كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 400
المشاهدات: 26431
تحميل: 4756


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26431 / تحميل: 4756
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 2

مؤلف:
العربية

ساعة لا تنفع، لان الاثر مترتب على الامر الوجودى وهي الموالاة، لا الامر العدمي فأصالة عدم حدوث ما يوجب تفويت الموالاة لا يثبت الموالاة، لانه يكون من إثبات أحد الضدين بنفي الآخر، فتأمل جيدا.

وأما الشك في فوات الصورة. فإن قلنا بمقالة الشيخ -قدس‌سره - من تعلق الطلب بالصورة الصلاتية، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء تلك الصورة عند الشك في حدوث ما يسقطها وإن لم نقل بمقالة الشيخ كما تقدم فاستصحاب بقاء الصورة مما لا أثر له، لانها ليست متعلق التكليف ولا موضوع لحكم شرعي، بل الذي تعلق التكليف به هو عدم تخلل تلك القواطع، فيقع الكلام حينئذ في أن عدم تخلل القاطع على وجه السلب الكلي الذي يكون مجرى للاستصحاب يكفي في الصحة، وإن لم يثبت حال ما شك في قاطعيته بل الشك في قاطعيته بعد باق على حاله، نظير استصحاب الطهارة. أو عدم تحقق الحدث عند الشك في حدثية المذي والوذي، أو أن ذلك لا يكفي بل لابد من إزالة الشك عما شك في قاطعيته، والاستصحاب على النحو السلب الكلي لا يزيل الشك هذا. والذي يتخيل في بادي النظر هو كفاية الاستصحاب على وجه السلب الكلي، ولكن المقام بعد يحتاج إلى مزيد تأمل.

القسم الثاني من القواطع ما يقطع الصلاة عمدا لا سهوا وهي امور: الاول: التكلم بحرفين فصاعدا سواء كان موضوعين لمعنى أو كانا مهملين. والظاهر أنه مما انعقد الاجماع على أن التكلم بحرفين فما زاد مبطل للصلاة إذا كان عن عمد، إنما الاشكال في وجه التقييد بحرفين، مع أن الموضوع في الادلة هو مطلق التكلم الصادق لغة على الحرف الواحد. لان الكلام في اللغة موضوع لمطلق

١٨١

التكلم. فلا موجب لتقييده بحرفين اللهم إلا أن يوجه بالانصراف، وأن الكلام منصرف إلى الصوت المشتمل على الحرفين فمازاد وصدق الكلام لغة على الحرف الواحد لا ينافي عدم الصدق العرفي، لمكان الانصراف إلى غيره هذا.

مضافا إلى أن المسألة غنية عن إقامة البرهان علهيا، لا نعقاد الاجماع ظاهرا على عدم مبطلية التكلم بحرف واحد. ولكن هذا فيماإذا كان الحرف الواحد مهملا غير مفيد للمعنى، وأما الحرف الواحد المفيد كفعل الامر من الملفوف ك‍ " ق " و " ع "، فلا ينبغي الاشكال في كونه مبطلا لانه كلام لغة وعرفا مشتمل على موضوع ومحمول ونسبة، فلا يمكن سلب الكلام عنه، وخلوه عن هاء السكت لا يوجب خروجه عن الكلام، غايته أنه يكون كلاما ملحونا لاعتبار إلحاق هاء السكت في آخره لئلا يلزم الوقف بالحركة. إلا أن هاء السكت لا دخل لها في المعنى وإنما المفيد للمعنى هو نفس الحرف، فالتكلم بفعل الامر من الملفوف مبطل، وإن كان حرفا واحدا نعم يعتبر القصد إلى كونه كذلك لان المائز بين كون " ق " حرفا واحدا مهملا بلا معنى أو كونه له معنى وفعل أمر من الملفوف إنما يكون بالقصد بعد الاشتراك بالصورة.

فتحصل أن التكلم بحرفين مطلقا كانا مفيدين للمعنى أو لم يكونا أو التكلم بحرف واحد مفيد للمعنى مبطل للصلاة إن كان عن عمد، وكذلك إذا تولد من الاشباع حرف، فإن الحرف المتولد من الاشباع مع ما قبله يكون مبطلا لصدق أنه تكلم بحرفين، نعم مد الحرف الواحد وإن طال غير موجب للبطلان لانه لا يخرجه عن كونه حرفا واحدا، والمد والاطالة كيفية في الصوت لا أنها حروف متوالية كما هو كذلك في الاشباع، فتأمل، فإن كثرا ما يعبر عن الاشباع بالمد، فاشكل على من عبر بذلك بأن المد لا يوجب تولد الحرف منه، فكيف يقال بالبطلان بمد الحرف الواحد، ولكن المراد من المد هو الاشباع، ولا إشكال في تولد

١٨٢

الحرف من الاشباع. وأما التنحنح فغير موجب للبطلان، لانه لم يكن من مقولة الكلام. بل هو صوت غير مشتمل على الحروف المارة بمخارجها. نعم حكاية التنحنح بلفظه موجب للبطلان لانه من مقولة الكلام. وكذا حكاية الانين، بل نفس الانين إذا كان على وجه يشتمل على ألف وهاء. بحيث يعد من التكلم بحرفين، نعم لا بأس بالانين الخالي من الحروف المارة على مخارجها.

