المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ١

المهذب البارع في شرح المختصر النافع0%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 568

المهذب البارع في شرح المختصر النافع

مؤلف: العلامة جمال الدين ابي العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي
تصنيف:

الصفحات: 568
المشاهدات: 94485
تحميل: 6733


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94485 / تحميل: 6733
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء 1

مؤلف:
العربية

(ويلحق بهذا الباب مسائل)

الاولى: كفن المرأة على زوجها ولو كان لها مال.

الثانية: كفن المبت من أصل تركته قبل الوصية والدين والميراث.

الثالثة: لا يجوز نبش القبر ولا نقل الموتى بعد دفنهم.

الرابعة: الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن، بل يصلى عليه و يدفن بثيابه، ن ينزع عنه الخفان والفرو.

الخامسة: إذا مات ولد الحامل قطع وأخرج، ولو ماتت هي دونه يشق جوفها من الجانب الايسر واخراج، وفي رواية يخاط بطنها. يدل على دفن الولد معها حيث تدفن هى، ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها. قال المصنف في المعتبر: والوجه أن الولد لما كان محكوما له بأحكام المسلمين، لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة، وإخراجه مع موتهما غير جائز، فتعين دفنها معه(١) ، وقال أحمد بن حنبل: يدفن في مقبرة اليهود والنصارى ويستدبربها. وقولهرحمه‌الله في المتن، (قيل) استضعافا لمستند الحكم، من ضعف الراوي، ومن ضعف الدلالة. إذ ليست الرواية صريحة في المدعى. واختار العمل به، لا من حيث الرواية، بل من دليل آخر. وهو ان هذا الولد محكوم باسلامه، فلا يدفن في مقبرة غير المسلمين. قال طاب ثراه: ولو ماتت هي دونه، يشق جوفها من الجانب الايسر واخرج. وفي رواية يخاط بطنها. اقول: البحث هنا في ثلاثة امور.

(الف): الشق. وهو إجماع الامامية، إذا بلغ الحمل أجله، بحيث لو خرج الولد

____________________

(١) إلى هنا كلام المعتبر: كتاب الطهارة، في أحكام الدفن، ص ٧٩، س ٣.

١٨١

السادسة: إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر، فهو كما لو وجد كله. وإن لم يوجد الصدر، غسل وكفن ما فيه عظم، ولف في خرقة ودفن ما خلا من عظم. بقى حيا على اليقين. وأقله مضى ستة أشهر، وعليه العامة عدا أحمد بن حنبل حيث منع من الشق في المسلمة والذمية، بل تسطو(١) القوابل عليها، فيخر جنه، ولو لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليها، وتركت حتى يتيقن موته ثم يدفن، لانه مثله، ولان حرمة الميت كحرمة الحي، وهذا الولد لايعيش عادة، فلا تهتك حرمة متيقنة لامر موهوم(٢) . احتج الاصحاب: بانه توصل إلى بقاء الحى يخرج في ميت، فيكون أولى، فيغتفر. ولانه لو خرج بعضه وتشبث بحيث يحتاج إلى السعة، وجب الاتساع عليه، والحال واحدة. والروايات من طرق أهل البيتعليهم‌السلام . فمنها ما رواه علي بن يقطين قال: سألت العبد الصالحعليه‌السلام عن المرأة تموت وولدها في بطنها؟ قال: يشق بطنها ويخرج ولدها(٣) . ومنها رواية اسماعيل بن مهران، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها، أيشق بطنها و يستخرج ولدها؟ قال: نعم(٤) .

____________________

(١) مجمع البحرين: ج ١، ص ٢١٨، وفي الخبر " لابأس أن يسطو الرجل على المرأة اذالم تجد أمرأة تعالجها وخفيف عليها يعني إذا نشب ولدها في بطنها ميتا فله مع عدم القابلة ان يدخل يده ويستخرج الولد ".

(٢) نقله عنه في المعتبر: كتاب الطهارة، ص ٨٥، س ٢٩.

(٣) الكافي: ج ٣، ص ١٥٥، كتاب الجنائز، باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرك، حديث ١.

(٤) الكافي: ج ٣، ص ١٥٥، كتاب الجنائز، باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرك، حديث ٢.

١٨٢

(ب): كون الشق من الجانب الايسر: فهوالذي ذكره الشيخ في النهاية(١) وعليه إتباعه. وهو مذهب الصدوق(٢) ، والمفيد(٣) ، وأطلق في الخلاف الشق، ولم يقيده بالايسر(٤) ، وكذا المصنف في الشرايع(٥) ، والعلامة في القواعد(٦) ، وعليه دل اطلاق الروايات.

(ج): خياطة الموضع. وهوالذي ذكره الشيخ في المبسوط، فانه قال فيه: وإن ماتت المرأة ولم يمت الولد شق بطنها من الجانب الايسر، وخيط الموضع(٧) . والخياطة قال العلامة في التحرير(٨) ، والقواعد(٩) ، والمصنف في الشرايع(١٠) ، وكلامه

____________________

(١) النهاية: باب تغسيل الاموات وتكفينهم وتحنيطهم، ص ٤٢، س ٧، قال: " واذاماتت المرأة ولم يمت ولدها شق بطنها من الجانب الايسر، واخراج الولد، وخيط الموضع ".

