كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة10%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27547 / تحميل: 5136
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

في القواطع

وهي على قسمين: منها: ما تكون قاطعة عمدا وسهوا. ومنها: ما تكون قاطعة عمدا فقط.

أما الاول منها: الحدث فإنه يقطع الصلاة عمدا وسهوا ولو قبل التشهد من الركعة الاخيرة، أو بعده قبل التسليم، والاخبار بذلك مستفيضة. وما دل من عدم قاطعيته بل يتطهر ويبني ولا يجب عليه الاستئناف فمطروح لاعراض الاصحاب عنه وموافق للتقية، فهو مما اعطى من جراب النورة، ولا ينبغي الاشكال في المسألة.

ومنها: الالتفات عن القبلة، ولا إشكال في قاطعيته في الجملة إنما الاشكال في تعيين ما هو القاطع، اعلم أن الالتفات عن القبلة إما أن يكون عن عمد، وإما أن يكون عن سهو، وعلى كل منهما إما أن يكون بكل البدن، وإما أن يكون بالوجه خاصة، وعلى جميع التقادير إما أن يكون الالتفات إلى ما دون اليمين واليسار، وإما أن يكون إلى نفس اليمين واليسار، وإما أن يكون إلى الخلف.

١٦١

فالاقسام اثنى عشر. وكأن نظر الجواهر(١) إلى إنها الاقسام إلى ستة عشر هو جعل كل من الالتفات إلى اليمين والالتفات إلى اليسار قسما برأسه، ولكن لا موجب لذلك: بعدما لم يختلف الحكم بالنسبة إلى اليمين واليسار، وكان الالتفات إلى اليمين متحدا في الحكم مع الالتفات إلى اليسار، ولولا لحاظ الاتحاد في الحكم لتكثرت الاقسام باعتبار ما يمكن من الالتفات.

وعلى كل حال ينبغي إخراج الالتفات بالوجه خاصة إلى الخلف بكلا قسميه من العمد والسهو عن القسمة لاستحالة ذلك ظاهرا على وجه يكون البدن إلى القبلة والوجه إلى الوراء، فالذي ينبغي بيانه هو الاقسام العشرة الاخر. وينبغي أولا الاشارة إلى أخبار الباب فنقول: إن أخبار الباب على طوائف: منها: مادل بقاطعية مطلق الالتفات، ومنها: مادل على قاطعية الالتفات الفاحش، ومنها: ما دل على قاطعية الالتفات إلى الخلف، ومنها: ما دل على فساد الصلاة بقلب الوجه.

فمن الاول: ما رواه زرارة أنه سمع أبا جعفرعليه‌السلام يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله(٢) . وفي معناه عدة روايات أخر(٣) .

ومن الثاني: مارواه في الخصال عن عليعليه‌السلام : الالتفات الفاحش يقطع الصلاة... الخبر(٤) . وفي معناه أيضا روايات اخر.

ومن الثالث: ما رواه البزنطي عن الرضاعليه‌السلام : عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته قالعليه‌السلام : إذا كانت الفريضة والتفت إلى

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ١١ ص ٢٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٤٨ باب ٣ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٣.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٤٨ باب ٣ من أبواب قواطع الصلاة، ح ١ و ٦.

(٤) الخصال: ص ٦٢٢. (*)

١٦٢

خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به، وإن كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود(١) .

ومن الربع: ما رواه زرارة عنهعليه‌السلام ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك... الخبر(٢) . فهذه جملة أخبار الباب.

وقد يترجح في بادي النظر أن النسبة بين أخبار الباب العموم المطلق، لان مادل على قاطعية الالتفات الفاحش أخص مطلقا مما دل على قاطعية مطلق الالتفات، كما أن ما دل على قاطعية الالتفات الفاحش أعم مطلقا مما دل على قاطعية الالتفات إلى الخلف، وكصحيحة البزنطي، فتكون نتيجة الجمع هو قاطعية الالتفات إلى الخلف بكل البدن ليس إلا، لان ما دل على فساد الصلاة بتقليب الوجه فالمراد منه أيضا قلب البدن لا خصوص الوجه، لان الظاهر من قلب الوجه في هذه المقامات هو قلب البدن كما ربما يشعر بذلك ذيل الخبر المتقدم، حيث استدل الامام بقوله [ تعالى ] " فول وجهك شطر المسجد الحرام "(٣) ومعلوم أن المراد من الآية هو تولية البدن لا خصوص جارحة الوجه، فيكون مفاد لا تقلب وجهك عن القبلة مفاد قوله " لا تلتفت " وبعد حمل الالتفات إلى الالتفات إلى الخلف حسب ما تقتضيه صناعة الاطلاق والتقييد يتحصل أن الالتفات إلى ما دون الخلف مطلقا عمدا وسهوا غيرمبطل.

لان أدلة قاطعية الالتفات لا اختصاص لها بالعمد ولا بالسهو.

ولا منافاة بين بطلان الصلاة إلى غير القبلة عمدا ولو يسيرا على وجه يخرج عن الحد الذي يتسامح فيه، وبين عدم قاطعية الالتفات إلى ذلك عمدا، لان القبلة إنما اعتبرت شرطا لاجزاء الصلاة،

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٤٩ باب ٣ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٨.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ٣.

(٣) البقرة: الآية ١٤٤. (*)

١٦٣

فوقوع جزء من أجزاء الصلاة إلى غير القبلة موجب للبطلان لفوات الشرط، بل لولا قيام الدليل على عدم بطلان الصلاة إلى ما بين اليمين واليسار إذا كان ذلك عن عذر من اجتهاد أو نسيان، لكان اللازم القول بالبطلان مطلقا حتى في صورة العذر، قضية للشرطية، وهذا بخلاف قاطعية الالتفات فإنه إنما اعتبر قاطعا في خصوص الاكوان الصلاتي.

ومن هنا قلنا باستحالة جعل شرطية الشئ مع مانعية عدمه للزوم اللغوية في الجمع بالجعل فلابد من جعل أحدهما بخلاف جعل شرطية شئ وقاطعية عدمه، لاختلاف محل الشرط والقاطع، حيث إن الاول اعتبر بالنسبة إلى الاجزاء، والثاني اعتبر بالنسبة إلى الاكوان، ومن هنا صار قاطعا ولو في حال السكونات وعدم الاشتغال بالاجزاء، وحينئذ فيمكن أن يكون الالتفات عمدا إلى ما دون الخلف غير قاطع وغير مبطل للصلاة، وأدلة شرطية القبلة لا تفي بالبطلان إذا كان الالتفات في حال السكونات، وكلامنا في قاطعية الالتفات إنما هو في ذلك الحال لا في حال الاشتغال بالاجزاء إذ لا كلام في البطلان في ذلك الحال، لمكان فوات شرط القبلة. فتحصل أن مقتضى الجمع بين الادلة هو قاطعية الالتفات إلى الخلف عمدا وسهوا، وعدم قاطعية الالتفات إلى ما دون ذلك كذلك عمدا وسهوا بكل البدن فضلا عن خصوص الوجه، هذا.

ولكن الذي يقتضيه صحيح النظر عدم تلك فإن ما ذكرناه مبني على ثبوت المفهوم لصحيحة البزنطي(١) ، حيث خص البطلان فيها بالالتفات إلى الخلف، ومقتضى المفهوم عدم البطلان إذا لم يكن الالتفات إلى الخلف، وهو أخص مطلقا مما دل على البطلان في مطلق الالتفات.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٤٩ باب ٣ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٨. (*)

١٦٤

ولكن الكلام في إثبات المفهوم للصحيحة، أما [ أولا: ] فلاحتمال أن يكون الشرط مسوقا لبيان حكم الفريضة فيكون قولهعليه‌السلام في الذيل: وإن كانت في النافله... إلخ.

بيانا لمفهوم الشرطية الاولى، من دون أن تكون الشرطية الاولى مسوقة لبيان التفيل بين الخلف وبين غيره، ويكون حينئذ ذكر الخلف لمكان أنه أحد مصاديق الالتفات، لا انحصار الالتفات المبطل بذلك، فتأمل جيدا.

وأما ثانيا فلانه لم يعلم من الاصحاب العمل بإطلاق المفهوم. بحيث يكون الالتفات إلى نفس اليمين واليسار ولو عمدا غير مبطل كما يقتضيه إطلاق المفهوم، وإن حكي ذلك عن بعض، بل لم يظهر من الاصحاب التفصيل بين النافلة والفريضة، وقد راجعت كلمات الاصحاب في ذلك فلم أجد مصرحا بتفصيل إلا صاحب المستند(١) حيث أفاد أن القول بعدم قاطية الالتفات في النافلة أجود. بل ظاهر كلام الجواهر هو عدم الفرق بين الفريضة والنافلة، حيث أفاد في مسألة قاطعية الاكل والشرب ما لفظه: فلا فرق في سائر ما تقدم من الموانع بين الفريضة والنافلة إلا في المقام(٢) ، إنتهى.

أي مقام ما نعية الاكل والشرب، حيث يجوز في صلاة الوتر. وبالجملة الخروج عن مطلقات قاطعية الالتفات على كثرتها بمثل مفهوم صحيحة البزنطي مشكل، بل ينبغي أن يقال بضرس قاطع: إنه لا عبرة بذلك المفهوم، فتأمل. وعليه، يكون المعول هو مطلقات الباب، ومقتضاها بطلان الصلاة بمجرد الالتفات عن القبلة وما بحكمها مما يتسامح فيه على ما تقدم تفصيله في القبلة مطلقا، سواء كان ذلك عن عمد أو سهو. والمراد من الالتفات الفاحش ليس إلا الالتفات على وجه يخرج عن القبلة وما بحكمها إذا لوالتفت عن القبلة

____________________

(١) مستند الشيعة: ج ١ ص ٤٥٩ كتاب الصلاة.

(٢) جواهر الكلام: ج ١١ ص ٨٠. (*)

١٦٥

زائدا عما يتسامح فيه يصدق عليه الالتفات الفاحش، بل أفاد شيخنا الاستاذ - مد ظله - أن المراد من الالتفات في الاخبار الدالة على قاطعيته بلا تقييده بالفاحش ليس مطلق الالتفات، بل الالتفات على وجه يخرج عما يتسامح فيه في باب القبلة، لان الالتفات بمقدار يتسامح فيه ليس بقاطع قطعا، فلابد من أن يكون المراد، من قاطعية الالتفات هو الالتفات الزائد عن ذلك المقدار، ولا يلزم من ذلك أن يكون تقييد الالتفات بالفاحش لغوا، حيث كان المراد من الالتفات الالتفات الخارج عن المقدار المتسامح فيه، والمراد من الفاحش أيضا صار ذلك حسب ما تقدم، فيلزم لغوية التقييد بالفاحش، وذلك لان تقييد الالتفات بكونه خارجا عما يتسامح فيه تقييدا عقليا، لمكان أن الصلاة إلى ما يتسامح فيه من مقدار أربع أصابع لا يوجب البطلان، فعدم قاطعية الالتفات بطريق أولى، وليس التقييد بذلك مأخوذا في مدلول لفظ الالتفات، بل مدلول لفظ الالتفات مطلق يعم جميع الصور حتى صورة الالتفات إلى ما يتسامح فيه، فتقييده بالفاحش حينئذ لا يكون لغوا لانه تقييد لمدلول اللفظ، والمفروض أن مدلول لفظ الالتفات أعم.