بقي في المقام حكم التأوه فإن كان لامر دنيوي فلا ينبغي الاشكال في عدم جوازه وقطعه للصلاة، وإن كان لخوف من الله بتذكر ذنوبه وما أعده الله للمذنبين من دركات النار، فإن كان ذلك في ضمن دعاء، كبعض فقرات دعاء أبي حمزة المشتمل على لفظ آه، فلا إشكال في جوازه وعدم اندراجه في الكلام المبطل، وإن كان مجردا عن الدعاء بل مجرد التأوه لكن كان ذلك لخوف من الله فلا يبعد القول بجوازه أيضا، اما لمكان دعوى اندراجه في الدعاء مناطا وإن لم يكن منه موضوعا، أو لمكان دعوى انصراف الكلام المبطل إلى غير ذلك. فتأمل جيدا.

ثم إنه لا إشكال في جواز قراء‌ة القرآن والدعاء والذكر في الصلاة كما يدل على ذلك قولهعليه‌السلام : إنما صلاتنا هذه دعاء وذكر وقرآن ليس فيها شئ من كلام الآدميين(١) إلا أن الخارج إنما هو القرآن والدعاء والذكر الجائز المحلل، وأما القرآن والدعاء المحرم. فهو وإن لم يندرج في كلام الآدميين، إلا أنه يكفي في قاطعيته عمومات قاطعية التكلم التي لم تقيد بخصوص الآدميين. ومن المعلوم أن الدعاء والقرآن المحرم مندرج في التكلم، مع عدم شمول ما دل على جواز القرآن والدعاء للقرآن والدعاء المحرم. لانصرافه إلى المحلل كما لا يخفى وجهه.

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١ ص ١٩٦ ح ٤ قزيب منه. (*)

١٨٣

ثم إن مخاطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والاولياء ملحق بمخاطبة الله تعالى من حيث إنهم وسائل النعم. فلا بأس بمخاطبة الائمةعليه‌السلام في أثناء الصلاة ولا يخرج ذلك عن كونه دعاء بل في بعض الروايات ما يدل على ذلك كما ورد: أنه لا بأس بذكر الله والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة(١) على ما رواه في الوسائل.

ففي مثل قول " يا رسول الله " وأمثال ذلك، بل في مثل السلام عليه وعلى الائمة لا بأس به، ولا يندرج في كلام الآدميين لانصرافه إلى غير ذلك، وأما مخاطبة غير الائمة كقولك " رحمك الله يا زيد " وما شابه ذلك فجوازه لا يخلو عن إشكال لقوة اندارجه حينئذ في كلام الآدميين وإن اشتمل على الدعاء، إلا أن المخاطبة ربما تلحقه بكلام الآدميين، بخلاف ما إذا لم يشتمل على الخطاب كقولك " رحم الله زيدا " فإنه متمحض في الدعائية، ومنه يظهر وجه الاشكال في تسميته العاطس فالاحوط ترك ما كان مشتملا على المخاطبة لغير الله والائمةعليه‌السلام ، ثم إن شيخنا الاستاذ - مد ظله - قد تعرض لاحكام رد السلام في الصلاة في هذا المقام فلا بد لنا من أن نقتفي أثره فنقول: إنه لا إشكال في كراهة السلام على المصلي كما يظهر من بعض الاخبار(٢) إلا أنه لو سلم أحد على المصلي خاصة أو على جماعة منهم المصلي يجب على المصلي رد التحية عينا في الاول وكفاية في الثاني، وذلك مما لا إشكال ولا خلاف فيه، إنما الاشكال في كيفية الرد، وأنه هل يعتبر المماثلة في الجواب، أو أنه لا يعتبر بل يجوز بكل صيغة، أو أنه يعتبر صيغة خاصة؟ وينبغي أولا ذكر بعض أخبار الباب.

فمنها ما رواه محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت: السلام عليك فقال: السلام عليك فقلت: كيف أصبحت

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٢ باب ١٣ من أبواب قواطع الصلاة ح ٢ نقلا بالمعنى.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٧ باب ١٧ من أبواب قواطع الصلاة ح ١ و ٢. (*)

١٨٤

فسكت فلما انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة قالعليه‌السلام : نعم مثل ما قيل له(١) .

ومنها: صحيح منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا سلم عليك الرجل وأنت في الصلاة ترد عليه خفيا كما قال(٢) . ومنها: رواية سماعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة قال: يرد سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائما يصلي فمربه عمار بن ياسر، فسلم عليه عمار فرد عليه هكذ(٣) . ومنها رواية محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال: إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه، تقول: السلام عليك وأشر بإصبعك(٤) ، ومنها غير ذلك مما لا تخفى على المراجع.

ولا يخفى أن هذه الاخبار بظاهرها متعارضة، فإن مقتضى إطلاق رواية المثلية هو وجوب المماثلة مطلقا بأي صيغة كانت التحية. فلو قال المسلم: سلام عليك يجب الجواب ب‍ " سلام عليك " ولو قال: " السلام عليك " بالالف واللام يجب الجواب كذلك وكذا لو قال: " سلام عليكم " أو " السلام عليكم " يجب الجواب بمثل ما قال. ومقتضى رواية سماعة هو تعين الجواب ب‍ " سلام عليكم " مطلقا بأي صيغة كانت التحية. ومقتضى رواية محمد بن مسلم تعين السلام عليك بالالف واللام مع إفراد ضمير المخاطب، سوا كانت التحية بذلك أو

____________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ١٢٦٥ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٥ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٣،

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٥ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة ح ٢.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٦ باب ١٦ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٥. (*)