(٢) الفقيه: ج ١، ص ٩٧، باب ٢٤، المس، ذيل حديث ٤٧.

(٣) المقنعة: باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال، ص ١٣، س ٢٠، قال: " فان ماتت إمرأة وفي جوفها ولد حي يتحرك شق بطنها مما يلي جنبها الايسر واخرج الولد منه، ث خيط الموضع ".

(٤) الخلاف ج ١، ص ٢٦٨، كتاب الجنائز، مسألة ٩٢.

(٥) لا يخفي ان المصنفقدس‌سره في الشرايع قيده بالجانب الايسر، قال في المسألة الرابعة: من لواحق الدفن، ج ١، ص ٤٤، مانصه: " وان ماتت هي دونه شق جوفها من الجانب الايسر، وانتزع وخيط الموضع ".

(٦) القواعد: الفصل الخامس في لواحق الدفن، ص ٢١، س ١٩، قال: " ويشق بطن لاخراج الوالد وخيط الموضع ".

(٧) المبسوط: ج ١، كتاب الجنائز، ص ١٨٠، س ٢٣، و ٢٤، وفيه " شق بطنها من الجانب الايسر واخراج الولد وحيط الموضع ".

(٨) التحرير: كتاب الطهارة، المطب الخامس في الدفن، ص ٢٠، س ١٦، قال: " (ح) اذا ماتت الحامل دون او الولد، شق بطنها من الجانب الايسر واخراج الولد وخيط الموضع.

(٩) تقدم آنفا.

(١٠) تقدم آنفا.

١٨٣

قال الشيخان: ولا يغسل السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة. ولو كان لدونها لف في خرقة ودفن.

في المعتبر يؤذن بعدم الخياطة(١) . احتج الموجبون: بما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة: يخرج الولد و يخاط بطنها(٢) . وهي مقطوعة. احتج الآخرون: بأصالة براء‌ة الذمة، وضعف الرواية بالقطع. قال المصنف في المعتبر: (وانما قلنا: وفي رواية: ويخاط الموضع لانها رواية ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، موقوفة عليه، فلا يكون حجة. ولا ضرورة إليه، لان مصيرها إلى البلى)(٣) . والاقرب: الوجوب، لما فيه من ستر الميتة، وإستدراك المثلة الحاصلة بالشق، ولاشتماله على حفظ أمعائها وجمع أجزائها ومنعها عن التفرق والتبدد، وللعمل بالرواية. قال طاب ثراه: قال الشيخان، ولا يغسل السقط إلا إذااستكمل شهورا أربعة: ولو كان لدونها لف في خرقة ودفن. أقول: لاخلاف بين الاصحاب في ذلك، وذكره للشيخين تفخيما لهما. وإنما الخلاف فيه مع العامة، فمذهب أبوحنيفة ومالك انه يلف في خرقة ويدفن إلا أن

____________________

(١) المعتبر: كتاب الطهارة، في أحكام الاموات، ص ٨٥، س ٢٨. قال: " ولو ماتت الام وبقي هو حيا على اليقين شق جوفها من الجانب الايسر واخرج الولد ".

(٢) التهذيب: ج ١، ص ٣٤٤، باب ١١، في تلقين المحتضرين وتوجيهم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال، حديث ١٧٥.

(٣) المعتبر: في احكام الاموات، ص ٨٥، س ٣٤.

١٨٤

السابعة: لا يغسل الرجل إلا الرجل وكذا المرأة ويغسل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة، وكذا المرآة ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب، وكذا المرأة.

الثامنة: من مات محرما كان كالمحل، لكن لا يقرب الكافور.

التاسعة: لا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يدفن بين مقبرة المسلمين.

العاشرة: لو لا قى كفن الميت نجاسة غسلت مالم يطرح في القبر، وقرضت بعد جعله فيه. يستهل(١) ، وللشافعي كالقولين(٢) ، وعند أحمد يجب مع الصلاة عليه(٣) . وهو ممنوع إلا ان يستهل. واحتج أصحابنا على الحكم الاول: بانه كان حيا، فيجب غسله(٤) وبما رواه زرارة، عن سماعة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل والكفن واللحد؟ قال: نعم، كل ذلك يجب عليه إذا استوى(٥) . ولا يضعف بسماعة، لعدم المعارض. وعلى الثاني: ما رواه الترمذي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الطفل لا يصلى عليه ولا يورث حتى يستهل(٦) .

____________________

(١ و ٢) نقله عنهم في المعتبر، في احكام الاموات، ص ٨٦، س ٢٨، وفيه " يدرج في خرقة ".

(٣) نقله في المعتبر: في احكام الاموات، ص ٨٦، س ٣٣، ونقله الترمذي: ج ٣، كتاب الجنائز، ص ٣٥٠، باب ٤٢، ما جاء في الصلاة على الاطفال، ذيل حديث ١٠٣١ قالوا: " يصلى على الطفل وان لم يستهل بعد ان يعلم انه خلق، وهو قول أحمد وإسحاق ".

(٤) عبارة المعتبر هكذا في صفحه ٨٦، س ٢٩: (لنا انه مات بعد ان كانت حيا فيجب غسله).

