كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة20%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27633 / تحميل: 5157
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

الاصلية، فلا يعم العارضية فلو أجهر المأموم فيما يجب الاخفات عليه لا يكون مندرجا تحت الصحيحة بل لابد من إعمال القواعد الاولية فيه، وأولى بالانصراف المرأة إذا كان وظيفتها الاخفات، لاجل سماع الاجنبي على القول به، فإن وجوب الجهر(١) عليها حينئذ لاجل أمر خارج عن الصلاة، فلا يندرج في الصحيحة لان ظاهر السؤال عن الجهر فيما ينبغي الاخفات فيه وبالعكس هو الجهر والاخفات الذين يكون من الوظيفة الصلاتي فلا يعم ما إذا كان لامر آخر من سماع الاجنبي وغيره، فلو منع دعوى الانصراف في المأموم، كما هو ليس ببعيد فدعواه في المرأة في محله، لكن في خصوص الجهر في موضع الاخفات للعارض.

وأما الجهر في الركعتين الاخيرتين الذي يكون الاخفات فيهما من الوظيفة الصلاتية فهو مندرج في إطلاق الصحيحة لعدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وأما الانقسامات السابقة على الانقسام الاخير فقد حكي عن بعض أن الظاهر من قوله " لا يدري " هو الجهل بأصل وجوب الجهر والاخفات في الشريعة، فلا يعم ماإذا علم بوجوب الجهل والاخفات في الجملة وكان جاهلا بمحلهما أو مفهومهما، هذا ولكن الظاهر أنه لاوجه لها فإن الشرطية الثانية في تلك الصحيحة تابعة في العموم والخصوص للشرطية الاولى، وهو قولهعليه‌السلام : " أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته... الخ "(٢) والشرطية الثانية وهي قولهعليه‌السلام : " وإن فعل ذلك ناسيا.. إلخ " نقيض للشرطية الاولى، فكل مورد صدق فيه أن ذلك فعل متعمدا يكون خارجا عن الشرطية الثانية، وكل

____________________

(١) كذا في الاصل والصحيح ظاهرا " الاخفات ".

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٦٦ باب ٢٦ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١. (*)

١٤١

مورد لم يصدق يكون مندرجا تحتها.

ومن المعلوم أن صدق التعمد بالجهر والاخفات في الصلاة يتوقف على العلم بالحكم والمحل والمفهوم.

فإذا انتفى أحد هذه الامور ينتفي التعمد ويكون مندرجا في قوله " لا يدري " بداهة أن الجاهل بالمحل أو المفهوم لا يصدق عليه أنه تعمد في مخالفة التكليف من الجهر في موضع الاخفات والاخفات في موضع الجهر فالاقوى عموم الحكم بالنسبة إلى جميع الاقسام. وشيخنا الاستاذ - مد ظله - وإن قوى في وسيلته وجوب الاعادة في الجاهل بالمفهوم إلاأن في بحثه قوىعدمه فتأمل جيدا.

الامر الثالث عشر: يتخير المصلي فيما عدا الاوليين بين القراء‌ة والتسبيح، وهذا في الجملة مما لا إشلكا فيه، بل استفاض نقل الاجماع عليه كاستفاضة الاخبار به، إنما الاشكال في تعيين التسبيح الذي يكون بدلا عن الفاتحة، فإنه قد اضطربت فيه الاخبار واختلفت فيه كلمات الاعلام، وتحقيق القول في ذلك على ما بينه شيخنا الاستاذ - مد ظله - أن الاخبار الواردة في المقام على طوائف.

منها: مادل على كفاية مطلق الذكر كرواية علي بن حنظلة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال سألته عن الركعتين الاخيرتين ما أصنع فيها؟ فقالعليه‌السلام : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء...(١) إلخ.

ومنها: ما دل على تعيين ذكر خاص وهو أيضا على طوائف. (منها) ما دل على إجزاء فصول ثلاثة من الفصول الاربعة وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر كرواية أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الاخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله(٢) وكرواية الحلبي التي قيل إنها أصح أخبار

____________________

(١) و (٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨١ و ٧٨٢ باب ٤٢ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٣ و ٧.

١٤٢

الباب عن أبي عبداللهعليه‌السلام : إذا قمت في الركعتين الاخيرتين لا تقرأ فيهما فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر(١) .

و (منها) ما اشتمل على ثلاثة فصول مع زيادة الدعاء كرواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: عشر ركعات، إلى أن قالعليه‌السلام : فزاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراء‌ة إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء(٢) و (منها) ما دل على كفاية فصلين من الفصول الاربع مع زيادة الاستغفار كرواية عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الركعتين الاخيرتين من الظهر قالعليه‌السلام : تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك(٣) الخبر.

و (منها) ما دل على وجوب الفصول الاربع كرواية زرارة قال قلت لابي جعفرعليه‌السلام ما يجزي من القول في الركعتين الاخيرتين قال: أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر وتكبر وتركع(٤) و (منها) ما دل على وجوب تكرار الفصول الاربع ثلاثا، كما في الفقه الرضوي(٥) .

وكرواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: لا تقرأ في الركعتين الاخيرتين، إلى أن قالعليه‌السلام : إذا كنت إماما أو وحدك فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر ثلاث مرات ثم تكبر وتركع(٦) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٩٣ باب ٥١ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٢ باب ٤٢ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٦.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨١ باب ٤٢ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٢ باب ٤٢ من ابواب القراء‌ة في الصلاة ح ٥.

