما من القدمين والاربعة والستة متوسطات، ولايبعد حمل هذا الاختلاف على بيان مراتب الفضل وأن أوله بل أول الزوال كما ورد أن أول الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة(١) ، الحديث القدم للظهر والقدمان للعصر، وآخره المثل للظهر والمثلان للعصر وأن الاول أفضل، ولا بأس بالتزام عدم دخول وقت فضيلة العصر قبل القدمين وإن فرغ من الظهر قبل ذلك.

بل يمكن أن يستشعر من بعض الاخبار أن ما شرع أولا إنما هو التفريق بين الظهرين وان الجمع رخصة، كما يظهر ذلك مما ورد في نزول جبرئيلعليه‌السلام في اليوم الاول بوقت كذا وفي اليوم الثاني بوقت كذا(٢) . فراجع.

وحاصل الكلام: أن الاخبار في الباب مضطربة غاية الاضطراب، فإن في بعضها نفي التحديد رأسا، كقولهعليه‌السلام بعد السؤال عن اختلاف الاخبار المروية عن آبائهعليهم‌السلام " لا المقدم والا القدمين.. إلخ "(٣) وفي بعضها تحديد الظهر بالقدم والعصر بالقدمين، كما في قولهعليه‌السلام " والنصف من ذلك أحب إلي " بعد السؤال عنه عن فعل الظهر بالقدمين والعصر بأربعة أقدام، وبعضها التحديد بالقدمين للظهر وأربعة للعصر، وفي بعضها التحديد بالمثل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٨، باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٢٩ وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١١٤، باب ١٠ من أبواب المواقيت، ح ٥.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٩٨، باب ٥ من أبواب المواقيت، ح ١٣. [ * ]

٦٤

والمثلين على اختلاف بينها في أن ذلك منتهى الوقت كما في أكثر روايات المثل والمثلين، أو أول الوقت كما في بعضها الآخر، وفي بعضها تحديد العصربستة أقدام في طرف الانتهاء وغير ذلك من الاختلافات. والانصاف أن هذه الاختلافات أقوى شاهد على أن التحديد بذلك ليس للوقت الاجزائي، بل إنما هو لبيان مراتب الفضل. ولكن المتحصل من مجموع الاخبار على ما عليها من الاختلاف: هو أن آخر وقت فضيلة العصر المثلان، وآخر وقت فضيلة الظهر المثل، وما دل على أمر الامامعليه‌السلام لزراة من فعل الظهر بعد المثل والعصر بعد المثلين(١) فمحمول على أن ذلك كان لمصلحة اقتضت إلى عدم فعل زرارة الظهر والعصر في وقت الفضيلة.

وعلى كل حال لايمكن القول بأن وقت الفضيلة إنما هو بعد المثل والمثلين، لمخالفته للاجمماع وصريح عدة من الروايات بأن ذلك آخر الوقت لاأوله، فما ورد في بعض الاخبار من أن أول الوقت هو بعد ذلك مطروح أو مؤول.

وأما أو الوقت للمتنفل هو القدم للظهر والقدمان للعصر، فإن ذلك أقل ما ورد من التحديد، بل يمكن أن يقال: إن أول وقت الفضل هو ذلك لغير المتنفل أيضا، وإن ما ورد من التعليل بأن التحديد إنما كان من جهة النافلة فمحمول على أن ذلك إنما هو لبيان حكمة التشريع لاعلته، بحيث يكون أول الزوال أول وقت الفضيلة لغير المتنفل. ولكن ينافي ذلك ما ورد من أن أول الزوال هو أول الوقت في خصوص يوم

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٥، باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ١٣. [ * ]

٦٥

الجمعة والمسافر(١) . فإن ذلك يشعر بأن الفضل لغير المتنفل هو فعله في أول الوقت، والوجه في تخصيص المسافر ويوم الجمعة إنما هو لمكان سقوط النافلة في ذلك.

وعلى أي حال، المراد من المثل أو المثلين والقدم والقدمين إنما هو بملاحظة الظل الحادث بعد انعدامه أو انتهاء نقصانه، وأن المراد ملاحظة مجموعو الظل من الباقي والحادث، بداهة عدم إمكان إرادة ذلك، فإنه ربما يكون الظل الباقي بقدر المثل باعتبار اختلاف الامكنة والازمنة، فيلزم أن لايكون حينئذ للظهر وقت فضيلة، فتأمل جيدا. وعليك بملاحظة الاخبار الواردة في الباب، فإن المقام لايسع أزيد من ذلك.

