نخبة الأزهار في أخبار الخيار

نخبة الأزهار في أخبار الخيار0%

نخبة الأزهار في أخبار الخيار مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 244

نخبة الأزهار في أخبار الخيار

مؤلف: شيخ الشريعة الاصفهاني
تصنيف:

الصفحات: 244
المشاهدات: 63505
تحميل: 4460

توضيحات:

نخبة الأزهار في أخبار الخيار
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63505 / تحميل: 4460
الحجم الحجم الحجم
نخبة الأزهار في أخبار الخيار

نخبة الأزهار في أخبار الخيار

مؤلف:
العربية

قلت: ان التعبير بالخدع والمكر بالنسبة اليه سبحانه مجاراة في التدبير وعلى نحو المتشاكلة.

واستدل العلامة في التذكرة لثبوت هذا الخيار للمغبون بقوله تعالى: " الا ان تكون تجارة عن تراض منكم "(١) ثم قال فيها بعده: " ومعلوم أن المغبون لوعرف الحال لم يرض بها "(٢) .

ولكن لما كان ظاهر هذا الكلام هو فساد المعاملة وبطلانها من أول الامر، لان المفروض عند انكشاف الحال ثبوت عدم رضى المغبون بهذه المعاوضة، فتكون فاسدة حينئذ لاموجبا لخياره.

وجه الشيخ الانصارى أعلى الله مقامه كلامهرحمه‌الله بقوله: وتوجيهه: أن رضى المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبنى على عنوان مفقود وهو عدم نقصه عنه في المالية..(٣) وحاصل مرادهقدس‌سره منه: ان للمغبون رضائين.

رضى فعلى حقيقى بأصل المعاملة وبذات المبيع وهو متحقق فعلا، ورضى تقديرى صورى وهو رضاه بأن المبيع المأخوذ عوضا عما دفعه من القيمة يسوى بدرهمين فاذا انكشف الحال وتبين أنه يسوى بدرهم يعلم أنه لم يكن راضيا به من حيث العوض، لكونه فاقدا لعنوان له دخل في ماليته على فرض وجوده لكن لما كان المفقود صفة من صفاته لم يكن فقدانها موجبا لبطلان المعاوضة، بل موجبا لثبوت الخيار، اما ان يرضى بالمبيع

_____________________

(١) سورة النساء: ٢٩

(٢) التذكرة ج ١ ص ٥٢٢

(٣) راجع المتاجر ص ٢٣٤ طبع تبريز لملاحظة تمام كلامه ره

١٤١

الكذائى ويأخذ ما به يتدارك غبنه وضرره، واما أن يفسخ العقد ويرد المبيع ويسترد ثمنه.

ولكن لايخفى ما في هذا الاستدلال من الاشكال.

أما أولا: فلان قوله تعالى: " الا أن تكون تجارة عن تراض " استثناء منقطع لامتصل، ومع ذلك أن " الا " بمعنى " لكن " ومعناه الاستدراك، وكون الابمعنى الاستدراك شايع في الاستعمال، وهو جملة مستقلة في حد نفسه لا دلالة فيه على الحصر.

وثانيا: أن المدار في لزوم المعاملة هو الرضا الفعلى وهو متحقق فعلا حاصل على الفرض، ولذا أقدم بشرائه فعلى هذا يكون العقد معه لازما لاجائزا من جهة اشتماله بشئ موجب للخيار.

وثالثا: ورود النقض عليه ببعض الموارد، وهو أن يقال: انا فرضنا أن الشخص يشترى شيئا مبنيا على أن بيته خال عنه وهو محتاج اليه كمال الاحتياج، أو يشترى شيئا على أن ليس مثله عند رفقائه واقرانه، او ليس له مثل في العالم، بحيث لو كان له مثل عندهم او في العالم أو لم يكن بيته خاليا عنه لايكون مشتريا له أصلا فحينئذ اذا اشترى ذلك الشئ ثم اطلع بوجود مثله فيه او عند رفقائه يكون متضررا في العرف لعدم حصول غرضه من بيعه من جهة فقدانه الوصف الملحوظ فيه حين شرائه فلازم ذلك كون العقد جائزا وكونه ذاخيار من جهة توجه الضرر اليه عرفا وليس الامر كذلك.

