كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة15%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27613 / تحميل: 5151
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

كتاب الصلاة

الجزء الثاني

الميرزا محمد حسين الغروي النائيني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب الصلاة

من افادات قدوة الفقهاء والمجتهدين آية الله في الارضين

الميرزا محمد حسين الغروي النائيني

١٣٥٥ ه‍. ق

تأليف

الفقيه المحقق الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني ١٣٦٥ ه‍. ق

الجزء الثاني

٣

مكان المصلي

والاثر المهم الذي ينبغي البحث عنه في مكان المصلي إنما هو من حيث الاباحة والطهارة، وحيث كان المعتبر في الطهارة هو خصوص المسجد ليس إلا، أو هو مع سائر المواضع السبعة - كما سيأتي تحقيقه - كان البحث عن المكان من حيث الاباحة بمعنى آخر غير المعنى الذي يبحث عنه من حيث الطهارة، ومن عرف المكان من الفقهاء من أنه الفراغ الشاغل، فإنما يكون مراده المكان من حيث الاباحة، ولا يمكن تعريف المكان الذي يعتبر فيه الاباحة مع المكان الذي يعتبر فيه الطهارة بأمر واحد ومعنى فارد، إذ لا جامع بينهما. وعلى كل حال فقد عرف المكان كما عن الايضاح: بما يستقر عليه المصلي ولو بوسائط وما يلاقي بدنه وثيابه وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره(١) .

وعرف أيضا: بأنه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط. وهذا هو الاولى لان الظاهر أن المكان الذي يعتبر فيه الاباحة عند الفقهاء هو المكان الذي يكون عند الحكماء،

____________________

(١) ايضاح الفوائد: ج ١ ص ٨٦. (*)

٤

الذي هو عندهم الفراغ الشاغل، فالبحث يقع حينئذ في مقامين: الاول: اعتبار الاباحة في الفراغ الذي يشغله بدن المصلي، الثاني: اعتبار الاباحة فيما يستقر عليه الشئ ولو بوسائط: أما الاول فلا إشكال في اعتبار الاباحة في الفراغ الشاغل لبدن المصلي في حال صلاته وإن كان ما يستقر عليه مباحا، فإن إباحة المكان لا يلازم إباحة الفضاء والفراغ، فربما يكون المكان الذي يستقر عليه الشئ ملكا أو مباحا وكان الفضاء غصبا، كما لو وقف على الجناح الخارج إلى الدار المغصوبة، مع كون الجناح ملكا للمصلي أو مباحا له، فإن الهواء الذي شغله الجناح مع الهواء الذي تحته إلى أرض الدار المغصوبة والذي فوقه إلى عنان السماء أو مقدار ما يساعد عليه العرف والعادة كل ذلك يكون غصبا بغصب الدار، فالواقف على الجناح المملوك في الفرض المذكور يكون الهواء والفضاء الشاغل له غصبا، ولكن ينبغي أن يعلم أن ما يقال: من أن من ملك أرضا فقد ملكها من تخوم الارض إلى عنان السماء، فهو مما [ لم ] يقم عليه دليل، ولم يساعد عليه العرف أيضا، وإن ادعي على ذلك الاجماع إلا أن الظاهر عدم ثبوته، فالاولى إرجاع ذلك إلى العرف، والعرف لم يساعد على أن المالك للارض يملكها من التخوم إلى عنان السماء، بل الذي يساعد عليه أن مالك الارض يملك تبعا مقدارا من جهة التحت والفوق الذي جرت العادة عليه، وربما يختلف ذلك باختلاف الامكنة والاشخاص، بل ربما يقال بعدم ملكية ذلك المقدار أيضا، بل الثابت إنما هو حق الاولوية والاختصاص وبالجملة: في المسألة احتمالات أو أقوال ثلاثة: الاول: أنه مالك من تخوم

٥

الارض إلى عنان السماء، ويتفرع عليه بطلان الصلاة عند غصبية الفضاء والفراغ وإن بلغ ما بلغ، كما إذا فرض أنه وقف على جناح مملوك خارج على فضاء دار الغير المغصوبة وكان بينه وبين أرض الدار ألف ذراع أو أزيد.

الثاني: أنه مالك تبعا مقدارا يساعد عليه العرف وجرت العادة به، فلو كان الجناح فوق ذلك المقدار صحت الصلاة ولو كان دونه بطلت.

الثالث: عدم ملكه ذلك المقدار أيضا بل له حق أولوية، ويتفرغ عليه بناء على عدم قدح غصب الحق في صحة الصلاة هو صحة الصلاة، ولو كان دون ذلك المقدار، وحيث كان الاقوى أن غصب الحق كغصب الملك، فلا تظهر ثمرة بين القولين الاخيرين فيما نحن فيه، وإن كان الاقوى هو التبعية الملكية.

ثم إن المراد بالفضاء الذي يعتبر إباحته إنما هو الفضاء الذي يكون بدن المصلي شاغلا له من حيث الكون الصلاتي المختلف باختلاف أفعال الصلاة من القيام والركوع والسجود، فالعبرة إنما هو بكون القيام في الفضاء المغصوب، فلا بأس إذا كانت يده في الفضاء المغصوب، أو كان أطراف ثيابه مثلا فيه أو كان مقدار من رأسه الذي لا يضر بصدق القيام في المباح واقعا في الفضاء المغصوب، وبالجملة، العبرة إنما هو صدق القيام في المغصوب وكذا الركوع والسجود فكل ما صدق هذا المعنى تبطل الصلاة وكل ما لا يصدق صحت وإن وقع بعض بدنه أو ثيابه في المغصوب، وكذا لا يضر وقوع الاجزاء المندوبة في الفضاء المغصوب إذ غاية ما يلزم هو بطلان الاجزاء المندوبة فقط، ولا يسري بطلانها إلى بطلان الصلاة، فلو فرض أن خصوص جلسة الاستراحة وقعت في المغصوب لم تبطل الصلاة، بل وكذا لو وقعت الاجزاء الواجبة مع تداركها وفعلها ثانيا في المباح، هذا كله في الصلوات الواجبة وأما الصلاة المستحبة، فربما يقال بعدم قدح وقوعها جميعا في الفضاء والمكان المغصوب، لعدم اعتبار كون فيها بعد جواز فعلها

٦

ماشيا موميا للركوع والسجود، هذا ولكن الاقوى أنها كالصلاة الواجبة في اعتبار الاباحة في مكانها، ودعوى عدم اعتبار كون فيها واضحة الضعف، بداهة أنه ليس الكون الصلاتي إلا عبارة عن أفعالها من القيام والركوع والسجود وغير ذلك وهذا مما يشترك فيه الصلوات الواجبة والمستحبة غايته أن المكلف مخير في المستحب منها من فعلها ماشيا أو مستقرا "، هذا كله في المقام الاول من إباحة الفضاء.

[ الثاني ] وأما إباحة ما يستقر عليه ولو بوسائط فالظاهر أيضا أنه ليس بهذا التعميم وإن قيل به بل العبرة إنما هو على صدق التصرف في المغصوب عرفا والعرف يأبى عن صدقه كذلك فلو كان بعض قوائم الابنية مغصوبا والمصلي واقف على البناء فالعرف لا يرى ذلك تصرفا في المغصوب، وكذا الواقف على الساباط والارجوحة مع غصبية قوائمها، وكذا لو كان في السفينة لوح مغصوب ولم يكن المصلي واقفا عليها بل واقف على اللوح المباح فإن الظاهر أن في جميع ذلك لا يعد تصرفا في المغصوب، فلا مانع حينئذ من صحة الصلاة كذلك وبالجملة حيث لا دليل في المقام سوى مسألة اتحاد الغصب للكون الصلاتي وصدق التصرف عليها وهذا أمر عرفي ومجرد كون لبنة في قوائم البيت مغصوبة لا يعد الصلاة في البيت تصرفا في المغصوب وعلى كل تقدير الصلاة في الاماكن كلها جائزة لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : جعلت لي الارض مسجدا وطهورا(١) .

لكن بشرط أن يكون المكان مملوكا له أو مأذونا في الكون فيه عموما أو في خصوص الكون الصلاتي من دون فرق بين

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ٢ ص ١٤ ح ٢٧. (*)

٧

أن يكون الاذن بعوض كاجرة أو بإباحة ومن دون فرق في الاباحة بين كونها صريحة كقوله صل أو بالفحوى كإذنه بشئ تكون الصلاة أولى بالاذن بها أو بشاهد الحال على وجه يقطع برضا المالك أو قيام أمارة شرعية على ذلك، وقد اطيل الكلام في تعريف الفحوى وشاهد الحال إلا أن الظاهر أن الشخص أبصر بمعرفة الفحوى وشاهد الحال وبالجملة: العبرة إنما هو بالقطع بالرضا أو ما يقوم مقام القطع من الامارات الشرعية.

نعم الظاهر قيام السيرة على الصلاة في الاراضي المتسعة مع عدم القطع برضا المالك كقيام السيرة على الوضوء بالمياه والانهار الجارية وغير الوضوء من الشرب وقضاء الحوائج والتزود بل السيرة في المياه أقوى وأشد من السيرة في الاراضي فإن الظاهر قيام السيرة في المياه مع العلم بكراهة المالك بل لا يعتنى بمنعه صريحا ويخطئون المالك بالمنع.

وهذا بخلاف السيرة في الاراضي فإن الطاهر عدم قيامها مع منع المالك أو كراهته بل المتيقن منها هو صورة عدم العلم بالكراهة والمناقشة في اعتبار هذه السيرة في غير محلها بداهة القطع باستمرار هذه السيرة إلى زمن المعصومعليه‌السلام بل السيرة في المقام وفي المياه من أقوى السير فلا بأس بالعمل بها.

وعلى كل حال لا إشكال في بطلان الصلاة في غير الاراضي المتسعة مع عدم إذن المالك ورضاه وعلم المصلي بذلك وأما في صورة الجهل حكما أو موضوعا قصورا أو تقصيرا فقد تقدم الكلام فيه مفصلا عند البحث عن لباس المصلي فلا حاجة في إعادة نعم ينبغي الكلام عن حكم من توسط أرضا مغصوبة وصحة صلاته في حال الخروج مع ضيق الوقت.

اعلم أن فساد صلاته في حال الخروج مبني على وقوع الخروج منه مبغوضا عليه ومنهيا عنه بالنهي السابق الساقط، فلو قلنا بوقوع الخروج منه مبغوضا عليه كان اللازم فساد صلاته وإن قلنا بعدم كونه مبغوضا عليه بل يقع منه محبوبا

٨

كان اللازم صحة صلاته مع ضيق الوقت وأما مع سعته فعلى كل تقدير تفسد صلاته لتمكنه من الصلاة التامة ووقوع الخروج محبوبا أو مبغوضا مبني على أن الخروج عن الدار المغصوبة عند الدخول فيها اختيارا هل يكون من صغريات الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ملاكا وعقابا وإن كان ينافيه خطابا أو أن الخروج ليس داخلا تحت هذه الكبرى بل يكون الخروج واجبا على كل تقدير وإن حرمت مقدماته من الدخول فيكون واجبا على تقدير فعل محرم ولا غرر في أن يكون الشئ واجبا على تقدير محرم؟ فلو قلنا إن الخروج من صغريات الامتناع بالاختيار كان اللازم وقوع الخروج منه مبغوضا عليه فلا تصح الصلاة حاله، ولو قلنا إنه واجب على تقدير محرم كان الخروج محبوبا وتصح الصلاة حاله، والاقوى أنه واجب فلا مانع من الصلاة وتفصيل الكلام موكول إلى محله في مسألة اجتماع الامر والنهي.