فتأمل. وعلى أي حال لا إشكال في صدق الفاحش على الالتفات بكل البدن عن المقدار الذي يتسامح فيه، ويلزم القول حينئذ بقاطعية الالتفات بكل البدن مطلقا عمدا وسهوا إلى الخلف وما دونه. هذا حسب ما يقتضيه مطلقات أدلة الباب.

ولكن قد تقدم منا في مسألة القبلة ما يدل على صحة الصلاة إلى ما بين اليمين واليسار إذا كان ذلك عن عذر من اجتهاد أو نسيان، وليس عليه الاعادة في الوقت فضلا عن القضاء في خارجه، ولازم ذلك هو أن الالتفات إلى ما بين اليمين واليسار غير موجب للبطلان، إذا كان عن نسيان، بداهة أن وقوع جميع الصلاة إلى مابين اليمين واليسار إذا كان غير موجب للبطلان فوقوع الالتفات في الاثناء

١٦٦

إلى ذلك يقتضي أن لا يوجب البطلان بطريق أولى، لان الصلاة إلى ذلك مستلزم للالتفات إلى ذلك وما زاد، كما لا يخفى.

وكذلك قد تقدم منا أن الصحة إلى نفس اليمين واليسار لعذر موجب للاعادة في الوقت خاصة دون خارجه، يلزمه أيضا بمقتضى الاولوية المذكورة أن الالتفات إلى اليمين واليسار نسيانا موجب لعدم القضاء لو تذكر في خارج الوقت، وأما لو تذكر في الوقت فيقتضي الاعادة حسب مطلقات أخبار الباب، ولولا الاولوية المذكورة لكان مقتضى مطلقات الباب القضاء في خارج الوقت أيضا وأما الالتفات إلى الخلف فهو موجب للبطلان ومندرج تحت مطلقات الباب، سواء تذكر في الوقت أو خارجه، كما أن الصلاة إلى الخلف كان موجبا للبطلان حسب ما دل عليه مرسلة الشيخ على ما تقدم.

وحاصل الكلام أن اللازم علينا هو الاخذ بمطلقات أخبار الباب من قاطعية الالتفات مطلقا إلى أي جهة كان.

إلا إذا قام الدليل على أن الصلاة إلى تلك الجهة غير موجب للبطلان، فيلزمه عدم موجبية الالتفات له بمقتضى الاولوية المذكورة، وقد عرفت موارد قيام الدليل على عدم بطلان الصلاة. فبذلك المقدار نقول به في المقام. فتصير نتيجة المسألة بعد رفع اليد عن مفهوم صحيح البزنطي أن الالتفات نسيانا إلى ما بين اليمين واليسار غير مبطل، والالتفات نسيانا إلى نفس اليمين واليسار موجب للاعادة إن تذكر في الوقت دون القضاء إن تذكر خارج الوقت، والالتفات إلى الخلف نسيانا موجب للبطلان مطلقا.

كما أن الالتفات العمدي مطلقا ولو إلى ما بين اليمين واليسار موجب للبطلان إذا كان بكل البدن لان جميع صور العمد مندرج في أخبار الباب من دون أن يكون هناك مخرج، لان تعمد الصلاة إلى غير القبلة موجب للبطلان مطلقا أيضا.

فتبين حال الصور الست من الصور العشر من أقسام الالتفات، وهي

١٦٧

الالتفات بكل البدن إلى ما بين اليمين واليسار، وإلى نفس اليمين واليسار، وإلى الخلف عمدا أو سهوا، فهذه الصور الست بقي صور الالتفات بالوجه خاصة، وقد عرفت استحالة الالتفات بالوجه خاصة إلى الوراء عمدا وسهوا وأما الالتفات إلى ما دون الوراء بالوجه فالاقوى فيه الصحة، بجميع صورة من عمدها وسهو ها.

نعم يكره ذلك عمدا، وذلك لعدم قيام دليل على بطلان الصلاة بالالتفات بالوجه، إذ ما ورد فيه لفظ الوجه كصحيح زرارة(١) السابق فالمراد منه البدن لتداول الاستعمال كذلك عند العرف، والمسألة [ فيها ] شبهة الاجماع، إذ لم نعثر على من صرح بالبطلان في صورة الالتفات بالوجه خاصة، وعليه يحمل ما ورد من عدم البأس في الالتفات مع دلالة بعضها على الكراهة، وإشعار الآخر بها، إذ ليس المراد منه الالتفات بكل البدن، لمعلومية أنه مبطل، بل المراد الالتفات بالوجه بل لو أمكن الالتفات بالوجه إلى الخلف لكان حكمه كذلك أيضا، وإن ذهب بعض إلى البطلان فيه، نظرا إلى صدق الالتفات الفاحش عليه وفي الصدق نظر، فتأمل.

ثم هل يلحق بصورة النسيان القهر والاكراه أو لا يلحق؟ مال شيخنا الاستاذ - مد ظله - إلى الالحاق، فلو أكره للالتفات إلى مابين اليمين واليسار صحت صلاته وليس عليه الاعادة والقضاء، ولو أكره على نفس اليمين فعليه الاعادة في الوقت، إن ارتفع العذر فيه، دون القضاء إن استمر العذر إلى خروج الوقت، ولو أكره على الالتفات إلى الخلف فعليه الاعادة والقضاء، هذا ولكن إلحاق القهر بالنسيان مشكل، الا إذا قلنا بذلك في شرطية القبلة أيضا، أي قلنا بالصحة في صورة الاكراه إلى الصلاة إلى مابين اليمين واليسار، ففي المقام نقول بها أيضا للاولوية المذكورة، وشيخنا الاستاذ وإن مال إلى ذلك أيضا إلا أن الانصاف أنه مشكل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ٣. (*)

١٦٨

لعدم مساعدة الدليل عليه، فإن مادل على صحة الصلاة إلى مابين اليمين واليسار مختص بالعذر الغير الشامل للاكراه، كما لا يخفى على المراجع. فمقتضى إطلاقات الباب هو إلحاق الاكراه بالعمد هذا تمام الكلام في قاطعية الالتفات. ومنها: أي من القواطع الفعل الكثير.

اعلم أن الفعل الكثير وكذا القليل لم يرد في أخبار الباب، وإنما ورد المنع عن بعض الافعال والرخصة في بعض آخر، ولاجل ذلك قيد الفعل الكثير بما كان ماحيا لصورة الصلاة المرتكزة في أذهان المتشرعة على وجه لا يعد الشخص مصليا، وهذا المعنى مبني على أن تكون للصلاة صورة اتصالية، وتكون تلك الصورة مما يلزم حفظها. وشيخنا الاستاذ - مد ظله - في بحثه الاصول أنكر كل ذلك. ولكن في المقام اعترف بأن للصلاة صورة اتصالية. ولكن كونها متعلقة للتكليف والطلب محل منع وعليه يبتني عدم جريان الاستصحاب عند الشك في قاطعية شئ.

والحاصل: أن الاستصحاب مبني على تعلق الطلب بالصورة، وهو محل منع. وأما أصل الصورة فلا يمكن إنكارها، لان القواطع تنادي بأعلى صوتها أن للصلاة صورة بحيث كلما يقع في أثنائها ولو بين السكونات وعدم الاشتغال بالافعال كان ذلك واقعا في الصلاة، وحينئذ يلزم حفظ تلك الصورة وعدم إعدامها، وإما بما جعله الشارع قاطعا كالحدث والالتفات والقهقهة، وأمثال ذلك، وإما بإعدامها تكوينا كالفعل الكثير الماحي للصورة.

ونحن وإن لم نساعد على ماذكره شيخنا في هذا المقام، بل ربما يختلج بالبال التناقض بين القول بعدم تعلق التكليف بتلك الصورة كما اعترف به في المقام أيضا وبين القول بلزوم حفظها عن غيرما جعله الشارع قاطعا فتأمل جيدا. وعلى كل حال يكفي في المسألة انعقاد الاجماع ظاهرا على عدم جواز الفعل الكثير على وجه يمحو الصورة الصلاتية، بل يكون مبطلا عمدا وسهوا اما عمدا

١٦٩

فواضح، واما سهوا فلعدم شمول مثل حديث " لا تعاد الصلاة إلا من خمس "(١) لان شمولها فرع انحفاظ الصلاة حتى يصح أن يقال تعاد أو لا تعاد، والمفروض أن الفعل الكثير على ذلك الوجه موجب لعدم صدق الصلاة وخروج المصلي عن كونه مصليا، فهو من القواطع العمدية والسهوية كالحدث.

ثم إن سنخ الافعال تختلف، فمنها مالا يحتاج في صدق الكثرة الماحية للصورة إلى تكرره، بل يكفي أول وجوده كالوثبة الفاحشة والجلوس على المائدة للاكل والشرب ومنها ما يتاج إلى التكرر كحركة اليد، فإن نفس حركة اليد لا يكون من الفعل الكثير إلا بالتكرر على وجه يصدق ذلك، بل رب فعل لا يكون من الكثير على ذلك الوجه حتى مع التكرر كحركة الاصابع فإنها لا توجب محو الصورة، وإن وقعت من أول الصلاة إلى آخرها.

وبالجملة لا إشكال في اختلاف الافعال من حيث السنخ فكلما علم أنه من الكثير الماحي للصورة بأول وجوده أو بتكرره أو علم أنه لم يكن من الكثير فهو. وأما إذا شك في كونه من أي القسمين. فهو مبني على جريان الاستصحاب عند الشك في القاطع هذا كله في الفعل.

وأما السكوت: فتارة يطول على وجه يمحو الصورة، فهو كالفعل الكثير في كونه قاطعا عمدا وسهوا، واخرى لا يطول على ذلك الوجه وإنما يوجب فوات الموالاة العرفية والمتابعة المعتبرة بين الاجزاء، الذي تقدم سابقا أنها من الشرائط فهذا إن وقع عمدا فهو موجب للبطلان، وإن وقع سهوا أو ما يلحق بالسهو من القهر والاكراه فغير موجب للبطلان، لان حديث " لا تعاد " يرفع شرطية الموالاة في هذا الحال كما هو الشأن في سائر الشرائط والاجزاء، غير الاركان، واخرى يكون السكوت غير موجب لا لهذا ولا لذلك فهو غير مبطل مطلقا.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١ (*)

١٧٠

ثم إن ما ذكرنا من أن الفعل الكثير قد يكون ماحيا للصورة وقد لا يكون فإنما هو فيما إذا لم يكن من سنخ أفعال الصلاة كالوثبة والاكل والشرب وغير ذلك، وأما إذا كان من سنخ أفعال الصلاة فهو غير موجب لمحو الصورة بلغ ما بلغ. نعم يوجب فوات الموالاة والتتابع بين الاجزاء إذا بلغ حد ذلك كما إذا قرأ دعاء أبي حمزة مثلا في أثناء الفاتحة وما شابه ذلك من الاذكار التي توجب فوات الموالاة العرفية(١) ومن جملة ذلك الصلاة الواقعة في أثناء صلاة فإنها أيضا لا توجب محو الصورة، وإنما توجب فوات الموالاة، فينبغي التفصيل بين صورة العمد والسهو.