ورابعا: عكس الايراد الثانى وهو بطلان المعاملة في تلك الحال من اول الامر كما حكى ذلك من صاحب الجواهر.

١٤٢

وبيان ذلك ان المفروض ان المشترى انما رضى عند العقد بأمر متوهم غير واقع في الواقع وفي نفس الامر، فيكشف ذلك بعد انكشاف الحال عن عدم رضاه بهذا المبيع من اصله فيبطل.

وهذا مثل مسألة اطعام زيد باعتقاد انه صديقه او كونه هاشميا او عالما، والفرض انه لو علم انه ليس صديقه بل عدوه في الواقع او ليس هاشميا او ليس عالما فيه لما يطعمه اصلا بل يبغضه غايه البغض ففى المقام لو كان مجرد احتمال امر موهوم كافيا في الصحة فلازمه جواز اكل هذا الطعام لزيد مع علمه بانه ليس صديقه بل عدوه ويعلم ايضا انه لو علم المطعم كونه عدوا لمايعطيه شيئا ابدا، والحال انه لااشكال في عدم جواز اكله في الصورة المفروضة بالضرورة من الدين مع وجود احتمال الامر الموهوم هنا ايضا.

لكن يمكن دفع كل منها.

اما الاولى فنقول: ان المقدمتين كلتيهما ممنوعتان اما الاولى فانا لانسلم ان الاستثناء منقطع، بل ان قوله " بالباطل " علة قائمة مقام المعلول، وتقدير الكلام: ان اكل الاموال من جميع الوجوه حرام لكونه باطلا أو لانه باطل، الا من جهة كونه تجارة عن تراض، ولقيا العلة مقام المعلول نظائر كثيرة في الكتاب والسنة كما في الكتب الادبية.

واما الثانية فسلمنا أن هذا الاستثناء منقطع لكن القول بانه لايدل على الحصر ممنوع، بل هو من جهة دلالته عليه أدل من دلالته الاستثناء المتصل عليه، فان قولنا: " جائنى القوم الاحمارهم " يدل على مجيئ

١٤٣

القوم بذواتهم وانفسهم وسائر متعلقاتهم سوى حمارهم منها فقط بخلاف قولنا " جائنى القوم الا زيدا " فانه لايدل على مجئ متعلقات القوم كما هو واضح.

وبهذا الجواب بعينه ايضا نجيب عما اورده اهل البدع والضلال من الاشكال على حديث المنزلة.

١٤٤

تحقيق استطرادى حول حديث المنزلة

ان العامة لما صاروا بصدد الرد والاشكال فيما ورد في حق سيدنا ومولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة أعنى أميرالمؤمنين وسيد الوصيين على بن ابى طالب صلوات الله وسلامه عليه وآله فاستشكلوا في بعض فضائله بضعف السند مثل رواية الولاية حيث لم يجدوها في صحاحهم مثل صحيح البخارى وغيره(١) لكن لما لم يتمكنوا أن يجيبوا بمثل هذا الجواب في حديث المنزلة حيث علموا أنها موجودة في صحاحهم ايضا من البخارى وغيره،(٢) فضطروا في التفصى عن ورود الاشكال عليهم به والتخلص منه بعدم الدلالة وقالوا: " ان حديث المنزلة لايدل على اثبات جميع منازل هارون له الا النبوة كما هو المدعى. لان الاستثناء فيها منقطع وأن الا بمعنى لكن ولادلالة فيه على الحصر.

لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الا أنه لانبى بعدى " يستفاد منه أن كل ما هو ثابت لهارون من المراتب والمناصب

_____________________

(١) قد نقل حديث الولاية في بعض صحاحهم كصحيح الترمذى وسنن ابن ماجة فراجع ج ١ ص ٩٠ ط النجف

(٢) راجع البخارى ج ٦ ص ٣ ومسلم ج ٧ ص ١٢٠ ومسند احمد ج ١ ص ٣٣١ وغاية المرام للبحرانى ص ١٠٨ - ١٥٢.

