كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 19672
تحميل: 5098


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19672 / تحميل: 5098
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

يبدو قرن الشمس من افق المشرق بشئ لاينبغي تأخيرها إلى هذا الوقت لغير عذر، وأول الوقت أفضل(١) . ونحوه المحكي عن فقه الرضا(٢) عليه‌السلام . وهذا كما ترى يدل على أن آخر وقت الفضل أو آخر وقت الاجزاء هو احمرار افق المغرب لغير المضطر. لكن الظاهر أنه لم يعمل به أحد من الاصحاب، لانعقاد الاجماع على أن آخر وقت الفضل أو الاجزاء هو احمرارافق المشرق، هذا مضافا ما عن البحار من أن اعتبار احمرار المغرب غريب، وقد جربت أنه إذا وصلت الحمرة إلى افق المغرب يطلع قرن الشمس(٣) . مع أن الرواية صريحة بخلافه، وعلى أي حال إلاشكال في سقوط هذا الجزء من الرواية لعدم العمل بها. هذا تمام الكلام في أوقات الفرائض اليومية.

أوقات النوافل اليومية

فالمشهور أن وقت نافلة الظهر من الزوال إلى القدمين، ووقت نافلة العصر إلى أربعة أقدام.

وقيل: إن الظهر إلى المثل، والعصر. إلى المثلين الذي هو آخر وقت فضيلة الفريضتين.

وقيل: يمتد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة. والاقوى ما ذهب إليه المشهور، ويدل عليه عدة روايات، ففي رواية إبن مسكان عن زراره قال: قال لي أبوجعفرعليه‌السلام : أتدري لم جعل الذراع

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ١ ص ١٣٩، وفيه " ولاينبغي ".

(٢) فقه الرضا: ص ٧٤.

(٣) بحار الانوار: ج ٨٣ ص ٧٤ باب وقت صلاة الفجر ونافلتها.

٨١

والذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة(١) . وفي معناها عدة روايات اخر.

وأما امتداد وقت النافلة إلى المثل والمثلين فلم يدل عليه دليل، سوى ما يتوهم من دلالة الاخبار المفسرة للذراع بالقامة عليه، وهي عدة من الروايات.

ففي رواية زرارة(٢) وعبدالله بن سنان(٣) عن أبي عبداللهعليه‌السلام : كان حائط مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر. وهذا بظاهره يدل على أن القامة غير الذراع، بقرينة " من " الظاهرة في التبعيض، ولكن بعد البناء على أن الحائط بقرينة ما ورد من تفسير القامة بالذراع كان ذراعا يتم المطلوب، فإنه يصير المعنى حينئذ أن الحائط كان قدر ذراع، فإذا صار الفئ بذاك المقدار يعني ساوى الظل مقدار ذي الظل كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي الظهر، وإذا صار الظل مقداري ذي الظل صلى العصر، فيكون العبرة بالمثل والمثلين ولابد حينئذ من رفع اليد عن ظهور " من " في التبعيض.

ويجري بهذا المجرى جميع الاخببار الواردة في القامه والقامتين، مع ما ورد عن تفسيرها بالذراع والذراعين، ويكون الذراع حينئذ كناية عن قامة الشاخص بقرينة التفسير، فيكون العبرة بصيرورة الظل بمقدار ذي الظل، وهو المراد من المثل والمثلين.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٦ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٢٠، وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٨ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٢٧.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٤ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٧. [ * ]

٨٢

وفيه: أن مبنى الاستدلال إنما هو على حائط المسجد كان ذراعا، حتى يكون المراد من قولهعليه‌السلام " فإذا مضى من فيئه ذراع " هو صيرورة الظل بقدر ذي الظل، وهذا المعنى لم يثبت بل الثابت خلافه، وأن الحائط كان قدر قامة الانسان كما هو المحكي عن فقه الرضا(١) عليه‌السلام ، ويدل عليه أيضا نفس مافي رواية زرارة وعبدالله بن سنان المتقدمتين، فإن الظاهر من كلمة " من " هو التبعيض، وهو لايستقيم إلا إذا كان مقدار الحائط أكثر من ذراع، وكذا يظهر من صدر الروايتين أيضا، فإن الظاهر من لفظ القامة في قولهعليه‌السلام " كان حائط مسجد رسول الله قامة " هوقامة الانسان، فان هذا هو المنساق من إطلاقها.

والحاصل: أن تمامية الاستدلال موقوف على أن يكون حائط مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قدر ذراع، وهذا مع أنه لم يثبت في نفسه، ينفيه صدر الرواية وذيلها، فإن المنساق من إطلاق القامة التي في صدر لرواية هو قامة الانسان، وظهور لفظة " من " التي في الذيل في التبعيض، فرواية زرارة وعبدالله ابن سنان أدل على اعتبار القدمين والاربعة من اعتبار المثل والمثلين وماورد من تفسير القامة بالذراع لاشهادة فيها على أن الحائط كان قدر ذراع، إذ المستفاد من مجموع الاخبار أنه كان في ذلك الزمان اصطلاح خاص وهو التعبير عن الذراع بالقامة، كما يظهر من الصادقعليه‌السلام : القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب عليعليه‌السلام (٢) ، وقولهعليه‌السلام عند سؤال أبي بصير كم القامة؟ فقال: ذراع(٣) .. إلخ.

