نخبة الأزهار في أخبار الخيار

نخبة الأزهار في أخبار الخيار0%

نخبة الأزهار في أخبار الخيار مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 244

نخبة الأزهار في أخبار الخيار

مؤلف: شيخ الشريعة الاصفهاني
تصنيف:

الصفحات: 244
المشاهدات: 63493
تحميل: 4460

توضيحات:

نخبة الأزهار في أخبار الخيار
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 244 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63493 / تحميل: 4460
الحجم الحجم الحجم
نخبة الأزهار في أخبار الخيار

نخبة الأزهار في أخبار الخيار

مؤلف:
العربية

مع انه اذا لاقى نجس بهذا المقدار من الماء فبمقتضى التحديد بالوزن يلزم أن يكون طاهرا ومطهرا وبمقتضى التحديد بالمساحة يكون نجسا ومنفعلا لكونه ناقصا عنه فحينئذ تنخرم الظابطة الشرعية فلا يحصل لها معنى محصل.

الجواب

ويمكن الجواب عن هذا الاشكال بان يقال: ان الذى كان معيارا واقعيا هو الوزن اذبه لايمكن الزيادة والنقصان في الموزونات، بخلاف المساحة فانه ليس معيار حقيقة بحيث لايتسامح فيها غالبا بل اعتبارها انما هى للطريقية إلى الوزن لكون المساحة مما يتسامح فيها بسبب اختلاف الاشبار حتى باختلاف المياه في البلدان من حيث الثقل والخفة، فالماء الثقيل يطلب مساحة اقل مما يطلبه الماء الخفيف فاعتبر المساحة زايدا عليه حتى ينطبق على جميع التقادير والوجوه.(١) اما اعتباره بهذا النحو من كونه ثلاثة اشبار ونصف دون نحو آخر لكونه قطعى الانطباق على الوزن المذكور مع شئ زايد منه. هذا هو قول المشهور.

_____________________

(١) وان شئت قلت: لما كانت المياه مختلفة من حيث الخفة والثقل، جعلت المساحة اوسع حتى ينطبق من حيث الوزن على جميع المياه حتى اخفها، فان الماء الخفيف يطلب مساحة اوسع مما يطلبها الثقيل فاعتبر الملاك في المساحة مقدار اوسع حتى ينطبق على جميع المياه، فالماء الذى وزنه الف ومأتا رطل، لايزيد على المساحة الملحوظة في جميع العالم سواء كان ثقيلا او خفيفا، بل المساحة المذكورة ربما تشتمل على ازيد من ذاك المقدار

١٨١

الا انه يمكن المناقشة والاشكال فيه بان يقال: ان رواية ابن أبى عمير مرسلة فهى ليست بحجة.

والقول بانه لايروى الاعن ثقة، مردود، اذهو نفسه لايعرف نفس المروى عنه ولذا يرسل الرواية والا كان اللازم عليه الاسناد، فكيف يقال انه لايروى الاعن ثقة.

وعلى فرض تسليم دعوى أنه لايروى الاعن ثقة لكنها لاتفيد في المقام لاحتمال اعتماده في ذلك على قرائن وأمارات تفيد الوثوق له دون غيره بل يمكن أن لاتفيد تلك الامارات لغيره شكا ولا وهما لو ظهرت له كما لايخفى(١) واما الجواب عن رواية على بن جعفر فنقول: اما اولا: فان نص الحديث ليس كما ذكر بل نص كما في الوسائل(٢) عبارة عمايلى: " على بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن جرة فيه ألف رطل وقع فيه أوقية من بول هل يصلح شربه أوالوضوء منه؟ قال: لايصلح ".

وثانيا ان نجاسة ذلك المقادر من الماء انما هى بسبب التغير لوقوع أوقية من العدم عليه لالقلته ونقصه عن الكر، وهو خارج عن المقام، ومثله في التغير السؤال عما فيه ألف رطل من الماء وقع فيه أوقية من البول هل يصلح شربه أو الوضوء منه: قال: لايصلح.