وحيث انجر الكلام إلى ذلك فلا بأس بالاشارة إلى حكم الصلاة في أثناء صلاة من حيث الصحة والفساد والتفصيل بين صورة العمد والسهو فنقول: إن افتتاح صلاة في أثناء صلاة لا يخلو الحال فيه إما أن يكون ذلك عن عمد وإما أن يكون عن سهو ونسيان، وعلى كل تقدير إما أن تكون الصلاة الثانية المفتتحة مترتبة على الصلاة الاولى كالظهر والعصر، أو غير مترتبة كالحاضرة والفائتة بناء على عدم الترتيب فيهما وكاليومية والآيات، ثم ما كان عن عمد إما أن تكون الصلاة الثانية ملزما بها شرعا في الحال لمكان ضيق وقتها كالآيات إذا ضاق وقتها في أثناء الصلاة اليومية أو العكس، وإما أن لا يكون كذلك كما إذا كان في سعة من وقتها. فإن كان افتتاح صلاة في أثناء صلاة عن عمد واختيار من دون أن يكون هناك ملزم شرعي بالنسبة إلى الصلاة الثانية في الحال، فلا ينبغي الاشكال في بطلان كل من الصلاة الاولى والثانية، أما الاولى فلمكان فوات الموالاة بين أجزائها.

وأما الثانية فلمكان النهي عنها من حيث كونها مفوتة

____________________

(١) بل يمكن منع كون الدعاء مفوتا للموالاة مطلقا، وكذلك القرآن كما ربما يشعر بذلك بعض الاخبار في تكرارهعليه‌السلام بعض آيات الفاتحة سبعين مرة " منه ". (*)

١٧١

للموالاة عن الاولى، والظاهر أنه لا يحتاج في فوات الموالاة فعل مقدار من الصلاة الثانية، بل يصدق فوات الموالاة عرفا بمجرد الشروع في الثانية. فالاقوى أن بمجرد الشروع في الثانية بطل الاولى، لفوات شرطها من الموالاة والثانية لحرمتها.

وإن كان الافتتاح عن سهو ونسيان وكانت الثانية مترتبة على الاولى كالظهر والعصر فيما إذا شرع في العصر نسيانا في أثناء صلاة الظهر، فربما قيل: بالبطلان أيضا لمكان زيادة ركن في الاولى من تكبيرة الاحرام والركوع والسجود اذا لم يتذكر حتى أتى بالركوع والسجود الثانية، بل يكفي في البطلان مجرد التكبيرة لانها من الاركان، ولكن الاقوى ان ذلك ليس من زيادة الركن لما تقدم هنا ويأتي في محله إن شاء الله انه يعتبر في صدق الزيادة القصد إليها، بأن يأتي بشئ في أثناء الصلاة بقصد أنه من تلك الصلاة وأما مع عدم قصد ذلك فلا يصدق عليه الزيادة.

وفي المقام بعدما كان التكبير بقصد أنه من صلاة اخرى، فلا يصدق عليه أنه زاد في الصلاة الاولى فلا يندرج المقام في عقد المستثنى من حديث " لاتعاد " بل إنما يندرج في عقد المستثنى منه، حيث إنه فات من الاولى الموالاة وهي ليست من الاركان، فلا موجب لبطلان الاولى، وكذا لا موجب لبطلان الثانية، إذ لم يفت منها إلا الترتيب بين ما أتى منها من الاجزاء وبين ما سبق من أجزاء صلاة الاولى وشرطية الترتيب كشرطية الموالاة ليست من الاركان، فتشملها حديث " لا تعاد " فإلى آن التذكر لم يحصل خلل لا في الصلاة الاولى ولا في الصلاة الثانية، وأما فيما بعد التذكر فيقع الكلام حينئذ في أن شرطية الترتب هل هو على نحو العام المجموعي بأن تكون مجموع أجزاء الصلاة الثانية من حيث المجموع مترتبا على الصلاة الاولى، بحيث لو لم يقع الترتيب في جزء من الصلاة الثانية ولو في أول جزئها لكان ذلك موجبا لفوات الترتيب من أصله، لصدق عدم وقوع المجموع عقيب الاولى، فحينئذ يلزمه إتمام الثانية. ثم بعد ذلك إتمام الاولى لان فوات الترتيب إنما كان بالنسيان وفوات

١٧٢

الموالاة من الاولى أيضا كان بالنسيان فرفع اليد عما بيده والاخلال بالموالاة بين أجزائها يكون بلا موجب، لان العود إلى الاولى ثم بعد ذلك إتمام الثانية يكون موجبا لفوات الموالاة بين أجزاء الثانية بلا ملزم شرعي بعد عدم إمكان تدارك الترتيب، لان المفروض أنه كان على نحو العام المجموعي الذي فات بأول جزء من الثانية، فالاقوى بناء على هذا لزوم إتمام الثانية ثم بعد ذلك إتمام الاولى، هذا إذا قلناإن شرطية الترتيب على نحو العام المجموعي، وإن قلنا إن شرطية الترتيب على نحو العام الاصولي بأن يكون كل جزء من صلاة العصر مترتب على صلاة الظهر، فيلزمه حينئذ أنه متى تذكر رجع إلى صلاة الظهر وأتمها ثم بعد ذلك يتم صلاة العصر. لانه يتمكن من إدراك الترتيب بين ما بقي من أجزاء صلاة العصر، غايته أنه يفوت منه الموالاة بين أجزاء صلاة العصر ولا بأس به بعدما كان ذلك مقتضى الجمع بين حديث " لا تعاد " المسقط لاعتبار الترتيب فيما فعل من أجزاء صلاة العصر، وبين مادل على اعتبار الترتيب بين ما بقي من الاجزاء، بناء على كون اعتباره من باب العام الاصولي.

ولازم ذلك هو أنه لو شرع في العشاء نسيانا قبل المغرب ودخل في ركوع الركعة الرابعة، يلزمه متى تذكر فعل صلاة المغرب، ثم فعل ما بقي من أجزاء صلاة العشاء لادراك الترتيب بين ما بقي من أجزاء صلاة العشاء، غايته أنه يفوت منه الموالاة بين أجزاء صلاة العشاء. ولا بأس به بعدما كان ذلك مقتضى الجمع بين الادلة على حذو ما تقدم من صلاة الظهر والعصر هذا.

ولكن الظاهر أنه لا يلتزمون بذلك في صلاة العشاء بل بين مفتي بالبطلان نظرا إلى أنه بعد التذكر يلزم مخالفة الترتيب بين ما بقي من أجزاء صلاة العشاء عمدا وهو موجب البطلان، وبين مفتي بالصحة وإتمام صلاة العشاء ثم فعل المغرب، نظرا إلى أنه الاجزاء الواقعة حين النسيان على خلاف الترتيب كانت مندرجة تحت حديث " لا تعاد " ولازم شمول " لا تعاد " للاجزاء

١٧٣

السابقة على التذكر إسقاط الترتيب بالنسبة إلى الاجزاء الباقية بعد التذكر.

قلت: لا ملازمة في ذلك، لامكان بقاء الترتيب في الاجزاء الباقية وسقوطه في الاجزاء السابقة.

نعم لا بد من سقوط الموالاة بين أجزاء صلاة العشاء على ما تقدم، هذا.

ويمكن أن يقال: إن الامر يدور بين أحد أمرين إما من سقوط الترتيب بين الاجزاء الباقية من صلاة العشاء أو صلاة العصر بأن يتم الصلاة ثم يتم صلاة الظهر أو يشرع في صلاة المغرب، وبين سقوط الموالاة بالنسبة إلى أجزاء صلاة العصر أو العشاء، فيقع التزاحم بين هذين الامرين ولا مرجح فلابد من القول بالتخيير، بل يمكن القول بترجيح إتمام ما بيده. ثم الرجوع إلى الاولى، لان رفع اليد عما بيده وتفويته للموالاة بين الاجزاء يكون بلا ملزم شرعى، إذ غايته التخيير بين أحد الامرين والتخيير لا يكون ملزما شرعيا.

فإذا كان رفع اليد بلاملزم شرعي كان اللازم عدم جواز رفع اليد وتفويته للموالاة وسيأتي مزيد بيان لذلك، ولكن هذا كله على كون اعتبار الترتيب على نحو العام الاصولي، وهو خلاف المختار بل المختار كما تقدم في آخر المواقيت أن اعتبار التريتب إنما يكون على نحو العام المجموعي كما هو الظاهر من قولهعليه‌السلام " إلا أن هذه قبل هذه "(١) حيث إن ظاهره أن مجموع الصلاة الذي هذه يكون إشارة إلى ذلك قبل مجموع تلك الصلاة، واعتبار العام على نحو المجموعي وإن كان خلاف الظاهر ويحتاج إلى عناية وإلا مقتضى ظاهر العام هو العام الاصولي، إلا أن تلك العناية في المقام موجودة لمكام اسم الاشارة الظاهر في كونه إشارة إلى المجموع فبناء عليه لا إشكال في المسألة وأنه يلزمه إتمام ما بيده لسقوط الترتيب من أصله بمجرد الشروع في الثانية نسيانا في أثناء الاولى، أو بمجرد الدخول في ركوع

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩٢ باب ١٤ من أبواب المواقيت، ح ٥. (*)

١٧٤

الركعة الرابعة في صلاة العشاء، حيث يفوت محل العدول حينئذ بل لولا أخبار العدول لكان اللازم هو إتمام ما بيده ولو لم يشرع بعد في الاولى إذا كان في الوقت المشترك، فتأمل في المقام جيدا.

هذا كله إذا كانت الصلاة الثانية التي شرع فيها نسيانا في أثناء صلاة الاولى مترتبة على الصلاة الاولى. وأما إذا لم تكن مترتبة كما إذا شرع في الفائتة في أثناء الحاضرة وبالعكس بناء على عدم الترتيب بينهما. أو شرع في الآيات في أثناء اليومية وبالعكس مع كون وقت كل منهما موسعا.

إذ لو كان وقت أحدهما مضيقا، فسيأتي الكلام فيه فمقتضى ما ذكرنا صحة كل من الاولى والثانية لفوات الموالاة عن الاولى نسيانا، فيندرج تحت حديث " لا تعاد " ثم إن لم يتذكر حتى أتم الثانية فلا إشكال في المسألة وأنه يعود إلى الاولى، فيتمها ولا شئ عليه وإن تذكر في الاثناء، ففي إتمام الثانية ثم العود إلى الاولى، أو العود إلى الاولى وإتمامها ثم العود إلى الثانية وإتمامها، أو التخيير في ذلك وجوه.

أما وجه الاخير فحاصله: أن الموالاة بالنسبة إلى الصلاة الاولى وإن سقطت لمكان الشروع في الصلاة الثانية نسيانا. ولكن بعد التذكر يدور الامر بين أن يرجع إلى الاولى لاحراز ما يمكنه من الموالاة بين أجزائها، إذ سقوط الموالاة في الجملة لا يوجب سقوط القدر الباقي المتمكن منها، وبين إتمام الثانية لاحراز الموالاة بين أجزائها. وبعبارة اخرى: حين التذكر أمره يدور بين امتثال أحد الواجبين اللذين لا يتمكن من الجمع بينهما اما امتثال وجوب القدر الممكن من موالاة الاولى، واما امتثال وجوب الموالاة في الثانية، ولابد من سقوط أحد الواجبين وحيث لا ترجيح فالتخيير.

