كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة15%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27627 / تحميل: 5157
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولعله يأتي في بعض المباحث الآتية إن شاء الله.

البحث الثاني:

في تفصيل الدواعي القربية ويذكر في طي مسائل: الاولى: قد تقدم أن إرادة العمل إن كانت منبعثة عن الامر وكان هو المحرك له، فهذا مما لا إشكال في صحة العبادة وكفايته في المقربية، سواء كان نفس الامتثال هو المقصود بالاصالة، حيث يراه جل شأنه أهلا للعبادة، أو يكون الوصول إلى الغايات المترتبة عليه موجبا للانبعاث عن الامر بحيث يكون الموجب للانبعاث عن الامر الوصول إلى ماأوعده الله تعالى للمطيع من الثواب والعقاب، أخرويين كانا أو دنيويين.

المسألة الثانية: حكي عن الجواهر -قدس‌سره - عدم كفاية قصد الجهة من الحسن الذاتي والملاك في صحة العبادة، خصوصا مع سقوط الامر عن العبادة بواسطة مزاحمتها للاهم - كما في موارد التزاحم - مع أهمية أحد المتزاحمين، حيث إن الامر عن المهم يسقط فلا يكفي فعل المهم بداعي المحبوبية الذاتية ولا يوجب عباديته، بل لابد في وقوع الشئ عبادة من قصد الامر، وغاية ما يمكن أن يوجه ذلك هو أن يقال: إن في صورة سقوط الامر بالمزاحم الاهم لا سبيل لنا إلى إحراز الجهة والملاك والحسن الذاتي حتى تكون هي الداعي، بداهة أن الكاشف عن الملاك إنما هو الامر، إذ لا طريق لنا لاحرازه سوى الامر، وبعد سقوط الامر بالمزاحمة لا يمكن القول ببقاء الملاك، لاحتمال أن تكون للقدرة دخل في الملاك، ويكون الشارع قد اكتفى عن أخذها في لسان الدليل بحكم العقل باعتبارها لقبح مطالبة العاجز.

وحاصل الكلام: أن سقوط الامر عن المزاحم المهم إنما هو لاجل عدم قدرة

٤١

المكلف على فعله مع فعل مزاحمة الاهم، وعدم إمكان الجمع بينهما، ودعوى أن سقوط الامر لاجل عدم القدرة على متعلقه لا يوجب ارتفاع الملاك إلا إذا اخذت القدرة شرطا شرعيا، والمفروض في باب التزاحم عدم أخذها شرطا شرعيا، بل الامر بالنسبة إليها مطلق والتقييد بها إنما هو لحكم العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه، والقدرة العقلية مما لا دخل لها بالملاك، دون إثباتها خرط القتاد، إذا لا مانع من أن يكون للقدرة العقلية دخل في الملاك كالقدرة الشرعية، فمن أين يمكن إحراز الملاك في موارد سقوط الامر بالمزاحمة.

ودعوى ان إطلاق الامر وعدم تقييده بصورة القدرة يكشف عن عدم دخل القدرة في الملاك، ووجوه في كلتا صورتي القدرة وعدمها، إذ لو كانت القدرة العقلية مما لها دخل في الملاك لكان اللازم تقييد الامر بها(١) فإطلاق الامر يكشف عن وجودها، ففيها أن إطلاق الامر لا يكشف عن عدم دخلها في الملاك، فإن إطلاق الامر إنما يكشف عن عدم كون شئ قيدا إذا لم يكن القيد مما استقل العقل الضروري به، ومع استقلال العقل به يكون بمنزلة المخصص والمقيد المتصل، والتقييد بالقدرة في المقام مما استقل العقل به لقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه، وهذا الحكم الضروري العقلي لو لم يكن قرينة على تقييد الامر شرعا بصورة القدرة.

فلا أقل من صلاحيته للقرينية، ومع صلاحيته لذلك لا يمكن استكشاف بقاء الملاك مع سقوط [ الامر ] ولا يكون إطلاق الامر كاشفا عنه، وحينئذ لا يمكن تصحيح العبادة بقصد الملاك عند سقوط الامر في باب التزاحم، بل لا يمكن تصحيحها بالامر الترتبي أيضا لان الامر الترتبي على القول به إنما هو بعد إحراز الملاك ومع عدم إحرازه كما أوضحناه لا يمكن القول بالامر

____________________

(١) مع أن تقييد الامر بها يوجب خروجها عن كونها قدرة عقلية وتكون حينئذ شرعية كما لا يخفى " منه ". (*)

٤٢

الترتبي هذا ولا بد لكل من قال بصحة العبادة في باب التزاحم إما بالملاك وإما بالامر الترتبي من دفع هذا الاشكال هذا.

وقد أفاد شيخنا الاستاذ - مد ظله - في دفع الاشكال بما حاصله: ان حكم العقل بقبح مطالبة العاجز لا يمكن أن يكون حينئذ ثبوتا مماله دخل في الملاك، بل هو واقع لا محالة في المرتبة المتأخرة عن الملاك، وكذا لا يمكن أن يكون هذا الحكم العقلي إثباتا مقيدا لاطلاق الامر بحيث يصلح أن يمنع كاشفية إطلاق الامر عن وجود الملاك في كلتا صورتي القدرة وعدمها، فهذا الحكم العقلي لا يصلح للقرينية فضلا عن كونه قرينة.