١٤٥

فهو ثابت لك الا عدم كون النبوة بعدى كما مقتضى كلمة " ان " المشددة التى يؤول ما بعدها بالمصدر وهو كلمة لا ومدخولها أعنى " لانبى بعدى " مع أن عدم كون النبوة بعده ليس من جملة منازل هارون و مناصبه كى يكون داخلا فيها ثم أخرج بالاستثناء، بل من جملة منازله ثبوت النوبة لاعدمها.

هذا حاصل قولهم في رد الرواية. وحاصل الجواب منا عليهم كما مر أن نقول: انا لانسلم أن الاستثناء منقطع، وأن الا بمعنى لكن وهو لايدل على الحصر.

أما منع المقدمة الثانية: فلما عرفت تفصيلا من أن الاستثناء المنقطع كان أدل على الحصر من الاستأناء المتصل.

وأما منع المقدمة الاولى: فنقول الاستثناء فيه متصل وأن تقدير الكلام: انهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب علياعليه‌السلام بقوله: أنت منى بمنزلة هارون في كل وجه من الوجوه من المناصب الثابتة له كائنة ما كانت الا في النبوة لانه ليس بعدى نبى فقامت العلة وهو قوله: الا أنه لانبى بعدى " مقام المعلول الا النبوة " فظهر أن المستثنى على هذا التقرير هو النبوة التى هى داخلة تحت المستثنى منه كانت من جملة منازل هارون ومناصبه، فيكون الاستثناء حينئذ متصلا من غير اشكال كما لايخفى على من أدنى مرتبة بمعرفة العلوم الادبية.(١)

_____________________

(١) راجع المراجعات للسيد شرف الدين ره ص ١٢٥ - ١٣٥، طبع الرابعة.

١٤٦

الاجابة عن الاشكالات الاخر

اما دفع الثانى: فان رضاه فعلا بالمبيع وان كان حاصلا الا أن وجوده كعدمه بالنسبة إلى لزوم العقد لانه انما رضى به لكونه يسوى بدرهمين لا انه راض به على كل تقدير وعلى كل حال ولو كانت قيمته بدرهم، لانه خلاف الفرض.

واما دفع الثالث: فان النقص المذكور غير وارد لوجود الفارق بينه وبين ما نحن فيه، وهو أن كون الاشتراء مبنيا على ما ذكر من خلو البيت عنه أو عدم وجوده عند غيره مثلا من الدواعى الخارجة عن حقيقة العقد وأركانه بخلاف ما نحن فيه فان كونه يسوى بكذا ليس كذلك فانه من اوصافه ولوازم ذاته، فالقياس مع الفارق، فحينئذ يصح جعل الخيار هنا بخلافه هناك.

واما الرابع: فان بطلان المعاملة من اول الامر كما هو الفرض اول الكلام، وان كون صحة البيع دائرة مدار المساواة عند الشارع كذلك، بل غاية الامران عدم المساواة يوجب الخيار لا لبطلان وأما قياس ما نحن فيه على مسألة الاطعام، ففيه أن صحة الاكل وجوازه فيها متفرعة على كون الاكل صديقا او عالما أو هاشميا او غيرهم من العناوين

١٤٧

المعتبرة المأخوذة في صحته وجوازه فبانتفاء العنوان ينتفى صحة الاكل وجوازه، ويكون أكلا بالباطل وحراما بخلاف ما نحن فيه لانه لم يكن معنونا بعنوان حتى ينتفى الحكم بانتفاء العنوان كما لايخفى.

ولكن الحق والانصاف أن الاية الشريفة لادخل لها بمسألة الخيار أصلا.

اذالمراد من الرضا لايخلو من أن يكون اما الرضا الفعلى الحاصل في حال الانشاء واما الرضا الواقعى على تقدير العلم بالخلاف.

فعلى الاول يكون مقتضاه صحة المعامله وجواز الاكل ابدا وفي جميع الاوقات حتى بعد فسخ المغبون اذا انكشف الخلاف، والحال انه لايلتزم به أحد بالضرورة.

وأما على الثانى فلازمه عدم جواز الاكل بعد انكشاف الواقع وحصول الرضا مع العلم بالتخلف، والحال أنه لاشك ولا شبهة في جواز التصرف قبل اطلاعه بالغبن بل بعده وقبل فسخ أيضا وهو ظاهر.

