كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة10%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27537 / تحميل: 5132
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القيام (وفيه مباحث: الاول)

لا إشكال في وجوبه في الصلاة بل هو من القطعيات التي دل عليها الكتاب والسنة مستفيضا، إنما الكلام في أنه واجب مستقل في الصلاة في حال القراء‌ة وغيرها، أو أنه شرط لصحة القراء‌ة. ولا يخفى الثمرة بين الوجهين، كما ربما يأتي بيانه، هذا في غير القيام في حال التكبيرة، والقيام المتصل بالركوع. وأما فيهما فقد قيل بركنيتهما، وقد عرفت أن الركن ما أوجب نقصه وزيادته عمدا وسهوا بطلان الصلاة على كلام في طرف الزيادة.

فينبغي البحث في كل من طرف النقيصة والزيادة، وإن كان البحث في طرف النقيصة مما لاثمرة فيه، إذا القيام المتصل بالركوع، إما أن نقول بركنيته، وإما أن نقول بكونه شرطا شرعيا لصحة الركوع.

وإما أن نقول بكونه داخلا في حقيقة الركوع ومقوم له، على ما سيأتي بيانه.

وعلى جميع التقادير، بفواته بفوت الركن من الركوع، أو القيام المتصل به، لو قلنا إنه أيضا ركن، فيلزم في صورة النقص فوات ركن على كل حال. نعم في طرف الزيادة ربما يترتب عليه أثر عملي، وعلى كل حال قد منع بعض الاعلام ركنية القيام المتصل بالركوع، وجعل الهوي من القيام إلى الركوع

٦١

مقدمة عقلية محضة، كما أفاده الطباطبائي في منظومته بقوله " إذ الهوي فيهما مقدمة "(١) ولا بد قيل بيان الحال من تمهيد مقدمة وهي: أنه تارة يكون متعلق الطلب والتكليف وما يقوم به الغرض هو الاثر الحاصل من فعل المكلف بمعناه الاسم المصدري، من دون أن يكون لجهة الاصدار بمعناه المصدري دخل في الغرض، بل كان الاصدار مقدمة عقلية لحصول ذلك الاثر الذي يستحيل حصوله بدون ذلك، كما هو الشأن في غالب الواجبات التوصلية.

واخرى ينعكس الامر ويكون متعلق الطلب وما يقوم به الغرض هو حيثية الاصدار بمعناه المصدري، من دون أن يكون الاثر الحاصل منه متعلق التكليف وإن كان لا ينفك عنه. ولا يبعد أن يكون باب الواجبات النظامية من هذا القبيل، حيث إن المطلوب فيها عدم الاحتكار بالعمل مع بقاء الاثر الحاصل منه على ملكية العامل، ومن هنا جاز أخذ الاجرة عليها كما بيناه في محله.

وثالثة: يكون كل من الاصدار والاثر الحاصل منه مورد التكليف ومتعلق الغرض، بأن تكون المصلحة قائمة بكل من جهة الاصدار والاثر الحاصل منه، والغالب في باب الاوامر هو كون الاثر متعلق التكليف، إلاأن الامر بالركوع حيث كان المطلوب منه التذلل والخضوع الذي يعبر عنه بالفارسية " سر فرو بردن وكرنش كردن " كان لجهة الاصدار دخل في متعلق الطلب والتكليف، والمراد من جهة الاصدار هو الانحناء عن قيام الذي هو معنى " سر فرو بردن " بالفارسية.

لا نقول: إن الانحناء له دخل في حقيقة الركوع وهويته، فإن ذلك واضح البطلان بداهة صدق الركوع بهويته على الهيئة المخصوصة وإن لم يكن عن انجناء. بل نقول: إن الانحناء أيضا مطلوب في الركوع كمطلوبية الهيئة. فيكون المطلوب

____________________

(١) الدرة النجفية: ص ١٢٣ في الركوع. (*)

٦٢

في باب الركوع ركنين: الانحناء من قيام. والهيئة الحاصلة منه. ويكون المأمور به شرعا كل من الامرين.

وحاصل الكلام أن الركوع هو عبارة عن الهيئة بحيث تصل أطراف أصابعه أو باطن كفيه إن الركبتين ليس إلا، إلا أن المقصود من الركوع حيث كان الخضوع والتذلل، وبقول أهل الفرس " كرنش نمودن وسر فرو بردن " كان الانحناء من القيام أيضا مطلوبا، ويكون المطلوب في باب الركوع هو الهيئة الحاصلة عن ذلك الانحناء، وحيث كان الانحناء لا يعقل تحققه إلا بالقيام، حيث إن الانحناء من قيام كان مطلوبا كان القيام المتصل بالركوع مما يتوقف عليه تحقق الانحناء بالمأمور به عقلا، إذ لا يمكن الانحناء لا عن قيام وإن أمكن تحقق الهيئة لا عن قيام، إلا أنه قد عرفت أن الهيئة وحدها لم تكن مطلوبة في باب الركوع.

فقول الفقهاء إن القيام المتصل بالركوع ركن، يريدون به هذا المعنى، لا أن القيام هو بنفسه ركن مستقل، ولا أنه مما يتوقف عليه هوية الركوع إذا لم يدل على ركنية القيام بنفسه دليل. وقد عرفت أن صدق هوية الركوع لا تتوقف على الانحناء عن قيام، فكيف يكون القيام مقوما للركوع، بل القيام مقوم للانحناء الذي يكون هو الركن بمعنى أن يكون أيضا مطلوبا في باب الركوع، ويتوقف الركوع الشرعي عليه.

فظهر ضعف القول بأن الهوي إلى الركوع مقدمة عقلية محضة ليس له جهة مطلوبية، كما عرفت من العلامة الطباطبائي. وعلى كل حال قد ظهر لك أن فوات القيام المتصل بالركوع موجب لفوات الانحناء المطلوب في الركوع. وبفوات الانحناء يفوت الركوع المطلوب شرعا، والذي يدل على مطلوبية الانحناء عن قيام. مضافا إلى ما عرفت من أن المطلوب في باب الركوع التذلل الذي يحصل به الاجماع المدعى في المقام، من

٦٣

بطلان صلاة من ركع لا عن قيام كمن هوى إلى السجود ناسيا للركوع، ثم تذكر قبل وضع الجبهة على الارض، فقام إلى الركوع من دون أن ينتصب، بل لابد له من القيام متقوسا إلى أن ينتصب فيركع عن قيام، وليس ذلك إلا لكنون الانحناء مطلوبا في باب الركوع.

من دون أن يتخلل في أثناء انحنائه أمر آخر غير الركوع، كمن هوى إلى الركوع ثم بداله في الاثناء قبل وصوله إلى حد الراكع عدم الركوع، ثم عدل عن ذلك وبداله الركوع، فإن مثل هذا الانحناء المتقطع مما لاعبرة به، بل لابد من أن يكون الانحناء مبدأ ومنتهى للركوع إذا عرفت ماذكرنا، فيمكن حينئذ أن يقال بالفرق بين طرف النقيصة والزيادة في باب الركوع.

وتوضيح ذلك هو أنه بعد ماعرفت من أن الانحناء عن قيام خارج عن حقيقة الركوع وهويته، لما تقدم من أن الركون هو الهيئة الحاصلة من وضع اليد على الركبة، فيمكن أن يقال: إن زيادة تلك الهيئة وإن لم تحصل من انحناء مبطلة لانها ركوع حقيقة، فيكون مشمولا لما دل من أن زيادة الركوع مبطلة، وذلك يصدق بزيادة تلك الهيئة. كمن هوى إلى السجود بعد الركوع ثم عاد إلى هيئة الراكع من دون أن ينتصب قبل وضع الجبهة على الارض، ولا يحتاج في طرف الزيادة أن يقوم منتصبا ثم ينحني ويركع. هذا بالنسبة إلى زيادة الركوع.

وأما من طرف نقصان الركوع. فلا يمكن أن يتحقق إلا بفوات القيام المتصل به، إد لا يعقل تحقق القيام المتصل بالركوع مع نقص الركوع كما لا يخفى، وعلى كل حال كان ينبغى تنقيح هذا البحث عند البحث عن الركوع، فالاولى ذكر مايهم في المقام من ركنية القيام المتصل بالركوع، وقد عرفت أن الكلام فيه تارة يقع في طرف الزيادة واخرى في طرف النقيصة.

٦٤

أما في طرف النقيصة فاستكشاف ركنيته إنما هو من حيث قيام الاجماع على ذلك، وأنه من ركع لا عن قيام تبطل صلاته، مضافا إلى ما ذكرناه من الوجه.

وأما الركنية من طرف الزيادة فهو بحسب الثبوت بمكان من الامكان، ولا يلتفت إلى ما يقال من أن زيادته لا يعقل إلا بزيادة الركوع، فالبطلان حينئذ إنما يستند إلى زيادة الركوع لا إلى زيادة القيام المتصل به، وذلك لان مجرد عدم إمكان زيادة إلا بزيادة الركوع لا يوجب عدم ركنيته، لامكان أن يكون البطلان مستندا إلى ترك الركوع والقيام معا، بل اسناد البطلان إلى ترك القيام أولى لسبقه بالرتبة إذ الركوع إنما يتحقق عنه، والشئ إنما يستند إلى أسبق علله. ولا يلتفت إلى أن القيام المتصل بالركوع بوصف كونه متصلا بالركوع لا يتحقق إلا بعد انضمام الركوع إليه فلا يكون سابقا في الرتبة عنه، وذلك لان مرجع ركنية القيام المتصل بالركوع إلى ركنية القيام المتعقب بالركوع. وإضافة التعقب متحققة بالفعل إذا كان الركوع في علم الله يتحقق بعد ذلك، كما يقال الآن قبل مجئ عمرو: إن مجئ زيد متعقب بمجئ عمرو إذا كان عمرو يجئ بعد ذلك.

والحاصل: أنه قد ذكرنا عند البحث عن الشرط المتأخر أن الشرط المتأخر غير معقول، وليس عدم معقوليته من باب استحالة تأثير المعدوم في الموجود، وكون المعلول يوجد قبل وجود علته كما توهم.

ذلك فإن استحالة تأثير المعدوم في الموجود إنما هو في الامور الخارجية التكوينية، وأما في باب الشرعيات فليست الموضوعات علة لاحكام، حتى يقال باستحالة تقدم المعلول - الذي هو عبارة عن الحكم - عن علته - الذي هو عبارة عن الموضوع - إلا إذا قلنا بأن المجعول في باب الاحكام هو السبية، فحينئذ يستقيم تعليل امتناع الشرط التأخر بأنه يلزم تقدم المعلول على علته. ولكن نحن حيث أنكرنا هذا المبنى الفاسد، وقلنا إن المجعول في باب

٦٥

الاحكام هي المسببات عند وجود أسبابها. كما أوضحناه في محله. فلا يستقيم تعليل امتناع الشرط المتأخر بذلك. بل امتناع الشرط المتأخر في الشرعيات إنما هو للزوم الخلف، فإن بعد فرض كون الشئ شرطا أي مما له دخل في الموضوع ومابه قوامه لا يعقل تقدم الحكم عليه، إذ معنى الموضوع هو أن الحكم يوجد عند وجوده، فوجود الحكم قبل وجود موضوعه يكون تناقضا بينا. وتفصيل ذلك إن شاء الله في محله.

