الأوزان والمقادير

الأوزان والمقادير 33%

الأوزان والمقادير مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 170

الأوزان والمقادير
  • البداية
  • السابق
  • 170 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115475 / تحميل: 8504
الحجم الحجم الحجم
الأوزان والمقادير

الأوزان والمقادير

مؤلف:
العربية

الاوزان والمقادير

مباحث استدلالية قيمة

تشتمل على كل ما يحتاجه الفقيه منها

تأليف: الشيخ ابراهيم سليمان العاملي البياضي الطبعة الاولى سنة ١٣٨١ ه‍ ١٩٦٢ م

١

شرعت في جمعها في رجب الحرام سنة ١٣٥٦ ه‍ وفرغت منها في ٢٢ جمادي الاولى سنة ١٣٦١ ه‍ في جبل عامل واضفت اليها اشياء قبل الطبع سنة ١٣٨١ ه‍

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.

وبعد لما رأيت حاجة الفقيه شديدة إلى معرفة قسم كبير من الاوزان والمقادير في أبواب نصب الزكاة للذهب والفضة، وتقدير الفطرة، ومبحث الكر الذي لا ينجسه شيئ، وتقدير المسافة، ومهر السنة، وحنوط الميت، ودية قتل النفس، وماء الوضوء والغسل، ومئة العقد، والكفارات ككفارة الافطار في شهر رمضان أو في قضائه، أو تأخير الصيام، أو الحنث في العهد وأخويه، او الظهار، او قتل الخطأ، أو الوطئ اول الحيض أو وسطه أو آخره، إلى غير ذلك لما رأيت ذلك جمعت من كتب الفقهاء ومن كتب غيرهم ومن ألسنة العارفين، هذا المقدار من الاوزان والمقادير، ورتبته على الحروف الهجائية تسهيلا على القارئ، وشرحته شرحا جيدا وأوضحته بمقدار جهدي.

ولم اكتف بما نص عليه هؤلاء، بل اخترت ثلاث شعيرات من تسع شعيرات وبنيت عليها الاوزان الشرعية من الدراهم والمثاقيل، واخترت ثلاث قمحات من تسع وبنيت عليها الاوزان العرفية (الصيرفية) من الدراهم والمثاقيل، في موازين في منتهى الدقة، فكان عندي من سدس الدرهم فما فوق ومن سدس المثقال فما فوق، أوزان شرعية وعرفية كثيرة، فكنت اضيف إلى النص شهادة العيان، حتى انتظم ذلك كله في رسالة نادرة الدقة، جيدة السبك، كثيرة التحقيق والتدقيق، مشتملة على كثير من بيان أغلاط المتقدمين والمتأخرين.

وهذا المبحث وإن طرقه غيري من الفقهاء كما ستعرف في مطاوي هذه المقادير وفي الفهرست، إلا أن جميع من طرقه لم يستوف البحث فيه تمام الاستيفاء،

٣

خصوصا في تطبيقه على الاوزان العرفية، ومن استوفاه في الجملة لم يستدل على المقادير الشرعية بالادلة المحررة في كتب الاصحاب، مضافا إلى ما وقع لكل منهم من بعض الاغلاط في بعض الاوزان كالاقة الاسلامبولية وكثير غيرها كما ستعرف ان شاء الله تعالى.

وانت بعد الاحاطة بما ذكرت يمكنك ان تحسب كل ما تريده بنفسك مما اهملت ذكره في كتابي هذا.

فلا يستعصي عليك حساب المسافة مثلا بالاميال: الانكليزية، والبحرية، والعقد، بعد معرفتك هذه المقادير، ومعرفتك مقدار المسافة بالامتار وباليرد وهكذا.

والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.

ابراهيم سليمان

٤

تنبيهات هامة

رأيت أنه لابد لي من ذكر هذه التنبيهات قبل الشروع بمعالجة مواضيع الكتاب لشدة علاقتها بمواضيعه ولمساسها الاكيد بها إذ ترافقها من الف الكتاب ليائه:

١ الاعداد وما بعدها: ما بعد الثلاثة إلى العشرة يكون جمعا مجرورا بالاضافة، والعدد نفسه يذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر، تقول: ثلاثة رجال، وثلاث نساء الخ وما بعد الاحد عشر واخواتها ينصب على التمييز، ويكون مفردا، وجزآ: أحد عشر يذكران مع المذكر، ويؤنثان مع المؤنث، وكذلك جزأ: اثني عشر واما الثلاثة عشر إلى التسعة عشر فأجزاؤها الاولى تؤنث مع المذكر وتذكر مع المؤنث، واجزاؤها الثانية تذكر مع المذكر وتؤنث مع المؤنث، وهذا جدول لكل ما ذكرناه: أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة إثنا عشر رجلا واثنتا عشرة امرأة. ثلاثة عشر رجلا وثلاث عشرة امرأة اربعة عشر رجلا واربع عشرة امراة. خمسة عشر رجلا وخمس عشرة امراة ستة عشر رجلا وست عشرة امرأة. سبعة عشر رجلا وسبع عشرة امراة ثمانية عشر رجلا وثماني عشرة امراة. تسعة عشر رجلا وتسع عشرة امراة وهذه الاعداد كلها مبنية على الفتح الا اثني عشر واثنتي عشرة فان صدرهما يعرب إعراب المثنى بالالف رفعا، وبالياء نصبا وجرا، وعجزهما يبنى على الفتح في محل جر بالاضافة، وقيل: لا محل له من الاعراب، لانه واقع موقع النون من المثنى، وليس الصدر مضافا إلى العجز قطعا، إه‍. ولو لم يكن الصدر مضافا إلى العجز لما حذفت النون.

٥

وما بعد العشرين إلى التسعين ينصب على التمييز ويكون مفردا، مثل: عشرون رجلا وثلاثون امراة.

وما بعد المئة يكون مجرورا باضافتها، نحو: مئة رجل، مئتا رجل، ثلاث مئة رجل وكذلك مابعد الالف والالفين إلى المئة الف وكذلك ما بعد المئة الف، والمليون، والمليار الخ.

٢ كتابة المئة المئة تكتب بالالف، وتلفظ بغير الف (المائة) وأنا آثرت كتابتها مع مشتقاتها كما تلفظ رفعا للاشتباه، وخروجا على هذا القانون الاعوج الذي ابتكره من لا يعرف الاملاء، فصار حتى بعض العارفين يلفظها بفتح الميم والمد لانها كتبت بالالف.. وحيث وضعوا الهمزة على ياء، فكثيرا ما يحذف الناس الهمزة ويفتحون الميم ويقولون: خمسماية قرش. وانما هي خمس مئة قرش

٣ حكم ثمان الثمانية للمذكر، والثمان للمؤنث، تقول: ثمانية رجال وثماني نسوة، ثمانية عشر رجلا وثماني عشرة امرأة. والثمان المؤنثه إذا اضفتها قلت: ثماني نسوة، وثماني عشرة امرأة وثماني مئة، باثبات الياء في الاضافة، كما تقول: قاضي عبدالله، فاذا لم تضفها تسقط الياء مع التنوين عند الرفع الجر، وتثبت عند النصب، لانه ليس بجمع حتى يجري مجرى جوار وسوار في ترك الصرف (جمع جارية وسارية) فتقول: هذه ثمان وعددت ثماني، وضربت بثمان.

اما عند الاضافة فتثبت الياء في الحالات الثلاث تقول: هذه ثماني نسوة، ورايت ثماني نسوة، وبلغت ثماني عشرة سنة، ومررت بثماني نسوة، وبثماني عشرة امراة، وبثماني مئة امراة.

٦

٤ الذراع: الذراع مؤنث، فيقال: الثوب ثمان اذرع، اعطيته ثماني اذرع، وزاد الثوب عن ثماني اذرع.

وفي مختار الصحاح: ذراع اليد يذكر ويؤنث. وقولهم الثوب سبع في ثمانية انما قالوا سبع لان الاذرع مؤنثة. وقال سيبويه: الذراع مؤنثة، وجمعها اذرع لا غير. وإنما قالوا ثمانية لان الاشبار مذكرة، إه‍.

ومرادهم بالذراع المؤنث، او الذي يؤنث ويذكر، ذراع اليد دون بقية الاذرع. والله العالم.

٥ يقال ٢ / ١ نصف ٣ / ١ ثلث ٤ / ١ ربع ٥ / ١ خمس ٦ / ١ سدس ٧ / ١ سبع ٨ / ١ ثمن ٩ / ١ تسع ١٠ / ١ عشر الخ. ٥ / ٢ خمسان ١٠ / ٧ سبعة اعشار ٢٠ / ٣ ثلاثة اجزاء من عشرين جزء‌ا، وهكذا..

٦ ذكر مواهب فاخوري في آخر مفكرته لسنة ١٩٦٢ جدولا لتحويل مقاييس الطول والمساحة والحجوم الانكليزية إلى مترية، وهو: لكي تحول: إلى: إضرب في: الاينش سنتيمتر ٥٤٠٠٠، ٢ القدم متر ٣٠٤٨٠، ٠ اليارد متر ٩١٤٤٠، ٠ الميل كيلو متر ٦٠٩٣٠، ١ الاينش المربع سنتميتر مربع ٤٥١٦، ٦ القدم المربع متر مربع ٠٩٢٩٠٣، ٠

٧

اليارد المربع متر مربع ٨٣٦١٢، ٠ اليارد المربع آر ٠٠٨٣٦١٢، ٠ الفدان هكتار ٤٠٤٦٨، ٠ المتر المربع ذراع مربع ٧٧٧، ١ الميل المربع هكتار ٠٠، ٢٥٩ الميل المربع كيلو متر مربع ٥٩، ٢ الاينش المكعب سنتميتر مكعب ٣٨٧، ١٦ القدم المكعب متر مكعب ٠٢٨٣١٧، ٠ اليارد المكعب متر مكعب ٧٦٤٥٥، ٠ الباينت ليتر ٥٦٨٢٥، ٠ الغالون ليتر ٥٤٦٠، ٤ الغالون متر مكعب ٠٠٤٥٤٦١، ٠ القدم المكعب ليتر ٣١٦، ٢٨ الاونس غرام ٣٥٠، ٢٨ الباوند كيلو غرام ٤٥٣٥٩، ٠ وكثير من هذه الاعداد لم نتحققه

٨

الآر

هو وحدة أساسية لمقاييس الاراضي، ويساوي مئة متر مربع. وكل مئة آر تساوي هكتارا أي عشرة آلاف متر مربع وقد يسمى المتر المربع سنتيارا اي جزء‌ا من مئة جزء من الآر. وقد نص على ذلك جميع مؤلفي الكتب الحديثة في الحساب للمدارس الابتدائية.