وكذا صدر هذه الاية من قوله عزوجل: " لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل "(١) لا دلالة فيه أيضا، بل انما يدل على البطلان بناء على شمولها للمقام من المعاملة الخدعية والغبنية.

وأما تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على رد المعاملة وعدمه كما قال به الشيخ الانصارىقدس‌سره في مقام بيان تقرير استفادة الخيار من هذه الاية الشريفة فلا دخل له بالمخدوعية على الثانى وعدمها على الاول.(٢)

_____________________

(١)سورة النساء: ٢٩.

(٢) كذا في الاصل وفيه ابهام كما لايخفى.

١٤٨

لانه بمجرد صدق كون المعاملة المفروضة خدعية وعاملها مخدوعا بها كما هو مقتضى الشمول تكون باطلة عاطلة، والتسلط الشرعى والعرفى على ردها لايخرجها عن كونها خدعية وغبنية كما لايخفى.

فظهر مما ذكرنا ان لازم شمول الاية هو البطلان لاثبوت الخيار فلايفرق حينئذ بين ما قبل التبين وما بعده وظهر ايضا ان الاستدلال بالصدر كالاستدلال بالذيل في المقام لافائدة له بوجه اصلا كما عرفت(١) ويمكن الاستدلال لثبوت هذا الخيار بما ورد من النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلقى الركبان من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لاتلقوا الجلب فمن تلقاه واشترى منه فاذا اتى السوق فهو بالخيار "(٢) وفي رواية اخرى: " ان تلقى فصاحب السلعة بالخيار "(٣) .

ولا مجال لمنع صحة اثبات الخيار به من حيث ضعفه نظرا إلى عدم وجوده في كتب الحديث، وان مجرد كون عملهم لى طبقه لايكفى في انجبار الضعف، بل لابد فيه من الاستناد عليه وهو غير معلوم وذلك لان الظاهر بقرينة ذكر الاصحاب له في الكتب الفقهية والاستدلالية انهم وجدوه في كتب الحديث وانهم استندوا عليه، والا فلايبقى وجه لكتبهم فيها مع كونهم غير مستندين عليه كما لايخفى

_____________________

(١) قال الشيخ الانصارى في المتاجر ص ٢٣٤: ولوا بدلقدس‌سره هذه الاية بقوله تعالى: ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل " كان اولى..

(٢) سنن البيهقى ج ٥ ص ٣٤٨

(٣) الغنية، فصل في اسباب الخيار ومسقطاته

١٤٩

ثم ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " فأذا اتى السوق فهو بالخيار " قرينة ظاهرة على ان وجه الحكم بالخيار وملاكه - بعد الوصول اليه - هو الغبن لكون الاسعار والقيم للاشياء منكشفة فيه غالبا وهو واضح.

الاستدلال بقاعدة لاضرر

وقد استدل عليه ايضا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لاضرر ولا ضرار " ووجه الاستدلال به انه لزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه الضرر على المغبون، فينتفى بثبوت الخيار له.

فنقول: ان المورد التى استعملت فيها قاعدة الضرر في لسان الشرع ثلاثة: الاول: قضية سمرة بن جندب، وفيها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لاضرار ولاضرر على المؤمن "(١) وهذه القضية متضمنة للفظ " على المؤمن " الذى ليس في سائر الموارد الباقية، فيكون تلك الرواية مقدمة على زيادة.

ومعلوم انه اذا دارالامر بين الزياده والنقيصة فالمشتملة على الزيادة مقدمة على الناقص، والا اى وان لم يعمل بهذا اللفظ الزائد في هذه القضية يلزم عدم العمل بلفظة لاضرر ولاضرار أيضا لعدم وروده بهذه العبارة فيها بل بنحو آخر فراجع إلى الرواية.

_____________________

(١) الوسائل، الباب - ١٢ - من أبواب احياء الموت، الحديث ٣

١٥٠

الثانى: قضية منع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، روى عقبة بن خالد عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: قضى رسول الهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل انه لايمنع نقع بئر، وقضىصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل البادية انه لايمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال: لاضرر ولاضرار(١) . ولايخفى ان المستفاد من الاولين هو النهى التكليفى.