وعلى كل حال، بعد البناء على امتناع الشرط المتأخر لابد حينئذ فيما ورد في الشرعيات مما يوهم ذلك من التصرف والتأويل، إما بالالتزام بوصف التعقب، وهذا فيما إذا ساعد الدليل والاعتبار على دخل وصف التعقب في الحكم. وذلك كما في التدريجيات التي لها اعتبار وحدة كالصلاة.

فإن اعتبار الوحدة ليس معناها إلا كون كل جزء مما يتعقبه الجزء الآخرة، وإما بالالتزام بالكشف الحكمي كما في الاجازة في باب الفضولي حيث إن الاعتبار والعقل لا يساعد على أن العقد المتعقب بالاجازة يكون سببا لحلية أكل مال الغير مع عدم رضاه بالفعل، وبالجملة العقل يأبى عن انتقال الملك عن مالكه فعلا من دون رضاه، لانه يكون مما يرضى فيما بعد، ففي مثل ذلك لابد من الالتزام بالكشف الحكمي، وتفصيله في محله.

وعلى كل حال باب القيام المتصل بالركوع يكون من باب التدريجيات التي يساعد الاعتبار على مدخلية وصف التعقب، فيكون الركن هو القيام المتعقب بالركوع، والقيام بهذا المعنى يكون سابقا في الرتبة على الركوع. فاستناد البطلان إليه حينئذ يكون أولى من استناد البطلان إلى الركوع المتأخر في الرتبة. فمجرد عدم إمكان زيادة القيام المتصل بالركوع أو نقصانه إلا بزيادة الركوع ونقصانه لا يمنع عن ركنيته. نعم مجرد الامكان أيضا لا ينفع بل لابد من قيامالدليل على

٦٦

ركنيته في كل من طرف الزيادة والنقيصة، وقد عرفت الدليل في طرف النقيصة من الاجماع.

وأما في طرف الزيادة فلم يقم على ركنيته دليل فزيادة القيام المتصل بالركوع لا يكون من زيادة الركن القيامي، بل يكون من زيادة الركوع والبطلان يكون حينئذ آ مستندا إليه بل يمكن أن يقال: إنه لا دليل لنا على ركنية القيام المتصل بالركوع مطلقا لا من حيث الزيادة، ولا من حيث النقيصة، إذ غاية ما يمكن إستفادته من الوجه المتقدم، ومن الاجماع على بطلان من ركع عن جلوس هو اعتبار القيام في الجملة، وأما كونه ركنا فلا، بل يمكن أن يكون شرطا شرعيا لصحة الركوع وإن لم يكن داخلا في هويته وحقيقته.

وبذلك يندفع ما ربما يتوهم من أن ركنية القيام يلازم استناد البطلان إليه في صورة نقصه وزيادته إن قلنا بركنيته مطلقا، أو في خصوص نقصه إن قلنا بركنيته في خصوص النقيصة لسبقه بالرتبة على الركوع كما تقدم مع أن ظاهر الادلة خلافه لاسناد البطلان فيها إلى الركوع كقولهعليه‌السلام " لا تعاد الصلاة إلا من خمس "(١) وليس فيما بأيدينا من الادلة من أسند البطلان إلى القيام فتأمل في المقام جيدا.

المبحث الثاني

يعتبر في القيام أمور بعضها يكون مقوما لحقيقة القيام وداخلا في هويته بحيث ينتفي بانتفائه وبعضها يكون خارجا عن حقيقته ولكنه معتبر في القيام شرعا.

أما الاول: فكالاستقامة المقابلة للانحناء، والاستقامة المقابلة للاعوجاج،

____________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

٦٧

والميل إلى طرف اليمين واليسار، والاستقرار المقابل للجري والمشي لا للسكون، وعدم الحركة المقابل للاضطراب، فإنه خارج عن حقيقة القيام وإن كان معتبرا فيه كما سيأتي، وعدم التفريج الفاحش بين الرجلين بحيث يخرج عن كونه قائما عرفا، فهذه الاربعة مما يعتبر في حقيقة القيام وهويته.

وأما الثاني: فكالوقوف على الرجلين، والاستقرار المقابل للاضطراب، والاستقلال المقابل للاستناد والاعتماد، بل قيل: إن هذا داخل في هوبة القيام.

وعلى كل حال ما كان من مقومات القيام ومحققا له فنفس أدلة اعتبار القيام تكفي في اعتباره، ولا حجة إلى التماس دليل آخر. وأما مالم يكن داخلا في حقيقة القيام فلابد من إقامة الدليل على اعتباره وإلا فالاصل يقتضي البراء‌ة عنه. أما اعتبار الاستقلال وعدم الاعتماد على شئ فيدل عليه عدة من الروايات: منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قالعليه‌السلام : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي، ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا(١) .

ومنها: رواية عبدالله بن بكير المحكية عن قرب الاسناد قال: سألت أبا عبدالله عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصى أوحائط قالعليه‌السلام : لا، ما شأن أبيك وشأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد(٢) .

والمراد من قوله " ما شأن أبيك " اي ليس التوكؤ من شأن أبيك مع أنه أكبر سنا منك، فكيف تريد أن تتوكأ. نعم في صحيحة علي بن جعفر ما ينافي ذلك، إذا فيها: عن الرجل هل يصلح

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٠٢ باب ١١٠ من أبواب القيام، ح ٢.

(٢) قرب الاسناد: ص ٧٩ س ١٩. (*)

٦٨

أن يستند إلى حائط المسجد وهويصلي أو يضع يده على الحائط من غير مرض ولا علة فقالعليه‌السلام : لا بأس، وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الاوليتين هل يصلح له أن يتناول حائط المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة قال: لابأس(١) . وفي موثقة ابن بكير: لا بأس بالتوكي على عصا والتوكي على الحائط(٢) .

ولكن لايخفى عدم معارضة ذلك لما تقدم، لامكان حمل موثقة ابن بكير على المريض وأما صحيحة علي بن جعفر فهي غير معمول بها عند الاصحاب، بل قيل: إنها محمولة على التقية لموافقتها لمذهب الجمهور، بل ربما قيل: إن عدم الاستناد مأخوذ في هوية القيام وحقيقته وإن كان ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم لا يبعد دعوى انصراف القيام إلى الغير المعتمد، وليس هذا الانصراف لمجرد غلبة الوجود بل لمكان التشكيك في الصدق، فتأمل(٣) .

وأما اعتبار القيام على الرجلين. فقد ادعي الاجماع على ذلك، مضافا إلى أن دعوى الانصراف في المقام قريبة جدا فالاقوى اعتباره، ويؤيده ما ورد في تفسير قوله تعالى: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى "(٤) أنها نزلت في شأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان يصلي على قدم واحد(٥) . وفي رواية على رؤوس الاصابع(٦) . وفي دلالة ذلك مالا يخفى فلا يصلح جعله دليلا، وكذا لاينبغي

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٠٢ باب ١٠ من أبواب القيام، ح ١.

(٢) الوسائل ج ٤ ص ٧٠٢ باب ١٠ من أبواب القيام، ح ٤.

(٣) نعم ظاهر ذيل رواية علي بن جعفر جواز الاستناد في حال النهوض وهو أخص من المطلقة الدالة على عدم جواز الاعتماد وقد أفتى بذلك بعض وقال بجواز الاعتماد في المقدمات من الهوي والنهو ض، ولكن توقف شيخنا الاستاذ في ذلك من حيث عدم معلومية العمل برواية علي بن جعفر صدرا وذيلا فتأمل جيدا " منه ".

(٤) سورة طه: الآية ١.

(٥) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩٥ باب ٣ من أبواب القيام ح ٤.

(٦) الوسائل ج ٤ ص ٦٩٥ باب ٣ من أبواب القيام، ح ٢.

٦٩

الاشكال في اعتبار الوقوف على أصل القدمين ولا يكفي الوقوف على الاصابع لما عرفت من الانصراف الذي هو في المقام أقرب مما تقدم. ثم إن ما قلناه من اعتبار الوقوف على القدمين معناه أن يكون الاعتماد عليهما. فلا يكفي الاعتماد على أحدهما مع مماسة الآخر الارض، إذ لا يصدق الوقوف على القدمين في مثل هذا. نعم لا يعتبر تساوي القدمين في الاعتماد.

وأما اعتبار الاستقرار فقد عرفت أن الاستقرار المقابل للمشي داخل في حقيقة القيام، مضافا إلى ما ورد من عدم المشي في الاقامة معللا بأن الآخذ في الاقامة كالداخل في الصلاة(١) . ومضافا إلى ماورد: من أنه إن تقدمت القدم فلا تكبر في حال المشي. وأما المقابل للاضطراب، فإن كان على وجه بحيث يميل يمنة ويسرة فهو مما يكون مخالفا لحقيقة القيام أيضا وأما إذا كان على وجه ينافي الطمأنينة، فاعتبار هذا مما لا يختص بالقيام، بل هو معتبر في جميع أفعال الصلاة كما يدل عليه المنع عن الصلاة في المحمل والسفينة الخفيفة الحمل(٢) . وقد تقدم شطرا من الكلام في ذلك في بعض المباحث المتقدمة.

ثم إنه حكي الخلاف في تقديم الصلاة قاعدا على الصلاة ما شيا عند عدم تمكنه من الوقوف، ودار الامر بين القعود والمشي، مع أنه نقل الاتفاق على أن من تعذر عليه الاستقامة وغيرها. مما هو داخل في حقيقة القيام، لا ينتقل إلى الجلوس، بل ينتقل إلى ما يمكنه من مراتب القيام. فيبقى في المقام سؤال الفرق بين المشي وسائر ما يتقوم به القيام، فإنه كما لا ينتقل إلى الجلوس من تعذر عليه الاستقامة، كذلك لا ينتقل إلى الجلوس من

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٣٦ باب ١٣ من ابواب الاذان والاقامة. ح ١٢ نقلا بالمعنى.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٠٥ باب ١٤ من أبواب القيام ح ١٤. (*)

٧٠

تعذر عليه الوقوف، هذا.

ولكن يمكن أن يقال إنه فرق بين القيام المقابل للمشي والقيام المقابل للاستقامة وغيرها، إذا المشي في حال الصلاة ينافي الصورة والهيئة المعتبرة في حال الصلاة، وهذا بخلاف الاعوجاج وعدم الانتصاب، فإنه لا ينافي الصورة والهيئة، وحيث كان حفظ الصورة والهيئة أهم قدم القعود على الصلاة ماشيا، وأما فيما عدا المشي فلا موجب للانتقال إلى الجلوس، بل مقتضى قاعدة الميسور هو عدم الانتقال إليه إلا بعد العجز عن جميع مراتب القيام، مضافا إلى دعوى الاجماع على ذلك.

