كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة10%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27628 / تحميل: 5157
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

أحدهما في حال وجود الآخر على وجه يكون للحالية دخل في الحكم أو كان الموضوع هو عنوان قبلية أحدهما للآخر أو بعديته أوغير ذلك من العناوين والاضافات الوجودية المتولدة وجود الشيئين في زمانهما، ففي مثل هذا ضم الوجدان بالاصل لاينفع، لان الاصل لايثبت تلك الاضافة وذلك العنوان الوجودي المتولد إلا على القول بالاصل المثبت، ولما كان الحكم بإدراك الركعة في أدلة الباب معلقا على ركوع المأموم قبل رفع الامام فمقتضى ظاهر الادلة هو أن لعنوان القبلية دخلا في الحكم بإدراك الركعة، وأصالة عدم رفع رأس الامام إلى زمان ركوع المأموم لايثبت عنوان القبلية ودعوى أن المراد من القبلية هو مجرد الاجتماع في الركوع من دون أن يكون لعنوان القبلية دخل مما لاشاهد لها، فإنه تصرف في ظاهر الادلة بلا شاهد بل مقتضى الجمود هو أن لعنوان القبلية دخلا، فتأمل في أطراف ماذكرناه جيدا.

هذا تمام الكلام فيما تنعقد به الجماعه ومايدرك به الركعة.

فيما يعتبر في الجماعة

وهو امور: الاول: أن لا يكون بين الامام والمأموم حائل يمنع عن المشاهدة إذا كان المأموم رجلا.

والاصل في ذلك مضافا إلى الاجماعات المحكية صحيحة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال: " إن صلى قوم بينهم وبين الامام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب، قال: وقال: هذه المقاصير إنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة "(١) .

____________________

(١) من لايحضره الفقيه: ج ١ ص ٣٨٦، ح ١١٤٤ ط جماعة المدرسين، باختلاف يسير. (*)

٣٨١

والمقاصير جمع مقصورة والظاهر أن يكون المراد من المقصورة ما كان من قبيل البيت الذي يكون في طرف المسجد وله باب من الخارج بحيث كان الامام يدخل ذلك البيت من الباب الخارج والناس يقتدون به من وراء البيت. وعلى كل حال تنقيح البحث عن الحائل يقع في طي مسائل:

الاولى: الظاهر من السترة هو ما يكون ساترا بحيث يمنع عن المشاهدة، فمثل الشبابيك التي تكون منافذها واسعة بحيث لاتمنع عن المشاهدة لاتدخل تحت عنوان السترة، نعم إذا كانت منافذها ضيقة يصدق عليها عنوان السترة وإن فرض إمكان مشاهدة من وراء‌ها بعد إمعان النظر.

الثانية: الظاهر من السترة هو أن يكون ساترا ولو في بعض الاحوال كما إذا كان ساترا في حال الجلوس دون حال القيام، نعم ما كان حائلا في حال السجود فقط لقصر قامة الساتر كعتبة الباب مثلا لا يصدق عليه عنوان الساتر، هذا. ولكن يمكن أن يقال: إنه ما كان حائلا في بعض الاحوال كحال الجلوس فقط وإن كان يصدق عليه عنوان السترة إلا أنه لم يظهر من الرواية كون كل سترة مانعة بل المتيقن من السترة المانعة هي ما كانت حائلة في جميع الاحوال بحيث تكون بقدر القامة وما يقرب من ذلك، ولكن الاحوط هو ما ذكرناه أولا.

الثالثة: لو كان الحائل مما لا يمنع المشاهدة كالزجاج فقد يقال: إنه لا مانع عنه لعدم صدق السترة عليه، وربما يبتني على كون الابصار بخروج الشعاع أو الانطباع، ولكن الابتناء على ذلك ضعيف غايته لعدم ابتناء الاحكام الشرعية على الامور الحكمية العقلية، والتحقيق في المقام هو أن يقال: إن مناط المنع إن كان هو السترة والحجب وعدم المشاهدة فهو غير متحقق لعدم كون الزجاج كذلك، وإن كان المناط هو تعدد مجلس الامام والمأموم وعدم صدق الجماعة مع وجود الحائل كما لايبعد أن

٣٨٢

يكون هو المناط في اعتبار عدم البعد بينهما بما لا يتخطى كما سيأتي فذلك في الزجاج متحقق لصدق تعدد المجلس، وقد توقف شيخنا الاستاذ - مد ظله - في ذلك.

الرابعة: لو كان الحائل بين الامام والمأموم مأموما فلا بأس، نعم يعتبر أن لا يعلم بفساد صلاة المأموم الحائل لانه يكون من حيلولة الاجنبي، ولو شك في الفساد بنى على الصحة ولو تبين الفاسد بعد الصلاة إذ الفساد الواقعي لا أثر له في باب الجماعة، كما لو تبين فساد صلاة الامام فإنه لايوجب بطلان الجماعة، ففساد صلاة المأموم لا يوجب البطلان بطريق أولى، هذا. ولكن ظاهر الجواهر في المقام هو دوران صحة الجماعة مدار صحة صلاة المأموم الحائل واقعا(١) .