وأما وجه الثاني: فلان الامر بإتمام الاولى كان سابقا بحسب الزمان فالترجيح لاتمام الاولى لسبق أمره.

١٧٥

وأما وجه الاولى: فحاصله أنه وإن كان المقام من باب التزاحم.

إلا أن رفع اليد عما بيده والرجوع إلى الاول يكون بلا ملزم شرعي لان في هذا الحال قد توجه عليه الامر بإتمام الثانية وحفظ موالاتها، ودعوى أن الامر بإتمام الاولى كان سابقا في الزمان كما هو مبني الوجه الثاني، فهو مما لا أثر له، بعد ما اجتمع الامر بإتمام الثانية أيضا، فغاية ما يمكن أن يقال هو التخيير ولكن رفع اليد عما بيده من دون ملزم شرعي مما لا يجوز لان التخيير لايمكن أن يكون ملزما شرعيا، فإذا لم يكن له ملزم شرعي ولم يصلح الامر بإتمام الاولى لان يكون تعجيزا مولويا عن إتمام الثانية فيلزم إتمام الثانية، لان قدرته مصروفة لتحصيل الموالاة في أجزاء الثانية، فالاعراض عنها ورفع اليد عن صرف القدرة إليها بصرفها في تحصيل ما يمكن من الموالاة الاولى يكون نظير عدم صرف القدرة في القيام في الركعة الاولى، وصرفها في الركعة الثانية، الذي قلنا في محله: إن ذلك لا يجوز لانه متمكن من القيام في الركعة الاولى.

فلا يسوغ له الجلوس إلا أنه كان هناك ملزم شرعي، والمفروض أنه لم يكن لان الامر بالقيام في الركعة الثانية ليس في مرتبة الامر بالقيام في الركعة الاولى فإذا لم يكن في مرتبته كان المتعين عليه صرف قدرته في القيام في الركعة الاولى، وما نحن فيه من هذا القبيل إذ رفع اليد عما بيده، وصرف قدرته على تحصيل القدر الباقي من موالاة الاولى بلا تعجيز مولوي مما لا يجوز. ومجرد الامر به لايوجب التعجيز إذا لم يتعين لاهمية. أوغيرها. والمفروض أنه لا تعيين له، فلا يصلح للتعجيز فإذا يتعين عليه إتمام الثانية التي قدرته مصروفة إليها فعلا.

وحاصل الكلام: أن التخيير في أمثال المقام ما لا يمكن، لان التخيير فرع التكافؤ المفقود في المقام، لمكان اشتغاله بالثانية التي لا يجوز تفويت موالاتها بلا ملزم شرعي، هذا حاصل ما أفاده شيخنا الاستاذ - مد ظله - في المقام، وبنى على

١٧٦

هذا الوجه، ولكن بعد في النفس من ذلك شئ، أما أولا فلامكان أن يقال إن الموالاة في الاولى سقطت وليس لها قدر باق حتى يقال يجب تحصيله، لان الموالاة أمر بسيط هي عبارة عن التتابع بين الاجزاء، والمفروض فوات التتابع بسبب الشروع في الصلاة الثانية، وليس التتابع ذي مراتب حتى يقال فات بعض مراتبه وبقي الآخر فيجب إحراز ما بقي بعد التذكر، بل المرتبة المتأخرة عن الموالاة هي محو الصورة التي فرضنا أن الصلاة في أثناء صلاة لا توجب محو الصورة، فإذا سقطت الموالاة في الاولى ولم يقم دليل على وجوب التتابع بين الاجزاء فورا ففورا.

فلم يبق في المقام إلا التتابع في أجزاء الثانية التي يمكن تحصيلها، فليس المقام من باب التزاحم، بل ليس هناك إلا أمر واحد وهو الموالاة في الثانية وأما ثانية فلو سلم أن اعتبار التتابع يكون فورا ففورا، فلا محيص من القول بالتخيير، وقياس المقام بالقدرة على القيام في الركعة الاولى أو الثانية، حيث يتعين عليه صرف قدرته في القيام في الركعة الاولى مما لم يظر لنا وجهه. لان في مسألة القيام إنما وجب صرف قدرته في الركعة الاولى لمكان تقدم زمان امتثال وجوب القيام فيها، وهذا بخلاف المقام حيث إن زمان امتثال كل من تحصيل الموالاة في الثانية والقدر الممكن من موالاة الاولى واحد لا تقدم لاحدهما على الآخر، فتأمل في المقام جيدا. هذا كله إذا شرع في الصلاة الثانية نسيانا.

بقي الكلام فيما إذا توجه إليه تكليف مضيق في أثناء الصلاة، كما إذا تضيق وقت الآيات في أثناء الصلاة وبالعكس، ولا ينبغي الاشكال في وجوب فعل ما تضيق وقتها من دون استلزام ذلك بطلان ما بيده من الصلاة، والسر في ذلك هو اندراجه في حديث " لا تعاد ". وتوضيح ذلك هو أن مفاد " لا تعاد " أن كل ما استلزم وجوبه في حال الصلاة إعادة الصلاة بحيث كان الخطاب المتوجه إليه في ذلك الحال الاعادة، فحديث " لا تعاد " يعمه، ويدل على عدم وجوب

١٧٧

الاعادة إذا كان ذلك الشئ غير الاركان، ومن هنا قلنا بعدم شمول " لا تعاد " للعامد والجاهل مقصرا كان أو قاصرا، إذ هو في ذلك الحال مخاطب بأصل الصلاة، لا بإعادة الصلاة لتمكنه من فعل ما تركه عن عمد أو جهل، والمفروض أن الاحكام لا تختص بالملتفت العالم، فوجوب الجزء المتروك عن جهل لا يلازم خطاب إعادة الصلاة، فلا يعمه حديث " لا تعاد " وهذا بخلاف ما إذا كان ترك الجزء عن نسيان. فإنه لا يعقل إيجاب ذلك الجزء عليه في حال النسيان. فوجوب ذلك الجزء عليه مساوق للامر بإعادة الصلاة، وحديث " لا تعاد " ينفي وجوب الاعادة، فتصح صلاته. فإذا كان مفاد " لا تعاد " ذلك.

فلا فرق بين أن يكون ترك الجزء أو الشرط عن نسيان، أو كان لمزاحمته بما هو أهم وأولى بالرعاية من رعاية ذلك الجزء كما في مفروض الكلام، حيث إن رعاية الموالاة بين أجزاء الصلاة التي بيده يوجب فوات الواجب الشرعي المضيق وقته. بحيث لا يتمكن من فعله إذا توالى بين أجزاء الصلاة فلابد من فعل الواجب المضيق.

وحينئذ إذا كانت الموالاة واجبة عليه والحال هذه لكان يلزمه إعادة الصلاة، وحديث " لا تعاد " ترفع وجوبها. فتحصل أن عروض ما يكون واجبا مضيقا عليه في حال الصلاة موجب لسقوط شرطية الموالاة بمقتضى حديث " لا تعاد " ويؤيد ذلك ما ورد(١) من فعل صلاة الآيت في أثناء اليومية.

ثم البناء عليها من دون حاجة إلى إعادتها. فإنه يمكن أن يكون ذلك لمكان اقتضاء القاعدة له لا أنه تعبد محض، ومن هنا نقل عن العلامة(٢) -قدس‌سره - التعدي عن مورد الرواية إلى عكسه من فعل صلاة اليومية في أثناء صلاة الآيات إذا تضيق وقت اليومية، وربما يقال إنه من هذا القبيل ما إذا

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ١٤٧ باب ٥ من ابواب صلاة الكسوف والآيات ح ٢.

(٢) مختلف الشيعة: ج ١ ص ١١٧ كتاب الصلاة. (*)

١٧٨

تذكر عدم فعل صلاة الاحتياط التي اقتضتها الصلاة السابقة، أو تذكر عدم إتيانه بالاجزاء المنسية من الصلاة السابقة في أثناء الصلاة الاخرى، فيلزمه حينئذ فعل صلاة الاحتياط أو الجزء المنسي، ثم البناء على ما بيده من دون حاجة إلى إعادة الصلاة هذا.

ولكن يمكن أن يقال إن فعل صلاة الاحتياط أو الاجزاء المنسية، لمكان أنها جزء من الصلاة السابقة كما هو أقوى الوجهين في الاجزاء المنسية، وأوجه الوجهين في صلاة الاحتياط، فيلزمه فعلها في أثناء الصلاة لمكان أن ما بيده تكون مرتبة على صلاة الاحتياط والاجزاء المنسية. لكونهما جزء من الصلاة السابقة والتريتب في الكل يقتضي التريتب في الجزء أيضا، غايته أنه إلى الآن كان الترتيب ساقطا لمكان النسيان، وأما بعد التذكر فيلزمه تحصيل الترتيب بالمقدار الممكن.

فليس صلاة الاحتياط مندرجا فيما ذكرناه من القاعدة وهي سقوط الموالاة أو شرط آخر عند توجه تكليف مضيق عليه في أثناء الصلاة هذا. ولكن إذا كان فعل صلاة الاحتياط أو الاجزاء المنسية لمكان تحصيل الترتيب، لكان اللازم بناء على ما اخترناه من أن اعتبار الترتيب على نحو العام المجموعي لا الاصولي، هو تأخير صلاة الاحتياط والاجزاء المنسية إلى ما بعد الصلاة، لسقوط الترتيب بالكلية بين ما بيده وبين صلاة الاحتياط أو الجزء المنسي بمجرد الشروع فيما بيده نسيانا. نعم بناء على اعتبار التريتب على نحو العام الاصولي اتجه ما ذكر من فعل صلاة الاحتياط والجزء المنسي في أثناء ما بيده، ثم البناء على ما بيده.

ثم إنه هل يلحق بالواجب الموقت المضيق كل واجب فوري في وجوب فعله في أثناء الصلاة وسقوط شرطية الموالاة بين أجزائها أو لا يلحق؟ فلو تذكر أن عليه من الصلاة السابقة سجدتي السهو في أثناء الصلاة فهل يلزمه فعلها في الاثناء من دون اقتضاء ذلك بطلان ما بيده أو لا؟ مقتضى القاعدة أنه لا يلزمه ذلك بل يلزمه تأخيرها إلى ما بعد الفراغ عن الصلاة لان احتمال الجزئية في سجدتي السهو

١٧٩

بالنسبة إلى الصلاة التي وقع موجبها فيها مما لا يتطرق، كما كان في صلاة الاحتياط والاجزاء المنسية، ومجرد وجوبها الفوري لا يقتضي سقوط الموالاة بين أجزاء الصلاة لانها واجبة فورا ففورا.