المقام الثاني: في بيان آخر وقت المغرب والعشاء، وأول وقت العشاء، فنقول: أما أول وقت العشاء فالمشهور أنه بعد الفراغ من المغرب، وإن كان قبل سقوط الشفق المفسر في الاخبار بذههاب الحمرة المغربيه، لاالبياض المعترض بالافق، فإنه يبقى تقريبا إلى ثلث الليل.

وقيل: إن أول وقت العشاء إنما هو بعد سقوط الشفق، فلايجوز تقديمها عليه إلا لصاحب العذر، للاخبار الدالة بظاهرها على ذلك، كما في خبر نزول جبرئيل بصلاة المغرب قبل ذهاب الشفق، وبصلاة العشاء بعده(٢) . ومفهوم قولهعليه‌السلام " لابأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق " وغير ذلك مما يظهر منه عدم دخول وقت العشاء للمختار قبل ذهاب الشفق.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٥، باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ١١ نقلا بالمعنى.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١١٤، باب ١٠ من أبواب المواقيت، ح ٣. [ * ]

٦٦

والاقوى ما عليه المشهور من دخول وقتها قبل ذلك، وان كان الافضل تأخيرها عن ذلك، وذلك لما ورد في عدة من الروايات من فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب والعشاء قبل سقوط الشفق من غير علة ولاعذر، كما هو صريح الروايات(١) به، وعلل في بعضها بأن فعله ذلك ليتسع الوقت على امته.

ولرواية زرارة قال: سالت أبا جعفرعليه‌السلام وأبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق، فقالا: لابأس به(٢) . وغير ذلك مما دل بالخصوص على دخول وقت العشاء قبل سقوط الشفق، مضافا إلى العمومات والاطلااقت الوارده في صلاة العشاء‌ين، كقولهعليه‌السلام " إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين، إلا أن هذه قبل هذا "(٣) . وحينئذ لابد من حمل ما ورد على فعل العشاء بعد الشفق على الافضلية، وأن الافضل هو تأخير العشاء عن ذلك إلى ربع الليل أو ثلثه.

وأما آخر وقت العشاء‌ين فالمشهور أنه يمتد إلى النصف مطلقا حتى بالنسبة إلى المختار.

وقيل: إن آخر وقت المغرب هو سقوط الشفق للمختار، وأما المضطر فيمتد وقته إلى الربع أو الثلث أو النصف أو إلى ما قبل طلوع الفجر بمقدار فعل العشاء على اختلاف الاقوال في ذلك، وكذا الاقوال في طرف العشاء، فقيل: إن آخر وقته للمختار الربع أو الثلث على اختلاف القولين في ذلك، ومن الربع إلى الثلث أو النصف أو الطلوع، وكذا من الثلث إلى النصف أو الطلوع وقت للمضطر.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٢، باب ٣٢ من أبواب المواقيت، ح ٨.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٤٨، باب ٢٢ من أبواب المواقيت، ح ٥.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٢، باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٤. [ * ]

٦٧

والاقوى ما عليه المشهور من امتداد الوقت مطلقا إلى النصف، ولابد من حمل الاخبار الواردة على أن آخر وقت المغرب هو سقوط الشفق أو ربع الليل أو ثلثه، وكذا ما دل على أن آخر وقت العشاء هو الثلث أو الربع على بيان وقت الفضيلة ومراتبها لا الاجزائي، لعين ما تقدم في الظهرين.

وحاصله: أنه وإن كان مقتضى القواعد الاصولية هو حمل المطلقات الدالة على امتداد الوقت إلى النصف على خصوص المضطر، من جهة المقيدات الدالة على أن آخر وقت المغرب لغير صاحب العذر هو سقوط الشفق أو الربع أو الثلث، وعلى أن آخر وقت العشاء هو الربع أو الثلث لغير ذلك أيضا، إلا أن في المقام قرائن تدل على أن المراد من المقيدات المحددة إنما هو الوقت الفضيلي لاالاجزائي، وأن تلك التحديدات إنما هي مراتب الفضل، وذلك لما ورد في عدة من الروايات على جواز تأخير المغرب عن الشفق بلاعدر، وكذا تأخير العشاء عن الثلث أو الربع.