أما عدم إمكان أن تكون القدرة العقلية مما لها دخل في الملاك ثبوتا، فلان حكم العقل بقبح مطالبة العاجز إنما هو من شرائط حسن الخطاب، فهو واقع في مرتبة المانع، ومعلوم أن رتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي، فلابد أن يكون المقتضي في حد نفسه تاما بحيث يمكن أن يستتبعه الخطاب، فعند ذلك العقل يمنع عن توجه الخطاب نحو العاجز، ويحكم بقبح مطالبته فهذا الحكم العقلي دائما يمنع عن توجه الخطاب بعد أن تم مقتضيه، إذ مع عدم تمامية المقتضي يستند عدم الخطاب إلى عدم مقتضيه لا إلى عدم القدرة على متعلقه.

وحاصل الكلام: أنه قد مرمنا مرارا أن رتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي، وعدم الشئ إنما يستند إلى المانع بعد وجود المقتضي، والمانع دائما يزاحم المقتضي في تأثيره، وحينئذ نقول: إن حكم العقل باعتبار القدرة وقبح مطالبة العاجز إنما هو واقع في رتبة المانع، وهو يتوقف على تمامية المقتضي وما هو ملاك الحكم، والسر في ذلك هو ما أشرنا إليه من أن حكم العقل باعتبار القدرة إنما هو من شرائط حسن الخطاب، فلابد من أن يكون المقتضي للخطاب موجود، بحيث يقتضي بنفسه استتباع الخطاب حتى تصل النوبة إلى منع العقل عند عجز

٤٣

المكلف، لكي يستند عدم الخطاب حينئذ إلى عدم القدرة فلو لم يكن المقتضي للخطاب تاما كان عدم الخطاب مستنداإلى عدم المقتضي لا إلى عدم القدرة على متعلقه، فحكم العقل بقبح مطالبة العاجز لا يعقل أن يكون في مرتبة الملاك والمقتضي، حتى يمكن توهم دخله في الملاك بل هذا الحكم العقلي دائما متوسط بين الملاك وبين الخطاب رتبته تكون متأخرة عن الملاك ومقدمة عن الخطاب كما لا يخفى.

وأما عدم إمكان صلاحية حكم العقل باعتبار القدرة للقرينية في مرحلة الاثبات، وعدم منعه عن كاشفية إطلاق الامر لثبوت الملاك في كلتا صورتي العجز وعدمه، فلان الخطاب إما أن يكون مقيدا بالقدرة وإما أن لا يكون، فإن كان مقيدا بالقدرة، فهذه القدرة حينئذ تكون شرعية لا عقلية، إلا أن يكون التقييد لتقرير حكم العقل ولا إشكال في دخل القدرة الشرعية في الملاك كسائر القيود الشرعية إلا أن هذا خارج عما نحن فيه، والكلام في القدرة العقلية، وإن لم يكن الخطاب مقيدا بالقدرة فإن كان الدليل مجملا ودار الامر بين أن يكون مشروطا بالقدرة الشرعية وأن لا يكون فالمتيقن منه الاشتراط، كما هو الشأن في كل ما دار الامر بين الاطلاق والاشتراط، وإن لم يكن الدليل مجملا فلا يمكن أن يكون حكم العقل بقبح مطالبة العاجز مانعا عن الاطلاق الكاشف لعدم دخل شئ في الملاك، لان حكم العقل بقبح مطالبة العاجز إنما هو بعد إطلاق الدليل وعدم اشتراطه بالقدرة، وإلا لما كان حاجة إلى هذا الحكم العقلي، فهذا الحكم العقلي فرع ثبوت الاطلاق فكيف يكون مانعا عنه، وحاصل الدعوى: إنما هي صلاحية حكم العقل الضروري بقبح مطالبة العاجز لتقييد إطلاق الدليل وجعله على حد ما إذا كان مقيدا بالقدرة صريحا في اللفظ، وكما أن في صورة التقييد بالقدرة لفظا لايمكن القول ببقاء الملاك عند

٤٤

سقوط الامر بالعجز كما في باب الحج فكذلك ما هو بمنزلة التصريح بالتقييد بها لفظا، وهو حكم العقل بقبح مطالبة العاجز.

وحاصل دفعها: أن هذا الحكم العقلي لا يمكن أن يكون مقيدا للدليل بصورة القدرة على حد تقييده لفظا، لان العقل إنما يحكم بقبح مطالبة العاجز، إذا كان الدليل مطلقا وشاملا لكلتا صورتي العجز وعدمه، فإنه عند ذلك العقل يستقل بقبح مطالبة العاجز، وقصر الحكم بصورة القدرة، فإذا كان هذا الحكم العقلي متأخرا رتبة عن إطلاق الدليل، فكيف يمكن أن يمنع عنه، إذ المنع عن الاطلاق معناه، أن يجعل اللفظ مجملا صالحا لان يكون مقيدا بالقدرة، فيكون كما إذا كان اللفظ من أول الامر مجملا، الذي قد عرفت أن المتيقن منه هو اشتراطه بالقدرة، وقد عرفت أنه إنما تصل النوبة إلى حكم العقل بقبح مطالبة العاجز، إذا كان اللفظ مطلقا ولم يحتف به ما يصلح لتقييده بالقدرة. فكيف يمكن أن يدعى أن نفس هذا الحكم العقلي مما هو محتف باللفظ وصالح للتقييد، وهل يستلزم ذلك إلا الدور فتأمل في المقام جيدا.