فان هذا ايضا لاجل التغير لالقلة الماء، غاية الامر انه هناك في اللون وهنا في الطعم.

تقدير الكر بالاشبار

_____________________

(١) بل التتبع والفحص يشهدان بانه يروى عن غير ثقة ايضا كما لايخفى.

(٢) الوسائل، الباب - ٨ - من ابواب الماء المطلق، الحديث ١٦.

١٨٢

ان هذا يتصور على وجوه.

تارة يلاحظ فيما يكون متساوى الاضلاع والابعاد من الطول والعرض والعمق كالشكل المربع.

واخرى فيما يكون غير متساوية ولو كان ذلك من جهة احد الاضلاع والابعاد وثالثة يلاحظ في الاجسام المستديرة كالابار والسطوح المستديرة فمقتضى القاعدة في الاضلاع المتساوية عدم ذكر الابعاد بان يقال: ثلاثة في ثلاثه، او اربعة في اربعة، او غير ذلك من الاشباه والنظائر كما ان مقتضاها في صورة الاختلاف بينها هو التصريح بالبعد المخالف بان يقال ثلاثة قى ثلاثة في اربع العمق اذا كان بعد العمق مثلا مخالفا واما في الثالث فمقتضى القاعدة فيه هو ضرب نسف قطره (القطر عبارة عن الخط المستقيم الذى يقسم الدائرة ومحيطها إلى قسمين متساويين مارا بمركزها) في نصف محيطة فلو كان القطر ثلاثة اشبار مثلا يكون محيطه تسعة اشبار تقريبا، اذا القطر يكون ثلث المحيط دائما فحينئذ يضرب نصف القطر وهو واحد ونصف في نصف المحيط وهو أربعة ونصف.

اما الاحاديث فان صحيحة اسماعيل بن جابر(١) عن ابى عبداللهعليه‌السلام " ثلاثة اشبار في ثلاثة اشبار " ظاهرة في الشكل المربع، ولذا لم يتعرض بذكر الابعاد مطلقا. واما صحيحة الاخرى التى هى أصح الروايات في الباب وهى

_____________________

(١) الوسايل، الباب - ٩ - من ابواب الماء المطلق الحديث ٧.

١٨٣

" ذارعان عمقه في ذراع وشبر سعته "(١) فانها ظاهرة في الشكل المستدير فيضرب نصف القطر في نصف محيطه فيخرج حاصل الضرب سبعة و عشرين شبرا ويكون حاصل الضرب في الصحيحة الاولى كذلك ايضا فان ضرب ثلاثة الطول في ثلاثة العرض يسير تسعة وضربها في ثلاثة العمق يصير سبعة وعشرين شبرا.

وهذا القول هو المختار والاقوى مما ذهب اليه المشهور لقوة اسانيد كما لايخفى.

هنا اشكالان عويصان

ربما يتوهم في المقام اشكالان عويصان ولعدم التخلص عنهما رغب غير واحد من العلماء الاعلام عن هذا القول ورجحوا قول المشهور واختاروه فلابد لنا من التعرض لهما ثم الاجابة عنهما ان شاء الله تعالى.

الاول فحاصله ان ضرب نصف القطر في نصف المحيط ثم ضرب المجموع في العمق وهو اربعة اشبار كما هو مقتضى رواية " ذراعين " بعيد عن الادهان السارجة ولايقف عليه الا المرتاض في العلوم الرياضية واما غيره فلايتصور في حقه فهم ذلك فضلا عن البدوى والقروى والحضرى.

ودعوى ان اسماعيل بن جابر كان من اهل هذا الفن مكابرة جدا والا كان اللازم حينئذ ان يكون ذلك الامر مذكورا في كتب الرجال في ترجمته وكتب الرجال خلو عنه.