١٨٥

بغيرها، هذا، ولكن لا يخفى أقوائية ظهور ما دل على اعتبار المماثلة مطلقا، لامكان حمل ما عداها على ما إذا كانت التحية بذلك خصوصا في رواية سماعة. حيث إن الغالب في التحية وما تعارف عليه الناس هو قول " سلام عليكم " فلذا قالعليه‌السلام : " ترد سلام عليكم على حسب ما قال " لمكان التعارف وبالجملة: لا ينبغي الاشكال في أقوائية ظهور أخبار اعتبار المماثلة، هذا إذا كان السلام بأحد الصيغ الاربع وهي " سلام عليكم " و " السلام عليكم " و " سلام عليك " و " السلام عليك " وأما إذا كان السلام بغير هذه الصيغ كقوله " سلام " بلا ضم شئ معه. أو " عليكم السلام " ففي وجوب الرد إشكال خصوصا في مثل " عليكم السلام " الذي لم يتعارف التحية بذلك. بل إنما يقال في مقام رد التحية.

نعم لا يبعد أن يكون " سلام " من صيغ التحية، كما ربما يدل على ذلك قوله تعالى " فقالوا سلاما قال سلام " الآية(١) . فلا ينبغي ترك الاحتياط في الرد بأحد الصيغ القرآنية بقصد القرآنية وكذا لو ألحن في التحية فإن اللحن في التحية مادة وإعرابا لا يوجب سلب اسم التحية عنها، خصوصا بعض أقسام الملحون فيندرج في إطلاق قوله تعالى " وإذا حييتم بتحية " الآية(٢) فيجب الرد، ولكن لا يلزم المماثلة لها في اللحن بل لابد في الرد أن يكون صحيحا. والاحوط الرد بأحد الصيغ القرآنية بقصد القرآنية، وقصد القرآنية لا يوجب الخروج عن كونه ردا للتحية إذ لا يعتبر في رد التحية القصد إلى كونها تحية.

ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد إشكال، وربما يبنى على شرعية عبادات الصبي وتمرينيتها، ولكن الظاهر عدم الابتناء على ذلك، بل العبرة في

____________________

(١) الذاريات: الآية ٢٥.

(٢) النساء: الآية ٨٦. (*)

١٨٦

صدق التحية على تحية الصبي لكي يندرج في إطلاق قوله تعالى: " وإذا حييتم " الآية(١) ولا يبعد صدق ذلك ولكن الاحوط الجواب بأحد الصيغ القرآنية.

بقي في المقام أمور يلزم التنبيه عليها: الاول: إنما يلزم المصلي رد التحية. إذا كان مقصودا بالتحية مستقلا أوفي ضمن جماعة، ولم يسقط عنه بقيام الغيربه. والسر في ذلك واضح.

الثاني: إنما يجب رد التحية مع بقاء محل الرد بحيث لا يقع فصل بين التحية والرد بما يخرجه عن كونه. ردا، خلافا لبعض الاعلام حيث قال: بلزوم الرد وإن وقع في البين فصل طويل. بل قال: بلزوم السفر لرد التحية مع توقف الرد عليه، كما لو سافر المحيي قبل الرد أو سافر هو، فإنه يلزمه الرجوع عن سفره لرد التحية ولكن لا يخفى ضعفه، إذا الوجب هو رد التحية بحيث يرتبط الرد بالتحية، فلا يجب الرد مع الفصل الطويل المجرد عن ذلك. نعم لو شك في بقاء مجال الرد وعدمه. كان مقضتي القاعدة وجوب الرد لرجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط كما لا يخفى.

الثالث: لو شك في قيام الغير برد التحية كان الواجب عليه رد التحية، لرجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط.

الرابع: لو شك في أن التحية كانت على وجه يجب ردها. كماإذا كانت بصيغ السلام، أو كانت لا على هذا الوجه، كما في سائر صيغ التحية، مثل " صبحكم الله بالخير " وما شابه ذلك. فمقتضى البراء‌ة عدم وجوب الرد، فإذا لم يجب الرد لا يجوز في الصلاة، لانه كلام آدمي ولم يعلم اندراجه في المخصص من رد التحية.

وتوهم أن الشبهة في المقام تكون مصداقية لاحتمال أن يكون في الواقع من أفراد رد التحية، فلا يجوز التمسك بعمومات قاطعية التكلم بعد خروج رد

____________________

(١) النساء: الآية ٨٦. (*)

١٨٧

التحية عنها، يدفعه أن خروج رد التحية إنما هو لمكان أهيمة رد التحية في نظر الشارع. لمكان عدم هتك المؤمن. فإذا فرض أنه لم يجب الرد ولو ظاهرا لمكان أصالة البراء‌ة، فلا مانع حينئذ من التمسك بعمومات قاطعية مطلق التكلم.

وبعبارة اخرى: مناسبة الحكم والموضوع في المقام يقتضي أن يكون الخارج عن العمومات هو ما إذا تنجز التكليف بوجوب الرد، فتأمل في المقام.

الخامس: لو سلم على جماعة منهم الصبي فسبق الصبي برد التحية ففي السقوط عن الباقين إشكال.