الخامسة: كما يعتبر في ابتداء الجماعة عدم وجود الحائل بين الامام والمأموم كذلك يعتبر ذلك في الاستدامة، فلو تجدد الحائل في الاثناء بطلت الجماعة وينفرد المأموم قهرا وبطلان الجماعة لا يوجب بطلان صلاة المأموم. ولو عدم الحائل بعد وجوده في الاثناء ففي جواز رجوع المأموم إلى نية الاقتداء وجه. مبني على جواز نية الجماعة في أثناء الصلاة المنفرد. وسيأتي البحث عن ذلك في محله إن شاء الله.

السادسة: لو كان الحائل غير مستقر كالمارة فلو اتصلت المارة بعضها ببعض من أول الصلاة إلى آخرها بحيث لم يشاهد المأموم إمامه في جميع أفعال الصلاة أو معظمها فهو في حكم الحائل المستقر وتبطل الجماعة بذلك، وأما إذا لم تتصل المارة على هذا الوجه فلا بأس لعدم صدق الحائل على مثل ذلك.

السابعة: لا إشكال في أنه لا يعتبر المشاهدة القدامية بالنسبة إلى الامام

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ١٣ ص ١٥٩. (*)

٣٨٣

والمأموم وبالنسبة إلى المأمومين بعضهم مع بعض إذا لم يكن في البين ساتر وحائل أصلا بل يكفي المشاهدة اليمينية والشمالية كالمأمومين الواقفين في جناحي الامام، وكبعض الصف اللاحق إذا كان أطول من الصف السابق حيث إنه لم يكن أمامه من يشاهده بل يشاهد من على يمينه أو يساره.

وهذا كله مما لا ينبغي التكلم والاشكال فيه. وإنما الاشكال في كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية إذا كان هناك حائل وساتر يمنع عن المشاهدة القدامية كالواقف عقيب اسطوانة المسجد المتصل بمن يشاهد الامام وكجناحي الواقف بحذاء باب المسجد حيث إن الجناحين يشاهد الواقف بحذاء الباب يمنة ويسرة من دون أن يكون أمامه من يشاهده من الامام أو المأمومين لمنع حائط المسجد عن ذلك.

وقد اضطربت كلمات الاعلام في ذلك بحيث لا يحصل المراد منها إلا بعد التأمل والتعمق فظاهر بعض الكلمات كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية فيما فرضناه، وظاهر بعض آخر عدم الكفاية وقصر الصحة بمن كان بخصوص حيال لباب المشاهد امامه من الامام أو المأمومين وبطلان صلاة من كان واقفا عن يمينه ويساره الذي لم يكن أمامه من يعتبر مشاهدته، ومنشأ الخلاف هو الاختلاف في فهم قولهعليه‌السلام " إلا من كان بحيال الباب " المذكور في الرواية المتقدمة وأن هذا الاستثناء مقصور بخصوص من كان بحيال الباب ولا يعم طرفيه وكان استثناء عن حكم المقاصير المذكور في ذيل الرواية، وأن الحيال هو خصوص الجهة القدامية بحيث لا يقال لمن كان واقفا في يمين الشخص أو يساره: إنه بحياله، أو أن هذا الاستثناء ليس مقصورا بخصوص من كان بحيال الباب بل يعم طرفيه وأنه استثناء عن الجملة السابقة وأن الحيال أعم من الجهة القدامية واليمينية والشمالية.

والظاهر أنه لا ينبغي التأمل في أنه لا يستفاد من الرواية اعتبار خصوص

٣٨٤

المشاهدة القدامية بل يكفي المشاهدة يمنة ويسرة، وأن الحيال ليس معناه خصوص الجهة القدامية بل يعم الجهة اليمينية والشمالية وذلك لان لكثرة استعمال الحيال في جهة اليمين واليسار في الاخبار وفي لسان العرف كما ورد في باب تكبيرة الاحرام من رفع اليد بحيال الوجه.

