كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 400
المشاهدات: 26453
تحميل: 4758


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26453 / تحميل: 4758
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 2

مؤلف:
العربية

القيام (وفيه مباحث: الاول)

لا إشكال في وجوبه في الصلاة بل هو من القطعيات التي دل عليها الكتاب والسنة مستفيضا، إنما الكلام في أنه واجب مستقل في الصلاة في حال القراء‌ة وغيرها، أو أنه شرط لصحة القراء‌ة. ولا يخفى الثمرة بين الوجهين، كما ربما يأتي بيانه، هذا في غير القيام في حال التكبيرة، والقيام المتصل بالركوع. وأما فيهما فقد قيل بركنيتهما، وقد عرفت أن الركن ما أوجب نقصه وزيادته عمدا وسهوا بطلان الصلاة على كلام في طرف الزيادة.

فينبغي البحث في كل من طرف النقيصة والزيادة، وإن كان البحث في طرف النقيصة مما لاثمرة فيه، إذا القيام المتصل بالركوع، إما أن نقول بركنيته، وإما أن نقول بكونه شرطا شرعيا لصحة الركوع.

وإما أن نقول بكونه داخلا في حقيقة الركوع ومقوم له، على ما سيأتي بيانه.

وعلى جميع التقادير، بفواته بفوت الركن من الركوع، أو القيام المتصل به، لو قلنا إنه أيضا ركن، فيلزم في صورة النقص فوات ركن على كل حال. نعم في طرف الزيادة ربما يترتب عليه أثر عملي، وعلى كل حال قد منع بعض الاعلام ركنية القيام المتصل بالركوع، وجعل الهوي من القيام إلى الركوع

٦١

مقدمة عقلية محضة، كما أفاده الطباطبائي في منظومته بقوله " إذ الهوي فيهما مقدمة "(١) ولا بد قيل بيان الحال من تمهيد مقدمة وهي: أنه تارة يكون متعلق الطلب والتكليف وما يقوم به الغرض هو الاثر الحاصل من فعل المكلف بمعناه الاسم المصدري، من دون أن يكون لجهة الاصدار بمعناه المصدري دخل في الغرض، بل كان الاصدار مقدمة عقلية لحصول ذلك الاثر الذي يستحيل حصوله بدون ذلك، كما هو الشأن في غالب الواجبات التوصلية.

واخرى ينعكس الامر ويكون متعلق الطلب وما يقوم به الغرض هو حيثية الاصدار بمعناه المصدري، من دون أن يكون الاثر الحاصل منه متعلق التكليف وإن كان لا ينفك عنه. ولا يبعد أن يكون باب الواجبات النظامية من هذا القبيل، حيث إن المطلوب فيها عدم الاحتكار بالعمل مع بقاء الاثر الحاصل منه على ملكية العامل، ومن هنا جاز أخذ الاجرة عليها كما بيناه في محله.

وثالثة: يكون كل من الاصدار والاثر الحاصل منه مورد التكليف ومتعلق الغرض، بأن تكون المصلحة قائمة بكل من جهة الاصدار والاثر الحاصل منه، والغالب في باب الاوامر هو كون الاثر متعلق التكليف، إلاأن الامر بالركوع حيث كان المطلوب منه التذلل والخضوع الذي يعبر عنه بالفارسية " سر فرو بردن وكرنش كردن " كان لجهة الاصدار دخل في متعلق الطلب والتكليف، والمراد من جهة الاصدار هو الانحناء عن قيام الذي هو معنى " سر فرو بردن " بالفارسية.

لا نقول: إن الانحناء له دخل في حقيقة الركوع وهويته، فإن ذلك واضح البطلان بداهة صدق الركوع بهويته على الهيئة المخصوصة وإن لم يكن عن انجناء. بل نقول: إن الانحناء أيضا مطلوب في الركوع كمطلوبية الهيئة. فيكون المطلوب

____________________

(١) الدرة النجفية: ص ١٢٣ في الركوع. (*)

٦٢

في باب الركوع ركنين: الانحناء من قيام. والهيئة الحاصلة منه. ويكون المأمور به شرعا كل من الامرين.

وحاصل الكلام أن الركوع هو عبارة عن الهيئة بحيث تصل أطراف أصابعه أو باطن كفيه إن الركبتين ليس إلا، إلا أن المقصود من الركوع حيث كان الخضوع والتذلل، وبقول أهل الفرس " كرنش نمودن وسر فرو بردن " كان الانحناء من القيام أيضا مطلوبا، ويكون المطلوب في باب الركوع هو الهيئة الحاصلة عن ذلك الانحناء، وحيث كان الانحناء لا يعقل تحققه إلا بالقيام، حيث إن الانحناء من قيام كان مطلوبا كان القيام المتصل بالركوع مما يتوقف عليه تحقق الانحناء بالمأمور به عقلا، إذ لا يمكن الانحناء لا عن قيام وإن أمكن تحقق الهيئة لا عن قيام، إلا أنه قد عرفت أن الهيئة وحدها لم تكن مطلوبة في باب الركوع.