هذا كله إذا دار الامربين القعود وبين انتفاء ما هو مقوم لحقيقة القيام وأما لو دار الامر بين انتفاء ما يكون مقوما للقيام وما يكون شرطا شرعيا له، فلا إشكال في تقدم ما كان مقوما له، كما أنه لا إشكال في أنه لو دار الامر بين نفس الامور المقومة للقيام قدم ما هو أقرب إلى حقيقة القيام، ولا يبعد أن يكون الانتصاب أقرب من غيره فلو دار الامربين الانحناء المفوت للانتصاب والتفريج بين الرجلين على وجه يخرج عن هيئة القائم مع كونه منتصبا قدم التفريج على الانحناء، فتأمل جيدا.

المبحث الثالث

لو لم يتمكن من القيام بمراتبه في تمام الركعة ودار الامر بين القيام في أول الركعة والجلوس في آخرها، فيكون ركوعه حينئذ عن جلوس، وبين الجلوس في أول الركعة والقيام في آخرها ليكون ركوعه عن قيام، فربما قيل: بالتخيير، وربما قيل: بتعيين القيام في أول الركعة، وربما قيل: بتعينه في آخرها. وتوضيح الحال يستدعي رسم مقدمة وهي: أنه قد ذكرنا في باب التزاحم، أنه لو تزاحم الواجبان فإن كان أحدهما أهم

٧١

قدم على غيره، وإن لم يكن أهم وتساويا في الملاك فإن لم يكن بينهما ترتب علية ومعلولية أو ترتب زماني مخص كان الحكم هو التخيير، وإن كان بينهما ترتب بأحد الوجهين تعين تقديم ما هو السابق بالرتبة والزمان، وليس له صرف قدرته إلى المتأخر وذلك كما لو توقف واجب على مقدمة محرمة أو توقف امتثال واجب على ترك واجب آخر سابق عليه في الزمان، فإن كانت ذي المقدمة أو الواجب المتأخر أهم من المقدمة والواجب المتقدم زمانه يقدم وسقط خطاب حرمة المقدمة ووجوب ذلك الواجب، وإن تساويا انعكس الامر وسقط وجوب ذي المقدمة والواجب المتأخر، ولا تصل النوبة إلى التخيير إلا إذا كان في عرض واحد من حيث الاهمية والرتبة والزمان، كالضدين المتساويين في الملاك.

والسر في ذلك هو أن كل واجب لا يمكن سقوط وجوبه إلا بالعجز التكويني أو العجز المولوي، حيث إن المانع الشرعي كالمانع العقلي، وأما مع عدم العجز التكويني والمولوي فالوجوب بعد باق على حاله ولا موجب لسقوطه، وحينئذ إن كان أحد المتزاحمين أهم في نظر الشارع فمن أهميته يتولد خطاب مولوي وهو احفظ قدرتك، وهذا الخطاب صالح للتعجيز المولوي عن المزاحم الآخر، من غير فرق بين أن يكون الاهم من حيث الرتبة والزمان مساويا لغير الاهم أو متأخرا عنه رتبة وزمانا، ومن غير فرق أيضا بين أن يكون الزمان المتأخر شرطا للواجب أو شرطا للوجوب، ومن غير فرق أيضا بين أن يكون المتزاحمان واجبين نفسيين أو كانا واجبين غيريين، كل ذلك لما أشرنا إليه من أن خطاب الاهم لاهميته صالح لان يكون تعجيزا مولويا عن الآخر، حيث إنه يجب حفظ القدرة عليه وليس له صرفها على ما عداه.

فلو فرض أنه من أول النهار زاحم واجب للصلاة التي لم يأت بعد زمان وجوبها، بحيث لا يمكنه الجمع بين ذلك الواجب والصلاة، كان اللازم عليه عدم

٧٢

صرف قدرته لذلك الواجب إن كانت الصلاة أهم، وحفظها للصلاة وإن لم يأت بعد زمان وجوبها لان القدرة العقلية لا دخل لها في الملاك وكان ملاك الصلاة تمام في حد نفسه عند مجئ زمان وجوبها، فصرف القدرة على الواجب الغير الاهم يوجب تفويت ملاك الصلاة الذي فرضنا أهميته، ومن هنا قلنا بعدم جواز إهراق الماء قيل الوقت، وكذلك سائر المقدمات المفوتة، هذا إذا كان هناك أهمية.

وأما إذا لم يكن في البين أهمية فإن كان المتزاحمان في عرض واحد من حيث الزمان والرتبة كالضدين كان الحكم هو التخيير، وليس التخيير فيه لمكان سقوط أصل الخطابين واستكشاف العقل خطاب تخيير لمكان تمامية الملاك كما توهم، بل الساقط هو إطلاق كل من الخطابين لصورتي فعل الآخر وعدمه، كما أوضحناه في محله.

وإن كان أحد المتزاحمين سابقا من حيث الرتبة والزمان، فحيث إن القدرة عليه حاصلة بالفعل، بخلاف القدرة على المتأخر، حيث إنها متوقفة على عدم صرف القدرة على المتقدم، كان السابق في الرتبة والزمان هو المتعين، إذ عدم صرف القدرة عليه يكون بلا موجب، لان المفروض عدم أهمية المتأخر حتى يتولد منه خطاب (احفظ قدرتك)، فسقوط الخطاب عن المتقدم يكون بلا وجه بعد القدرة عليه فعلا.

وهذا بخلاف سقوط خطاب المتأخر، لعدم القدرة عليه فعلا وعدم اقتضائه حفظ القدرة وعدم صرفها في الواجب المتقدم. إذ ليس هو أهم منه، ومالم يقتض ذلك لا يكون مقدورا عليه في زمانه، فيسقط خطابه لا محالة. وهذا بخلاف سقوط خطاب المتقدم. فإنه كما عرفت يكون بلا موجب.

وبالجملة: ليس الغرض في المقام تفصيل ذلك وإنما له محل آخر بل الغرض في المقام مجرد بيان المبنى من أن المتزاحمين إذا كان أحدهما أهم قدم على غيره

٧٣

مطلقا كان بينهما اختلاف في الرتبة والزمان أو لم يكن، وإن لم يكن بينهما اهمية فإن كانا في عرض واحد من حيث الرتبة والزمان كالضدين كان الحكم هو التخيير وإن لم يكونا في عرض واحد، بل كان أحدهما مقدما من حيث الرتبة والزمان قدم ما هو المقدم، إذا عرفت ذلك فنقول في المقام.

إنه لو دار الامربين القيام في أول الركعة والقيام في آخرها فلا سبيل إلى القول بالتخيير، بل إن قلنا بأن القيام المتصل بالركوع أهم، لمكان ركنيته كما قويناه كان اللازم هو الجلوس في أول الركعة لحفظ القدرة على القيام المتصل بالركوع، وإن لم نقل بأهميته كان اللازم هو القيام في أول الركعة لحصول القدرة عليه فعلا، فيكون جلوسه بلا موجب.

ومما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا دار الامربين القيام والايماء للركوع والسجود وبين الصلاة عن جلوس وفعل الركوع والسجود جالسا، وأنه يتعين عليه الصلاة عن جلوس لاهمية الركوع والسجود، كما يدل عليه أن " ثلث الصلاة الطهور وثلثها الركوع وثلثها السجود "(١) . وتوهم أنه يفوت منه حينئذ القيام الركني من المتصل بالركوع وحال التكبيرة فاسد، إذا الواجب على المكلف هو الركوع عن الحالة التي هو عليها فإن كان قائما فالواجب عليه الركوع عن قيام وإن كان جالسا فالواجب عليه الركوع عن جلوسه، وكذا الحال في تكبيرة الاحرام.

المبحث الرابع

لو لم يتمكن من القيام بمراتبه صلى جالسا بلا خلاف. وقد تضافرت به

____________________

(١) الوسائل: ج ١ ص ٢٥٦ باب ١ من أبواب الوضوء ح ٨. (*)

٧٤

النصوص.

ولو لم يتمكن من الصلاة عن جلوس اضطجع وصلى على الطرف الايمن، فإن لم يتمكن فعلى الايسر، فإن لم يتمكن استلقى، كما هو المشهور بين الاصحاب، وليس له الاستلقاء مع التمكن من الاضطجاع على الايمن والايسر، ويدل على ما ذكرنا من الترتيب ماروي مرسلا " المريض يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الايمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الايسر، فإن لم يستطع استلقى وأومى إيماء، وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده أخفض من ركوعه "(١) وفي معناها رواية اخرى(٢) .

وما ورد من أن المريض يصلي قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا فإن لم يقدر أن يصلي جالسا صلى مستلقيا(٣) . لابد من تقيده بما إذا عجز عن الاضطجاع يمنة ويسرة لمخالفة ذلك لفتوى الطائفة، مع أن الصناعة تقتضي ذلك، لما بينهما من الاطلاق والتقييد.

المبحث الخامس

من كان فرضه الاضطجاع أو الاستلقاء تعين عليه الايماء للركوع والسجود، كما استفاضت به النصوص(٤) ، وهل يجب عليه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، أو وضعه على الجبهة مضافا على الايماء، أو لا يجب شئ من ذلك؟ الظاهر أنه لايجب إذا إذا أمكنه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فحينئذ يجب ويكون هذا إيماؤه وأما إذا لم يمكنه ذلك اكتفى بالايماء ولا يجب عليه وضع شئ

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩٢ باب ١ من أبواب القيام. ح ١٥.

(٢) مستدرك الوسائل: ج ٢ ص ٢٦٧ باب ٤ من أبواب القيام، ح ١ وذكر ذيله في الباب.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩١ باب ١ من أبواب القيام، ح ١٣.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٩ باب ١ من أبواب القيام. (*)

٧٥

على جبهته، والاولى ذكر بعض الاخبار الواردة في المقام: فمنها: موثقة سماعة سأله عن المريض لا يستطيع الجلوس قالعليه‌السلام : فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه ولن يكلف الله مالا طاقة له به(١) .

ومنها: الصحيح عن الصادقعليه‌السلام سأله عن المريض إذا لم يستطع القيام ولا السجود قالعليه‌السلام : يومي برأسه إيماء وان يضع جبهته على الارض أحب إلي(٢) . وهذا الصحيح خارج عما نحن فيه، إذا الظاهر منه هو وضع الجبهة على الارض لمن كان فرضه الجلوس لا الاضطجاع، غايته أنه لا يتمكن من السجود التام. ومن كان فرضه ذلك يتعين عليه رفع المسجد ووضع الجبهة عليه إجماعا، لان هذا هو المقدور منه من السجود، ولا يجزيه الايماء.

ولاينافي التعيين قولهعليه‌السلام : " أحب إلي " إذا لا يراد منه معنى التفضيل، ولاينافيه أيضا قولهعليه‌السلام " يومي إيماء " لان إيماء من كان فرضه ذلك هو وضع الجبهة على الارض، وفي معنى هذه الرواية عدة روايات(٣) أخر قد استدل بها من قال بوجوب وضع الجبهة على الارض لمن كان فرضه الاضطجاع، مع أنها بمعزل عن ذلك بل هي ظاهرة فيمن كان فرضه الجلوس، فراجع وتأمل.