_____________________

(٢) الوسائل: الباب - ١٠ - من ابواب الماء المطلق الحديث الاول

١٨٤

اما الثانى فان ترك قول المشهور في الكر، كان لاجل استلزامه شيئا عجيبا وهو عدم انطباق احدى الضابطتين على الاخرى مع ان الروايات في مقام اعطاء القاعدة وتحقيقها، لان احد الميزانين وهو التحديد بالاشبار كان زائدا قرابة سبعة اشبار على الاخر وهو التحديد بالوزن الذى هو ميزان حقيقى دقى في تحديد وتوزين الاشياء وهذه الرواية الزيادة امر معتدبه لايستامح عادة في مقام اعطاء القاعدة.

وهذا الاشكال بوجه آخر وارد على ذاك القول اعنى كون الكر عبارة عن سبعة وعشرون شبرا فانه يصير ناقصا عن الوزن مقدار تسعة اشبار.

وبالجملة الاشكالان في المقامين متعاكسان، فعلى قول المشهور يلزم زيادة التحديد بالمساحة على التحديد بالوزن، كما ان الامر في خلاف قول المشهور على العكس، اى يلزم كون التحديد بالوزن ازيد، من التحديد بالمساحة.

اضف إلى ذلك ان الاشكال على قول المشهور قابل للذب، دون على القول الاخر كما عرفت من المساحة بالاشبار ليست ضابطة كلية بحيث لايزيد عنها ولاينقص، بل يتسامح فيها غالبا بسبب اختلاف الاشبار والمياه وغيرهما، فاعتبارها من باب الطريقية والمعرفية للميزان الحقيقى وهو الوزن كما مر، فيراعى فيها جانب الاحتياط لتنطبق على كل حال.

وهذا بخلاف القول بأن الكر سبعة وعشرون شبرا، فانه يصير ناقصا عن الوزن مقدار تسعة أشبار كما هو واضح لمن تأمل في المقام وليس له وجه وجيه في الظاهر حتى يحتمل عليه كما في قول المشهور.

١٨٥

فزيادة التحديد المساحة على التحديد بالوزن، له وجه وهو ملاحظة الاحتياط في المياه الثقيلة، والاشبار الصغيره، واما نقصان التحديد بالمساحة على التحديد بالوزن، لايتصور له وجه، اذ هو على خلاف الاحتياط، هذا حاصل الاشكالين.

أما الجواب عن الاول فتارة بالنقص.

وهو أن يقال انه وارد على قول المشهور أيضا فان ضرب السعة في السعة أو الصحاح في الصحاح مما يمكن أن يفهمه غالب الناس، الا ان ضرب الكسور في الكسور كالنصف في النصف او في غيره مما يغفل عنه الاشخاص جدا ويوجب الاشباه كما وقع فيه العلامة المجلسى وصاحب الجواهر قدس‌ سرهما.

فلابد في اعمال ذلك من ان يكون الشخص مرتاضا في هذا الفن كما لايخفى.

والجواب باى شى؟؟ فرض هنا كان هو الجواب هناك.

واخرى بالحل بأن يقال: ان مراد الامامعليه‌السلام من الجواب عن الكر لمن سأل عنه بعبارة " ثلاثة في ثلاثة " أو " ذراعين في ذراع وشبر سعته " ليس الا ارائتهعليه‌السلام للسائل هذا المقدار من الماء وتسميته ذلك كرا حتى يقيس السائل غيره من المياه الاخر التى كانت مشكوكة الكرية عليه كى يرتفع تحيره وشكه في كريته وعدمها، فان كان مشكوك الكرية مطابقا لما علمه الامامعليه‌السلام من المقدار من الماء فيعامل معه معاملة الكرية والا فلايعامل معه معاملتها.

١٨٦

وهذا المقدار كاف في مقام قفهيم المراد ولايحتاج إلى ازيد من ذلك من تفهيم السامع حاصل الضرب ونتيجته.