اما الاول، فواضح.

واما الثانى، فكذلك ايضا اذا مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه لايجوز مع نقع بئر من فضل مائه وحاصل معناه انه لايجوز أن يمنع من فضل ماء حتى يكون سببا لمنع فضل كلاء، لان راعى الاغنام والابل وغيرها من سائر المواشى انما يريد الكلاء التى كانت مقرونة بالماء.

فاذا منع من الماء يمنع من الكلاء قهرا لانه لايريده بعد ذلك اصلا كما هو المتعارف فيما بين الرعاة.

فظهر ان لاضرر ولاضرار هنا اما ظاهر في الحكم التكليفى او متعين.

واما الثالث: فهو ظاهر في الحكم الوضعى اذبيع الشريك حصته

_____________________

(١) الوسائل، الباب - ٧ - من ابواب احياء الموات الحديث ٢.

(٢) الوسائل، الباب - ٥ - من ابواب الشفعة الحديث ١.

١٥١

من داره او من غيرها بغير شريكه ليس بمحرم عليه قطعا حتى يحكم عليه بلاضرر ولاضرار، بل الحكم بثبوت البيع ولزومه بغير شريكه قد يكون موجبا لتضرره من حيث المال أو الشأن او غير ذلك وهذا الحكم من اللزوم حكم وضعى يكون ضرارا على الشريك في بعض الاوقات، فلذا انجبره بجعله ذاحق وخيار على شريكه.

لكن لما كان ارادة كلا المعنيين اى الحكم التكليفى تارة والوضعى اخرى من لفظ واحد من حيث انه لفظ واحد، باطلا بالضرورة، فلابد من جهة الضرورة وعدم العلاج من ارجاع احدهما إلى الاخر.

فحينئذ نقول: الظاهر ان لاضرر ولاضرار هنا انما استعمل في نفى الحكم التكليفى ايضا.

وتقرير ذلك ان الشارع لما كان غرضه ارادة اثبات حق الشفعة للشفيع على صاحبه به وكان ايضا ارادة عدم اضرار هذا الشفيع الذى هو ذوالحق على صاحبه الذى هو بايع داره على غيره بمعنى ان الشفيع لو أراد أن يأخذ المبيع من يده من جهة تعلق حقه عليه شرعا اوجب عليه أن يأخذه من صاحبه بما رضى به الاجنبى من القيمة والشرائط المعتبرة فيه بحيث لو شرط البايع عليه أن يجلس فيها بعد بيعها له سنة أو سنتين مثلا فلابد له من ان يقبلها منه كذلك من دون ان ينقص من قيمتها شيئا ومن دون ان يسقط الشرائط الملحوظ فيها - اى شرط كان من الشرائط السائغة - فمفاد لاضرر ولاضرار هنا انه لايجوز عدم العمل بكل ما اتفق عليه البايع والمشترى من القيمة وغيرها بل يجب العمل بمثل ما اتفقا عليه من جميع المقررات والمفروضات فيما بينهما.

١٥٢

ثم ان دعوى هذا المعنى منه هنا انما هى من جهة الضرورة وعدم العلاج كما اشير اليه آنفا لا انه الظاهر منه فلايرد حينئذ دعوى عدم كونه ظاهرا فيه كما لايخفى.

ومن هنا ظهر ان الموارد التى تمسكوا فيها لاثبات الخيار مطلقا - اى خيار كان من خيار الشرط والعيب والغبن وغيرها - بعموم لاضرر ولاضرار لاوجه لها اصلا بل يحتاج أثباته فيها إلى دليل آخر غير هذا العموم.

ثم لو سلمنا ان مفاد هذه القاعدة مطلقا أى في المواضع الثلاثة هو الحكم الوضعى أعنى نفى اللزوم في المعاملة حتى يكون مقتضاه ثبوت الخيار للمغبون، فيتوجه عليه اشكال الشيخ الانصارى اعلى الله مقامه في المقام.