نعم الموثق الاول ظاهر فيمن كان فرضه الاضطجاع، وظاهره وجوب وضع شئ على الجبهة وحمله على من لم يتمكن من الايماء حمل على فرض نادر. فرفع اليد عن أخبار الايماء مشكل، مع عمل المشهور بها. وأنها أكثر عددا مما يدل على وضع شئ على الجبهة، فالعمل على أخبار الايماء فتأمل جيدا.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٩٠ باب ١ من أبواب القيام، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٩ باب ١ من أبواب القيام، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٩ باب ١ من أبواب القيام. (*)

٧٦

بفي في المقام فروع ينبغي التنبيه عليها:

الاول: هل يحتاج في الايماء قصد البدلية عن الركوع والسجد أو لا يحتاج؟ الظاهرأنه لا ينبغي الاشكال في اعتبار القصد إلى كون هذا الايما هو إيماء الركوع والسجود، إذ بذلك يمتاز عن سائر الايماء‌ات الواقعة في الصلاة، بل لابد من القصد في نفس المبدل إذا امتياز الانحناء الركوعي عن غيره من الانحناء لقتل العقرب إنما هو بالقصد، فإذا كان هذا حال المبدل فكيف بحال البدل.

الثاني: يكون حكم نقص الايماء وزيادته حكم نقص الركوع وزيادته من حيث كونه مبطلا عمدا وسهوا، ودعوى أن ذلك من أحكام الركوع والسجود التام، ضعيفة بعدما كان ركوع المضطجع هو الايماء.

الثالث: يلزم أن يكون إيماء السجود أخفض عن إيماء الزكوع، بحيث يمتاز إيماء كل منها عن الآخر.

كما دل عليه النصوص.

الرابع: لو طرأ عليه العجز في الاثناء انتقل إلى الحالة الاخرى، فلو عجز عن القيام جلس وسكت في حال الهوي وجوبا ولم يقرأ حتى يستقر جالسا حفظا للاستقرار الواجب الذي هو مقدم على الصلاة قائما في حال المشي كما تقدم، فالقول بأنه يقرأ في حال الهوي وجوبا ضعيف غايته.

الخامس: هل الجلوس عن العجز عن القيام يكون بدلا عنه كبدلية التيمم عن الوضوء، أو أنه ليس بدلا بل مجرد السقوط، ويكون الجلوس واجبا آخر، غايته أنه في طول القيام كترتيب بين الخصالات المترتبة؟ ثم بناء على كونه من السقوط فهل السقوط رخصة أو عزيمة؟ ولا يخفى عليك الثمرة بين الوجوه، فإنه بناء على البدلية يكون القيام خاليا عن الملاك في حقه عند العجز عنه، فلو تحمل المشقة وقام كانت صلاته باطلة بخلاف ما إذا قلنا بالسقوط إذ السقوط لا يرفع الملاك. غايته أنه لو قلنا إنه عزيمة كان القيام في موضع الجلوس محرما شرعا

٧٧

بخلاف ماإذا قلنا بكونه رخصة فتأمل(١) .

وهذا البحث مطرد في سائر المراتب المتأخرة عن الجلوس هذا ولا يخفى عليك ظهور الادلة في البدلية كمايظهر ذلك للمتأمل، إلا أن الالتزام ببطلان صلاة من تحمل المشقة وقام في موضع الجلوس مشكل، يأباه الذوق الفقهى، وربما يتوهم أن أدلة نفي العسر والحرج حيث وردت في مقام الامتنان كان المستفاد منها هو الرخصة، وأن المنفي هو خصوص الالزام مع بقاء الملاك على حاله بل الاذن أيضا ولا يخفى ضعفه، إذا بعد البناء على حكومة أدلة نفي العسر والحرج على الادلة الواقعية وكونها مخصصة لها لايبقى مجال لهذا التوهم. إذ يكون حالها حال المخصص اللفظي فلا يبقى محل لاستكشاف بقاء الملاك. ومجرد ورودها مورد المنة ولا يقتضي ذلك، إذ ذلك بمنزلة حكمة التشريع، وليس المقام مقام تفصيل ذلك ولكن الذي يسهل الخطب ورود رواية السكوني عن قرب الاسناد في المقام من أن سقوط القيام يكون على وجه الرخصة.

____________________

(١) وجه التأمل هو أنه يمكن أن يقال إن نتيجة السقوط على وجه العزيمة مع البدلية متحدة وأنه لا لاك على تقدير كون السقوط عزيمة فتأمل جيدا. (*)

٧٨

القراء‌ة واحكامها

من جملة أفعال الصلاة القراء‌ة. يجب في الصلاة قراء‌ة الفاتحة بلا إشكال، وكذا السورة على ما يأتي تفصيله.

وفيه مسائل: الاول: يجب تعلم القراء‌ة من الحمد والسورة بناء على وجوبها كما هو الاقوى، بل يجب تعلم سائر الاذكار الواجبة في الصلاة من التسبيحات وذكر الركوع والسجود.

ولا يختص الوجوب بما بعد حضور وقت العمل، بل يجب قبل حضوره لمن خاف عدم التمكن من التعليم بعد الوقت، بل يجب قبل البلوغ لمن خاف عدم التمكن منه بعد البلوغ. كما هو الشأن في تعلم سائر الاحكام الشرعية، بل هو الشأن في السائر المقدمات المفوتة، حيث يجب تحصيلها قبل الوقت لمن لم يتمكن منها بعد الوقت.

وبالجملة: في وجوب التعلم لا يشترط بحضور وقت العمل أو البلوغ، بداهة أن الحاكم بوجوب التعلم في الاحكام وفيما نحن فيه هو العقل، وإن دل عليه بعض الاخبار أيضا كقوله: " هلا تعلمت "(١) إلا أن العقل مستقل وجوب معرفة

____________________

(١) أمالي الطوسي: ج ١ ص ٨ وفيه " أفلا ".

٧٩

الاحكام وما يتوقف امتثال التكاليف عليه، والعقل لا يرى تفاوتا بين حضور وقت العمل وقبل حضوره، أو بعد البلوغ وقبله بالنسبة إلى المراهق، إذ ليس وجوب المعرفة وجوبا مقدميا حتى يتوقف على وجوب ذيها، بل وجوب نفسي تهيئي.

فالتعلم واجب نفسي غايته أنه لا لذاته بل للغير لا أنه واجب بالغير كما هو شأن وجوب المقدمة. فإذا كان وجوب التعلم وجوبا نفسيا للغير لا يتفاوت الحال فه بين حضور وقت العمل وقبله، إذا احتمل عدم التمكن منه بعده، وكذا الحال بالنسبة إلى ماقبل البلوغ إذا كان مميزا قابلا لتوجيه الخطاب نحوه، ولايدور الحكم العقل بوجوب التعلم قبل الوقت مدار عدم التمكن منه واقعا بعد الوقت.

بل يكفي في مناط حكم العقل مجرد احتمال عدم التمكن منه احتمالا عقلائيا كمالا يخفى. وهذا مما لا ينبغي الشك فيه، إنما الاشكال في أنه هل تجب تعلم القراء‌ة عينا، كما هو ظاهر إطلاق الاصحاب أو أنه مخير بينه وبين الائتمام أو متابعة القارئ كما اختاره الشيخ(١) -قدس‌سره - في صلاته وإن وافق الاصحاب في الرسائل العملية؟ ربما يتوهم أنه لاوجه للوجوب العيني بعد عدم وجوب الصلاة فرادى عينا، بداهة أنه لا يتعين على المكلف الصلاة فرادى بل هو مخير بينها وبين الصلاة جماة، سواء قلنا بالتخير العقلي أو الشرعي مع عدم خلو الواقع عن أحدهما إذ لا يمكن أن يقال بعدم كون الصلاة جماعة من أحد فردي التخيير بل هي مسقطة للواجب لا أنها واجبة، إذ لا إشكال في اشتمال الصلاة جماعة على المصلحة الصلاتي وليست من الامور الاجنبية الخارجة المسقطة للواجب بل هي من أفضل أفراد الصلاة، ومعه لا محيص في عالم الثبوت من أن تكون أحد فردي التخيير

____________________

(١) كتاب الصلاة: ص ١٠٧. (*)

٨٠

الشرعي أو العقلي. وحينئذ لا يمكن أن يكون وجوب التعلم عينيا مع كونه مقدمة لامتثال الصلاة فرادى التي لم تجب هي عينا، ومنه يظهرما في كلام الجواهر(١) حيث قال: بوجوب التعلم عينا مع اعترافه بأن الصلاة فرادى لم تكن واجبة عينا، هذا.

ولكن يمكن أن يقال: بالوجوب العيني بتقريب: أن الحاكم بوجوب التعلم ليس هو إلا العقل كما عرفت، وعرفت أيضا أن حكم العقل لا يدور مدار التمكن الواقعي وعدمه بل يدور مدار احتمال عدم التمكن، ولا عبرة بالامور الاتفاقية والاحتمالات الخارجة عن العادة، فكما أن احتمال التمكن من التعلم في الوقت كما إذا احتمل بضرب من الاتفاق وجود معلم في الوقت - لايضر بحكم العقل بلزوم التعليم قبل الوقت لاحتمال عدم التمكن منه في الوقت كذلك التمكن من الجماعة إنما يكون بضرب من الاتفاق، فإن محتملات عدم التمكن كثيرة من عدم الامام، أو موته في أثناء القراء‌ة. أو نسيانه لها. أو حدثه وغير ذلك من المحتملات.

فترك تعلم القراء‌ة اعتمادا على الائتمام مع كثرة احتمالات عدم التمكن منه مما يأباه العقل ويستقل بقبح ترك التعلم والحال هذه، وهذا هو المراد من الوجوب العيني أي يتعين عليه تعلم القراء‌ة وليس له تركه اعتمادا على الائتمام وهذا لا ينافي صحة الصلاة عند ترك التعلم واتفاق الصلاة جماعة كما لايخفى، وأما الاثم والعقاب فهو مبني على أن يكون العقاب على نفس ترك التعلم كما هو ظاهر الجواهر، لا على الواقع ولا عليه عند مصادفة الواقع ولتحقيق الكلام في ذلك محل آخر.

والغرض في المقام هو أن صحة الصلاة جماعة لا ينافي تعين تعلم القراء‌ة ولا الاثم والعقاب على تركه، ودعوى أنه يمكن الوثوق

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٩ ص ٣٠١. (*)

٨١

والاطمئنان بالائتمام فلا يستقل العقل بقبح ترك التعلم حينئذ عهدتها على مدعيها وكيف يمكن الوثوق مع ما عرفت من كثرة محتملات عدم التمكن من الائتمام. فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فإن لم يتعلم القراء‌ة إلى أن ضاق الوقت، فإن كان عدم تعلمه لاجل قصوره فيه، كما إذا لم يتمكن ذاتا من أداء بعض الحروف، أو كان عدم تعلمه لاجل عدم وجدان من يعلمه وأمثال ذلك.