ولنذكر بعض الاخبار الواردة في المقام ليتضح حقيقة الحال، ففي رواية حريز عن زرارة والفضيل قالا: قال أبوجعفرعليه‌السلام : إن لكل صلاة وقتين، غير المغرب فإن وقتها واحد، ووقتها وجوبها، ووقت فوتها سقوط الشفق(١) . وفي معناها عدة روايات ظاهرة الدلالة في أن آخر وقت المغرب هو سقوط الشفق لكن مع تقييدها بغير علة، كقولهعليه‌السلام : من أخر المغرب حتى تشتبك النجوم من غير علة فانا إلى الله منه برئ(٢) . وقد أفتى بمضمونها بعض الاصحاب، وفي رواية عمر بن يزيد قال: قال أبوعبدالله: وقت المغرب في السفر

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٧، باب ١٨ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٨، باب ١٨ من أبواب المواقيت، ح ٨. [ * ]

٦٨

إلى ثلث الليل(١) . وفي روايته أيضا قال: قال أبوعبدالله: وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل(٢) . وقال الكليني: إنه روي أيضا إلى نصف الليل(٣) .

فيفهم من هذه الروايات أن آخر وقت المغرب للمضطر بناء على حمل السفر على المثال وأن المقصود مطلق العذر هو الربع، وبه روايات عديدة، وقد أفتى بمضمونها بعضص، أو النصف كما عن الكليني(٤) ، وقال به أيضا قوم، هذا في طرف المغرب.

وأما العشاء ففي رواية عن صاحب الامر عجل الله فرجه أنه قال: ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم(٥) إلخ. وهذه الرواية بظاهرها تدل على أن آخر وقت العشاء هو اشتباك النجوم الذي هو قريب من سقوط الشفق، ولكن الظاهر أنه لم يعمل بها أحد، وفي مضمر معاوية بن عمار: أن وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل(٦) . ويقرب منها رواية الحلبي عن الصادق(٧) ، وأفتى بمضمونها بعض، وقد ورد في عدة من الروايات أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لولا أني أخاف أن أشق على امتي لاخرت العشاء إلى ثلث الليل(٨) . وفي بعض منها أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنت في رخصة منها إلى نصف الليل(٩) . وفي رواية أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا أن أشق على امتي لاخرت العشاء

____________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل:: ج ٣ ص ١٤١، الباب ١٩ من أبواب المواقيت، ح ١ و ٢ و ٣.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٤١، باب ١٩ من أبواب المواقيت، ح ٣.

(٥) الوسائل: ج ٣ ص ١٤٧، باب ٢١ من أبواب المواقيت، ح ٧.

(٦) الوسائل: ج ٣ ص ١٤٦، باب ٢١ من أبواب المواقيت، ح ٤.

(٧) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٥، باب ١٧ من أبواب المواقيت، ح ٩.

(٨) الوسائل: ج ٣ ص ١٤٦ باب ٢١ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٩) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٥ باب ١٧ من أبواب المواقيت، ح ٧ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٦٩

إلى نصف الليل(١) . وروى الكليني إلى ربع الليل(٢) أيضا.

فهذه جملة الاخبار الواردة في المقام، وأنت إذا نظرت في هذه الاخبار على اختلافها تعرف أنها ليست بصدد بيان الوقت الاجزائي، بل إنما هي لبيان وقت الفضل، كما يدل عليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل قوله " لو لا أني أخاف أن أشق " " وأنت في رخصة منها إلى نصف الليل " فإنه يشعر بأن التأخير إلى الثلث ليس من جهة أنه أول الوقت، كما يوهمه ظاهر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله " لاخرت العشاء إلى ثلث الليل " بل لمكان أن آخر الوقت الفضيلي هو الثلث وأنه أفضل من أوله، كما يشعر إليه أن تقديمها على ذلك الوقت إنما هو لمكان خوف المشقة، وإلا فالصبر إلى الثلث أفضل، وإن كان الوقت ممتد إلى النصف.

فيتحصل من هذه الرواية امور ثلاثة: الاول: أن الوقت ممتد إلى النصف بقرينة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله " وأنت في رخصة.. إلخ ". الثاني: أن وقته ا يدخل قبل الثلث. الثالث: أن الثلث آخر وقت الفضيلي وأنه أفضل من غيره، ولا مانع من أن يكون آخر وقت الفضيلي أفضل من أوله، فتكون هذه الرواية مخصصة لما دل على أن أول الوقت أفضل مطلقا في جميع الفرائض.