(٥) فقه الرضا: ص ١٠٥ ط آستانة.

(٦) الوسائل: ج ٤ ص ٧٩١ باب ٥١ من ابواب القراء‌ة الصلاة، ح ١. (*)

١٤٣

و (منها) مادل على وجوب التسع بتكرار الفصول الثلاثة ثلاثا كرواية حريز عن زرارة أيضا على ما حكي عن مستطرفات السرائر عن أبي عبداللهعليه‌السلام فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات كما عن المستطرفات(١) ، أو تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع، كما عن الصدوق(٢) ، هذا مجمل الاخبار الواردة في المقام.

وأما الاقوال فهي وإن كانت كثيرة حتى أنهاها بعض إلى خمس عشر إلا أن أصولها ستة

الاول: كفاية مطلق الذكر.

الثاني: كفاية فصول ثلاث.

الثالث: كفاية الفصول الاربع.

الرابع: كفاية الفصول التسع بإسقاط التكبير.

الخامس: كفاية الفصول العشر بإثبات التكبير أخيرا،

السادس: اعتبار تكرار الاربع ثلاثا ليصير المجموع اثنى عشر، وربما قيل بوجوب الاستغفار مع الاربع أو التسع أو الاثنى عشر، فتصير الاقوال سبعة وقد اعتمد صاحب كل قول على طائفة من الاخبار المتقدمة.

والاقوى في النظر في مقام الجمع بين الادلة هو كفاية ثلاثة فصول والاحوط ذكر الرابع أيضا، وأما الزائد على ذلك فمستحب ليس إلا، وذلك لان الطائفة الاولى من الاخبار، وهي ما اشتملت على كفاية مطلق الذكر فمع انها في مقام بدلية الذكر عن الفاتحة وعدم تعين الفاتحة، فلا إطلاق فيها، لابد من تقييد إطلاقها بما دل على وجوب ذكر خاص كالطائفة الثانية فإنها واضحة الدلالة، في أن أقل ما يجزي فصول ثلاثة، فلا يكفي مطلق الذكر، وأما مادل على كفاية الفصلين، فكذلك أيضا أي لابد من تقييده بفصل آخر. إذ لا يزيد هو عن

____________________

(١) السرائر: في المستطرفات عن كتاب السجستاني ص ٤٧٩ سطر ٣٧ ط الحجرية.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٣٩٢ ح ١١٥٩. (*)

١٤٤

الاطلاق القابل للتقييد، وأما مادل على وجب الاربع فهو بالنسبة إلى نفي الزائد صريح، وأما بالنسبة إلى نفي الناقص فهو وإن فيه ظهور وكان مقتضى الصناعة تقييد ما دل على كفايه الفصول الثلاث به إلا أن مادل على كفاية الثلاث أظهر، فإن قوله " أدنى ما يجزي " كالصريح في كفاية الثلاث بخلاف قوله " ما يجزي " في رواية الاربع، فإنه ليس فيه إلا أجزاء الاربع، وأما عدم كفاية الاقل فإنما يستفاد منه لاجل الاطلاق، ورواية كفاية الفصول الثلاث تصلح للتقييد، فصناعة الاطلاق والتقييد تقتضي العكس فتأمل جيدا، نعم هو بالنسبة إلى نفي الزائد صريح.

فلابد من حمل مادل بظاهره على وجوب الزائد من التسع أو الاثني عشر على الاستحباب مع أن ثبوت الدليل على ذلك محل منع، فإنه قد اختلف القول في رواية حريز الراوي للاثني عشر والراوي للتسع، فإنه قيل إنها رواية واحدة رويت بوجهين، مع ما في التسع من اختلاف الالفاظ حيث إنه روي بلفظ " تكمله تسع " كما عن الصدوق، أو ثلاثا كما عن المستطرفات، وبالجملة رواية زرارة عن حريز مضطربة جدا، فلا يمكن التمسك بها للزائد فلم يقم دليل واضح على الاثني عشر إلا مافي الفقه الرضوي(١) وهذا مع مافي الكتاب من الكلام قد روى الرواية بإثبات الثلاث تارة وبإسقاطها اخرى، فتأمل في أخبار الباب جيدا، ثم إن بعض(٢) الرواية قد اشتملت على الاستغفار وجعله أحد الفصول ولكن نقل الاجماع على عدم وجوبه فالاقوى عدم عده من الفصول. فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الاقوى بحسب الادلة هو كفاية الفصول

____________________

(١) فقه الرضا: ص ١٠٥ ط آستانة.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨١ باب ٤٢ من أبواب القراء‌ة الصلاة ح ١. (*)

١٤٥

الثلاث وإن كان الرابع أحوط، كما أن الاحوط عدم كون الفصول الثلاث من جنس واحد كأن يقول سبحان الله ثلاثا وإن كان صريح الرواية الاجتزاء به، ولكن لم يظهر لنا عمل الاصحاب بها من هذه الحيثية، هذا. ولكن يعتبر في الفصول على كل حال من أن تكون من هذه الفصول المذكورة في الاخبار من التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح فلا يجزي من غيرها. إلا إذا قلنا بكفاية مطلق الذكر.