وكذلك في السجود من وضع اليد بحيال الوجه وغير ذلك من موارد استعمال الحيال في جهة اليمين والشمال، وقولهعليه‌السلام في الرواية " إلا من كان بحيال الباب " استثناء عن الجملة المتقدمة وهي قولهعليه‌السلام " إن صلى قوم بينهم وبين الامام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان بحيال الباب "(١) فيصير المعنى أنه لا بأس بالسترة والجدار بالنسبة إلى من كان بحيال الباب أي جناحي الباب بعد ما كان مشاهدا لمن يشاهد المأموم المتقدم أو الامام ولا داعي إلى جعله استثناء عن حكم المقاصير المتأخرة، مع أن الذي يحكى عن التواريخ أن المقاصير لم تكن لها باب من داخل المسجد بل لها باب أو أبواب متعددة من خارج المسجد، وكانت المقصورة من قبيل البيت في المسجد لها باب من خارج المسجد يدخل الامام منه ويقف المأمومون خلف البيت داخل المسجد، ولم يكن للمقصورة باب من داخل المسجد لان المقصورة إنما أحدثها معاوية لعنه الله بعد شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام مخافة أن يقتل في حال صلاته كما قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام فأحدث المقصورة ليقف هو داخل المقصورة والمأمومون خلفها ليأمن عن القتل، وهذا الفرض ينافي ثبوت باب للمقصورة من داخل المسجد مع أنه لو فرض أن للمقصورة بابا عن داخل المسجد وكان قولهعليه‌السلام " إلا من كان بحيال الباب " استثناء عن حكم المقاصير لم يكن ذلك منافيا لما ذكرناه من كفاية المشاهدة اليمينية

____________________

(١) ثم من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٣٨٦، ح ١٤٤ ط جماعة المدرسين. (*)

٣٨٥

والشمالية بعدما كان الحيال أعم من الجهة اليمينية والشمالية، فالعمدة إثبات هذا المعنى، وقد عرفت موارد استعمال الحيال في جهة اليمين والشمال.

ودعوى أن المراد من الموصول في قوله " إلا من كان بحيال الباب " خصوص الشخص الذي يكون بحيال الباب لا الصف الذي يكون بحيال الباب فاسدة إذ لا مانع من إرادة الصف من الموصول. والذي يؤيد ما ذكرناه من كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية بل يدل عليه الجملة المذكورة في صدر الرواية وهي قولهعليه‌السلام " إن صلى قوم وبينهم وبين الاما ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمم وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر مالا يتخطى فليس تلك لهم الصلاة "(١) فإنه يستفاد من هذه الجملة امور ثلاثة:

(الاول) أن لا يكون بين مجموع المأمومين، وبين الامام قدر ما لا يتخطى.

(الثاني) أن لا يكون بين الصف المتقدم والصف المتأخر قدر ما لا يتخطى وهذان الامران دلت عليهما الجملة بالمطابقة.

(الثالث) أن لا يكون بين أجزاء الصف الواحد قدر مالا يتخطى.

وهذا الامر دلت عليه الجملة بالملازمة إذ من البعيد عدم تعرض حكم أجزاء الصف الواحد مع تعرضه لحكم الصفوف مع الامام والصفوف بعضها من بعض، فلابد من أن يكون السكوت عن ذلك لاجل دلالة الجملة عليه بالملازمة، فيعتبر حينئذ في الصف الذي يكون أطول من الصف السابق أن لا يكون في جناحي الصف قدر مالا يتخطى بالنسبة إلى أجزاء صفه وإن كان بين الجناحين وبين الصف المتقدم قدر مالا يتخطى أو أكثر.

وفي قولهعليه‌السلام بعد ذلك " فإن كان بينهم سترة أو جدار... إلخ " أجمل

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٣٨٦ - ١١٤٤ ط جماعة المدرسين. (*)

٣٨٦

حكم الاقسام الثلاثة، وكأنه اعتمد عليها بالجملة السابقة واستفادة حكم الاقسام الثلاثة في الساتر من حكم الاقسام الثلاثة في البعد، فيعتبر في الساتر أن لا يكون بين مجموع المأمومين والامام ساتر وأن لا يكون بين الصف المتقدم والصف اللاحق ساتر وأن لا يكون بين أجزاء الصف الواحد ساتر، فكما لا يضر البعد بين جناحي الصف اللاحق مع الصف السابق إذا اتصلت أجزاء الصف اللاحق كذلك لا يضر الستر بين جناحي الصف اللاحق مع الصف السابق إذا لم يكن بين أجزاء الصف اللاحق ستر، ولازم ذلك هو صحة صلاة الصف الواقع بحيال الباب وإن لم يشاهد من قدامه، فيستفاد كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية من الجملة السابقة. هذا كله مضافا إلى ماورد من صحة الصلاة خلف الاسطوانة، فلا ينبغي الاشكال بعد ذلك في كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية، فتأمل جيدا.

الثامنة: لو كان المأموم ممن يشاهد الامام ولم يشاهد من هو على جنبه ممن يعتبر اتصاله به كما إذا كان هناك جدار كما إذا فصل بين هذا المأموم وسائر المأمومين جدار، وكان هذا المأموم يشاهد الامام عن بعد ولم يشاهد المأمومين الغير البعيدين عنه بمالا يتخطى، فهل تصح صلاة مثل هذا المأموم باعتبار مشاهدته للامام وعدم بعده عن المأمومين بالمقدار المضر أو لا تصح باعتبار وجود الحائل بين من يعتبر اتصاله؟ الظاهر هو الثاني لان المشاهدة لم تؤخذ في لسان الدليل بل العبرة بعدم الساتر.