(٥) التهذيب: ج ١، ص ٣٢٩، باب تلقين المحتضرين وتوجيههم ومايصنع بهم في تلك الحال، حديث ١٣٠. وفيه: " عن زرعة عن سماعة ".

(٦) رواه الترمذي: ج ٣، كتاب الجنائز، ص ٣٥٠، باب ٤٣، ما جاء في ترك الصلاة على الجنين حتى يستهل، حديث ١٠٣٢ وفيه: " لايصلى عليه ولا يرث ولايورث ".

١٨٥

السادس غسل من مس ميتا

يجب الغسل بمس الميت الآدمي بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل على الاظهر. وكذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم، سواء ابينت من حي أو ميت، وهو كغسل الحائض. قال طاب ثراه: يجب الغسل بمس ميت(١) الآدمي بعد برده بالموت وقبل تطهيره على الاظهر. أقول: الوجوب مذهب الشيخين(٢) ، وبه قال الصدوقان(٣) ، واختاره المصنف(٤) ، والعلامة(٥) . وذهب المرتضى في المصباح إلى الاستحباب(٦) . احتج الاولون: بصحيحة حريز عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من غسل ميتا فليغتسل، وإن مسه مادام حارا فلا غسل عليه، وإذا برد ثم مسه فليغتسل.

____________________

(١) هكذا في الاصل ولكن الماتن ذكر: " بمس الميت الآدمي " فراجع.

(٢) اي: المفيد في المقنعة: باب الاغسال المفترضات والمسنونات، ص ٦، س ٧، والشيخ الطوسي في النهاية: كتاب الطهارة، باب الغسل الاموات وتكفينهم، ص ٣٥، س ١١.

(٣) المقنع: ابواب الطهارة، صفة غسل الميت، ص ٢٠، س ١، والهداية: باب ١٥ الاغسال، ص ١٩، س ١٢، وفي الفقيه: ج ١، ص ٨٧، باب ٢٤، المس س ١٠، قال: " وان مسه بعد ما يبرد وفعليه الغسل " انتهى.

(٤) المعتبر: كتاب الطهارة، ص ٩٦، س ٢١.

(٥) المختلف: الفصل الاول من باب الغسل من كتاب الطهارة، ص ٢٨، س ١١.

(٦) قال في المعتبر: كتاب الطهارة، ص ٩٦ ص ٢٢ مالفظه: " وبالاستحباب قال علم الهدى في شرح الرسالة والمصباح "، وفي المختلف: في الفصل الاول من باب الغسل من كتاب الطهارة، ص ٢٨، س ١٢، مالفظه: " وقال السيد المرتضىرحمه‌الله انه مستحب، ونقله الشيخ عنه في الخلاف ".

١٨٦

وأما المندوب من الاغسال: فالمشهور غسل الجمعة: ووقته ما بين طلوع الفجر إلى الزوال. وكلما قرب من الزوال كان أفضل. وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه، وليلة سبع عشرة وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، و يومي العيدين، ويوم عرفة، وليلة النصف من رجب، ويوم المبعث. قلت: فمن أدخله القبر؟ قال: لا غسل عليه إنما يمس الثياب(١) . احتج السيد: بالاصل، وبما رواه سعدبن أبي خلف في الصحيح عن الصادقعليه‌السلام قال: سمعته يقول: الغسل أربعة عشر موطنا، واحد فريضة والباقي سنة(٢) . والجواب عن الاول: أن الاصل يخالف للدليل، وقد تقدم. وعن الثاني: أن المراد ما ثبت من جهة السنة لامن طريق القرآن. وأيضا فإن غسل الحيض وأخويه واجب عنده، فلا يجوز حمل لفظ السنة هنا على الندب، بل ما ذكرناه هو الواقع، فان غسل الجنابة يعلم وجوبه من الكتاب، قال الله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطهروا)(٣) وبواقي الاغسال استفيد وجوبها من كلامهمعليهم‌السلام . قال طاب ثراه: وأما المندوب من الاغسال، فالمشهور غسل الجمعة. أقول: ذهب الصدوق إلى وجوبه على الرجال والنساء في السفر والحضر، إلا أنه

____________________

(١) التهذيب: ج ١، ص ١٠٨، باب ٥ الاغسال المفترضات والمسنونات، حديث ١٥.

(٢) التهذيب: ج ١، ص ١١٠، باب ٥ الاغسال المفتروضات والمسنونات، حديث ٢١، وفيه: " الغسل في أربعة عشر موطنا ".

(٣) سورة المائدة: ٧.

١٨٧

وليلة النصف من الشعبان، والغدير، ويوم المباهلة، وغسل الاحرام، وزيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمةعليهم‌السلام ، ولقضاء الكسوف، و للتوبة، ولصلاة الحاجة، والاستخارة، ولد خول احرم، والمسجد الحرام، والكعبة والمدينة، ومسجد التبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغسل المولود.