وهو أن انتفاء اللزوم وثبوت التزلزل في العقد لايستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد والامضاء بكل الثمن اذمن المحتمل ان يكون نفى اللزوم بتسلط المغبون على الزام الغابن بأحد الامرين من الفسخ في الكل ومن تدارك مافات على المغبون برد القدر الزائد ان كان اصل المال موجودا أو بدله ان كان تالفا ومرجعه إلى ان للمغبون الفسخ اذا لم يبذل الغابن التفاوت(١) .

والحاصل ان نفى اللزوم في المعاملة المغبون بها بمقتضى قاعدة الضرر لايثبت ان له الخيار فقط لا غير بل مقتضاها عدم ايصال الضرر اليه وأنه ممنوع شرعا وأن ما كان موجبا لترتبه عليه من الالتزام بلزوم

_____________________

(١) المتاجر ص ٢٣٥.

١٥٣

العقد كما في المقام غير لازم الوفاء لاجل ورود المنع في مورد الضرر وهذا المنع انما يحصل بواحد من الامور الثلاثة المحتمل اعتباره شرعا من خيار او تسلط المغبون على الزام الغابن بالفسخ اورد القدر الزائد عليه، ولاوجه لتخصيصه بالاول من دون دليل عليه.

ولكن يمكن ان يجاب عنه بان المراد من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله " لاضرر ولاضرار " ان ما هو ثابت من الاحكام على الموضوعات في غير حال الضرر، فهى مرفوعة عنها في حال الضرر نظير رفع الاحكام الثابتة عن الفقرات التسعة المذكورة في حديث الرفع(١) من السهو والنسيان والخطاء والاضطرار وغيرها من اخواتها عند تحققها ووجودها من غير فرق بينها وبين ما نحن فيه اصلا.

فاذا الذى كان ثابتا عند عدم الضرر هو اللزوم فيكون ذلك الثابت مرفوعا حين الضرر، فعدمه مساوق لثبوت الخيار بخلاف الباقيين من الزام الغابن على الفسخ ورد القدر الزائد فأنهما غير مساوقين لعدم اللزوم بل غير مرتبطين له.

ولكن الانصاف ان هذا الجواب غير وارد على اشكال الشيخقدس‌سره بل غير مرتبط به حقيقتا لان اشكالهرحمه‌الله مبنى على المعنى الثالث من المعانى الثلاثة المحتملة(٢) في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لاضرر ولاضرار " وهو حمل النفى على النهى والمعنى المستفاد من

_____________________

(١) الخصال ص ٤١٧ - طبع الغفارى

(٢) راجع رسالة لاضرر لاستاذ المؤلف فشيخ الشريفة الاصبهانى تجد بيان المعانى الثلاثة أو الاربعة للحديث

١٥٤

تحريم الفعل، ونفى الضرر المجرد عن التدارك، والذى هو المختار عنده من قوله:صلى‌الله‌عليه‌وآله " لاضرر ولاضرار " هو عدم مجعولية الحكم الضررى في الشرع.

فحينئذ يرد عليه مامر حاصلا ومحصولا من ظاهر معنى كلامهرحمه‌الله من ان رفع الحكم الذى يلزم من ثبوته ضرر، يتحقق بكل واحد من الامور المذكورة، ولايختص ذلك بالخيار.

نعم هذا المعنى المدعى في المقام معنى آخر وهو معنى رابع له.

ولو قلنا به فيه يكون جوابا عن اشكاله بلااشكال، لكنه يرد عليه اشكال آخر وهو ان نفى اللزوم عن العقد بقاعدة لاضرر، انما لازمه صيرورة العقد جائزا ولايلزم منه ثبوت الخيار الذى قد مر سابقا انه حق يجوز نقله وارثه واسقاطه وغيرها من التصرفات كما هو المدعى، والجواز مما لايقبل شيئا من ذلك.

حول قاعدة لاضرر

ينبغى التنبيه على امرين: الاول: انه قد كتب بعض العامة جميع الموارد التى قضا فيها النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها قضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الشفعة وقضائه في عدم منع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وليس فيها التمسك بقوله " لاضرر ولاضرار " اصلا، بل لايمكن تصحيحه على فرض وجوده لاسيما بالنسبة إلى قضائه في منع فضل الماء لان المنع عن فضله ليس ضررا عليهم بل هو منع عن انتفاعهم كما هو واضح.