____________________

(١) فقه الرضا: ص ٧٦.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٧ باب ٨ من أبواب المواقيت الحديث ٢٦ نقلا بالمضمون.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٦ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ١٦. [ * ]

٨٣

ولكن هذا لايدل على أن كلما استعملت القامة في أي مورد يراد منها الذراع حتى إذا كانت هناك قرينة على الخلاف، فلفظ القامة في رواية زرارة وعبدالله ابن سنان الواردتين في حائط مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يراد منها قامة الانسان بقرينة الذيل وما ورد من استحباب أن يكون حائط(١) قامه أو أكثر على ما قيل وبقرينة المحكي عن فقه الرضا(٢) .

فمن مجمع هذا يستفاد أن الحائط كان قدر قامة الانسان، وهذا لاينافي أن يكون المراد من القامة عند إطلاقها هو الذراع، كما ورد التفسير بذلك في عدة من الروايات، ويكون حينئذ جميع ما ورد من تحديد وقت الظهر والعصر بالقامة والقامتين محمول على القدمين وأربعة أقدام المتساويان للذراع والذراعين.

فإن قلت: لو حملتم لفظ القامة الواردة في الروايات بالذراع، فبم تستدلون على امتداد وقت فضيلة فريضة الظهر والعصر بالمثل والمثلين؟ ويكون حينئذ القول بالامتداد إلى ذلك خال عن الدليل.

قلت: بل يستدل على ذلك بما ورد من التحديد بالمثل والمثلين، كما في قول الصادقعليه‌السلام لسعيد بن هلال: قل لزرارة إذذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر(٣) .

وفي معناها رواية اخرى(٤) ، ولا ملازمة بين أن يكون المراد من القامة هو الذراع وبين أن يكون المراد من المثل ذلك أيضا، بل المراد من المثل هو مثل الشاخص(٥) كما هو واضح.

____________________

(١) هكذا في الاصل، والظاهر سقوط كلمة " المسجد " بعد كلمة " حائط ".

(٢) فقه الرضا: ص ٧٦.

(٢) فقه الرضا: ص ٧٦.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١١٠ باب ٨ من ابواب المواقيت، ح ٣٣.

(٥) لكن الظاهر من رواية زرارة هو بلوغ الظل الاعم من الباقي والحادث بعد الزوال مقدار المثل، وهذا لايستقيم في بعض الازمنة والامكنة، فإنه ربما يكون الظل الباقي أكثر من المثل، فيلزم أن يكون وقت الفريضة قبل الزوال، ولايمكن حملها على خصوص الظل الحادثث، لان قولهعليه‌السلام " إذا كان ظلك مثلك.. إلخ " ينافي ذلك، فإنه لو كان المراد خصوص الظل الحادث لكان حق التعبير أن يقال: إذا صار ظلك مثلك، كما لايخفى، هذا. مضافا إلى أن الظاهر من الرواية هو كون المثل والمثلين أول وقت الفريضة لاآخر، مع أنه ما تضمنته رواية زرارة قضية شخصية لايمكن التمسك بها. فالانصاف أنه بناء على كون المراد من القامة الذارع يكون القول بامتداد وقت فضيلة الفريضة إلى المثل والمثلين خال عن الدليل، فتأمل " منه ".

[ * ]

٨٤

فتحصل: أنه لايمكن الاستدلال على امتداد وقت نافلة الظهرين إلى المثل والمثلين بما ورد من أن حائط كان قامة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مضى من فيئه ذراع يصلي الظهر(١) . إذ الاستدلال بذلك إنما يتم بعد حمل القامة على الذراع، وقد عرفت عدم إمكان ذلك، وقد استدلوا عليه أيضا بامور اخر غير خالية من المناقشة. قالاقوى ما عليه المشهور من امتداد وقت النافلة إلى القدمين وأربعة أقدام.

وأما القول بامتداد وقت النافلة إلى آخر وقت الفريضة فلم يظهر القائل به، وربما نسب إلى الحليرحمه‌الله إلا أنه على تقدير صدق النسبة لم يكن قولا آخر في المسألة، لان بناء الحلي على ما حكي هو أن آخر وقت الفريضة عنده هو المثل والمثلان للمختار، ولم ينقل تصريح منه على امتداد وقت النافلة إلى آخر وقت الاضطراري للفريضة. وعلى أي حال لاشاهد على هذا القول من الاخبار أصلا، سوى ما يتوهم من دلالة الاخبار على عدم وقت للنافلة، وأنها بمنزلة الهدية كل وقت صالح لها على ذلك. وفيه: مع أن هذه الاخبار أعم من المدعي، سيأتي التكلم فيها إن شاء‌الله.