رخص للنساء في السفر لقلة الماء(١) . والمشهور بين أصحابنا: الاستحباب. احتج الصدوق: بما رواه سماعة عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن غسل الجمعة؟ فقال: واجب في السفر والحضر إلا أنه رخص للنساء في السفرلقلة الماء(٢) احتج الباقون: بالاصل، وبحسنة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والاضحى والفطر؟ قال: سنة وليس بفريضة(٣) . وأجابوا عن روايته: بحملها على الاستحباب المؤكد، ويؤيده صحيحه زرارة عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن غسل الجمعة؟ فقال: سنة في السفر والحضر، إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر(٤) . وقوله: (فالمشهور غسل الجمعة) إلى آخر الباب، يحتمل أمرين. أحدهما: أن يكون معناه. فالمشهور عد غسل الجمعة في الاغسال المسنونة، لا الواجبة، خلافا للصدوق.

____________________

(١) الفقيه: ج ١، ص ٦١، باب ٢٢ غسل يوم الجمعة ودخول الحمام وآدابه وما جاء في التنظيف والزينة، ذيل حديث٢.

(٢) الفقيه: ج ١، ص ٤٥، باب ١٨، الاغسال، حديث ٥.

(٣) التهذيب: ج ١، ص ١١٢، باب ٥ الاغسال المفترضات و المسنونات، حديث ٢٧.

(٤) التهذيب: ج ١، ص ١١٢، باب ٥ الاغسال المفترضات والمسنونات، حديث ٢٨.

١٨٨

والثاني: أن يكون معناه، فالمشهور من الاغسال المندوبة غسل الجمعة، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه، وتعدد الاغسال المندوبة حتى يأتي على آخرها المذكورة في المتن أي المشهور بين الاصحاب استحباب هذه الاغسال المعدودة. وهناك أغسال أخر غير هذه المعدودة وليست بالمشهورة فاضرب عنها، لكون النافع مختصرا، فاقتصر فيه على إيراد المشهور وما تعم به البلوى، دون النوادر والشواذ. وذلك مثل ما ورد من استحباب الغسل في كل ليلة وتر من شهر رمضان(١) ، ومثل استحباب الغسل عند قتل الوزغ(٢) ، ومثل غسل يوم النيروز، نيروز الفرس ومستنده رواية المعلى بن الخنيس، وذكره الشيخ في مختصر المصباح، و يستحب فيه الصيام وصلاة أربع ركعات بعد صلاة الظهرين، ويسجد بعدها ويدعو بالمرسوم، يغفر له ذنوب خمس سنين(٣) .

تنبيه

يوم النيروز يوم جليل القدر، وتعيينه من السنة غامض، مع أنه معرفته أمرمهم من حيث تعلق به عبادة مطلوبة للشارع، والامتثال موقوف على معرفته، ولم يتعرض لتفسيره أحدمن علمائنا، سوى ما قاله الفاضل المنقب محمد بن إدريسرضي‌الله‌عنه

____________________

(١) نقله المحقق المجلسي في كتابه زاد المعاد. ونقله الشهيدقدس‌سره في الروضة: كتاب الصلاة، ص ٣٩ - ٤٠ في الفصل السادس في بقية الصلوات، في صلاة الآيات. قال: " وكذا يستجب الغسل للجمعة، إلى ان قال: " وليالي فرادى شهر رمضان الخمس عشرة، وهي العدد الفرد من اوله إلى آخره ".

(٢) الفقيه: ج ١، ص ٤٤، باب الاغسال، حديث ٣.

(٣) مختصر المصباح (مخطوط) ولفظه: " يوم النيروز: روى معلى ين خنيس عن مولانا الصادقعليه‌السلام قال: اذا كان يوم النيروز فاغتسل و انظف والبس ثيابك وتطيب باطيب طيبك، إلى ان قال: يغفرلك ذنوب ستين سنة ".

١٨٩

وحكايته: والذي قد حققه بعض محصلى أهل الحساب و علماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب له: أن يوم النيروز يوم العاشر من أيار(١) . وقال الشهيد: وفسر بأول سنة الفرس، أو حلول الشمس برج الحمل، أو عاشر أيار(٢) . والثالث إشارة إلى قول ابن إدريس. والاول إشارة إلى ما هو مشهور عند فقهاء العجم في بلادهم، فإنهم يجعلونه عند نزول الشمس الجدي، وهو قريب مما قاله صاحب كتاب الانواء. وحكايته: اليوم السابع عشر من كانون الاول، هو صوم اليهود، وفيه يرجع الشمس مصعده إلى الشمال، ويأخذ النهار من الليل ثلاث عشر ساعة، وهو مقدار ما يأخذ في كل يوم، وينزل الشمس برج الجدي قبله بيومين، وبعض العلماء جعله رأس السنة، وهو النيروز(٣) . فجعله حكاية عن بعض العلماء. وقال بعد ذلك: اليوم التاسع من شباط هو يوم النيروز. ويستحب فيه الغسل، وصلاة أربع ركعات لما رواه المعلى بن خنيس عن الصادقعليه‌السلام ، ثم ذكر الخبر(٤) . فاختار التفسير الاخير، وجزم به.

____________________

(١) السرائر: كتاب الصلاة، باب النوافل المرتبة في اليوم والليلة ونوافل شهر رمضان وغيرها من النوافل، ص ٦٩، س ٣٠، وتمامه: " وشهر ايار احد وثلاثون يوما، فاذا مضى منه تسعة أيام، فهو يوم النيروز " إلى آخره.