فظهر أن هذه الرواية بنفسها تكفي في المطلوب من امتداد وقت العشاء مطلقا إلى النصف، وأن ماورد من الثلث والربع محمول على الوقت الفضيلي، هذا بالنسبة إلى العشاء، وقد عرفت أن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله " وأنت في رخصة منها إلى نصف الليل " كاد أن يكون صريحا في الامتداد إلى ذلك مطلقا حتى للمختار، ضرورة أنه لو كان ذلك مخصوصا بالمضطر لما كان معنى لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله " وأنت في رخصة " لعدم مناسبة الرخصة مع كونه مضطرا في التأخير،

____________________

(١) و (٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٤٦، باب ١٧ من أبواب المواقيت، ح ٥ و ٣. [ * ]

٧٠

فإن الرخصة إنما تستعمل في مقام التوسعة والقدرة على الفعل قبل ذلك. اللهم إلا أن يقال بتعميم الاضطرار إلى ما لاينافي ذلك، فتأمل فإن التعميم يلازم القول بالامتداد إلى النصف اختيارا، هذا كله مضافا إلى المطلقات التي كادت أن تكون متواترة والشهرة المحققة.

وأما المغرب فامتداد وقته إلى النصف من جهة عدم القول بالفصل بينه وبين العشاء، فكل من قال بامتداد وقت العشاء إلى النصف اختيارا قال به في المغرب أيضا، هذا. مضافا إلى الادلة الخاصة من جواز تأخير المغرب عن الشفق اختيارا، كما في رواية عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز أن تؤخر ساعة؟ قال: لابأس إن كان صائما أفطر ثم صلى، وإن كانت له حاجة قضاها ثم صلى(١) . فإن إطلاق الحاجة وعدم تقييدها يدل على جواز التأخير لاي حاجة، وهذا كما ترى يساوق جواز التأخير اختيارا.

وفي رواية داود الصرمي قال: كنت عند أبي الحسن الثالثعليه‌السلام يوما، فجلس يحدث حتى غابت الشمس، ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث، فلما خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب(٢) ، الحديث. وفي رواية إسماعيل قال: رأيت الرضا وكنا عنده لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم، ثم قام فصلى بنا على باب دار إبن أبي محمود(٣) .

وإذا جاز التأخير عن الشفق اختيارا فلا محالة يكون ممتدا إلى النصف، لضعف القائل بالتفصيل، فحينئذ يجب حمل الاخبار المحددة في طرف المغرب

____________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل: ح ٣ ص ١٤٣، باب ١٩ من أبواب المواقيت، ح ١٢ و ١٠ و ٩. [ * ]

٧١

والعشاء إلى بيان وقت الفضيلة وأن أول وقت الفضل للمغرب هو ذهاب الحمرة، كما يدل عليه المطلقات من أفضلية أول الوقت، ودونه في الفضل الربع، ودونه الثلث، وكذا أول وقت فضيلة العشاء سقوط الشفق، وآخره الثلث، لكن هنا التاخير إلى الثلث أفضل عكس المغرب والظهرين فإن أول أوقاتها يكون أفضل.

هذا كله بالنسبة إلى جواز تأخير العشاء‌ين عن الربع والثلث إلى النصف اختيارا. وأما جواز تأخيرها عن النصف إلى الطلوع إما اختيارا كما نسب إلى بعض، أو اضطرارا كما عن المعتبر(١) والمدارك(٢) ، فمجمل القول فيه: أنه قد وردت عدة من الروايات وفيها الصحاح أن وقت العشاء‌ين ممتد إلى الطلوع لكن في خصوص النائم والناسي والحائض.

ففي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: إن نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلي كلتيهما فليصليهما، وإن خشي أن تفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة(٣) . وفي خبر عبدالله بن سنان: إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء(٤) . وفي طريق آخر: إن طهرت قبل الفجر(٥) .

وفي رواية عبيدالله بن زرارة: لاتفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس،

____________________

(١) المعتبر في شرح المختصر: ص ١٣٨، ص ١٥ من كتاب الصلاة.