وربما تبنى المسألة على شرعية عبادة الصبي وتمرينيتها فإن قلنا: بالشرعية يسقط الباقين لا محالة وهذا البحث سيال في جميع الواجبات الكفائية عند فعل الصبي لها. وقد اختار شيخنا الاستاذ - مد ظله - عدم السقوط مطلقا. أما بناء على التمرينية فواضح، وأما بناء على الشرعية. فلان السقوط يتوقف على أن يكون فعل الصبي واجدا لتمام الملاك، بحيث يكون فعله لا يقصر عن فعل البالغين من حيث الملاك. ولا طريق لنا إلى إثبات ذلك، إذ أدلة شرعية عباداته لا تفي بذلك. وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في مبحث المواقيت فراجع، والمسألة محل إشكال تحتاج إلى زيادة تأمل.

ثم إنه بقي في المقام بعض الفروع المتعلقة بالتحية وردها بالنسبة إلى المصلي وغيره قد تعرض لها شيخنا الاستاذ - مد ظله - في المقام، ونحن قط طويناها لمكان وضوحها.

ومن جملة القواطع التكفير، ولا ينبغي الاشكال في قاطعيته للاخبار(١) الناهية المستفاد منها المانعية كما هو الافضل في النواهي المتعلقة بباب المركبات.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٦٤ باب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة. (*)

١٨٨

الخلل الواقع في الصلاة

ومحل الكلام إنما هو في الخلل الواقع في الاجزاء الداخلية للصلاة، دون الاجزاء الخارجية من الشرائط والموانع، إذ الخلل الواقع في كل منها قد تقدم في بابه، فلا موجب لاعادة.

فالكلام في المقام مقصور بالخلل الواقع في الاجزاء، ثم إن الخلل إما مقطوع الوقوع في الصلاة، وإما مشكوك الوقوع. فيقع البحث في مقامين: المقام الاول: في الخلل المقطوع وقوعه في الصلاة وهو إما أن يكون عن عمد وعلم بالحكم، وإما أن يكون عن جهل به قاصرا أو مقصرا، وإما أن يكون عن سهو ونسيان. أما الخلل العمدي فلا كلام في بطلان الصلاة به، ولا إشكال فيه إذ لولا البطلان به يلزم خروج الجزء عن كونه جزء وهذا خلف فبطلان الصلاة بالخلل العمدي من توابع جعل الجزئية.

وأما الخلل الواقع عن جهل بالحكم. فكذلك. وإنما قيدنا الجهل بكونه بالحكم. لان الجهل بالموضوع مع تبين الحكم بالنسبة إلى نفس متعلق التكليف

١٨٩

مما لا يمكن، وإن أمكن بالنسبة إلى الشرائط والموانع كالجهل بكون الشئ مما يؤكل أو كونه حريرا وغير ذلك من موارد الجهل بموضوعات الشروط والموانع.

وهذا بخلاف الجهل بنفس المتعلق فإنه غير معقول إذ بعد العلم بوجوب الفاتحة السقط من نسخة الاصل وتبين مفهومها لا يمكن الجهل بها فالضابط الكلي هو أن الجهل إما أن يتعلق بالحكم الشرعي، وإما أن يتعلق بموضوع التكليف فيها إذا كان للتكليف تعلق بموضوع خارجي، وفيما عدا ذلك لا يمكن الجهل إلا إذا رجع الجهل إلى الجهل في المحصل، لا في نفس متعلق التكليف، كما تقدم الكلام في ذلك عند البحث عن اللباس المشكوك، فراجع.

وعلى كل حال الجاهل بالحكم يكون حكمه حكم العامد، إلا في مواضع الجهر والاخفات والقصر والاتمام، على ما تقدم تفصيل الكلام في ذلك في مبحث القراء‌ة. والسر في ذلك هو أن الاحكام يشترك فيها العالم والجاهل، حسب ما قام عليه الاجماع. ونطقت به الادلة، من غير فرق في ذلك بين الجاهل القاصر والمقصر. وإن كان القاصر معذورا لاعقاب عليه، إلا أنه ليس الكلام في المقام في العقاب، بل الكلام في الصحة والبطلان.

وبالجملة: لا إشكال في أن الاحكام بنتيجة الاطلاق تعم العالم والجاهل إلا في الموضعين المتقدمين حيث إنها بنتيجة التقييد تختص بالعالم، كل ذلك القيام الدليل على ذلك، إذ نفس أدلة جعل الاحكام لا يمكن أن تتكفل لبيان ذلك، فإن العلم والجهل من الانقسامات اللاحقة للاحكام بعد [ جعلها ] والاطلاق، والتقييد اللحاظي إنما يتصور في الانقسامات السابقة دون الانقسامات اللاحقة، للزوم الدور كما بيناه في محله. إلا أنه مع ذلك الاهمال الواقعي لا يمكن، إذ المصلحة التي اقتضت جعل الحكم على طبقها، إما أن تكون محفوظة في كلا حالتي العلم والجهل، وإما أن تكون مقصورة بصورة العلم.

فإن كانت على الوجه

١٩٠

الاول فلا محيص من نتيجة الاطلاق وإن كانت على الوجه الثاني فلا محيص من نتيجة التقييد.

ومن المعلوم أن استفادة كون المصلحة على هذا الوجه، أو ذلك الوجه إنما يكون بدليل خارج، وحيث قام الدليل على صحة صلاة الجاهل بالجهر والاخفات، والاتمام في مواضع القصر. فاستفدنا من ذلك اختصاص الحكم بالعالم على مافيه من الكلام الطويل كما بيناه في الاصول، وأما فيما عدا ذلك. فحيث لم يقم دليل على اختصاصها بالعالم، إلاما ربما يتوهم من شمول حديث " لا تعاد "(١) للجاهل، وسيأتي فساده، بل قام الدليل من الاجماع والادلة على الاشتراك، فلابد من نتيجة الاطلاق وثبوت الحكم بالنسبة إلى الجاهل فلابد من أن يكون حكم الجاهل حكم العامد في بطلان عباداته عند وقوع الخلل فيها.