فقول الفقهاء إن القيام المتصل بالركوع ركن، يريدون به هذا المعنى، لا أن القيام هو بنفسه ركن مستقل، ولا أنه مما يتوقف عليه هوية الركوع إذا لم يدل على ركنية القيام بنفسه دليل. وقد عرفت أن صدق هوية الركوع لا تتوقف على الانحناء عن قيام، فكيف يكون القيام مقوما للركوع، بل القيام مقوم للانحناء الذي يكون هو الركن بمعنى أن يكون أيضا مطلوبا في باب الركوع، ويتوقف الركوع الشرعي عليه.

فظهر ضعف القول بأن الهوي إلى الركوع مقدمة عقلية محضة ليس له جهة مطلوبية، كما عرفت من العلامة الطباطبائي. وعلى كل حال قد ظهر لك أن فوات القيام المتصل بالركوع موجب لفوات الانحناء المطلوب في الركوع. وبفوات الانحناء يفوت الركوع المطلوب شرعا، والذي يدل على مطلوبية الانحناء عن قيام. مضافا إلى ما عرفت من أن المطلوب في باب الركوع التذلل الذي يحصل به الاجماع المدعى في المقام، من

٦٣

بطلان صلاة من ركع لا عن قيام كمن هوى إلى السجود ناسيا للركوع، ثم تذكر قبل وضع الجبهة على الارض، فقام إلى الركوع من دون أن ينتصب، بل لابد له من القيام متقوسا إلى أن ينتصب فيركع عن قيام، وليس ذلك إلا لكنون الانحناء مطلوبا في باب الركوع.

من دون أن يتخلل في أثناء انحنائه أمر آخر غير الركوع، كمن هوى إلى الركوع ثم بداله في الاثناء قبل وصوله إلى حد الراكع عدم الركوع، ثم عدل عن ذلك وبداله الركوع، فإن مثل هذا الانحناء المتقطع مما لاعبرة به، بل لابد من أن يكون الانحناء مبدأ ومنتهى للركوع إذا عرفت ماذكرنا، فيمكن حينئذ أن يقال بالفرق بين طرف النقيصة والزيادة في باب الركوع.

وتوضيح ذلك هو أنه بعد ماعرفت من أن الانحناء عن قيام خارج عن حقيقة الركوع وهويته، لما تقدم من أن الركون هو الهيئة الحاصلة من وضع اليد على الركبة، فيمكن أن يقال: إن زيادة تلك الهيئة وإن لم تحصل من انحناء مبطلة لانها ركوع حقيقة، فيكون مشمولا لما دل من أن زيادة الركوع مبطلة، وذلك يصدق بزيادة تلك الهيئة. كمن هوى إلى السجود بعد الركوع ثم عاد إلى هيئة الراكع من دون أن ينتصب قبل وضع الجبهة على الارض، ولا يحتاج في طرف الزيادة أن يقوم منتصبا ثم ينحني ويركع. هذا بالنسبة إلى زيادة الركوع.

وأما من طرف نقصان الركوع. فلا يمكن أن يتحقق إلا بفوات القيام المتصل به، إد لا يعقل تحقق القيام المتصل بالركوع مع نقص الركوع كما لا يخفى، وعلى كل حال كان ينبغى تنقيح هذا البحث عند البحث عن الركوع، فالاولى ذكر مايهم في المقام من ركنية القيام المتصل بالركوع، وقد عرفت أن الكلام فيه تارة يقع في طرف الزيادة واخرى في طرف النقيصة.

٦٤

أما في طرف النقيصة فاستكشاف ركنيته إنما هو من حيث قيام الاجماع على ذلك، وأنه من ركع لا عن قيام تبطل صلاته، مضافا إلى ما ذكرناه من الوجه.

وأما الركنية من طرف الزيادة فهو بحسب الثبوت بمكان من الامكان، ولا يلتفت إلى ما يقال من أن زيادته لا يعقل إلا بزيادة الركوع، فالبطلان حينئذ إنما يستند إلى زيادة الركوع لا إلى زيادة القيام المتصل به، وذلك لان مجرد عدم إمكان زيادة إلا بزيادة الركوع لا يوجب عدم ركنيته، لامكان أن يكون البطلان مستندا إلى ترك الركوع والقيام معا، بل اسناد البطلان إلى ترك القيام أولى لسبقه بالرتبة إذ الركوع إنما يتحقق عنه، والشئ إنما يستند إلى أسبق علله. ولا يلتفت إلى أن القيام المتصل بالركوع بوصف كونه متصلا بالركوع لا يتحقق إلا بعد انضمام الركوع إليه فلا يكون سابقا في الرتبة عنه، وذلك لان مرجع ركنية القيام المتصل بالركوع إلى ركنية القيام المتعقب بالركوع. وإضافة التعقب متحققة بالفعل إذا كان الركوع في علم الله يتحقق بعد ذلك، كما يقال الآن قبل مجئ عمرو: إن مجئ زيد متعقب بمجئ عمرو إذا كان عمرو يجئ بعد ذلك.

والحاصل: أنه قد ذكرنا عند البحث عن الشرط المتأخر أن الشرط المتأخر غير معقول، وليس عدم معقوليته من باب استحالة تأثير المعدوم في الموجود، وكون المعلول يوجد قبل وجود علته كما توهم.