فلا يلزم من تأخيرها فواتها بالمرة كما لزم من رعاية الموالاة فيماإذا كان الواجب العارض في أثناء الصلاة موقتا. مضيقا فوات الواجب بالمرة فحينئذ رفع اليد عما بيده وصرف قدرته إلى سجدتي السهو يكون بلا ملزم شرعي وبلا تعجيز مولوي على ما تقدم بيانه. هذا، ولكن الاحوط فعل سجدتي السهو متى تذكر والبناء على ما بيده بإتمامها ثم إعادتها، فتأمل جيدا. هذا تمام الكلام فيما يقطع الصلاة عمدا وسهوا. وقد عرفت أنه ثلاثة الحدث، والالتفات، والسكوت الطويل، أو الفعل الكثير الماحي للصورة.

بقي في المقام حكم الشك في فوات الموالاة أو فوات الصورة أما الشك في فوات الموالاة فتارة يكون لاجل الشبهة المفهومية، كما إذا شك في أن هذا المقدار من السكوت مفوت للموالاة عرفا أو ير مفوت لاجل عدم اتضاح المفهوم وتردده بين الاقل والاكثر كما هو الشأن في غالب المفاهيم العرفية، واخرى يكون لاجل الشبهة المصداقية، كماإذا علم أن مقدارا من السكوت مفوت للموالاة قطعا، ولكن شك في مقدار سكوته وأنه كان نصف ساعة مثلا، حتى يكون موجبا لفوات الموالاة أو ربع ساعة حتى لا يكون موجبا لذلك. فإن كان الشك لاجل الشبهة المفهومية فلا إشكال في الرجوع إلى البراء‌ة، لان مرجع الشك إلى الشك في تقيد الصلاة بالمشكوك، وأصالة البراء‌ة تنفي التقيد.

وإن كان الشك من جهة الشبهة المصداقية فالظاهر أن المرجع فيه هو الاشتغال، للشك في حصول شرطية الموالة، كما هو الشأن في الشك في وجود كل شرط، ولا مجال هنا لاستصحاب الموالاة لان الموالاة عبادة عن التتابع بين الجزء‌ين، والمفروض الشك في حدوثها، لاحتمال أن يكون قد سكت نصف ساعة، وأصالة عدم بلوغ السكوت نصف

١٨٠

ساعة لا تنفع، لان الاثر مترتب على الامر الوجودى وهي الموالاة، لا الامر العدمي فأصالة عدم حدوث ما يوجب تفويت الموالاة لا يثبت الموالاة، لانه يكون من إثبات أحد الضدين بنفي الآخر، فتأمل جيدا.

وأما الشك في فوات الصورة. فإن قلنا بمقالة الشيخ -قدس‌سره - من تعلق الطلب بالصورة الصلاتية، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء تلك الصورة عند الشك في حدوث ما يسقطها وإن لم نقل بمقالة الشيخ كما تقدم فاستصحاب بقاء الصورة مما لا أثر له، لانها ليست متعلق التكليف ولا موضوع لحكم شرعي، بل الذي تعلق التكليف به هو عدم تخلل تلك القواطع، فيقع الكلام حينئذ في أن عدم تخلل القاطع على وجه السلب الكلي الذي يكون مجرى للاستصحاب يكفي في الصحة، وإن لم يثبت حال ما شك في قاطعيته بل الشك في قاطعيته بعد باق على حاله، نظير استصحاب الطهارة. أو عدم تحقق الحدث عند الشك في حدثية المذي والوذي، أو أن ذلك لا يكفي بل لابد من إزالة الشك عما شك في قاطعيته، والاستصحاب على النحو السلب الكلي لا يزيل الشك هذا. والذي يتخيل في بادي النظر هو كفاية الاستصحاب على وجه السلب الكلي، ولكن المقام بعد يحتاج إلى مزيد تأمل.

القسم الثاني من القواطع ما يقطع الصلاة عمدا لا سهوا وهي امور: الاول: التكلم بحرفين فصاعدا سواء كان موضوعين لمعنى أو كانا مهملين. والظاهر أنه مما انعقد الاجماع على أن التكلم بحرفين فما زاد مبطل للصلاة إذا كان عن عمد، إنما الاشكال في وجه التقييد بحرفين، مع أن الموضوع في الادلة هو مطلق التكلم الصادق لغة على الحرف الواحد. لان الكلام في اللغة موضوع لمطلق

١٨١

التكلم. فلا موجب لتقييده بحرفين اللهم إلا أن يوجه بالانصراف، وأن الكلام منصرف إلى الصوت المشتمل على الحرفين فمازاد وصدق الكلام لغة على الحرف الواحد لا ينافي عدم الصدق العرفي، لمكان الانصراف إلى غيره هذا.

مضافا إلى أن المسألة غنية عن إقامة البرهان علهيا، لا نعقاد الاجماع ظاهرا على عدم مبطلية التكلم بحرف واحد. ولكن هذا فيماإذا كان الحرف الواحد مهملا غير مفيد للمعنى، وأما الحرف الواحد المفيد كفعل الامر من الملفوف ك‍ " ق " و " ع "، فلا ينبغي الاشكال في كونه مبطلا لانه كلام لغة وعرفا مشتمل على موضوع ومحمول ونسبة، فلا يمكن سلب الكلام عنه، وخلوه عن هاء السكت لا يوجب خروجه عن الكلام، غايته أنه يكون كلاما ملحونا لاعتبار إلحاق هاء السكت في آخره لئلا يلزم الوقف بالحركة. إلا أن هاء السكت لا دخل لها في المعنى وإنما المفيد للمعنى هو نفس الحرف، فالتكلم بفعل الامر من الملفوف مبطل، وإن كان حرفا واحدا نعم يعتبر القصد إلى كونه كذلك لان المائز بين كون " ق " حرفا واحدا مهملا بلا معنى أو كونه له معنى وفعل أمر من الملفوف إنما يكون بالقصد بعد الاشتراك بالصورة.

فتحصل أن التكلم بحرفين مطلقا كانا مفيدين للمعنى أو لم يكونا أو التكلم بحرف واحد مفيد للمعنى مبطل للصلاة إن كان عن عمد، وكذلك إذا تولد من الاشباع حرف، فإن الحرف المتولد من الاشباع مع ما قبله يكون مبطلا لصدق أنه تكلم بحرفين، نعم مد الحرف الواحد وإن طال غير موجب للبطلان لانه لا يخرجه عن كونه حرفا واحدا، والمد والاطالة كيفية في الصوت لا أنها حروف متوالية كما هو كذلك في الاشباع، فتأمل، فإن كثرا ما يعبر عن الاشباع بالمد، فاشكل على من عبر بذلك بأن المد لا يوجب تولد الحرف منه، فكيف يقال بالبطلان بمد الحرف الواحد، ولكن المراد من المد هو الاشباع، ولا إشكال في تولد

١٨٢

الحرف من الاشباع. وأما التنحنح فغير موجب للبطلان، لانه لم يكن من مقولة الكلام. بل هو صوت غير مشتمل على الحروف المارة بمخارجها. نعم حكاية التنحنح بلفظه موجب للبطلان لانه من مقولة الكلام. وكذا حكاية الانين، بل نفس الانين إذا كان على وجه يشتمل على ألف وهاء. بحيث يعد من التكلم بحرفين، نعم لا بأس بالانين الخالي من الحروف المارة على مخارجها.

بقي في المقام حكم التأوه فإن كان لامر دنيوي فلا ينبغي الاشكال في عدم جوازه وقطعه للصلاة، وإن كان لخوف من الله بتذكر ذنوبه وما أعده الله للمذنبين من دركات النار، فإن كان ذلك في ضمن دعاء، كبعض فقرات دعاء أبي حمزة المشتمل على لفظ آه، فلا إشكال في جوازه وعدم اندراجه في الكلام المبطل، وإن كان مجردا عن الدعاء بل مجرد التأوه لكن كان ذلك لخوف من الله فلا يبعد القول بجوازه أيضا، اما لمكان دعوى اندراجه في الدعاء مناطا وإن لم يكن منه موضوعا، أو لمكان دعوى انصراف الكلام المبطل إلى غير ذلك. فتأمل جيدا.

ثم إنه لا إشكال في جواز قراء‌ة القرآن والدعاء والذكر في الصلاة كما يدل على ذلك قولهعليه‌السلام : إنما صلاتنا هذه دعاء وذكر وقرآن ليس فيها شئ من كلام الآدميين(١) إلا أن الخارج إنما هو القرآن والدعاء والذكر الجائز المحلل، وأما القرآن والدعاء المحرم. فهو وإن لم يندرج في كلام الآدميين، إلا أنه يكفي في قاطعيته عمومات قاطعية التكلم التي لم تقيد بخصوص الآدميين. ومن المعلوم أن الدعاء والقرآن المحرم مندرج في التكلم، مع عدم شمول ما دل على جواز القرآن والدعاء للقرآن والدعاء المحرم. لانصرافه إلى المحلل كما لا يخفى وجهه.

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١ ص ١٩٦ ح ٤ قزيب منه. (*)

١٨٣

ثم إن مخاطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والاولياء ملحق بمخاطبة الله تعالى من حيث إنهم وسائل النعم. فلا بأس بمخاطبة الائمةعليه‌السلام في أثناء الصلاة ولا يخرج ذلك عن كونه دعاء بل في بعض الروايات ما يدل على ذلك كما ورد: أنه لا بأس بذكر الله والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة(١) على ما رواه في الوسائل.

ففي مثل قول " يا رسول الله " وأمثال ذلك، بل في مثل السلام عليه وعلى الائمة لا بأس به، ولا يندرج في كلام الآدميين لانصرافه إلى غير ذلك، وأما مخاطبة غير الائمة كقولك " رحمك الله يا زيد " وما شابه ذلك فجوازه لا يخلو عن إشكال لقوة اندارجه حينئذ في كلام الآدميين وإن اشتمل على الدعاء، إلا أن المخاطبة ربما تلحقه بكلام الآدميين، بخلاف ما إذا لم يشتمل على الخطاب كقولك " رحم الله زيدا " فإنه متمحض في الدعائية، ومنه يظهر وجه الاشكال في تسميته العاطس فالاحوط ترك ما كان مشتملا على المخاطبة لغير الله والائمةعليه‌السلام ، ثم إن شيخنا الاستاذ - مد ظله - قد تعرض لاحكام رد السلام في الصلاة في هذا المقام فلا بد لنا من أن نقتفي أثره فنقول: إنه لا إشكال في كراهة السلام على المصلي كما يظهر من بعض الاخبار(٢) إلا أنه لو سلم أحد على المصلي خاصة أو على جماعة منهم المصلي يجب على المصلي رد التحية عينا في الاول وكفاية في الثاني، وذلك مما لا إشكال ولا خلاف فيه، إنما الاشكال في كيفية الرد، وأنه هل يعتبر المماثلة في الجواب، أو أنه لا يعتبر بل يجوز بكل صيغة، أو أنه يعتبر صيغة خاصة؟ وينبغي أولا ذكر بعض أخبار الباب.

فمنها ما رواه محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت: السلام عليك فقال: السلام عليك فقلت: كيف أصبحت

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٢ باب ١٣ من أبواب قواطع الصلاة ح ٢ نقلا بالمعنى.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٧ باب ١٧ من أبواب قواطع الصلاة ح ١ و ٢. (*)

١٨٤

فسكت فلما انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة قالعليه‌السلام : نعم مثل ما قيل له(١) .