بقي الكلام في حكم الخلل الواقع عن سهو، وما يلحق به من النسيان والخطأ، وينبغي أولا ذكر القواعد التي تسالم عليها الفقهاء، في الخلل الواقع في باب الصلاة، وما يصلح أن يكون مستندا لها، فنقول قبل ذلك: إن الخلل الواقع إما أن يكون في أجزاء الصلاة، وإما أن يكون في شرائط الاجزاء كالجهر والاخفات، بناء على أن يكونا شرطا للقراء‌ة لا شرطا للصلاة في حال القراء‌ة. وإما أن يكون في شرائط الصلاة المعتبرة في حال الاجزاء، كالمثال المتقدم بناء على الاحتمال الآخر. ثم إن الاجزاء إما أن تكون أجزاء ركنية، وإما أن تكون أجزاء غير ركنية. فهذه جملة الاقسام المتصورة في الخلل في الصلاة.

وبعد هذا نقول: إنه قد تسالموا على أن الخلل إن كان واقعا في الاجزاء الركنية فهو موجب للبطلان وإعادتها. وإن كان واقعا في الاجزاء الغير الركنية فهو غير موجب

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١. (*)

١٩١

للبطلان ويجب المضي عليها، ولكن ليس مطلق ترك الركن في محله المضروب له شرعا موجبا للبطلان، بل تركه مطلقا حتى من محله السهوي موجب للبطلان، كما أنه ليس مطلق ترك الجزء الغير الركني من محله المضروب له موجبا لوجوب المضي، وعدم الالتفات إلى ذلك الجزء المنسي وقوعه في محله، بل العبرة في ذلك إنما هو محله السهوي لا محله العمدي.

وتفصيل ذلك هو أن لكل جزء من أجزاء الصلاة محل عمدي ومحل سهوي والمراد والمحل العمدي هو ما إذا أوجب تركه في ذلك المحل عمدا بطلان الصلاة. وذلك عبارة عن المحل الذي أعد له شرعا بحسب تأليف أجزاء الصلاة بوضعها الاولي، ككون التكبيرة قبل الحمد، والحمد قبل السوة، والسورة قبل الركوع، والركوع قبل السجود، وهكذا. فلو أخل بأحد هذه الاجزاء في محلها عمدا فقط بطلت صلاته، كما إذا قدم السورة على الحمد والسجود على الركوع. وهكذا.

وأما المحل السهوي فتختلف حال الاجزاء في ذلك. وبيان ذلك هو أنه لو كان المتروك ركنا فمحله السهوي يبقي إلى الدخول في الركن الآخر، فإذا دخل في الركن الآخر فقط بطلت صلاته في غير الركعة الاخيرة، وأما في الركعة الاخيرة فسيأتي الكلام فيها. وأما لو كان المتروك جزء غير ركني كالحمد والسورة، فكذلك محله باق إلى الدخول في الركن، فإذا دخل في الركن مضى في صلاته، وليس عليه الاعادة. ولو كان المتروك شرطا للجزء لا للصلاة في حال الجزء، فحكمه حكم ترك الجزء في آن محله السهوي باق إلى الدخول في الركن، فإذا دخل في الركن مضي في صلاته. وأما لو كان المتروك شرطا للصلاة في حال الجزء، فبمجرد الخروج عن ذلك الجزء يخرج محل، ولايتوقف على الدخول في الركن. وكذا لو كان المتروك شرطا للركن، فإنه محله يخرج بمجرد الخروج عن الركن، ولا يتوقف على الدخول

١٩٢

في الركن الآخر.

وحاصل الكلام: هو أنه يتحد حكم ما كان شرطا للصلاة في حال الجزء الغير الركني، وما كان شرطا في حال الجزء الركني في فوات محله، بمجرد الخروج عن ذلك الجزء الركني والغير الركني، هذا كله في غير الركعة الاخيرة. وأما في الركعة الاخيرة فمجمل القول فيها: هو أنه تارة يكون المنسي نفس السلام، واخرى يكون المنسي غير السلام من التشهد والسجدة الواحدة أو السجدتين.

أماإذا كان المنسي غير السلام فمحله السهوي يبقى إلى السلام، وبمجرد السلام يخرج محله، فلو كان المنسي السجدتين معا فقد بطلت صلاته وعليه الاعادة. وإن كان المنسي هو السجدة الواحدة أو التشهد فقد صحت صلاته، وليس عليه الاعادة. هذا هو المختار وقيل إن محلها يبقى إلى أن يأتي بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، فمع عدم المنافي يرجع إلى فعل السجدتين إن كانا هما المنسيين، أو إلى السجدة والتشهد، وأما إذا أتى بالمنافي فلو كان المنسي السجدتين بطلت صلاته، وإلا صحت. وسيأتي ضعف هذا القول.

هذا إذا كان المنسي غير السلام، وأما إذا كان المنسي نفس السلام، فمحله يبقى إلى فعل ماينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث، فإذا فعل ما ينافي ذلك بطلت صلاته، وعليه الاعادة، وإذا فعل ما ينافيها سهوا فقط كالتكلم عاد إلى التسليم، وصحت صلاته. وقيل: صحت صلاته وكان ذلك من نسيان التسليم، وهو جزء غير ركني نسيانه غير موجب للبطلان، كسائر الاجزاء الغير الركنية وسيأتي ضعف هذا القول أيضا.