ذلك فإن استحالة تأثير المعدوم في الموجود إنما هو في الامور الخارجية التكوينية، وأما في باب الشرعيات فليست الموضوعات علة لاحكام، حتى يقال باستحالة تقدم المعلول - الذي هو عبارة عن الحكم - عن علته - الذي هو عبارة عن الموضوع - إلا إذا قلنا بأن المجعول في باب الاحكام هو السبية، فحينئذ يستقيم تعليل امتناع الشرط التأخر بأنه يلزم تقدم المعلول على علته. ولكن نحن حيث أنكرنا هذا المبنى الفاسد، وقلنا إن المجعول في باب

٦٥

الاحكام هي المسببات عند وجود أسبابها. كما أوضحناه في محله. فلا يستقيم تعليل امتناع الشرط المتأخر بذلك. بل امتناع الشرط المتأخر في الشرعيات إنما هو للزوم الخلف، فإن بعد فرض كون الشئ شرطا أي مما له دخل في الموضوع ومابه قوامه لا يعقل تقدم الحكم عليه، إذ معنى الموضوع هو أن الحكم يوجد عند وجوده، فوجود الحكم قبل وجود موضوعه يكون تناقضا بينا. وتفصيل ذلك إن شاء الله في محله.

وعلى كل حال، بعد البناء على امتناع الشرط المتأخر لابد حينئذ فيما ورد في الشرعيات مما يوهم ذلك من التصرف والتأويل، إما بالالتزام بوصف التعقب، وهذا فيما إذا ساعد الدليل والاعتبار على دخل وصف التعقب في الحكم. وذلك كما في التدريجيات التي لها اعتبار وحدة كالصلاة.

فإن اعتبار الوحدة ليس معناها إلا كون كل جزء مما يتعقبه الجزء الآخرة، وإما بالالتزام بالكشف الحكمي كما في الاجازة في باب الفضولي حيث إن الاعتبار والعقل لا يساعد على أن العقد المتعقب بالاجازة يكون سببا لحلية أكل مال الغير مع عدم رضاه بالفعل، وبالجملة العقل يأبى عن انتقال الملك عن مالكه فعلا من دون رضاه، لانه يكون مما يرضى فيما بعد، ففي مثل ذلك لابد من الالتزام بالكشف الحكمي، وتفصيله في محله.

وعلى كل حال باب القيام المتصل بالركوع يكون من باب التدريجيات التي يساعد الاعتبار على مدخلية وصف التعقب، فيكون الركن هو القيام المتعقب بالركوع، والقيام بهذا المعنى يكون سابقا في الرتبة على الركوع. فاستناد البطلان إليه حينئذ يكون أولى من استناد البطلان إلى الركوع المتأخر في الرتبة. فمجرد عدم إمكان زيادة القيام المتصل بالركوع أو نقصانه إلا بزيادة الركوع ونقصانه لا يمنع عن ركنيته. نعم مجرد الامكان أيضا لا ينفع بل لابد من قيامالدليل على

٦٦

ركنيته في كل من طرف الزيادة والنقيصة، وقد عرفت الدليل في طرف النقيصة من الاجماع.

وأما في طرف الزيادة فلم يقم على ركنيته دليل فزيادة القيام المتصل بالركوع لا يكون من زيادة الركن القيامي، بل يكون من زيادة الركوع والبطلان يكون حينئذ آ مستندا إليه بل يمكن أن يقال: إنه لا دليل لنا على ركنية القيام المتصل بالركوع مطلقا لا من حيث الزيادة، ولا من حيث النقيصة، إذ غاية ما يمكن إستفادته من الوجه المتقدم، ومن الاجماع على بطلان من ركع عن جلوس هو اعتبار القيام في الجملة، وأما كونه ركنا فلا، بل يمكن أن يكون شرطا شرعيا لصحة الركوع وإن لم يكن داخلا في هويته وحقيقته.

وبذلك يندفع ما ربما يتوهم من أن ركنية القيام يلازم استناد البطلان إليه في صورة نقصه وزيادته إن قلنا بركنيته مطلقا، أو في خصوص نقصه إن قلنا بركنيته في خصوص النقيصة لسبقه بالرتبة على الركوع كما تقدم مع أن ظاهر الادلة خلافه لاسناد البطلان فيها إلى الركوع كقولهعليه‌السلام " لا تعاد الصلاة إلا من خمس "(١) وليس فيما بأيدينا من الادلة من أسند البطلان إلى القيام فتأمل في المقام جيدا.

المبحث الثاني

يعتبر في القيام أمور بعضها يكون مقوما لحقيقة القيام وداخلا في هويته بحيث ينتفي بانتفائه وبعضها يكون خارجا عن حقيقته ولكنه معتبر في القيام شرعا.

أما الاول: فكالاستقامة المقابلة للانحناء، والاستقامة المقابلة للاعوجاج،

____________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

٦٧

والميل إلى طرف اليمين واليسار، والاستقرار المقابل للجري والمشي لا للسكون، وعدم الحركة المقابل للاضطراب، فإنه خارج عن حقيقة القيام وإن كان معتبرا فيه كما سيأتي، وعدم التفريج الفاحش بين الرجلين بحيث يخرج عن كونه قائما عرفا، فهذه الاربعة مما يعتبر في حقيقة القيام وهويته.

وأما الثاني: فكالوقوف على الرجلين، والاستقرار المقابل للاضطراب، والاستقلال المقابل للاستناد والاعتماد، بل قيل: إن هذا داخل في هوبة القيام.