فهذا مما لا ينبغي الاشكال في عدم وجوب الائتمام عليه بل يقرأ ما يحسنه من القراء‌ة أو من غيرها على تفصيل يأتي، لاطلاق ما دل على " أن من لم يحسن القراء‌ة قرأ ما يحسنه "(١) بل يظهر من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله " شين بلال سين "(٢) جواز الاقتداء به، واجزاء قراء‌ته عن الغير، إذا كان عدم تعلمه لاجل عدم إمكان تأدية الحروف من مخارجها ولا يتوقف صحة صلاته بضيق الوقت، كما كان أذان بلال مجزيا عن الغير ومسقطا عنه.

وإن كان عدم تعلم القراء‌ة لاجل التقصير، وأن عمدا باختياره أخر التعليم إلى أن ضاق الوقت، فربما يتوهم وجوب الائتمام عليه وعدم اجزاء ما يحسنه من القراء‌ة بل ربمايتوهم بقاء الطلب بالتعليم والقراء‌ة بالنسبة إليه لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فلا تصح منه الصلاة بما يحسنه من القراء‌ة إذا لم يأتم ويجب عليه القضاء عند التعلم هذا.

ولكن لا يخفى عليك ضعفه بداهة أن قضية الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار - إنما هو من حيث العقاب لا الخطاب والطلب، فإنه ينافيه أشد المنافاة، وكيف يعقل الطلب من العاجز الغير القادر مع استحالة التكليف بما لا يطاق فإذا لم يكن مكلفا بالقراء‌ة حينئذ والمفروض أن

____________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ٧٣٥ باب ٣ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١ نقلا بالمعنى.

(٢) مستدرك الوسائل: ج ١ ص ٢٩٦ باب ٢٣ من أبواب القراء‌ة في غير الصلاة، ح ٣.

٨٢

الصلاة لا تسقط بحال كان اللازم عليه قراء‌ة ما يحسنه من القراء‌ة وإن كان معاقبا على ترك التعلم ولا يتعين عليه الائتمام لا ندراجه تحت إطلاق ما دل على أن " من لم يتمكن من الفاتحة قرأ ما يحسنه".

فإن قلت: أليست الجماعة أحد فردي التخيير ومن المعلوم أنه لو تعذر عليه أحد فردي التخيير تعين عليه الفرد الآخر. وفي المقام تعذر عليه الصلاة فرادى مع القراء‌ة التامة تعين عليه الفرد الآخر من فردي التخيير وهو الائتمام من غير فرق بين أن يكون التعذر بسوء الاختيار أولا، فاللازم عليه حينئذ هو الائتمام سواء كان عدم تعلمه للقراء‌ة عن قصور أو تقصير.

قلت: ليست الجماعة أحد فردي التخيير لخصوص الصلاة فرادى مع القراء‌ة التامة بل هي فردة التخيير للصلاة فرادى بمراتبها. وبعبارة أوضح: كما أن الصلاة جماعة فردة التخيير للصلاة مع القراء‌ة التامة كذلك هي فردة التخيير للصلاة مع ما يحسنه من القراء‌ة فلا يتعين عليه الائتمام.

فإن قلت: أليس قد نزل قراء‌ة الامام منزلة قراء‌ة المأموم، فالمصلي جماعة لم تفت عنه القراء‌ة بل هو قار بقراء‌ة الامام، فالمتمكن من الجماعة متمكن من القراء‌ة التنزيلية فلا ينتقل تكليفه إلى المراتب الاخر.

قلت: ليس قراء‌ة الامام نازلة منزلة خصوص القراء‌ة التامة للمأموم بل قراء‌ة الامام نازلة منزلة ما يحسنه المأموم من القراء‌ة، بمعنى التنزيل هو أن كل ما كان تكليف المأموم قراء‌ة عند الصلاة الفرادى على اختلاف أحواله، فقراء‌ة الامام عند الصلاة جماعة بمنزلة قراء‌ته المكلف بها في الحالة التي هو عليها فتأمل جيدا.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن الاقوى عدم وجوب الائتمام على من لم يتعلم القراء‌ة قصورا أو تقصيرا.

المسألة الثانية: إذا كان ما يحسنه من الفاتحة مما يصدق عليه القرآن بنفسه من

٨٣

دون أن يحتاج إلى قصد القرآنية، ك‍ " إهدنا الصراط المستقيم " وأمثال ذلك، فلا إشكال في وجوب قراء‌ته. وفي التعويض عن الفائت كلام يأتي لقولهعليه‌السلام " الميسور لا يصدق بالمعسور "(١) .

وإن كان ما يحسنه مما لايصدق عليه القرآن بنفسه. بل كان قرآنيته متوقفا على القصد كالبسملة وكالحمد لله وأمثال ذلك ففي وجوب قراء‌ته أيضا مع التعويض عن الباقي أو بدونه على ما يأتي أو وجوب قراء‌ته غير ما يحسنه من الفاتحة من سائر القرآن وجهان: يشهد للاول قاعدة الميسور وللثاني خبر عبدالله بن أبي أو في قال: إن رجلا سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فماذا أصنع؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له: قل سبحان الله والحمد لله(٢) .

وجه الدلالة: هو أن هلو وجب قراء‌ة ما يحسنه من الفاتحة وإن لم يصدق عليه القرآنية بنفسه لامره بقراء‌ة الحمد لله التي هي إحدى الكلمتين اللتين علمهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إياه مع كونها بعضا من الفاتحة، بل لامره بقراء‌ة البسلمة التي يبعد عدم معرفته بها، فيظهر منه أنه لو لم يحسن من الفاتحة مايصدق عليه القرآنية بنفسه كان تكليفه قراء‌ة غير ما يحسنه من الفاتحة من سائر القرآن أو الذكر، هذا.

ولكن حيث إن الخبر عامي لم يستدل الاصحاب به في المقام وإن استند إليه بعض كان الوجه الاول أقوى، إلا إذا ثبت ارتباطية أجزاء الحمد على وجه إذا سقط بعضها بالتعذر سقط البعض الآخر الميسور، نظير ارتباطية أجزاء الوضوء، ولم يثبت هذا المعنى فقاعدة الميسور توجب تعين قراء‌ة ما يحسنه من الفاتحة

____________________

(١) عوالى اللئالي: ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٥ وفيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله " لا يترك الميسور بالمعسور ".

(٢) سنن أبي داود: ج ١ ص ٢٢٠، الرقم ٨٣٢. (*)

٨٤

ثم إن في وجوب التعويض عما لا يحسنه من الفاتحة أو الاكتفاء بما يحسنه وجهان: من أن مادل على البدلية عند تعذر الجمع يدل على اعتبار البدلية عن كل جزء من الفائت، إذ ليس المراد البدلية عن الجميع من حيث الجميع على نحو العام المجموعى البدلية عن كل جزء جزء على نحو العام الاستغراقي، فما دل على وجوب التعويض عن جميع الفاتحة عند عدم التمكن منه يدل على وجوب التعويض عن بعض الفاتحة عند عدم التمكن منه، ومن أن ظاهر قولهعليه‌السلام : إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم(١) . هو الاجتزاء بما استطاع من الفاتحة من غير تعويض، والوجه الاول لا يخلو عن قوة.

وقد يؤيد بقوله تعالى " فاقرأوا ما تيسر من القرآن "(٢) وفيه: بعد تقييد بالفاتحة، حيث إنه لم يجب من القرآن إلا الفاتحة، أو هي مع السورة في خصوص الصلاة أن غاية دلالته وجوب الفاتحة، وأين هذا من وجوب التعويض عنها؟ ولو قطع النظر عن التقييد فلا يدل على الوجوب، بداهة أنه لا يجب قراء‌ة كل ما تيسر من القرآن ولو في غير حال الصلاة، وربما يستدل له أيضا بقولهعليه‌السلام بما في العلل: (إنما أمر الناس بالقراء‌ة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا، إلى أن قال: وإنما بدأ بالحمد دون غيرها لانه جمع فيه جوامع الكلم... إلخ)(٣) . فإن ظاهره يدل على أن ماهية القراء‌ة مطلوبة في نفسها لحكمة عدم هجر القرآن وخصوصية الفاتحة لحكمة أخرى، ففقد الخصوصية لا يوجب سقوط الماهية.

وفيه نظر: فإن سقوط القيد إنما لايوجب سقوط المقيد على القول به إذا لم يكن القيد من قبيل الفصل كالايمان بالنسبة إلى الرقبة، وأما إذا كان من قبيل الجنس والفصل كالناطق بالنسبة إلى

____________________

(١) عوالى اللئالي: ج ٤ ص ٢٠٦ مع اختلاف يسير.

(٢) سورة المزمل: الآية ٢٠.

(٣) علل الشرايع: ص ٢٦٠ (*)

٨٥

الحيوان، فلا إشكال في سقوط الجنس بسقوط القيد، فتأمل جيدا.

ثم على القول بوجوب التعويض، فهل يتعين تكرار ما يحسنه من الفاتحة إلى أن يبلغ قدرها أو يتعين التعويض من غير ما يحسنه؟ وجهان: استدل للاول بأنه أقرب إلى الفائت.

وفيه نظر، إذا آيات الفاتحة متباينة وليس بعضها أقرب إلى الآخر من سائر آيات القران، مع أن مجرد الاقربية مما لا تصلح وجها. فالاقوى هو الثاني لان الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا ولقوله تعالى " فاقرأوا ما يتسر "(١) ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله... إلخ "(٢) وغير ذلك من الوجوه التي استدل بها في المقام وهي وإن لا تخلو عن نظر إلا أنه ينبغي المصير إليه.

ثم إنه بعد البناء على وجوب التعويض وليس له تكرار ما يحسنه، فهل يتعين عليه التعويض من القرآن أو يتخير بينه وبين الذكر كما هو ظاهر الشرائع(٣) والشيخ في المبسوط؟(٤) والاقوى هو الاول للنبوي " إن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله... إلخ " وصحيحة ابن سنان " لو أن رجلا دخل في الاسلام ولا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح "(٥) ولما تقدم من أن الظاهر مطلوبية القرآنية وعدم سقوطه بسقوط الخصوصية من الفاتحة، وبعد لم يظهر لنا وجه للقول بالتخيير.

ثم إنه هل يجب مساواة العوض للمعوض في الآيات والكلمات والحروف أو لا يعتبر؟ أو يعتبر في الآيات دون الحروف والكلمات؟ وجوه: من لزوم كون

____________________

(١) سورة المزمل: الآية ٢٠.

(٢) لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة وجدناها في كتاب الصلاة للشيخ الانصاري: ص ١٠٩.

(٣) شرايع الاسلام: ج ١ ص ٨١.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ١٠٦.

(٥) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٥ باب ٣ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١. (*)

٨٦

البدل مساويا للمبدل منه وإلا لم يكن بدلا ومن أن البدلية لا تقتضي المساواة في الحروف والكلمات ومن ظهور قوله تعالى " وآتيناك سبعا من المثاني "(١) هو مطلوبية سبع آيات.