وقد عرفت أنه كما يعتبر عدم البعد بين أجزاء الصف الواحد كذلك يعتبر عدم الساتر بين أجزاء الصف الواحد حسب ما ذكرناه في آخر المسألة السابقة فتأمل.

التاسعة: لو شك في وجود الساتر فهل تجدي فيه أصالة العدم أو لا تجدي؟

٣٨٧

ربما يقال بعدم الجدوى من جهة اعتبار قضية الحال في مسألة مالا يتخطى، حيث إن الظاهر من قولهعليه‌السلام : " إن صلى قوم وبينهم وبين الامام... إلخ " هو قضية الحال لمكان...(١) وعطف عدم الساتر عليه ومقتضاه اعتبار قضية الحال فيه أيضا وأصالة عدم الساتر لا تثبت وقوع الصلاة حال عدم الساتر، فإن أصالة عدم الساتر إنما يكون بمفاد ليس التامة والذي يترتب عليه الاثر مفاد ليس الناقصة وفي كل مقام كان كذلك لا يجدي فيه العدم الازلي كما حققناه في محله. هذا.

ولكن يمكن أن يقال: إن أخذ قضية الحال في مسألة مالا يتخطى لا يلازم أخذها في مسألة الساتر. ومجرد عطف أحد الجملتين على الاخرى لا يقتضي ذلك بل يمكن منع أخذ قضية الحال حتى في مسألة مالا يتخطى، لانه لولم يعتبر قضية الحال فيها لكان التعبر عن اعتبار عدم البعد بمفاد ليس التامة كذلك أي كما وقع في الرواية. فالتعبير بواو الحالية يمكن أن يكون لبيان اعتبار الحال ويمكن أن يكون لبيان مجرد اعتبار عدم البعد بمفاد ليس التامة.

والحاصل: أنه لم يظهر من الدليل أزيد من اعتبار عدم الستربين الامام والمأموم، فالستر إذا كان مسبوقا بالعدم يجري فيه الاصل ولا يكون من الاصل المثبت.

العاشرة: لا يعتبر عدم الستر إذا كان المأموم امرأة الامام رجلا كما هو المشهور. ويدل على ذلك - مضافا إلى إمكان دعوى اختصاص ما دل على اعتبار عدم الستر بالرجل ولا يعم المرأة، من جهة أن اعتبار عدم الستر لس من التعبد المحض بل لمكان أن صدق الوحدة في الجماعة يتوقف على ذلك، إذ مع وجود الستر يتعدد

____________________

(١) هناك كلمات سقطت من نسخة الاصل. (*)

٣٨٨

المجلس ويوجب عدم صدق الوحدة، ولكن هذا في الرجال. وأما النساء فوجود الستر بينها وبين الرجل لا يوجب تعدد المجلس بل يصدق وحدة المجلس والجماعة مع الساتر، فتأمل - المرسل الذي حكاه المحلي والموثق " سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إذا كان الامام أسفل منهن، قلت: فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا فقال: لا بأس "(١) . هذا وخص الحكم شيخنا الاستاذ - مد ظله - بما إذا كان الساتر من قبيل الحائط الرقيق ولا يعم مثل ما إذا كان غليظا كاسطوانة بعض المساجد وجدران بعض البيوت والربط. ولم يعلم لنا وجه الاختصاص.

الامر الثاني: مما يعتبر في الجماعة أن لايكون بين المأموم والامام أو المأموم المتقدم أو المأموم الذي في أحد جانبيه قدر ما لا يتخطى. والاصل [ فيه ] ما تقدم من صدر صحيحة زرارة عن الباقرعليه‌السلام : " إن صلى قوم وبينهم وبين الامام مالا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة الامام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة "(٢) .

ودلالة ذلك على اعتبار هذا الشرط على وجه الوجب واللزوم مما لا يكاد ينكر، ولكن المشهور ذهبوا إلى استحباب ذلك وأنه لا يعتبر في الجماعة على وجه اللزوم أزيد من الصدق العرفي سواء انطبق الصدق العرفي على قدر ما لا يتخطى أو زاد حتى حكي عن بعض التحديد بخمس وعشرين ذراعا وعن الشافعية بثلاثمائة ذراع.

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٤٦١ باب ٦٠ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٣٨٦، ح ١١٤٤ ط جماعة المدرسين. (*)

٣٨٩

وأما اعتبار أن لا يكون البعد بقدر مالا يتخطى فهو حكم استحبابي، ولم يظهر لناوجه ذهاب المشهور إلى ذلك مع وضوح دلالة الصحيحة على اعتبار ذلك على وجه الوجوب ولا استبعاد في ذلك فإنه يكون من البعد الشرعي، وأي استبعاد في جعل الشارع ذلك شرطا في صحة الجماعة، فما عن المحقق(١) -رحمه‌الله - من استبعاد ذلك في غير محله.