ومنها: صحيح منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا سلم عليك الرجل وأنت في الصلاة ترد عليه خفيا كما قال(٢) . ومنها: رواية سماعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة قال: يرد سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائما يصلي فمربه عمار بن ياسر، فسلم عليه عمار فرد عليه هكذ(٣) . ومنها رواية محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال: إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه، تقول: السلام عليك وأشر بإصبعك(٤) ، ومنها غير ذلك مما لا تخفى على المراجع.

ولا يخفى أن هذه الاخبار بظاهرها متعارضة، فإن مقتضى إطلاق رواية المثلية هو وجوب المماثلة مطلقا بأي صيغة كانت التحية. فلو قال المسلم: سلام عليك يجب الجواب ب‍ " سلام عليك " ولو قال: " السلام عليك " بالالف واللام يجب الجواب كذلك وكذا لو قال: " سلام عليكم " أو " السلام عليكم " يجب الجواب بمثل ما قال. ومقتضى رواية سماعة هو تعين الجواب ب‍ " سلام عليكم " مطلقا بأي صيغة كانت التحية. ومقتضى رواية محمد بن مسلم تعين السلام عليك بالالف واللام مع إفراد ضمير المخاطب، سوا كانت التحية بذلك أو

____________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ١٢٦٥ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٥ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٣،

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٥ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ح ٢.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٦ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٥. (*)

١٨٥

بغيرها، هذا، ولكن لا يخفى أقوائية ظهور ما دل على اعتبار المماثلة مطلقا، لامكان حمل ما عداها على ما إذا كانت التحية بذلك خصوصا في رواية سماعة. حيث إن الغالب في التحية وما تعارف عليه الناس هو قول " سلام عليكم " فلذا قالعليه‌السلام : " ترد سلام عليكم على حسب ما قال " لمكان التعارف وبالجملة: لا ينبغي الاشكال في أقوائية ظهور أخبار اعتبار المماثلة، هذا إذا كان السلام بأحد الصيغ الاربع وهي " سلام عليكم " و " السلام عليكم " و " سلام عليك " و " السلام عليك " وأما إذا كان السلام بغير هذه الصيغ كقوله " سلام " بلا ضم شئ معه. أو " عليكم السلام " ففي وجوب الرد إشكال خصوصا في مثل " عليكم السلام " الذي لم يتعارف التحية بذلك. بل إنما يقال في مقام رد التحية.

نعم لا يبعد أن يكون " سلام " من صيغ التحية، كما ربما يدل على ذلك قوله تعالى " فقالوا سلاما قال سلام " الآية(١) . فلا ينبغي ترك الاحتياط في الرد بأحد الصيغ القرآنية بقصد القرآنية وكذا لو ألحن في التحية فإن اللحن في التحية مادة وإعرابا لا يوجب سلب اسم التحية عنها، خصوصا بعض أقسام الملحون فيندرج في إطلاق قوله تعالى " وإذا حييتم بتحية " الآية(٢) فيجب الرد، ولكن لا يلزم المماثلة لها في اللحن بل لابد في الرد أن يكون صحيحا. والاحوط الرد بأحد الصيغ القرآنية بقصد القرآنية، وقصد القرآنية لا يوجب الخروج عن كونه ردا للتحية إذ لا يعتبر في رد التحية القصد إلى كونها تحية.

ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد إشكال، وربما يبنى على شرعية عبادات الصبي وتمرينيتها، ولكن الظاهر عدم الابتناء على ذلك، بل العبرة في

____________________

(١) الذاريات: الآية ٢٥.

(٢) النساء: الآية ٨٦. (*)

١٨٦

صدق التحية على تحية الصبي لكي يندرج في إطلاق قوله تعالى: " وإذا حييتم " الآية(١) ولا يبعد صدق ذلك ولكن الاحوط الجواب بأحد الصيغ القرآنية.

بقي في المقام أمور يلزم التنبيه عليها: الاول: إنما يلزم المصلي رد التحية. إذا كان مقصودا بالتحية مستقلا أوفي ضمن جماعة، ولم يسقط عنه بقيام الغيربه. والسر في ذلك واضح.

الثاني: إنما يجب رد التحية مع بقاء محل الرد بحيث لا يقع فصل بين التحية والرد بما يخرجه عن كونه. ردا، خلافا لبعض الاعلام حيث قال: بلزوم الرد وإن وقع في البين فصل طويل. بل قال: بلزوم السفر لرد التحية مع توقف الرد عليه، كما لو سافر المحيي قبل الرد أو سافر هو، فإنه يلزمه الرجوع عن سفره لرد التحية ولكن لا يخفى ضعفه، إذا الوجب هو رد التحية بحيث يرتبط الرد بالتحية، فلا يجب الرد مع الفصل الطويل المجرد عن ذلك. نعم لو شك في بقاء مجال الرد وعدمه. كان مقضتي القاعدة وجوب الرد لرجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط كما لا يخفى.

الثالث: لو شك في قيام الغير برد التحية كان الواجب عليه رد التحية، لرجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط.

الرابع: لو شك في أن التحية كانت على وجه يجب ردها. كماإذا كانت بصيغ السلام، أو كانت لا على هذا الوجه، كما في سائر صيغ التحية، مثل " صبحكم الله بالخير " وما شابه ذلك. فمقتضى البراء‌ة عدم وجوب الرد، فإذا لم يجب الرد لا يجوز في الصلاة، لانه كلام آدمي ولم يعلم اندراجه في المخصص من رد التحية.

وتوهم أن الشبهة في المقام تكون مصداقية لاحتمال أن يكون في الواقع من أفراد رد التحية، فلا يجوز التمسك بعمومات قاطعية التكلم بعد خروج رد

____________________

(١) النساء: الآية ٨٦. (*)

١٨٧

التحية عنها، يدفعه أن خروج رد التحية إنما هو لمكان أهيمة رد التحية في نظر الشارع. لمكان عدم هتك المؤمن. فإذا فرض أنه لم يجب الرد ولو ظاهرا لمكان أصالة البراء‌ة، فلا مانع حينئذ من التمسك بعمومات قاطعية مطلق التكلم.

وبعبارة اخرى: مناسبة الحكم والموضوع في المقام يقتضي أن يكون الخارج عن العمومات هو ما إذا تنجز التكليف بوجوب الرد، فتأمل في المقام.

الخامس: لو سلم على جماعة منهم الصبي فسبق الصبي برد التحية ففي السقوط عن الباقين إشكال.

وربما تبنى المسألة على شرعية عبادة الصبي وتمرينيتها فإن قلنا: بالشرعية يسقط الباقين لا محالة وهذا البحث سيال في جميع الواجبات الكفائية عند فعل الصبي لها. وقد اختار شيخنا الاستاذ - مد ظله - عدم السقوط مطلقا. أما بناء على التمرينية فواضح، وأما بناء على الشرعية. فلان السقوط يتوقف على أن يكون فعل الصبي واجدا لتمام الملاك، بحيث يكون فعله لا يقصر عن فعل البالغين من حيث الملاك. ولا طريق لنا إلى إثبات ذلك، إذ أدلة شرعية عباداته لا تفي بذلك. وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في مبحث المواقيت فراجع، والمسألة محل إشكال تحتاج إلى زيادة تأمل.

ثم إنه بقي في المقام بعض الفروع المتعلقة بالتحية وردها بالنسبة إلى المصلي وغيره قد تعرض لها شيخنا الاستاذ - مد ظله - في المقام، ونحن قط طويناها لمكان وضوحها.

ومن جملة القواطع التكفير، ولا ينبغي الاشكال في قاطعيته للاخبار(١) الناهية المستفاد منها المانعية كما هو الافضل في النواهي المتعلقة بباب المركبات.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٤ باب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة. (*)

١٨٨

الخلل الواقع في الصلاة

ومحل الكلام إنما هو في الخلل الواقع في الاجزاء الداخلية للصلاة، دون الاجزاء الخارجية من الشرائط والموانع، إذ الخلل الواقع في كل منها قد تقدم في بابه، فلا موجب لاعادة.

فالكلام في المقام مقصور بالخلل الواقع في الاجزاء، ثم إن الخلل إما مقطوع الوقوع في الصلاة، وإما مشكوك الوقوع. فيقع البحث في مقامين: المقام الاول: في الخلل المقطوع وقوعه في الصلاة وهو إما أن يكون عن عمد وعلم بالحكم، وإما أن يكون عن جهل به قاصرا أو مقصرا، وإما أن يكون عن سهو ونسيان. أما الخلل العمدي فلا كلام في بطلان الصلاة به، ولا إشكال فيه إذ لولا البطلان به يلزم خروج الجزء عن كونه جزء وهذا خلف فبطلان الصلاة بالخلل العمدي من توابع جعل الجزئية.

وأما الخلل الواقع عن جهل بالحكم. فكذلك. وإنما قيدنا الجهل بكونه بالحكم. لان الجهل بالموضوع مع تبين الحكم بالنسبة إلى نفس متعلق التكليف

١٨٩

مما لا يمكن، وإن أمكن بالنسبة إلى الشرائط والموانع كالجهل بكون الشئ مما يؤكل أو كونه حريرا وغير ذلك من موارد الجهل بموضوعات الشروط والموانع.

وهذا بخلاف الجهل بنفس المتعلق فإنه غير معقول إذ بعد العلم بوجوب الفاتحة السقط من نسخة الاصل وتبين مفهومها لا يمكن الجهل بها فالضابط الكلي هو أن الجهل إما أن يتعلق بالحكم الشرعي، وإما أن يتعلق بموضوع التكليف فيها إذا كان للتكليف تعلق بموضوع خارجي، وفيما عدا ذلك لا يمكن الجهل إلا إذا رجع الجهل إلى الجهل في المحصل، لا في نفس متعلق التكليف، كما تقدم الكلام في ذلك عند البحث عن اللباس المشكوك، فراجع.

وعلى كل حال الجاهل بالحكم يكون حكمه حكم العامد، إلا في مواضع الجهر والاخفات والقصر والاتمام، على ما تقدم تفصيل الكلام في ذلك في مبحث القراء‌ة. والسر في ذلك هو أن الاحكام يشترك فيها العالم والجاهل، حسب ما قام عليه الاجماع. ونطقت به الادلة، من غير فرق في ذلك بين الجاهل القاصر والمقصر. وإن كان القاصر معذورا لاعقاب عليه، إلا أنه ليس الكلام في المقام في العقاب، بل الكلام في الصحة والبطلان.

وبالجملة: لا إشكال في أن الاحكام بنتيجة الاطلاق تعم العالم والجاهل إلا في الموضعين المتقدمين حيث إنها بنتيجة التقييد تختص بالعالم، كل ذلك القيام الدليل على ذلك، إذ نفس أدلة جعل الاحكام لا يمكن أن تتكفل لبيان ذلك، فإن العلم والجهل من الانقسامات اللاحقة للاحكام بعد [ جعلها ] والاطلاق، والتقييد اللحاظي إنما يتصور في الانقسامات السابقة دون الانقسامات اللاحقة، للزوم الدور كما بيناه في محله. إلا أنه مع ذلك الاهمال الواقعي لا يمكن، إذ المصلحة التي اقتضت جعل الحكم على طبقها، إما أن تكون محفوظة في كلا حالتي العلم والجهل، وإما أن تكون مقصورة بصورة العلم.