فالانصاف أن إطلاق الامر بنفسه كاشف عن ثبوت الملاك في كلتا صورتي العجز وعدمه، ويترتب عليه حينئذ بقاء الملاك عند سقوط الامر بالمزاحمة.

فإن قلت: إن التمسك بالاطلاق إنما هو لاجل مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد للزم إيقاع المكلف على خلاف المراد والواقع، وهذه المقدمة فيما نحن فيه مفقودة، إذ لم يلزم من الاطلاق عند عدم إرادته محذور وقوع المكلف على خلاف الواقع، إذ على فرض أن لا يكون الاطلاق بمراد، وكان في الواقع الامر مقيدا بصورة القدرة، فالمكلف لا يقع في مخالفة الواقع، إذ عند العجز هو تارك للمتعلق لا محالة، فالاطلاق وعدمه سيان فيما نحن فيه، ومعه لا يمكن التشبث بالاطلاق والقول بكشفه عن ثبوت الملاك مطلقا.

٤٥

قلت: أولا: ليس من مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد يلزم إيقاع المكلف على خلاف الواقع، بل مقدمة الحكمة إنما هي عبارة عن أن الآمر حيث كان بصدد بيان ماله دخل في غرضه ومراده، فلابد من أن يكون الاطلاق هو تمام المراد، سواء وقع المكلف بخلاف الواقع أو لم يقع، وثانيا: أنه يلزم فيما نحن فيه وقوع المكلف بخلاف الواقع، كما في باب التزاحم، فتأمل جيدا(١) .

فقد ظهر لك وجود الملاك عند سقوط الامر بالمزاحم الاهم وعليه يستقيم الامر الترتبي إذا عرفت ذلك فلنعد إلى ما كنا فيه، فنقول: إنه قد حكي عن الجواهر -قدس‌سره - عدم كفاية قصد الجهة والملاك في صحة العبادة، بل لابد من قصد الامر، وقد حكي عن الشيخ -قدس‌سره - بأن قصد الجهة أدخل في العبادة وأقوى من قصد الامر في صدق الاطاعة، كما يتضح ذلك بمراجعة ديدن العقلاء في مقام إطاعة العبيد لمواليهم العرفية، فإنه لو أمر المولى بالماء لجهة رفع عطشه، فالعبد تارة يجئ بالماء لان المولى أمره بذلك، واخرى يجئ به لكثرة حبه لمولاه، واشتياقه إليه، وتألمه من عطشه، بحيث يكون الداعي إلى العبد هو رفع عطش المولى، حيث لا يقدر أن يرى مولاه عطشانا، ولا إشكال في أن رتبة مثل هذا العبد عند المولى أعلى من رتبة من كان قصده امتثال الامر، وكان هذا العبد أقوى إطاعة من ذلك، هذا.

وقد أشكل على ذلك شيخنا الاستاذ - مد ظله - بما حاصله: أنه تارة تكون

____________________

(١) إذا اطلاق الامر بالمهم وعدم تقييده بالقدرة يوجب ايقاع المكلف على خلاف الواقع، لو كانت القدرة في الواقع شرطا وقيدا، فان المكلف من اطلاق الامر يستكشف اطلاق الملاك ووجوده في صورة سقوط الامر بالمزاحمة، فيأتي به بداعي الملاك بعد عصيانه الاهم، ويكتفي به ولم يأت به ثانيا عند عود الامر به، لضيق وقته أو لفوات الاهم وارتفاع موضوعه، مع أنه لو كانت القدرة شرطا لكان ما أتى به أولا خاليا عن الملاك وكان لغوا وكان اللازم فعله ثانيا، فاطلاق الامر هو الذي أوقع المكلف في خلاف الواقع، وأوجب عدم اتيان المكلف به ثانيا، بحسبان أنه قد أتى بما هو مشتمل على الملاك الذي استفاده من اطلاق الامر فتأمل. " منه ".

٤٦

الجهة والملاك معلومة لدى العبد تفصيلا، كالعطش في المثال المتقدم، واخرى لا تكون كذلك. بل يعلم إجمالا أن هناك جهة باعثة للآمر تكون محبوبة عنده، كما هو الشأن في غالب الاوامر الشرعية بالنسبة إلى أغلب الناس، حيث لا يعلمون الملاك تفصيلا، والقدر المسلم في أقوائية الاطلاعة والادخلية في العبادة هو ما إذا كانت الجهة معلومة بالتفصيل، ويكون داعيه تحصيل تلك الجهة لكثرة الاشتياق والمحبة.

وهذا لا يتفق إلا لاوحدي، وأما لو كانت الجهة معلومة إجمالا، فكونها أدخل وأقوى في الطاعة والعبادة ممنوعا، نعم يمكن أن يقال: إن الفعل لا يؤمر به على وجه العبادية إلا إذا كانت هناك جهة تقتضي العبادية، وإن لم تكن تلك الجهة معلومة لنا بالتفصيل، فالمعيار في العبادية إنما هي تلك الجهة، وقصد الامر إنما يكفي في وقوع الفعل عبادة، لانه يكون قصد إجمالي إلى تلك الجهة التي يدور عليها العبادة، فقصد نفس ذلك الجهة إجمالا يكون أولى في وقوع الفعل عبادة. وحينئذ لا ينبغي الاشكال في أن قصد الجهة يكفي في صحة العبادة. ككفاية قصد الامر فتأمل جيدا.