نعم يمكن أن يكون الوجه في ذهاب المشهور إلى الاستصحاب هو مارود في ذيل الصحيحة حيث قال الراوي: " وقال أبوجفعرعليه‌السلام ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين مالا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان إذا سجد "(٢) فإن ظهور " ينبغي " في الاستحباب مما لايكاد ينكر، وكأن المشهور فهموا من الصدر والذيل معنى واحدا وجعلا ظهور الذيل في الاستحباب قرينة على أن المراد من الصدر أيضا الاستحباب، والحق معهم لو اتحد معنى الصدر والذيل، إلا أن الشأن في إثبات الاتحاد، فإنه يمكن أن يقال: إن المراد من الذيل هو التواصل الحقيقي بحيث يساوي مسجد اللاحق لموعض قدم السابق كما هو الظاهر من قولهعليه‌السلام " متواصلة بعضها مع بعض " ويحمل قوله بعد ذلك " لا يكون بين الصفين مالا يتخطى " على معناه الالزامي، ويكون قوله بعد ذلك " قدر مسقط جسد الانسان إذا سجد " بيانا(٣) للتواصل، أي يكون قدر ذلك بين الصفين، فيستفاد من قوله " متواصلة " مع قوله " يكون ذلك قدر مسقط.... إلخ " أنه يستحب أن يكون وضع سجود اللاحق ملاصقا لموضع قدم السابق، ويكون ما وقع في أثناء

____________________

(١) المعتبر: ص ٢٣٩.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٤٦٢ باب ٦٢ من أبواب صلاة الجماعة ح ١.

(٣) ويمكن أيضا أن يكون ذلك بيانا لما لايتخطى ولعل ذلك أقرب لئلا يلزم الفصل بالاجنبي، فتأمل. (*)

٣٩٠

الجملتين من قوله " لا يكون بين الصفين قدر مالايتخطى " بيانا للحكم الالزامي، فلا يلزم التفكيك بين معنيي مالا يتخطى الواقع في الصدر والذيل، ولا بعد في اشتمال الذيل على حكم إلزامي وهو أن لا يكون بين الصفين مالا يتخطى، وحكم استحبابي وهو تواصل الصفوف، وحينئذ يختلف معنى الذيل والصدر فلا يكون ظهور الذيل في الاستحباب قرينة على أن المراد من الصدر أيضا الاستحباب بل الصدر يكون على ماهو ظاهر فيه من الالتزام، فيعتبر أن لا يكون بين الصفوف قدر مالا يتخطى بمعنى أن وجود مالا يتخطى في جميع حالات الصلاة موجب لعدم انعقاد الجماعة، فلا بأس إذا لم يكن في حال السجود مالا يتخطى وكان في حال القيام ذلك لانه يصدق أنه في جميع حالات الصلاة لم يكن مالا يتخطى، واستفادة كون مالا يتخطى في جميع حال الصلاة إنما هو من قضية الحال المستفاد من الرواية، فإن الظاهر من قولهعليه‌السلام " إن صلى قوم وبينهم وبين الامام مالا يتخطى " هو أن صلاتهم تكون في حال وجود مالا يتخطى لمكان واو الحاكية للحال، وهذه القضية لا يصدق إلا إذا كان في جميع حالات الصلاة قدر مالا يتخطى فعند ذلك ذلك الامام ليس لهم بإمام، فإذا لم يكن في جميع الحالات ذلك صحت صلاتهم.

ثم إن الظاهر من قولهعليه‌السلام " لا يتخطى " هو عدم إمكان أن يتخطى إذ لو أمكن أن يتخطى ولو في مورد لم يصدق أنه لا يتخطى، فالبعد المضر بالصحة هو مالا يمكن أن يتخطى وهذا لعله يقرب من ذراعين، فإذا لم يكن البعد بين مسجد اللاحق وموضع قدم السابق هذا المقدار صحت الجماعة وإذا كان بهذا المقدار بطلت فتأمل.

بقي في المقام بعض الفروع المتعلقة بالبعد: الاول: أن عدم البعد كما يكون شرطا في الابتداء كذلك شرطا في الاثناء.

٣٩١

فلو حصل البعد في الاثناء ولو بانفراد من يعتبر الاتصال به يتحقق الانفراد قهرا، ولا عبرة بعود الاتصال ولو عن قرب كما إذ عاد المنفرد إلى الجماعة فورا لانه بمجرد تحقق البعد ولو آنا ما ينفرد.