(٢) مدارك الاحكام: ص ١١٩، س ٢٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢، باب ٦٢ من أبواب المواقيت، ح ٣، وفيه اختلاف يسير.

(٤) الوسائل: ج ٢ ص ٦٠٠، باب ٤٩ من أبواب الحيض، ح ١٠.

(٥) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٩ و ٦٠٠ باب ٤٩ من أبواب الحيض، ح ٧ و ١٢ نقلا بالمضمون. [ * ]

٧٢

ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس(١) .

ومقتضى إطلاق الرواية الاخيرة هو امتداد الوقت إلى الفجر مطلقا ولو اختيارا، خصوصا بعد قولهعليه‌السلام " لاتفوته صلاة النهار حتى تغيب الشمس " بل يمكن أن يقال: إن الظاهر من خبر طهر الحائض هو ذلك أيضا، بقرينة قولهعليه‌السلام " إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر " بداهة جواز تأخير الظهر والعصرإلى الغروب وإن طهرت قبله بكثير، فينبغي أن يكون العشاء‌ين كذلك، لانهما جعلا في الرواية على نسق واحد، فتأمل.

ولعل هذا أوجب القول بامتداد وقت العشاء‌ين مطلقا إلى الغروب، وإن قال في الجواهر من أنه لم يعرف قائله(٢) ، والانصاف أنه ينبغي أن لايعرف قائله، فإن القول بذلك في غاية السقوط، لتصريح جملة من الاخبار في أن منتهى وقت العشاء‌ين هو النصف، فلو أخذنا بإطلاق هذه الرواية من امتداد الوقت إلى الطلوع اختيارا تكون معارضة لتلك الاخبار بالتباين، ولايريب أحد في ترجيح تلك الاخبار لكثرتها، بل ربما يدعى تواترها، وشهرتها بين الرواة، وعمل الاصحاب عليها، مع أنه قد عرفت أنه لم يعلم القائل بامتداد الوقت إلى الطلوع اختيارا.

فلا إشكال في سقوط هذا القول، وسقوط ما يمكن التمسك به له، أما رواية عبيدالله بن زرارة فلضعف سندها، على ما في الجواهر(٣) ، وأما رواية الحائض فلان موردها هو الاضطرار، فليس فيها إطلاق بالنسبة إلى غير الاضطرار، ومجرد ذكر الظهرين قبله لايكون قرينة على ذلك، مع أنه على فرض صحة السند في

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١١٦، باب ١٠ من أبواب المواقيت، ح ٩.

(٢) و (٣) جواهر الكلام: ج ٧ ص ١٥٦ و ١٥٨. [ * ]

٧٣

الاولى وصحة الدلالة في الثانية لابد من طرحها لموافقتها للعامة لكن في خصوص العشاء، لان المغرب لايمتد عندهم إلى الطلوع بل وقته عندهم ضيق وأن آخره سقوط الشفق، فتأمل جيدا.

بقي الكلام في ما ينقل عن المعتبر(١) والمدارك(٢) بل الشيخ في الخلاف(٣) من امتداد الوقت إلى الطلوع بالنسبة إلى المضطر، ومستندهم ما تقدم من قول الصادقعليه‌السلام " إن نام الرجل ولم يصل صلاة العشاء والمغرب(٤) .. إلخ " وهو وإن كان مخصوصا بالنوم والنسيان، إلا أنه بعد إلقاء الخصوصية يكون الحكم عاما لمطلق المضطر، وبه يقيد ما دل على النصف من المطلقات الشاملة بإطلاقها المضطر والمختار.

ولايمكن أن يقال بأن غاية ما يدل عليه الصحيح هو فعل العشاء‌ين قبل الفجر لو استيقظ أو تذكر بعد الانتصاف وهو أعم من الاداء والقضاء، فلعل أن تكون العشاء‌ين بعد الانتصاف قضاء ولكن يجب قضاؤهما قبل الفجر، غاية الامر أنه يكون من الادلة الدالة على تعجيل القضاء بالنسبة إلى خصوص النائم والناسي، فتكون المطلقات حينئذ أخص من هذا الصحخيح، لان المطلقات تدل على خروج الوقت بعد الانتصاف وتكون الصلاة قضاء، وهذه الصحيحة تدل على وجوب فعل العشاء‌ين قبل الفجر ولاتعرض لها للادائية والقضائية، فلابد من حملها على صورة القضاء كما هو الشأن في صناعة الاطلاق والتقييد، وذلك لان قولهعليه‌السلام في آخر الصحيحة " وإن خشي أن تفوته أحدهما فليبدأ

____________________

(١) المعتبر في شرع المختصر: ص ١٣٨ س ١٥ من كتاب الصلاة.