هذه جملة القواعد المذكورة في باب الخلل، والظاهر أن القواعد المذكورة مما تسالم عليه الاعلام إلا في الركعة الاخيرة، فإن فيها خلافا على ما عرفت، وإن كان بناء المعظم هو ما اخترناه فيها. وعمدة الدليل على هذه القواعد حيث " لا تعاد " وإن كان بالنسبة إلى بعضها قام دليل خاص أيضا،

١٩٣

إلا أن الذي يكون وافيا بجميع القواعد هو حديث " لا تعاد " فالمهم في المقام هو البحث عن مفاد " لا تعاد " ومقدار شموله، فنقول: هذا الحديث الشريف يتحمل معنيين: الاول: هو أن يكون مفاد " لا تعاد الصلاة إلا من خمس "(١) هو أنه يمضي في صلاته، وإذا ترك أي جزء من أجزائها، ما عدا الاجزاء الركنية، وليس عليه شئ ولا يعيدها، سواء تركه عن عمده أو جهل أو نسيان، ومعلوم أنه بناء على هذا لابد أن يكون أجزاء الصلاة من باب الواجب في واجب، فيكون الواجب الارتباطي هو خصوص الاركان، وما عداها يكون واجبا في واجب.

إذا لا يعقل كونها أجزاء مع أن تركها العمدي لا يوجب شيئا من بطلان وإعادة، فلا محيص بناء على هذا المعنى من أن تكون الاجزاء من قبيل الواجب في الواجب، وعليه يحصل التعارض بين حديث " لا تعاد " وبين ما دل على اعتبار الاجزاء على نحو الجزئية ك‍ " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "(١) وغير ذلك من أدلة الاجزاء والشرائط.

ويخرج الحديث عن كونه حاكما على تلك الادلة بل يكون معارضا لها تعارضا تباينيا، وهذا - كما ترى - مما لا يمكن الالتزام به، لان نفس سياق الحديث يأبى عن ذلك، فإن لسانه لسان الحكومة كما يظهر من صدره، حيث إنه ظاهر في أن سؤال زرارة إنما هو بعد الفراغ عن كونها أجزاء، لا واجبا في واجب، فراجع الحديث، فظهر أن ذهاب بعض - إلى أن حديث " لا تعاد " لا يختص بالناسي، بل يشمل الجاهل والعامد أيضا، غايته أن العامد خرج بالاجماع، حيث قام على

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) عوالى اللئالي: ج ١ ص ١٩٦، ح ٢. (*)

١٩٤

بطلان صلاته، فيبقى الجاهل والناسي تحته - مما لا وجه له، ولا يمكن الالتزام به: أما (أولا) فلما عرفت من أن شموله للعامد والجاهل لا يمكن إلا بذلك المعنى، الذييكون الحديث معارضا لكثير من الادلة، وقد عرفت أن صدر الحديث يأبي عن ذلك. وأما (ثانيا) فلان الاجماع كما انعقد على خروج العامد كذلك انعقد على خروج الجاهل أيضا، إلا في الجهر والاخفات والقصر والاتمام، كما يظهر ذلك للمتتبع.

الوجه الثاني: من المعنى الذي يتحمله الحديث، هو أن لسان الحديث لما كان بلسان عدم الاعادة، فلابد من أن يلاحظ في أن في أي مورد يلزم من جزئية الشئ الحكم بإعادة الصلاة، وفي أي مورد لا يلزم منه ذلك. ومعلوم أن الحكم بإعادة الصلاة إنما يكون فيما إذا لم يمكن التكليف بذلك الجزء لمكان تعذره، وإلا لو أمكن التكليف بذلك الجزء في حال تركه لمكان عدم تعذره والقدرة على فعله، فلا موجب للحكم بإعادة الصلاة، بل نفس التكليف بذلك الجزء بعد باق على حاله.

وعلى هذا الوجه لا محيص عن القول باختصاص الحديث بالناسي ولا يعم العامد والجاهل، لعدم تعذر التكليف بالجزء بالنسبة إلى العامد والجاهل، للقدرة على فعله في حال عمده وجهله، لان الجهل لا يوجب سلب قدرة الجاهل عن فعل الجزء، وهذا بخلاف الناسي، فإن الناسي في حال نسيانه لا يعقل تكليفه بالجزء المنسي لعدم قدرة الناسي على فعل المنسي في حال نسيانه، فلابد من خروج ذلك الجزء عن تحت دائرة الطلب والتكليف.

وحينئذ لو لم يكن لنا حديث " لا تعاد "(١) كان مقتضى القاعدة بطلان

١٩٥

الصلاة، وخروج تلك القطعة عن الزمان الذي وقعت الصلاة الفاقدة للجزء فيه عن دائرة سعة التكليف، ووقوع التكليف فيما عدا ذلك الزمان، لان المطلوب صرف الوجود والمكلف متمكن من صرف الوجود بعد التذكر وسعة الزمان. هذا ماتقضيه القاعدة الاولية، ولكن بعد ورود حديث " لا تعاد " وحكومته على أدلة الجزء والشرائط، يكون مقتضى القاعدة صحة الصلاة وعدم وجوب الاعادة، إذا كان المنسي غير الاركان لان بقاء الجزء المنسي على جزئيته يستلزم الحكم بإعادة الصلاة و " لا تعاد " تنفي الاعادة، فلابد من سقوط ذلك الجزء عن كونه جزء فحديث " لا تعاد " بلازمه ينفي جزئية المنسي ويكون مخصصا لما دل على جزئيته بقول مطلق حتى في حال النسيان ويجعلها مقصورة بحال العمد، وما يلحق به من الجهل، كل ذلك لاجل حكومة " لاتعاد " على الادلة الاولية، ومعلوم أن نتيجة كل حكومة هي التخصيص.