الثاني: هل تهيؤ الصفوف السابقة للاقتداء يكفي في صحة اقتداء اللاحق أو يعتبر اقتداء السابق في صحة اقتداء اللاحق؟ مقتضى القاعدة أنه لايكفي لان التهيؤ لايوجب عدم تحقق البعد ولكن شيخنا الاستاذ - مد ظله - ادعى السيرة على كفاية ذلك، كما يظهر ذلك بالنسبة إلى الجماعة التي تكون ذات صفوف كثيرة بحيث عادة لايمكن إدراك الواقع في آخر الصفوف ركوع الامام لو صبر إلى أن يتحقق اقتداء جميع ما قبله من الصفوف فلابد حينئذ من الاكتفاء بالتهيؤ، والمسألة بعد تحتاج إلى نظر.

الثالث: ورد في جملة من الروايات(١) أنه لو خاف الداخل للمسجد عدم إدراك ركوع الامام كبر في محله وركع ثم يمشي إلى أن يتصل بالصفوف وظاهر من هذه الروايات هو اغتفار البعد بالنسبة إلى الخائف فيكون تخصيصا لاعتبار عدم البعد، والمحكي عن الشيخ -قدس‌سره - المنع عن دلالة الروايات زائدا عن القدر المغتفر من البعد في سائر الموارد.

والتحقيق أن يقال: إنه لو اعتبرنا قدر ما لا يتخطى ولم نحمل ذلك على الاستحباب كانت هذه الروايات تخصيصا لذلك، وكان قدر مالا يتخطى مغتفرا بالنسبة إلى الخائف لكن بمقدار لا يخرج عن وحدة الجماعة بأن كان قريبا من الصفوف وإطلاق الداخل للمسجد لا يعم ما إذا كان المسجد واسعا وكانت الجماعة في آخر المسجد بحيث يكون البعد بين الداخل وبين الجماعة كثيرا،

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٤٤٢ باب ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة. (*)

٣٩٢

فإن شمول إطلاق الروايات لمثل هذا الفرض قد منع عنه شيخنا الاستاذ - مد ظله - خصوصا بعد ما ورد في بعضتلك الروايات من كون الشخص دون الصفوف، فإن الظاهر من لفظ الدون هو ماكان قريبا من الصفوف بل لا يعم ما لا يتخطى هذا، ولكن الظاهر أنه لا مانع من الاخذ بإطلاقات هذا إذا قلنا باعتبار ما لايتخطى. وأماإن رجعنا في البعد إلى العرف وحملنا قدر ما لا يتخطى على الاستحباب كما هو عند المشهور فكون هذه الروايات تخصيصا لذلك واغتفار ما يكون زائدا عما يحكم به العرف مما يمكن منعه خصوصا إذا كان التحديد بمثل خمس وعشرين ذراعا، ولعل منع الشيخ -قدس‌سره - عن دلالة الروايات ناظر إلى هذا الغرض، هذا. ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

الامر الثالث: ممايعتبر في الجماعة ان لا يكون موقف الامام ارفع من موقف الماموم. والاصل في ذلك رواية عمار وهي وإن كانت مضطربة المتن مختلفة النسخ إلا أن ذلك لا يضر بمورد الاستدلال: قال: " سألت الصادقعليه‌السلام عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلى فيه فقال: إن كان الامام على شبه الدكان او على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل فإن كان أرضا مبسوطة أو كان في موضع منها ارتفاع فقام الامام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والارض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس. قال: وسئل الامامعليه‌السلام فإن قام الامام أسفل من موضع من يصلي خلفه قالعليه‌السلام : لا بأس، وقال: إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك - دكانا كان أو غيره وكان الامام يصلي على الارض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع

٣٩٣

منه بشئ كثير "(١) .

وهذه الموثقة - كما ترى - صدرها واضح الدلالة على اعتبار عدم علو موقف الامام لموقف المأموم بل مقتضى إطلاق الصدر هو اعتبار عدم العلو مطلقا ولو دون الشبر، ولكن ظاهر المشهور أنه لا بأس بالعلو إذا كان دون الشبر وكأنهم لا يفهموا من الصدر الاطلاق على هذا الوجه، وعلى كل حال مورد الاستدلال هو الصدر وهو واضح الدلالة وليس فيه تهافت وغلق، نعم قوله " وإن كان بقدر إصبع أو أقل أو أكثر إذاكان الارتفاع ببطن مسيل... إلخ " غير معلوم المراد ومختلف النسخ حيث إنه في بعض النسخ " وإن كان بقدر إصبع إلى شبر " وفي بعض النسخ " إذا كان الارتفاع بقدر شبر أو بقدر يسير " عوض قوله " ببطن مسيل ".