وعلى كل حال ما كان من مقومات القيام ومحققا له فنفس أدلة اعتبار القيام تكفي في اعتباره، ولا حجة إلى التماس دليل آخر. وأما مالم يكن داخلا في حقيقة القيام فلابد من إقامة الدليل على اعتباره وإلا فالاصل يقتضي البراء‌ة عنه. أما اعتبار الاستقلال وعدم الاعتماد على شئ فيدل عليه عدة من الروايات: منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قالعليه‌السلام : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي، ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا(١) .

ومنها: رواية عبدالله بن بكير المحكية عن قرب الاسناد قال: سألت أبا عبدالله عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصى أوحائط قالعليه‌السلام : لا، ما شأن أبيك وشأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد(٢) .

والمراد من قوله " ما شأن أبيك " اي ليس التوكؤ من شأن أبيك مع أنه أكبر سنا منك، فكيف تريد أن تتوكأ. نعم في صحيحة علي بن جعفر ما ينافي ذلك، إذا فيها: عن الرجل هل يصلح

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٠٢ باب ١١٠ من أبواب القيام، ح ٢.

(٢) قرب الاسناد: ص ٧٩ س ١٩. (*)

٦٨

أن يستند إلى حائط المسجد وهويصلي أو يضع يده على الحائط من غير مرض ولا علة فقالعليه‌السلام : لا بأس، وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الاوليتين هل يصلح له أن يتناول حائط المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة قال: لابأس(١) . وفي موثقة ابن بكير: لا بأس بالتوكي على عصا والتوكي على الحائط(٢) .

ولكن لايخفى عدم معارضة ذلك لما تقدم، لامكان حمل موثقة ابن بكير على المريض وأما صحيحة علي بن جعفر فهي غير معمول بها عند الاصحاب، بل قيل: إنها محمولة على التقية لموافقتها لمذهب الجمهور، بل ربما قيل: إن عدم الاستناد مأخوذ في هوية القيام وحقيقته وإن كان ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم لا يبعد دعوى انصراف القيام إلى الغير المعتمد، وليس هذا الانصراف لمجرد غلبة الوجود بل لمكان التشكيك في الصدق، فتأمل(٣) .

وأما اعتبار القيام على الرجلين. فقد ادعي الاجماع على ذلك، مضافا إلى أن دعوى الانصراف في المقام قريبة جدا فالاقوى اعتباره، ويؤيده ما ورد في تفسير قوله تعالى: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى "(٤) أنها نزلت في شأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان يصلي على قدم واحد(٥) . وفي رواية على رؤوس الاصابع(٦) . وفي دلالة ذلك مالا يخفى فلا يصلح جعله دليلا، وكذا لاينبغي

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٠٢ باب ١٠ من أبواب القيام، ح ١.

(٢) الوسائل ج ٤ ص ٧٠٢ باب ١٠ من أبواب القيام، ح ٤.

(٣) نعم ظاهر ذيل رواية علي بن جعفر جواز الاستناد في حال النهوض وهو أخص من المطلقة الدالة على عدم جواز الاعتماد وقد أفتى بذلك بعض وقال بجواز الاعتماد في المقدمات من الهوي والنهو ض، ولكن توقف شيخنا الاستاذ في ذلك من حيث عدم معلومية العمل برواية علي بن جعفر صدرا وذيلا فتأمل جيدا " منه ".

(٤) سورة طه: الآية ١.

(٥) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩٥ باب ٣ من أبواب القيام ح ٤.

(٦) الوسائل ج ٤ ص ٦٩٥ باب ٣ من أبواب القيام، ح ٢.

٦٩

الاشكال في اعتبار الوقوف على أصل القدمين ولا يكفي الوقوف على الاصابع لما عرفت من الانصراف الذي هو في المقام أقرب مما تقدم. ثم إن ما قلناه من اعتبار الوقوف على القدمين معناه أن يكون الاعتماد عليهما. فلا يكفي الاعتماد على أحدهما مع مماسة الآخر الارض، إذ لا يصدق الوقوف على القدمين في مثل هذا. نعم لا يعتبر تساوي القدمين في الاعتماد.

وأما اعتبار الاستقرار فقد عرفت أن الاستقرار المقابل للمشي داخل في حقيقة القيام، مضافا إلى ما ورد من عدم المشي في الاقامة معللا بأن الآخذ في الاقامة كالداخل في الصلاة(١) . ومضافا إلى ماورد: من أنه إن تقدمت القدم فلا تكبر في حال المشي. وأما المقابل للاضطراب، فإن كان على وجه بحيث يميل يمنة ويسرة فهو مما يكون مخالفا لحقيقة القيام أيضا وأما إذا كان على وجه ينافي الطمأنينة، فاعتبار هذا مما لا يختص بالقيام، بل هو معتبر في جميع أفعال الصلاة كما يدل عليه المنع عن الصلاة في المحمل والسفينة الخفيفة الحمل(٢) . وقد تقدم شطرا من الكلام في ذلك في بعض المباحث المتقدمة.