ثم إنه قد عرفت بطلان الصلاة في المغصوب مع عدم إذن صاحبه وعلم المصلي بذلك وصحة الصلاة مع الاذن، فهنا مسائل ينبغي التنبيه عليها: الاولى: لو شرع في الصلاة جهلا بالغصب وفي الاثناء علم به فلا ينبغي الاشكال في وجوب قطع الصلاة لعدم تمكنه من اتمامها والحال هذه وإن كانت قبل العلم صحيحة واقعا إلا أن صحة الاجزاء السابقة واقعا لا تنفع بعد عدم تمكنه من اتمامها لفقدان شرطها من إذن المالك عند علم المصلي بالغصب بداهة أن إذن المالك شرطا للصحة حدوثا وبقاء وذلك واضح الثانية: لو شرع في الصلاة باعتقاد الاذن فتبين عدمه في الاثناء فالحكم كما سبق من وجوب قطعها بل هو من صغريات ما سبق من دون فرق بين ان حصل اعتقاده الاذن من الخارج أو من كلام صدر من المالك وتخيل أنه أذن وبعد ذلك انكشف الخلاف وتبين أن كلامه ذلك لم يكن إذنا.

٩

الثالثة: لو أذن في الكون غير الصلاة فالحكم كما سبق أيضا.

الرابعة: لو أذن في خصوص الكون الصلاتي أو الاعم منه ومن غيره بآن علم أن إذنه كان بالاعم حقيقة وواقعا فهل له الرجوععن إذنه بعد الشروع في الصلاة أو ليس له الرجوع فيه خلاف بين الاعلام ونظير المقام ما إذا أذن في الدفن فأراد الرجوع بعد الدفن أو أذن في الرهن بل أعار ملكه للرهن وبعد الرهن أراد الرجوع أو بذل للحج وبعد الاحرام أراد الرجوع والضابط في الكل أنه لو أذن في شئ يستتبعه حكم شرعي من تكليف أو وضع كحرمة إبطال الصلاة في مثال الصلاة وحرمة النبش في مثال الدفن وحرمة قطع الحج في مثال الحج ولزوم العقد في مثال الرهن فهل له الرجوع عن إذنه ويكون رجوعه نافذا فلا تحرم قطع الصلاة والحج ولا نبش القبر وعدم لزوم الرهن أو أنه ليس له الرجوع ولا يكون نافذا فيحرم إبطال الصلاة وقطع الحج ونبش القبر ويبقى عقد الرهن على لزومه؟ وتحقيق الكلام في ذلك هو أن في مثال الرهن الظاهر أنه لا إشكال في أنه ليس له الرجوع عن إذنه ولا ينفذ إذا رجع بل يبقى المرهون على رهانته بل الظاهر أنه مما انعقد الاجماع عليه وذلك لانه بعد فرض جواز رهن مال الغير بإذن صاحبه ولا يشترط في الرهن أن يكون من مال المديون والمفروض أن عقد الرهن أيضا من العقود اللازمة فإذنه في رهن مال نفسه يكون إذنا في موضوع حكمه الشرعي اللزوم وعدم طرو الفسخ له إلا بما جعله الشارع سببا له ولازم ذلك عدم نفوذ الرجوع عن إذنه بعد تحقق عقد الرهانة إذ ليس له رفع الحكم الشرعي عن موضوعه، نعم له رفع الموضوع والمفروض أن الموضوع في المقام هو وقوع الرهن على مال الغير بإذن صاحبه وهذا المعنى قد تحقق بالاذن السابق فيستتبعه حكمه من اللزوم فلا يؤثر رجوعه عن إذنه بعد عدم انقلاب الموضوع عما هو عليه.

وأما مثال الحج فإن قلنا إن من تلبس بالاحرام يجب عليه إتمام الحج ولو مع فوات

١٠

الاستطاعة الشرعية ولا يعتبر بقاؤها إلى آخر الحج بل بمجرد الاحرام يجب عليه الاتمام ولو متسكعا، فيخرج المثال عما نحن فيه إذ على فرض رجوع الباذل عن بذله بعد تلبسه بالاحرام لا يلزم منه شئ ولا رفع حكم عن موضوعه إذ على كل تقدير يجب عليه إتمام الحج فلا ملزم لبقائه على بذله من هذه الجهة، وإن قلنا إنه لا يجب عليه الاتمام بل يحرم عليه القطع على فرض بقاء الاستطاعة فيكون مثال الحج كمثال الصلاة والدفن.

ومجمل الكلام في ذلك هو أنه اختلفت كلمات الاعلام في جواز الرجوع عن إذنه بعد تلبس المأذون في الصلاة بها أو بعد دفن الميت في الارض مع إذنه بالدفن فقيل: إنه له الرجوع، فيجب عليه قطع الصلاة ونبش القبر وقيل: إنه ليس له فلا يجوز نبش القبر وقطع الصلاة والاقوى هو الثاني الذي عليه المشهور بل حكي عليه الاجماع وذلك لانه لا إشكال في أن المالك لو أذن في استيفاء شئ من ملكه أرضا كان أو دارا أو غيرهما وكان ما استوفاه المأذون له موضوعا لحكم شرعي لكان رجوعه عن إذنه كلا رجوع ولم يؤثر رجوعه شيئا أصلا إذ المالك إنما يكون له الرجوع بالنسبة إلى ما يأتي مما لم يستوفه المأذون له وأما بالنسبة إلى ما مضى مما استوفاه فليس له الرجوع لان المفروض أنه وقع بإذن منه والشئ عما وقع لا يتغير وفي المقام حرمة قطع الصلاة أو نبش القبر إنما هو من آثار ما مضى ومترتب على ما سبق إذ الموضوع لحرمة الابطال إنما هو الصلاة التي قد شرع فيها على وجه صحيح.

وكذا موضوع حرمة النبش إنما هو الدفن على وجه صحيح والمفروض أن الشروع في الصلاة والدفن إنما وقعا على وجه صحيح بإذن من المالك وكان استيفاء المصلي لما مضى من صلاته واقعا بإذنه واستيفاء ما مضى من الصلاة على هذا الوجه يكون موضوعا لحرمة الابطال فليس للمالك الرجوع عن إذنه لانه يكون من الرجوع في شئ قد استوفاه المالك قبل رجوعه،

١١

ومنه يعلم الفرق بين ما نحن فيه وبين ما سبق من أنه لو شرع في الصلاة باعتقاد الاذن فبان في الاثناء عدمه حيث قلنا: بأن له عدم الاذن في الاتمام ويجب عليه قطع الصلاة لانه وإن شرع على وجه صحيح لكون الجهل في المقام عذرا إلا أنه حيث كان الذي استوفاه مما مضى من صلاته لم يكن بإذن من المالك حسب الفرض كان المالك غير ملزم بشئ إذ لم يصدر منه إذن حتى يكون ملزما به، وهذا بخلاف المقام حيث كان ما استوفاه مما مضى من صلاته بإذن منه فيكون ملزما بإذنه إلا أن يكون ذلك ضررا عليه ويكون عدم نفوذ رجوعه عن إذنه موجبا لوقوعه في الضرر فلا يكون حينئذ ملزما بإذنه لحكومة أدلة " لاضرر " وإذنه في الصلاة ليس اقداما منه في الضرر كما لا يخفى.

١٢

الاذان والاقامة (موارد ثبوتهما)

اعلم أنه لا ينبغي الاشكال في ثبوت أذان الاعلام ومشروعيته واستحبابه وعظم أجره كما استفاضت به النصوص، وكذا لا ينبغي الاشكال أن أذان الاعلام غير أذان الصلاة بل هما وظيفتان لا ربط لاحدهما بالاخر كما لا يخفى على من راجع نصوص الباب، وكذا لا اشكال أيضا في ثبوت الاذان والاقامة للصلاة الخمس اليومية عند فعلها في وقتها أداء وأما لقضاء الصلوات اليومية فإن كانت المقضية صلاة واحدة فلا إشكال أيضا في ثبوت الاذان والاقامة لها ولو فرض فعلها عقيب صاحبة الوقت وقد أذن وأقام لها لاطلاق ما دل على أنه لكل صلاة أذان وإقامة كما سيأتي وأما إذا تعددت الصلاة المقضية بأن فاتته صلوات متعددة وأراد قضاء‌ها في مجلس واحد ففي ثبوت الاذان والاقامة لكل صلاة صلاة أو عدم ثبوت الاذان والاقامة إلا للاولى وفي البقية يقيم فقط بلا أذان وجهان بل قولان: فالمحكي عن المشهور هو ثبوت الاذان والاقامة لكل صلاة صلاة بل الافضل ذلك، وإن كان له الاقتصار بالاقامة فقط فيما عدا الاولى إلا أنه يكون دونه في الفضل قال في الشرائع فقاضي الصلاة الخمس يؤذن لكل واحدة ويقيم

١٣

ولو أذن للاولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل(١) انتهى وحكي عن المجلسي -قدس‌سره - أنه لم يثبت الاذان والاقامة إلا للاولى وأما البواقي فالاقامة فقط وقد استدل للمشهور بوجوه: الاول: الاستصحاب فإن كل صلاة أراد قضاء‌ها كان الاذان ثابتا لها ومشروعا في حقها عند فعلها أداء وجوبا أو استحبابا على ما يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله فيستصحب مشروعيته لتلك الصلاة عند فعلها قضاء هذا ولا يخفى عليك فساد هذا الوجه بداهة أن هذا الاستصحاب يكون من الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول بحجيته.

الوجه الثاني: الاطلاقات والعمومات الواردة في مشروعية الاذان لكل صلاة من غير تفصيل بين الاداء والقضاء كقولهعليه‌السلام في موثقة عمار: لا صلاة إلا بأذان وإقامة(٢) فإن اطلاقه يشمل الاداء والقضاء هذا، ولكن لابد من تقييد الاطلاق وتخصيص العموم بما في صحيحة محمد بن مسلم: في الرجل يغمى عليه ثم يفيق يقضي ما فاته يؤذن في الاولى ويقيم في البقية(٣) وفي معناها عدة من الروايات(٤) الظاهرة في ثبوت الاقامة فقط فيما عدا الاولى فيكون مقيدا لقولهعليه‌السلام : لا صلاة إلا بأذان وإقامة.

فإن قلت: إنه لا وجه للتقييد بعد البناء على استحباب الاذان لما تقرر في باب المطلق والمقيد من عدم حمل المطلقات على المقيدات في باب المستحبات قلت: أولا: ذلك مقصور في المطلق والمقيد والمقام

____________________

(١) شرائع الاسلام: ج ١ ص ٧٤ كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٤ باب ٣٥ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٥ ص ٣٥٦ باب ٤ من ابواب قضاء الصلوات، ح ٢.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٦ باب ٣٧ من ابواب الاذان والاقامة، ج ١ وج ٥ ص ٣٦١ باب ٨ من ابواب قضاء الصلوات، ح ١ (*)

١٤

من العام والخاص لا المطلق والمقيد فإن قوله: " لا صلاة إلا بأذان وإقامة " يكون عاما لكل صلاة إذ النكرة في سياق النفي تفيد العموم فتكون صحيحة محمد بن مسلم مخصصة لذلك وثانيا: أن عدم حمل المطلقات على المقيدات في باب المستحبات إنما هو فيما إذا لم يكن دليل المقيد نافيا للحكم عن بعض أفراد المطلق وفي المقام يكون دليل المقيد نافيا للحكم عن بعض أفراد المطلق بداهة ظهور قوله في صحيحة محمد بن مسلم " ويقيم في البقية " هو عدم ثبوت الاذان فيها فتأمل جيدا ".

الوجه الثالث: خصوص خبر عمار أن الصادقعليه‌السلام سئل عن رجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الاذان والاقامة؟ قال: نعم.(١) .