الاستار

من الاوزان القديمة، بكسر الهمزة، ثم السين المهملة الساكنة ثم التاء المثناة من فوق ثم الالف، ثم الراء المهملة.

وهو أربعة وعشرون مثقالا شرعيا كما نص عليه العلامة السيد عدنان شبر في رسالة الاوزان.

وهو ثمانية عشر مثقالا صيرفيا كما في الرسالة المذكورة، وهو كذلك لان المثقال الشرعي ثلاثة ارباع الصيرفي بلا خلاف كما ستعرف إن شاء الله تعالى، ومنه يظهر النظر في كلام القاموس حيث قال: والاستار بالكسر في العدد أربعة، وفي الزنة أربعة مثاقيل ونصف الخ.

ونص على ذلك في مكك فقال: والاستار أربعة مثاقيل ونصف، وهو غريب، او هو محمول على مثقال مستحدث في زمانه. وفي مختار الصحاح جعل الاوقية استارا وثلثا. وكيف كان، فقد انقرض هذا الوزن الآن، والله العالم.

الاصبع

هي الاصبع المتعارفة من معتدلي الخلقة، وتقدر كل اصبع بعرض سبع شعيرات، بطن كل واحدة إلى ظهر الاخرى من اواسط الشعير كما ستعرف في مبحث حبة الشعير ان شاء الله تعالى.

٩

الاقة الاسلامبولية

هي التي عليها مدار الوزن اليوم (سنة ١٣٦١) في سوريا ولبنان والعراق وغيرها وتسمى في العراق (بالحقة العطاري) وهي اربع مئة درهم صيرفي كما نص عليه العلامتان السيد عدنان شبر في رسالته في الاوزان، والسيد محسن الامين في مواضع من رسالته الدرة البهية. وكما هو معلوم عند التجار بأجمعهم. بل هو من البديهيات عند عموم اهالي سوريا ولبنان وغيرهما. وهي اربع أواق عند العراقيين لانهم يعبرون عن ربع الاقة بالاوقية. وهي ست اواق عند السوريين واللبنانيين. وهذا لا شبهة فيه عند احد من الناس. وهي ثلاث مئة وخمسة وخمسون مثقالا شرعيا ونصف مثقال شرعي واربع حبات متعارفة كما في الدرة البهية ص ٢٦ وص ٣١ ويريد بالحبة المتعارفة القمحة (حبة القمح اي حبة الحنطة) وهو كذلك، لان الاقة ٢٦٦ مثقالا صيرفيا وثلثان على ما هو الصحيح كما ستعرف، ولان المثقال الصيرفي هو مثقال شرعي وثلث بلا خلاف، فاذا ضربنا المثاقيل الصيرفية في ٩٦ قمحة، وهو مقدار المثقال الصيرفي عنده وعند غيره ثم قسمنا الحاصل على ٧٢ قمحة، وهو مقدار المثقال الشرعي، تكون النتيجة كما يقول. وهذه عملية ذلك: فالاقة ٣٥٥ مثقالا شرعيا ونصف و ٤ قمحات

١٠

وهي أي الاقة الاسلامبولية مئتان وثمانون مثقالا صيرفيا كما نص عليه في مبحث الكر ومبحث الزكاة ومبحث زكاة الفطرة من العروة الوثقى، وحاشيتها للمحقق النائيني، وكما في مبحث الكر من سفينة النجاة للعلامة الشيخ احمد كاشف الغطاء (ص ٦٠) وكما في هذا المبحث من وسيلة النجاة للمحقق النائيني (ص يه) ووسيلة النجاة الجامعة لابواب الفقه له ايضا (ص ٩) وأمضاه سيدنا الاستاذ المحقق السيد محسن الحكيم مد ظله في حاشيته عليها، ونص عليه في منهاج الصالحين (ص ١٢ وص ٢٤٣) وكما في زكاة وسيلة النجاة الصغيرة للفقيه السيد ابوالحسن الاصفهاني (ص ٨٥) لكن ستعرف في مبحث المثقال الصيرفي والدرهم الصيرفي أنها مئتان وستة وستون مثقالا صيرفيا وثلثا المثقال، وأن هذا هو التحقيق، وقد نقل عن المحقق الثاني انه قال: الظاهر ان المثقال المستعمل على ألسنة الناس درهم ونصف، إه‍.

وإذا كان المثقال الصيرفي درهما ونصف درهم كانت الاقة مئتين وستة وستين مثقالا صيرفيا وثلثي المثقال، لانها اربع مئة درهم كما عرفت، وقد نبه إلى انها تزن هذا المقدار بالمثاقيل الصيرفية العلامة السيد محسن الامين في الدرة البهية (ص ٢٧) معترضا على تحديد بعض المعاصرين لها بما عرفت، وقد نبه إلى ذلك في حلية الطلاب (ص ٥٣) فقال: (٢٤) قيراطا أو درهم ونصف هي مثقال يعني صيرفي، ونبه اليه في المنجد فقال: المثقال عرفا يساوي درهما ونصف درهم.

وقد اختبرت ذلك بنفسي فأخذت أربعا وعشرين حبة حنطة، وهي ربع مثقال صيرفي، ووزنت بمقدارها مئتين وستا وستين مرة، ثم وضعت مع هذا الموزون ١٦ حبة ايضا (وهي ثلثا الاربع والعشرين) ووزنت ذلك كله في مقابل العيار الاسلامبولي، فبلغ ربع أقة اسلامبولية تماما.

وستعرف في مبحث المثقال الصيرفي ان الاربع والعشرين حبة حنطة هي ربع مثقال صيرفي، وستعرف في مبحث القيراط ان كل أربع حبات حنطة تزن مقدار حمصة. فالمثقال الصيرفي اربع وعشرون حمصة. فلا اشكال بعد العيان. وحيث ان الدرهم ست عشرة حمصة. اعني هو ثلثا المثقال يكون هذا المقدار

١١

الذي وزناه (وهو مئتان وست وستون وثلثان من الحب الحنطة) ربع أقة ايضا، لانها ستة آلاف واربع مئة حبة قمح فاذا قسمناها على ٦٤ حبة وهو وزن الدرهم يكون الخارج مئة درهم، وهو ربع أقة ايضا فينضبط وزن الاقة بالدراهم والمثاقيل كما هو واضح.

تنبيه

قال في زكاة الجواهر ما لفظه: وأما عيار العطار في النجف فقد اعتبرناه (يعني في سنة ١٢٣٩) فكان ربع الوقية فيه تسعة عشر مثقالا صيرفيا، انتهى.

ويريد بعيار العطار العيار الاسلامبولي، فالاوقية، وهي ربع الاقة عند العراقيين، تكون على هذا ستة وسبعين مثقالا، والاقة ثلاث مئة واربعة مثاقيل صيرفية، وهذا لم يقله أحد، والظاهر أن الاقه كانت في زمانه غير هذه الاقة كما ستعرف في مبحث (الحقة البقالي)، ومثله ما في رسالة التحقيق والتنقير لكاشف الغطاء حيث جعل الاوقية النجفية العطارية خمسة وسبعين مثقالا صيرفيا، فتكون الاقة ثلاث مئة مثقال صيرفي، والفرق بينه وبين ما في زكاة الجواهر اربعة مثاقيل، والظاهر ان هذا عيار مخصوص كان في زمانهما.

والاقة الاسلامبولية هي ألف ومئتان واثنان وثمانون غراما كما في حلية الطلاب (ص ١٣) وهذا غلط، لان الاوقية هي (٢١٣) غراما وثلث غرام كما ستعرف في مبحث الاوقية على الدقة، فالاقة هي ألف ومئتان وثمانون غراما (راجع تفصيل ذلك في مبحث الاوقية ومبحث الكيلو) فانه لا ينبغي الاشكال فيه، وهذه عملية ضرب الاوقية في ٦ لان الاقة ست أواق، عند اللبنانيين، وهو

١٢

لبناني

فالكيلو هو أربع أواق ونصف و ١٢ درهما ونصف كما ستعرف في مبحث الكيلو بالحساب والاختبار فهو ثلاثة ارباع الاقة و ١٢ درهما صيرفيا ونصف درهم تماما.

الاينش

مقياس انكليزي، وهو البوصة كما نص في الحساب المتوسط (ج ٢ ص ١٣) فهو جزء من ٣٦ جزء‌ا من اليرد. أي أن كل ٣٦ إينشا يرد واحد، كما رأيت في مفكرة مواهب فاخوري المبنية على تمام الدقة، وكما علمت من رؤية اليرد نفسه. والاينش طوله ٢٥ مليمترا تقريبا (اي سنتيمتران ونصف) كما في المفكرة المذكورة إذ قال فيها: الاثنا عشر إينشا هي ٣٠ سانتيمترا و ٥ مليمترات. والستة والثلاثون إينشا، يرد واحد أي ٩١ سنتيمترا و ٤ أعشار السنتيمتر، إه‍. والصحيح ان الاينش طوله ٢٥ مليمترا و ٤١ جزء‌ا وثلثا الجزء من مئة جزء من المليمتر تماما، كما يظهر من قسمة ٩١٥٠٠ مليمتر، وهو مقدار اليرد، على ٣٦ إينشا ومن الغريب أنه ذكر في آخر مفكرته الجديدة (لسنة ١٩٦٢) ان مقدار الاينش ٥٤٠٠ و ٢ سنتيمتر، وهذا يدل على أنه ٢٥ مليمترا واربعة اعشار المليمتر، فهو هنا يناقض نفسه هناك. على أن حسابه للاثني عشر إينشا، والستة والثلاثين إينشا، يدل على الزيادة عن ٢٥ مليمترا كما يظهر واضحا لمن قسم هذه المقادير التي ذكرها على ١٢ وعلى ٣٦

١٣

الاوقية الاسلامبولية

هي سدس الاقة الاسلامبولية عند اللبنانين والسوريين، وربعها عند العراقيين، كما عرفت في مبحت الاقة بلا ريب.