فإن كانت على الوجه

١٩٠

الاول فلا محيص من نتيجة الاطلاق وإن كانت على الوجه الثاني فلا محيص من نتيجة التقييد.

ومن المعلوم أن استفادة كون المصلحة على هذا الوجه، أو ذلك الوجه إنما يكون بدليل خارج، وحيث قام الدليل على صحة صلاة الجاهل بالجهر والاخفات، والاتمام في مواضع القصر. فاستفدنا من ذلك اختصاص الحكم بالعالم على مافيه من الكلام الطويل كما بيناه في الاصول، وأما فيما عدا ذلك. فحيث لم يقم دليل على اختصاصها بالعالم، إلاما ربما يتوهم من شمول حديث " لا تعاد "(١) للجاهل، وسيأتي فساده، بل قام الدليل من الاجماع والادلة على الاشتراك، فلابد من نتيجة الاطلاق وثبوت الحكم بالنسبة إلى الجاهل فلابد من أن يكون حكم الجاهل حكم العامد في بطلان عباداته عند وقوع الخلل فيها.

بقي الكلام في حكم الخلل الواقع عن سهو، وما يلحق به من النسيان والخطأ، وينبغي أولا ذكر القواعد التي تسالم عليها الفقهاء، في الخلل الواقع في باب الصلاة، وما يصلح أن يكون مستندا لها، فنقول قبل ذلك: إن الخلل الواقع إما أن يكون في أجزاء الصلاة، وإما أن يكون في شرائط الاجزاء كالجهر والاخفات، بناء على أن يكونا شرطا للقراء‌ة لا شرطا للصلاة في حال القراء‌ة. وإما أن يكون في شرائط الصلاة المعتبرة في حال الاجزاء، كالمثال المتقدم بناء على الاحتمال الآخر. ثم إن الاجزاء إما أن تكون أجزاء ركنية، وإما أن تكون أجزاء غير ركنية. فهذه جملة الاقسام المتصورة في الخلل في الصلاة.

وبعد هذا نقول: إنه قد تسالموا على أن الخلل إن كان واقعا في الاجزاء الركنية فهو موجب للبطلان وإعادتها. وإن كان واقعا في الاجزاء الغير الركنية فهو غير موجب

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١. (*)

١٩١

للبطلان ويجب المضي عليها، ولكن ليس مطلق ترك الركن في محله المضروب له شرعا موجبا للبطلان، بل تركه مطلقا حتى من محله السهوي موجب للبطلان، كما أنه ليس مطلق ترك الجزء الغير الركني من محله المضروب له موجبا لوجوب المضي، وعدم الالتفات إلى ذلك الجزء المنسي وقوعه في محله، بل العبرة في ذلك إنما هو محله السهوي لا محله العمدي.

وتفصيل ذلك هو أن لكل جزء من أجزاء الصلاة محل عمدي ومحل سهوي والمراد والمحل العمدي هو ما إذا أوجب تركه في ذلك المحل عمدا بطلان الصلاة. وذلك عبارة عن المحل الذي أعد له شرعا بحسب تأليف أجزاء الصلاة بوضعها الاولي، ككون التكبيرة قبل الحمد، والحمد قبل السوة، والسورة قبل الركوع، والركوع قبل السجود، وهكذا. فلو أخل بأحد هذه الاجزاء في محلها عمدا فقط بطلت صلاته، كما إذا قدم السورة على الحمد والسجود على الركوع. وهكذا.

وأما المحل السهوي فتختلف حال الاجزاء في ذلك. وبيان ذلك هو أنه لو كان المتروك ركنا فمحله السهوي يبقي إلى الدخول في الركن الآخر، فإذا دخل في الركن الآخر فقط بطلت صلاته في غير الركعة الاخيرة، وأما في الركعة الاخيرة فسيأتي الكلام فيها. وأما لو كان المتروك جزء غير ركني كالحمد والسورة، فكذلك محله باق إلى الدخول في الركن، فإذا دخل في الركن مضى في صلاته، وليس عليه الاعادة. ولو كان المتروك شرطا للجزء لا للصلاة في حال الجزء، فحكمه حكم ترك الجزء في آن محله السهوي باق إلى الدخول في الركن، فإذا دخل في الركن مضي في صلاته. وأما لو كان المتروك شرطا للصلاة في حال الجزء، فبمجرد الخروج عن ذلك الجزء يخرج محل، ولايتوقف على الدخول في الركن. وكذا لو كان المتروك شرطا للركن، فإنه محله يخرج بمجرد الخروج عن الركن، ولا يتوقف على الدخول

١٩٢

في الركن الآخر.

وحاصل الكلام: هو أنه يتحد حكم ما كان شرطا للصلاة في حال الجزء الغير الركني، وما كان شرطا في حال الجزء الركني في فوات محله، بمجرد الخروج عن ذلك الجزء الركني والغير الركني، هذا كله في غير الركعة الاخيرة. وأما في الركعة الاخيرة فمجمل القول فيها: هو أنه تارة يكون المنسي نفس السلام، واخرى يكون المنسي غير السلام من التشهد والسجدة الواحدة أو السجدتين.

أماإذا كان المنسي غير السلام فمحله السهوي يبقى إلى السلام، وبمجرد السلام يخرج محله، فلو كان المنسي السجدتين معا فقد بطلت صلاته وعليه الاعادة. وإن كان المنسي هو السجدة الواحدة أو التشهد فقد صحت صلاته، وليس عليه الاعادة. هذا هو المختار وقيل إن محلها يبقى إلى أن يأتي بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، فمع عدم المنافي يرجع إلى فعل السجدتين إن كانا هما المنسيين، أو إلى السجدة والتشهد، وأما إذا أتى بالمنافي فلو كان المنسي السجدتين بطلت صلاته، وإلا صحت. وسيأتي ضعف هذا القول.

هذا إذا كان المنسي غير السلام، وأما إذا كان المنسي نفس السلام، فمحله يبقى إلى فعل ماينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث، فإذا فعل ما ينافي ذلك بطلت صلاته، وعليه الاعادة، وإذا فعل ما ينافيها سهوا فقط كالتكلم عاد إلى التسليم، وصحت صلاته. وقيل: صحت صلاته وكان ذلك من نسيان التسليم، وهو جزء غير ركني نسيانه غير موجب للبطلان، كسائر الاجزاء الغير الركنية وسيأتي ضعف هذا القول أيضا.

هذه جملة القواعد المذكورة في باب الخلل، والظاهر أن القواعد المذكورة مما تسالم عليه الاعلام إلا في الركعة الاخيرة، فإن فيها خلافا على ما عرفت، وإن كان بناء المعظم هو ما اخترناه فيها. وعمدة الدليل على هذه القواعد حيث " لا تعاد " وإن كان بالنسبة إلى بعضها قام دليل خاص أيضا،

١٩٣

إلا أن الذي يكون وافيا بجميع القواعد هو حديث " لا تعاد " فالمهم في المقام هو البحث عن مفاد " لا تعاد " ومقدار شموله، فنقول: هذا الحديث الشريف يتحمل معنيين: الاول: هو أن يكون مفاد " لا تعاد الصلاة إلا من خمس "(١) هو أنه يمضي في صلاته، وإذا ترك أي جزء من أجزائها، ما عدا الاجزاء الركنية، وليس عليه شئ ولا يعيدها، سواء تركه عن عمده أو جهل أو نسيان، ومعلوم أنه بناء على هذا لابد أن يكون أجزاء الصلاة من باب الواجب في واجب، فيكون الواجب الارتباطي هو خصوص الاركان، وما عداها يكون واجبا في واجب.

إذا لا يعقل كونها أجزاء مع أن تركها العمدي لا يوجب شيئا من بطلان وإعادة، فلا محيص بناء على هذا المعنى من أن تكون الاجزاء من قبيل الواجب في الواجب، وعليه يحصل التعارض بين حديث " لا تعاد " وبين ما دل على اعتبار الاجزاء على نحو الجزئية ك‍ " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "(١) وغير ذلك من أدلة الاجزاء والشرائط.

ويخرج الحديث عن كونه حاكما على تلك الادلة بل يكون معارضا لها تعارضا تباينيا، وهذا - كما ترى - مما لا يمكن الالتزام به، لان نفس سياق الحديث يأبى عن ذلك، فإن لسانه لسان الحكومة كما يظهر من صدره، حيث إنه ظاهر في أن سؤال زرارة إنما هو بعد الفراغ عن كونها أجزاء، لا واجبا في واجب، فراجع الحديث، فظهر أن ذهاب بعض - إلى أن حديث " لا تعاد " لا يختص بالناسي، بل يشمل الجاهل والعامد أيضا، غايته أن العامد خرج بالاجماع، حيث قام على

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) عوالى اللئالي: ج ١ ص ١٩٦، ح ٢. (*)

١٩٤

بطلان صلاته، فيبقى الجاهل والناسي تحته - مما لا وجه له، ولا يمكن الالتزام به: أما (أولا) فلما عرفت من أن شموله للعامد والجاهل لا يمكن إلا بذلك المعنى، الذييكون الحديث معارضا لكثير من الادلة، وقد عرفت أن صدر الحديث يأبي عن ذلك. وأما (ثانيا) فلان الاجماع كما انعقد على خروج العامد كذلك انعقد على خروج الجاهل أيضا، إلا في الجهر والاخفات والقصر والاتمام، كما يظهر ذلك للمتتبع.

الوجه الثاني: من المعنى الذي يتحمله الحديث، هو أن لسان الحديث لما كان بلسان عدم الاعادة، فلابد من أن يلاحظ في أن في أي مورد يلزم من جزئية الشئ الحكم بإعادة الصلاة، وفي أي مورد لا يلزم منه ذلك. ومعلوم أن الحكم بإعادة الصلاة إنما يكون فيما إذا لم يمكن التكليف بذلك الجزء لمكان تعذره، وإلا لو أمكن التكليف بذلك الجزء في حال تركه لمكان عدم تعذره والقدرة على فعله، فلا موجب للحكم بإعادة الصلاة، بل نفس التكليف بذلك الجزء بعد باق على حاله.

وعلى هذا الوجه لا محيص عن القول باختصاص الحديث بالناسي ولا يعم العامد والجاهل، لعدم تعذر التكليف بالجزء بالنسبة إلى العامد والجاهل، للقدرة على فعله في حال عمده وجهله، لان الجهل لا يوجب سلب قدرة الجاهل عن فعل الجزء، وهذا بخلاف الناسي، فإن الناسي في حال نسيانه لا يعقل تكليفه بالجزء المنسي لعدم قدرة الناسي على فعل المنسي في حال نسيانه، فلابد من خروج ذلك الجزء عن تحت دائرة الطلب والتكليف.