مع انه يرد عليهم ان الشكل في الكر ليس منحصرا في الشكل المربع حتى يسهل امره من حيث الضرب بل قد يتحقق في ضمن الشكل الاهليجى والمخروطى وغيرهما من الاشكال غير المستقيمة الابعاد.

فما ذكروه من الاشكال السابق من انه لايفهم هذا المعنى الدقيق الا المرتاض في العلوم الرياضية دون غيره جاز على قول المشهور كما لايخفى.

أما الجواب عن الاشكال الثانى: بأن يقال: ان هذا المحذور انما جاء بسبب القول بان الكر من حيث الوزن عبارة عن ألف ومأتى رطل بالعراقى دون المكى والمدنى.

الا أنا لسنا ملزمين بهذا المعنى فيه كى يرد علينا الاشكال المذكور بل المرجع فيه هو صحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبداللهعليه‌السلام " ان الكر ستمأة رطل "(١) وتوضيح ذلك أن المعتبر في الارطال وان كان هو الرطل العراقى فانه مدار في كل ما اعتبر فيه الرطل الا ان الرطل المذكور في هذه الصحيحة رطل مدنى لامكى ولاعراقى ولكنه منطبق على سبعة وعشرين شبرا في الحقيقة والواقع.

اما الدعوى الاولى فلانه من الواضح والمعلوم أن الشخص اذا

_____________________

(١) الوسائل، الباب - ١٣ - من ابواب الماء المطلق الحديث ٣.

١٨٧

تكلم بشيئ وكان له فردان واصطلاحان عند المتكلم والمخاطب يحمل العقلاء كلامه على ما هو متعارف عند المتكلم مع فرض كون المخاطب عالما بما هو متعارف عند، والا فيحملونه على ما هو متعارف عند المخاطب وعلى اصطلاحه.

وعلوم ان اباعبداللهعليه‌السلام كان من اهل المدينة، فلابد حينئذ من حمل كلامهعليه‌السلام على المدنى كما حمله على ذلك شيخنا البهائىقدس‌سره ايضا(١) واما انطباقها على سبعة وعشرين شبرا فأن الف رطل من العراقى منطبق على ثلاثين شبرا كما في عبارة الشيخ البهائى ايضا فيكون كل مأة منه في مقابل ثلاثة اشبار وقد علم من الخارج ان ستمأة رطل مدنى عبارة عن تسعة مأة رطل بالعراقى، وهو منطبق على سبعة وعشرين فهو المطلوب.

فاذا ينطبق اخبار الباب بعضها على بعض ويطرح ما هو مخالف لهذا القول من الخبار، وليس هذا مختصا به بل هو لازم على القول المشهور في الكر ايضا، فانهم يطرحون الاخبار المخالفة لمذهبهم.

اذ على فرض التعارض بينها وبين غيرها كان الترجيح لهذه الاخبار التى اخترناه فانها اصح الاخبار في باب الكر لاشتمالها على مرجحات كما صرح به بعض ايضا.

_____________________

(١) راجع رسالة في تحديد الكر للشيخ البهائى ره المطبوعة مع رسالات اخر له قديما وحديثا.

١٨٨

بخلاف مدارك المشهور، فأن العمدة في رواياتهم هى رواية ابى بصير ورواية حسن ابن صالح، فالاولى ضعيفة لكونها شاملة على عثمان بن عيسى وهو واقفى، والثانية ضعيفة ايضا لاشتمالها على حسن بن صالح وهو زيدى.(١) ثم انا نتكلم في جميع الاخبار تفصيلا واجمالا سواء كانت من مدارك القول المشهور او المختار والا فغير ما اخترناه من الاخبار ساقطة عن مرتبة الاعتبار مطروحة عن اصلها كما مر.