وما يتراى في كتب الاحاديث من ذكر هذا اللفظ عقيب بعض الروايات مثل القضيتين المذكورتين انما نشأ من تقطيع الروايات بعضها من بعض، نعم هو منحصر بقضية سمرة بن جندب فقط.

الحديث الجامع لاقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله روى احمد بن حنبل في مسنده وقال: حدثنا عبدالله، حدثنا ابوكامل الجحدرى، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة عن اسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة:

١٥٥

قال: ان من قضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار والعجماء البهيمة من الانعام وغيرها والجبار الهدر الذى لايغرم.

وقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الركاز الخمس.

وقضى أن تمر النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع.

وقضى أن مال المملوك لمن باعه الا أن يشترط المبتاع.

وقضى ان الولد للفراش وللعاهر الحجر.

وقضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين والدور.

وقضى لحمل بن مالك الهذلى بميراثه عن امرأته التى قتلتها الاخرى.

وقضى في الجنين المقتول بغرة عبد او امة فورثها بعلها وبنوها قال وكان له من امرأتيه كلتيهما ولد، قال فقال ابوالقاتلة المقضى عليه يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف اغرم من لاصاح له ولااستهل ولاشرب ولااكل فمثل ذلك بطل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا من الكهان.

قال: وقضى في الرحبة تكون بين الطريق ثم يريد اهلها البنيان فيها فقضى ان يترك للطريق فيها سبع اذرع قال وكان تلك الطريق سمى الميتاء.

وقضى في النخلة او النخلتين او الثلاث، فيختلفون في حقوق ذلك فقضى ان لكل نخلة من اولئك مبلغ جريدتها حيزلها.

وقضى في شرب النخل من السيل ان الاعلى يشرب قبل الاسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الاسفل الذى يليه فكذلك

١٥٦

تنقضى حوائط او يفنى الماء.

وقضى ان المرأة لاتعطى من مالها شيئا الا باذن زوجها.

وقضى للجدتين من الميراث بالسدس بينها بالسواء.

وقضى ان من اعتق مشركا في مملوك قعليه جواز عتقه ان كان له مال.

وقضى ان لاضرر ولاضرار.

وقضى انه ليس لعرق ظالم حق.

وقضى بين اهل المدينة في النخل لايمنع نقع بئر.

وقضى بين اهل البادية انه لايمنع فضل ماء ليمنع فضل الكلاء وقضى في دية الكبرى المغلظة ثلاثين ابنة لبون وثلاثين حقة واربعين خلفة.

وقضى في دية الصغرى ثلاثين ابنة لبون وثلاثين حقة وعشرين ابنة مخاض وعشرين بنى مخاض ذكور.

ثم غلت الابل بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهانت الدراهم فقوم عمر بن الخطاب ابل المدينة ستة آلاف درهم حساب اوقية لكل بعير.

ثم غلت الابل وهانت الورق فزاد عمر بن الخطاب الفين حساب او قيتين لكل بعير.

ثم غلت الابل وهانت الدراهم فأتمها عمر اثنى ألفا حساب ثلاث أواق لكل بعير.

قال: فزاد ثلث الدية في الشهر الحرام وثلث آخر في البلد الحرام.

١٥٧

قال فتمت دية الحرمين عشرين ألفا.

قال فكان يقال: يؤخذ من اهل البادية من ماشيتهم لايكلفون الورق ولا الذهب ويؤخذ من كل قوم مالهم قيمة العدل من اموالهم(١) هذا هو الخبر السادس من أخبار عبادة بن صامت في مسند احمد الذى كنت في صدد ايراده لكونه متضمنا لقضية لاضرر ولاضرار ليعلم أنها قضية واحدة وليس في باقى قضاياه مثل قضائه بشفعة وقضائه بين أهل المدينة وقضائه بين أهل البادية لفظ " لاضرر ولاضرار " لكى يشكل الامر من جهات.