وبناء على المشهور لو لم يصل من نافلة الزوال شئ إلى أن صار الظل قدمين وكذا لم يصل من نافلة العصر شئ إلى أن صار الظل أربعة أقدام،

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٨ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٢٧. [ * ]

٨٥

فلا إشكال في خروج وقت النافلة. وأما لو تلبس منها ولو بركعة زاحم بها الفريضة، لقاعدة " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها " كما في النبوي(١) الشاملة لفريضة والنافلة بتنزيل صلاة النافلة منزلة صلاة واحدة فتأمل ولرواية عمار بن أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث قال: وقت صلاة الجمعة شراك أو نصف، وقال: للرجل أن يصلى الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضى قدمان، وإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات، فإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة إذا زالت الشمس بدأ بالاولى، ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك(٢) ، الحديث. فإن الرواية وإن كانت لاتخلو عن إغلاق وإشكال إلا أن دلالتها على المقصود ظاهرة.

ولافرق فيما ذكرنا بين أن يعلم قبل الشروع في النافلة أنه لم يبق من وقتها إلا ركعة، أو لا يعلم ذلك بأن دخل في النافلة بظن بقاء وقتها، أو كان غافلا وبعدما صلى ركعة ظهر خروج وقتها، لاطلاق القاعدة، لكن على أي حال يعتبر أن تقع ركعة منها قبل القدمين. ثم لايخفى أن ما قلنا من امتداد وقت النافلة إلى القدمين هو امتدادها إلى رأس القدمين لا إلى أن يبقى من القدمين مقدار أداء الفريضة، لان الظاهر من الادلة هو امتداد الوقت إلى نفس القدمين كما هو واضح.

بقي في المقام شئ يجب التنبيه عليه وهو أنه ربما قيل بعدم وقت للنافلة بل جميع النهار صالح لها، وإن كان إيقاعها من الزوال إلى القدمين للظهر والاربعة

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٨ باب ٣٠ من أبواب المواقيت، ح ٣٠.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٧٨ باب ٤٠ من ابواب المواقيت، ح ١، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٨٦

للعصر أفضل، وقد استدل على ذلك بعدة من الروايات، بعضها ظاهرة الدلالة في ذلك. وربما قيل أيضا بجواز فعل النافلة قبل الزوال لكن لامطلقا. بل لمن علم أنه شغله شاغل من فعلها في وقتها.

ويدل عليه أيضا عدة من الروايات. فمما يدل على الاول ما رواه علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال لي: صلاة النهار ست عشرة صلها أي النهار شئت، إن شئت في أوله، وإن شئت في وسطه، وإن شئت في آخره(١) . وعن القاسم بن وليد الغساني عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك صلاة النهار النوافل في كم هي؟ قال: ست عشرة ركعة، في أي ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها، إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل(٢) . وعن أبي عبداللهعليه‌السلام أيضا قال: صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت، فقدم منها ما شئت وأخر منها ما شئت(٣) . وقد استدل على ذلك أيضا بروايات اخر لاتخلو عن المناقشة، كما أن الرواية الاخيرة التي ذكرناها لاتخلو عنها أيضا، لان صلاة التطوع أعم من النوافل اليومية المرتبة، بل ربما قيل بظهور التطوع في التطوع الابتدائي فلا يشمل النافلة.

فالعمدة هو ما ذكرناه من الروايتين الاولتين، فإن الانصاف كونهما ظاهرتي الدلالة في ذلك، وآبية عن حملهما على القضاء أو غيره جدا، فلو خلينا وأنفسنا لكان يلزمنا القول بذلك، ويحمل ما ورد من تحديد النافلة بالقدمين والاربعة على بيان وقت الفضيلة، وأن فعلها عند ذلك يكون أفضل الاوقات.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٣٦ باب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح ١٧.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٣٦ باب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح ١٨، وفيه اختلاف يسير.

وفيه: بن وليد الغفاري.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٧٠، باب ٣٧ من أبواب المواقيت، ح ٨. [ * ]

٨٧

إلا أن الظاهر أنه لم يعمل بهما على الاطلاق، بل ربما ادعي الاجماع على خلاف ذلك، فتأمل جيدا.

ومما يدل على الثاني ما رواه في الكافي(١) والتهذيب(٢) عن الباقرعليه‌السلام من جواز تعجيل نافلة الزوال إذا علم أنه يشتغل عنها. وفي خبر إسماعيل بن جابر قال قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إني اشتغل، قال: فاصنع كما نصنع، صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الاكبر، واعتد بها من الزوال(٣) . وقد استدل على ذلك أيضا بروايات اخر لاتخلو عن المناقشة.