ولكن على كل تقدير الرواية تدل على اعتبار عدم كون العلو بقدر شبر، وأما ما دون الشبر فالرواية ساكتة عن ذلك مع الغض عن إطلاق الصدر فيرجع فيما دون الشبر إلى إطلاقات الجماعة، وإن منع شيخنا الاستاذ - مد ظله - عن وجود إطلاق في باب الجماعة يدل على عدم البأس بالعلو بما دون الشبر، ومقتضى الاصل العملي هو الاشتغال للشك في سقوط القراء‌ة واغتفار زيادة الركن وغير ذلك من أحكام الجماعة.

وبالجملة: الموثقة قد تعرضت الحكم الاقسام الثلاث للعلو الاول: العلو الدفعي، الثاني: العلو الانجداري كبطن المسيل وكسفح الجبل وفي هذين الموردين من العلو منعن عنه الموثقة، الثالث: العلو التسنيمي التدريجي وفي مثل هذا العلو قد رخص فيه وإن بلغ العلو ما بلغ إن كان تسنيميا ولم يظهر للحس، هذا كله في علو الامام.

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٤٦٣ باب ٦٣ من أبواب الصلاة الجماعة. ح ١. (*)

٣٩٤

وأما علو المأموم فمقتضى إطلاق ذيل الموثقة هو أنه لا بأس وإن بلغ ما بلغ، ولكن مع هذا الاولى والاحوط اعتبار الوحدة العرفية إذا ربما يصل العلو إلى حد تخرج الجماعة عن كونها جماعة واحدة ويمكن منع إطلاق الذيل لهذا النحو من العلو فتأمل جيدا.

الامر الرابع: مما يعتبر في الجماعة عدم تقدم المأموم على الامام إجماعا مستفيضا وعدم مساواته له على الاقوى. أما عدم تقدم المأموم فلم ينقل فيه خلاف ويدل عليه سياق جملة من الروايات مضافا إلى السيرة المستمرة جميع الاعصار عند جميع المسلمين. وأما عدم مساواته له فهو وإن كان محل الخلاف بين الاعلام بل المحكي عن لمشهور جوازه إلا أن الاقوى عدم جوازه لما ورد في صلاة العراة من " أنهم يصلون عن جلوس والامام يتقدمهم بركبتيه "(١) مع أنه شرع الصلاة عن جلوس لهم والايماء للركوع والسجود لئلا تبدو عوراتهم. فلو فرض جواز المساواة لما انتقل فرضهم إلى الركوع الايمائي لانه لا تبدو عورتهم مع المساواة للموقف، فيظهر من ذلك أنه لا يجوز المساواة بل لابد من أن يتقدم الامام المأموم فينقل فرض العاري حينئذ إلى الايماء للركوع والسجود لئلا تبدو عورته.

وبالجملة: لا ينبغي التأمل في دلالة الروايات الواردة في صلاة العراة على اعتبار تقدم الامام، بعد ذلك لا يلتفت إلى ما استدل به المجوز من الوجوه الضعيفة كما لا تخفى على المراجع. ثم إن الضابط في التقدم هو العرف وما ذكروه من الوجوه في كيفية التقدم ليست بشئ بعد ما كان المرجع العرف وقد أطال البحث شيخنا الاستاذ

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٣٢٨ باب ٥١ من أبواب لباس المصلي، ح ١ نقلال بالمعنى. (*)

٣٩٥

- مد ظله - في هذا المقام وذكر أدلة الطرفين التي ربما تزيد على العشرة وزيفها ونحن قد طوينها عنا لوضوحها.

ثم إنه ينبغي التنبية في المقام على أمر وهو أنه هل الشرائط الاربعة المتقدمة شرائط النفس الجماعة أو شرائط للصلاة في حال الجماعة؟ وتظهر الثمرة في بطلان الصلاة عند الاخلال بها فإنها لو كانت للجماعة فالجماعة تبطل فقط ولا تبطل الصلاة إذا لم يخل بما هو وظيفة المنفرد ولو كانت شرطا للصلاة فالصلاة تبطل عند الاخلال بها ولو مع عدم الاخلاف بوظيفة المنفرد الذي يظهر من صاحب الجواهر -قدس‌سره - هو أن هذه الشرائط الاربعة بل مطلق ما اعتبر في الجماعة من الشرائط إنما من شرائط نفس الصلاة في حال الجماعة لا أنها شرائط للجماعة وعلى ذلك بني في النجاة(١) وحينئذ لو حصل الاخلال بإحدى الشرائط فالصلاة تبطل ولو مع عدم الاخلال بما هو وظيفة المنفرد من القراء‌ة وعدم زيادة الركن. وشيخنا الاستاذ - مد ظله - منع عن ذلك والتزم بأنها هذه الشرائط بل مطلق الشرائط المعتبرة في الجماعة إنما هي شرائط لنفس الجماعة، فالاخلال بها يوجب بطلان الجماعة فقط ولا يسري بطلانها إلى بطلان الصلاة إذا لم يحصل الاخلال بما هو من وظيفة المنفرد على إشكال في ترك القراء‌ة كما يأتي الاشارة إليه.