وعلى كل تقدير ظهر لك أن الزائد على الفصول الثلاث أو الاربع ليس بواجب بل هو مستحب، وليس من فردي التخيير حتى يكون الزائد أيضا متصفا بالوجوب ليكون المقام من التخيير بين الاقل والاكثر وذلك لان عناية التخيير بين الاقل والاكثر عناية زائدة لا بد في الحكم بها من قيام دليل على ذلك أو ساعد عليها الاعتبار بحسب المرتكزات الذهينة.

وليس في كل مقام قام الدليل على الامر بكل من الاقل والاكثر يكون من التخيير بين الاقل والاكثر، إذا التخيير بين الاقل والاكثرمع كون الاقل لا بشرط مما لا يمكن، ويستحيل بل لابد من لحاظ الاقل بشرط لا فلو كان الاقل والاكثر اللذين تعلق بهما أمرا اعتبارا، مع قطع النظر عن تعلق الامر بكل منهما على نحو يرجعان إلى التباين.

كان الامر الذي تعلق بهما بعدامتناع الاخذ بظاهره من التعيين لا محالة من التخيير بين الاقل والاكثر، ولا يصلح الامر المتعلق بالاكثر أن يحمل على الاستحباب. وأما إن كان الاقل والاكثر اللذين تعلق بكل منهما أمر لم يعتبرا على نحو التباين، مع قطع النظر عن هذا الامر، بل كانا مع قطع النظر عنه على ما هما عليه، ومايقتضيه الاصل فيهما من كون الاقل لا بشرط ففي مثل هذا لا بد من حمل الامر المتعلق بالاكثر بعد امتناع حمله على ظاهره من الوجوب التعييني على الاستحباب، ولا يصلح لجعله من التخيير بين الاقل والاكثر.

والحاصل: أن الاقل إن كان في حد نفسه معتبرا على نحو البشرط اللائية كان

١٤٦

تعلق الامر بكل منه ومن الاكثر بعد امتناع الاخذ بظاهره من الوجوب التعييني من باب التخيير بين الاقل والاكثر، ولا يصح حمل الامر المتعلق بالاكثر على الاستحباب. وإن كان الاقل في حد نفسه معتبرا على نحو اللابشرطية كان الامر المتعلق بالاكثر بعد امتناع حمله على ظاهره من الوجوب العيني محمولا على الاستحباب ليس إلا.

مثال الاول: ما إذا ورد أمر بصلاة القصر وأمر آخر بصلاة التمام فإنه بعد امتناع الاخذ بظاهر الامرين من الوجوب العيني لابد من حمل الامر على الوجوب التخييري لان صلاة القصر مع قطع النظر عن هذين الامرين إنما اعتبرت بشرط لا وكانت الزيادة مبطلة، ومن هنا قلنا إن القصر والاتمام حقيقتان متباينتان، فحينئذ حمل الامر المتعلق بالاكثر على الاستحباب يقتضي إلقاء البشرط اللائية عن صلاة القصر وجعلها لا بشرط.

وبعبارة أخرى حمل الامر على الاستحباب يقتضي تصرفا زائدة عن حمله على الوجوب التخييري لانه يستدعي أولا جعل صلاة القصر لابشرط وإخراجها عن حقيقتها، ثم حمل الامر المتعلق بالاكثر على الاستحباب وطرح ظاهره من الوجوب. وهذا بخلاف ما إذا حملنا الامر على التخيير، فإنه لا يستدعي إلا حمل الامر على خلاف ظاهره من الوجوب العيني مع بقاء صلاة القصر على حقيقتها، فلابد من العمل على ما يستدعي قلة التصرف.

ومثال الثاني: ما نحن فيه فإنه مع قطع النظر عن تعلق الامر بكل من التسبيح الاربع والاثني عشر كان التسبيح الاربع معتبرا لا بشرط ولم يعتبر في حقيقته بشرط لا بأن يكون التسبيح الاربع مع الاثني عشر مباينا بالهوية كمباينة القصر للتمام، وبعد تعلق الامر بكل منهما لا يصلح، إلا حمل الامر المتعلق بالاكثر على الاستحباب لان حمله على الوجوب التخييري يوجب زيادة تصرف، لانه يقتضي

١٤٧

أولا التصرف في الاربع وجعلها بشرط لا. وبعد ذلك يتصرف في الامر، ورفع اليد عن ظاهره من الوجوب العيني وحمله على الوجوب التخييري، وهذا بخلاف حمله على الاستحباب، فإنه لايستدعي إلا تصرفا واحدا في ظاهر الامر، وحمله على الاستحباب فلا يكون المقام من التخيير بين الاقل والاكثر فتأمل جيدا.

بقي في المقام فروع ينبغي التنبيه عليها: الاول: الظاهر عدم وجوب الترتيب بين الفصول، فلا بأس بتقديم التهليل أو التحميد على التسبيح. فإن ظاهر صحيحة زرارة(١) وإن كان هو تقديم التسبيح، إلا أن ظاهر صحيحة الحلبي(٢) المتقدمة هو تقديم التحميد، فيظهر من هذا الاختلاف عدم وجوب ترتيب خاص بين الاخبار فيتخير، وإن كان الاحوط اختيار ما في صحيحة زراره من تقديم التسبيح.