ثم إنه حكي الخلاف في تقديم الصلاة قاعدا على الصلاة ما شيا عند عدم تمكنه من الوقوف، ودار الامر بين القعود والمشي، مع أنه نقل الاتفاق على أن من تعذر عليه الاستقامة وغيرها. مما هو داخل في حقيقة القيام، لا ينتقل إلى الجلوس، بل ينتقل إلى ما يمكنه من مراتب القيام. فيبقى في المقام سؤال الفرق بين المشي وسائر ما يتقوم به القيام، فإنه كما لا ينتقل إلى الجلوس من تعذر عليه الاستقامة، كذلك لا ينتقل إلى الجلوس من

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٣٦ باب ١٣ من ابواب الاذان والاقامة. ح ١٢ نقلا بالمعنى.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٠٥ باب ١٤ من أبواب القيام ح ١٤. (*)

٧٠

تعذر عليه الوقوف، هذا.

ولكن يمكن أن يقال إنه فرق بين القيام المقابل للمشي والقيام المقابل للاستقامة وغيرها، إذا المشي في حال الصلاة ينافي الصورة والهيئة المعتبرة في حال الصلاة، وهذا بخلاف الاعوجاج وعدم الانتصاب، فإنه لا ينافي الصورة والهيئة، وحيث كان حفظ الصورة والهيئة أهم قدم القعود على الصلاة ماشيا، وأما فيما عدا المشي فلا موجب للانتقال إلى الجلوس، بل مقتضى قاعدة الميسور هو عدم الانتقال إليه إلا بعد العجز عن جميع مراتب القيام، مضافا إلى دعوى الاجماع على ذلك.

هذا كله إذا دار الامربين القعود وبين انتفاء ما هو مقوم لحقيقة القيام وأما لو دار الامر بين انتفاء ما يكون مقوما للقيام وما يكون شرطا شرعيا له، فلا إشكال في تقدم ما كان مقوما له، كما أنه لا إشكال في أنه لو دار الامر بين نفس الامور المقومة للقيام قدم ما هو أقرب إلى حقيقة القيام، ولا يبعد أن يكون الانتصاب أقرب من غيره فلو دار الامربين الانحناء المفوت للانتصاب والتفريج بين الرجلين على وجه يخرج عن هيئة القائم مع كونه منتصبا قدم التفريج على الانحناء، فتأمل جيدا.

المبحث الثالث

لو لم يتمكن من القيام بمراتبه في تمام الركعة ودار الامر بين القيام في أول الركعة والجلوس في آخرها، فيكون ركوعه حينئذ عن جلوس، وبين الجلوس في أول الركعة والقيام في آخرها ليكون ركوعه عن قيام، فربما قيل: بالتخيير، وربما قيل: بتعيين القيام في أول الركعة، وربما قيل: بتعينه في آخرها. وتوضيح الحال يستدعي رسم مقدمة وهي: أنه قد ذكرنا في باب التزاحم، أنه لو تزاحم الواجبان فإن كان أحدهما أهم

٧١

قدم على غيره، وإن لم يكن أهم وتساويا في الملاك فإن لم يكن بينهما ترتب علية ومعلولية أو ترتب زماني مخص كان الحكم هو التخيير، وإن كان بينهما ترتب بأحد الوجهين تعين تقديم ما هو السابق بالرتبة والزمان، وليس له صرف قدرته إلى المتأخر وذلك كما لو توقف واجب على مقدمة محرمة أو توقف امتثال واجب على ترك واجب آخر سابق عليه في الزمان، فإن كانت ذي المقدمة أو الواجب المتأخر أهم من المقدمة والواجب المتقدم زمانه يقدم وسقط خطاب حرمة المقدمة ووجوب ذلك الواجب، وإن تساويا انعكس الامر وسقط وجوب ذي المقدمة والواجب المتأخر، ولا تصل النوبة إلى التخيير إلا إذا كان في عرض واحد من حيث الاهمية والرتبة والزمان، كالضدين المتساويين في الملاك.

والسر في ذلك هو أن كل واجب لا يمكن سقوط وجوبه إلا بالعجز التكويني أو العجز المولوي، حيث إن المانع الشرعي كالمانع العقلي، وأما مع عدم العجز التكويني والمولوي فالوجوب بعد باق على حاله ولا موجب لسقوطه، وحينئذ إن كان أحد المتزاحمين أهم في نظر الشارع فمن أهميته يتولد خطاب مولوي وهو احفظ قدرتك، وهذا الخطاب صالح للتعجيز المولوي عن المزاحم الآخر، من غير فرق بين أن يكون الاهم من حيث الرتبة والزمان مساويا لغير الاهم أو متأخرا عنه رتبة وزمانا، ومن غير فرق أيضا بين أن يكون الزمان المتأخر شرطا للواجب أو شرطا للوجوب، ومن غير فرق أيضا بين أن يكون المتزاحمان واجبين نفسيين أو كانا واجبين غيريين، كل ذلك لما أشرنا إليه من أن خطاب الاهم لاهميته صالح لان يكون تعجيزا مولويا عن الآخر، حيث إنه يجب حفظ القدرة عليه وليس له صرفها على ما عداه.