وما ذكرناه ظاهر الدلالة في ذلك، فلو خلينا وأنفسنا أيضا لكان ينبغي العمل بهذه الروايات مع عدم العمل بالطائفة الاولى، لان بين هذه الروايات وبين ما دل على تحديد الوقت بالقدمين وأربعة أقدام أعم أخص مطلقا، لان هذه الروايات مخصوصة بمن يشتغل عنها في وقتها، فمقتضى صناعة الاطلاق والتقييد هو حمل الاخبار المحددة على من لم يشغله عن النافلة في وقتها شئ. ولكن أيضا قيل بعدم العمل بها، إلاأن الظاهر خلافه، لما نقل عن التهذيب وجمع آخر من الاساطين العمل بمضمونها. فالانصاف أن القول به لايخلو عن قوة، هذا تمام الكلام في وقت نافلة الظهرين.

وأما وقت نافلة العشاء‌ين فأول الوقت لنافلة المغرب هو بعد فعل الفريضة، ويمتد إلى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار أداء الفريضة، هذا هو المشهور، وقد نقل الاجماع عليه. وربما مال بعض إلى امتداد وقت نافلة المغرب بامتداد وقت

____________________

(١) الكافي: ج ٣ ص ٤٥٠ باب تقديم النوافل وتأخيرها وقضائها وصلاة الضحى، ح ١.

(٢) التهذيب: ج ٢ ص ٢٦٨ باب ١٣ من أبواب المواقيت، ح ١٠٤.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٩ باب ٣٧ من أبواب المواقيت، ح ٤، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٨٨

الفريضة إلى ما قبل انتصاف الليل.

وقد استدل للمشهور بوجوه: منها: أن المعهود من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ذلك(١) . ومنها: الاخبار الناطقة بأن المفيض إلى عرفات إذا صلى المغرب في المزدلفة يؤخر النافلة إلى ما بعد العشاء(٢) . ومنها: النهي عن التطوع في وقت الفريضة(٣) . ولكن الكل لايخلو عن مناقشة، أما فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلى تقدير ثبوته لادلالة له على خروج وقتها بعد الحمرة، إذ لعل فعله في ذلك الوقت كان من باب أنه كان أفضل أوقاتها.

وأما أخبار المفيض من عرفات فهو إنما لمكان استحباب الجمع بين العشاء‌ين في ذلك المكان كما ذكره الاصحاب. وأما النهي عن التطوع في وقت الفريضة فإنما هو عند تضيق وقت الفريضة، لاأن التطوع في وقت فضيلة يكون منهيا عنه. فلم يقم دليل على ما ذهب إليه المشهور إلا بالتشبث بعدم ثبوت وقت للنافلة زائدا على ذهاب الحمرة، ولابد في العبادة من الاقتصار على القدر المتيقن من التوظيف الواصل، فتأمل. ويمكن الاستيناس للمشهور بامتداد وقت نافلة الظهرين إلى آخر وقت فضيلتهما بمقدار ادائهما، وبامتداد وقت نافلة الصبح إلى آخر وقت فضلها بمقدار أدائها، فيستأنس من ذلك أن آخر نافلة المغرب هو آخر وقت فضيلتها الذي هو

____________________

(١) الوسائل: ج ١٠ ص ٤٠ باب ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ١٠ ص ٤٠ باب ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ١٠ ص ٤٠ باب ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر، ح ٣. [ * ]

٨٩

ذهاب الحمرة المغربية.

ثم إن الكلام في مزاحمة نافلة المغرب لفريضة العشاء هو الكلام في مزاحمة نافلة الظهر لفرضها ونافلة العصر لفرضها، وإن كان بينهما فرق من جهة أن المزاحمة في الظهرين إنما كان بين النافلة وذيها، والمزاحمة في المغرب إنما يكون بين نافلة المغرب وفريضة العشاء. والاقوال في مسألة مزاحمة نافلة المغرب للعشاء ثلاثة، قيل بعدم المزاحمة ولو فرض أنه صلى منها ثلاث ركعات، فلو دخل وقت صلاة العشاء وهو في الركعة الرابعة من النافلة يهدمها. وقيل بالمزاحمة لو صلى منها ركعة بل أقل. وقيل بالمزاحمة في خصوص الصلاة التي بيده بمعنى أنه لو دخل عليه الوقت وهو في الركعتين الاولتين أتمها خاصة وليس له بعد ذلك الشروع في الركعتين الاخيريتين، وإن كان في الاخيرتين أتمها أيضا.

ومنشأ الاختلاف إنما هو من حيث عدم النص في المسألة، ومقتضى القاعدة الاولية هو عدم المزاحمة مطلقا، ولكن لابأس بالتمسك لها بقاعدة " من أدرك "(١) بناء على شمولها للنافلة وكون الاربعة ركعات بمنزلة صلاة واحدة.