الثاني: قد تقدم في مسائل العدول أن مقتضى القاعدة كون التخيير في أمثال المقام بدوي لااستمراري.

فلو اختار الفاتحة يبني عليها ولا يعدل إلى الذكر وبالعكس، فراجع ثمة وتأمل.

الثالث: اضطربت كلمات الاصحاب في أفضلية التسبيح مطلقا أو أفضلية الفاتحة مطلقا، أو التفصيل بين الامام وغيره. أو ناسي الفاتحة في الاوليين وغيره. وغير ذلك من التفاصيل التي يقف عليها المتتبع.

وقد اختار شيخنا الاستاذ - مد ظله - أفضلية التسبيح مطلقا إلا إذا نسي القراء‌ة في الركعتين الاولتين فتكون القراء‌ة في أحد الركعتين الاخيرتين أفضل، والحاصل أن الفضل هو عدم خلو صلاته عن القراء‌ة. فلو قرأ في الركعتين الاولتين أو في أحدهما كان

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٢ باب ٤٢ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٢ باب ٤٢ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٦. (*)

١٤٨

الافضل في حقه التسبيح ولو نسيها فيهما أجمع كان الافضل في أحد الركعتين الاخيرتين هو القراء‌ة وفي الاخرى التسبيح أيضا، وجعل المستند في ذلك التوقيع المبارك حيث قالعليه‌السلام فيه بعد السؤال عن اختلاف الروايات فيما هو الافضل من التسبيح والقراء‌ة: قد نسخت قراء‌ة ام الكتاب التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم: كل صلاة لايقرأ فيها فهي خداج(١) .

وتقريب الاستدلال بها هو أنه قد بينا في محله إمكان وقوع النسخ من الائمةعليه‌السلام ولا يختص بزمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد من قول العالم هو العسكريعليه‌السلام ، فيصير محصل الرواية أن التسبيح وإن كان أفضل، إلا أن قول العسكري كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج قد نسخ تلك الافضلية وصارت القراء‌ة أفضل، ولكن لا مطلقا بل إذا استلزم ترك القراء‌ة خلو الصلاة عن القراء‌ة رأسا، وهذا - كما ترى - يختص بالناسي لها في الاوليين.

فتدل هذه الرواية على أن الافضل عدم خلو الصلاة عن القراء‌ة رأسا. ومن هنا قال بعض يتعين على الناسي لها في الاوليين القراء‌ة في الاخيرتين كما هو ظاهر بعض روايات الاخر، ولاجل ذلك قال شيخنا الاستاذ - مد ظله - الاحوط عدم ترك القراء‌ة للناسي لها في الاوليين. هذا. ولكن ربما يظهر من بعض الاخبار خلافه حيث قالعليه‌السلام بعد السؤال. عن نسيان القراء‌ة في الاوليين إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها(٢) فإن ظاهره استحباب ترك القراء‌ة للناسي لها في الاوليين قال في الجواهر -قدس‌سره - يمكن المناقشة فيها بأن المراد منها الرد على أبي حنيفة القائل بأن المأموم إذا أدرك الامام

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٩٢ باب ٥١ من أبواب القراء‌ة في الصلا ة، ح ١٤.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٩٣ باب ٥١ من ابواب القراء‌ة في الصلاة. ح ٨. (*)

١٤٩

في الركعتين الاخيرتين. جعل ماأدركه آخر صلاته كالامام، ثم يستقبل بعد ذلك الاول(١) هذا.

ولكن لايخفى عليك أنه لا شاهد في الرواية على ذلك إذ لم يقع السؤال فيها عن حال المأموم، نعم يحتمل ذلك في صحيحة ابن الحجاج سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن الرجل الذي يدرك الركعتين الاخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراء‌ة فقالعليه‌السلام : اقرأ فيهما فإنهما لك الاولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها(٢) فتأمل في المقام جيدا، فإن أخبار الباب مضطربة جدا.

فإن منها: التصريح بالتسوية بين التسبيح والفاتحة في الفضل كما في رواية علي بن حنظلة عن الصادقعليه‌السلام سألته عن الركعتين الاخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء، قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت(٣) .

ومنها: ما هو ظاهر في أفضلية القراء‌ة للامام كرواية معاوية بن عمار سأل الصادقعليه‌السلام عن القراء‌ة خلف الامام في الركعتين الاخيرتين فقالعليه‌السلام : الامام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح(٤) .

ومنها: ما هو ظاهر في عدم الفرق بين الامام وغيره وأفضلية التسبيح مطلقا لصحيحة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لا تقرأن في الركعتين الاخيرتين

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٩ ص ٣٢٨.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٤٤٥ باب ٤٧ من ابواب صلاة الجماعة، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨١ باب ٤٢ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٣.

(٤) الوسائل: ج ٥ ص ٤٢٦ باب ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة، ح ٥. (*)

١٥٠

من الاربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع(١) .

ومنها: ما ظاهره أفضلية القراء‌ة مطلقا للامام وغيره كما في رواية محمد بن حكيم سأل أبا الحسن أيما أفضل القراء‌ة في الركعتين الاخيرتين أو التسبيح؟ فقالعليه‌السلام : القراء‌ة أفضل(٢) .