(٢) قال الشهيدقدس‌سره في الروضة: في الفصل السادس من كتاب الصلاة في بيان صلاة الآيات مالفظه: " وكرا يستحب الغسل للجمعة، إلى ان قال: " ونيروز الفرس، والمشهور الان انه يوم نزول الشمس في الحمل، وهو الاعتدال الربيعي وفي بعض الحواشي: وهو أول سنة الفرس، وهي نزول الشمس في برج الحمل، او بعاشر ايار " إلى آخره.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) تقدم آنفا.

١٩٠

والاقرب من هذه التفاسير: أنه يوم نزول الشمس برج الحمل، لوجوه.

(الف): أنه أعرف بين الناس وأظهر في إستعمالهم، وإنصراف الخطاب المطلق الشامل لكل مكلف إلى معلوم في العرف، وظاهر في الاستعمال أولى من إنصرافه إلى ما كان على الضد من ذلك.

ولانه المعلوم من عادة الشرع وحكمته، ألا ترى كيف علق أوقات الصلاة بسير الشمس الظاهر، وصوم رمضان برؤية الهلال، وكذا أشهر الحج. وهي أمور ظاهرة يعرفها عامة الناس، بل الحيوانات.

فان قلت: إستعماله في نزول الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلاد العجم، حتى أنهم لا يعرفونه وينكرون على معتقده فلم خصصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون بعض؟ وأيضا فان ما ذكرته حادث ويسمى النيروز السلطاني، والاول أقدم حتى قيل: انه منذ زمان نوحعليه‌السلام . فالجواب عن الاول: أن العرف إذا تعدد إنصرف إلى العرف الشرعي، فان لم يكن فإلى أقرب البلاد واللغات إلى الشرع، فيصرف إلى لغة العرب وبلادها، لانها أقرب إلى الشرع. وعن الثاني: بأن التفسيرين معا متقدمان على الاسلام.

(ب): أنه مناسب لما ذكره صاحب الانواء: من أن الشمس خلقت من الشرطين، وهما أول الحمل، فيناسب ذلك إعظام هذا اليوم الذي عادت فيه إلى مبدأ كونها.

(ج): أنه مناسب لما ذكره السيد رضى الدين علي بن طاوس قدس الله روحه: إن إبتداء العالم وخلق الدنيا كان في شهر نيسان ولا شك أن نيسان يدخل والشمس في الحمل، وإذا كان إبتداء العالم في مثل هذا اليوم، يناسب أن يكون يوم عيد وسرور، ولهذا ورد إستحباب التطيب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف الثياب ومقابلته بالشكر والدعاء والتأهب لذلك بالغسل وتكميله بالصوم والصلاة المرسومة

١٩١

له(١) ، حيث كان فيه إبتداء النعمة الكبرى، وهي الاخراج من حيز العدم إلى الوجود، ثم تعريض الخلق لثوابه الدائم. ولهذا امرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير، حيث كان فيهما إبتداء منصب النبوة والامامة، وكذا المولودين. فان قلت: نسبته إلى الفرس يؤيد الاول، لانهم واضعوه، والثاني وضعه قوم مخصوصون ولم يوافقهم الباقون.

قلنا: يكفي في نسبته إليهم، أن تقول به طائفة منهم وإن قصروا في العدد عمن لم يقل به، ألاترى إلى قوله تعالى: (وقالت اليهود عزيز ابن الله، وقالت النصرى المسيح ابن الله)(٢) وليس القائل بذلك كل اليهود ولا كل النصارى. ومثله قوله تعالى: (والذين آتينهم الكتاب يفرحون بما انزل إليك)(٣) وليس إشارة إلى أهل الكتاب بأجمعهم، بل إلى عبدالله بن سلام وأصحابه. زيادة ومما ورد في فضله ويعضد ما قلناه، ما حدثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين علي بن عبدالحميد النسابة دامت فضائله، ما رواه بإسناده إلى المعلى بن خنيس عن الصادقعليه‌السلام : إن يوم النوروز، هو اليوم الذي أخذ فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لاميرالمؤمنينعليه‌السلام العهد بغدير خم، فأقروا له بالولاية، فطوبى لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام إلى وادى الجن، فأخذ عليهم العهود والمواثيق. وهواليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان، وقتل ذا الثدية. وهواليوم الذي

____________________

(١) رواه في الوسائل: ج ٥، ص ٢٨٨، باب ٤٨، من ابواب بقية الصلوات المندوبة، حديث ١، نقلا عن مصباح المتهجد.

(٢) سورة التوبة: ٣٠.

(٣) سورة الرعد: ٣٦.

١٩٢

يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الامر ويظفره الله تعالى بالدجال، فيصلبه على كناسة الكوفة.

وما من يسوم نوروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج، لانه من أيامنا حفظه الفرس وضيعتموه.

ثم إن نبيا من أنبياء بني اسرائيل سأل ربه ان يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فأماتهم الله تعالى، فأوحى إليه أن صب عليهم الماء في مضاجعهم، فصب عليهم الماء في هذا اليوم، فعاشوا وهم ثلاثون ألفا، فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لايعرف سببها إلا الراسخون في العلم. وهو أول يوم من سنة الفرس. قال المعلى: وأملى علي ذلك، فكتبته من إملائه(١) .