وأما وقت نافلة العشاء فهو ممتد بامتداد وقت الفريضة إلى الثلث أو النصف أو الطلوع على الاقوال فيها. وأما وقت صلاة الليل فهو بعد انتصافه، وإن كان تأخيرها إلى السحر وهو الثلث الاخير أو السدس على الاحتمالين فيه أفضل، للاخبار المستفيضة(٢) على أن أول وقتها هو النصف وآخر وقتها هو طلوع الفجر الثاني، ولايجوز تقديمها على

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٧ باب ٣٠ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٨١ باب ٤٤ من أبواب المواقيت. [ * ]

٩٠

الانتصاف إلا لعذر، ولو تلبس منها بأربع زاحم بها فريضة الصبح، كل ذلك للاخبار وعليه المشهور، فلاحاجة إلى إطالة الكلام في ذلك. وقت نافلة الصبح هو طلوع الفجر الاول إلى طلوع الحمرة المشرقية بمقدار أداء الفريضة على المشهور، وقد دل عليه الاخبار(١) .

الاحكام المتعلقة بالمواقيت

وفيه مسائل: الاولى في جواز التطوع في وقت الفريضة.

فاعلم أن هنا مقامين للتكلم الاول في التطوع في وقت الفريضة. الثاني التطوع لمن عليه فريضة، وإن خلط بعض الاعلام بين المقامين وجعلهما من واد واحد، إلا أن الحق أنه لاربط لاحدهما بالآخر.

أما التكلم في المقام الاول فمجمله أنه قد وردت عدة من الروايات ظاهرها المنع عن التطوع في وقت الفريضة، وقد أفتى بمضمونها جمع من الاعلام، ووردت أيضا عدة اخرى مما ظاهرها الجواز ما لم يتضيق وقت الفريضة، لابد أولا من ذكر الاخبار الواردة من الطرفين، ثم نجمع بينهما على ما يقتضيه النظر الصحيح فنقول: أما ما دل على المنع فمنها: الاخبار الواردة في تحديد الذراع والذراعين لنافلة

____________________

(١) إلا أن الانصاف عدم قيام دليل معتد به في امتداد وقت النافلة إلى طلوع الحمرة وإن ذهب المشهور إليه، فراجع. " منه ". [ * ]

٩١

الظهرين، معللا في بعضها أن التحديد بذلك لاجل عدم وقوع التطوع في وقت الفريضة، كقول الباقرعليه‌السلام : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه(١) .

وفي معناه روايات اخر. ومنها: ماورد في ركعتي الفجر من صحيح زرارة عن أبي جعفر قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة(٢) . وقد ورد النهي عن ركعتي الفجر بعد الفجر أو بعد قول المؤذن قد قامت الصلاة في روايات اخر أيضا.

ومنها: ما رواه زرارة أيضا على ما حكي من حبل المتين قال: قلت لابي جعفر: اصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال: لا، إنه لايصلي نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ قال: قلت: لا، قال: فكذلك الصلاة، قال: فقايسني وما كان يقايسني(٣) . وربما احتمل أن هذه الرواية هي التي وردت في ركعتي الفجر التي ذكرناها قبيل هذه وإنما نقلها حبل المتين أو غيره بالمعنى، ويؤيده أنه لم تكن في الكتب الاربعة المعتبرة على ما حكي.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٧ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٢١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٩٢، باب ٥٠ من أبواب المواقيت، ح ٣. وفيه " ثلاثة عشرة ".

(٣) الحبل المتين: الفصل السابع من المقصد الثالث فيما يتعلق بأوقات القضاء وحكم التنفل في وقت الفريضة ص ١٥٠ س ١٣. [ * ]

٩٢

ومنها: موثق إبن مسلم عن أبي جعفر قال: قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر مالي لا أراك تطوع بين الاذان والاقامة كما يصنع الناس؟ قال: قلت: إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخل الفريضة فلا تطوع(١) .

ومنها: خبر أبي بكير عن جعفر بن محمدعليه‌السلام : إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع(٢) .

وفي خبر أديم: لايتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة إلى أن قال: إذا دخل وقت فريضة فابدأبها(٣) .

وغير ذلك من الاخبار الناهية أو النافية عن الدخول في النافلة قبل المكتوبة، أو الآمرة بالبدأة بالفريضة قبل النافلة مما ظاهره الوجوب.

وأما ما دل على الجواز فمنها: الموثقة المروية في الكتب الثلاثة على ما حكي عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله، أيبتدأ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال: إذا كان في وقت حسن فلابأس بالتطوع قبل الفريضة، وإن كان خاف الفوت من أجل مامضى من الوقت فليبدأ وهو حق الله، ثم ليتطوع بما شاء، الامر موسع أن يصلي الانسان في أول وقت دخول وقت الفريضة النوافل، إلا أن يخاف فوت الفريضة والفضل إذا صلى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفرية، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت(٤) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٥ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٣، وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٦ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٧، وفي سنده " عن أبي بكر " وفيه اختلاف يسير.