وغير ذلك من الاخبار المختلفة ولكن لما كان أخبار أفضلية التسبيح أكثر عددا وأصح سندا على ما قيل وكانت الاخبار الاخر موافقة لمذهب العامة في الجملة، فالاقوى أفضلية التسبيح مطلقا إلا ناسي القراء‌ة في الاوليين فإن الافضل في حقه القراء‌ة كما اختاره الشيخ -قدس‌سره - في المبسوط(٣) .

هذا تمام الكلام فيما هو المهم من مباحث القراء‌ة والحمد لله أولا وآخر وقد وقع الفراغ من تسويده ليلة الاربعاء ١٦ ج ٢ سنة ١٣٤٥.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٩١ باب ٥١ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٩٤ باب ٥١ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١٠.

(٣) المبسوط: ج ١ ص ١٠٦ من كتاب الصلاة. (*)

١٥١

السجود

وتنقيح البحث فيه يستدعي رسم أمور: الاول: الظاهر عدم ثبوت حقيقة شرعية للسجود بل ولا حقيقة متشرعية بل هو باق على معناه العرفي المطابق لمعناه اللغوي، الذي هو عبارة عن الخضوع والانحناء وتطأطؤ الرأس، واعتبار بعض الخصوصيات شرعا فيه لا يستلزم الحقيقة الشرعية، كما أن الحال في الركوع كان كذلك.

ثم الظاهر أنه يعتبر في حقيقة السجود عرفا وضع شئ من الوجه على الارض ولو بواسط، ولا يعتبر في تحقق معناه العرفي وضع خصوص الجبهة بل ويكفي وضع أحد الخدين أو الحاجبين أو الذقن كما يدل على ذلك قوله تعالى: ويخرون للاذقان سجدا(١) ولكن الشارع حدده وعينه في خصوص وضع الجبهة كتحديده للركوع ببلوغ أطراف الاصابع إلى الركبة، مع أن معناه العرفي كان أعم من ذلك، وكذا لا يعتبر في حقيقة السجود عرفا أن يكون الانحناء والتقوس على وجه يساوي المسجد للموقف في العلو أو لا يتجاوز الاختلاف مقدار لبنة. بل يكفي في معناه العرفي

____________________

(١) الاسراء: الآية ١٠٧. (*)

١٥٢

مقدار من الانحناء والتقوس وإن اختلف المسجد للموقف في العلو بأكثر من لبنة، ولكن الشارع اعتبر أن لا يزيد الاختلاف في ذلك من مقدار لبنة.

ثم إنه لا إشكال في أن ما اعتبره الشارع مضافا إلى ذلك من وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ووضع المواضع الستة الاخر غير الجبهة على الارض يكون خارجا عن حقيقة السجود وليس ركنا فيه، بحيث يدور السجود مداره، بل هو من واجبات السجود، وهذا بخلاف وضع الجبهة فإنه يتوقف تحقق السجود عليه شرعا، بحيث يدور أحكام السجود من الزيادة والنقيصة وغير ذلك مداره، فلا يكون مثلا من زيادة السجود وضع أحد الخدين أو الحاجبين، وهذا لاينافي كون معناه العرفي الاعم بعدما حدده الشارع بذلك، فإنه بعد التعيين الشرعي تدور الاحكام مدار ماعينه، ولا يلتفت إلى أن معناه العرفي الاعم كما تدور أحكام الركوع مدار بلوغ [ السقط من نسخة الاصل ] الركبة مع أن معناه العرفي كان أعم من ذلك.

فلو وضع أحد خديه على الارض [ السقط من نسخة الاصل ] لزمه رفع الرأس ووضع خصوص الجبهة على الارض، ولا يتوهم تحقق الزيادة [ السقط من نسخة الاصل ] أو لا لم يكن من السجود حتى يتوهم ذلك، وأما مسألة عدم اختلاف المسجد للموقف بأكثر من مقدار لبنة، فالمحكي عن بعض الاعلام عدم كونه من محققات السجود شرعا، كما هو لم يكن من محققاته عرفا بل هو من الشرائط الشرعية، إلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يصدق عليه السجود عرفا، ولا زم ذلك هو أنه لو وضع جبهته على مكان يزيد في العلو للموقف عن مقدار لبنة كان الواجب عليه جر الجبهة ووضعها على ما يساوي الموقف أو لا يزيد عن مقدار لبنة، وليس له رفع الرأس ووضعه على ما يساوي ذلك، للزوم زيادة السجود حينئذ، كما إذا وضع جبهته على مايصح السجود عليه وليس ذلك إلا لاجل عدم كون الاختلاف ركنا في السجود، وحينئذ يتوجه سؤال الفرق بين

١٥٣

هذا الشرط وبين اشتراط وضع خصوص الجبهة حيث صار وضع الجبهة ركنا في السجود بحيث دارت أحكام السجود مداره بخلاف مسألة المساواة حيث جعلوه خارجا عنه، ولم يكن من مقومات ركنيته مع اشتراكهما في الخروج عن المعنى العرفي وعدم توقفه على شئ منهما، واشتراكهما أيضا في الاعتبار الشرعي فكيف صار أحدهما ركنا دون الآخر.

والحاصل: أنه كما لا يعتبر في السجود عرفا وضع خصوص الجبهة. بل يكفي وضع أحد أجزاء الوجه من الخدين والحاجبين والذقن كذلك لا يعتبر في السجود عرفا تساوي المسجد للموقف في العلو.