وعن المعلى ايضا قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام في صبيحة يوم النيروز. فقال: يا معلى أتعرف هذا اليوم؟ قلت: لا، ولكنه يوم يعظمه العجم، يتبارك فيه. قال: كلا والبيت العتيق الذي ببطن مكة ما هذا اليوم إلا لامر قديم، افسره لك حتى تعلمه. قلت: لعلمي هذا من عندك أحب إلي من ان تعيش أترابي ويهلك الله اعداء كم [امواتي وتموت أعدائي] قال: يا معلى يوم النيروز، هواليوم الذي أخذ الله فيه ميثاق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأن يدينوا برسله وحججه وأوليائه، وهو أول يوم طلع فيه الشمس، وهبت فيه الرياح اللواقح، وخلقت فيه زهرة الارض.

وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوحعليه‌السلام على الجودي، وهو اليوم الذي أحيا الله فيه القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، وهواليوم الذي هبط فيه جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهواليوم الذي كسرفيه ابراهيمعليه‌السلام

____________________

(١) رواهما العلامة المجلسيقدس‌سره بسند واحد مع اختلاف يسير في بعض الالفاظ. لاحظ البحار: ج ٥٩، ص٩١، باب٢٢، يوم النيروز وتعيينه وسعادة ايام شهورالفرس والروم، ونحوستها، حديث ١.

١٩٣

أصنام قومه، وهواليوم الذي حمل فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أميرالمؤمنين علياعليه‌السلام على منكبه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام وهشمها(١) والخبر بطوله. والشاهد في هذين الحديثين من وجوه.

(الف): قوله: (أنه اليوم الذي اخذ فيه العهد بغدير خم) وهذا تاريخ وكان ذلك سنة عشرة من الهجرة وحسب، فوافق نزول الشمس الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم، ولم يكن الهلال رؤى بمكة في ليلة الثلاثين، فكان الثامن عشر من ذى الحجة على الرؤية.

(ب): كون صب الماء في ذلك اليوم سنة شايعة. والظاهر أن مثل هذه السنة العامة الشاملة لسائر المكلفين أن يكون صب الماء في وقت لاينفر منه الطبع ويأباه، ولا يتصور ذلك مع كون الشمس في الجدى، لانه غاية القر في البلاد الاسلامية.

(ج): قوله في الحديث الثانى: (وهو أول يوم خلقت فيه الشمس) وهو مناسب لما قيل أن الشمس خلقت في (الشرطين).

(د): قوله: وفيه خلقت زهرة الارض) وهذا إنما يكون في الحمل دون الجدي، وهو ظاهر(٢) .

____________________

(١) راجع إلى التعليقة الاولى في الصحفحة السابقة.

(٢) نقل العلامة المجلسيقدس‌سره كلامه برمته من قوله: " تنبيه: يوم النيروز يوم جليل القدر و تعيينه من السنة غامض، إلى هنا، ثم اورد بعده تحقيقات شافية، اعراب فيها عن الغوامض واظهر فيها المصالح، وان شئت لاحظ بحار لانوار: ج ٥٩، باب ٢٢، يوم النيروز وتعيينه وسعادة ايام وشهور الفرس والروم ونحوستها، ذيل الفائدة الثانية، ص ١١٧، أقول: في نسخة (ج) زيادة اسطر على ما نقلناه من نسختي (الف - ب) ولما لم تكن الزيادة في البحار ولم ينقله العلامة المجلسي بل كتب بعد قوله (وهو ظاهر) انتهى كلامه،رحمه‌الله فلذا اعرضنا عن نقلها، والله العاصم.

١٩٤

الركن الثالث: في الطهارة التربية والنظر في امور أربعة

الاول: شرط التيمم: عدم الماء، أو عدم الوصلة إليه، أو حصول مانع من إستعماله كالبرد والمرض، ولولم يوجد إلا ابتياعا وجب وإن كثر الثمن، وقيل: مالم يضر في الحال، وهو الاشبه، ولو كان معه ماء وخشي العطش، تبمم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة، وكذا لو كان على جسده نجاسة ومعه ما يكفيه لا زالتها، أو للوضوء، أزالها وتيمم وكذا من معه ماء لا يكفيه لطهارته. وإذا لم يوجد للميت ماء يمم كالحي العاجز.

الركن الثالث في الطهارة الترابية

قال طاب ثراه: ولو لم يجد إلا إبتياعا وجب، ولو كثر الثمن، وقيل: مالم يضر في الحال وهو الاشبه.

أقول: للاصحاب هنا ثلاثة أقوال: (الف): قال أبوعلي: إذا كان الثمن غاليا، تيمم وصلى وأعاد إذا وجدالماء، صيانة للمال عن التلف، كما لوخاف لصا(١) .

____________________

(١) المعتبر: كتاب الطهارة، في التيمم، ص ١٠١، س ٣٥، ولفظه: " وقال ابن الجنيد منا: اذا كان الثمن غاليا تيمم وصلى وأعاد إذا وجد الماء ".

١٩٥

الثاني: فيما يتيمم به: وهو التراب الخالص دون ما سواه من المنسحقة كالاشنان، والدقيق، والمعادن كالجل والزرنيخ. ولا بأس بأرض النورة والجص. ويكره بالسبخة والرمل.