(٣) الوسائل: ج ٣، ص ١٦٥ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٦.

(٤) الكافي: ج ٣ ص ٢٨٨ باب التطوع في وقت الفريضة، ح ٣ من كتاب الصلاة، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٩٣

ومنها: رواية إبن مسلم قال قلت للصادقعليه‌السلام : إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: إن الفضل أن تبدأ بالفريضة(١) ، الحديث. ومنها: رواية عمار: إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة، ثم اقض ما شئت(٢) . ومنها: خبر يزيد سأل الصادق عن الرواية التي يروون أنه لاينبغي أن يتطوع في وقت فريضة، ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الاقامة، فقال له: إن الناس يختلفون في الاقامة، قال: المقيم الذي تصلي معه(٣) . وفي نسخة الوسائل التي عندي لفظة " لاينبغي " لم تكن، وقد أثبتها في الجواهر، ولعل نسخة الوسائل التي عندي غلط، أو كانت الرواية متعددة.

ومنها: خبر إسحاق بن عمار قلت: اصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال: نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة(٤) . ومنها: رواية أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام : إن فاتك شئ من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس، وبعد الظهر عند العصر، وبعد المغرب، وبعد العمة، ومن آخر السحر(٥) . وغير ذلك مما يظهر منه الجواز.

ولايصغى إلى المناقشة في أسانيد كلتا الطائفتين، فإن في كل منهما صحاح وموثقات ومعمول به.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٧ باب ٣٦ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٧ باب ٦١ من أبواب المواقيت ح ٥، وفيه اختلاف يسير.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٦ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٩، وفيه اختلاف يسير.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٥، باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٥) الوسائل: ج ٣، ص ٢٠١ باب ٥٧ من أبواب المواقيت، ح ١٠. وفيه " من تطوع الليل والنهار". [ * ]

٩٤

وكذا لايصغى إلى ما عن الرياض(١) من حمل الاخبار المجوزة على التقية، فإن فيه مضافا إلى أن ذلك فرع عدم إمكان الجمع الدلالي بين الاخبار وسيأتي إمكان ذلك إن شاء‌الله أن في بعض الاخبار المانعة ما يشعر منه عدم كون الائمةعليهم‌السلام استعملوا التقية في هذه المسألة، كما يظهر بالتأمل في رواية زرارة(٢) الواردة في ركعتي الفجر المشتملة على المقايسة ورواية إبن مسلم(٣) المتقدمتين، فإن الظاهر من قولهعليه‌السلام " أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهررمضان.. إلخ " هو تعليم زرارة طريق المحاجة والمخاصمة مع من يرى جواز التطوع في وقت الفريضة، وليس المراد من قولهعليه‌السلام " اتريد أن تقايس " بيان القياس في حكم الامامعليه‌السلام بعدم جواز ركعتي الفجر بعد الفجر، وأن الامامعليه‌السلام هو بنفسه قاس عدم جواز ذلك على عدم جواز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء رمضان، حتى يصير المعنى أنه يا زرارة كما لايجوز التطوع بالصوم كذلك لايجوز التطوع بالنافلة في وقت الفريضة، فإن ذلك بعد معلومية عدم جواز القياس في الشريعة واستبعاد حكم الامامعليه‌السلام بالقياس خلاف الظاهر، بل الظاهر من الرواية(٤)

____________________

(١) رياض المسائل: ج ١ ص ١١١ س ٢٩ من كتاب الصلاة.

(٢) المستدرك: ج ١ ص ١٩٥، باب ٤٦ من أبواب المواقيت، ح ٣.

(٣) الوسائل: ج ١، ص ٣١٥، باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٣.

(٤) ومايظهر من رواية حبل المتين (*) من أن الامامعليه‌السلام بنفسه قاس المقام بذلك المقام فقد عرفت احتمال وحدة الرواية، مع أنه على تقدير التعدد فلابد من حملها، لانه ليس من شأنه القياس فيما يقوله من الاحكام، مع أنه هو بنفسه يمنع عنه ويحث في عدمه، فلابد من حملها ما لاينافي ذلك " منه".

(*) المستدرك: ج ١ ص ١٩٥ باب ٤٦ من أبواب المواقيت، ح ٣، من دون الاسناد إلى حبل المتين. [ * ]

٩٥

هو تعليم زرارة طريق إلزام الخصم القائل بالقياس، فكأنهعليه‌السلام قال لزرارة قل لهم كيف جوزتم أنتم النافلة في وقت الفريضة مع عدم تجويزكم التطوع بالصوم لمن عليه قضاء رمضان مع أن مذهبكم القياس، وهذا كما ترى يظهر منه أن الامام حكم في هذه المسألة بمر الحق وكان بصدد عدم استعمال التقية، ومع هذا كيف يمكن حمل أخبار الجواز على التقية.