فنقول: ان مقتضى مفهوم قولهعليه‌السلام : " الماء اذا بلغ قدر كر لم ينجسه شئ "(٢) انه اذا فرضنا الماء بمثابة قدر الكر من دون زيادة قطرة ونقصانها، ثم لاقت به قطرة دم او بول او ولغ الكلب او الخنزير او غير ذلك من امثالها فانه ينجس حينئذ بلااشكال لصيرورته ناقصا اما بسبب الولوغ ووصول قطرة من البول فالاخبار لوحظ فيها اعتبار ان، العاصمية الفعلية من النجاسة والعاصمية بالقوة، وما هو شاملة على الزيادة من قدر الكر من الروايات كما في روايات قول المشهور فهى عاصمة عن الانفعال بالفعل مطلقا بأى سبب كان وما ليس كذلك فهى عاصمة عنه بالقوة كذلك ايضا، لانه بعد الملاقات بالنجس يصير ناقصا عن قدر الكر فيكون عنوانه حينئذ عنوان ملاقاة الماء القليل بالنجس فينجس.

_____________________

(١) راجع معجم رجال الحديث ج ٤ ص ٣٧١ وج ١١ ص ١٢٦.

(٢) راجع الوسائل، الباب - ٩ - من ابواب الماء المطلق.

١٨٩

فالاعتبار المذكور ان يعتبران في الخبرين المتعارضين ايضا، فان واحدا منهما لكونه مقرونا بمرجحات، حجة فعلية عاصم عن معارضة الغير، وذلك الغير الذى عبارة عن الاخر حجة بالقوة لكونه مرجوحا بالنسبة اليه لعدم اشتماله على المرجحات على الفرض.

تنبيه

ان المدار فيما اعتبر في الكر من الماء على كلا القولين من المشهور والمختار عند ورود النجاسة عليه هل هو كون الماء بعضه فوق بعض بحيث يعد في العرف متراكما ومصداقا له.

او المدار اتصال اجزاء الماء بعضه ببعض وعدم اشتراط التراكم فيه، بل يكفى في التطهير كون الماء قدر كر ولو كان عمقه اصبعا او نحوه.

الحق والانصاف ان استظهار عدم الاشتراط عن الاخبار لايخلو من اشكال كما هو غير خفى لمن تأمل وتدبر فيها هذا تمام الكلام في تحديد الكر تمت الرسالة بيد مؤلفها الفقير محمد حسين السبحانى التبريزى ابن محمد جعفر عاملهما الله بلطفه الخفى وفرغ عن تسويدها في النجف الاشرف عام ١٣٣٤، وخرج عنه إلى البياض في بلدة تبريز في شهر رجب المرجب من شهور عام ١٣٧١.

الحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا

١٩٠

الرسالة الثانية (في تحقيق معنى البيع)

في تحقيق معنى البيع وما يصح ان يقع معوضا وعوضا وفي الفرق بين الحق والحكم

١٩١

بسم الله الرحم الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين اما بعد: فهذه نتيجة ما تلقيته من بحث شيخنا العلامة الحجة الجامع لانواع المعارف والعلوم الاسلامية، استاذ الفقهاء والمجتهدين، اعنى به حضرة الشيخ فتح الله بن محمد جواد النمازى الشهير بشيخ الشريعة الاصفهانى دامت اظلاله.

وهذه الرسالة الموجزة إلى لباب القول في حقيقة البيع واركانه، وما يصح ان يقع عوضا او معوضا، وتحقق الحال في الفرق بين الحق والحكم. إلى غير ذلك من شوارد المطالب. المؤلف

١٩٢

ان البيع من المفاهيم الواضحة عند العرف بشيوع استعماله في محاوراتهم وهو يحدد عندهم - باعطاء شئ في مقابل شئ آخر - او - دفع شئ واخذ شئ آخر ولما كان ذلك متحققا بالاموال والاعيان، عرفه الفيومى في " مصباح اللغة ": انه مبادلة مال بمال.