فلو فرض أنه من أول النهار زاحم واجب للصلاة التي لم يأت بعد زمان وجوبها، بحيث لا يمكنه الجمع بين ذلك الواجب والصلاة، كان اللازم عليه عدم

٧٢

صرف قدرته لذلك الواجب إن كانت الصلاة أهم، وحفظها للصلاة وإن لم يأت بعد زمان وجوبها لان القدرة العقلية لا دخل لها في الملاك وكان ملاك الصلاة تمام في حد نفسه عند مجئ زمان وجوبها، فصرف القدرة على الواجب الغير الاهم يوجب تفويت ملاك الصلاة الذي فرضنا أهميته، ومن هنا قلنا بعدم جواز إهراق الماء قيل الوقت، وكذلك سائر المقدمات المفوتة، هذا إذا كان هناك أهمية.

وأما إذا لم يكن في البين أهمية فإن كان المتزاحمان في عرض واحد من حيث الزمان والرتبة كالضدين كان الحكم هو التخيير، وليس التخيير فيه لمكان سقوط أصل الخطابين واستكشاف العقل خطاب تخيير لمكان تمامية الملاك كما توهم، بل الساقط هو إطلاق كل من الخطابين لصورتي فعل الآخر وعدمه، كما أوضحناه في محله.

وإن كان أحد المتزاحمين سابقا من حيث الرتبة والزمان، فحيث إن القدرة عليه حاصلة بالفعل، بخلاف القدرة على المتأخر، حيث إنها متوقفة على عدم صرف القدرة على المتقدم، كان السابق في الرتبة والزمان هو المتعين، إذ عدم صرف القدرة عليه يكون بلا موجب، لان المفروض عدم أهمية المتأخر حتى يتولد منه خطاب (احفظ قدرتك)، فسقوط الخطاب عن المتقدم يكون بلا وجه بعد القدرة عليه فعلا.

وهذا بخلاف سقوط خطاب المتأخر، لعدم القدرة عليه فعلا وعدم اقتضائه حفظ القدرة وعدم صرفها في الواجب المتقدم. إذ ليس هو أهم منه، ومالم يقتض ذلك لا يكون مقدورا عليه في زمانه، فيسقط خطابه لا محالة. وهذا بخلاف سقوط خطاب المتقدم. فإنه كما عرفت يكون بلا موجب.

وبالجملة: ليس الغرض في المقام تفصيل ذلك وإنما له محل آخر بل الغرض في المقام مجرد بيان المبنى من أن المتزاحمين إذا كان أحدهما أهم قدم على غيره

٧٣

مطلقا كان بينهما اختلاف في الرتبة والزمان أو لم يكن، وإن لم يكن بينهما اهمية فإن كانا في عرض واحد من حيث الرتبة والزمان كالضدين كان الحكم هو التخيير وإن لم يكونا في عرض واحد، بل كان أحدهما مقدما من حيث الرتبة والزمان قدم ما هو المقدم، إذا عرفت ذلك فنقول في المقام.

إنه لو دار الامربين القيام في أول الركعة والقيام في آخرها فلا سبيل إلى القول بالتخيير، بل إن قلنا بأن القيام المتصل بالركوع أهم، لمكان ركنيته كما قويناه كان اللازم هو الجلوس في أول الركعة لحفظ القدرة على القيام المتصل بالركوع، وإن لم نقل بأهميته كان اللازم هو القيام في أول الركعة لحصول القدرة عليه فعلا، فيكون جلوسه بلا موجب.

ومما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا دار الامربين القيام والايماء للركوع والسجود وبين الصلاة عن جلوس وفعل الركوع والسجود جالسا، وأنه يتعين عليه الصلاة عن جلوس لاهمية الركوع والسجود، كما يدل عليه أن " ثلث الصلاة الطهور وثلثها الركوع وثلثها السجود "(١) . وتوهم أنه يفوت منه حينئذ القيام الركني من المتصل بالركوع وحال التكبيرة فاسد، إذا الواجب على المكلف هو الركوع عن الحالة التي هو عليها فإن كان قائما فالواجب عليه الركوع عن قيام وإن كان جالسا فالواجب عليه الركوع عن جلوسه، وكذا الحال في تكبيرة الاحرام.

المبحث الرابع

لو لم يتمكن من القيام بمراتبه صلى جالسا بلا خلاف. وقد تضافرت به

____________________

(١) الوسائل: ج ١ ص ٢٥٦ باب ١ من أبواب الوضوء ح ٨. (*)

٧٤

النصوص.

ولو لم يتمكن من الصلاة عن جلوس اضطجع وصلى على الطرف الايمن، فإن لم يتمكن فعلى الايسر، فإن لم يتمكن استلقى، كما هو المشهور بين الاصحاب، وليس له الاستلقاء مع التمكن من الاضطجاع على الايمن والايسر، ويدل على ما ذكرنا من الترتيب ماروي مرسلا " المريض يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الايمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الايسر، فإن لم يستطع استلقى وأومى إيماء، وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده أخفض من ركوعه "(١) وفي معناها رواية اخرى(٢) .

وما ورد من أن المريض يصلي قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا فإن لم يقدر أن يصلي جالسا صلى مستلقيا(٣) . لابد من تقيده بما إذا عجز عن الاضطجاع يمنة ويسرة لمخالفة ذلك لفتوى الطائفة، مع أن الصناعة تقتضي ذلك، لما بينهما من الاطلاق والتقييد.