والكلام في ذلك يقع تارة من حيث القاعدة واخرى من حيث ما يستفاد من الادلة. أما (الاول) فدعوى أن الاخلال بشرائط الجماعة يوجب بطلان أصل الصلاة لا تستقيم إلا بدعوى أن الجماعة منوعة للصلاة لا من المشخصات الفردية

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ١٣ ص ٢٢٢ ونجاة العبادة: ص ١٤٣. (*)

٣٩٦

كالمسجدية بل الصلاة فرادى وجماعة من قبيل القصر والاتمام والظهر والعصر نوعان متباينان، وعلى ذلك تستقيم دعوى بطلان الصلاة عند بطلان الجماعة لان بطلان الجماعة على هذا مساوق لبطلان الصلاة كما هو واضح. ولكن الشأن في إثبات كون الصلاة - الجماعة والفرادى - نوعين متباينين بل الظاهر أنه لا يمكن الالتزام بذلك فإنهما لو كانا نوعين متباينين لكان وقوع كل منهما في الخارج موقوف على القصد والنية كالظهرية والعصرية والاتمامية، حيث إنه لا يمكن وقوع أحدهما بالخصوص إلا بعد التعيين والقصد إليه، وفي المقام وقوع الصلاة فرادى لا يتوقف على قصد الفرادية بل نفس عدم قصد الجماعة يوجب وقوع الصلاة فرادى بلا حاجة إلى قصد وصف الفرادى، ولو كانت الصلاة فرادى متباينة بالنوع للصلاة جماعة لكان اعتبار قصد وصف الفرادى مما لا بد منه في وقوعها مع أنه لم يعتبر ذلك.

وهذا أقوى شاهد على أن الجماعة من الاوصاف الخارجة اللاحقة لبعض أفراد الطبيعة كالمسجدية فتكون الصلاة جماعة فردا من أفراد مطلق الصلاة غايته أن لهذا الفرد أحكاما تخصه من ترك القراء‌ة واغتفار زيادة الركن وغير ذلك من أحكام الجماعة، ومعلوم أن بطلان بعض المشخصات الفردية لايوجب بطلان أصل الطبيعة بل غايته أن الاثر المترتب على تلك الخصوصية الفردية لا يترتب مع فقدان الطبيعة لتلك الخصوصية، فبحسب القاعدة بطلان الجماعة لايوجب بطلان الصلاة.

وأما (الثاني) فظاهر بعض الادلة هو أن هذه الشرائط إنما تكون للجماعة كقولعليه‌السلام في صحيح زرارة المتقدم " إن صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام "(١) فإن الظاهر من قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) من لايحضره الفقيه. ج ١ ص ٣٨٦، ح ١١٤٤. ط جماعة المدرسين. (*)

٣٩٧

" فليس ذلك الامام لهم بإمام " هو أن عدم البعد شرط للجماعة وأن جماعتهم تبطل مع البعد نعم طاهر ذيل الرواية هو أن ذلك شرط للصلاة. وهو قوله " وأى صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم فدر مالا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة " وكذا قولهعليه‌السلام " فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة " فإن الظاهر من ذلك هو أن عدم البعد والستر شرط للصلاة بحيث تبطل الصلاة مع وجودهما، هذا. ولكن يمكن أن يقال: إن قوله " فليس تلك لهم الصلاة " هو أنه ليس بصلاة جماعة بقرينة قوله " فليس ذلك لهم بإمام ".

٣٩٨

الفهرس

كتاب الصلاة الجزء الثاني الميرزا محمد حسين الغروي النائيني ١

كتاب الصلاة من افادات قدوة الفقهاء والمجتهدين آية الله في الارضين الميرزا محمد حسين الغروي النائيني ١٣٥٥ ه‍. ق تأليف الفقيه المحقق الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني ١٣٦٥ ه‍. ق الجزء الثاني ٣

مكان المصلي ٤

الاذان والاقامة (موارد ثبوتهما) ١٣

وجوب الاذان والاقامة ١٦

موارد سقوط الاذان والاقامة ٢٢

المقصد الثاني: في أفعال الصلاة(النية) ٢٨

البحث الاول: ٢٩

البحث الثاني: ٤١

البحث الثالث: ٥١

تكبيرة الاحرام ٥٣

القيام (وفيه مباحث: الاول) ٦١

المبحث الثاني ٦٧

المبحث الثالث ٧١

المبحث الرابع ٧٤

المبحث الخامس ٧٥

القراء‌ة واحكامها ٧٩

السجود ١٥٢

في القواطع ١٦١

٣٩٩

الخلل الواقع في الصلاة ١٨٩

فيما تشرع فيه الجماعة ٣٥٩

فيما تنعقد به الجماعة ٣٦٦

فيما يعتبر في الجماعة ٣٨١

الفهرس ٣٩٩

٤٠٠