بناء على حمل الاعادة على الاعم من القضاء وفي هذا الوجه أيضا نظر أما أولا: فلمعا رضته بمكاتبة موسى ابن عيسى قال: كتبت إليه: رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب: يعيدها بإقامة(٢) . وثانيا: أن ظاهره وحدة الصلاة المعادة، وقد تقدم أن مع وحدة الصلاة لا إشكال في ثبوت الاذان والاقامة. وثالثا: أن الخبر أجنبي عن المقام فإن الظاهر أن يكون جهة السؤال فيه أنه لو صلى بأذان وإقامة ثم تبين فساد صلاته فهل كان ذلك موجبا لفساد الاقامة والاذان بمعنى أن الفصل بالصلاة الفاسدة الواقعة فيما بين أذانه وإقامته وبين إعادته الصلاة هل يوجب بطلان أذانه وإقامته أو لا يوجب بطلانهما فأجاب الامامعليه‌السلام : نعم، أي يوجب بطلانهما وأين ذلك مما نحن فيه من قضاء الصلوات التي لم يؤذن ولم يقم لها أصلا وبما ذكرنا من جهة السؤال يظهر وجه الجمع بين خبر عمار ومكاتبة

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٦١ باب ٨ من ابواب قضاء الصلوات، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٦ باب ٣٧ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٢. (*)

١٥

موسى بن عيسى(١) فإنه بناء على هذا يكون طريق بينهما هو بطلان هذا الفصل للاقامة قطعا حيث اتفقت الروايتان عل إعادتها وأما الاذان فهو لم يبطل بهذا الفصل وإن كان الافضل أيضا إعادته فتأمل جيدا.

فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه بعد لم يظهر لنا ما يدل على فتوى المشهور من ثبوت الاذان للصلوات المقضية فضلا عن أفضليته نعم يمكن أن يقال: إن المقام يكون من صغريات الجمع بين الصلاتين التي سيأتي الكلام فيه من أن سقوط الاذان للصلاة الثانية هل يكون رخصة أو عزيمة وعلى كل حال لا إشكال في عدم ثبوت الاذان والاقامة لبقية الصلوات المفروضة والمندوبة كما يدل عليه نصوص الباب.

وجوب الاذان والاقامة

اعلم أن للاعلام في الاذان أقوالا ثلاثة الاول: وجوبه في خصوص صلاة الجماعة دون الفرادى.

الثاني: وجوبه في صلاة الصبح والمغرب ولو صليتا فرادى. الثالث: عدم وجوبه مطلقا في جميع الصلوات جماعة وفرادى وفي الاقامة قولان قول بالوجوب مطلقا وقول بالعدم مطلقا ونسب القول بعدم الوجوب مطلقا بالنسبة إلى كل من الاذان والاقامة إلى المشهور ولا بد من ذكر أدلة الاقوال أولا ثم نعقبه بما هو المختار عندنا.

فمما استدل به للقول الاول وهو وجوب الاذان في الجماعة عدة من الروايات منها خبر أبي بصير سأل أحدهما أيجزي أذان(٢) واحد قالعليه‌السلام : إن صليت

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٦ باب ٣٧ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٢.

(٢) المراد بالاذان هو الاقامة بقرينة الذيل. (*)

١٦

جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن يؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات(١) . ومنها موثق عمار: عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل فيقول له نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الاذان والاقامة فقالعليه‌السلام : لا، ولكن يؤذن ويقيم(٢) . ومنها مفهوم صحيح الحلبي عنهعليه‌السلام : أن أباه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن(٣) .

ومنها مفهوم آخر لابن سنان(٤) ، هذه جملة ما يمكن أن يستدل به لوجوب الاذان في الجماعة، ولم يعلم المراد من القائل بالوجوب هو الوجوب التعبدي النفسي أو الوجوب الشرطي، وعلى تقدير أن يكون مراده الوجوب الشرطي فهل هو شرط للصحة أو شرط لفضيلة الجماعة؟ وعلى جميع التقادير هل هو واجب مطلقا حتى مع سماع أذان الغير أو أنه مقصور بصورة عدم سماع أذان الغير وعلى كل حال، الاقوى في النظر هو عدم الوجوب مطلقا لا نفسيا ولا شرطيا لا للصحة ولا للفضيلة مع سماع أذان الغير وعدمه وإن كان الافضل عدم تركه في الجماعة، وذلك لعدم دلالة الاخبار المتقدمة على الوجوب بجميع فروضه أما خبر أبي بصير فلعدم دلالة قولهعليه‌السلام " لم يجز إلا أذان وإقامة " على الوجوب إذ عدم الاجزاء أعم من الوجوب فإن معنى كون الشئ مجزياهو كونه مجزيا عن أمره ندبا كان أو واجبا وفي مقابله عدم الاجزاء فإن معناه عدم الاجزاء عن أمره من دون أن يكون له دلالة على أن أمره كان للوجوب.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٤ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٥٥ باب ٢٧ من ابواب الاذان والاقامة، ح ١.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٢ باب ٥ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٦.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٢ باب ٥ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٤. (*)

١٧

وبالجملة: لفظة الاجزاء وعدم الاجزاء في كل مورد وردت لا دلالة لها على الوجوب، فقوله " لم يجز إلا أذان وإقامة " معناه أنه لا يسقط الامر الاذاني في باب الجماعة بالاقامة فقط بل لابد من الاذان أيضا وفي مقابله الاجتزاء بالاقامة في غير الجماعة ومعنى الاجتزاء بالاقامة فقط في غير الجماعة ليس سقوط الامر الاذاني بالاقامة، وكون مصلحة الاقامة مشتملة على مصلحة الاذان فإن ذلك ضروري البطلان بداهة أن الاقامة إنما تكون مسقطة لامرها لالامر الاذان وإنما تكون مشتملة على مصلحتها فقط مع بقاء الاذان على ما كان عليه من المصلحة في غير موارد المستثنيات على ما يأتي تفصيلها وإلا لم يكن معنى للامر بالاذان في كل صلاة صلاة، وليست هذه الاخبار مخصصة لقولهعليه‌السلام لا تصل إلا بأذان وإقامة والحاصل: أنه ليس معنى الاجتزاء بالاقامة في غير الجماعة هو سقوط الامر الاذاني بها كما ربما يتخيل في بادي النظر بل معناه أن الوظيفة التي شرع الاذان والاقامة لاجلها وهي تهيؤ العبد للوقوف بين يدي ربه للصلاة وتقديم هدية وتحية قبل ذلك كما ربما يشعر بذلك بعض أخبار تشريع الاذان والاقامة لا تتأدى في باب الجماعة إلا بالاذان والاقامة وفي غير باب الجماعة تتأدى بالاقامة فقط، وإن كان يستحب له ذلك الاذان ومأمور به لمزيد التهيؤ، وعلى كل حال فقد ظهر لك أن معنى قولهعليه‌السلام " لم يجز إلا أذان وإقامة " معناه عدم تأدي الوظيفة في باب الجماعة إلا بالاذان والاقامة وأين ذلك من الدلالة على الوجوب بجميع تقاديره.

وأما موثق عمار(١) فقولهعليه‌السلام فيه " لا ولكن يؤذن ويقيم " ليس معناه

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٥٥ باب ٢٧ من ابواب الاذان والاقامة، ح ١ (*)

١٨

أنه مع تركه الاذان قد فعل محرما نفسيا أو غيريا بل الجواز يستعمل بمعنيين الاول: بمعنى الرخصة مقابل الحرمة.

الثاني: بمعنى المضي والتجاوز (أي ترتب الاثر المقصود من الشئ) مقابل الوقوف والسكون (أي عدم ترتب الاثر) فيكون عدم الجواز أعم من الحرمة إذ يحتمل أن يكون بمعناه الثاني ويكون المراد من قوله: " لا ولكن يؤذن ويقيم " عدم ترتب أثر الاذان والاقامة بذلك الاذان والاقامة أي لم تتأدى الوظيفة المطلوب منهما ويتحد حينئذ معنى عدم الجواز مع عدم الاجتزاء.

فإن قلت: هذا خلاف ظاهر لا يجوز فإن لا يجوز لو لم يكن معناه الحرمة فلا أقل من ظهوره الاطلاقي في ذلك ولذا لم يتوقف أحد في ظهور قوله لا يجوز شرب الخمر وقوله لا يجوز الصلاة في الحرير في الحرمة النفسية أو الشرطية المساوقة للمانعية.

قلت: تارة يرد قولهعليه‌السلام لا يجوز لمقام تشريع الحكم وهذا مما لا ينكر ظهوره الاطلاقي في الحرمة واخرى يرد بعد تشريع الحكم كما في المقام حيث إنه بعدما ثبت شرعية الاذان والاقامة والامر بهما في الشريعة وقع السؤال عن أنه هل يجوز الصلاة بذلك الاذان والاقامة أي هل يكتفى بهما عن أمرهما فقالعليه‌السلام " لا " أي لا يكتفى بهما بل لابد من تجديد الاذان والاقامة بعدما انقلبت الصلاة الفرادى إلى الجماعة، وأين هذا من الدلالة على الوجوب، ثم إنه لم يظهر من الرواية كون اللاحق هو الامام أو السابق فإن كان اللاحق مأموما والسابق إماما فقطعا لايعتبر تجديد الاذان والاقامة، ومما انعقد عليه الاجماع فلابد من حملها بصورة كون اللاحق هو الامام.

وأما مفهوم صحيحة الحلبي(١) فعدم دلالته على الوجوب أظهر كما لا يخفى فالاقوى أن الجماعة كالفرادى لا يجب فيها الاذان وان كان افضل للاخبار المتقدمة

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٢ باب ٥ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٦. (*)

١٩

وأما وجوب الاذان في المغرب والصبح فقد استدل له بعدة من الروايات: منها: رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أدنى ما يجزي من الاذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة وتفتتح النهار بأذان وإقامة ويجزيك في سائر الصلوات الاقامة بغير أذان(١) .

ومنها: رواية صفوان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: الاذان مثنى مثنى والاقامة مثنى مثنى ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر لانه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الاخرة والاذان والاقامة في جميع الصلوات أفضل(٢) .

ومنها: رواية سماعة قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : لا تصل الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات الاقامة والاذان أفضل(٣) .

ومنها: رواية أبي بصير(٤) المتقدمة، ومنها غير ذلك(٥) .

إلا أن ما ذكرناه أظهر دلالة على ذلك. هذا ولكن الانصاف أن شيئا من هذه الروايات لا دلالة لها على الوجوب إذ مامن رواية إلا وفيها قرينة على الاستحباب كقولهعليه‌السلام في رواية صفوان " والاذان والاقامة في جميع الصلوات أفضل " وكذا رواية سماعة، ولفظة " ينبغي " في رواية أبي بصير ولفظة [ يجزي ] في رواية زرارة(٦) قد عرفت الكلام فيها وأنها لا دلالة لها على الوجوب.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٣ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٣ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٤ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٥.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٤ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٧.

(٥) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٤ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٣ و ٤.