المسألة الثالثة: لو كان الداعي إلى الفعل هي الغايات المترتبة على الامتثال، كالفوز برضاه تعالى، أو النيل إلى الثواب، والامن من العقاب، وامثال ذلك بدون توسيط قصد الامر، ففي كفايته في الصحة إشكال، وقد حكي عن العلامة(١) -قدس‌سره - المنع عن كفايته، وتبعه غير واحد، وقد يوجه ذلك.

بأن الامن من العقاب، والنيل إلى الثواب، لا يترتب على ذات العمل، إذ ذات الصلاة بما هي هي لا يترتب على فعلها ثواب، ولا على تركها عقاب بل الذي يترتب الثواب والعقاب عليه إنما هو العبادة، والصلاة الواقعة على وجه العبادة.

____________________

(١) التذكرة: ج ١ ص ١١١ البحث الثاني في النية. (*)

٤٧

وبعبارة اخرى: الثواب إنما يترتب على فعل العبادة، والعقاب يترتب على ترك العبادة فلا يمكن أن يكون النيل إلى الثواب، والامن من العقاب موجبا لعبادية الشئ، بل لابد من قصد الامر الذي به يكون الشئ عبادة.

ومن هنا اشكل على من عد قصد النيل إلى الثواب والامن من العقاب في عرض قصد الامر، وجعل كل منهما موجبا للعبادة بما حاصله: أن قصد الثواب والعقاب في طول قصد الامر، لما عرفت من أنهما مترتبان على العبادة المتوقفة على قصد الامر، ومعه لا يمكن أن يكونا في عرض قصد الامر، فلابد في العبادة من توسيط قصد الامر، إلا إذا كان الشئ بنفسه عبادة، كالسجود لله، وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في أوائل مباحث النية، هذا وقد اختار شيخنا الاستاذ مدظله كفاية قصد ذلك في صحة العبادة.

وذلك لان الكلام في المقام بعد الفراغ عن إشكال كيفية اعتبار الداعي في العبادة، وأنه كيف يمكن الامر بالعبادة، مع أن العبادة متوقفة على الاتيان بالدواعي القربية، والدواعي لا يمكن أخذها في متعلق الامر، لانها لا تتعلق بها إرادة الفاعل، وما لا يتعلق به إرادة الفاعل لا يمكن أن يتعلق به إرادة الآمر، وقد عرفت أن الاشكال مطرد في جميع الدواعي القربية، من دون خصوصية لقصد الامر، مضافا إلى ما يرد من أخذ خصوص قصد الامر في المتعلق من المحاذير الاخر، على ما أوضحناه في باب التعبدي والتوصلي، وبالجملة: الكلام في المقام في تعداد الدواعي القربية، مع قطع النظر عن الاشكال الوارد في وجه إعتبارها في العبادة المأمور بها، فدعوى أن الامن من العقاب والنيل إلى الثواب لا يترتبان على ذات العمل، بل على ما هو عبادة.

فلا يعقل أن يكون الشئ عبادة بهما، هي بعينها ترجع إلى الاشكال في كيفية اخذ الدواعي في متعلق العبادة، وليس إشكالا آخر كما لا يخفى وجهه، على المتأمل. وقد عرفت أن كلامنا في المقام

٤٨

متمحض لما يصح أن يكون داعيا بعد دفع ذلك الاشكال بوجه على ما بيناه في محله، فحينئذ نقول: أولا: أنه بعد العلم بتعلق الامر بالشئ يكون قصد الامن من العقاب، والنيل إلى الثواب، مع كونهما من الغايات المترتبة على الامتثال قصدا للامر إجمالا، ولا ينفك قصدهما عن قصده لامحالة.

وثانيا: على فرض أنه يمكن التفكيك بينهما وأن قصدهما لا يكون قصدا إلى الامر اجمالا، نقول: إن قصد الامر لم يرد في آية ولا رواية حتى يقال بانحصار صحة العبادة فيه، بل الذي دلت عليه الروايات هو الاتيان بالفعل لله تعالى، وابتغاء لوجهه الاعلى ولمرضاته، فكلما كان الفعل لله كان العمل صحيحا. وقصد التخلص من عقابه تعالى، او النيل إلى ثوابه يوجب صدق هذا المعنى العام، وهو كون الفعل لله وبذلك يستقيم ما صنعه بعض من عد ذلك في عرض قصد الامر.

وبالجملة: ليس فيما بايدينا من الادلة ما يدل على انحصار صحة العبادة بقصد الامر أو وجه الامر، بل الذي يدل عليه الادلة هو أن تكون العبادة لله وابتغاء وجهه الاعلى، ومعنى العبادة لله وابتغاء وجهه الاعلى، وإن لم نعرفه تفصيلا إلا أنه يكفي في صحة العبادة هو هذا المعنى العام، فتأمل جيدا.