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن كل جزء أو شرط لزم من جزئيته أو شرطيته إعادة الصلاة ف‍ " لا تعاد " تنفيه، وكل ما لا يلزم منه ذلك فهو باق على حاله، وغير مشمول لحديث " لا تعاد " فهذا هو الضابط الكلي لمعرفة ما يندرج في حديث " لا تعاد " وما لا يندرج.

إذا عرفت ذلك، فينبغي تطبيق ما قدمناه من القواعد على الضابط المذكور فنقول: إذا نسي جزء غير ركني في غير الركعة الاخيرة، فإما أن يتذكر قبل الدخول في الركن، وإما أن يتذكر بعد الدخول في الركن. فإن تذكر قبل الدخول في الركن، كمن نسي الفاتحة وقرأ السورة قبلها، وتذكر قبل الركوع، ففي مثل هذا يعود إلى الفاتحة فيقرأها، ثم يقرأ السورة بعدها. كل ذلك لحديث " لا تعاد " لان من إيجاب الفاتحة عليه في هذا الحال لا يستلزم إعادة الصلاة، غايته أنه يستلزم زيادة السورة سهوا، وهي أيضا مغتفرة بمقتضى حديث " لا تعاد ".

١٩٦

وحاصل الكلام: أنه عند فعل السورة قبل الحمد، لمكان نسيان الحمد، لا يحكم عليه بشئ. ولا يمكن أن يقال: إن تلك السورة زائدة أو غير زائدة بل تكون مراعى، فإن لم يتذكر إلى أن دخل في الركوع كانت تلك السورة واقعة في محلها.

وكان ذلك من نسيان الفاتحة، وإن تذكر قبل الركوع فمقتضى ما ذكرناه من معنى حديث " لا تعاد " هو لزوم إتيان الفاتحة وبعدها السورة، وتكون تلك السورة زيادة مغتفرة، وذلك لانه لا يلزم من جزئية الفاتحة مع تذكره قبل الركوع إعادة الصلاة، فإذا لم يلزم ذلك يكون محل الفاتحة باقيا، فإذا كان محل الحمد باقيا يجب عليه فعلها وفعل السورة بعدها، لانه إذا كان محل الحمد باقيا كان محل السورة أيضا باقيا، لان محلها بعد الحمد، وبعد الحكم ببقاء محل الحمد بمقتضى ما يستفاد من حديث " لا تعاد " يحكم على تلك السورة التي قرأها أولا بأنها وقعت زيادة، ولكن لما لم يتعمد بزيادتها لا تضر زيادتها لجريان حديث " لا تعاد " بالنسبة إليها أيضا.

فتحصل أنه يجب أولا الحكم ببقاء محل الحمد، ثم بعد ذلك يحكم بأن السورة زيادة غير مبطلة، إذ لولا بقاء محل الحمد لما كان مجال لدعوى زيادة السورة، إذ الحكم بزيادتها يكون بلا موجب، بل السورة تكون واقعة في محلها أو تكون الفاتحة منسية، كما هو الشأن فيما إذا لم يتذكر إلى أن دخل في الركوع. فالحكم بزيادة السورة لا يصح إلا بعد الحكم ببقاء محل الفاتحة، والحكم ببقاء محلها لا يكون إلا لمكان حديث " لا تعاد " حيث إن من بقاء الفاتحة على جزئيتها لا يستلزم إعادة الصلاة، فينتج بقاء محلها فينتج زيادة السورة. ولا يتوهم أن " لا تعاد " كما يمكن أن يكون مقتضاه زيادة السورة، كذلك يمكن أن يكون مقتضاه سقوط الترتيب بين الحمد، والسورة، فلا موجب للحكم بزيادة السورة.

بل يمكن القول بالاكتفاء بتلك السورة مع قراء‌ة الفاتحة. وذلك

١٩٧

لانه نحن لم نحكم بزيادة السورة إلا بعد الحكم ببقاء محل الفاتحة، كما عرفت وبعد الحكم ببقاء محل الفاتحة لابد له من فعل السورة. لان محلها بعد الحمد المفروض بقاء محله، بل معنى الحكم ببقاء محل الفاتحة هو أن السورة الواقعة قبلها وجودها كعدمها، فلا موجب لسقوط الترتيب، فتأمل في المقام، فإنه لا يخلو عن دقة.

هذا كله إن تذكر قبل الركوع وأما إن تذكر بعد الركوع فيلزم من بقاء الفاتحة على جزئيتها إعادة الصلاة، لانه لا يمكن العود إليها لا ستلزامه زيادة الركن المبطل بمقتضى عقد المستثنى في حديث " لا تعاد "(١) ، فلابد من سقوط جزئية الفاتحة، لما عرفت من أن كل جزء يلزم من بقاء جزئيته إعادة الصلاة فجزئيته تسقط. هذا إذا كان الجزء المنسي من غير الركعة الاخيرة.