ولما كان هذا المعنى متضمنا للنقل والانتقال بسبب من الايجاب والقبول عبر بعض عنه بالنقل، وبعض آخر بالانتقال، وثالث بالعقد، بأن قالوا: البيع هو النقل، البيع هو الانقال، البيع هو العقد المفيد.. ثم لما كان ذلك المعنى منسوبا إلى البايع وناشئا من قبله. عبروا عنه بانشاء التمليك وبالتبديل.

ولما كان ذلك منسوبا إلى البايع والمشترى معا بنحو من الانحاء عبر عنه بالمبادلة ويقال: هو مبادلة مال بمال. وغير ذلك من الملاحظات الواقعة في تعريفه بعناية من العنايات. والاولى - ان لم يكن متعينا -، تعريفه بالمبادلة، اى مبادلة مال بمال كما مر من المصباح، ووجه ذلك، ان البيع في الحقيقة فعل البايع والمبادلة صفة متحققة بالمالين، فالبايع اولا يبدل احدهما في مقابل

١٩٣

الاخر، والمشترى يمضى هذا الفعل الصادر من البايع ويرضى به.

ومما يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه، نسبة فعل باب المفاعلة إلى شخص واحد في بعض ابواب الفقه، مثل " صالحت " في باب المصالحة فان المراد منه هو نفس فعل المصالح فقط وليس النكتة فيه الا ماذكر ثم ان البيع قد يحصل بانشاء الصيغة بان يقال: بعت هذا بهذا، وقد يحصل بنفس الفعل من دون قصد الانشاء.

وقد قيل في المقام: ان الملكية من الامور الانشائية فهى متوقفة على سبب وانشاء مثل الايجاب والقبول كالافعال التوليدية المتوقفة على اسبابها.

اقول: لايخفى ما فيه من الاشكال لان هذا انما يتم بالنسبة إلى البيع، بالصيغة، واما بالنسبة إلى البيع بالمعاطاة فلا، لانها على القول بانها بيع حقيقة، لاصيغة كى يتحقق بها البيع المعاطاتى حينيذ، فانها لابد اما ان تكون الصيغة هى المقاولة الواقعة بين الطرفين من البايع والمشترى قبل الاعطاء والاخذ، واما ان تكون نفس الافعال من الاعطاء والاخذ اما الاول فليس بصيغة قطعا كى يتحقق به البيع ويكون منشأ لتحققه وموجدا بايجاده. وان قلت: ان تلك المقاولة في الحقيقة انشاء للبيع وفي معناه قطعا.

قلنا: ان هذا تعميم في الصيغة، لاانها صيغة حقيقة كما لايخفى.

واما نفس الافعال - من الاعطاء والاخذ بعد المقاولة - فكذلك، اذ ربما يكون كل واحد من البايع والمشترى ذاهلا صرفا وغافلا محضا

١٩٤

حين الاعطاء والاخذ عن قصد الانشاء بالافعال المذكورة كما هو واضح(١) فبناء على هذا يلزم ان لايتحقق البيع وليس الامر كذلك.

فظهر من ذلك ان البيع على نحوين: نحو يحتاج إلى انشاء الصيغة كما في المعاملة بالصيغة، ونحو آخر لايحتاج اليه وهو البيع المعاطاطى كما مر.

_____________________

(١) اللهم الا ان يقال: ان الاسباب الفعلية، كالاسباب القولية، و يكفى في صحة الانشاء بهما، التوجه الاجمالى الارتكازى، بحيث لو سئل عن جهة الاخذ والاعطاء، لاجاب عن وجههما وبذلك تتم القاعد الكلية من احتياج البيع إلى الانشاء مطلقا. (المؤلف)

١٩٥

الكلام في المبيع الكلى

ثم ان المتبادر من المبيع كونه علينا لامنفعة ولاحقا، بخلاف العوض، فانه يجوز أن يكون منفعة أو حقا، ولذا لو قال رجل: بعت سكنى دارى بكذا حملنا على الاجارة كما لايخفى.