(ب): قال المرتضى: يجب الشراء وان كثر الثمن مع القدرة عليه(١) . وأطلق، محتجا برواية صفوان عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن رجل احتاج إلى وضو الصلاة، وهو لايقدر على الماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم، وهو واجد لها، يشتري ويتوضأ أويتيمم؟ قال: بل يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت، وما يشتري بذلك مال كثير(٢) .

(ج): الوجوب بشرط عدم الضرر الحالي. وهو مذهب الشيخ في كتبه كلها(٣) وفتوى فقهائنا، وفقهاء الجمهور(٤) واختاره المصنف(٥) . واحتج على الوجوب مع عدم الضرر: بما تقدم. وعلى تقديره. بان من خشي من لص أخذ ما يجحف به، لم يجب عليه السعي، وتعرض المال للتلف. وإذا ساغ التيمم هناك دفعا لهذا الضرر، ساغ هنا. ويؤيده رواية يعقوب بن سالم قال: سألت

____________________

(١) قال في المعتبر: كتاب الطهارة في التيمم، ص ١٠١، س ٣٠، مسألة اذا لم يوجد الا ابتياعا وجب مع القدرة، وان كثر الثمن كذا قال: علم الهدى ".

(٢) الكافي: ج ٣، ص ٧٤، كتاب الطهارة، باب النوادر، حديث ١٧، مع اختلاف يسيرفي بعض الفاظ الحديث.

(٣) النهاية: كتاب الطهارة، باب التيمم واحكامه، ص ٤٥، س ١٩. والمبسوط: ج ١، كتاب الطهارة، فصل في ذكر التيمم وأحكامه، ص ٣٠، س ١٤. والخلاف: كتاب الطهارة، ج ١، ص ٣٨، مسائل التيمم. مسألة ١١٧.

(٤) راجع الخلاف: كتاب الطهارة، ج ١، ص ٣٩، مسائل التيمم، مسألة ١١٧.

(٥) المعتبر: كتاب الطهارة، في التيمم، ص ١٠١، س ٣١، قال: " وقيل: مالم يضربه في الحال، وهو أشبه ".

١٩٦

وفي جواز التيمم بالحجر تردد، وبالجواز قال الشيخان. ومع فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب واللبدو عزف الدابة، ومع فقده بالوحل. الثالث: في كيفية. ولا يصح قبل دخول الوقت، ويصح مع تضيقة، أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل لا يكون معه ماء، والماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين، أو نحو ذلك؟ قال: لا آمره أن يغرر بنفسه، فيعرض له لص أو سبع(١) . قال طاب ثراه: وفي جواز التيمم بالحجر تردد، وبالجواز قال الشيخان. أقول: قال المصنف في المعتبر: الحجر الصلد كالرخام والصفا والبرام يجوز التيمم به، وان لم يكن عليه غبار، قاله الشيخ وعلم الهدى، وقال المفيد: يجوز مع الاضطرار، ومنعه الشافعي اصلا. لنا قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا) والصعيد وجه الارض، والحجر أرض إجماعا.

لايقال: الصعيد تراب الحرث كما نقل عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، وقوله حجة. لانا نقول: هذا يبطل بالرمل والسبخة فان التيمم بهما جائز، وان لم يكونا من تراب الحرث. وانما قال في الاصل: (فيه تردد) لان علم الهدى قال في المصباح: لم أقف لاصحابنا فيه على نص، والمفيد أجازه عند الاضطرار، فنشأ التردد من ذلك(٢) .

____________________

(١) الكافي: ج ٣، ص ٦٥، كتاب الطهارة، باب الوقت الذي يوجب التيمم ومن تيمم ثم وجد الماء، حديث ٨.

(٢) المعتبر: كتاب الطهارة، في التيمم، ص ١٠٣، س ٣٥.

١٩٧

وفي صحته مع السعة قولان: أحوطهما التأخير. قال طاب ثراه: وفي صحته مع السعة قولان: أقول: في المسألة ثلاث أقوال: الاول: ذهب الشيخ(١) ، والمرتضى(٢) ، وسلار(٣) ، وابن إدريس(٤) ، إلى وجوب التأخير، لوجوه.

(الف): قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) شرط في جوازه فقدان الماء في الوقت. وانما يتحقق بالعدم في جميع أجزائه، ولا يعلم إلا بالتأخير حتى يمضي.

(ب): عموم الاخبار الدالة على وجوب التأخير إلى آخر الوقت. روى يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة، أم تجوز صلاته؟ قال: إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد، وإن مضى الوقت فلا إعادة عليه(٥) .

ولو كان مأمورا بالصلاة في أوله، لم يعد، لاقتضاء الامر الاجزاء.

(ج): الاحتياط، فان المتيمم آخرالوقت يصح صلاته قطعا، بخلاف المتيمم في أوله.

____________________ __

(١) قال في النهاية: كتاب الطهارة، ص ٤٧، س ١٩ " والتيمم يجب آخر الوقت إلى تضيقة، فلا يجوز التيمم قبل دخول وقت الصلاة، ولا بعد دخوله في اول وقت ".

(٢) جمل العلم والعمل: فصل في التمم، ص ٥٢، س ٨، قال: " ولا يجوز التيمم الا عند تضييق الص لاة ".