بل يكفي مقدار من الانحناء والتقوس وإن زاد الاختلاف عن مقدار لبنة، وكما أن الشارع حدد السجود بوضع خصوص الجبهة وجعل وضع ما عداها خارجا عن السجود كذلك حدد الشارع السجود بكون الانحناء والتقوس على وجه لا يزيد اختلاف المسجد للموقف بأكثر من مقدار لبنة، ويلزم ذلك عدم تحقق السجود شرعا إذا كان الاختلاف بأكثر من ذلك المقدار. فكيف يفرق بينهما بما عرفت، ومن أين جاء هذا الفرق(١) .

هذا وقد أجاب شيخنا الاستاذ - مد ظله - عن هذا السؤال بما حاصله: أن السجود إنما هو من مقولة الوضع والانحناء والتقوس خارجان عن هويته وحقيقته عند العرف وإنما يكونان عندالعرف مما يتوقف عليه الوضع على الارض إذ لا يمكن الوضع إلا بالانحناء والتقوس، فالانحناء إنما يكون مما يتوقف عليه

____________________

(١) وكذا يبقى سؤال الفرق بين اعتبار ما يصح السجود عليه، وبين اعتبار وضع الجبهة مع أن كلا منهما بتعيين شرعي غايته أحدهما تعيين للموضوع والآخر تعيين لما يوضع عليه، فكيف صار الاول ركنا والثاني واجبا غير ركني، كما يظهر من وجوب الجر عند وضع الجبهة على غير ما يصح الجسود عليه، بداهة انه لو كان الوضع على ما يصح السجود عليه ركنا لكان يجوز له رفع الجبهة ولم يتعين عليه الجر لعدم استلزام الرفع زيادة ركن. اللهم إلا أن يقال من أدلة وجوب الجر وعدم جواز الرفع يستفاد عدم ركنيته، ولولا ذلك لقلنا بركنيته أيضا كوضع الجبهة فتأمل جيدا " منه ". (*)

١٥٤

السجود لا أنه داخل في حقيقته، فيكون الانحناء عند العرف.

شرائط، ولذلك امتاز ما اعتبره الشارع في ناحية الوضع عما اعتبره في.

لما كان من مقومات السجود وداخلا في هويته كان التصرف. والركنية وصار مااعتبره الشارع في ناحيته من الاركان، وهذا بخلاف الانحناء، فإنه لما كان عند العرف خارجا.(١) صار ما اعتبر الشارع في ناحيته من الشرائط الخارجة على طبق نظر العرف، فتأمل(٢) .

فإن ما أفاده - مد ظله - لايخلو عن شئ وعلى كل حال لا إشكال في أنه يعتبر في تحقق السجود الذي يكون موردا للاحكام الشرعية وضع خصوص الجبهة، ولا يكفي وضع سائر أجزاء الوجه من الخد والذقن، من غير فرق في ذلك بين سجود الصلاة وغيره من سجود الشكر والتلاوة وغيرهما.

وتوهم أن تحديد السجود بذلك إنما هو في خصوص الصلاة وأما في غيرها فهو باق على معناه العرفي من كفاية وضع أي جزء من أجزاء الوجه، فاسد.

إذ الظاهر أن يكون وضع خصوص الجبهة معتبرا في مطلق السجود حيث إن الشارع حدد السجود العرفي بذلك، نعم في خصوص حرمة السجود لغيرالله تعالى يمكن أن يقال بالعموم وحرمة وضع أي جزء من أجزاء الوجه، إذا كان على وجه التعظيم والخضوع كما مال إلى ذلك شيخنا الاستاذ - مد ظله - وإن كان ذلك أيضا. لا يخلو عن إشكال. ثم لايخفى عليك أن مثل تقبيل الاعتاب المقدسة لم يكن من السجود بداهة

____________________

(١) البياض الموجود من نسخة الاصل.

(٢) وهذا ولكن قد عدل عن هذا لما وصل إلى محل تعرض اعتبار المساواة وقال في ذلك المقام بركنية عدم ارتفاع موضع الجبهة بأزيد من مقدار لبنة ولازم ذلك عدم وجوب الجر عليه إذا وضعها على مرتفع أزيد من ذلك بل تعين عليه الرفع لاحداث السجدة ولا يلزم زيادة سجدة إذ ما أتى بها لم يكن سجودا شرعا فتأمل " منه ". (*)

١٥٥

عدم صدق السجود على ذلك فهل ترى أنه لو انكب أحد لتقبيل ابنه يقال إنه سجد لابنه نعم ما يفعله بعض العوام من وضع الجبهة والخدين على وجه الخضوع والتذلل في الاعتاب المقدسة لا يبعد صدق السجود عليه فاللازم ترك مثل ذلك. ثم إنه ربما يفرق بين وضع الجبهة وبين وضع سائر أجزاء الوجه، بدعوى أن في وضع الجبهة لا يحتاج إلى قصد السجود بل هو بنفسه سجود، إلا إذا قصد عنوانا يغاير السجود، وهذا بخلاف وضع سائر أجزاء الوجه فإنه يعتبر فيها القصد إلى السجود، وإلا فهي بنفسها ليست من السجود، وربما مال إلى ذلك شيخنا الاستاذ - مد ظله -.