المسألة الرابعة: لو كان الداعي إلى فعل العبادة هو التوصل بها إلى غرض دنيوي، فلا يخلو الامر إما أن يكون ذلك الغرض الدنيوي مما أوعد به الله تعالى، وإما أن لا يكون والثاني إما يكون بوعد من غيره تعالى، وإما أن لا يكون بوعد، بل كان ذلك من الخواص المترتبة على الشئ، كما لو جرب أن صلاة الليل موجبة للتوسعة في الرزق، فقصد من صلاة الليل مجرد التوسعة، من دون أن يكون ذلك بوعد منه تعالى، ثم ما كان موعودا منه تعالى فتارة يكون الداعي هو نفس ذلك الغرض الدنيوي الموعود منه بلا توسيط قصد الامر، واخرى يكون ذلك من

٤٩

باب داعي الداعي، بأن كان غرضه من قصد الامر هو الوصول إلى ذلك الغرض، فهذه جملة الاقسام المتصورة في المقام. فإن لم يكن الغرض موعودا منه تعالى، فلا ينبغي الاشكال في بطلان العبادة، إذا كان غرضه منها هو الوصول إلى ذلك الغرض الدنيوي، سواء كان ذلك موعودا من غيره تعالى أو كان من الخواص المجربة، إذ لم يقصد بالعبادة لا الامر ولا جهته ولا ذلك المعنى العام الذي اخترناه في صحة العبادة،، وكذا لو كان الغرض الدنيوي موعودا منه تعالى، ولكن كان الداعي إلى فعل العبادة هو الوصول إلى ذلك الغرض، من دون نظر إلى الامر ولا يكون قصده قصدا إليه إجمالا(١) فإن هذا لم يأت بالعبادة لله بل أتى بها لسعة الرزق فقط.

وأما لو كان داعيه ذلك بتوسيط قصد الامر، فالاقوى فيه الصحة، وإن حكي عن بعض الخلاف فيه، فإن نفس الوعد منه تعالى إيجادا للداعي إلى التقرب بها، ويكون من غايات الامتثال، وإلا لغى الوعد منه تعالى كما لا يخفى، وشتان مابين أن يكون الوعد منه تعالى وما بين أن يكون من غيره، من بذل باذل، فإنه لو كان الداعي هو الوصول إلى ما يبذله الباذل لكان الغاية القصوى والمقصد الاعلى هو غير الله تعالى، ولو أمكن توسيط قصد الامر أيضا والحاصل: أنه قد تقدم أنه لو كان الداعي هو الاجرة وأمكن أن يكون من باب الداعي [ إلى ] الداعي، وإن كان ذلك ممنوعا جدا، على ما عرفت، كان توسيط قصد الامر مما لا أثر له: بعدما كان المقصود بالاصالة هو أخذ الاجرة، وهذا بخلاف ماإذا كان الادعي هو ما أوعده الله تعالى، فإنه بالاخرة يرجع إلى الله ويكون مقربا كما

____________________

(١) وإن كان يمكن أن يقال: إن قصد التوصل إلى غرض موعود منه تعالى لا ينفك عن قصد الامر ولو إجمالا كما تقدم ذلك في قصد الثواب والعقاب فتأمل " منه ".

٥٠

لا يخفى، فتأمل جيدا.

البحث الثالث:

قد عرفت أن المعتبر في النية أمران: قصد هوية المأمور به وقصد أمره الواقعي، وبعد تحقق هذين الامرين لايجب القصد إلى شئ من أوصاف المأمور به الخارجة عن حقيقته، وأوصاف الامر الذي يراد امتثاله، فمثل الاداء والقضاء والوجوب والندب مما لا يعتبر القصد إليها، بل لو نوي أحدهما مكان ضده صح، إذا إذا اكن ذلك منافيا لليقين أو مغيرا للنوع، وتفصيل ذلك هو أنه قد تقدم أن الخصوصيات في كلا ناحية الامر والمأمور به مختلفة، إذ منها ما تكون داخلة في هوية الامر أو المأمور به، ومنها ما تكون خارجة عنها، والذي لا محيص عن قصده هو الخصوصيات الداخلة في هوية المأمور به أو الامر، سواء تعدد مافي الذمة أو اتحد، وأما الخصوصيات الخارجة عن الهوية فلا يعتبر القصد إليها كالوجوب والندب والاداء والقضاء، سواء أخذ وصفا في ناحية الامر أو في ناحية المأمور به، فلا يعتبر قصد الصلاة الواجبة لامرها الوجوبي، بل لو قصد أحد هذه الخصوصيات مكان ضده، كأن قصده في مكان الامر الوجوبي الندبي أو في مكان الصلاة الواجبة الصلاة المندوبة صح أيضا، سواء كان جهلا حتى يكون من الخطأ في التطبيق، أو علما تشريعا إذا لم يؤخذ الوصف قيدا لكي يرجع إلى عدم قصد الامر أو المأمور به.

نعم ربما يكون قصد الضد مغيرا للنوع المأمور به، أو يكون عدم قصد الخصوصية منافيا للتعيين.

أما الاول: فكالقصر والاتمام، فإن الخصوصية القصرية والتمامية وإن كانت من الخصوصيات المنوعة لحقيقة المأمور به، إلا أنها لا يعتبر القصد إلى تلك

٥١

الخصوصية مع وحدة ما في ذمة المكلف، إلا أن قصدا أحدهما مكان الآخر يوجب البطلان، لعدم القصد إلى ماهو المأمور به، بداهة تضاد الصلاة ركعتين مع الاربع، فيكون قصد الضد مغيرا للنوع، والظاهر انحصار المثال في خصوصية لا يعتبر القصد إليها ابتداء، إلا أن قصد صدها يوجب تغيير النوع بمثل خصوصية القصرية والنوعية.

ولعل السر في ذلك هو أن خصوصية القصرية والتمامية ليست إلا عبارة عن قلة الاجزاء وكثرتها، وقد تقدم أن القصد إلى الاجزاء تفصيلا مما لا يعتبر بل يكفي القصد إليها إجمالا وإن لم يعرفها تفصيلا، فيكفي القصد إلى صلاة الظهر مثلا بداعي أمرها الفعلي وإن جهل بكونها قصرا أو تماما، ولكن أتى بما هو المأمور به من القصر والتمام بأن سلم على الركعتين لو كان القصر هو المأمور به.