ولما كان اللازم فيه كونه عينا مطلقا، سواء كان امرا شخصيا موجودا في الخارج، أم أمرا كليا موجودا في الذمة، أشكل الامر بالنسبة إلى الثانى لان الملكية التى تحصل بالعقد وتوجد بالايجاب والقبول تشبه الاعراض فتحتاج إلى متعلق خارجى، والمبيع اذا كان كليا في الذمة لاوجود له خارجا، واذا لم يكن موجودا في الخارج لايكون مالا ولاملكا فان الكلى في الذمة ليس الاعدما محضا ومعدوما صرفا، واذا كان ما في الذمة عدما صرفا، فكيف يكون ملكا حتى يتعلق به انشاء التمليك؟ مع ان الملكية شبه العرض لاقوام له الا في الموضوع والمتعلق الخارجى.

وهذا هو الاشكال في المقام.

وقد يقال في الجواب عن ذلك: ان الملكية من قبيل الامور الاعتبارية، لامن قبيل الامور المتأصلة مثل القيام والقعود والحلاوة والحموضة وأمثال ذلك، فحينئذ لامانع من كون محلها أيضا أمرا

١٩٦

اعتباريا وموجودا بالفرض والاعتبار.

اقول: الحق في الجواب أن يقال: ان مقتضى اشتراط كون المبيع عينا ليس أن يكون عينا موجودا في الخارج فعلا لان الامور المتأصلة - فضلا عن الامور الاعتبارية - التى يترقب وجودها في محلها تكون منشأ للاثر فعلا ومحلا لترتب الاثار عليه كذلك.

وان شئت تحقيق الحال فلاحظ نفسك: فانه اذا اخبرك مخبر صادق بأن الله تبارك وتعالى يرزقك بعد سنة مثلا ولدا بارا صالحا، أو يرزقك نعمة اخرى من نعمه، او أخبرك بأن الفلانى قد قصد قتلك بعد سنة، فعند ذاك تكون مسرورة بسبب البشارة فعلا وتكون خائفة بسبب التخويف منه، مع أن ما به البشارة وما به التخويف لاوجود له فعلا. بل يترقب وجودهما في المستقبل.

فما نحن فيه من هذا القبيل، فان البايع اذا باع فعلا عشرين حقة من حنطة في الذمة وكان مترقبا وجودها بعد مدة، يكون المشترى مالكا على ماذمة البايع من العين المبيعة الموجودة بالقوة لابالفعل ولايشترط في المبيع أن يكون موجودا بالفعل وهو واضح.

وأما أنه ليس بملك لبايعه فمدفوع بأنه ملك لمالكه فعلا، لكن وجوده متوقف إلى مضى زمان، اذا غاية ما يعلم من أن هذا الشيئ ملك لمالكه وذاك ليس بملك له، أن له ربطا بمالكه او لاربط له وهذا المعنى موجود في المقام، فأن البايع في علم الله ونفس الامر له ربط بمبيعه الذى هو امر كلى وانه ملك له وان لم يكن موجودا بالفعل. نعم تحققه في الخارج يحتاج إلى وجوده الخارجى.

١٩٧

ومن هنا ظهر أيضا أنه مال أيضا بل كونه مالا أظهر من كونه ملكا لان المال هو الذى يرغب فيه العقلاء ويبذلون بازائه المال، وما نحن فيه ايضا كذلك، اذالعقلاء يرغبون إلى هذا الامر الكلى المترقب حصوله بعد مدة من دون ريب واشكال.

لايقال: انه فرق بين المقامين فان البشارة والخوف هناك انما يقومان بنفس الانسان الخارجى، بخلاف ما نحن فيه، فان الملكية أو المالية انما هى قائمة بنفس الشيئ الذى سيوجد، اذالملك بالحمل الشايع الصناعى محمول عليه كما لايخفى.