والانصاف أن المسألة خالية عن الدليل، فلا يترك الاحتياط بالنسبة إلى الآيات، وأما الحروف فلا عبرة بها خصوصا مع أن التكليف بالمساواة بالحروف عسر جدا لمن لا يحسن الفاتحة، كما هو المفروض، هذا كله فيما إذا كان المتعذر بعض الفاتحة وأما إذا لم يحسن من الفاتحة شئ أصلا، فحكمه حكم ما تقدم من وجوب الابدال من سائر القرآن وإلا فمن الذكر.

ثم إنه هل يعتبر في الذكر إذا وصلت النوبة إليه أن يكون هو التسبيحات الاربع أو يكفي مطلق الذكر؟ الظاهر هوالاول لثبوت بدليته عن الفاتحة في الجملة ولوفي الاخيرتين، ولا يبعد أن يكون قولهعليه‌السلام " وإلا فاحمد الله " على اختلاف في الروايات، من حيث ذكر التهليل والتسبيح والتكبير، إشارة إلى التسبيحات الاربع.

ثم إن في كفاية الاربع أو يعتبر أثنا عشر بتكرير التسبيحات ثلاثا؟ وجهان مبنيان على كفاية الاربع في الاخيرتين وعدم كفايته، فتأمل في المقام جيدا، فإن غالب هذه الفروع مما لم يقم عليها برهان قاطع وإنما يكون إثباتها بالاستحسانات والاعتبارات(٢) .

المسألة الثالثة: هل يعتبر القراء‌ة من ظهر القلب أو يكفي القراء‌ة من المصحف؟

____________________

(١) الحجر: الآية ٨٧.

(٢) ثم إن هذه الاحكام كلها بالنسبة إلى الفاتحة وأما بالنسبة إلى السورة فلا دليل على وجوب الابدال على من لم يحسنها بل مقتضى القاعدة السقوط بلا يدل إلا إذا كان يحسن بعضها فإن قاعدة الميسور توجب لزوم راء‌ة ما يحسنه منها بلا بدل عن الفائت فتأمل " منه ". (*)

٨٧

فيه روايتان متعارضتان إحداهما: الصحيح عن الصيقل سأل الصادقعليه‌السلام : ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه قالعليه‌السلام : لا بأس بذلك(١) ثانيهما خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه موسىعليه‌السلام عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه يقرأ ويصلي قالعليه‌السلام : لا يعتد بتلك الصلاة(٢) .

وقد حمل الصحيح على النافلة الليلية بقرينة ذكر السراج، إن الغالب عدم الحاجة إلى السراج في مثل صلاة المغرب وخصوصا بعد استحباب قراء‌ة السور الطوال في صلاة الليل التي لايحفظها غالب الناس، فتأمل. وعلى كل حال لا ينبغي ترك الاحتياط بالقراء‌ة من ظهر القلب مع التمكن.

المسألة الرابعة: تجب في الفرائض قراء‌ة سور كاملة بعد الحمد، ويدل عليه عدة من الروايات(٣) ، ويسقط الوجوب في أربعة مواضع:

الاول: المرض الذي يوجب صعوبة قراء‌تها لقولهعليه‌السلام في خبر ابن سنان: يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها(٤) .

الثاني: الاستعجاب لحاجة عقلائية تفوته بقراء‌تها لقولهعليه‌السلام في صحيح الحلبي: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الاولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا(٥) . والسقوط في هذين الموضعين رخصة لا عزيمة فيجوز قراء‌تها إذا تحمل صعوبة المرض، أو رفع اليد عن حاجته لان الحكم

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٠ باب ٤١ من أبواب القراء‌ة في الصلاة ح ١

(٢) قرب الاسناد: ص ٩٠ س ١٧.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٧٤٠ باب ٧ من أبواب القراء‌ة في الصلاة ح ٤ ص ٧٤٤ الباب ١٠ منهاج ١٠ وج ٣ ص ٣٩ الباب ١٣ من أبواب اعداد الفرائض ح ٢٤.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٤ باب ٢ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٥.

(٥) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٤ باب ٢ من أباب القراء‌ة في الصلاة، ح ٢. (*)

٨٨

بالسقوط فيها إنما يكون للارفاق.

الثالث: الخوف وعدم الامن الموجب لانتقال فرضه إلى صلاة الخوف، وكذا إذا لم يوجب انتقال فرضه إلى صلاة الخوف بل يلحق بالخوف سائر أنحاء الضرورة الموجبة لسقوط سائر الواجبات، غايته أن في الصلاة لو دار الامربين ترك السورة أو جزء آخر لمكان الخوف والضرورة قدم ترك السورة لخفتها، حيث جاز تركها لمطلق الحاجة.

الرابع: ضيق الوقت، والسقوط في هذين الموضعين عزيمة لا رخصة، أما في الاول: فلان الادلة الدالة على رفع الحكم عند الضرر والضرورة تكون حاكمة على أدلة الاحكام من النفسيات والقيود، ومخصصة لها بما عدا الضرورة والضرر، وبعد التخصيص يكون فعلها زيادة مبطلة، وأما في الثاني: فإن كان الضيق على وجه لو قرأ السورة لم يدرك شيئا من الوقت حتى الركعة، فهذا مما انعقد الاجماع على سقوط السورة حينئذ، مضافا إلى دلالة بعض الاخبار من عدم جواز قراء‌ة مايفوت الوقت بقراء‌ة على أهمية الوقت وجعله في صحيحة " لا تعاد"(١) من الاركان الموجب فوات نسيانا لاعادة الصلاة.

وأما إذا أوجب قراء‌ة السورة لوقوع شئ من الصلاة خارج الوقت، فربما يستشكل حينئذ في تقديم الوقت، وجواز ترك السورة نظرا إلى أنه يكون المقام من باب التزاحم، ومن المقرر في باب التزاحم أنه لو كان لاحد المتزاحمين بدلا شرعيا أو عقليا ولم يكن للآخر بدلا كذلك، قدم مالا يكون له بدل، وانتقل التكليف عما له البدل إلى بدله، وفيما نحن فيه حيث إن للوقت بدلا وهو إدراك الركعة لقولهعليه‌السلام : من أدرك ركعة من الصلاة(٢) ... إلخ. وليس للسورة بدل،

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٧ باب ٣٠ من أبواب المواقيت، ح ٤ (*)

٨٩

فمقتضى القاعدة في باب التزاحم هو قراء‌ة السورة وانتقال التكليف بالوقت إلى بدله، كما أن قاعدة باب التزاحم تقتضي فيما لو دار الامر بين الطهارة المائية وبين إدراك الوقت التخيير أو تقديم الطهارة المائية لاهميتها، وذلك لان كلا من الطهارة المائية والوقت مما له البدل، فالقاعدة تقتضي التخيير لو لم يكن في البين أهم ومهم، هذا.

ولكن لا يخفى عليك ضعفه وذلك لانه لو وصلت النوبة إلى الترجيح بالبدلية واللابدلية، كان الامر كما ذكر، إلا أن في المقام أمرا آخرا رتبته فوق رتبة البدلية، وهو أنه من المقرر في باب التزاحم أيضا أنه لو كان أحد المتزاحمين مشروطا بالقدرة الشرعية ولم يكن الآخر مشروطا بها قدم ما لا يكون مشروطا بها على ما يكون مشروطا بها، لان غير المشروط يوجب سلب القدرة عن المشروط وقابل للتعجيز المولوي، والمانع الشرعي كالمانع العقلي وهذا بخلاف المشروط، فإنه غير صالح لسلب القدرة عن غير المشروط، إلا على وجه دائر كما حققناه في محله، والمقام يكون من هذا القبيل، أما الطهارة المائية فتقيدها بالقدرة الشرعية واضح لقوله [ تعالى ] " فلم تجدوا ماء فتيمموا "(١) حيث أخذ عدم الوجدان قيدا في الدليل لوجوب التيمم فيعلم من ذلك أن الوضوء مقيد بالوجدان لان التفصيل قاطع للشركة، وهذا بخلاف الوقت إذا لم يكن اعتباره مشروطا بالقدرة الشرعية، بل اعتباره مطلق غير مقيد إلا بما يعتبره العقل في سائر التكاليف من التمكن العقلي، لقبح التكليف بما لايطاق، ومجرد جعل البدل للوقت وكون إدراك الركعة في الوقت يقوم مقام إدراك جميع الوقت لا يوجب(٢) اشتراط الوقت

____________________

(١) سورة النساء: الآية ٤٣.

(٢) قد ذكرنا في محله أن نتيجة جعل البدل شرعا هو الاشتراط بالقدرة الشرعية، بداهة أن معنى جعل البدل هو أن وجوب المبدل ليس مطلقا بحيث يسقط بلا بدل عنه عند عدم التمكن منه، كما هو شأن الواجب المطلق بل جوبه مشروط بالتمكن منه. فلازم جعل البدل هو اشتراط المبدل بالتمكن ومعلوم أن المراد بالتمكن غير التمكن العقلي، إذ اشتراط الوجوب بالتمكن العقلي لا يختص بما إذا كان له البدل بل كل واجب يكون مشروطا بالتمكن لقبح التكليف بما لايطاق، فلو كان المبدل منه مشروطا بالقدرة العقلية كان جعل البدل مما لا معنى له، إذ مع عدم التمكن منه سقط قهرا، فلو ثبت مع ذلك وجوب أمر آخر كان ذلك واجبا آخر مستقلا لا ربط له بذلك الساقط ولا معنى لتسميته بدلا، فلازم البدلية هو تقيد المبدل بالقدرة الشرعية وحينئذ يعود الاشكال المتقدم من أن كلا من الوقت والطهارة المائية مشروطة بالقدرة الشرعية فعند الدوران لاوجه لتقديم الوقت هذا. ولكن يمكن أن يقال: إن الامر وإن كان كما ذكر من أن كلا من الوقت والطهارة المائية مشروط بالمقدرة الشرعية إلا أنه فرق بين الاشتراطين، فإن الطهارة المائية مشروط بالقدرة الشرعية في لسان الدليل بقول مطلق ولذا كل واجب غير مشروط بالقدرة يزاحمها ويقدم عليها وهذا بخلاف الوقت فإنه مشروط بالقدرة الشرعية بالنسبة إلى خصوص أفعال الصلاة ومن هنا لا يزاحم غير أفعال الصلاة الموقتة عند الدوران بل خصوص أفعال الصلاة تزاحم الوقت لاجل أنها لا بدل لها، وأما الطهارة المائية فإن حفظ وجوبها وصارت كالاجزاء أمكن أن تزاحم الوقت حينئذ وتقدم كالاجزاء على الوقت، إلا أن الشأن في حفظ وجوبها بعدما كان لها بدل. وبعبارة أخرى: إذا صارت نسبة الطهارة إلى الوقت كنسبة الاجزاء إليه كانت مقدمة على الوقت ولكن نسبتها ليست كنسبة الاجزاء حيث إن الاجزاء مما ليس لها بدل والطهارة لها يدل. والحاصل: أنه بعدما كان الوقت مشروط بالقدرة الشرعية بالنسبة إلى خصوص الصلاة ليس إلا فلا يمكن أن يزاحمه الطهارة المائية، فتأمل جيدا " منه " (*)

٩٠

بالقدرة الشرعية، بل التكليف بالوقت بعد باق على إطلاقه بالنسبة إلى القدرة الشرعية. غايته أن نزل الشارع إدراك الركعة في الوقت منزلة إدراك جميع [ الوقت ] لمن لم يدرك جميع الوقت حقيقة وأين هذا من التقييد بالقدرة. فحينئذ لا تصل النوبة إلا البدلية واللابدلية بل الوقت يقدم على الطهارة المائية، لاطلاق التكليف به، واشتراط الطهارة بالقدرة الشرعية.