(٢) مدارك الاحكام: ص ١١٩ س ٢٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الخلاف: ج ١ ص ٢٦٤ مسألة ٨ من كتاب الصلاة، طبع مؤسسة النشر الاسلامي قم.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٩ باب ٦٢ من أبواب المواقيت، ح ٣. [ * ]

٧٤

بالعشاء الآخرة " ينفي هذا المعنى، بداهة أنه لو كانت قضاء لم يكن وجه لسقوط الترتيب وفعل العشاء قبل المغرب، ودعوى سقوط الترتيب في القضاء في هذا المورد بعيد جدا.

فالانصاف أن الصحيحة في حد نفسها ظاهرة الدلالة في امتداد الوقت للناسي والنائم إلى الطلوع، ولايمكن الحمل على التقية لان الحمل على التقية فرع التعارض وعدم الجمع الدلالي، وفي المقام ليس كذلك لان الجمع الدلالي ممكن، لما عرفت من أخصية هذه الصحيحة بالنسبة إلى المطلقات، وفي كل مورد كان أحد الدليلين أخص مطلقا من الآخر يجمع بينهما بحمل المطلق على الخاص ولاتصل النوبة إلى ملاحظة التقية، اللهم إلا أن يكون الخاص بنفسه مشتملا على قرائن التقية، وهذا في المقام مفقود أيضا، فلا يمكن الخدشة في دلالة الرواية على ماذهب إليه في المعتبر(١) والمدارك(٢) والشيخ(٣) على احتمال إلا من حيث تعميم الاضطرار، مع أن في الرواية لم يذكر إلا خصوص النوم والنسيان.

والانصاف أن إلقاء الخصوصية ليس بذلك البعد، بل في رواية زرارة التصريح بذلك قال: وقال الصادقعليه‌السلام : لاتفوت الصلاة من أراد الصلاة، لاتفوت صلاة النهار حتى تغرب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر وذلك للمضطر والعليل والناسي(٤) .

نعم هذه الصحيحة لها معارض في خصوص النوم، وهو مرفوعة إبن مسكان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى

____________________

(١) المعتبر في شرح المختصر: ص ١٣٨ س ١٥ من كتاب الصلاة.

(٢) مدارك الاحكام: ص ١١١٩ س ٢٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الخلاف: ج ١ ص ٢٦٤ مسألة ٨ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائلك ج ٣ ص ٩١ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٣، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٧٥

يمضي نصف الليل فليقض صلاته وليستغفر الله(١) .

ودعوى أعمية القضاء من فعل الشئ في خارج الوقت مما لاشاهد عليها بعدما كان الظاهر منه هو ذلك، خصوصا بعد قوله " فلم يستيقط حتى يمضي نصف الليل " إذ لو كان القضاء بمعنى فعل الشئ ولو في وقته لم يكن وجه لهذا التقييد كما لايخفى، فدلالة هذه الرواية على خروج الوقت بعد النصف بالنسبة إلى النائم في غاية الوضوح، فتكون معارضة مع أحد جزئي تلك الصحيحة، ولا إشكال في ترجيحها على الصحيحة، لموافقتها للمطلقات ومخالفتها للعامة.

وحينئذ ينهدم ما ذكرناه من استفادة التعميم لمطلق العذر من جهة إلغاء الخصوصية مع قطع النظر عن رواية زرارة(٢) ، إذ لم يبق في الصحيحة إلا مورد واحد وهو النسيان، ومجرد ورود دليل على امتداد الوقت للناسي إلى الطلوع أو هو والحيض مع قطع النظر عن الاشكال الوارد فيما يدل عليه كما تقدم لايمكن استفادة العموم وتسرية الحكم لكل عذر. فالقول بامتداد الوقت إلى ذلك بالنسبة إل كل مضطر خال عن الدليل، وما في رواية زرارة يحتمل إرادة النافلة منه، فتأمل فإنه بعيد، هذا.