فهي عند العراقيين مئة درهم صيرفي، وعند اللبنانيين والسوريين ستة وستون درهما صيرفيا وثلثا الدرهم الصيرفي، لانها سدس الاقة، والاقة اربع مئة درهم بلا ريب.

وهي عند العراقيين ثمانية وثمانون مثقالا شرعيا وسبعة اثمان المثقال الشرعي وحبة واحدة متعارفة كما في الدرة البهية لان الاقة الاسلامبولية هي ثلاث مئة وخمسة وخمسون مثقالا شرعيا ونصف مثقال شرعي واربع حبات متعارفة كما عرفت في مبحث الاقة، والاوقية عندهم ربع الاقة.

وهي عند اللبنانيين والسوريين تسعة وخمسون مثقالا شرعيا وربع مثقال شرعي، وثلثا حبة متعارفة كما في الدرة البهية (ص ٢٧)، وهو كذلك لانها سدس الاقة كما عرفت، ويريد بالحبة القمحة.

وهي عند العراقيين ستة وستون مثقالا صيرفيا ونصف المثقال وسدس المثقال اي وثلثا المثقال، بناء على ما حققناه من كون الاقة مئتين وستة وستين مثقالا صيرفيا وثلثي المثقال.

وهي عند اللبنانيين والسوريين اربعة وأربعون مثقالا صيرفيا وعشر حمصات (اي قراريط صيرفية) وثلثا الحمصة (أي القيراط) لان المثقال الصيرفي اربع وعشرون حمصة، كما ستعرف في مبحث المثقال، حيث قسمنا هذه المثاقيل على ٦ فخرج ٤٤ وبقي مثقالان وثلثان فحولناها إلى حمص فكانت ٦٤ حمصة وقسمناها على ستة فخرج ١٠ وثلثان.

وهي ٢١٣ غراما كما في حلية الطلاب " ص ١١٣ " وهو غلط محض، لان الدرهم ثلاثة غرامات وعشرون جزء‌ا من مئة جزء من الغرام، فالعشرة دراهم

١٤

٣٢ غراما، فالمئة درهم ٣٢٠ غراما، والثلاث مئة درهم ٩٦٠ غراما كما فصلناه في مبحث الكيلو، فالاقة هي ١٢٨٠ غراما كما عرفت، فسدسها، وهو الاوقية، ٢١٣ غراما وثلث الغرام، وهذه عملية القسمة وبهذا يسقط ما في كشف الحجاب " ص ٤٠٢ " من ان الاوقية " وهي ٦٦ درهما وثلثان " هي ٢١٣ غراما وثلثان ففى تقديره زيادة ثلث غرام.

الاوقية البقالي

المستعملة لدى العراقيين الآن " سنة ١٣٦١ " هي ربع الحقة البقالي كما هو معروف عندهم باجمعهم.

فهي ٢٣٣ مثقالا صيرفيا وثلث المثقال، فقول كاشف الغطاء في رسالة التحقيق والتنقير " ص ٣ ": الاوقية النجفية البقالية عبارة عن مئة مثقال صيرفية الخ.. محمول على اوقية مختصة بزمانه قطعا، وستعرف وزن الحقة المذكورة في محلها ان شاء الله تعالى.

الاوقية الشرعية

بالضم كما في القاموس، وقد قال: هي سبعة مثاقيل " يعني شرعية، إه‍. " ونقل المجلسي في رسالته " ص ١٣٧ " عن كتاب العين انه قال: الوقيه وزن من اوزان الدهن، وهي سبعة مثاقيل، إه‍.

١٥

وفي المصباح المنير قال الازهري: قال الليث: الوقية سبعة مثاقيل، إه‍. لكن نص السيد الشبري في رسالته في الاوزان على ان الاوقية الشرعية هي سبعة مثاقيل ونصف شرعية، إه‍. وقولهم اثبت من قوله، وسيأتي ان شاء الله تعالى ما يتعلق بالمقام. وهي اي الاوقية ستة مثاقيل الا ثلاث حمصات صيرفية كما في رسالة السيد الشبري، وهذا لا يجتمع مع تقديره للاوقية بسبعة مثاقيل ونصف شرعية، لان مقتضى ذلك ان تكون الاوقية خمسة مثاقيل صيرفية ونصفا وثمنا، لان المثقال الشرعي ثلاثة ارباع الصيرفي فالسبعة مثاقيل ونصف شرعية هي خمسة مثاقيل ونصف وثمن صيرفية وحيث عرفت أن الصحيح كون الاوقية سبعة مثاقيل شرعية، (لا سبعة ونصف) فتكون خمسة مثاقيل صيرفية وربع المثقال، ولكن هذه الاوقية ليست هي الواردة في الاخبار كما ستعرف إن شاء الله تعالى فيما يلي.

والاوقية الشرعية هي اربعون درهما شرعيا كما تدل عليه روايات سبع:

١ صحيحة معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ساق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتي عشرة أوقية ونشا، والاوقية اربعون درهما، والنش نصف الاوقية، عشرون درهما، وكان ذلك خمس مئة درهم قلت بوزننا؟: قال نعم (الوسائل م ٣ ص ١٠٣).

٢ صحيحة الحسين بن خالد في أحد إسنادي الكلينى، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن مهر السنة كيف صار خمس مئة؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه ان لا يكبره مؤمن مئة تكبيرة، ويسبحه مئة تسبيحة، ويحمده مئة تحميدة، ويهلله مئة تهليلة، ويصلي على محمد وآله مئة مرة، ثم يقول: اللهم زوجني من الحور العين إلا زوجه الله حوراء عيناء، وجعل ذلك مهرها، ثم

١٦

أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن سن مهر المؤمنات خمس مئة درهم، ففعل ذلك رسول الله.

وايما مؤمن خطب إلى اخيه حرمة فبذل له خمس مئة درهم فلم يزوجه فقد عقه، واستحق من الله عزوجل أن لا يزوجه حوراء (الوسائل م ٣ ص ١٠٣) ورواها في الوسائل (م ١ ص ٤٢٢) ايضا بجملة أسانيد بعضها صحيح، إلى قوله: وجعل ذلك مهرها.

٣ موثقة عبيد بن زرارة، قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: مهر رسول الله صلى الله عليه وآله نساء‌ه اثنتي عشرة أوقية ونشا، والاوقية اربعون درهما، والنش نصف الاوقية، وهو عشرون درهما (الوسائل م ٣ ص ١٠٤).

٤ صحيحة حماد بن عيسى (او حسنته) باسناد الكليني، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: قال أبي، ما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من بناته ولا تزوج شيئا من نسائه على اكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، والاوقية اربعون، والنش عشرون درهما (إلى ان قال في الوسائل): و (رواه الكليني) عنه (يعني علي بن ابراهيم) عن ابيه، عن حماد، عن ابراهيم بن ابي يحيى، عن ابي عبدالله عليه السلام، قال: وكانت الدراهم وزن ستة يومئذ (الوسائل م ٣ ص ١٠٤) وهذا السند معتبر ايضا.

٥ حسنة حذيفة بن منصور، عن ابي عبدالله عليه السلام، قال: كان صداق النبي صلى الله عليه وآله اثنتي عشرة اوقية ونشا والاوقية اربعون درهما والنش عشرون درهما.

وهو نصف الاوقية " الوسائل م ٣ ص ١٠٤ ".

٦ حسنة ابي العباس، قال: سالت ابا عبدالله عليه السلام عن الصداق أله وقت؟ قال: لا، ثم قال: كان صداق النبي صلى الله عليه وآله اثنتي عشرة اوقية ونشا، والنش نصف الاوقية، والاوقية اربعون درهما، فذلك خمس مئة درهم " الوسائل م ٣ ص ١٠٤ ".

٧ صحيحة عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان صداق النساء على عهد النبي صلى الله وآله وسلم اثنتي عشرة اوقية ونشا، قيمتها من

١٧

الورق خمس مئة درهم " الوسائل م ٣ ص ١٠٤ " فالمسألة لا ريب فيها.

وفي القاموس: هي اربعون درهما وفي مختار الصحاح: الاوقية في الحديث اربعون درهما، وكذا كان فيما مضى، واما اليوم، فيما يتعارفه الناس، فالاوقية عند الاطباء وزن عشرة دراهم وخمسة اسباع دهم، وهو إستار وثلثا إستار، إه‍.

وفي رسالة المجلسي: قال الجوهري: الاوقية في الحديث اربعون درهما، وكذلك كان فيما مضى، فأما اليوم فما يتعارفها الناس، ويقدر عليه الاطباء: فالاوقية وزن عشرة دراهم وخمسة اسباع درهم.

" قال ": وقال الجزري: الاوقية بضم الهمزة وتشديد الياء: اسم لاربعين درهما " ونقل كلام القاموس ثم قال ": وقال المطرزي: الاوقية بالتشديد اربعون درهما، ثم قال: وعند الاطباء الاوقية عشرة مثاقيل وخمسة اسباع درهم " إلى ان قال ": اقول: فظهر ان الاوقية في القديم كانت تطلق على اربعين درهما، والظاهر ان المراد هو الدرهم المعمول زمان الرسول عليه وآله الصلاة و السلام، وان احتمل غيره، إه‍ كلام المجلسي.

وفي المصباح المنير: الاوقية بضم الهمزة وبالتشديد، وهي عند العرب اربعون درهما الخ.