المبحث الخامس

من كان فرضه الاضطجاع أو الاستلقاء تعين عليه الايماء للركوع والسجود، كما استفاضت به النصوص(٤) ، وهل يجب عليه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، أو وضعه على الجبهة مضافا على الايماء، أو لا يجب شئ من ذلك؟ الظاهر أنه لايجب إذا إذا أمكنه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فحينئذ يجب ويكون هذا إيماؤه وأما إذا لم يمكنه ذلك اكتفى بالايماء ولا يجب عليه وضع شئ

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩٢ باب ١ من أبواب القيام. ح ١٥.

(٢) مستدرك الوسائل: ج ٢ ص ٢٦٧ باب ٤ من أبواب القيام، ح ١ وذكر ذيله في الباب.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩١ باب ١ من أبواب القيام، ح ١٣.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٩ باب ١ من أبواب القيام. (*)

٧٥

على جبهته، والاولى ذكر بعض الاخبار الواردة في المقام: فمنها: موثقة سماعة سأله عن المريض لا يستطيع الجلوس قالعليه‌السلام : فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه ولن يكلف الله مالا طاقة له به(١) .

ومنها: الصحيح عن الصادقعليه‌السلام سأله عن المريض إذا لم يستطع القيام ولا السجود قالعليه‌السلام : يومي برأسه إيماء وان يضع جبهته على الارض أحب إلي(٢) . وهذا الصحيح خارج عما نحن فيه، إذا الظاهر منه هو وضع الجبهة على الارض لمن كان فرضه الجلوس لا الاضطجاع، غايته أنه لا يتمكن من السجود التام. ومن كان فرضه ذلك يتعين عليه رفع المسجد ووضع الجبهة عليه إجماعا، لان هذا هو المقدور منه من السجود، ولا يجزيه الايماء.

ولاينافي التعيين قولهعليه‌السلام : " أحب إلي " إذا لا يراد منه معنى التفضيل، ولاينافيه أيضا قولهعليه‌السلام " يومي إيماء " لان إيماء من كان فرضه ذلك هو وضع الجبهة على الارض، وفي معنى هذه الرواية عدة روايات(٣) أخر قد استدل بها من قال بوجوب وضع الجبهة على الارض لمن كان فرضه الاضطجاع، مع أنها بمعزل عن ذلك بل هي ظاهرة فيمن كان فرضه الجلوس، فراجع وتأمل.

نعم الموثق الاول ظاهر فيمن كان فرضه الاضطجاع، وظاهره وجوب وضع شئ على الجبهة وحمله على من لم يتمكن من الايماء حمل على فرض نادر. فرفع اليد عن أخبار الايماء مشكل، مع عمل المشهور بها. وأنها أكثر عددا مما يدل على وضع شئ على الجبهة، فالعمل على أخبار الايماء فتأمل جيدا.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩٠ باب ١ من أبواب القيام، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٩ باب ١ من أبواب القيام، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٩ باب ١ من أبواب القيام. (*)

٧٦

بفي في المقام فروع ينبغي التنبيه عليها:

الاول: هل يحتاج في الايماء قصد البدلية عن الركوع والسجد أو لا يحتاج؟ الظاهرأنه لا ينبغي الاشكال في اعتبار القصد إلى كون هذا الايما هو إيماء الركوع والسجود، إذ بذلك يمتاز عن سائر الايماء‌ات الواقعة في الصلاة، بل لابد من القصد في نفس المبدل إذا امتياز الانحناء الركوعي عن غيره من الانحناء لقتل العقرب إنما هو بالقصد، فإذا كان هذا حال المبدل فكيف بحال البدل.

الثاني: يكون حكم نقص الايماء وزيادته حكم نقص الركوع وزيادته من حيث كونه مبطلا عمدا وسهوا، ودعوى أن ذلك من أحكام الركوع والسجود التام، ضعيفة بعدما كان ركوع المضطجع هو الايماء.

الثالث: يلزم أن يكون إيماء السجود أخفض عن إيماء الزكوع، بحيث يمتاز إيماء كل منها عن الآخر.

كما دل عليه النصوص.

الرابع: لو طرأ عليه العجز في الاثناء انتقل إلى الحالة الاخرى، فلو عجز عن القيام جلس وسكت في حال الهوي وجوبا ولم يقرأ حتى يستقر جالسا حفظا للاستقرار الواجب الذي هو مقدم على الصلاة قائما في حال المشي كما تقدم، فالقول بأنه يقرأ في حال الهوي وجوبا ضعيف غايته.

الخامس: هل الجلوس عن العجز عن القيام يكون بدلا عنه كبدلية التيمم عن الوضوء، أو أنه ليس بدلا بل مجرد السقوط، ويكون الجلوس واجبا آخر، غايته أنه في طول القيام كترتيب بين الخصالات المترتبة؟ ثم بناء على كونه من السقوط فهل السقوط رخصة أو عزيمة؟ ولا يخفى عليك الثمرة بين الوجوه، فإنه بناء على البدلية يكون القيام خاليا عن الملاك في حقه عند العجز عنه، فلو تحمل المشقة وقام كانت صلاته باطلة بخلاف ما إذا قلنا بالسقوط إذ السقوط لا يرفع الملاك. غايته أنه لو قلنا إنه عزيمة كان القيام في موضع الجلوس محرما شرعا

٧٧

بخلاف ماإذا قلنا بكونه رخصة فتأمل(١) .