(٦) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٣ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ١. (*)

٢٠

وأنّـكَ خـالدُ الـذكرى ويـبقى

حـديثكَ تـستطيبُ بـهِ النسيمُ

أبـا الأعـوادِ والـحكمِ اللواتي

تـمثّلَ فـيهما الأدبُ الـصميمُ

تَـرِفُّ عـلى روائـعها قـلوبٌ

لـرقّـتها ويـهـتزُّ الـجـسومُ

رأيـتكَ تـسحرُ الألبابَ وعظاً

فـكانت فـي يـديكَ كما ترومُ

وآلافُ الأنـامِ إلـيكَ تـصغى

ووجـهكَ لاحَ مـطلعُهُ الـوسيمُ

ودوّى صـوتكَ الـمرهوب فيها

كـأنّكَ فـي الـلقا أسـدٌ هجومُ

وقـد ضـاقَ المكانُ بهم فضلّتْ

عـلـى مـرآكَ أرواحٌ تـحومُ

مـواقفُ لـستُ أُحـصيها بعدٍّ

على الدنيا وهل تُحصى النجومُ

* * *

أبـا الأعوادِ منبركَ المرجّى

لـنفعِ الـناسِ يعلوهُ الوجومُ

فـهل أسـندتهُ لـفتى أبيٍّ

وهـل أحـدٌ يقومُ بما تقومُ

فمَنْ لشبابِ هذا العَصْرِ يهدي

إذا عصفت بفكرتهِ السمومُ

تُـجاذبهُ العواملُ ليس يدري

عـلى أيّ الـمبادئ يستديمُ

وجـاءت موجةُ الإلحادِ يقفو

خطاها الشرُّ والخطرُ الجسيمُ

أيا خطباءَ هذا العصرِ جدّوا

فـما بـلغَ المرامَ فتى تؤومُ

فـإنّ منابرَ الإسلامِ عطشى

إلى خـطباءِ زانتهم علومُ

تُـتـوّجهم عـقولٌ نـيّراتٌ

يـكون سنادها الذوقُ السليمُ

ويـمزجهم بهذا الشعبِ ذوقٌ

كـما امـتزجَ المنادمُ والنديمُ

وإنّ شعارها الإخلاصُ مهما

تـجاهلت الأسافلُ والخصومُ

لـيلمسَ منكمُ الشعبُ انطلاقاً

إلى اُفـقٍ جلت عنهُ الغيومُ

كفاكُمْ حربَ جسّاسٍ وصخرٍ

وما تبكي الطلولُ أو الرسومُ

فـما في عصركم قتبٌ وكورٌ

ولا سـلعٌ وربـعٌ والـغميمُ

أروهم حلوةَ الإسلامِ تزهو

جـوانـبهُ ومـنبعهُ الـعميمُ

وذا قـرآنـكمْ فـيهِ كـنوزٌ

يـحيرُ بوصفها اللبُّ الحليمُ

وكـان بـهِ اكتشافٌ وارتقاءٌ

وكـان بهِ الصراطُ المستقيمُ

أطـبّاءَ النفوسِ وهل رضيتم

لـمجتمعٍ يـعيثُ بهِ السقيمُ

وذي جـذواتكم تخبو ويبقى

يـسودُ بـجوّنا الفكرُ العقيمُ

٢١

فـكونوا للمنابرِ صوتَ حقٍّ

وسـيفاً لـيس يـعروهُ ثلومُ

خطيبُ القومِ أرجحهم كمالاً

خـبيرٌ بـالسقامِ بـهِ عليمُ

يكوَّن من شظايا القلبِ وعظاً

كأنّ عظاتهُ جمعت كلومُ(1)

5 - قال في ذكرى مولد سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام :

باسمِ الحسينِ حلتْ لنا الأشعارُ

وسـمتْ بـفضلِ سموّهِ الأفكارُ

وتـنـبّهتْ آمـالُنا وتـفتّحتْ

فـرحاً كـما تـتفتّح الأَزهـارُ

وتـبسّمتْ دنـيا السّرورِ مليئةً

بـالمبهجاتِ وأشـرقت أنـوارُ

وتـباشرت حورُ الجنانِ وهلّلتْ

لـجمالِ طـلعةِ وجههِ الأنظارُ

هـذي الـثغورُ يحفّها استبشارُ

والـحفلُ يـعبَقُ نشرهُ المعطارُ

لـمّا أبـو الأحرارِ أشرقَ نورُه

أضـحت لـهُ تتباشرُ الأحرارُ

طـافَ الهَناءُ يُديرُ كأسَ مديحه

وتـعـلّلت بـحديثهِ الـسمّارُ

اِسـمُ الـحسينِ وما ألذَّ حروفَه

فـكأنّهُ الـشهدُ الـحَلالُ يُـدارُ

ذكـرى إبـائَك عـزّةٌ وفخارُ

درسٌ بـهِ تـتحدّثُ الأعصارُ

أما روى الراوون بعضَ فصوله

راحـت فـلاسفةُ الزمانِ تُحارُ

وتـيقّنوا أنّ الـحسينَ ونـهجَهُ

لا جـورَ يـحكمهُ ولا استعمارُ

عـلّمتنا مـعنى الحياةِ بموقفٍ

فـيهِ تـمثّلَ عـزمُكَ الـجبّارُ

وأريـتنا أنّ الـمماتَ سـعادةٌ

ولـدى المهانةِ ترخصُ الأعمارُ

خـلّدتَ يعربَ مذْ عقدتَ لهامها

تـاجاً عـليهِ مـن عُلاكَ وقارُ

وكـسوتها حـللَ الخلودِ وإنّها

لا الـعصرُ يـبليها ولا الأدهارُ

إنْ مـرّ ذكرٌ للحسينِ تمثّل الـ

إعـظامُ والإجـلالُ والإكـبارُ

وإذا ذكـرتَ يزيدَ تبصرُ كومةً

مـن فـسقهِ يـطفو عليهِ العارُ

الـحقّ إشـعاعٌ يـلجُّ ضـياؤه

عـبرَ الـقرونِ ونـورهُ سيّارُ

فـبكلّ قـلبٍ نـبرةٌ لـشعورِه

وبـكلّ نـفسٍ رنّـةٌ وشـعارُ

أكـذا يـدومُ الـحقُّ في أبطاله

أكــذا تـخلّدُ آلـهُ الأطـهارُ

____________________

(1) ذكر الاُستاذ شبّر في كتابه ( أدب الطفّ 10 / 142 ) أنّ هذه القصيدة قالها في رثاء الشيخ كاظم نوح، بينما ذكرت مجلّة الإيمان في عددها الخاص بالشيخ اليعقوبي ص31 أنّها في رثاء اليعقوبي، وإنّي أرى لا مانع من تكرارها في الشخصيّتين وإن نُظمت في إحداهما، والأقوى أنّه الشيخ كاظم نوح.

٢٢

هـذا الـحسينُ ضريحهُ نوّارُ

عـكفت بـعتبةِ بـابهِ الزوّارُ

فـبكلّ نـفسٍ روعـةٌ لجلالِه

وبـكلِّ قـلبٍ مـرقدٌ ومزارُ

تـسمو على فلكِ السماءِ قبابه

ويـشعُّ لـلقصّادِ مـنهُ مـنارُ

وتـحطُّ تـيجانُ الملوكِ ببابه

ولـها ملاذٌ في الحمى وجوارُ

تـنهارُ أعماقُ القرونِ وذكرُه

بـاقٍ فـلا يـبلى ولا يـنهارُ

يا زمرةَ الجيلِ الحديثِ تيقّظوا

لـمصيركم خُلقَ الزمانُ مهارُ

هدفُ الحسينِ عليه نبني مجدنا

وبـضوءِ نهضتهِ لنا استبصارُ

الـدورُ دوركمُ خذوا بنصيبكمْ

مـن قبل أن تتصرّمَ الأعمارُ

6 - قصيدة رائعة في مولد الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان (أسرار المولد):

يـا محفلَ الذكرى لسيّد البشر

أذع فـتاريخكَ تـاريخٌ أغـر

فـإنّما الـمولودُ فـيكَ أحـمدٌ

مَـن حرّر العقلَ وأطلقَ الفكر

أذع فـهذا الـمنقذُ الأكبرُ والـ

مـشرّعُ الأعظمُ والأبُ الأبر

شـعّ عـلى الـعالمِ نورهُ فذا الـ

ـتمدينُ من لئلاءِ عقلهِ ازدهر

لـقد سما بالعربِ حتّى أذعنت

مـمالكُ الأرضِ لهم بحراً وبر

وطـأطـأت تـواضعاً لـعزّه

جـباهُ قيصرٍ وكسرى والخزر

بجنبكَ «الإيوان» فاحفِه الخبرْ

حقّاً ترى عند «جُهينة» الخبر

قـف وانظر الشقَّ بجنبهِ غدا

آيـةَ إعجازٍ على مرِّ العُصر

سـله وسـائل شـرفاته ففي

صـموته تـقرأ أفصحَ العبر

لأيّ أمـرٍ حـلّ تـنشقّ ومن

قـلّصَ ذلـك النعيمَ والبطر

ونـار فـارس خبت ألم تكن

مُذ ألف عامٍ قد تقادحت شرر

سـمعاً أبا العُرب وتاجها الذي

كـوّنَ مـنهم أُمّـةً ذات خطر

وزجّـها نـحو الـخلودِ عاقداً

لـها لـواءً رفّ فـوقهُ الظفر

وانـتشلَ الـعالمَ مـن تدهورٍ

يـؤولهُ الـلاتَ ويـعبدُ الحجر

وبـاعثاً دستورَ حقّ يكفِ للـ

سـعادةِ الـكبرى بآياتٍ غرر

لأنـتَ نـعمَ الحظّ قد كنت لها

لـكننّا بـئسَ الـعشير والنّفر

يا صاحبَ النورِ أضعنا مبدأً

يـمشي مع العقلِ سموّاً وكبر

تـنـاوحتنا طـغـمةٌ أجـلّها

لـو قـلت أنّـها حثالةُ البشر

يـضيمني أنّ يـدي تـعافني

وأنّ غيري نالَ في يدي الوطر

٢٣

ما كنتُ بالمأسوفِ لو أنّ أخي

يـدري إلى أينَ وأينَ المستقر

ولا الـمضام لـو تماسكت إذا

مـا قـيلَ لي أنّ أخاكَ قد عثر

يـا وتـر الساسةِ كم تطربهمْ

أجل وضرب العودِ يقطعُ الوتر

يا محفلَ الذكرى أبن لمَنْ وعا

مـقامَ طه في الحديثِ والسور

عـلّمهمُ الـغايةَ مـن تـذكاره

وسـرّ هـاتيك الرموز والدرر

أكـان يُـعلي قـدرهُ وشـأنه

بـعد ثـناءِ اللهِ شعرُ من شعر

بـموجةِ التصفيقِ يسمو شأوهُ

وبـالوفودِ زُمـراً إثـر زمر

ذي روح أحمدٍ وقد رفّت على

حـفلكمُ تـطلبُ جـوهرَ الأثرْ

ترى أضعنا الروحَ من أعمالنا

وأنّـنا قـد اجـتزينا بالصور

يـا خـابطَ السير تبصّر حسناً

سـيركَ مـعوجّ فكرّر البصر

الـفخرُ أن يُـقالَ شـقّ للعلا

طريقهُ ما الفخرُ عاث أو سكر

وطـالباً إصـلاحنا كـفى بأن

نـأمنَ منكَ الاعتداءَ والضرر

هـذي تجاربُ الحياةِ قد قضت

أن نكتفي لا نبتغي خيراً وشر

7 - وله غديريّة ألقاها في احتفال (منتدى النشر) في النجف عام 1363 هـ:

لـمَنْ الـحفلُ رائـعاً يـتلالا

يـزدهي مـنظراً ويزهو جمالا

ولـمَنْ هـذهِ الـروائعُ تُـتلى

والأنـاشيدُ بـاسمِ مَـنْ تتولّى

قـيلَ قـد توّج الوصي وهذي

بـهجةُ الـتاجِ زانتِ الاحتفالا

وانـتشقنا طـيبَ الـولايةِ منه

وسـعـدنا بـنـعمةِ اللهِ حـالا

واهـتدينا بـنورهِ مـذ تـجلّى

بـسماءِ الـدينِ الـحنيفِ هلالا

وعـلى مشرع (الغديرِ) احتسينا

فـي كـؤوسِ الولا نميراً زلالا

وجـديرٌ هـذا الـشعورُ بـيومٍ

فـيهِ ديـنُ الإلـهِ تـمّ كـمالا

رنّـةُ الوحي في المسامعِ دوّت

تـملأ الـنفسَ هـيبةً وجلالا

بـلّغ الـناسَ مـا أتـاك وإلاّ

لـم تـبلّغ وحـي الإلـهِ تعالى

إنّـمـا أنـتَ مـنذرٌ وعـليٌّ

هــو هـادٍ يُـسيّر الـضُلاّلا

فـي فـلاةٍ تـكادُ تـلهبُ ناراً

ولـظى حـرّها يـذيبُ الرمالا

وإذا بالرسولِ يلقى عصا السيـ

ـرِ وتـلكَ الـجموعُ تلقى الرحالا

وتـعالى الـهتافُ مـنه أجيبوا

داعـي اللهِ فـاستخفّوا عـجالا

كـسيولٍ جـاشت وراءَ سيولٍ

أو جبالٍ في السيرِ تقفوا الجبالا

٢٤

زمـرٌ قـد تـحاشدت حـولَ طه

حـشدها يـومَ مـنه ترجو النوالا

غـصّت الـبيدُ واستحالت رجالاً

ونـواحي الـفضاءِ ضاقت مجالا

ورقـى مـنبرَ الـحدوجِ ومـدّت

نـحـوهُ الـهامُ خـضّعاً إجـلالا

وانـبرى يرسلُ الخطابَ وذاك الـ

ـجمـعُ مُـصغٍ تـهيّباً وامـتثالا

ونـعـى نـفـسهُ وقـالَ أتـاني

أمـرُ ربّـي وحـثّني الـترحالا

وأنــا راحــلٌ وبـعدي عـليٌّ

واحــدُ الـدهرِ مَـوئلاً ومـآلا

سـنّـةُ الأنـبياءِ قـدماً تـمشّت

تـقطعُ الـدهرَ والـقرونَ الطوالا

هـل نـبيٌّ مـضى بـغيرٍ وصيٍّ

فـاسألوا الـدهرَ واسألوا الأجيالا

خـصّـهُ اللهُ بـالإمـامةِ لـمّـا

كــانَ لـلحقِّ والـرشادِ مـثالا

هـو أقـضاكمُ وبـابُ عـلومي

فــاقَ فـضلاً وبِـذاكُمُ إفـضالا

وهـو فـيكم مـمثّلي ووصـيِّ

لـعنَ اللهُ مَـنْ عـليه اسـتطالا

أُمّـتـي لا أراكـمُ بـعدَ مـوتي

قــد رجـعتم نـواكصاً جـهّالا

فـاستجابوا وعـجّت الـبيدُ منهم

تـحسبُ الأرضَ زلـزلت زلزالا

ورســولُ الـهدى يـردّدُ فـيهم

ربّـي والـي الـذي لـحيدرَ والا

عـنهُ سـل مـحكمَ الكتابِ وسائل

آلَ عـمـرانَ واســأل الأنـفالا

مَـنْ بـبدرٍ وتـلك أوّلُ حـربٍ

قـد رآهـا وقـد أراهـا الـوبالا

مَـنْ دحـى البابَ مَنْ باُحدٍ تلقّى

عـمدَ الـدينِ حـين زالَ ومـالا

مَنْ قضى غيره على الشركِ قل لي

مَـنْ لـعمرِ بـيومِ صال وصالا

صـولةً تـفضلُ الـعباداتِ طرّاً

وسـمـا شـأوهـا وعـزّ مـنالا

ولـكم مـوقف يـرنّ بإذنِ الدهـ

ـرِ والـدهـرُ مـنهُ يـلقى انـذهالا

هـكـذا فَـلْتَكُ الـبطولةُ دومـاً

(هـكـذا هـكـذا وإلاّ فـلا لا)

8 - وله في ذكرى ولادة الإمام الصادقعليه‌السلام :

يـا قـلمَ التاريخِ سجّلْ لنا

يـوماً مـن الأيّـام معدودا

أذعْ فـذا يـومٌ لـهُ شـأنهُ

كـانَ على التاريخ مشهودا

حدّثْ عن الصّادقِ واستنطق الـ

ـتاريخَ يروي الدُرَّ منضودا

وحـدّث الـعالَمَ عـن عالِمٍ

قـد مـلأ الـدنيا أسـانيدا

تَـبلى الأقـاويلُ وأقـوالُهُ

بـاقـيةٌ تــزدادُ تـخليدا

آراؤه الـغـرُّ وأفـكـارُه

يـعجزُ عنها الحصرُ تعديدا

٢٥

مـا حـدَّ اُفق العلم في غايةٍ

ولا يـرى الـعالَم مـحدودا

شـتّان مـنْ يـفتَحُ أبوابه

ومَـنْ يـعدُّ البابَ مسدودا

سـلِ ابن حيّان وسل غيرَه

أئـمّـةَ الـعلم الـصناديدا

مَنْ طبّق الدنيا سوى جعفرٍ

مـعـارفاً تَـزدادُ تـرديدا

وسـلْ تـلاميذَ لـهُ أنّـهم

كـانوا عـلى الدّنيا أسانيدا

هـم فـتحوا لـلكيميا بابَه

وكـان منهُ البابُ موصودا

وخـلّدوا الـدهرَ بـأقلامهم

أفـنوا ربـيعَ العمر تسهيدا

وخـلّفوا أغـلى تـراثٍ لنا

لو لم يكنْ في النّاس مجحودا

9 - وله قصيدة بعنوان (يوم المحنة) قالها على إثر انتكاسة العرب في حرب حزيران 1967، اُذيعتْ من دار الإذاعة العراقية، ووُضِعَتْ في المناهج الرسمية لمدارس المقاصد في لبنان، وهي:

يَـومٌ عـلى الدهرِ لا يُطفى له لَهَبُ

إنْ تـنسهُ العُرْبُ ما هم بعدهُ عُربُ

وإن غفت عن طلابِ الثأرِ لا سجعت

يـوماً بـأمجادها الأقـلامُ والـكتبُ

عـهدي بـها لا تـقرّ الضيمَ شيمتُها

حـتّى ولـو طالتِ الأعوامُ والحقبُ

الـعيشُ بـالذلِّ مـرٌّ فـي تجرّعه

والـموتُ بـالعزّ حلوٌ وردهُ عذبُ

مـت إن تمت قاهراً والنفسُ راضية

ولا تـمت صاغراً والحقُّ مُغتصبُ

شـراذمُ مـن نـفايا الأرض تبعثها

ثـعالبُ الـغربِ فـيها يشهدُ الذَّنَبُ

تـدوسُ أقـدسَ أرضٍ مـن معابدنا

ونـحنُ نـبصرها بـالرغمِ تُستلبُ

فـواجعٌ بـغّضت طـعم الـحياةَ لنا

وكـدّرت صـفو عيشٍ فهو مكتئبُ

سـادَ الوجومُ على الأقطارِ وانكمشت

هذي الوجوهُ وعمّ السخطُ والصخبُ

لا عـينَ في الشرقِ إلاّ وهي ساهرةٌ

ولا مـشاعرَ إلاّ وهـي تـضطربُ

تـجاوبت نـخوةُ الإسـلامِ طـائعةً

وأعـلنت أنّـها طـوعٌ لـما يجبُ

وألـهبت عزماتِ العُربِ وانتفضت

حـميّةٌ فـهي كـالبركانِ تـلتهبُ

عـسى يكون وراءَ الصمتِ منطلقٌ

يُـجلى بـهِ الغمُّ والأحزانُ والكُرَبُ

بـالأمسِ انـكلترا تُـدعى صديقتَنا

والـيوم قـد جاءنا من ويلها الحَرَبُ

مـاذا جـنيناهُ قُـل لي من صداقتنا

ظـهرٌ فـيُركبُ أو ضـرعٌ فيُحتلبُ

وذي ربـيـبتها بـل [قـل] ولـيدتُها

ولا تـسل هـل لـها بين الأنامِ أبُ

قـد صرّحَ الحقّ وانزاحت بهِ الريبُ

وشـفّ عـن جـسمهِ ثوبٌ لهُ قُشبُ

٢٦

قـف بـي على الأردن المشهود موقفُه

لألـثم الـجرحَ لـكنّ الـحشا يـجبُ

قـذائفُ الـنارِ عـاثت فـي محاسنِه

وشـوّهت أوجـهاً تـستافها الـشهبُ

قـف بـي عـلى قبلةِ الإسلامِ أسألها

عـمّا جـرى مـن دواهٍ كلّها خطبُ

ومـسجدِ الـصخرةِ الـمحزونِ منظرُه

بـالدمعِ والـدمِ مـطبوعٌ ومـختضبُ

قـد أوحـشَ المنبرَ العالي وقد ذويت

أعــوادُهُ فـهـي تـنعاهُ وتـنتحبُ

ثـمّ اسـتمع رنّـةَ الـمحرابِ أحزنه

فَـقْدَ الـمصلّينَ مـذ طـلاّبهُ غربوا

وحـيّ تـلكَ الـمروجَ الخضرِ ناعيةً

أحـبابها فـهي ثـكلى خَـدُّها تَـرِبُ

يـا طـيبَ عيشٍ على الوادي باُمسيةٍ

رقّـت ورقّ الـهوى والماءُ والعُشبُ

أبـناءَ عـمّانَ لا يـحزنكَ ما ارتكبوا

فـالكأس سـكّابة طـوراً ومـنسكبُ

والـعـربُ مـغلوبةٌ يـوماً وغـالبةٌ

مـا كـلّ سـبّاقةٍ تـجري لها الغلبُ

أدّيــت قـسـطك والأيّـام شـاهدة

وإنّ يـومـكَ فـيهِ تـفخرُ الـعربُ

ووقـفـةٍ لاُسـودِ الـرافدينِ غـدت

أرسى من الهضبِ لا بل دونها الهضبُ

جـيشُ الـعراقِ وحـامي سورَ منعتِه

إن سـارَ كـان لـهُ الإقـدامُ والغلبُ

عـاشت دمـشقُ فـلا عُتبى ولا عتبٌ

لـقـد أرتـنا نـضالاً كـلّهُ عـجبُ

يـومٌ تـهجّم وجـهُ الـبغي وانبعثت

قـواذفُ الـشرّ يسري جيشها اللجبُ

نـيـرانُهُ تـمـلأ الأجــواءِ قـاذفةً

لـهيبها ضـاقَ فـيها اُفـقها الرحبُ

وتـقـتـفيها أسـاطـيـلٌ مـدمّـرة

حـتّـى إذا أخـذت لـلغابِ تـقتربُ

هـبّـت مـغـاويرُ سـوريّا مـشمرةً

كـالاُسدِ لـم يـثنها خوفٌ ولا رهبُ

فـهل رأيـتَ اُسـودَ الـغابِ مغضبةً

دونَ الـحمى أرأيـتَ الـليثَ إذ يثبُ

أبـناء يـعربَ جـدّوا فـي عزائمكمْ

فـالأمرُ قـد جـدّ والأسـماعُ ترتقبُ

وإنّ أحـسـابكم أمـسـت تُـطالبكمْ

فـحقّقوا أمـلاً يـسمو بـهِ الـحسبُ

10 - وله في رثاء الخطيب الشهير الشيخ محمّد علي قسّام، يقول السيّد جواد شبّر في أدب الطفّ 10 / 65:... وكان يوم 29 كانون الثاني 1954، يوم مجيء جثمانه للنجف من الأيّام المشهودة؛ فقد اُقيمت على روحه عدّة فواتح، كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في (مسجد الهندي) بالنجف، وكنتُ ممّن شارك بقصيدة مطلعها:

سند الشريعة في جميعِ الأعصرِ

هذي الروائعُ من خطيبِ المنبرِ

ذاك الذي يُمسي ويُصبح ناشراً

عـلمَ الـجهادِ كقائدٍ في عسكرِ

أمـعلّم الأجـيالِ تنثرُ جوهراً

فـكأنّ صدركَ معدنٌ من جوهرِ

٢٧

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت متوّجاً

بـالأنجبينَ وكـلّ ليثٍ قسورِ

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت منوّراً

طـولَ الزمانِ بكلّ عقلٍ أنورِ

يـا منبرَ الإسلامِ دمت مضمّخاً

بـالرائعاتِ مـن الفمِ المتعطّرِ

ومجالسٍ هي كالمدارسِ روعةٌ

اُمٌّ لـكـلّ مـهـذّبٍ مـتنوّرِ

الـمنبر الـعالي رسالة مرشدٍ

جـاءت لـعقلِ النابِهِ المتحرّرِ

الـمنبر الـعالي حكيمٌ مبصرٌ

يصفُ الدواءَ بحكمةِ المتبصّرِ

يـا فارسَ الميدان عزّ عَلَيّ أن

تهوي وحولكَ سابغاتِ الضمّرِ

يـا مَنْ إذا أرسلت لفظك لؤلؤاً

جـرتِ الـعيونُ بلؤلؤٍ متحدّرِ

أو قمت في أعلى المنابرِ خاطباً

فـكأنّ قولكَ ريشةٌ لمصوّرِ(1)

11 - ومِن روائع شعره القصيدة التي حيّا بها الإمام المصلح الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عند عودته من مؤتمر باكستان عام 1371 هـ(2) :

كـذا يـلمعُ الـقمرُ الـنيّرُ

كـذا ينهضُ المصلحُ الأكبرُ

كـذا ترتقي عالياتُ النفوس

وهـامُ الأثـيرِ لـها مـنبرُ

كـذا يعذبُ العمرُ في مثل ذا

وإلاّ فـما قَـدْرُ مَنْ عَمّروا

كـذا يشمخُ العلمُ فوقَ السُّها

فما عرشُ كسرى وما قيصرُ

أشـيخَ الـشريعةِ بل رمزها

ومـفخرها عـشتَ يا مفخرُ

أُقــدّسُ شـخصك إذ إنّـه

مـثالُ الـكمالِ مـتى يذكرُ

إذا مـا انتسبتَ إلى «جعفرٍ»

فـحسبكَ مـنتسباً «جعفرُ»

لأن حـسبتك الـورى واحدا

«ففيك انطوى العالمُ الأكبرُ»

نـهضتَ لتجلوَ رينَ القلوب

وتـوقظَ جـيلاً بـدا يشعرُ

نهضتَ وبُوركتَ مِن ناهضٍ

فـما وثـبةُ الاُسـدِ إذ تزأرُ

وأبلغتَ في النصحِ في مجمعٍ

تـجدّدُ تـاريخهُ الأعـصرُ

وهزّ صدى صوتك المشرقين

ودوّى كـقـاذفـةٍ تـفـجرُ

حـياةَ الـشعوبِ بـأبطالها

وتـاريخها مـجدها الأزهرُ

إذا جـمعَ الناسَ «نيروزُهم»

فـنيروزنا وجـهكَ الأنـورُ

فـطـرت ولـكن بـآمالنا

ورحـت بـأرواحنا تـعبرُ

____________________

(1) القصيدة بكاملها نشرتها مجلّة العرفان اللبنانيّة مجلّد 41 ص1164.

(2) أدب الطفّ 10 / 49.

٢٨

فـحدّث أبـا الصالحاتِ التي

تـعالت سـناءً فـلا تسترُ

تـحدّث إلـينا فكلّ الحواس

شـعورٌ وأكـبادنا حـضّرُ

أتـينا لـنصدرَ عـن موردٍ

ومـنكَ حلى الوردُ والمصدرُ

تـحدّث فـهذي القلوب التي

تـرفرفُ جـائتكَ تـستخبرُ

تـلـقّتكَ تـفرشُ أكـبادها

وخـفّـت لـلقياكَ تـستبشرُ

تـحدّث ألـستَ أميرَ البيان

إذا مـا جـرى لفظهُ يسحرُ

أَبِـنْ لـلوفودِ عن المسلمين

فـمثلكَ لـلجرحِ مَـنْ يسبرُ

أَبِنْ فالحديثُ حديثُ الشجون

ومـن وقـعهِ القلبُ يستعبرُ

فـكيف تلمّستَ شرعَ الهدى

وهـل مـن أمانٍ بها تسمرُ

كـأنّي بـروحِ النبي الكريم

عـلى كـثبٍ نـحونا تنظرُ

متى هانَ شعبك يا مصطفى

مـتى ذلّ قومك واستُعمروا

مـتى طأطأت جبهةُ الفاتحين

لـذلّ اليهودِ إذا استصغروا

أيـا قـالعَ البابَ بابَ اليهود

ويـا فـاتحَ الحصنَ يا حيدرُ

تـداعت لـتدرك أوتـارها

وأنـتَ عـلى ردّهـا أقـدرُ

أبـا الشرعِ هـذي يـدٌ بـرّة

يـوافيكَ فـيها الفتى (شبّرُ)

12 - وقال في تأبين الشاعر أحمد الصافي النجفي:

ما جئتُ أرثيكَ أو أذري الدموعَ أسىً

إنّ الـرثاءَ لـشخصٍ ماتَ واندرسا

قـالوا لـقد مـاتَ قلتُ اليومَ مولدُه

ونـجمهُ قـد تـجلّى يـطردُ الغلسا

والـيوم يـبدأ تـاريخٌ لـهُ عـبقٌ

وطـيبُ تـأريخه قـد أنعشَ الجُلَسا

مـا الـحيُّ مقياسهُ مرُّ السنين ولو

طـالَ الـبقاءُ ولا تـردادهُ النفسا

إنّ الـحـياةَ بـأفـكارٍ يـخـلّدها

عبرَ العصورِ وغرساً صالحاً غرسا

وآخــذاً بـيـدِ الـعافي ومـنقذه

سـواء أحـسنَ هـذا أم إلـيه أسا

* * *

مـا كان أحمدُ في عصرٍ يعيشُ به

إلاّ كـشعلةِ نـورٍ تـحملُ الـقبسا

يعيشُ في الناسِ لكن روحُهُ انفردت

عنهم كمَنْ عاشَ بين الخلقِ محتبسا

سـما إلى عـالمٍ أسـمى بفكرته

لـذاك مـهما خـلا في نفسهِ أنسا

فـلا تـرى مـعهُ في بيتِ عزلته

إلاّ الـيراعة أَمَّ الـشعرُ والطرسا

* * *

٢٩

إيـهٍ أبـا الـخالداتِ النيّراتِ سنا

والـسائراتِ أقامَ الدهرُ أم جلسا

هـذي روائـعك الـغرّا يـردّدها

فـمُ الزمانِ ومن أنوارها اقتبسا

أمـواجُها انـدفعت تـتلو أشعّتها

تـجلي العقولَ ومنها تغمرُ اليبسا

وذي الهواجسُ ما أحلى هواجسَها

تـداعبُ الروحَ إن دقّت لها جرسا

رفّـت تـناغيك هـمساً في تدلّلها

والحبّ يعذبُ إن ناغى وإن همسا

أشـعّـةٌ فــي مـعانيها مـلوّنةٌ

إشعاعها مشرفٌ عن روحك انعكسا

إن كنتَ حلّقت أو أبدعت لا عجبٌ

قـرآنُ أحـمد قـدماً حيّر القسسا

وأذعـنت لـغةُ الفصحى لروعته

وعـادَ مـنطيقها مـستسلماً خرسا

الـناظمُ الـدرَ نـظماً لا نظيرَ له

بالشعرِ ينبوعهُ الصافي قد انبجسا

والمرسلُ الشعرَ سهلاً غير ممتنعٍ

سـلساله العذبُ يجري سائغاً سلسا

* * *

زَهـدتَ فـي هذه الدنيا وزخرفِها

إذ أنت أرفع ممّن يرتضي الدنسا

وكـنت تـهزأ ممّن راح يعشقها

ومَـنْ بـأوطارها قد ظلّ منغمسا

نـفسٌ ترى فوق هام النجم رفعتَها

وبـزّةٌ إذ تـراها بـزّة الـبؤسا

تـريـهمُ إنّ دنـياكم وبـهرجَها

كـشملتي هـذه من سامها بخسا

لاويت دهرك حتّى رضت جامحه

كـمن يروِّضُ من فرسانها فرسا

بـعزمة شـهد الـتأريخُ واقـعها

مـا كـنتَ هـيّابةً يوماً ولا نكسا

عـرفت دنـياك مذ وازنت قيمتها

وإنّـها عـرفتك الـنيقد الـمرسا

وكـم دعتك لِوصلٍ وهي ضاحكةٌ

لـكن رأتك على ما تبتغي علبسا(*)

رحماك ليست نفوس الناس واحدةً

إن خفّ ذاك فهذا في الوجود رسا

هـذي الـحياة وكم غذّيتها حكماً

غرّا وأرسيتَ من أركانها اُسسا

فـكنت تـشبعها بـحثاً وتـجربةً

وكـنت تـنشرها درساً لمن درسا

وتـوضح القول مجلوّاً ومزدهراً

فـلم يـعد بـعد فيها الأمر ملتبسا

دُمْ لـلخلود فـذي الأيّـام طوعك والـ

ـدهرُ استلان وإن قدماً عليك قسا

13 - وقال محيّياً الشيخ الأميني صاحب (الغدير) بمناسبة افتتاح مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام العامّة في النجف، بعنوان (تحيّة المؤسّسة الفكريّة):

مـعهد الفكرِ طاولَ الدهرَ فخرا

ذاك يـبلى وأنتَ تخلدُ ذكرى

كلُّ شيء فانٍ سوى العلم والعد

لِ فإن شئت سل بإيوان كسرى

سـاندت ركـنك القديم يدُ العلـ

ـمِ فـلا زـت خـالداً مـشمخرّا

____________________

(*) هكذا وردت المفردة الأخيرة (علبسا)، ومعها يختل المصراع الثاني من البيت.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٠

منجباً كلّ أصيد يبعث النشـ

ـأ يـقود الأجيال عقلاً وفكرا

منجباً كلّ أصيد يجعل الدّهـ

ـرَ غـلاماً لـديه نـهياً وأمرا

وبرغم الزمان جئت ويبقى

لك عبداً وأنت لا زلت حُرّا

* * *

عـشت يـا صرحُ للعلوم مناراً

فـاض أشعاعُه على الكون بدرا

همّةُ المصلح (الأمينيّ) ثارتْ

فـاستثارت لـها الـعزائمُ طرّا

قـد أشـادتك بـعد جـهدٍ جهيدِ

كـرعت في سبيلك الصّاب مُرّا

ضـربت فـوقك القلوبُ رواقاً

يـوم قـدّت من العزائم صخرا

بـسطت مـن شُغافها لك أرضاً

وبـنت فـي ضلوعها لك وكرا

ثـمّ راحت عليك تحنو احتفاظاً

مـثلما تـحفظ الأضـالع سرّا

معهد الفكر هل علمت بأنّ الشيـ

ـخَ أفـنى من أجل عمرك عمرا

ومـشى ثـابت الخُطى باتّزانٍ

أشـبع الـدهرَ خـبرةً ثمّ سبرا

هـازئاً بـالخطوب تعرف منه

إنّ فـي أمـره مـع الله سـرّا

أي أبـا الطيّبات أحـييت فـينا

أمـلاً كـاد أن يـبدّد صـبرا

يـوم ضاق الفضا قنوطاً ولكن

فـاض من راحتيك يمناً ويسرا

قـد أرتـنا الأيّـامُ حمر المنايا

وتـرينا أنـت الأمانيَ خضرا

بـمساعيك قـام لـلعلم صرحٌ

عـشت لـلعلم والـديانة ذخرا

هـمّةٌ تـدفع الـسماء وعـزمٌ

يـسع الـكون مـذ يـنفذ أمرا

لـك فـي الـصالحات غرُّ أيادٍ

ويـدٌ في (الغدير) بيضاءُ غرّا

وحـقـيقٌ أقـول إنّـك فـينا

رابـح الـنشأتين دنـياً وأُخرا

14 - ودخل يوماً عائداً الخطيب المعروف السيّد علي الهاشمي على إثر وعكة صحيّة، فخاطبه:

متى كان في الظنّ أنّي أراك

ألـيف الـفراشِ حليفَ الألمْ

متى حوّمت حولك الواهمات

مـتى نـهشتك نيوبُ السّقمْ

متى زعزعتك سوافي الرّياح

وعـهدي بـك طـودٌ أشَـمْ

ألـست المُعاني الّذي يمتلي

نـشاطاً يزينك لطف الشّممْ

وثغرك ذاك الضحوك الوقور

يـعـطّر أجـواءنا بـالنّسمْ

٣١

فأجابه السيّد علي الهاشمي:

هـزار الـغريّين أتـحفتني

بـغرّاء تـذهب عنّي السّقمْ

نـظمت قـوافيها كـالعقود

فـنعم الـمنظّم والـمنتظمْ

فـقـبّلتها بـفـم الامـتنان

مـقلٌّ لـتقبيلها ألـف فـمْ

وجـلت بـبحرِ تـقاطيعها

بـمطرفةٍ دمـعُها مـنسجمْ

ومـا ذاك إلاّ اشـتياقٌ إليك

لأنّـك أنـت الـذي لا تُذمْ

فدم «يا جواداً» بكلّ الصِفات

ويـا عـلماً رفّ فوقَ العلمْ

وإنّـي لأكـبر هـذا الحنان

فـحبّك لي من جليل النِّعمْ

شعر التاريخ عند الخطيب شُبّر

1 - قال في تاريخ وفاة والده السيّد علي شبّر:

يـا أيّـها الـسائلُ عـن تاريخِه

مضى وأبقى العملَ الأبقى علي(1)

2 - وأرّخ فقيد الشباب السيّد نعيم الدين ابن السيّد عبّاس شبّر:

حـملتُ لـقبره إكليلَ وردٍ

وحنَّ القلبُ مِن شَغَفٍ وأنّا

وقلتُ لأدمعي سقياً فدهري

عـلينا بـالفراق لقد تجنّى

فنادتني احتبِسْ للدمع عيناً

فذا ماءُ الشباب يفيض عينا

وذا تـاريخه يـزهو بهاءً

نـعيمٌ لـلنعيم مضى مُهنّا

3 - وقال في تاريخ تمديد رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للإمام السيّد موسى الصدر:

زهى المجلسُ الشيعيُّ والصدرُ زانه

بـطلعته الـغرّاء يـرفلُ مـأنوسا

فـعوّذته بـالغرِّ مـن آل هـاشمٍ

بـأربعِ عـشرٍ تدفع الضرَّ والبؤسا

أضـفناهمُ لـليمنِ مـذْ قيلَ أرّخوا

وقـلنا لـقد اُوتيت سؤلك يا موسى

4 - وقال مؤرّخاً بناء حسينيّة الزهراءعليها‌السلام في المنصوريّة (الكويت):

دارٌ لأهل البيت تسمو علاً

لـله فـيها بـعضُ أسراره

شعّتْ بنورِ السبطِ مذ أرّخوا

تـرفُّ إشـعاعاً بـأنواره

5 - وقال مؤرّخاً وفاة العلاّمة الشيخ حسين الفيليرحمه‌الله :

فـي يوم عاشوراءَ فارَقْتَنا

وقد بكتهُ السحبُ دمعاً صيّبا

____________________

(1) المقصود كتاب (العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى) - للسيّد علي شبّر.

٣٢

ذاك الحسينُ واحدُ الفضلِ الذي

تـاريخهُ نـورُ حـسين غُيّبا

6 - وقال في تاريخ تزيين المرقد المطهّر للإمام عليعليه‌السلام بالمرايا والزجاج البديع:

مرآةُ قدس الله شعَّ سناؤها

فـتموّجتْ بزجاجةِ المرآةِ

قال الموحّدُ فيه أرِّخ زاهياً

مصباحُ نور الله في المشكاةِ

نشاطاته الاُخرى

1 - المباراة الدوليّة الثقافية للتأليف حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام : هذا المشروع التاريخي طرحه السيّد على الوجيه السيّد هاشم شُبَّررحمه‌الله ، وهو تخصيص جوائز نقديّة لكلّ مَنْ يؤلّف كتاباً حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام على أن يفوز من خلال المباراة.

وكان السيّد أميناً لسرّ اللجنة المنظّمة للمسابقة، فوجّه نِداءً لأرباب الفكر والأدب في العالم بعد ما أعلن برنامجه، وتشكّلتْ اللجنة المُحكّمة، وكانت تتألّف مِن أفذاذ العلم والوعي والتُقى، الأعلام الثلاثة: الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيّد موسى بحر العلوم، فقُدّمت الكتب مِن قبل مؤلّفيها، فكانت النتائج كما يلي:

الفائز الأوّل: كتاب (الإمام علي - نبراس ومتراس) لمؤلّفه الكاتب اللبناني المعروف الاُستاذ سليمان كتّاني، وهو رجل مسيحي.

الفائز الثاني: كتاب (ملامح من عبقريّة الإمام) بقلم الدكتور مهدي محبوبة.

الفائز الثالث: كتاب (الإمام علي - رجل الإسلام المخلّد)، تأليف الاُستاذ عبد المجيد لُطفي.

ومن الكتب التي وقع الاختيار على طبعها كتاب (الإمام علي - أسد الإسلام وقدّيسه) للكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، وهو مسيحي.

2 - اهتمامه بالشعراء الشعبيين وتشجيعهم على الكتابة في رثاء سيّد الشهداء، وقد قرّض الديوان الشعري لكلّ مِن:

أ - الحاج محمّد باقر الإيرواني - شعراء الحسينعليه‌السلام .

ب - الشاعر المرحوم هادي القصّاب - ديوان الهداية الحسينيّة.

ج - الخطيب المرحوم الشيخ محمّد حسن دگسن - الروضة الدگسنيّة.

د - الحاج زاير - الشاعر الشعبي العراقي.

هـ - السيّد الشرع - منهل الشرع.

3 - اهتمامه ببناء وتشييد مراقد وأصحاب أهل البيتعليهم‌السلام كسعيه لبناء مرقد زيد الشهيدعليه‌السلام ، ومرقد رشيد الهجري، وكميل بن زياد وغيرهم مِن الأفذاذ والمظلومين؛ فقد كان

٣٣

يبذل لعمرانها من ماله الخاص.

4 - تحقيقه لبعض الكتب العظيمة ونشرها؛ فقد اعتنى السيّد بنشر ديوان (جواهر وصور) للفقيه السيّد عبّاس شبّر، وإخراجه أجمل إخراج بحلّة قشيبة وورق مؤطر بإطار ملوّن جميل يحيط بالقطعة الشعريّة، كما إنّه جمع وطبع وأشرف على إصدار ديوان (الموشور) للسيّد عبّاس شبّررحمه‌الله .

وقد كان للسيّد جواد الدور الرائد في صدور كتاب (الأخلاق) للسيّد عبد الله شبّر الذي عنى بنشره وطبعه. أمّا كتاب (تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين - للراغب الأصفهاني) فقد عنى السيّد بنشره وإصداره؛ لأهمّيّته العلميّة.

5 - على صعيد الإصلاح: السيّد جواد شبّر كان من الروّاد الأوائل لحركة الإصلاح المنبري والاجتماعي. يقول في مقال كتبه تحت عنوان (الوعي نواة الإصلاح) في مجلّة الوعي الإسلامي: من أعذب الكلمات على السمع والروح كلمة الإصلاح، إنّها خفيفة على المشاعر، لطيفة في الأحاسيس، يترشّفها السامع ويتمنّى تحقيقها، ويتغنّى بها المجتمع ويهوى تطبيقها، لكن تختلف الآراء في الطريق المؤدّية إليها والوصول إلى أهدافها.

فالبعض يرى ذلك منحصراً في تسليم القيادة إلى موجّه حكيم، وهو الذي يقود الأُمّة إلى ساحل السلامة والنجاة، أمّا عقيدتي فهي أنّ أقرب الطرق إلى الإصلاح هو إيجاد الوعي العام في الأُمّة واليقظة في الشعب، والعمل على أن يشعر الكلّ بواجب المسؤوليّة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق الكتابة والخطابة، وتعاون الفرد والجماعة؛ فـ (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ))(1) .

أمّا محاولاته الإصلاحيّة فيما يتعلّق بمؤسسة المنبر الحسيني فلقد كان من المبادرين السباقين لصيانة هذه المؤسسة الكبرى من الفوضى والترهّل، وحمايتها من الانحدار والتسيّب، ووضع الأسس والضوابط للانطلاق بها إلى مستوى المسؤوليّة، والارتقاء إلى مصاف المؤسّسات الإسلاميّة الهادفة.

يقول الخليلي في ترجمة الشيخ محمّد علي اليعقوبي أثناء حديثه عن الدعوة إلى إصلاح خطباء المنابر: وكان من أنشط العاملين في حلبة الإصلاح والدعوة إلى تهذيب الخطباء هو الخطيب السيّد جواد شبّر؛ ففتح في مدرسة المنتدى صفّاً خاصّاً بتعليم الخطباء فنّ الخطابة، وتهذيب الأخبار التي يروونها، وإعدادهم إعداداً يتّفق وروح العصر(2) .

____________________

(1) مجلة الوعي الإسلامي الكويتيّة، السنة الأُولى - العدد الثاني سنة 1965 م.

(2) هكذا عرفتهم - للخليلي 1 / 159، ومجلة الإيمان، عدد خاص في ذكرى اليعقوبي، سنة 1312 هـ.

٣٤

ولعمر الحقّ أنّ هذه المهمّة الشاقّة نحن بأمسّ الحاجّة إلى مَنْ يشمّر عن ساعد الجدّ ويتصدّى لتهذيب وتقويم هذه المؤسسة الهامّة؛ لئلاّ تكون مرتعاً سهلاً لمَنْ هبّ ودبّ، وسوقاً سوداء للمتاجرين بدماء الحسينعليه‌السلام ونبل أهدافه وشرف قضيّته(1) .

مؤلّفاته

للسيّد عدّة كتب ألّفها في حياته المعطاءة، وهذه أهمّها:

1 - إلى ولدي: كتاب في الأدب التربوي، جمع فيه عيون الشعر لأساطين الشعراء، طُبِع الطبعة الأُولى في النجف سنة 1954 م، ثمّ أعدتُ طبعه (مصوراً) في قم سنة 1984 م.

2 - قبس مِن حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام : وُزّع على الجمهور الذي شارك في الاحتفال بمناسبة ميلاد الإمام الحسينعليه‌السلام في النجف الأشرف.

3 - أشعة مِن حياة الصّادقعليه‌السلام : قُدّمَ هدية للمحتفلين بمولد سيّد الشهداء سنة 1385 هـ - 1965 م في النجف الأشرف.

4 - مقتل الحسينعليه‌السلام - عبرة المؤمنين: وهو الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم.

5 - المطالب النفيسة: يقع في ثلاثة مجلّدات في التراجم والأخلاق والفلسفة الإسلاميّة (مخطوط).

6 - شواهد الأديب: مختارات شعريّة في ثلاثة أجزاء (مخطوط).

7 - المقتطفات: نوادر وحكم وأدب في جزئين ضخمين (مخطوط).

8 - شعراء العصر الحاضر (مخطوط).

9 - سوانح الأفكار في منتخب الأشعار: ثلاث مجلّدات في مدح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام (مخطوط)(2) .

10 - المناهج الحسينيّة: مجموعة مجالس قرأها في لبنان - مجلد واحد طبع في بيروت ثمّ أُعيد طبعه في قم.