وقد رايت ذلك في غير واحد من الكتب، فالظاهر انه لا إشكال فيه، وستعرف مقدار الخمس مئة درهم وهي مهر السنة في مبحث الدرهم الشرعي ان شاء الله تعالى.

والثلاث اواق شرعية هي ربع رطل عراقي كما ستعرف في مبحث المد الشرعي مما يظهر من السيد في (مفتاح الكرامة) وستعرف ان الرطل العراقي ٦٨ مثقالا صيرفيا وربع، فنصفه ٣٤ وثمن، وربعه ١٧ مثقالا ونصف ثمن، اي ست قمحات، فاذا قسمنا هذا الربع على ٣ لنعرف مقدار الاوقية الشرعية يخرج خمسة مثاقيل وثلثان وقمحتان، وهو وزن الاوقية الشرعية، وهذا لا يوافق تحديد السيد الشبري، ولا تحديد القاموس والليث وغيرهما. والامر سهل لانه لا يترتب على ذلك اثر شرعى اليوم

١٨

الاوقية الكويتية

هي كيلوان وربع الا خمسة مثاقيل صيرفية كما نقل لنا ثقة، ونحن لم نتحققها لكن نعتمد على نقله، فالاوقية الكويتية والثلث تكون فطرة " اي صاعا شرعيا وافيا " لاننا حسبناها فوجدناها ١٤ اوقية استامبولية، وهو مقدار الفطرة وتزيد حوالي التسعين غراما " المئة غرام عشر كيلو " وحيث ان الكيلو ٣١٢ درهما صيرفيا ونصف، فالاوقية هي ٦٩٥ درهما ونصف وثمن، لان الكيلوين ٦٢٥ درهما، والربع كيلو الا خمسة مثاقيل (سبعة دراهم ونصف): هو سبعون درهما ونصف وثمن " وخمسة اثمان " فالاوقية إذن أقة استامبولية وثلاثة ارباع الاقة إلا اربعة دراهم وثلاثة اثمان الدرهم وهي خمسة ارطال كويتية كما ستعرف إن شاء الله تعالى في الرطل الكويتي

اوقية الكيلو

هي خمس الكيلو، مئتا غرام بلا ريب كما ستعرف في الكيلو ان شاء الله تعالى من الاوزان الكويتية،

الاونس

والظاهر انهم اخذوها عن الانكليز، فالرطل الكويتي ١٦ اونسا، ذكر هذا في الحساب المتوسط " ج ١ ص " ٨٧ اي هو نصف ثمن الرطل.

وذكر مواهب فاخوري في آخر مفكرته ان الاونس ٣٤٩ و ٢٨ غراما وقد ضربنا هذا الرقم في ١٦ فحصل ٥٨٤ و ٤٥٣ وهذا اقل مما حدد به الليبرة التي هي الرطل الكويتي، بتسعة اجزاء من عشرة آلاف جزء من الغرام، وهذا سهل.

١٩

الباع

هو من راس الاصبع الوسطى من اليد اليمنى إلى راس الاصبع الوسطى من اليد اليسرى من متوسطي الخلقة. والى هذا اشار في مختار الصحاح والقاموس حيث قالا: الباع قدر مد اليدين، إه‍. وقدره في حلية الطلاب (ص ٥٤) بأربعة اذرع بذراع اليد، وكذلك في كشف الحجاب " ص ٨٨)، وهو كذلك.

البريد الشرعي

الذي هو مقدار نصف المسافة الشرعية الموجبة للتقصير، هو اربعة فراسخ اجماعا ونصوصا.

وهو اثنا عشر ميلا اجماعا ونصوصا وهو ثمان واربعون ألف ذراع بذراع اليد بلا إشكال كما أوضحنا ذلك كله في مباحث صلاة المسافر، فلا حاجة لتكراره ههنا.

البوصة

هي جزء من ٣٦ جزء‌ا من اليرد " الياردة ". والبوصة هي الانش كما نص عليه في الحساب المتوسط " ج ٢ ص ١٣ " وكما يفهم من غيره البول النحاسي الايراني الاحمر الموجود في زماننا " سنة ١٣٦١ " هو مثقال صيرفي في الوزن كما في الدرة البهية " ص ١٢ " وقال " ص " ١٧: والمثقال الصيرفي يعادل البول الاحمر النحاسي الايراني الذي يعبر عنه أهل بلاد العجم بخمسين دينارا. وقد كان صرف العشرين منه في السابق درهما واحدا من الفضة، وهو المسمى قرانا، او يكهزار، أي ألف دينار، وكان صرفه عندهم عشرين بولا، كل بول خمسون دينارا، قال: وقد اعتبرنا ذلك كله بنفسنا فوجدناه صحيحا. وقال

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

نذره مطلقا، أو بطلانه من أصله لوقيده بذلك الوقت؟ الاقوى هو الاول، وبيان وجهه يستدعي بسطا من الكلام، فنقول: إنه لاإشكال في أنه يتعبر في متعلق النذر من الرجحان، كما أنه يعتبر في متعلق العهد واليمين عدم المرجوحية، فيكون الرجحان من قبيل القيود المعتبرة في المتعلق، ولاإشكال أيضا في اعتبار تقدم المتعلق بجميع ماله من القيود على الحكم، بحيث يؤخذ المتعلق بماله من الشرائط مفروض التحقق حتى يرد الحكم عليه، فكل قيد لايتأتى إلا من قبل الحكم لايعقل أخذه في متعلقه، كمسألة القربة والعلم والجهل وأمثال ذلك مما هو مسطور في الاصول، وحيث كان الرجحان مأخوذا في متعلق النذر فلابد وأن يكون سابقا على النذر، حتى يرد النذر على المتعلق الراجح، ولايكفي الرجحان الجائي من قبل النذر كما يوهمه بعض العبائر، لتوقف صحة النذر على كونه راجحا، فلو توقف الرجحان على النذر يلزم الدور.

وما ورد(١) من صحة نذر بعض المحرمات، كالاحرام قبل الميقات، وكالصوم في السفر، فليس ذلك من باب الاكتفاء بالرجحان الجائي من قبل النذر، ولا من باب تخصيص ما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر بغير هذا المورد، بل ورود الدليل بصحة مثل هذا النذر يكشف عن تقييد الحرام الواقعي من الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات بما إذا لم يتعلق النذر به.

والحاصل: أن النذر من العناوين الطارئة القابلة لتغير الواقع عما هو عليه من المصلحة والمفسدة، كالضرر والاضطرار وأمثال ذلك، فإذا ورد دليل بالخصوص على صحة نذر الحرام فلامحالة يكشف عن تقييد الحرام واقعا بما إذا لم يقع نذر على خلافه، وهذا كما ترى لاربط له بما نحن فيه من عدم إمكان

____________________

(١) الوسائل: ج ١٦، ص ٢٠٣، باب ٢٠ وص ١٩٦ باب ١٣ من أبواب النذور والعهد. [ * ]

١٠١

الاكتفاء بالرجحان الجائي من قبل النذر، ومجرد ورود دليل بالخصوص في بعض الموارد لايمكن تسريته إلى جميع الموارد، إذ يلزمه القول بصحة نذر جميع المحرمات، وهذا كما ترى بديهي البطلان، فالنذر كالشرط فكما أنه لايمكن القول بصحة الشرط المخالف للكتاب بأدلة وجوب الوفاء بالشرط فكذلك لايمكن القول بصحة نذر المرجوح بأدلة وجوب الوفاء بالنذر، فلابد من ورود النذر على الموضوع الراجح، ولا أظن أحدا خالف ما ذكرناه.

نعم هنا أمر آخر وقع التكلم فيه من بعض الاعلام، وهو أنه هل يكفي في صحة النذر الرجحان حال النذر وإن صار مرجوحا حال الفعل، أو لايكفي بل يعتبر بقاء الرجحان إلى حال صدور الفعل؟ ومعنى الرجحان حال النذر هو أن يكون الفعل حال تعلق النذر به راجحا، كما إذا نذر زيارة الحسينعليه‌السلام في كل ليلة جمعة، ثم طرأ في بعض ليالي الجمع ما يقتضي المرحوحية، كما إذا حصلت له الاستطاعه للحج، فربما يقال: إن الفعل حيث كان في زمان صدور النذر راجحا فالنذر انعقد صحييحا لوجود ما اعتبر فيه من رجحان المتعلق، وبعد انقعاد النذر المرجوحية الطارئة غير موجبة لانحلاله، ففي المثال المتقدم الاستطاعة العارضة لاتكون موجبة لانحلال النذر، لانه لم تكن الاستطاعة حين انعقاده، فإذا لم تكن موجبة لانحلاله فلا يكون الشخص مستطيعا للحج، ولم يكن واجبا عليه، لاشتغال ذمته بواجب آخر مقدم عليه سببا.

ومن هنا نقل عن الشيخ صاحب الجواهررحمه‌الله أنه كان عند اشتغاله بكتابة الجواهر، ينذر زيارة الحسينعليه‌السلام ليلة العرفة حتى لايجب عليه الحج لوحصلت له الاستطاعة في الاثناء، وربما أفتى بذلك بعض المتأخرين، هذا. ولكن الظاهر أنه يعتبر في صحة النذر وبقائه من ثبوت الرجحان حال صدور

١٠٢

الفعل، ولايكفي الرجحان حال النذر كما لاتكفي القدرة على المتعلق حال التكليف بل يعتبر القدرة حال العمل، فكما أن كل تكليف مشروط ببقاء القدرة إلى زمان صدور الفعل فكذلك الرجحان في متعلق النذر لابد وأن يكون باقيا حال العمل، وإن كان بينهما فرق من حيث إن اعتبار القدرة عقلي واعتبار الرجحان شرعي، لكن الغرض مجرد التنظير.