مع ما قيل من إعراض المشهور عن هذه الاخبار وعدم العمل بها، وموافقتها للتقية، ولكن مع ذلك لاينبغي ترك الاحتياط بعدم التعرض لنية الاداء والقضاء، وإن أخر العشاء‌ين إلى ذلك عمدا، فضلا عن صورة العذر وخصوصا الناسي، فتأمل جيدا.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٦ باب ٢٩ من أبواب المواقيت، ح ٦.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٩١ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٣. [ * ]

٧٦

تنبيه: لايخفى أن ما ذكرنا من امتداد الوقت إلى النصف يراد النصف من الغروب إلى طلوع الفجر لاالنصف باعتبار طلوع الشمس، فإن ما بين الطلوعين لايعد من الليل لافي اللغة ولا في الشرع، ولم ينقل القول به أيضا من أحد إلا من الاعمش، ومخالفته لاتضر بتحقق الاجماع المحكي والمحقق.

وقد ورد في غير مورد من الكتاب والسنة إطلاق النهار واليوم على ما بعد طلوع الفجر، كإطلاق الليل على ما قبل ذلك، بل نقل عن البحار(١) وجود مائة خبر يدل على أن ما بين الطلوعين ليس من ساعات الليل، فلا يحتاج إلى ذكر الادلة وتفصيلها، فإن المسألة أوضح من ذلك، وإن أردت أن تستحضر عن تفصيلها فعليك بمراجعة الجواهر في باب المواقيت(٢) ، فإنه قد أطال الكلام في ذلك، وأتى بما يغني عن غيره.

بيان أول وقت صلاة الصبح وآخره

أما أوله فالظاهر قيام الاجماع من الخاصة على أنه هو طلوع الفجر الثاني المعترض على الافق كالقبطية البيضاء، وهو المعبر عنه بالفجر الصادق، في مقابل الفجر الكاذب الذي يظهر قبل ذلك وهوكذنب السرحان، مضافا إلى تواتر الاخبار بذلك من غير أن يوجد لها معارض، سوى ما ربما يتوهم من خبر إن مهزيار قال: كتب أبوالحسن الحصين

____________________

(١) بحار الانوار: ج ٨٠ ص ٧٤ باب ١ من أبواب النجاسات والمطهرات وأحكامها.

(٢) جواهر الكلام: ج ٧ ص ٧١.

٧٧

إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام معي: جعلت فداك أختلف مواليك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الاول المستطيل في السماء، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الافق واستبان، ولست أعرف أفضل الوقتين فاصلي فيه، فإن رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده لي، وكيف أصنع مع القمر والفجر لايتبين معه حتى يجهر ويصبح، وكيف أصنع مع الغيم، وما حد ذلك في السفر والحضر، فعلت إن شاء‌الله. فكتب بخطه وقرأته: الفجر يرحمك الله هو الخيط الابيض المعترض، وليس هو الابيض صعدا، فلا تصل في سفرلا ولاحضر حتى تبينه(١) ، الحديث.

فإن ظاهر السؤال المفروغية عن أن الفجر الاول كان وقتا لصلاة الصبح وكانت بعض الموالي تصليها فيه، وإنما سأل عن أفضل الوقتين، ولكن هذا لايصلح للمعارضة بعد جوابهعليه‌السلام وتعيينه الفجر بالفجر الصادق، فلعل صلاة بعض الموالي في الفجر الكاذب كان من أجل التقية، إما من عند أنفسهم، وإما من حيث أمرهم بذلك، وإن لم يوجد فيما بأيدينا من الاخبار أمر الموالي بالصلاة في الفجر الكاذب وعلى أي لاإشكال ولاخلاف في أن الميزان هو الفجر الصادق، بل هو من ضروريات المذهب. إنما الاشكال في آخره، فالمشهور على أنه يمتد إلى طلوع الشمس اختيارا، وإن كان الفضل عدم تأخيرها من طلوع الحمرة المشرقية وأن ذلك آخر وقت فضيلتها.

وقيل: إن الامتداد إلى ذلك إنما هو للمضطر، وأما المختار فآخر وقتها هو طلوع الحمرة المشرقية.

فمما يدل على المشهور قول أبي جعفرعليه‌السلام : وقت صلاة الغداة ما بين طلوع

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٣ باب ٢٧ من أبواب المواقيت، ح ٤، وفيه: حتى يحمر ويصبح. [ * ]

٧٨

الفجر إلى طلوع الشمس(١) . كما في رواية زرارة. وفي حديث عبيد بن زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لاتفوت صلاة الفجر حتى تطلع الشمس(٢) .