الامر الثاني: لا إشكال في أنه يجب في كل ركعة سجدتان، بحيث تبطل الصلاة بالاخلال بهما معا عمدا وسهوا من غير فرق بين الركعة الاولى وغيرها. وإن خالف في غير الاولى بعض إلا أنه سيأتي في أحكام الخلل ضعفه وهما معا ركن في الصلاة، فلا تبطل الصلاة بنقصان سجدة واحدة أوزيادتها سهوا بل يدور البطلان مدار نقصانهما معا أو زيادتهما معا، وهذا مما لا إشكال فيه.

نعم في المقام إشكال وهو أن الاعلام قد أجروا على السجدة الواحدة بعض لوازم الركن، حيث إنه نسب إلى المشهور أنه من نسي الركوع حتى دخل السجود تبطل صلاته وكذا حكي الاتفاق على أنه لو نسي واجبات الركوع.

مضى في صلاته، ولا يلزمه العود إلى تدارك [ السقط من نسخة الاصل ].

يستقيم مع القول بعدم ركنية السجدة الواحدة لاطباقهم على بقاء محل الاجز [ السقط من نسخة الاصل ] يدخل في الركن اللاحق فإذا دخل في الركن اللاحق، فإن كان المنسي جزء غير ركني مضي في صلاته، وإن كان جزء ركنيا بطلت صلاته لا ستلزام العود إلى المنسي زيادة الركن. واستلزام المضي في الصلاة نقصان الركن. فلو لم تكن السجدة الواحدة ركنا، لكان اللازم العود إلى الركوع

١٥٦

المنسي لبقاء محله. وعدم استلزام إليه زيادة الركن. وكذا الكلام في سائر الاجزاء المنسية من الركوع. فالقول بعدالعود إليها لا يستقيم إلا مع البناء على ركنية السجدة الواحدة، حتى يكون الدخول في السجود دخولا في الركن، والمفروض أنهم لم يقولوا بركنية السجدة الواحدة ولا يمكن الوقل به، لتضافر النصوص بعدم بطلان الصلاة مع زيادة سجدة واحدة أو نقصانها، فالجمع بين القول بعدم إعادة الصلاة عند نسيان السجدة الواحدة وزيادتها وبين القول بفوات محل الركوع المنسي، وكذا الاجزاء الاخر بالدخول بالسجدة الاولى، يكون من الجمع بين المتناقضين، هذا، وسيأتي إن شاء الله في أحكام الخلل تفصيل حل الاشكال.

وحاصله: أن مقتضى القاعدة الاولية المستفادة من حديث " لا تعاد الصلاة إلا من خمس "(١) هو ركنية السجدة الواحدة بحيث تبطل الصلاة بنقصانها وزيادتها، وكان الدخول بالسجة د من الدخول في الركن الذي يوجب فوات محل تدارك الاجزاء المنسية، هذا حسب ما يقتضيه حديث " لا تعاد " ولكن قام الدليل أيضا على أنه لو اتفقت زيادة سجدة(٢) أو نقصائها(٣) نسيانا أو ما يلحق بالنسيان كالخطأ(٤) لم تبطل الصلاة ولا تجب عليه إعادتها، فلابد من الجمع بين هذا وبين ما يستفاد من حديث " لاتعاد " فنقول: إن مادل على عدم إعادة الصلاة من سجدة واحدة يكون أخص من حديث " لا تعاد " لان الحديث يشمل السجدتين والسجدة الواحدة. وهذا مختص بالسجدة الواحدة.

فيكون مخصصا للحديث، لكن لابد من الاقتصار على مقدار التخصص، والمقدار الذي ثبت هو

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٢٢٧ من باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٩٦٨ باب ١٤ من أبواب السجود، ح ٢ و ٣.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٩٦٨ باب ١٤ من أبواب السجود، ح ١ و ٢.

(٤) الوسائل: ج ١١ ص ٢٩٥ باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس، ح ١. (*)

١٥٧

صورة اتفاق زيادة السجدة أن نقصانها لمكان النسيان أو الخطأ، وأما صورة التعمد إلى زيادة السجدة وإن كان منشأ الغمد هو نسيان الجزء السابق فهي بعد باقية في حديث " لا تعاد " وصورة نسيان الركوع أو الواجبات الاخر حتى سجد تكون من صور تعمد فعل السجدة، غايته أن وجه العمد إليها هو نسيان الخ‍ فتكون هذه الصورة مندرجة في حديث " لا تعاد الصلاة إلا من خمس(١) إلخ " والمستفاد من حديث.

أن بمجرد الدخول في السجود يفوت محل الاجزاء المنسية السابقة كما يأتي بيانه في الخلل، فتأمل جيدا.

إشكال آخر قد أطالوا الكلام في توجيهه وجوابه وهو أن الركن لو كان هما السجدتان.(٢) وصف الاجتماع، فاللازم فوات الركن بفوات سجدة، لان المركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، ولو كان الركن هو السجدة الواحدة كان اللازم هو زيادة الركن عند زيادة سجدة واحدة، مع أنه لم يلتزموا بذلك، هذا.