والحاصل: أن الرجحان حال النذر لاأثر له في بقائه، بل لو فرض أنه كان حال النذر مرجوحا ولكن حال العمل كان راجحا لكان نذره صحيحا بلا إشكال، ففي المثال المتقدم لامحيص عن القول بانحلال نذره بمجرد طروء الاستطاعة، ويجب عليه الحج لصيرورة زيارة الحسينعليه‌السلام حينئذ مرجوحة، ولايمكن العكس بأن يقال: الحج يصير مرجوحا بعد تعلق النذر بالزيارة، فتصير الزيارة واجبة لسبق سببه ويرتفع حينئذ موضوع الاستطاعة، وذلك لان الكلام بعد في انعقاد النذر بالنسبة إلى الزيارة التي حصلت الاستطاعة قبل مجئ زمانها، ومجرد سبق النذر لايكفي في ذلك بعدما كان بقاؤه مشروطا ببقاء الرجحان، فالرجحان حال النذر مما لاأثر له.

بل يمكن أن يقال: إن الرجحان حال النذر كلمة لامعنى لها، ولايعقل في مثل المثال أن يقال بالرجحان حال النذر، فإنه لاإشكال في أن زيارة عرفة إنما تكون راجحة عند مجئ وقتها، ولايعقل أن يقال: إن زيارة عرفة راجحة قل مجئ وقتها الذي هو وقت النذر، فزيادة عرفة كصلاة الظهر، فكما لايمكن أن يقال: إن صلاة الظهر قبل الزوال راجحة فكذلك لامعنى للقول برجحان زيارة عرفة حين النذر الذي يكون قبل مجئ وقتها، بناء على ما هو الحق من عدم معقولية الواجب المعلق والشرط المتأخر، فلو نذر أحد قبل أشهر الحرم زيارة الحسينعليه‌السلام في يوم عرفة، فانعقاد هذا النذر يكون موقوفا ثبوتا بثبوت

١٠٣

رجحان الزيارة في ظرف وقوعها، فإذا استطاع الشخص قبل ذلك فتكون الزيارة في وقتها مرجوحة لسبق الاستطاعة، فلا يبقى موضوع للنذر، ولامحيص عن انحلاله، فتأمل.

والحاصل: أن النذر كالشرط، فكما لو شرط على المشتري ضيافة زيد في كل شهر مثلا أو في شهر خاص، واتفق ارتداد زيد وكفره في بعض الشهور أو في ذلك الشهر الخاص، بحيث حرم ضيافته إما لوجوب قتله وإما لحرمة موادته كان الشرط ملغى، ولايجب الوفاء به بعموم المؤمنون عند شروطهم(١) . والسر في ذلك أنه يعتبر في الشرط حدوثا وبقاء عدم مخالفته للكتاب، فكذلك لو نذر زيارة الحسينعليه‌السلام في كل شهر أو في شهر خاص، واتفق حصول الاستطاعة في بعض الشهور أو في ذلك الشهر الخاص، بحيث وجب عليه المسير للحج، كان النذر ملغى وينحل قهرا، لاعتبار الرجحان في متعلق النذر حدوثا وبقاء.

فظهر ضعف تعليل بعض الاعلام صحة نذر التطوع في وقت الفريضة بارتفاع مرجوحيتها بنفس النذر، قال: ولايرد أن متعلق النذر لابد أن يكون راجحا، وعلى القول بالمنع لارجحان فيه فلاينعقد نذره، وذلك لان الصلاة من حيث هي راجحة، ومرجوحيتها مقيدة بقيد يرتفع بنفس[ النذر ](٢) ، ولايعتبر في متعلق النذر الرجحان قبله ومع قطع النذر عنه، حتى يقال بعدم تحققه في المقام، انتهي.

وظاهر هذه العبارة لاتستقيم من أنه لاعبرة بالرجحان الجائي من قبل النذر، بل لابد وأن يكون الرجحان متحققا قبله، بل لايعقل ذلك كما عرفت، فتعليل صحة نذر التطوع في وقت الفريضة بهذا غير سديد، بل الاقوى في التعليل هو أن

____________________

(١) الوسائل: ج ١٥ ص ٣٠ باب ٢٠ من أبواب المهور، ح ٤.

(٢) ما بين المعقوفتين لم توجد في النسخة واثبتناه لاقتضاء السياق. [ * ]

١٠٤

يقال: إن ما هو المحرم التطوع في وقت الفريضة بوصف التطوع، وليست ذات صلاة جعفر مثلا محرمة، بل المحرم إنما هو التطوع بصلاة سجعفر وفعلها بداعي الاستحباب والتنفل، وصلاة جعفر بهذا الوصف لم يتعلق النذر بها، بل لايمكن أن يتعلق بها مقيدة بهذا الوصف، لانه يعتبر في متعلق النذر القدرة عليه، وصلاة جعفر بوصف كونها مستحبة غير مقدورة بعد تعلق النذر بها لصيرورتها واجبة، فلو فرض أن أحدا نذر فعل صلاة جعفر بوصف كونها مستحبة، كان نذره باطلا ولاينعقد أصلا، فالنذر دائما يكون متعلقا بذات العمل، وذات صلاة جعفر مع قطع النظر عن استحبابها لم تكن محرمة في وقت الفريضة، بل المحرم إنما هو التطوع بها، فإذا لم تكن ذات العمل منهيا عنه فلا مانع من تعلق النذر به، ويصير بذلك واجبا ويخرج موضوعا عن كونه تطوعا في وقت الفريضة، بل يكون فريضة في وقت فريضة.

فإن قلت: هب أن ذات العمل لم يكن منهيا عنه، إلا أن مجرد ذلك لايكفي في صحة النذر، لما تقدم من اعتبار الرجحان في متعلقه، ولا يكفي مجرد عدم المرجوحية، وذات العمل في وقت الفريضة حيث لم يتعلق به أمر استحبابي ولاوجوبي لايمكن الحكم برجحانه، فإن ذلك يكون رجما بالغيب.

والحاصل: أن رجحان الشئ لابد وأن يستكشف من تعلق الامر، إذ لاطريق لنا إلى معرفته سوى ذلك، وصلاة جعفر في وقت الفريصة بعد ما لم يتعلق بها أمر استحبابي ولاوجوبي حسب الفرض فمن أين يحكم برجحانها حتى يصح نذرها، فتكون واجبة وتخرج موضوعا عن كونها تطوعا في وقت الفريضة، فلامحيص إما عن القول ببطلان النذر وإما عن القول بالاكتفاء بالرجحان الآتي من قبل النذر، وقد تقدم عدم معقولية الثاني، فلابد من الاول وهو بطلان النذر.

قلت: يكفي في إثبات الرجحانية نفس العمومات الدالة على مشروعية صلاة

١٠٥

جعفر في نوعها، وكذا العمومات الدالة على أن الصلاة قربان كل تقي(١) ، ومعراج المؤمن(٢) ، وسقوط الامر بها في وقت الفريضة لايلازم سقوط الرجحانية المستكشفة من تلك العمومات.

والحاصل: أن القدر الثابت إنما هو سقوط الامر بالنوافل في وقت الفريضة، وأما سقوط الرجحان فلم يقم عليه دليل.

مضافا إلى معلومية أن الصلاة المشتملة على الذكر والدعاء لم تكن مرجوحة في حد نفسها بل تكون راجحة، فحينئذ يصح تعلق النذر بها، وبسببه تخرج عن كونها تطوعا في وقت الفريضة. ولايقاس ذلك بما إذا نذر أن يصلي خمس ركعات متصلة، حيث يكون نذره باطلا بالاجماع مع اشتمالها على الدعاء والذكر، وذلك لان الصلاة المشتملة على خمس ركعات لم تكن مشروعة في نوعها، وهذا بخلاف صلاة جعفر وغيرها من النوافل لمشروعيتها في نوعها، وإن سقط أمرها من جهة مزاحمتها لوقت الفريضة فتحصل: أن الرجحان المعتبر في متعلق النذر حاصل في المقام سابقا على النذر ومع قطع النظر عن تعلق النذر به، فلا حاجة إلى الالتزام بتلك المقالة الفاسدة من كفاية الرجحان الجائي من قبل الندر، فتأمل فيما ذكرناه فإنه بعد للنظر فيه مجال، إذ لمانع أن يمنع ثبوت الرجحان بعد تخصيص تلك العمومات الدالة على مشروعية الصلاة بغير وقت الفريضة.

نعم لو كان سقوط الامر بالنوافل في وقت الفريضة من باب المزاحمة لاالتخصيص لكان القول بثبوت الرجحان في محله، إلا أن إثبات ذلك مشكل،

____________________

(١) الكافي: ج ٣ ص ٢٦٥ باب فضل الصلاة، ح ٦.

(٢) الظاهر أن هذا مستفاد من الخبر لا أنه بنفسه خبر مستقل، راجع بحار الانوار: ج ٨٢ ص ٢٤٨. [ * ]

١٠٦

ولايسعنا التكلم في ذلك بأزيد مما ذكرناه، فعليك بالتأمل.

فإن قلت: سلمنا جميع ما ذكرته من تعلق النذر بذات الصلاة لابوصف التطوع، ومن ثبوت الرجحان لها مع قطع النظر عن تعلق النذر بها، إلا أنه لاإشكال في أن الامر بالوفاء بالنذر توصلي لايعتبر في سقوطه قصد التقرب وامتثال الامر، والمفروض أن ذات الصلاة في وقت الفريضة لم تكن مأمورا بها بأمر عبادي، فمن أين تقولون يعتبر في صحة مثل هذه الصلاة المنذورة من قصد التقرب والامر، بحيث لو لم يأت بها بهذا القصد كانت الصلاة باطلة، ولم يبرأ من نذره، مع أنه لم يكن في البين أمر عبادي يقصد؟ والحاصل: أن الامر النذري لو اتحد مع الامر العبادي في المتعلق، بأن تعلق الامر النذري بعين ما تعلق به الامر العبادي، لاكتسب الامر النذري التعبدية من الامر التعبدي لاتحادهما.