وأما إذا كان من الركعة الاخيرة فتارة يكون هو التسليم، واخرى يكون غير التسليم. فإن كان غير التسليم فإن تذكر قبل التسليم عاد إلى الجزء المنسي، كما إذا نسي السجدتين أو السجدة الواحدة وتذكر بعد التشهد، وذلك لان من بقاء الجزء المنسي على جزئيته لا يستلزم إعادة الصلاة، فإذا لم يستلزم إعادة الصلاة كان محل الجزء المنسي باقيا، ويكون ما أتى به قبل الجزء المنسي زيادة مغتفرة، على حذو ما عرفت في السورة والفاتحة، وإن تذكر بعد التسليم فمقتضى ما دل على أنه " إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفت "(٢) . هو خروجه عن الصلاة بمجرد التسليم، غايته أنه قام الدليل على أنه لو سلم قبل الركعة الاخيرة، كان سلامه في غير محله ومضي في صلاته، ولكن هذا الدليل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ١٠١٢ باب ٤ من أبواب التسليم، ح ١. (*)

١٩٨

مقصور بما إذا سلم قبل الركعة الاخيرة، وأما إذا سلم بعد الدخول في الركعة الاخيرة فهو باق تحت مادل على أن السلام مخرج ومصرف. ومقتضى ذلك هو خروجه عن الصلاة بمجرد السلام.

ولو كان ذلك قبل السجدتين من الركعة الاخيرة، أو قبل سجدة واحدة. أو قبل التشهد. وحينئذ يلزم من جزئية المنسي إعادة الصلاة، فإن كان المنسي السجدتين معا بطلت صلاته. لاندراجه في عقد المستثنى. وإن كان سجدة واحدة أو التشهد صحت صلاته، لاندراجه في عقد المستثنى منه بضميمة قولهعليه‌السلام : في رواية اخرى " لا تعاد الصلاة من سجدة "(١) ولولا ذلك لكان مقتضى الحديث بطلان الصلاة بنقصان سجدة واحدة أو زيادتها، لصدق السجود عليها فيشملها عقد المستثنى.

ولكن لما قام الدليل على عدم إعادة الصلاة من سجدة واحدة، فيكون هذا مخصصا للحديث، ويكون المراد من السجود فيه خصوص السجدتين أو بعد مقامات السجدة الواحدة، على ما سيأتي بيانه.

وعلى كل حال العبرة ببقاء على المنسي في الركعة الاخيرة هو التسليم، لان بالتسليم يخرج عن الصلاة فلا يبقى محل لها. وتوهم أن التسليم وقع غير محله، فلا يتحقق به الخروج عن الصلاة، فيكون محل الاجزاء المنسية باقية، إلا أن يفعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، وبعبارة اخرى: كما يمكن رفع جزئية المنسي بحديث " لا تعاد " إذا كان المنسي جزء غير ركني ذلك يمكن رفع جزئية التسليم، وأنه به يتحقق الانصراف، فيأتي بالجزء المنسي لبقاء محله وأنه بعد في الصلاة، ففي غاية السقوط، إذ لا يوجب لجعل التسليم في غير محله. بعدما قام الدليل على أنه بالتسليم ينصرف عن الصلاة.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٩٣٨ باب ١٤ من أبواب الركوع، ح ٢ باختلاف يسير. (*)

١٩٩

والحاصل: أنه ليس لنا في الادلة عنوان النسيان والسهو أو المحل السهوي والعمدي، بل نحن وحديث " لا تعاد" وقلنا: إن المستفاد من الحديث هو أن كل جزء يلزم من جزئيته إعادة الصلاة، فالحديث ينفي جزئيتة، إذا لم يكن من الاركان، وكل جزء لم يلزم منه ذلك فهو باق على جزئيته. ومن ذلك نستخرج بقاء محل الجزء المنسي وعدم بقائه. وحينئذ المنسي هو السجدتان أو السجدة الواحدة لا التسليم فإن كان المنسي السجدتين فهو بنفسه مندرج في عقد المستثنى، وإن كان السجدة الواحدة أو التشهد فهو مندرج في عقد المستثنى منه. ولا موجب حينئذ لرفع اليد عما دل على أن بالتسليم ينصرف عن الصلاة، فتأمل في المقام جيدا. هذا إذا كان المنسي غير التسليم.

وأما إذا كان المنسي نفس التسليم، فمحله يبقى إلى فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، كالحدث، وبعد ذلك تبطل صلاته، لانه مالم يتحقق منه التسليم فهو بعد في الصلاة، فيكون الحدث واقعا في الصلاة فتبطل. نعم لو فعل ماينافي الصلاة عمدا لا سهوا كالتكلم عاد إلى التسليم وصحت صلاته لان غايته وقوع التكلم منه في الصلاة سهوا وهو غير مانع. ومن الغريب أنه قال بعض: بصحة الصلاة عند نسيان التسليم وفعل ما بنافي الصلاة عمدا وسهوا لان التسليم جزء غير ركني فنسيانه لا يضر بمقتضى حديث " لا تعاد "(١) .

وقال أيضا: ببقاء محل التسليم عند فعل ماينافي الصلاة عمدا لا سهوا والجمع بين هذين القولين جمع بين المتنافيين لانه بنسيان التسليم إما أن يكون بعد في الصلاة، وإما أن يكون قد خرج عن الصلاة، فإن كان بعد في الصلاة، كما هو لازم قوله ببقاء محله عند فعل ما ينافي الصلاة عمدا لا سهوا، كان

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١. (*)

٢٠٠