وكذا يظهر ذلك من رواية ابن مسلم(١) ، فإن الظاهر من قولهعليه‌السلام " إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت الفريضة " مداومة الائمةعليهم‌السلام على عدم فعل التطوع في وقت الفريضة، فيظهر منه أنه لم يكن بناء الائمةعليهم‌السلام في هذه المسألة على التقية، هذا كله مع أن الحمل على التقية إنما يكون عند الضرورة، كما اعترف هوقدس‌سره بذلك، ولا ضرورة في المقام، لامكان حمل أخبار المنع على الكراهة والاقلية في الثواب بعد تخصيصها بغير الموارد الخاصة التي ورد فيها استحباب بعض النوافل في أوقات الفرائض، كالغفيلة والوصية الواردتان بين المغرب والعشاء، وكالنافلة في ليلة الجمعة وليال شهر رمضان، وغير ذلك مما لايحصى كثرة.

ومما يدل على أن المراد من النهي أو النفي هو أقلية الثواب والمرجوحية في رواية سماعة المتقدمة " والفضل إذا صلى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة وهو حق الله "(٢) وقولهعليه‌السلام في إبن مسلم " إن الفضل أن تبدأ بالفريضة "(٣) فإن ذلك كالصريح في مفضولية التطوع في وقت الفريضة وأن الارجح تركها، بل يظهر من رواية سماعة أن المرجوحية مختصة بما إذا صلى

____________________

(١) الوسائل: ج ١ ص ١٦٥ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٤ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ١.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٧ باب ٣٦ من أبواب المواقيت، ح ٢. [ * ]

٩٦

الانسان وحده، وأما لو صلى جماعة فلا مرجوحية أيضا في أن يتطوع إلى أن تنعقد الجماعه. واحتمال كون قوله " والفضل.. إلخ.. ليس من قول الامامعليه‌السلام بل من الكليني بعيد غايته وإن لميذكره في التهذيب.

ويظهر هذا المعنى أيضا أي كون المرجوحية مختصة بالمنفرد من روايات اخر، مثل صحيحة إبن يزيد المتقدمة " سأل الصادقعليه‌السلام عن الرواية التي يروون أنه لاينبغي أن يتطوع في وقت فريضة(١) .. إلخ" فإن الامامعليه‌السلام خصص الرواية التي يروونهها بما إذا أخذ المقيم في الاقامة في الجماعة، فإنه يدل على عدم البأس في التطوع قبل انعقاد الجماعة ولو فرض أن الجماعة انعقدت بعد دخول وقت الفريضة بمدة، فيظهر منه عدم مرجوحية التطوع في وقت الفريضة لمن كان منتظرا فضل الجماعة، ويكون الحكم بالمرجوحية مختص بالمنفرد أو بعد انعقاد الجماعة، هذا.

ولكن الظاهر أن الرواية غير متعرضة لحكم المنفرد وأنه بالنسبة إليه مرجوح أو غير مرجوح، بل الرواية تكون مختصة بمسألة الجماعة، وأن ما روي من أنه لاينبغي التطوع في وقت الفريضة إنما هو مخصوص بما إذا أخذ المقيم الذي تريد أن تصلي معه في الاقامة، وأما التطوع قبل ذلك لمثل هذا الشخص فلا مرجوحية فيه.

وعلى كل حال، التأمل في الروايات يعطي عدم كون النهي فيها للحرمة، بل يستفاد من مجموعها أن الانسان لولم ينتظر ما يوجب الفضل في التأخير كالجماعة كان الارجح أن لايتطوع بل يبدأ بالمكتوبة، بخلاف ما إذا كان منتظرا لذلك.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ باب ١٦٦ باب ٣٥ من أبواب المواقيت، ح ٩، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٩٧

وربما يشعر إلى ذلك قولهعليه‌السلام " لاقربة في النوافل إذا أضرت بالفرائض "(١) بناء على أن يكون المراد من الاضرار بالفريضة هو الاضرار بوقت فضيلتها لا الاضرار بوقتها الاجزائي، فيصير حاصل المعنى: أن النافلة إذا أضرت بفضيلة الوقت فلا قربة فيها، ويستفاد منها أنه لو زاحم بفضيلة الوقت ما هو أقوى منها كانتظار الجماعة وأمثال ذلك فلامانع من النافلة فتأمل. هذا كله في التطوع في وقت الفريضة.

وأما التطوع لمن عليه فريضة فمجمل القول فيه: أنه وإن ذهب إلى التلازم بينهما بعض كما نسب إلى الرياض(٢) حيث حكي عنه عدم الفرق بين المسألتين إلا أن الظاهر أنه لاربط لاحد المسألتين بالاخرى دليلا وقولا. أما قولا فلاعترافه بأن بعض من قال بعدم الجواز في المسألة الاولى وهي التطوع في وقت الفريضة قال بالجواز في هذه المسألة، نعم من قال بالمضايقة في القضاء يلزمه أن لايفرق بين المسألتين، فتأمل. وأما دليلا فلان ما استدل به على عدم جواز التطوع لمن عليه فريضة في غاية الضعف، إذ ليس هو إلا المرسل: لاصلاة لمن عليه صلاة(٣) .