وهذا البحث مطرد في سائر المراتب المتأخرة عن الجلوس هذا ولا يخفى عليك ظهور الادلة في البدلية كمايظهر ذلك للمتأمل، إلا أن الالتزام ببطلان صلاة من تحمل المشقة وقام في موضع الجلوس مشكل، يأباه الذوق الفقهى، وربما يتوهم أن أدلة نفي العسر والحرج حيث وردت في مقام الامتنان كان المستفاد منها هو الرخصة، وأن المنفي هو خصوص الالزام مع بقاء الملاك على حاله بل الاذن أيضا ولا يخفى ضعفه، إذا بعد البناء على حكومة أدلة نفي العسر والحرج على الادلة الواقعية وكونها مخصصة لها لايبقى مجال لهذا التوهم. إذ يكون حالها حال المخصص اللفظي فلا يبقى محل لاستكشاف بقاء الملاك. ومجرد ورودها مورد المنة ولا يقتضي ذلك، إذ ذلك بمنزلة حكمة التشريع، وليس المقام مقام تفصيل ذلك ولكن الذي يسهل الخطب ورود رواية السكوني عن قرب الاسناد في المقام من أن سقوط القيام يكون على وجه الرخصة.

____________________

(١) وجه التأمل هو أنه يمكن أن يقال إن نتيجة السقوط على وجه العزيمة مع البدلية متحدة وأنه لا لاك على تقدير كون السقوط عزيمة فتأمل جيدا. (*)

٧٨

القراء‌ة واحكامها

من جملة أفعال الصلاة القراء‌ة. يجب في الصلاة قراء‌ة الفاتحة بلا إشكال، وكذا السورة على ما يأتي تفصيله.

وفيه مسائل: الاول: يجب تعلم القراء‌ة من الحمد والسورة بناء على وجوبها كما هو الاقوى، بل يجب تعلم سائر الاذكار الواجبة في الصلاة من التسبيحات وذكر الركوع والسجود.

ولا يختص الوجوب بما بعد حضور وقت العمل، بل يجب قبل حضوره لمن خاف عدم التمكن من التعليم بعد الوقت، بل يجب قبل البلوغ لمن خاف عدم التمكن منه بعد البلوغ. كما هو الشأن في تعلم سائر الاحكام الشرعية، بل هو الشأن في السائر المقدمات المفوتة، حيث يجب تحصيلها قبل الوقت لمن لم يتمكن منها بعد الوقت.

وبالجملة: في وجوب التعلم لا يشترط بحضور وقت العمل أو البلوغ، بداهة أن الحاكم بوجوب التعلم في الاحكام وفيما نحن فيه هو العقل، وإن دل عليه بعض الاخبار أيضا كقوله: " هلا تعلمت "(١) إلا أن العقل مستقل وجوب معرفة

____________________

(١) أمالي الطوسي: ج ١ ص ٨ وفيه " أفلا ".

٧٩

الاحكام وما يتوقف امتثال التكاليف عليه، والعقل لا يرى تفاوتا بين حضور وقت العمل وقبل حضوره، أو بعد البلوغ وقبله بالنسبة إلى المراهق، إذ ليس وجوب المعرفة وجوبا مقدميا حتى يتوقف على وجوب ذيها، بل وجوب نفسي تهيئي.

فالتعلم واجب نفسي غايته أنه لا لذاته بل للغير لا أنه واجب بالغير كما هو شأن وجوب المقدمة. فإذا كان وجوب التعلم وجوبا نفسيا للغير لا يتفاوت الحال فه بين حضور وقت العمل وقبله، إذا احتمل عدم التمكن منه بعده، وكذا الحال بالنسبة إلى ماقبل البلوغ إذا كان مميزا قابلا لتوجيه الخطاب نحوه، ولايدور الحكم العقل بوجوب التعلم قبل الوقت مدار عدم التمكن منه واقعا بعد الوقت.

بل يكفي في مناط حكم العقل مجرد احتمال عدم التمكن منه احتمالا عقلائيا كمالا يخفى. وهذا مما لا ينبغي الشك فيه، إنما الاشكال في أنه هل تجب تعلم القراء‌ة عينا، كما هو ظاهر إطلاق الاصحاب أو أنه مخير بينه وبين الائتمام أو متابعة القارئ كما اختاره الشيخ(١) -قدس‌سره - في صلاته وإن وافق الاصحاب في الرسائل العملية؟ ربما يتوهم أنه لاوجه للوجوب العيني بعد عدم وجوب الصلاة فرادى عينا، بداهة أنه لا يتعين على المكلف الصلاة فرادى بل هو مخير بينها وبين الصلاة جماة، سواء قلنا بالتخير العقلي أو الشرعي مع عدم خلو الواقع عن أحدهما إذ لا يمكن أن يقال بعدم كون الصلاة جماعة من أحد فردي التخيير بل هي مسقطة للواجب لا أنها واجبة، إذ لا إشكال في اشتمال الصلاة جماعة على المصلحة الصلاتي وليست من الامور الاجنبية الخارجة المسقطة للواجب بل هي من أفضل أفراد الصلاة، ومعه لا محيص في عالم الثبوت من أن تكون أحد فردي التخيير

____________________

(١) كتاب الصلاة: ص ١٠٧. (*)

٨٠