لانا نقول: انه لافرق بينهما اصلا، اذكما أن السرور والمحبة ربط وعلقة واضافة بين الاب والولد مثلا قائمة بهما مع ان احد الطرفين اعنى الولد غير موجود، كذلك الملكية هى ربط واضافة بين المالك وملكه وقائمة بهما كما لايخفى.

لايقال: ان لازم ما ذكر من أن اطلاق المالك وذى المال على الشخص ليس متوقفا على أن يكون له ملك أو مال فعلا، بل يكفى في صحته، كونه ذا مال وذاملك بالقوة، صحة اطلاق ذى المال وذى الملك على الفقير غير القادر على تحويل العين في وقته وليس الامر كذلك لعدم صحة صدقه على مثل هذا الشخص المفروض بالبداهة.

لانا نقول: ان عدم صدقه عليه فعلا لعدم الربط والعلقة بينه وبين هذا الشخص المفروض في علم الله وفي نفس الواقع لعدم الاضافة بينهما بخلاف ما نحن فيه، فان المفروض أن العلقة والاضافة فيما بينهما موجودة فعلا، لكن الطرف غير موجود فعلا ولكنه موجودة في ظرفه وعند

١٩٨

وقته وأوانه كمامر آنفا(١) .

_____________________

(١) هذا ما افاده شيخنا العلامة دام ظله، وهو يرى ان الملكية من مقولة الاضافة وهى قائمة بين المالك الموجود، والمال المتحقق في ظرفه في المستقبل، ولاجل ذلك يفرق بين الملى والفقير في الذمة فان ظرف الاضافة في الاول موجودة في ظرفه وهذا كاف في تحمل الاضافة دون الثانى.

هذا وفي ما افاده دام ظله نظر: فان الملكية لو كانت من مقولة الاضافة، او من الامور ذات الاضافة وان لم تكن من مقولتها كالعلم والرزق، لاحتاج إلى طرف موجد بالفعل، ولايكفى الوجود بالقوة في المستقبل، لامتناع قوام الامر الموجود الفعلى، بامر معدوم فعلا، وكونه موجودا في علم الله اوفى عالم الدهر لايناسب الابحاث الفقهية والاولى ما افيد من ان الملكية من الامور الاعتبارية، وهى ليست من الامور المتاصلة المحتاجة إلى موضوع حقيقى، ويكفى اعتبار وجوده في ذمة البايع اذا كان قادرا على تحويل العين في موعده المقرر.

واما قياس ذلك بالسرور القائم بالوالد والولد غير الموجود فعلا فمع الفارق، لان السرور قائم بين الوالد والولد المتصور الذهنى، لاالخارجى، وكذا الخوف، قائم بينه وبين القتل المتصور فتدبر. المؤلف

١٩٩

الفرق بين الحق والحكم

ان المحققين من الاعلام عرفوا الحق بتعاريف: تارة بأنه سلطنة مجعولة من الشارع للانسان من حيث هو على غيره، أو سلطنة شخص على غيره.

واخرى بأنه اعتبار خاص يلزمه السلطنة.

وثالثة بأنه مرتبة خفيفة منتزع عن الملك.

ثم فسروا الغير بأن المراد منه قد يكون الشخص، وقد يكون المال، وقد يجتمعان كما في الاجارة.

اما اولا فلان لحاظ الفرق بين الحق والحكم مثل لحاظ الفرق بين الوجوب والاستصحاب، أو بين الوجوب والاستحاضة مثلا وأمثال ذلك في أنهما ليسا من سنخ واحد كى ينجر الامر عند اشتباه أحدهما بالاخر إلى التفريق والتميز في تشخيص أحدهما عن الاخر، بل هما سنخان متغايران غاية التغاير.

لان الحكم عبارة عن الاحكام الخمسة التكليفية من الوجوب والحرمة والندب والكراهة والاباحة وعن الاحكام الاوضعية من السببية

٢٠٠