وهذا وإن كان مطلقا بالنسبة إلى المختار والمضطر إلا أنه ليس في المقام ما يصلح للتقييد، فإن ما ورد من التحديد بطلوع الحمرة المشرقية لغير صاحب العذر الذي تمسك به القول الآخر المقابل للمشهور ظاهر في إرادة الوقت الفضيلي لا الاجزائي، ولابأس بذكر بعضها ليعلم حقيقة الحال.

ففي رواية أبي بصير المكفوف قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال: إذا كان الفجر كاقبطية البيضاء، قلت: فمتى تحل الصلاة؟ فقال: إذا كان كذلك، فقلت: ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقالعليه‌السلام : لا، إنما نعدها صلاة الصبيان، ثم قال: إنه لم يكن يحمد الرجل أن يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه(٣) .

وفي صحيحي إبن سنان(٤) والحلبي(٥) عن الصادقعليه‌السلام : لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء، ولاينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام. وفي الموثق في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلي المكتوبة من الفجر إلى أن تطلع الشمس(٦) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٥٢ باب ٢٦ من أبواب المواقيت، ح ٦، وفيه: صلاة الغداة.

(٢) الوسائل: ج ٣، ص ٥٢ باب ٢٦ من أبواب المواقيت، ح ٨.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٥٥ باب ٢٨ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٥١ باب ٢٦ من أبواب المواقيت، ح ٥، وفيه: وأول الوقتين.

(٥) الوسائل: ج ٣ ص ١٥١ باب ٢٦ من أبواب المواقيت، ح ١.

(٦) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٢ باب ٢٦ من أبواب المواقيت، ح ٧، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٧٩

ولو سلك أحد مسلك الانصاف يقطع بأن هذه الاخبار ليست بصدد بيان الوقت الاضطراري وأن الوقت الاختياري لايمتد إلى الطلوع، كما يشعر إليه قولهعليه‌السلام " ولاى ينبغي تأخير ذلك عمدا " وقولهعليه‌السلام " إنما نعده صلاة الصبيان " وقولهعليه‌السلام بعد ذلك " وإنه لم يكن يحمد الرجل " فإن الظاهر من هذه التعبيرات هو مرجوحية التأخير إلى طلوع الشمس وأن الفضل تقديمها على ذلك، مضافا إلى التصريح بالافضلية في الصحيحين المتقدمين، نعم ليس في الاخبار ما يدل على امتداد وقت الفضيلة في الصحيحين المتقدمين، نعم ليس في الاخبار ما يدل على امتداد وقت الفضيلة إلى طلوع الحمرة المشرقية، بل الموجود فيها " إلى أن يتجلل الصبح السماء " أو " يسفر " وكأنهم فهموا منه ذلك وأن تجلل الصبح واسفراره يكون مقارنا لظهور الحمرة(١) في طرف المشرق.

فظهر أن الاقوى امتداد وقت صلاة الصبح إلى طلوع الشمس مطلقا حتى للمختار، وأن الاخبار المحددة كلها لبيان وقت الفضل، بل الانصاف أن ظهور الاخبار المحددة في صلاة الصبح في بيان وقت الفضيلة أقوى بمراتب من ظهور الاخبار المحددة في الظهرين والعشاء‌ين وظهر أيضا أن آخر وقت فضيلة الصبح هو طلوع الحمرة المشرقية، وإن كان أول الفجر أفضل كما صرحت به الصحيحتان، ولاعبرة بالحمرة المغربية على تقدير عدم مقارنتها لطلوع الشمس، كما يدل عليه رواية دعائم الاسلام عن الصادقعليه‌السلام : إن أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في افق المشرق، وآخر وقتها أن يحمر افق المغرب، وذلك قبل أن

____________________

(١) بل في بعض الروايات ما يدل على ذلك كما في صحيحة إبن يقطين سألت أباالحسنعليه‌السلام الرجل لايصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر (*)، الحديث. فإن الظاهر أن عطف وتظهر الحمرة على الاسفراء من باب عطف التفسير فتأمل جيدا " منه ".

(*) الوسائل: ج ٣ ص ١٩٣ باب ٥١ من أبواب المواقيت، ح ١. [ * ]

٨٠