فالتكليف بالوقت يصلح أن يكون تعجيزا مولويا عن الطهارة المائية دون العكس، فما يظهر من بعض الاعلام من التخيير بين الطهارة المائية وإدراك ركعة من الوقت، وبين إدراك جميع الوقت والطهارة الترابية أو تعين الهارة المائية مما لا وجه له، هذا بالنسبة إلى الطهارة المائية.

وأما بالنسبة إلى ما نحن فيه وهو السورة فالامر فيه أوضح، فإنه وإن لم يقيد

٩١

وجوب السورة بالقدرة الشرعية في لسان الدليل إلا أن من سقوطها بالاستعجال وعند كل حاجة عقلائية ولو كان دنيوية يستقاد أزيد مما إذا قيد بالقدرة الشرعية. وكيف لا يستفاد ذلك مع أن الحاجة الدنيوية تزاحم وجوب السورة وتوجب سقوطها، فما ظنك بالواجبات الشرعية خصوصا مثل الوقت الذي عد من الاركان في صحيحة " لا تعاد "(١) ولا أقل من أن يكون إدراك الوقت من جملة الحوائج العقلائية الموجبة للسقوط، وأي حاجة عقلائية أعظم من الوقت.

فإن قلت: إذا أدرجتم إدراك الوقت في مسألة الاستعجال وجعلتموه من جمله الحوائج التي يخاف فوتها كان اللازم جواز قراء‌ة السورة لما تقدم من أن السقوط للاستعجال إنما يكون على وجه الرخصة لا الغزيمة، مع أن المفروض خلافه.

قلت: حاجة إدراك الوقت إنما أوجبت سقوط الوجوب عن السورة، من المعلوم أن غير الواجب لا يزاحم الواجب والمفروض أن إدراك الوقت واجب فلا يجوز فعل السورة لانه يوجب تفويت الواجب.

فإن قلت: لو أدرجتم مسألة دوران الامر بين الطهارة المائية وإدراك الوقت أو دوران الامر بين السورة وإدراك الوقت في صغرى باب التزاحم كان اللازم هو القول بصحة الوضوء أو الصلاة مع السورة لو خالف تكليفه من ترك الوضوء والسورة، إما بالملاك وإما بالامر الترتبي على القولين في باب التزاحم. مع أنكم لا تقول بصحة الوضوء أو الصلاة عند المخالفة وإن نسب إلى بعض القول به.

قلت: تصحيح العبادة بالملاك أو بالامر الترتبي في باب التزاحم إنما هو مقصور بالتكاليف النفسية وأما التكاليف الغيرية من القيود المأخوذة في العبادة فلا يجري فيها ذلك البحث، ولا يمكن تصحيح العبادة بعد سقوط القيد لمكان

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من ابواب القبلة، ح ١. إلا أن اختار شيخنا الاستاذ في وسيلته بتقديم الطهارة المائية وذكر في وجه ذلك هو أن مادل على ترك السورة عند الاستعجال لا يصدق في الفرض لعدم تحقق الاستعجال قبل الصلاة، بل الظاهر من أدلة الاستعجال هو أنه لو عرض له في أثناء الصلاة حاجة تفوته جاز له ترك السورة، فتأمل جيدا. (*)

٩٢

المزاحمة، إذ ليس هناك تكاليف متعددة وكان لمتعلق كل تكليف ملاك يخصه كما في النفسيات، بل لم يكن هناك إلا ملاك واحد قائم بعدة أجزاء فة ذا سقط وجوب جزء ولو لمكان المزاحمة لجزء آخر أهم، كان الملاك قائما بالمركب الفاقد لذلك الجزء الواجد لذلك الجزء الاهم، فيكون المركب الواجد للجزء الساقط بالمزاحمة الفاقد للجزء الاهم خاليا عن الملاك، إذ لا طريق إلى استكشافه بعد سقوط الامر عن الجزء كما أوضحناه في محله.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن القاعدة تقتضي سقوط الطهارة المائية والسورة عند ضيق الوقت من غير فرق بين إدراك الركعة وغيره، بل لو أوجب فعل السورة أو الطهارة المائية وقوع التسليم في خارج الوقت كان اللازم سقوطهما. نعم لو زاحم الوقت ما عدا السورة والطهارة من سائر الاجزاء والشرائط كان اللازم عدم سقوط الاجزاء والشرائط وانتقال الوقت إلى بدله من إدراك الركعة لان ماله البدل يؤخر عما ليس له بدل، فلو دار الامر بين ترك الفاتحة وإدراك جميع الوقت أو فعل الفاتحة وإدراك ركعة من الوقت تعين حينئذ قراء‌ة الفاتحة، وليس له تركها لان الفاتحة ليس لها بدل بخلاف الوقت حيث إن إدراك، الركعة بدل عن الجميع، ومن المقرر في باب التزاحم تقديم مالا بدل له عما له البدل كما أن اللازم عند دوران الامر بين الطهارة المائية(١) .

والسورة هو ترك السورة، لان إدراك مصلحة الطهارة المائية من أهم الحوائج الموجبة لسقوط السورة، فتأمل فيما ذكرنا جيدا، هذا كله إذا أمكن له إدراك جميع الوقت بترك السورة. وأما إذا لم يدرك جميع الوقت على كل حال ولكن لو ترك السورة يدرك من

٩٣

الوقت أزيد مما يدركه عند فعل السورة ففي سقوط السورة حينئذ نظر، من عدم إدراك جميع الوقت على كل حال وإدراكه الركعة منه حسب الفرض فلا وجه لسقوط السورة.

ومن أن إدراك جميع الوقت ليس على وجه الارتباطية، بحيث كان إدراك الزائد على الركعة مع عدم إدراك الجميع خاليا عن المصلحة، ويكون إدراكه وعدمه سيان بن المصلحة الوقتية منتشرة في جميع الاجزاء على وجه يكون وقوع كل جزء في الوقت مطلوبا ومشتملا على المصلحة ففعل السورة يوجب تفويت الوقت عن بعض الاجزاء وهذا هو الاقوى.

وعلى كل حال قد عرفت أنه لا يجوز قراء‌ة ما يفوت الوقت بقراء‌ته ويدل عليه مضافا إلى أن القاعدة تقتضيه قول الصادقعليه‌السلام في خبر أبي بكر الحضرمي: " لا تقرأ شيئا من ال‍ (حم) "(١) وخبر عامر: " من قرأ شيئا من ال‍ (حم) في صلاة الفجر فاته الوقت "(٢) .

ومعلوم أن قولهعليه‌السلام " فاته الوقت " إنما هو لبيان الحكم الشرعي بمقدمة مطوية معلومة عند المخاطب، وهي عدم جواز تفويت الوقت لا أنه في مقام بيان الامر العادي، فإنه لا يناسب منصب الامامعليه‌السلام ، فلو أقر ما فات الوقت بقراء‌ة عن علم وعمد بطلت صلاته، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به. ولا يتوقف القول بالبطلان على مسألة الضد كما يوهمه بعض العبائر، بداهة أن نتيجة النهي عن قراء‌ة ما يفوت الوقت به هو البطلان.

كما هو الشأن في سائر النواهي المتعلقة بالقيود، فإنه يوجب تخصيص القيدية بما عدا مورد النهي ويكون المأمور به الصلاة بلا سورة أومع سورة قصيرة، فالصلاة مع السورة الطويلة المفوتة

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٤ باب ٤٤ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٣ باب ٤٤ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١. (*)

٩٤

للوقت تكون مغايرا للمأمور به ولا ينطبق المأمور به عليها، بل لو لم يرد نهي في المقام لكانت القاعدة تقتضي البطلان أيضا، لمكان المزاحمة للوقت الذي قد عرفت أهميته، وأن المزاحمة في باب القيود تقتضي سقوط غير الاهم خطابا وملاكا.

ولا يمكن تصحيحه بالملاك وليس كباب النفسيات، فالبطلان فيام نحن فيه لا يتوقف على مسألة لاضد الممنوعة عندنا، بل الاقوى البطلان بمجرد الشروع فيها لانها زيادة عمدية مبطلة، بل لو كان من نيته قراء‌ة ما يفوت الوقت به من أول الامر لم تنعقد صلاته من رأس، لانه يكون من نية المبطل.

ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان الصلاة بقراء‌ة ما يفوت الوقت به إذا كان عن عمد وعلم بين الركعة الاولى والركعة الثانية ومجرد إدراكه الركعة الاولى لا يوجب صحة الصلاة بعد ما كان غير مامور بالسورة لادراك جميع الوقت أو الزائد عن الركعة فتكون السورة زيادة مبطلة على كل حال، هذا كله في صورة العمد والعلم بعدم سعة الوقت.

وأما لو قرأ ما يفوت الوقت به عن سهو وغفلة، فإن تذكر قبل خروج الوقت لزمه المبادرة إلى قطعها وقراء‌ة سورة قصيرة إن وسع الوقت لها، وإلا صلى بلا سورة وكا ن ما قرأه في حال الغفلة زيادة مغتفرة، وإن تذكر بعد خروج الوقت. فإن كان ذلك في الركعة الاولى بحيث لم يدرك ركعة من الوقت بطلت صلاته، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به لانه كان مأمورا بالصلاة الادائية، حيث كان الوقت واسعا لها ولم تحصل له لعدم إدراكه بقراء‌ة ما فات الوقت به والامر القضائي ما كان متوجها عليه فلا موجب لصحة صلاته.

ودعوى أن الامر القضائي وإن لم يكن متوجها عليه من أول الصلاة لبقاء الوقت بعد حسب الفرض إلا أنه توجه عليه من حين خروج الوقت فتكون صلاته مركبة من أداء وقضاء بعيدة جدا، فتأمل.

٩٥

وإن كان تذكره بعد خروج الوقت في الركعة الثانية بحيث أدراك ركعة من الوقت فالاقوى صحة صلاته حينئذ لادراكه الوقت بالركعة الاولى، ولكن لا يعتد بالسورة التي أوجب قراء‌تها فوات الوقت من الركعة الثانية، بل يجب عليه استئناف سورة اخرى للركعة الثانية لانه ما قرأها من السورة لم تكن مأمورا بها لايجابها تفويت الوقت.