وذلك كما لو نذر صلاة الليل، فحيث إن النذر إنما يتعلق بذات صلاة الليل لابوصف كونها مستحبة، وإلا لكان النذر باطلا لعدم القدرة عليه من حيث صيرورة صلالاة الليل بعد النذر واجبة، فلا يمكن إتيانها بوصف كونها مستحبة، فالنذر لامحالة يتعلق بذات صلاة الليل، والمفروض أنه قد تعلق بذات الصلاة أمر استحبابي عبادي، فيتحذ متعلق النذر مع متعلق الامر الاستحبابي، وحيث لايمكن اجتماع الوجوب والاستحباب في متعلق الواحد فلامحالة يكتسب الامر النذري التعبدية من الامرر الاستحبابي وينخلع عما كان عليه من التوصلية، كما أن الامر الاستحبابي يكتسب من الامر النذري الوجوب وينخلع عما كان عليه من الاستحباب، فيتحد الامران ويحصل من ذلك أمر وجوبي عبادي، لكن هذا إنما يكون بعد تعلق الامر العبادي بصلاة الليل.

وأما فيما نحن فيه فالمفروض أنه لم يتعلق بذات صلاة جعفر في وقت الفريضة

١٠٧

أمر عبادي، والامر النذري لايكون إلا توصليا، فمن أين يكتسب التعبدية حتى يكفي قصده في وقوع الصلاة عبادة مقربة؟ قلت: قد علم من مذاق الشارع أن الصلاة وظيفة شرعت لان يتعبد بها، فلو تعلق بها أمر لكان لامر لامحالة عبادي يعتبر في سقوطه من قصد الامتثال، وحيث إن النذر تعلق بصلاة النافلة بذاتها، والمفروض اجتماع هذا النذر لشرائط الصحة من الرجحان وغيره، فلامحالة يتعلق الامر النذري بذات الصلاة، وإذا تعلق بها أمر وإن كان من قبل النذر فلابد وأن يكون عباديا.

وبالجملة: الامر النذري يختلف باختلاف ما تعلق به، فلو تعلق بأمر عبادي بمعنى أنه لو تعلق به أمر لكان أمره عباديا، لكان الامر النذري عباديا لايسقط إلا بقصد الامتثال، ولو تعلق بأمر غير عبادي يكون توصليا لايعتبر في سقوطه ذلك، فتأمل فإن للنظر في ذلك أيضا مجال. هذا كله بناء على حرمة التطوع في وقت الفريضة، وقد عرفت أن الاقوى صحة النذر مطلقا، وجواز فعل المنذور في وقت الفريضة، لصيرورته واجبا سواء كان نذره مطلقا أو قيده بخصوص وقت الفريضة، وإن كان الصحة في المطلق أوضح كما لايخفى وجهه.

وأما لو قلنا بالكراهة من باب أقل الثواب كما هو الشأن في كراهة العبادات فلا ينبغي الاشكال في صحة النذر، لان الكراهة في العبادات تجتمع مع الرجحان والامر كليهما، ويكون جميع أركان النذر متحققا بلا أن يدخله ريب، فتأمل جيدا. ولو آخر نفسه لصلاة الزيارة مثلا في وقت الفريضة فالاقوى أيضا هو الصحة، لصيرورتها بالاجارة واجبة وتخرج عن موضوع التطوع، بل الصحة في الاجارة أوضح منها في النذر، لامكان الاشكال في النذر من حيث الرجحان المعتبر في

١٠٨

متعلقه، ويتوهم أن ذات الصلاة التي هي متعلقة للنذر مع كونها غير مأمور بها لارجحان فيها، وهذا بخلاف الاجارة فإن متعلقها هي الصلاة المأمور بها بالامر المتوجه على المنوب عنه، فهذا الوصف داخل في متعلق الاجارة.

نعم هنا صورة إشكال، وهو أنه يعتبر في متعلق الاجارة أن يكون العمل المستأجر عليه مما يباح على الاجير فعله بحيث لايكون العمل محرما عليه، ووجه اعتبار ذلك واضح، وفي المقام لو كان متعلق الاجارة هو الصلاة بوصف كونها مأمورا بها بالامر الاستحبابي فالاجير لايمكنه فعلها بهذا الوصف، لان المفروض حرمة التطوع في وقت الفريضة، فإذا لم يمكن للاجير فعلها فكيف يصير أجيرا على فعلها؟ هذا مضافا إلى أنه يعتبر في متعلق الاجارة أيضا أن يكون المستأجر قادرا على العمل، بحيث يكون المستأجر مما يمكنه الفعل إذا أراد المباشرة به، فإذا كان الفعل محرما عليه شرعا لما جاز الاجارة عليه، لان فعل الاجير فعل المستأجر ويكون في الحقيقة هو العامل ببدنه التنزيلي، وفي المقام لو وقعت الاجارة في وقت فريضة المستأجر لكان مقتضى القاعدة بطلان الاجارة.

والحاصل: أنه لو وقعت الاجاة في وقت فريضة الاجير لزم الاشكال الاول، ولو وقعت في وقت فريضة المستأجر لزم الاشكال الثاني، ولو وقعت في وقت فريضة كل منهما لزم الاشكالان جميعا، هذا. ولكن يدفع الاول بأن ما يحرم على الاجير إنما هو فعل التطوع لنفسه في وقت فريضة، لافعل ما هو مستحب على الغير في وقت فريضة نفسه بالاجارة، فإن ذلك لامانع عنه في حد نفسه ولادليل على حرمته، نعم التبرع عن الغير فيما يستحب عليه لايخلو عن إشكال، لصدق التطوع في وقت الفريضة على مثل هذا، مع أن ذلك أيضا لايخلو عن نظر، فإن التبرع إنما هو في جهة النيابة لافي نفس الفعل، فالمتبرع

١٠٩

إنما يفعل ما هو مستحب على الغير نيابة عنه بقصد المجانية والقربة، فيثاب على هذا المعنى أي على فعله نيابة لاعلى أصل الفعل، ففعل الصلاة نيابة عن الغير لايدخل في عنوان حرمة التطوع في وقت الفريضة، سواء كان بالتبرع أو بالاجارة، وإن كان بالاجارة أوضح وأبعد عن الاشكال، وأما التبرع فبعد يحتاج إلى مزيد تأمل. ويدفع الثاني بأن ماهو حرام على المستأجر إنما هو المباشرة بالتطوع، وأما لو كان ذلك بالنيابة فلا، ولا ملازمة بين حرمة المباشرة وحرمة النيابة، كما يظهر ذلك من جواز إجارة الحائض الغير للطواف مع حرمة الطواف عليها مباشرة، وكذا اجارة الجنب الغير لدخول المسجد، وغير ذلك من الموارد كما يظهر للمتتبع، فلا إشكال من هذه الجهة أيضا، ولكن مع ذلك بعد في النفس من صحة الاجارة شئ، فتأمل.

المسألة الثانية: لو حصل للمكلف أحد الاعذار المانعة عن التكليف، كالحيص والجنون وأمثال ذلك، فإن مضى من الوقت مقدار فعل الصلاة التامة الاجزاء والشرائط، من الطهارة المائية وتحصيل الساتر وغير ذلك من الشرائط التي كان فاقدا لها قبل الوقت ثم طرأ عليه العذر، فلا إشكال ولاخلاف في وجوب القضاء عليه، كما لااشكال ولاخلاف فيما إذا طرأ عليه العذر في أول الوقت في سقوط القضاء، إنما الاشكال والخلاف فيما إذا مضى من الوقت اقل من ذلك المقدار، فهل يجب عليه القضاء أولا؟ وكذا الكلام بالنسبة إلى آخر الوقت لوزال العذر قبل آخره بمقدار لايتمكن من فعل الفريضة مجتمعة للشرائط والاجزاء، مع تمكنه منها فاقدة للشرائط مع الطهارة المائية، أو بدونها أيضا بحيث لم يكن متمكنا إلا من الصلاة مع الطهارة الترابية فقط دون سائر الشرائط ودون الطهارة المائية، فهل يجب عليه فعلها ولو خالف كان عليه القضاء، أو لايجب إلا إذا زال العذر

١١٠

قبل آخره بمقدار فعل الفريضة مجتمعة لجميع الشرائط؟ ولنقدم الكلام في أول الوقت ثم نعقبه بآخره إذ ربما يكون بينهما تفاوتا بحسب الدليل، فنقول. مقتضى القاعدة أنه لو طرأ عليه أحد الاعذار المسقطة للتكليف قبل مضي مقدار من الوقت يمكنه فعل الفريضة تامة للاجزاء والشرائط هو عدم وجوب القضاء عليه ولا الاداء، إذا علم في أول الوقت بطرو العذر بعد ذلك.

أما عدم وجوب الاداء فلان المفروض عدم تمكنه من فعل الصلاة التامة، ولادليل على سقوط الشرائط بالنسبة إلى مثل هذا الشخص، فإن ما دل على سقوط الشرائط في حال الاضطرار إنما هو مختص بما إذا كان الشخص غير متمكن في حد نفسه من فعل الشرط، لاما إذا كان في حد نفسه متمكنا من فعل الشرط ولكن طرأ عليه ما يوجب سقوط التكليف، كما فيما نحن فيه.

والحاصل: أن العذر عن فعل الشرط في زمان لايكفي في سقوط التكليف عنه مالم يتعذر في جميع الوقت كما هو التحقيق في ذوي الاعذار، بل يحتاج في سقوط التكليف عن الشرط هو ثبوت العذر في تمام الوقت، ولذا لايجوز لذوي الاعذار البدار إلى فعل الصلاة الفاقدة للشرائط ما لم يعلم بعدم زوال العذر، إلا أن يقوم دليل شرعي على تنزيل العذر في زمان منزلة العذر في تمام الوقت، كما لايبعد ثبوت ذلك بالنسبة إلى خصوص الطهارة المائية، حيث يجوز عليه البدار مع الطهارة الترابية وإن لم يعلم باستيعاب العذر لتمام الوقت، على ما يأتي بيانه إن شاء‌الله، وأما ماعدا الطهارة من سائر الشرائط فيحتاج في سقوط التكليف عنها بحسب القاعدة إلى استيعاب العذر لتمام الوقت، ولايكفي العذر في بعض إنما طرأ عليه ما يوجب سقوط التكليف من الحيض والجنون وغير ذلك.