وإلا رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها إلى أن قال: ولايتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة(٤) . وإلا خبر يعقوب بن شعيب(٥) ،

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٨ باب ٦١ من أبواب المواقيت، ح ٧.

(٢) رياض المسائل: ج ١ ص ١١٢ س ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) المستدرك: ج ١ ص ١٩٥ باب ٤٦ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٤) الكافي: ج ٣ ص ٢٩٢ باب من نام عن الصلاة أوسها عنها، ح ٣، وفيه اختلاف يسير.

(٥) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٦ باب ٦١ من أبواب المواقيت، ح ٤. [ * ]

٩٨

المتضمن للامر بالبدء بالفريضة المقضية قبل قضاء النوافل. والاستدلال بمثل هذا لما نحن فيه في غاية الضعف، أما الرسل فمضافا إلى كونه مرسلا، ولم يثبته الاصحاب في الكتب المعتبرة، وإنما ذكره الشيخرحمه‌الله في كتابي المبسوط(١) والخلاف(٢) ولم يذكره في التهذيب والاستبصار الذي عليهما المعول لم يوجد أحد أفتى بعمومه، فإن لازمه عدم جواز التطوع لمن نذر أن يصلي ركعتين في مدة سنة، أو آخر نفسه لذلك، وهذا كما ترى لم يقل به أحد ولايمكن القول به.

وأما رواية زرارة(٣) فمع معارضتها بعدة من الرويات الدالة على استحباب التطوع بركعتين قبل قضاء الفريضة يمكن حمل النهي فيها على المرجوحية أو نفي الكمال، كما يمكن حمل الامر الوارد في خبر يعقوب بن شعيب(٤) بالبدأة بالفريضة على الافضلية، لما دل من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز التطوع لمن عليه فريضة خصوصا وعموما، كما ورد في تقدم قضاء ركعتي الفجر على قضاء صلاة الصبح، وتقديم صلاة الليل لمن كان عليه دين من صلاة، وغير ذلك من الاخبار.

ومن هنا قيل: لامرجوحية في فعل النافلة لمن عليه فريضة، وإن قلنا بالمرجوحية في وقت الفريضة، فتأمل فإنه ليس بعيدا، لقوة أدلة الجواز. بل يظهر من بعضها أن ماورد في حكم التطوع كراهة مقصور بما إذا كان في وقت الفريضة، وأما مسألة التطوع لمن كان عليه فريضة فهو خاج عن ذلك، ففي

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ١٢٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الخلاف: ج ١ ص ٣٨٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الكافي: ج ٣ ص ٢٩٢ باب من نام عن الصلاة أوسها عنها، ح ٣..

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٦ باب ٦١ من أبواب المواقيت، ح ٤. [ * ]

٩٩

الرواية المشتملة على قصته مع الحكم بن عتيبة وأصحابه، حيث أخبره في العام السابق عن قول أبي جعفرعليه‌السلام : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة، وأخبره في العام الآخر قضية نوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الصبح فقضاها حين استيقظ بعد قضاء نافلتها، فقال له الحكم: قد نقضت حديثك عام أول، فحكى زرارة ذلك لابي جعفرعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام له: ألا أخبرتهم أنه قد فاته الوقتان جميعا، وأن ذلك كان قضاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

بداهة أنه بعد حمل النهي في قولهعليه‌السلام " إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة " على الكراهة كما تقدم الشواهد على ذلك فيكون الظاهر من قولهعليه‌السلام " ألا أخبرتهم إلى آخره " أن ما قلت لك في العام السابق من كراهة التطوع، فإنما هو في وقت الفريضة، لا ما إذا كان عليه فريضة، ومسألة قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما تكون من قبيل الثاني لا الاول، فتأمل في الاخبار، فإن الاخبار المجوزة في غاية الصراحة، فلا يمكن رفع اليد عنها بما تقدم من أخبار المنع، فالاقوى أنه لامانع من التطوع في وقت الفريضة ولمن عليه فريضة، وإن كان الارجح تأخير التطوع عن أداء الفريضة.

فرع: لو نذر التطوع فهل يصح إيقاعه في وقت الفريضة بناء على خروجه بالنذر عن موضوع التطوع، أو لايصح لانه يعتبر في متعلق النذر أن يكون راجحا مع قطع النظر عن تعلق النذر به، والمفروض أن التطوع في وقت الفريضة لارجحان فيها، بناء على الحرمة فلابد من خروج هذا الفرد من التطوع عن متعلق النذر لو كان

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٧ باب ٦١ من أبواب المواقيت، ح ٦، نقلا بالمضمون. [ * ]

١٠٠