وعلى الاربع لو كان التمام هو المأمور به، ولكن لو قصد القصر ما كان التمام أو العكس ولو جهلا لكان موجبا لعدم القصد إلى ما هو المأمور به واقعا، ويكون قد قصد نوعا لم يكن بمأمور به واقعا.

وأما الثاني: وهو ما إذا كان عدم قصد الخصوصية منافيا للتعيين، فكالوجوب والندب والاداء والقضاء.

٥٢

تكبيرة الاحرام

التي هي أول أفعال الصلاة ومن أجزائها، وبها يحرم كل ما كان يحل قبلها من منافيات الصلاة.

وتنقيح البحث فيها يستدعي رسم امور: الاول: المعروف بين الاصحاب كون تكبيرة الاحرام من أركان الصلاة التي توجب نقصها أو زيادتها بطلان الصلاة، ولو كان ذلك عن سهو ونسيان، أما في صورة النقص فالظاهر أنه لاإشكال فيه وقد حكي الاجماع مستفيضا على بطلان الصلاة يترك تكبيرة الاحرام عمدا أو سهوا، ويدل عليه قبل ذلك الاخبار تكبيرة الافتتاح(١) وفي معناها عدة من الروايات(٢) المصرحة بإعادة الصلاة عند ترك التكبيرة سهوا.

نعم ورد في جملة من الاخبار ما ظاهره الصحة وعدم بطلان الصلاة بذلك، كرواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل ينسي أول تكبيرة

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٥ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٥ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام.

٥٣

من الافتتاح، فقالعليه‌السلام : إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع، وإن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراء‌ة وبعد القراء‌ة. قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال: فليقضها ولا شئ عليه(١) . وفي معناها عدة من الروايات(٢) على اختلاف يسير بينها.

وقد ارم بعض الاعلام تطبيقها على القاعدة، وجعلها من باب الخطأ في التطبيق، بتقريب أن الناسى لتكبيرة الاحرام يتخيل أنه قد سقط عنه الامر بها ويكبر للركوع، بتخيل أن تكبيرة الركوع هي المأمور بها فعلا، مع أن في الواقع ما هو المأمور به تكبيرة الاحرام، فهو يقصد المأمور به الفعلي غايته أنه يتخيل أنه تكبيرة الركوع، ويكون حينئذ من قبيل قصد القضاء مع كون المأمور به هو الاداء وبالعكس.

فكما أن قصد القضائية يلغو وتصح صلاته، فكذلك قصد كون التكبيرة للركوع يلغو وتحسب تكبيرة الاحرام، غايته أنه يكون ناسيا للقراء‌ة وهو ليس، بمحذور، هذا.

ولكن لا يخفى عليك مافيه فإنه قد عرفت في مبحث النية أن مورد الخطأ في التطبيق إنما هو الاوصاف الخارجة عن حقيقة الامور والمأمور به، كالوجوب والاستحباب والاداء والقضاء على ما تقدم تفصيله، ولا إشكال أنه تفترق تكبيرة الاحرام عن تكبيرة الركوع بالحقيقة والهوية وإن اشتركا في الصورة، فإن تكبيرة الاحرام متقومة بالقصد، وليس هي عبارة عن تكبرة بل لابد من القصد إلى كونها إحراما وافتتاحا، لا نقول: إنه يعتبر القصد إلى الاحرامية والافتتاحية، بل نقول: إنه لا بد من القصد إلى أنه بها يدخل في الصلاة، ويكون بها شروعا فيها

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٧ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٨.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٧ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٩ و ١٠. (*)

٥٤

الذي بذلك تمتار عن سائر التكبيرات الافتتاحية المسحبة. وعن تكبيرة الركوع والسجود.

والحاصل: أن دعوى اتحاد تكبيرة الاحرام مع سائر التكبيرات بالهوية والحقيقة والصورة وأن الاحرامية والافتتاحية من الاوصاف الخارجة عن الحقيقة التي لا يعتبر القصد إليها بل لا يضر قصد خلافها كما هو الشأن في مثل وصفي الاداء والقضاء، بعيدة جدا.

بل ينبغي القطع بخلافها، وعلى تقدير التسليم وقلنا باتحاد الحقيقة فلا بد أيضا من القصد إليها وتعيينها، لما تقدم في مبحث النية، من أنه إذا تعدد مافي ذمة المكلف من متحد الحقيقة، فلابد في مقام الامتثال من التعيين ولو بالاوصاف الخارجة عن الحقيقة، كما في مثل نافلة الصبح وفريضتها فراجع، والمقام يكون حينئذ من ذلك القبيل فتأمل.

فالاول طرح الاخبار المخالفة وحملها على التقية كما عليه المعظم، هذا كله في نقصان التكبيرة سهوا.

وأما زيادتها فلا إشكال في البطلان في صورة العمد. وأما في صورة السهو فقد ادعي الاجماع على البطان أيضا ولم ينقل الخلاف عن أحد، فإن تم الاجماع فهو وإلا فالبطلان بالزيادة السهوية يكون خاليا عن الدليل مع أن الاصل لا يقتضيه، كما بين في محله.