١١١

فإن قلت: أما قلتم إن العذر إذا استوعب تمام الوقت كان التكليف بالنسبة إلى الشرط المعذور فيه ساقطا وكان يجب عليه الصلاة فاقدة لذاك الشرط، فما الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك، فإن الوقت بالنسبة إلى من تحيض عقيب نصف من الزوال هو هذا المقدار من الزمان، والمفروض أن في هذا المقدار من الزمان غير متمكن من الشرائط، فهو كما إذا استوعب عذره تمام الوقت؟ قلت: ليس الامر كذلك، فإن طروء الحيض لايوجب تضييق في الوقت المضروب للصلاة، بل الوقت المضروب إنما هو باق على حاله، غاية الامر أن الشخص غير متمكن من فعل الصلاة في وقتها من جهة عروض المسقط.

والحاصل: أنه فرق بين أن يستوعب العذر تمام الوقت المضروب للصلاة من الزوال إلى الغروب وبين أن يعرض المسقط في أثناء الوقت، فإن عروض المسقط لايجعله آخر الوقت، فلابد في القول بوجوب الادداء على مثل هذا الشخص من قيام دليل بالخصوص على تنزيل العذر في بعض الوقت بمنزلة العذر في تمام الوقت.

والقول بأن وقت هذا الشخص هذا المقدار من الزمان حتى يدخل في موضوع من استوعب عذره تمام الوقت خال عن الدليل، بل هو قياس محض، فتأمل فإنه بعد للتأمل فيه مجال. ثم لاأقل من الشك في كون هذا المقدار من العذر المتعقب بالمسقط موجبا لسقوط التكليف عن الشرط فقط حتى يجب عليه الصلاة الفاقدة، كما إذا استوعب العذر إلى تمام الوقت، فأصالة البراء‌ة محكمة، لان انعدام المشروط عند انعدام شرطه مما لايدخله ريب، والمفروض الشك في شمول تلك الادلة الدالة على سقوط خصوص الشرائط بالنسبة إلى مثل من يعرض المسقط، إذ لاأقل من كون المتيقن منها هو ما إذا لم يكن الشخص في حد نفسه قادرا على الشرط في مجموع

١١٢

الوقت، فبالنسبة إلى مثل هذا شاك في توجه التكليف إليه والاصل البراء‌ة، فالاقوى هو عدم وجوب الاداء على من علم بطرو المسقط قبل تمكنه من فعل الصلاة تامة الاجزاء والشرائط، فتأمل.

ثم على تقدير وجوب الاداء عليه لاوجه لوجوب القضاء عليه لو عصى وخالف، وذلك لان تبعية وجوب القضاء على الاداء إنما هوفيما إذا لم يقم دليل على سقوط القضاء، وفيما نحن فيه قام الدليل على سقوط القضاء، فإن مادل على أن مافوته الحيض والجنون لاقضاء عليه شامل لما نحن فيه، فإن الصلاة التامة الاجزاء والشرائط قد فوته الحيض فلا قضاء لها، والقول بقضاء الصلاة الفاقدة بديهي الفساد بعد تمكن المكلف من الصلاة التامة.

والحاصل: أن الصلاة التامة للشرائط لاقضاء لها من جهة أنها فاتت بسبب الحيض، والادلة ناطقة بعدم وجوب قضاء مافات بالحيض، وقضاء الصلاة الناقصة ضروري الفساد ولم يدعه أحد، ولايقاس ما نحن فيه بما إذا كان مكلفا بالصلاة الناقصة ففوتها عصيانا حيث يجب عليه قضاء الصلاة التامة بلا إشكال، لان التمامية والناقصية إنما هي من حالات المكلف كالجهر والاخفاف تدور مدار حال المكلف من التمكن وعدمه، ففي الوقت حيث لم يكن متمكنا إلا من الناقصة كانت هي الواجبة ليس إلا، وأما في خارج الوقت فحيث إنه متمكن من التامة كانت هي الواجبة أيضا ليس إلا، وذلك لان كون التمامية والناقصية من حالات المكلف مسلم، إلا أن العصيان لم يكن مسقطا للقضاء كما كان الحيض مسقطا له.

والحاصل: أن الفرق بين العصيان والحيض هو قيام الدليل على عدم قضاء مافات بالحيض.

فالاقوى أنه وإن قلنا بوجوب الاداء على من علم بطرو المسقط لايجب عليه القضاء، فتأمل.

هذا كله بالنسبة إلى أول الوقت.

١١٣

وأما آخر الوقت فيمتاز عن أوله أنه إذا أدرك مقدار خمس ركعات مع سائر الشرائط كان يجب عليه الاداء قطعا لقاعدة " من أدرك " وإن خالف كان عليه القضاء أيضا قطعا، وهذا بخلاف أول الوقت، فإنه لابد في وجوب الاداء والقضاء من إدراك ثمان ركعات من سائر الشرائط، لعدم جريان قاعدة " من أدرك " بالنسبة إلى أول الوقت، لاختصاص أدلتها بآخره كما لايخفى.

وأما لو أدرك من آخر الوقت دون ذلك فالكلام فيه الكلام في أوله أداء وقضاء، أما عدم وجوب القضاء عليه لو خالف فلجريان عين ما ذكرناه في أول الوقت فيه أيضا بلا تفاوت، وأما عدم وجوب الاداء عليه، فلانه وإن لم تجر العلة التي ذكرناها في أول الوقت فيه، لان من أفاق في آخر الوقت بمقدار لايمكنه فعل الصلاة مجتمعة للشرائط أو طهرت الحائض كذلك فقد استوعب عذره تمام الوقت، فيكون مشمولا لتلك الادلة الدالة على سقوط الشرائط عند عدم التمكن منها في مجموع الوقت، وإن كان يمكن أن يدعى أن تلك الادلة مقصورة بما إذا كان الشخص غير متمكن من فعل الشرط في حد نفسه في مجموع، لاما إذا كان متمكنا منه وكان جهة عذره من جهة انتفاء ما هو شرط التكليف من العقل والخلو عن الحيض، إلا أن الانصاف أن قصر تلك الادلة بذلك مشكل.

نعم يمكن أن يقال: إن الشرائط المأخوذة في لسان الادلة شرط للتكليف، كالعقل والبلوغ والخلو عن الحيض، لها دخل في الملاك وما هو جهة التكليف من المصالح والمفاسد، فحينئذ الصلاة التامة للشرائط لاملاك لها مع استيعاب الحيض والجنون إلى قريب من آخر الوقت، ولادليل على ثبوت الملاك في الصلاة الناقصة، فلاطريق إلى إثبات وجوب الاداء على مثل هذا، فتأمل فإن هذا أيضا لايتم إلا بعد القول بعدم شمول تلك الادلة الدالة على ثبوت التكليف بالناقص

١١٤

مع عدم التمكن من التام، كقولهعليه‌السلام " الصلاة لاتترك بحال "(١) وأمثال ذلك لما نحن فيه، وعليه لاحاجة إلى هذا البيان، وأما بعد الاعتراف بشمول تلك الادلة له فنفس تلك الادلة تكفي في ثبوت الملاك والتكليف بالناقص، فتأمل فتأمل(٢) فإن المسألة مشكلة، وعلى أي حال على تقدير القول بوجوب الاداء على مثل هذا الشخص لادليل على ثبوت القضاء عليه بالبيان المتقدم في أول الوقت.

ولافرق فيما ذكرنا بين الطهارة المائية وسائر الشرائط، فكما أنه يعتبر في آخر الوقت القدرة على الطهاررة المائية، كما ورد به النص في باب الحيض واعترف به الخصم، كذلك يعتبر القدرة على سائر الشرائط.

بل يمكن أن يستدل على اعتبار القدرة على جميع الشرائط في آخر الوقت بمصححة عبيد بن زرارة: أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة معينة ففرطت فيها حتى تدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء(٣) .

بناء على أن يكون المراد من قوله " قامت في تهيئة ذلك " هو القيام في تهيئة مقدمات الصلاة لاخصوص الغسل، وإن كان ربما يأباه صدره، فتأمل. بل يمكن أن يقال بدلالة رواية محمد بن مسلم على اعتبار التمكن من جميع الشرائط في أول الوقت أيضا، فإن فيها عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر، فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر، قال: تصلي العصر وحدها، فإن ضيعت فعليها صلاتان(٤) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٧٥ باب ٣٩ من أبواب المواقيت، ح ٤.

(٢) هكذا في الاصل والظاهر ان الثانية زائدة.

(٣) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٨ باب ٤٩ من أبواب الحيض، ح ١، وفيه اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الاحكام: ج ١ ص ٨٩ باب ١٩ من أبواب الحيض والاستحاضة والنفاس، ح ٢٣. [ * ]

١١٥

بتقريب أن يقال: إن المراد من دخول وقت العصر هو دخول الوقت الاختصاصي لها، فيصير المعنى حينئذ أن المرأة إذا طهرت من حيضها في أول الزوال فقامت تشتغل في شأنها من الغسل وتهيئة سائر الشرائط، فلم يسع وقت صلاة الظهر لجميع ذلك حتى دخل وقت صلاة العصر، فقالعليه‌السلام : لايجب عليها إلا صلاة العصر وحدها، فيستداد منه أنه يعتبر في تكليفها بصلاة الظهر أن يسع الوقت لتهيئة جميع الشرائط التي كانت فاقدة لها، فلو لم يسع الوقت لذلك لم تكن مكلفة بالصلاة.

والاستدلال بهذا أيضا مبني على أن يكون المراد من الاشتغال بشأنها هو الاشتغال بالغسل وسائر الشرائط، لاخصوص الغسل أو هو مع طهارة بدنها من لوث الحيض، وأن يكون المراد من دخول وقت صلاة العصر هو الوقت الاختصاصي لها لا الوقت الفضلي كما هو الظاهر منه، إذ يبعد أن يطول زمان الاشتغال بشأنها إلى الوقت الاختصاصى للعصر مع أنها رأت الطهر في أول الوقت، كما هو الظاهر من قول السائل " رأت الطهر عن الظهر " وعليه يسقط الاستدلال بالرواية بالكلية لعدم العمل بها، بداهة أنه مجرد دخول وقت الفضلي للعصر لايوجب عدم تكليفها بالظهر إلا بناء على القول بأن آخر وقت الاجزائي للظهر هو المثل، فالرواية تنطبق على هذا المذهب، فتأمل فإن الاستدلال بالرواية لما نحن فيه لايخلو عن شئ.