وإن كان فعلها مغتفرا لاجل الغفلة، إلا أن اغتفار فعلها لايوجب الاعتداد بها بعد ما لم تكن مأمورا بها فلابد من قراء‌ة سورة اخرى للركعة الثانية من غير فرق بين أن يكون تذكره في أثناء السورة التي أوجبت فوات الوقت أو بعد إكمالها، بل لو تذكر في أثنائها لزمه القطع لان إكمالها يكون زيادة عمدية إلا إذا أتمها بقصد القرآنية، فإنه لابأس به حينئذ، بل جعل شيخنا الاستاذ - مد ظله - في وسيلته الاتمام بقصد القرانية أحوط. وبعد لم يظهر لنا وجه هذا الاحتياط إلا أن يكون ذلك خروجا عن خلاف من قال بالاعتداد بتلك السورة المفوتة للوقت.

المسألة الخامسة: لا يتوقف سقوط السورة أو الطهارة المائية على العلم بضيق الوقت بل يكفي فيه الوثوق والاطمئنان، بل يكفي فيه مجرد الاحتمال المثير للخوف. فيجب عليه ترك السورة عند خوف الضيق إلا إذا كان هناك استصحاب يوجب رفع أثر الخوف.

وتفصيل ذلك هو أنه تارة يعلم مقدار الوقت الباقي وأنه ربع ساعة مثلا ولكن يشك في سعة ذلك المقدار من الوقت للصلاة، وأخرى لا يعلم مقدار ما بقي من الوقت وأنه ربع ساعة أو نصف ساعة.

فإن كان يعلم مقدار ما بقي من الوقت ويشك في سعته للصلاة ففي مثل هذا لا إشكال في سقوط السورة والطهارة المائية، إذا لا يجري فيه استصحاب الوقت بداهة أنه يعلم مقدار الباقي من الوقت وإنما كان شكه في سعته للصلاة فلا مساس لاستصحاب الوقت حينئذ، بل مقتضى

٩٦

الاستصحاب عدم وقوع الصلاة في ذلك المقدار من الوقت. وأما إذا لم يعلم مقدار ما بقي من الوقت وأنه ربع ساعة أو نصف ساعة ففي مثل هذا استصحاب بقاء الوقت يجري بلا إشكال(١) ويلزمه قراء‌ة السورة والطهارة المائية.

فإن قلت: هب أن استصحاب بقاء الوقت يجري إلا أن ذلك لا يوجب زوال الخوف الذي هو من الامور الوجدانية، كما أن استصحاب عدم المرض لايوجب زوال الخوف المجوز للافطار في باب الصوم أو الانتقال إلى التيمم في باب الوضوء والغسل، فإذا لم يرفع الاستصحاب صفة الخوف فلا موجب لجواز قراء‌ة السورة أو الطهارة المائية، مع أنه أخذ في موضوعهما عدم خوف الضيق قلت: استصحاب بقاء الوقت وإن لم يوجب رفع نفس الخوف إلا أنه رفع أثره من سقوط السورة والطهارة.

بداهة أنه بعد حكم الشارع ببقاء الوقت الراجع إلى أنه يسع صلاتك وتنطبق على ما بقي من الوقت يكون الموضوع للتكليف محرزا بمقتضى التعبد، إذ الموضوع للتكليف ليس إلا إيجاد الصلاة في قطعة من الوقت الذي يسعها، وهذا المعنى يحرز بالاستصحاب، فلا أثر للخوف حينئذ، وليس المقام كاستصحاب عدم المرض في باب الصوم إذا العبرة في باب الصوم هو أن لا يكون الصوم مضرا وهذا ليس مجرى الاستصحاب لعدم الحالة السابقة، واستصحاب عدم المرض لا يثبت عدم مضرية الصوم.

فتأمل فإن في باب الصوم يمكن أن يقال بأخذ الخوف موضوعا، لكن إذا كان الخوف عن منشأ عقلائي، ولذا لو قامت البينة على عدم مضرية الصوم لم يجز الافطار مع بقاء احتمال الضرر المثير للخوف، وليس ذلك إلا لكون الخوف حينئذ لم يكن عقلائيا، وهذا

____________________

(١) لكن قد ذكرنا في مبحث الاصول أن استصحاب بقاء الزمان والوقت وإن كان يجري إلا أنه لا يثبت الظرفية من كون الصلاة وقعت في الوقت فراجع وتأمل " منه ". (*)

٩٧

بخلاف سقوط السورة عند خوف ضيق الوقت، فإنه لم يؤخذ في لسان دليل أصلا، وإنما قلنا بالسقوط به لاجل أن الاقتصار على العلم أو البينة يوجب التعسر والوقوع في خلاف الواقع كثيرا، فإذا ثبت بالاستصحاب بقاء الوقت وسعته للصلاة فلا موجب حينئذ للخوف ولا أثر له، إلا أن يقوم دليل على أن صفة الخوف بما هو هو موجب للسقوط، فتأمل جيدا.

المسألة السادسة: لا يجوز قراء‌ة شئ من العزائم في الفريضة. ويدل عليه مضافا إلى الاجماع عدة من الاخبار: منها: حسنة زرارة عن أحدهما: لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة(١) . وفي كتاب علي بن جعفر سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قالعليه‌السلام : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع، وذلك زيادة في الفريضة. ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة(٢) . ومنها عدة روايات اخر ظاهرة الدلالة في المنع عن قراء‌ة العزائم في الفريضة، فلا إشكال في الحكم، وإنما الكلام يقع في امور: الاول: في دلالة النهي على الفساد.

وقد تكرر منا الكلام في أن الاصل في النهي وإن كان هو الحرمة التكليفية إلا أن في خصوص المركبات يكون النهي فيها لبيان المانعية كما أن الامر فيها إنما يكون لبيان الجزئية والشرطية، فحينئذ النهي بنفسه يدل على الفساد ومانعية قراء‌ة العزائم، فلا حاجة إلى استفادة الفساد من أن النهي عن جزء العبادة يوجب تضييق دائرة المكلف به وتقييده بما عدا

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٧٩ باب ٤٠ من أبواب القراء‌ة في الصلاة. ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٨٠ باب ٤٠ من ابواب القراء‌ة في الصلاة، ح ٤. (*)

٩٨

المشتمل على ذلك الجزء المنهي عنه، بداهة أنه لا يمكن بقاء المكلف به على إطلاقه مع النهي عن جزئه لاجتماع الامر والنهي بذلك الجزء وهو محال، فالنهي عن الجزء لا محالة يوجب تقييد المأمور به بما عداه، وحينئذ لو اقتصر على قراء‌ة السورة العزيمة يلزم النقصان وخلو الصلاة عن السورة، ولو قرأ غيرها أيضا يلزم الزيادة العمدية وعلى كلا التقديرين تبطل الصلاة أما في صورة النقصان فواضح.

وأما في صورة الزيادة فلان الزيادة المباحة العمدية تكون موجبة للبطلان إذا أتى بها بقصد الجزئية، فما ظنك بالزيادة المحرمة العمدية، مضافا إلى أنه يستلزم القران حينئذ وهو موجب آخر للبطلان هذا.

ولكن يمكن أن يقال: إن القران بين السورتين على تقدير كونه مبطلا كما سيأتي الكلام في ذلك فإنما هو القران بين السورتين الكاملتين لابين سورة وبعض من سورة، والمدعى في المقام هو بطلان الصلاة ولو بقراء‌ة بعض من السور العزائم، وأما ما ذكر من أن النهي عن الجزء يوجب تضييق دائرة المأمور به وتقييده بما عداه فهو حق، إلا أنه قد عرفت أنه لا حاجة إلى ذلك بعدما كان مفاد النهي في المقام هو الفساد بمدلوله الاولي، مع أنه يمكن أن يقال: إن التقييد بما عدا الجزء المنهي عنه لا يستلزم البطلان مطلقا فإنه لو قرأ العزيمة لا بقصد الجزئية بل بقصد القرآنية وقرأ سورة أخرى أيضا كان اللازم عدم بطلان الصلاة حينئذ وإن فعل محرما، لعدم الاخلال بأجزاء الصلاة حيث قرأ سورة اخرى وعدم الزيادة العمدية أيضا(١) ، إذ لم يقرأ العزيمة بقصد الجزئية حتى يوجب الزيادة، وهذا بخلاف ما إذا قلنا: بأن المستفاد من النهي مانعية قراء‌ة العزيمة فالبطلان حينئذ لا يتوقف

____________________

(١) ولكن يمكن أن يقال: إنه وإن لم يقصد الزيادة حينئذ إلا أنه بعد ما كان قراء‌ة العزيمة محرمة ولو بقصد القرآنية كان قراء‌تها حينئذ ملحقا حكما بكلام الآدمي فتبطل من هذه الجهة. " منه ".

٩٩

على قصد الجزئية بل يكون حاله حال سائر الموانع.

الامر الثاني: في معنى قولهعليه‌السلام : " فإن السجود زيادة في المكتوبة "(١) وربما يستشكل في معناه فإن التعليل بظاهره لا يستقيم، إذ لو كان العلة في المنع عن قراء‌ة العزيمة هو استلزامه زيادة السجدة كان اللازم عدم الحكم بالبطلان بمحض قراء‌ة العزيمة. إذ بعد لم يتحقق السجدة الزائدة المستلزمة للبطلان، بل لو فرض عدم فعله السجدة ولو عصيانا كان اللازم الحكم بصحة الصلاة، لعدم فعله الزيادة المبطلة، بل لو كان قراء‌ة العزيمة بنفسها غير مبطل. وكان البطلان دائرا مدار السجدة كان اللازم هو عدم السجدة وانتقال التكليف إلى الايماء أو القضاء بعد الصلاة، كما في صورة السهو أو الاستماع والسماع كمايأتي.

وبالجملة: التعليل بظاهره لايستقيم إلا أن يقال: إن التعليل إنما هو بيان حكمة التشريع لا علة الحكم فيكون المعنى حينئذ أنه لا يقرأ شيئا من العزائم ويكون قراء‌ته ذلك من الموانع المبطلة للصلاة، كما استظهرناه من أن النهي في باب المركبات لبيان المانعية، والحكمة في جعل قراء‌ة العزيمة مانعا هو أنه يقع المكلف في أحد المحذورين إما من ترك السجدة الواجبة عليه عند قراء‌ة العزيمة، وإما من فعله الزيادة إذا سجد، وحيث إن أحد هذين الامرين كان محذورا عند الشارع فصار ذلك حكمة لتشريع الحكم وجعل مانعية قراء‌ة العزائم.

والحاصل: أنه بناء على أن يكون قولهعليه‌السلام : " فإن السجود زيادة في المكتوبة " حكمة لتشريع المانعية لا علة الحكم يستقيم التعليل. وأما بناء على كونه علة الحكم فقد يتكلف في توجيهه بما حاصله: أن قراء‌ة العزيمة تكون علةوسببا لحكم الشارع بالسجدة الزائدة المبطلة ولايمكن الامر

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٧٩ باب ٤٠ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، ح ١. (*)

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400