وإطلاقات أدلة الزيادة من مثل قولهعليه‌السلام : " من زاد في صلاته فعليه الاعادة "(١) مقصورة بصورة العمد أو الاركان حسب مايقضيه الجمع بين أدلة الزيادة وحديث " لا تعاد "(٢) ، والكلام بعد في ركنية تكبيرة الاحرام وبالجملة: ليس مطلق الزيادة مطلقة للصلاة، بل المبطل حسب ما يقتضيه

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٣٢ باب ١٩ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة، ج ٢.

(٢) الوسائل ج ١١ ص ٢٩٥ باب ٥٦ من ابواب جهاد النفس، ح ١.

٥٥

الجمع بين الادلة - على مايأتي تفصيله في محله إن شاء الله - هي الزيادة العمدية، أو الزيادة في فرض الله، كما ورد في المسافر الذي أتم أن عليه الاعادة لانه زاد في فرض الله(١) .

وكما في حديث " لا تعاد "(٢) في أن الركوع والسجود فرض الله، فيظهر من ذلك أن كل ما كانت الزيادة في فرض الله فالصلاة باطلة وإن كانت الزيادة سهوية، وتكبيرة الاحرام إن كانت من فرض الله فزيادتها السهوية أيضا مبطلة، وتكون من الركن بالمعنى المصطلح، وهو ما يوجب زيادته ونقصانه العمدية والسهوية البطلان، وإن لم تكن من فرض الله فزيادتها السهوية غير مبطلة، والكلام بعد في كونها من فرض الله، اللهم إلا أن يستشعر ذلك مما ورد من مثل تحريمها التكبير(٣) ، وأنه لا صلاة بلا افتتاح(٤) وأمثال ذلك، ولا ينافي عدم ذكر التكبيرة في حديث " لا تعاد " بعد دلالته على البطلان في كل ما كان من فرض الله وإن أبيت عن ذلك كله كان المستند في المسألة هو الاجماع، فالاقوى أن الزيادة السهوية كالنقيصة مبطلة.

ثم إنه إن كانت الزيادة عمدية فلا إشكال في اقتضائها البطلان، والاحتياج إلى تكبيرة ثالثة بها تنعقد الصلاة، ولايمكن انعقادها بتلك التكبيرة لكونها منهيا عنها، فلا تصلح وقوعها تكبيرة الاحرام، إلا إذا قلنا ببطلان الصلاة بمجرد قصد التكبيرة الزائدة، بتوهم أنه يكون من القصد المنافي الهادم للاستدامة الحكمية، فحينئذ لا مانع من انعقاد الصلاة بالتكبيرة الثانية، لبطلان الصلاة قبل ذلك بالقصد، وبطلان الصلاة بمجرد قصد المنافي مع عدم وقوع فعل صلاتي منه في

____________________

(١) لوسائل: ج ٥ ص ٥٣٠ باب ١٧ من ابواب صلاة المسافر.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٣ باب ١ من ابواب افعال الصلاة ح ١٤.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ١٠٠٣ باب ١ من ابواب التسليم.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٦ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٧. (*)

٥٦

ذلك الحال محل تأمل، إلا إذا قلنا بالجزء الصوري والهيئة الاتصالية، حتى يكون ذلك القصد واقعا في حال الجزء الصلاتي، وقد استقصينا الكلام عن الجزء الصوري وما فيه في الاصول، فتأمل جيدا، وأما الزيادة السهوية، فاقتضاؤها البطلان كما عرفت، وأما عدم انعقاد الصلاة بها فمحل بحث، بل ربما مال إلى الانعقاد بعض الاعلام، بدعوى أنه لا مانع من انعقاد الصلاة بها بعد كونها عن سهو فتبطل بها التكبيرة الاولى وتنعقد بها أيضا الصلاة، ولكن يدفعه أنه لا تبطل الاولى إلا بعد تمام التكبيرة الثانية إذ الركن عبارة عن مجموع التكبيرة، فمع عدم إتمامها لم يزد ركنا فلا موجب لبطلان الاولى، وإذا كان بطلان الاولى لا يتحقق إلا بعد إتمام الثانية فكيف ينعقد بها الصلاة أيضا، فتأمل جيدا، وقد تنظر الشيخ -قدس‌سره - في ذلك في صلاته.

الامر الثاني: يعتبر في التكبيرة أن تكون بصورتها المعهودة وهي " الله اكبر " ولا تنعقد بما يرادفها من اللغة العربية، فضلا عن سائر اللغات. وقد أطالوا الكلام في البحث عن صورة التكبيرة، إلا أن الكل واضح فراجع. نعم ينبغى البحث عما نسب إلى المشهور، من أنه يعتبر عدم وصل التكبيرة بما قبلها من الادعية وغيرها، بحيث تمقط همزة " الله " في الكلام.

وكذلك يعتبر الوقف على راء " أكبر " بلا وصلها بالبسلمة أو الاستعاذة، وربما استدل على ذلك بما ورد من الامر بالتكبير مترسلا الذي هو بمعنى التأني المناسب للقطع، وفيه نظر، وليس في المسألة دليل يعتمد عليه، فلا بد من الرجوع إلى الاصل الجاري في المسألة والذي يقوي في بادي النظر هو كون الاصل في المقام البراء‌ة، لان المقام من صغريات دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطي، أو من دون الامريين التخيير والتعيين.

ولكن مال شيخنا الاستاذ - مد ظله - في المقام إلى أن الاصل فيه هو الاشتغال، وإن قلنا بالبراء‌ة في الاصل والاكثر، وسبقه إلى ذلك الشيخ

٥٧

-قدس‌سره - في صلاته بتقريب: أن المأمور به هو الافتتاح والتحريم. والتكبيرة تكون من قبيل المحصل لذلك، وبدون القطع من الاول والآخر يشك في حصول هذا العنوان، فيكون من مجاري الاشتغال فتأمل جيدا.