11 - ديوان شعره: وفيه كثير من المراسلات والمساجلات، والقطع المستملحة والأوصاف البديعة(3) (مخطوط).

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 330.

(2) مشهد الإمام 3 / 160.

(3) شعراء الغري - للخاقاني 2 / 473.

٣٥

12 - أدب الطفّ أو شعراء الحسين - طُبع منه 10 أجزاء.

13 - الإسلام دين ودولة - 3 مجلّدات (مخطوط).

14ـ الأخلاق الإسلاميّة - 3 مجلّدات (مخطوط).

موقف بطولي وتأريخي

هنالك موقف تاريخي للسيّد الوالد ذكرته للأخ السيّد داخل، فدوّنه في موسوعته (معجم الخطباء)(1) قائلاً: ( يقول النجلُ الأصغر لسيّدنا المترجم الخطيب السيّد أمين عن أحد معارفه إنّه التقى في الهند بأحد عملاء النظام، وكان يتولّى تعذيبه عندما كان سجيناً، ولكنّه لم يعرفه لتغيير ملامحه، فاتّصل به وتظاهر بأنّه من الموالين للنّظام، وسأله عن بعض المساجين وبينهم السيّد جواد شبّر، فقال: إنّ أمر هذا الرجل لعجيب؛ فقد اجتمع مدير الأمن بضباطه ذات يوم ودار الحديث حوله وكيفيّة التعامل معه، وأخيراً قرّروا استمالته وتقديم العروض المغرية لتبديل موقفه، فاجتمعوا به وتحدّثوا معه بأنّك شخصيّة عراقية هامّة، ولك المواقف المشهودة، والخطب المؤثرة، والكلمة المسموعة في أوساط الشعب، فلا نريد منك سوى أن ترقى المنبر في الصحن الحيدري أو أيّ مكان عام وتخطب مشيداً بالسيّد الرئيس، وتشجب ما يقوم به الخميني اتّجاه العراق... إلخ!

ويذكّرني هذا المكر بمكر معاوية عندما طلب من الأحنف بن قيس بأن يرقى المنبر ويمتدح يزيد، فقال: لو تركتني لكان خيراً. قال: لماذا؟ قال: لأمرين؛ إذا صدقت أغضبتك، وإذا كذبت أغضبت الله. فلمّا طلبوا ذلك من السيّد مقابل إطلاق سراحه وإعطائه جواز سفره وبعض الإغراءات الأُخرى، أخرج السيّد لسانه وقال: اقطعوا لساني خير ممّا تدعونني إليه.

تحيّة لك أيّها البطل، ومرحى لصلابتك أيّها العظيم، وطبتَ حيّاً وميتاً، والسّلام عليك كلّما بدأ يعود ورحمة الله وبركاته.

قالوا في السيّد جواد شبّر

* قال الاُستاذ الأديب علي الخاقاني في (شعراء الغري): والسيّد جواد أديب ذكي، وخطيب شجاع، يعبّر عن كثير من الآلام التي يتحسّسها مجتمعه، ويندفع في تصوير ما يراه صالحاً لقومه بلهجة يغلب عليها الحماس، ويتخلّلها لون من الثورة النفسيّة؛ ولحماسه القوي فقد تصوّره فريق أنّه يتصنّع ذلك، غير أنّ مَنْ عرف سلوكه يعرف أنّه

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 348.

٣٦

صادق بتعبيره. (شعراء الغري 2 / 472).

* ووصفه الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني في معجمه: عالم فاضل، خطيب متكلّم، شاعر مجدّد، مؤلّف مؤرّخ متتبّع، نظم الشعر وجاهد بقلمه ولسانه في سبيل عقيدته ورسالته وتشيّعه الذي يعتبر بحقّ الإسلام الصحيح.

كتب بحوثاً ومواضيع توجيهيّة وأدبيّة في الصحف دلّت على تفوّقه العلمي ونضوجه الأدبي، اعتقلته السلطة الرعناء في شهر رمضان وضاع خبره حتّى هذه الساعة. (معجم رجال الفكر 2 / 713).

* وقال المرجاني في خطباء المنبر: هو أحد حسنات النجف الأشرف، وأحد خطبائها البارزين، وتراه إذا رقى ذروة المنبر انحدر كالسيل المتدفّق. واسع الرواية، قوي الحجّة. (1 / 136).

* وقال صاحب كتاب ومضات الشباب: اجتمعت له أسباب التوفيق في الحياة من انتشار صيت، وحسن حال، واستيعاب معرفة، ورخامة صوت، ونشاط أدبي ملموس الأثر؛ فانطلقت خلفه عيون فريق من مرتقي المنابر الذين يشاركونه المزاولة ولا يشاركونه المؤهّلات والمقام. (مشهد الإمام 4 / 154).

* قال الفقيه المظلوم الشيخ محمّد تقي الجواهري: السيّد جواد ليس له نظير في خطابته؛ فهو يركّز العقيدة. (المناهج الحسينيّة، تقديم: علي محمّد علي دخيّل).

* وقال العلاّمة الشيخ قاسم محيي الدين: الجواد هو رجل المناسبة، وأمل المستقبل في الخطابة. (خطباء المنبر 1 / 137).

* وقال العلاّمة العبقري الشيخ محمّد جواد مغنية في ختام تقديمه لموسوعة أدب الطفّ: وختاماً نسجّل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفوء، صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد أبياتها، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطّلاع. (أدب الطفّ 1 / 16).

* ولمّا كان الشيخ محمّد جواد مغنية يقطن في المدرسة الشبّريّة، كنت أذهب إلى غرفته للاستفادة، ومرّةً حضر مجلساً حسينياً أُقيم في باحة المدرسة وقد قرأ الوالد، ولمّا انتهى قلت للشيخ مغنية: ما رأيكم بقراءة الوالد؟

فقال لي: إنّ أباك خطيب العُلماء، وعالم الخطباء.

* ومن ذكرياتي: تبادل الرسائل باستمرار بين الوالد والكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، فقد كنتُ أقرأ على ظرف رسائله كلّها عبارة: (... إلى أمير المنابر جواد شبّر...).

٣٧

* في لقاء مع آية الله العلاّمة السيّد محمّد مُفتي الشيعة في قم المقدسة(1) قال: كان الخطيب الفاضل السيّد جواد شبّر خطيباً مُبرزاً، واعياً جامعاً في خطابته، متكلّماً متميّزاً لفصاحته وبلاغته وشجاعته؛ حيث يُبيّن المطالب المنبريّة المهمّة... متحدّياً... دون تردّد ومداهنة...

وقد عرفته من الخطباء المتميّزين في شدّة ولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام ... مهيمناً على تلك المطالب، عارفاً بحُضّار مجالسه من العلماء والعامّة من الناس.

وكان هو الخطيب الذي يُختارُ غالباً لارتقاء المنبر الشريف في مجالس العلماء والمراجع... وكان ممّن ينصبُّ عليه الاهتمام في تأبين العلماء والمراجع؛ لإحاطته بكثير ممّا يتعلّق بسيرهم وحياتهم وآثارهم.

وممّا أتذكّره أنّه كان المعوّل عليه في تأبين العلماء والمراجع: السيّد الحكيم، والسيّد الميلاني، والسيّد عبد الهادي الشيرازي، والسيّد جواد التبريزي، والشيخ حسين الحلّي، والسيّد محمود الشاهرودي، وآقا بزرك الطهراني وغيرهم مِن أعلام الدين (رضوان الله تعالى عليهم).

* وقال الشيخ عبد الحسين الحويزي مخاطباً السيّد جواد شبّر(2) :

يـا آلَ شبّر لم تزل أنوارُكمْ

تـأبى بـأنديةِ الهدى إطفاءا

عرجت بكم هممٌ لغاياتِ العُلا

سبقت فجاوزت المدى إسراءا

تلامذته

يعتبر الخطيب السيّد جواد شبّر مدرسة واعية معطاءة تميّزت بإخلاصها وشموليّتها؛ فقد كان السَيّد موسوعة أدبيّة فقهيّة، حديثيّة تاريخيّة، فكنتُ عندما أجلس معه أو في مجالسه العامّة، أخرج بزيادة علم ومعرفة وأدب. وقد تتلمذ على يديه جمع من الخطباء نذكر بعضهم:

1 - الخطيب السيّد حسن الكشميري(3) .

2 - الخطيب الشيخ صالح الدجيلي(4) .

____________________

(1) اللقاء في تاريخ 18 شعبان 1420 هـ.

(2) أدب الطف 10 / 128.

(3) كما يشير هو في مجالسه من على المنبر، بل ويفتخر بذلك، ومعجم الخطباء 2 / 337.

(4) نقلاً عن السيّد حسن الكشميري.

٣٨

3 - الخطيب الشيخ شاكر القرشي(1) .

4 - الخطيب السيّد داخل السيّد حسن(2) .

5 - الخطيب السيّد عامر الحلو(3) .

6 - الخطيب الشيخ صالح الجزائري(4) .

7 - الخطيب الشيخ عبد الأمير أبو الطابوق(5) .

سيّدي الاُستاذ والوالد والمُربّي، أيّها المُغيّب عنّا في السجون، يا مَن خَدَمْتَ منبر جدّك الحسينعليه‌السلام أكثر مِن نصف قَرن، ثمّ أودعوك في زنزانات مُظلمة. أيّها الأسد الهصور، كُنت تقول لنا - نحن أبناؤك -: مَنْ منكم يسلك طريقي، طريق الخطابة الحسينيّة؟

فكانت (اُمنيتك)، وها أنا أُحقّق أُمنيتك أيّها الكبير العظيم، وعلى طريقك ونهجك أيّها المخلص.

أدعو لك مع مُحبّيك وجمهورك بالفرج من أيدي الطغاة.

أدعو لك بدموعي الممزوجة بلوعتي على فراقك.

أدعو لك مِن على منبر جدّك الذبيح، مِن على نفس المنبر الذي كُنّا نراك عليه، وكلّنا آذان صاغية لحديثك المُمتع:

فـما اسـتشعرَ الـمُصغي إليك مَلالةً

ولا قُلتَ إلاّ قال مِن طَرَبٍ: زِدني

فـأعظمُ مَـجدي كـان إنّـك لي أبٌ

وأكـبرُ فـخري كان قولك: ذا اِبني

ولدك: محمّد أمين        

7 ذو القعدة 1420 - 13/2/2000

____________________

(1) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 4 / 135.

(2) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 6 / 142.

(3) معجم الخطباء 2 / 361.

(4) خطباء المنبر الحسيني 5 / 174، ومعجم الخطباء 4 / 212.

(5) معجم الخطباء 7 / 224.

٣٩

الحسينعليه‌السلام عبرة المؤمنين

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) «آل عمران 169 - 170».

عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسفَ اللون، ظاهرَ الحزن، ودموعُه تتحادر مِن عينيه، فقلتُ: يابنَ رسول الله، مِمّ بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال: (( أوَ في غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسينعليه‌السلام أُصيب في مثل هذا اليوم؟! )) ثمّ بكى أبو عبد الله حتّى اخضلّت لحيته بدموعه.

المقدّمة

احتفال الأئمّة بيوم عاشوراء

جرت عادة الشيعة الإماميّة على الاحتفال بذكرى واقعة الطفّ الدامية، واتّخاذ يوم مقتل سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم حزن وبكاء، اتّخذوا ذلك على سيرة الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ فقد كان الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام إذا هلّ هلال عاشوراء اشتدّ حزنه، وعَظُمَ بكاؤه على مُصاب جدّه الحسينعليه‌السلام ، وتَفِدُ إليه الناس من كلّ جانب ومكان يُعزّونه بالحسينعليه‌السلام ويبكون وينوحون معه.

وكان الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تَغلبُ عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400