ولكن الانصاف أنه لا وقع لهذا الاشكال، وذلك لان الركنية ليست هي إلا منتزعة عن الادلة المتكلفة للاجزاء والامتثال، وليست هي منتزعة عن مرحلة تعلق التكليف بأجزاء المركب، لان تعلق التكليف بأجزاء المركب على حد سواء، ولايمكن انتزاع الركنية من نفس تعلق التكليف، لا ستواء الكل في تعلق التكليف به من غير فرق بين الاركان وغيرها، فالركنية إنما تنتزع عن الادلة المتكفلة لمرحلة الاجزاء والامتثال، حيث إنه لو قام دليل على أن نسيان بعض الاجزاء وزيادتها لم يوجب البطلان، فينتزع من ذلك عدم ركنية تلك الاجزاء.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) البياض من نسخة الاصل. (*)

١٥٨

ولو قام دليل على أن نسيان بعض الاجزاء أو زيادتها موجب للبطلان، فينتزع من ذلك ركنية تلك الاجزاء، وحينئذ لا بد من ملاحظة الادلة الواردة في مرحلة إجزاء السجود وامتثاله.

إذ الصور المتصورة في السجود بعد تعلق الامر به تكون على انحاء، فإنه يمكن أن لا يأتي بسجود أصلا، ويمكن أن يأتي بسجدة واحدة، ويمكن أن يأتي بسجدتين، ويمكن أن يأتي بثلاث سجدات، ويمكن أن يأتي أربع فمازاد، ونحن لو خلينا وحديث " لا تعاد " لقلنا ببطلان الصلاة ما عدا صورة الاتيان بسجدتين فقط.

ولكن بعد قيام الدليل على أن السجدة الواحدة زيادتها ونقيصتها لا يضر نستكشف أن العبرة ببطلان الصلاة هما السجدتان معا في كل من طرف الزيادة والنقيصة، فقولنا إن السجدتين معا ركن عبارة عن أن زيادة السجدتين ونقصانهما عمدا وسهوا يوجب البطلان لان هذا هو المستفاد من مجموع أدلة الباب ونسمي ما هو المستفاد منها ركنا فأين الاشكال حتى نتعب النفس في الجواب عنه.

وكأن منشأ توهم الاشكال هو تخيل أن التكليف إنما تعلق بمجموع السجدتين على نحو العام المجموعي، فيشكل بانتفاء المجموع عند انتفاء السجدة الواحدة، ولكن قد عرفت أن التكليف بالسجدتين على حد التكليف بسائر الاجزاء، وإنما نستفيد خصوصية السجدتين من أدلة الاجزاء والامتثال فتأمل.

الامر الثالث يعتبر في السجود امور ستة: الاول: السجود على سبعة أعضاء الجبهة، والكفين والركبتين والابهامين، وقد عرفت أن وضع الجبهة يكون ركنا في السجود، وعليه يدور الزيادة والنقيصة [ السقط من نسخة الاصل ] وضع سائر الاعضاء فإنها من واجبات السجود، ولا يدور السجود مدار تحققها.

وعلى كل حال لا إشكال في وجوب وضع الجبهة إنما الاشكال في أنه يعتبر وضع خصوص الجبهة أو يكفي وضع أحد الجبينين أيضا، وينبغي أن يعلم أن الجبهة قد تطلق ويراد بها مجموع ما بين الصدغين على وجه يدخل فيها الجبينان،

١٥٩

وقد تطلق ويراد بها خصوص ما كان في مقابل الانف على وجه يخرج عنها الحاجبان. ولمكان هذين الاطلاقين للجبهة ربما يستشكل اعتبار وضع خصوص الجبهة بمعناه الاخص، لولا الاجماع على اعتبار ذلك كما حكي، بدعوى أنه لا شاهد على إرادة خصوص هذا فيما ورد في المقام من الاخبار، هذا.

ولكن الانصاف أن في بعض أخبار الباب دلالة على إرادة الجبهة بمعناها الاخص، كما في رواية عمار الساباطي ومروان بن مسلم قالعليه‌السلام : ما بين قصاص الشعر إلى طرف الانف مسجد أي ذلك أصبت به الارض أجزأك(١) . وفي معناها رواية اخرى(٢) .

ولا يخفى ظهورها في اعتبار خصوص النقطة المقابلة للانف فيخرج عنها الجبينان لعدم مقابلتهما للانف، بل مقابلان للحاجبين والعينين، فالاقوى اعتبار وضع خصوص الجبهة بمعناها الاخص، ولا يلزم الاستيعاب بل يكفي وضع شئ منها كما يدل عليه قولهعليه‌السلام : " أي ذلك أصبت به الارض أجزأك "(٣) نعم الافضل الاستيعاب كما يأتي إن شاء الله. هذا كله في وضع الجبهة.

وأما وضع الكفين فلا إشكال في اعتبار وضع خصوص الكفين على وجه يخرج عنهما الزندان وما فوقهما. وما ورد في بعض الاخبار من وضع اليدين يراد به خصوص الكفين، كما يقتضيه صناعة الاطلاق والتقييد، وفي وجوب استيعاب الكفين، أوكفاية وضع شئ منهما، وجهان، الاقوى لزوم الاستيعاب.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٩٦٣ باب ٩ من أبواب السجود، ح ٤.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٩٦٣ باب ٩ من أبواب السجود، ح ٥.

(٣) ولكن ظاهر بعض الروايات (٥) عدم كفاية الاقل من مقدار درهم وقواه شيخنا الاستاذ - مد ظله - " منه". (*) مستدرك الوسائل: ج ١ ص ٢٤٨ باب ٨ من ابواب ما يسجد عليه ح ٣ (*)

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400