الامر الثالث: يستحب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات، وهذا في الجملة مما لا إشكال ولا خلاف فيه، إنما الكلام في تعيين تكبيرة الاحرام منها والمحتملات، بل الاقوال خمسة: أحدها: تعيين جعلها الاولى. ثانيها: تعيين جعلها الاخيرة. ثالثها: التخيير بين جعلها أي منها من الاولى والاخيرة وما بينهما. رابعها: جعلها جملة تكبيرة الاحرام. خامسها: عدم لزوم تعيينها، بل هي تتعين في الواقع من جملة السبعة بحسب علم الله، ولا يجب على المصلي تعيينها. أما الاخير فضعيف غايته لما تقدم من لزوم القصد إلى تكبيرة الاحرام. وليست هي من الامور الواقعية بحيث تقع قهرا علهى.

وأما الاقوال الاخر فمنشأها اختلاف الانظار فيما يستفاد من الاخبار، ولا بأس بالاشارة إلى جملة منها: فمنها: مارواه البختري عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي عليهما السلام فكبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يحر الحسينعليه‌السلام بالتكبير ثم كبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يحر الحسينعليه‌السلام التكبير فلم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكبر ويعالج الحسن فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسينعليه‌السلام التكبير في السابعة فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : فصارت سنة(١) .

وفي معناها رواية اخرى(٢) . وقد استدل بها من قال بلزوم كون الاولى تكبيرة

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٢١ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٢٢ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٤. (*)

٥٨

الاحرام، ولكن لا يخفى عليك ضعف الاستدلال بذلك، إذا لا دلالة فيها على لزوم تعيين الاولى لتكبيرة الاحرام، إذ غاية ما يمكن تسليمه هو كون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الاولى تكبيرة الاحرام وكان ذلك أيضا قبل تشريع التكبيرات الافتتاحية، نعم لو كان دأبهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جعله الاولى تكبيرة الاحرام بعد تشريع التكبيرات، واستدام على ذلك. لكان فيه دلالة على ذلك.

مع أنه أيضا يمكن منعه، خصوصا بعد ملاحظة الاخبار الاخر، هذا مضافا إلى ماقيل: من معارضة هذه الرواية بماورد(١) من كون علة التشريع هو أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المعراج كبر عند كل حجاب تكبيرة واحدة وكانت الحجب سبعة، فلذلك صارت الكتبيرات الافتتاحية سبعة، هذا ولكن الانصاف أنه لا معارضة بينهما.

لامكان أن يكون ماصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المعراج علة للتشريع في الواقع وعالم الباطن، وما صدر عنهعليه‌السلام في قضية الحسينعليه‌السلام علة التشريع في عالم الظاهر.

ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فكبر. إن شئت بواحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا، وكل ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة(٢) .

وقد استدل بهذه الرواية من قال بحصول تكبيرة الاحرام بالمجموع، وفيه أنه لو لم يكن قوله في الذيل غير أنك إذا كنت إماما... إلخ، لكان استظهار ذلك، في محله. إلا أنه ذيله يدل على كون تكبيرة الاحرام واحدة، ويكون فائدة الاجهار بها علم المأمومين بدخول الامام في الصلاة، لان لايحرموا قبل الامام، فهذه الرواية على القول بالتخيير أدل

____________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ٧٢٢ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام ح ٥ و ٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٢١ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام ج ٣. (*)

٥٩

كما لا يخفى، هذا مضافا إلى أنه لم ينقل القول بذلك إلا عن والد المجلسي(١) -رحمه‌الله - وقد أدعي الاجماع على خلافه، وإن حكي عن بعض المتأخرين الميل إليه.

ومنها: صحيحة الحلبي فإذا كنت إماما يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتستر ستا(٢) وفي معناه عدة من الروايات(٣) . والانصاف أن هذه الروايات قوية الدلالة على القول بالتخيير، وفي غاية القوة من الظهور.

ومنها: رواية أبي بصير وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله اللهم أنت الملك الحق المبين... إلخ، والدعاء عقيب الاثنين بقوله لبيك وسعديك... إلخ. وعقيب السادسة بقوله يا محسن قد أتاك المسئ قالعليه‌السلام : ثم تكبر للاحرام.

ومنها: الرضوي: واعلم أن السابعة هي تكبيرة الاحرام، وقد استدل بذلك على لزوم تعيين كون الاخيرة تكبيرة الاحرام، وظهورها في ذلك مما لاينكر، إلا أن أخبار التخيير أقوى ظهورا منها، وحينئذ لابد من رفع اليد عن ظهورها في الوجوب وحملها على الافضلية والرجحان الذي هي بالنسبة إلى ذلك نص، بخلاف دلالتها على الوجوب فإنها بالاطلاق ويصير حاصل الفتوى هو التخيير مع أفضلية جعلها الاخيرة.

فعليك بالتأمل في سائر ماورد من الاخبار في المقام، هذا تمام الكلام فيها يهم من مباحث تكبيرة الاحرام. وسائر مباحثها مما لا يهمنا التعرض لها.

____________________

(١) بحار الانوار: ج ٨٤ ص ٣٥٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٠ باب ١٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٣.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٠ باب ١٢ من ابواب تكبيرة الاحرام. (*)

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400