التنبيه الثانى: ان لفظ " في الاسلام " في قوله: " لاضرر ولاضرار في الاسلام " ليس في كتب الاحاديث أصلا لامن طرقنا ولا من طرق العامة، وانما هو مما تفرد به ابن اثير في كتابه فيما بين اللغويين.(٢)

الخامس من الادلة التى استدل بها على خيار الغبن

_____________________

(١) مسند احمد، الجزء الخامس، ص ٣٢٦، وراجع رسالة لاضرر لشيخ الشريعة الاصبهانى ص ١٧ - ١٨. قال فيه بعد نقل رواية عبادة بن صامت: اقول: وهذه الفقرات كلها اوجلها مروية من طرقنا موزعة على الابواب وغالبها برواية عقبة بن خالد وبعضها برواية غيره وجملة منها برواية السكونى والذى اعتقده أنها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبى عبدالله (ع) كما في رواية عبادة بن صامت الا ان ائمة الحديث فرقوها على الابواب.

(٢) نهاية ابن اثير ج ٣ ص ٨١ ونقله الصدوق كما نقله عنه صاحب الوسائل راجع كتاب الارث من ايواب الموانع الباب الاول الحديث ٩.

١٥٨

قد قلنا: انه قد استدل على هذا الخيار بقوله تعالى: " الا أن تكون تجارة عن تراض " وقوله تعالى: " لاتاكلوا أموالكم بينكم بالباطل " وبما ورد في تلقى الركبان وبقاعدة لاضرر.

وقد يستدل على الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن مثل قولهعليه‌السلام : " غبن المسترسل سحت "(١) وقولهعليه‌السلام : " غبن المؤمن حرام(٢) " وقولهعليه‌السلام " لاتغبن المسترسل فان غبنه لايحل(٣) " وغير ذلك من نظائرها.

ولكن لادلالة لها لثبوت الخيار أيضا، لان المراد من الغبن هو المعنى اللغوى وهو الخديعة الذى قد مر أنه مستلزم للجهل في طرف المغبون لاالمعنى الاصطلاحى، أعنى مبادلة مال بمال يزيد على ثمنه المثلى الذى هو اعم منه معنى، فلايعم للمورد الذى يكون كلا المتبايعين جاهلين، مع ان الغبن حاصل فيه بلا اشكال.

_____________________

(١) الوسائل، الباب - ١٧ - من ابواب الخيار، الحديث ١.

(٢) الوسائل، الباب - ١٧ - من ابواب الخيار الحديث ٢.

(٣)..

١٥٩

سلمنا لكن حرمة الغبن وعدم حليته حكم تكليفى غير مستلزم للحكم الوضعى وهو الخيار للمغبون، وكذا المراد من السحت وهو كون الغابن فيما تحقق به الغبن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب.

سلمنا ذلك أيضا الا أن الملازمة انما هى بين الحرمة وعدم الحلية وبين الفساد، لابينه وبين الخيار كما هو المدعى فاثباته حينئذ يقتضى دليلا آخر وراء ذلك.

الدليل السادس الاجماع

وأما التمسك بالاجماع لثبوت الخيار المذكور في المقام.

ففيه أنه غير صالح ايضا أما أولا فلانا لانسلم ثبوته مطلقا حتى مع فرض بذل الغابن مابه - التفاوت من القد الزائد، اذالعلامة ومن تبعه قد خالفوا في ذلك، حيث قالوا بعدم الخيار في صورة بذل الغابن التفاوت فلايكون تاما حينئذ.

وثانيا أنه دليل ظنى لاقطعى كاشف عن رأى المعصومعليه‌السلام وفيما نحن فيه لابد من دليل قطعى مع أن المدرك فيه أحد الامور السابقة من قاعدة الضرر وغيرها وقد عرفت عدم تمامية كلها.

وثالثا انا ذكرنا سابقا أن تحصيل الاجماع المحصل من أقوال العلماء وفتاويهم في جميع البلدان وفي جميع الاعصار غير ممكن حقيقة وفي الواقع، لان غاية ما وصل الينا من كتبهم المعروفة أو كنا نعرف اسمائهم واشخاصهم انما كانوا بين ثلاثين وأربعين شخصا أو اربعين وخمسين فقيها لاازيد من ذلك، فكيف يمكن دعوى الاطلاع بفتاوى جميعهم بل ربما لايكون الشخص عالما بفتوى جاره مع كونه

١٦٠