إلا أنه لاحاجة إلى هذه الروايات، فإنا في غنى عنها بعد ما ذكرنا من أن عدم وجوب الاداء والقضاء عليها إنما هو مقتضى القاعدة، فللخصم من إقامة الدليل على الوجوب وهو مفقود، وإن كان ربما يستدل له بإطلاق بعض الاخبار، كخبر ابن الحجاج عن امرأة طمثت بعدما تزول الشمس ولم تصل الظهر، هل

١١٦

عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: نعم(١) .

فإن إطلاق السؤال يعم ما إذا لم يمض من الوقت بمقدار فعل الصلاة التامة، ولكن الانصاف انصرافه إلى مضي ذلك المقدار، فتأمل. ثم إنه لافرق فيما ذكرنا بين الحيض والبلوغ والجنون وغير ذلك من شرائط التكليف. نعم هنا كلام آخر في خصوص البلوغ ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه لو بلغ في اثناء الصلاة أو بعدها في سعة الوقت وقلنا بشرعية عبادة الصبي، فهل يجب عليه الاتمام في الاولى بلا إعادة والاجتزاء في الثانية، أو لايجزي بل يجب عليه إعادة الصلاة فيما إذا بلغ بعد الصلاة واستثنافها فيما إذا بلغ في أثنائها؟ وهنا احتمال آخر وهو إمام الصلاة التي بيده وجوبا أو ندبا ثم إعادتها.

وتنقيح البحث هو أن الكلام في المقام إنما هو بعد الفراغ عن شرعية عبادة الصبي واستحبابه، إذ لاموضوع لهذا البحث بناء على التمرينية، فإنه لاإشكال في عدم الاجتزاء بها، سواء بلغ في الاثناء أو بعد الفراغ، وليس له إتمامها إذابلغ في الاثناء وإن احتمله بعض لفوات موضوع التمرين بالبلوغ، وينقلب موضوع التمرين إلى الوجوب وتصير الصلاة واجبة عليه، فلاسبيل إلى القول بإتمامها تمرينا.

ثم إنه اختلفت كلمات الاصحاب في الحج وفي باب الصلاة والصيام، ففي باب الحج ذهب المشهور إلى أنه لو بلغ الصبي بعد تلبسه بالحج قبل الوقوف بالمشعر أجزأه عن حجة الاسلام، ولايحتاج إلى إعادة الافعال السابقة، وأما في باب الصلاة فقد ذهب المشهور إلى خلاف ذلك، وقالوا: إنه لو بلغ الصبي في

____________________

(١) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٧ باب ٤٨ من أبواب الحيض، ح ٥ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١١٧

الاثناء فلا يعتد بالافعال السابقة ويجب عليه استئنافها.

فقد يتخيل أنه لاوجه لهذا التفصيل مع كون البابين من واد واحد، إلا أن الانصاف أنه ليس كذلك، ويختلف باب الحج عن باب الصلاة، فإن في باب الحج بعد ما لوحظ كل فعل فيه على جهة الاستقلالية، ولذا يحتاج إلى تجديد النية عند كل فعل، وبعد كون حجة الاسلام ليست من الامور القصدية كالظهرية والعصرية، بل هي تدور مدار اجتماع شرائط حجه الاسلام على المكلف، فلو كان واجدا لها يكون حجه حجة الاسلام، وإن كان فاقدا لها لاتكون حجة الاسلام، وبعد ورود النص في أن العبد إذا اعتق قبل الوقوف بالمشعر أجزأه عن حجه الاسلام(١) ، وفهم وحدة المناط بين اشتراط الحرية واشتراط البلوغ وليس ذلك من باب القياس، يكون الاجتزاء بالحج الذي بلغ في أثنائه عن حجة الاسلام على القاعدة، بخلاف باب الصلاة فإن تطبيقه على القاعدة يحتاج إلى مؤنة اخرى سيأتي التعرض لها.

والحاصل: أنه فرق بين باب الحج وبين باب الصلاة، فإن في باب الحج بعد ورود النص الصحيح بأن العبد إذا اعتق قبل الوقوف أجزأ حجه عن حجة الاسلام، وبعد اتحاد المناط في العبد والصبي كما فهمه الاصحاب يكون

الحكم كما ذكره المشهور، فإن ما أوقعه الصبي قبل بلوغه ولو كان على جهة الندبية إلا أنه ندبية البعض لاينافي وجوب الآخر وهو سائر أفعال الحج التي تقع منه بعد البلوغ، لعدم ارتباطية الافعال بعضها مع بعض من هذه الجهة، فمجرد وقوع الاحرام مثلا ندبا لاينافي وقوع الوقوف مثلا وجوبا، وكذا وقوع الاحرام لاعن حجة الاسلام لاينافي وقوع الاحرام عنه بعد ما لم تكن حجة الاسلام من

____________________

(١) الوسائل: ج ٨ ص ٣٥ باب ١٧ من أبواب وجوب الحج، ح ١ و ٤ من كتاب الحج. [ * ]

١١٨

العناوين القصدية، وحينئذ لو قام الدليل على عدم لزوم اجتماع شرائط الوجوب عند أول فعل من أفعال الحج بل يكفي اجتماعها عند الوقوف، كان اللازم هو القول بالصحة والاكتفاء به عن حجة الاسلام كما قاله المشهور.

وهذا بخلاف باب الصلاة، لان المفروض ارتباطية أفعالها بعضها مع بعض، وفقدان النص على كفاية تحقق شرائط الوجوب في بعضها، كان مقتضى القاعدة هو البطلان وعدم الاجتزاء بها إلا بعناية اخرى، وهي أن يقال: إن ما هو الملاك في تكليف البالغ بالصلاة وإلزامه بها هو الموجب لتكليف الغير البالغ بالصلاة استحبابا من دون أن يكون تفاوت بينهما في ذلك، فالمصلحة القائمة بصلاة الظهر لاتختلف بحسب الكمية، سوى أنها في غير البالغ تقتضي الاستحباب وفي البالغ تقتضي الوجوب والالزام.

وحينئذ يمكن أن يقال بأنه لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة بما لايوجب نقض الطهارة لكان اللازم عليه تتميم الصلاة بلاحاجة إلى الاستئناف والاعادة، وكذا لو بلغ بعد الصلاة، أما إذا كان بلوغه بعد الصلاة فواضح، فإن تمام ما هو المصلحة القائمة في صلاة الظهر قد استوفاها، فلايبقى حينئذ موضوع للامر الوجوبي بالصلاة ثانيا، فلو قيل مع ذلك بوجوب الصلاة عليه ثانيا لكان مساوقا للقول بالتكليف بشئ بلا أن يكون هناك ما يوجب التكليف به، وأما إذا بلغ في الاثناء فكذلك أيضا، لان المفروض أنه لم يتبدل حقيقة المأمور به بالبلوغ ولاحقيقة الامر، بل إنما تبدل صفة الامر، لاسقوط أمر عن ملاك وثبوت أمر آخر عن ملاك آخر، فحينئذ الركعتان اللتان أتى بهما إلى الآن بوصف الاستحباب تكون تامة في المصلحة كما إذا كانت واجبة من أول الامر، وعند انضمام الركعتين الاخيرتين إليهما يسقط الامر.

والحاصل: أن مبنى القولين في المسألة من إتمام الصلاة التي بيده إذا بلغ في

١١٩

أثنائها والاكتفاء بها وعدم إعادة الصلاة التي بلغ بعدها، ومن عدم وجوب الاتمام ولزوم الاستئناف إذا بلغ في الاثناء وإعادة الصلاة إذا بلغ بعدها، إنما هو كون الملاك الذى امر لاجله بالصلاة هل هو متحد في البالغ والصبي، ويلزمه وحدة الامر والمأمور به وأن التفاوت إنما هو في صفة الامر من الوجوب والاستحباب، أو تغاير الملاك فيهما وأن المصلحة التي اقتضت أمر الصبي بالصلاة استحبابا مغايرة للمصلحه التي اقتضت أمر البالغ بالصلاة وجوبا، ويلزمه سقوط الامر الاستحبابي عند البلوغ لسقوط ملاكه وثبوت أمر آخر وجوبيا عنده لثبوت ملاكه؟ فلو قلنا بوحدة الملاك وأن التغاير إنما هو في الصفة فقط كان اللازم هو القول بعدم إعادة الصلاة لو بلغ بعدها وإتمام الصلاة إذا بلغ في أثنائها، لاستيفاء الغرض والمصلحة فلا يكون هناك ما يوجب تجدد الامر الوجوبي بالاعادة والاستئناف، ولو قلنا بتغاير الملاك كان اللازم هو إعادة الصلاة واستئنافها، لسقوط ما هو الموجب للاستحباب وثبوت ما هو الموجب للوجوب، ولايمكن القول حينئذ بالاجتزاء بالركعتين اللتين صلاهما استحبابا، لان ملاك الاستحباب لايمكن أن يكون مسقطا لما هو ملاك الوجوب، والامر الوجوبي الذي يتوجه عليه في أثناء الصلاة إنما هو الامر بتمام الصلاة من التكبيرة إلى التسليمة، إذ ليس هناك أمر سوى قوله تعالى: أقيموا الصلاة(١) وأمثال ذلك، والصلاة اسم لمجموع الافعال لاخصوص الركعتين اللتين بلغ عندهما كما هو واضح، هذا.

ولكن الانصاف أنه وإن قلنا بوحدة الملاك كما هو ليس بكل البعيد لايلزمنا القول بسقوط الاعادة لو بلغ بعدها ولزوم إتمام الصلاة التي بلغ في

____________________

(١) الروم: الآية ٣١. [ * ]

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170