(٣) المراسم: ذكرما يقوم مقام الماء، ص٥٤، س٤، قال: " ولا يتمم الا في آخر الوقت وعند تضيقه ".

(٤) السرائر: كتاب الطهارة، باب التيمم واحكامه، ص ٢٦، س ٥، قال: " ولا يجوز له التيمم قبل دخول وقت الصلاة، بل لا يجوز التيمم الا في آخر وقت الصلاة وعند تضيقها " انتهى.

(٥) التهذيب: ج ١، ص ١٩٣، باب ٨ التيمم واحكامه، حديث ٣٣، وفيه " توضا واعاد الصلاة ".

١٩٨

الثاني: قول الصدوق(١) ، والعلامة في منتهى المطلب(٢) بجوازه مع السعة، لوجوه.

(الف): قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا غير واجد.

(ب): إن الافضل الاتيان والمبادرة بالصلاة في أول وقتها، والتيمم طهارة شرعية مسوغ عند إرادتها كالوضوء والغسل، لعطفه عليهما في الآية، والعطف يقتضي التسوية.

(ج): صحيحة زرارة عن الباقرعليه‌السلام قال: قلت له: فإن أصاب الماء وقد تيمم وهو في وقته؟ قال: تمت صلاته ولا إعادة عليه(٣) . وهو يدل على جوازه مع السعة. وفيه نظر: لجواز أن يكون الضمير في قوله (في وقته) عائدا إلى فراغه من الفريضة تقديره، وهو في وقت فراغه من الفريضة، ولا يلزم منه أن تكون قد تيمم في أول الوقت، لجواز أن يكون فراغه في آخر جزء من الوقت.

الثالث: قول أبي علي(٤) ، والعلامة في القواعد(٥) ، وهو جوازه في أول الوقت

____________________

(١) لم نعثر للصدوق من التصريح بجواز التيمم في سعة الوقت الا ما حكاه العلامة عنه في المختلف، في الفصل الاول من باب التيمم، ص ٤٧، س ٣٣، من قوله: " وقال أبوجعفر بن بابويه يجوز في أول الوقت " هذا ولكن الظاهر من كلامه في المقنع عدم الجواز، حيث قال في كتاب الطهارة، باب التيمم ما لفظه: " اعلم انه لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت، ثم قال: واذا تيمم أجزأه أن تصلى بتيممه صلوات الليل والنهار مالم يحدث الويصب ماء. وقريب منه ما في الفقيه والهداية ".

(٢) المنتهى: كتاب الطهارة وموجباته، ص ١٤٠، س ١٨، فانه بعد مانقل إحتجاج ابن بابويه بجواز التيمم في أول الوقت قال: " وقول ابن بابويه في غاية القوة، فالا قرب عندي ان التأخير مستحب والتقديم جائز ".

(٣) التهذيب: ج ١، ص ١٩٤، باب ٨ التيمم واحكامه، حديث ٣٦.

(٤) المختلف: باب التيمم، ص ٤٧، س ٣٤، قال: " وقال ابن الجنيد: فان وقع اليقين بفوته إلى آخر الوقت، أو غلبه الظن كان تيممه وصلاة في أول الوقت أحب إلي ".

(٥) القواعد: ص ٢٣، س ١٤، قال: " وفي السعة خلاف، أقربه الجواز مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه ".

١٩٩

وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه روايتان. أشهر هما إختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفين. مع العلم باستمرار العذر وعدمه مع عدمه. لوجوه:

(الف): أنه جمع بين القولين.

(ب): انتفاء فائدة التأخير، من تحصيل الوضوء أو الغسل التقدير.

(ج): وجود المقتضي لاباحة التيمم، وهو تعذر إستعمال الماء، وإنتفاء المانع الذي هوالتمكن منه، وإنما قال المصنف: قولان: وأهمل الثالث، لشهرتهما، أو لانه منتزع منهما، وهو ظاهر. لان محصل البحث يرجع إلى أنه هل يجوز إيقاعه في أول الوقت أم لا؟ قال طاب ثراه: وهل يجب إستيعاب الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه روايتان، أشهرهما إختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفين. أقول: أعضاء التيمم انما هي الجبهة، وحدها من قصاص الشعر إلى الحاجب. وظاهر الكفين، من مفصل المعصم إلى أطراف الاصابع، دون باقي الوجه، ودون الذراعين. وهوالذي عليه الجمهور من الاصحاب. اختاره الاربعة(١) ، وأبوعلي(٢) والقاضي(٣) .

____________________

(١) وهم: المفيد في المقنعة: باب صفة التيمم، ص ٨، س ٢١. والشيخ في النهاية: باب التيمم واحكامه، ص ٤٩، س ١٥. والصدوق في المقنع: باب التيمم، ص ٩، س ٤. وعلم الهدى في جمل العلم والعمل: فصل في التيمم واحكامه، ص ٥٢، س ١٠.

(٢) المختلف: في كيفية التيمم، ص ٥٠، س ٢، قال: " مسألة. ذهب. إبن أبي عقيل، وابن الجنيد، إلى أن الواجب في مسح الوجه مسح الجبهة خاصة، إلى ان قال: س ٤، بعد نقل القول الثاني: والحق الاول ".

(٣) المهذب: ج ١، باب كيفية التيمم، ص ٤٧، س ٥.

٢٠٠