وحينئذ لو لم يكن لنا حديث " لا تعاد "(١) كان مقتضى القاعدة بطلان

١٩٥

الصلاة، وخروج تلك القطعة عن الزمان الذي وقعت الصلاة الفاقدة للجزء فيه عن دائرة سعة التكليف، ووقوع التكليف فيما عدا ذلك الزمان، لان المطلوب صرف الوجود والمكلف متمكن من صرف الوجود بعد التذكر وسعة الزمان. هذا ماتقضيه القاعدة الاولية، ولكن بعد ورود حديث " لا تعاد " وحكومته على أدلة الجزء والشرائط، يكون مقتضى القاعدة صحة الصلاة وعدم وجوب الاعادة، إذا كان المنسي غير الاركان لان بقاء الجزء المنسي على جزئيته يستلزم الحكم بإعادة الصلاة و " لا تعاد " تنفي الاعادة، فلابد من سقوط ذلك الجزء عن كونه جزء فحديث " لا تعاد " بلازمه ينفي جزئية المنسي ويكون مخصصا لما دل على جزئيته بقول مطلق حتى في حال النسيان ويجعلها مقصورة بحال العمد، وما يلحق به من الجهل، كل ذلك لاجل حكومة " لاتعاد " على الادلة الاولية، ومعلوم أن نتيجة كل حكومة هي التخصيص.

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن كل جزء أو شرط لزم من جزئيته أو شرطيته إعادة الصلاة ف‍ " لا تعاد " تنفيه، وكل ما لا يلزم منه ذلك فهو باق على حاله، وغير مشمول لحديث " لا تعاد " فهذا هو الضابط الكلي لمعرفة ما يندرج في حديث " لا تعاد " وما لا يندرج.

إذا عرفت ذلك، فينبغي تطبيق ما قدمناه من القواعد على الضابط المذكور فنقول: إذا نسي جزء غير ركني في غير الركعة الاخيرة، فإما أن يتذكر قبل الدخول في الركن، وإما أن يتذكر بعد الدخول في الركن. فإن تذكر قبل الدخول في الركن، كمن نسي الفاتحة وقرأ السورة قبلها، وتذكر قبل الركوع، ففي مثل هذا يعود إلى الفاتحة فيقرأها، ثم يقرأ السورة بعدها. كل ذلك لحديث " لا تعاد " لان من إيجاب الفاتحة عليه في هذا الحال لا يستلزم إعادة الصلاة، غايته أنه يستلزم زيادة السورة سهوا، وهي أيضا مغتفرة بمقتضى حديث " لا تعاد ".

١٩٦

وحاصل الكلام: أنه عند فعل السورة قبل الحمد، لمكان نسيان الحمد، لا يحكم عليه بشئ. ولا يمكن أن يقال: إن تلك السورة زائدة أو غير زائدة بل تكون مراعى، فإن لم يتذكر إلى أن دخل في الركوع كانت تلك السورة واقعة في محلها.

وكان ذلك من نسيان الفاتحة، وإن تذكر قبل الركوع فمقتضى ما ذكرناه من معنى حديث " لا تعاد " هو لزوم إتيان الفاتحة وبعدها السورة، وتكون تلك السورة زيادة مغتفرة، وذلك لانه لا يلزم من جزئية الفاتحة مع تذكره قبل الركوع إعادة الصلاة، فإذا لم يلزم ذلك يكون محل الفاتحة باقيا، فإذا كان محل الحمد باقيا يجب عليه فعلها وفعل السورة بعدها، لانه إذا كان محل الحمد باقيا كان محل السورة أيضا باقيا، لان محلها بعد الحمد، وبعد الحكم ببقاء محل الحمد بمقتضى ما يستفاد من حديث " لا تعاد " يحكم على تلك السورة التي قرأها أولا بأنها وقعت زيادة، ولكن لما لم يتعمد بزيادتها لا تضر زيادتها لجريان حديث " لا تعاد " بالنسبة إليها أيضا.

فتحصل أنه يجب أولا الحكم ببقاء محل الحمد، ثم بعد ذلك يحكم بأن السورة زيادة غير مبطلة، إذ لولا بقاء محل الحمد لما كان مجال لدعوى زيادة السورة، إذ الحكم بزيادتها يكون بلا موجب، بل السورة تكون واقعة في محلها أو تكون الفاتحة منسية، كما هو الشأن فيما إذا لم يتذكر إلى أن دخل في الركوع. فالحكم بزيادة السورة لا يصح إلا بعد الحكم ببقاء محل الفاتحة، والحكم ببقاء محلها لا يكون إلا لمكان حديث " لا تعاد " حيث إن من بقاء الفاتحة على جزئيتها لا يستلزم إعادة الصلاة، فينتج بقاء محلها فينتج زيادة السورة. ولا يتوهم أن " لا تعاد " كما يمكن أن يكون مقتضاه زيادة السورة، كذلك يمكن أن يكون مقتضاه سقوط الترتيب بين الحمد، والسورة، فلا موجب للحكم بزيادة السورة.

بل يمكن القول بالاكتفاء بتلك السورة مع قراء‌ة الفاتحة. وذلك

١٩٧

لانه نحن لم نحكم بزيادة السورة إلا بعد الحكم ببقاء محل الفاتحة، كما عرفت وبعد الحكم ببقاء محل الفاتحة لابد له من فعل السورة. لان محلها بعد الحمد المفروض بقاء محله، بل معنى الحكم ببقاء محل الفاتحة هو أن السورة الواقعة قبلها وجودها كعدمها، فلا موجب لسقوط الترتيب، فتأمل في المقام، فإنه لا يخلو عن دقة.

هذا كله إن تذكر قبل الركوع وأما إن تذكر بعد الركوع فيلزم من بقاء الفاتحة على جزئيتها إعادة الصلاة، لانه لا يمكن العود إليها لا ستلزامه زيادة الركن المبطل بمقتضى عقد المستثنى في حديث " لا تعاد "(١) ، فلابد من سقوط جزئية الفاتحة، لما عرفت من أن كل جزء يلزم من بقاء جزئيته إعادة الصلاة فجزئيته تسقط. هذا إذا كان الجزء المنسي من غير الركعة الاخيرة.

وأما إذا كان من الركعة الاخيرة فتارة يكون هو التسليم، واخرى يكون غير التسليم. فإن كان غير التسليم فإن تذكر قبل التسليم عاد إلى الجزء المنسي، كما إذا نسي السجدتين أو السجدة الواحدة وتذكر بعد التشهد، وذلك لان من بقاء الجزء المنسي على جزئيته لا يستلزم إعادة الصلاة، فإذا لم يستلزم إعادة الصلاة كان محل الجزء المنسي باقيا، ويكون ما أتى به قبل الجزء المنسي زيادة مغتفرة، على حذو ما عرفت في السورة والفاتحة، وإن تذكر بعد التسليم فمقتضى ما دل على أنه " إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفت "(٢) . هو خروجه عن الصلاة بمجرد التسليم، غايته أنه قام الدليل على أنه لو سلم قبل الركعة الاخيرة، كان سلامه في غير محله ومضي في صلاته، ولكن هذا الدليل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٠١٢ باب ٤ من أبواب التسليم، ح ١. (*)

١٩٨

مقصور بما إذا سلم قبل الركعة الاخيرة، وأما إذا سلم بعد الدخول في الركعة الاخيرة فهو باق تحت مادل على أن السلام مخرج ومصرف. ومقتضى ذلك هو خروجه عن الصلاة بمجرد السلام.

ولو كان ذلك قبل السجدتين من الركعة الاخيرة، أو قبل سجدة واحدة. أو قبل التشهد. وحينئذ يلزم من جزئية المنسي إعادة الصلاة، فإن كان المنسي السجدتين معا بطلت صلاته. لاندراجه في عقد المستثنى. وإن كان سجدة واحدة أو التشهد صحت صلاته، لاندراجه في عقد المستثنى منه بضميمة قولهعليه‌السلام : في رواية اخرى " لا تعاد الصلاة من سجدة "(١) ولولا ذلك لكان مقتضى الحديث بطلان الصلاة بنقصان سجدة واحدة أو زيادتها، لصدق السجود عليها فيشملها عقد المستثنى.

ولكن لما قام الدليل على عدم إعادة الصلاة من سجدة واحدة، فيكون هذا مخصصا للحديث، ويكون المراد من السجود فيه خصوص السجدتين أو بعد مقامات السجدة الواحدة، على ما سيأتي بيانه.

وعلى كل حال العبرة ببقاء على المنسي في الركعة الاخيرة هو التسليم، لان بالتسليم يخرج عن الصلاة فلا يبقى محل لها. وتوهم أن التسليم وقع غير محله، فلا يتحقق به الخروج عن الصلاة، فيكون محل الاجزاء المنسية باقية، إلا أن يفعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، وبعبارة اخرى: كما يمكن رفع جزئية المنسي بحديث " لا تعاد " إذا كان المنسي جزء غير ركني ذلك يمكن رفع جزئية التسليم، وأنه به يتحقق الانصراف، فيأتي بالجزء المنسي لبقاء محله وأنه بعد في الصلاة، ففي غاية السقوط، إذ لا يوجب لجعل التسليم في غير محله. بعدما قام الدليل على أنه بالتسليم ينصرف عن الصلاة.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٩٣٨ باب ١٤ من أبواب الركوع، ح ٢ باختلاف يسير. (*)

١٩٩

والحاصل: أنه ليس لنا في الادلة عنوان النسيان والسهو أو المحل السهوي والعمدي، بل نحن وحديث " لا تعاد" وقلنا: إن المستفاد من الحديث هو أن كل جزء يلزم من جزئيته إعادة الصلاة، فالحديث ينفي جزئيتة، إذا لم يكن من الاركان، وكل جزء لم يلزم منه ذلك فهو باق على جزئيته. ومن ذلك نستخرج بقاء محل الجزء المنسي وعدم بقائه. وحينئذ المنسي هو السجدتان أو السجدة الواحدة لا التسليم فإن كان المنسي السجدتين فهو بنفسه مندرج في عقد المستثنى، وإن كان السجدة الواحدة أو التشهد فهو مندرج في عقد المستثنى منه. ولا موجب حينئذ لرفع اليد عما دل على أن بالتسليم ينصرف عن الصلاة، فتأمل في المقام جيدا. هذا إذا كان المنسي غير التسليم.

وأما إذا كان المنسي نفس التسليم، فمحله يبقى إلى فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، كالحدث، وبعد ذلك تبطل صلاته، لانه مالم يتحقق منه التسليم فهو بعد في الصلاة، فيكون الحدث واقعا في الصلاة فتبطل. نعم لو فعل ماينافي الصلاة عمدا لا سهوا كالتكلم عاد إلى التسليم وصحت صلاته لان غايته وقوع التكلم منه في الصلاة سهوا وهو غير مانع. ومن الغريب أنه قال بعض: بصحة الصلاة عند نسيان التسليم وفعل ما بنافي الصلاة عمدا وسهوا لان التسليم جزء غير ركني فنسيانه لا يضر بمقتضى حديث " لا تعاد "(١) .

وقال أيضا: ببقاء محل التسليم عند فعل ماينافي الصلاة عمدا لا سهوا والجمع بين هذين القولين جمع بين المتنافيين لانه بنسيان التسليم إما أن يكون بعد في الصلاة، وإما أن يكون قد خرج عن الصلاة، فإن كان بعد في الصلاة، كما هو لازم قوله ببقاء محله عند فعل ما ينافي الصلاة عمدا لا سهوا، كان

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١. (*)

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400