المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ١

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98011 / تحميل: 7604
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

المخالفين لأنّه منصب الهيّ وكمال نفسانيّ ودرجة وهيبة

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمّة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوّجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة ونزّلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا : إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمّةعليهم‌السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا ، والأولى أن ندعوه هذيان القلم ، وأكثر من هذا لا يستحقّ من عناية العلماء لردّه ولا يتّسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلميّة ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را

قفل گوهر ساز ياقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالى حاجت گفتار نيست

چشم بينا عذر مى خواهد لب خاموش را

لا تجعلنّ كلّ قول مثل جوهرة

تقرط الأُذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة

فإنّ حقّ يتيم الدرّ تخفيها

ولا تجيبنّ يوماً كلّ مسألة

إطباق كلّ شفاه عذرها فيها

ومن الأشعار التي أنشدها الإمام الرضاعليه‌السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبد المطّلب كما ورد في العيون هذان البيتان :

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف

يجد المحال من الأُمور صوابا

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجاديّة

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٥٧ وفيه بدل « ابتليت » « بليت » وبدل « متكلّف » « متحكّم » ( هامش الأصل ) وفي المجلّد الأوّل منه ص ١٨٧ أربعة أبيات بدل البيتين ( المترجم )

٣٠١

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول : « اللهمّ هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع اُمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها »(١) وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمةعليها‌السلام وإحراق بيتها والخلاف مع عليّعليه‌السلام وبغض الحسنينعليهما‌السلام ، كما مرّ عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة اُخرى منه

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والاُصول والأحكام وهدم أساس الشريعة المقدّسة ـ على الصادع بها ألف سلام ـ كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة واُصولهم الصحيحة

نقل السيّد المحقّق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأوّل من أخبار البخاري : قالت اُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمّد شيئاً إلّا أنّهم يصلّون جميعاً(٢)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت(٣)

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________

(١) الصحيفة السجاديّة ، دعاء ٤٩ ( هامش الأصل ) الكاملة : ٢٨١ نشر جامعة المدرّسين ( المترجم )

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر ( هامش الأصل )

(٣) نفسه ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ، ص ١٤١ ( هامش الأصل )

٣٠٢

قيل : فالصلاة ؟ قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها(١)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك ـ وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنّة والجماعة ـ بأنّ أحكام الشريعة بأجمعها غيّرت ، وبدّلت أحكام الشرع الشريف عامّة ، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض ، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقّهم « خير القرون قرني ثمّ القرن الذي يليه »(٢)

وإذا كان حال القرن الأوّل والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدّل في كلّ يوم أحوالها ، وتتنزّل شئونها باعترافهم

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول :

õ خُذ جملة البلوى ودع تفصيلها õ

_________________

(١) نفسه

(٢) عمران بن حصين ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم قال عمران : فما أدري قال النبيّ بعد قوله مرّتين أو ثالثاً ، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن

وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم ، وإيمانهم شهادتهم [ صحيح البخاري ، ٨ : ١١٣ باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار ومطابع الشعب بمصر ] ( هامش الأصل )

٣٠٣

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من العهد بمعنى سرير الطفل ، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونصّ في أساس البلاغة على أنّ التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح ، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازيّة ، ومعناه بسطه وتهيئة قبوله

والباء في « بالتمكين » للسببيّة على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أنّ اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون

القتال : بمعنى القتل والذبح والحرب

والمقصود من الممهّدين هم الأوائل الذين سهّلوا السبيل ووطّئوا الاُمور ، وهيّئوا أسباب الظلم ، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة

وهذا أصحّ الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة « المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين »(١)

_________________

(١) كما في البحار ٤٤ : ١٩٩ و ٢٠١

وعن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيّه ، وما اُصيب آل محمّد إلّا يوم الاثنين [ الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار ٤٥ : ٩٤ ] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل « اللهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو اُميّة »

مروج الذهب : وسُمعت في جنازته ( الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ) سوداء وهي تقول : ماذا لقينا من يوم الاثنين [ بحار الأنوار ٥٠ : ٢٠٧ ]

ولنعم ما قيل : « ما قُتل الحسين إلّا في يوم السقيفة » فلعنة الله على من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين [ بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٨ ]

٣٠٤

لأنّ يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين ، وقد أجاد الشاعر المفلّق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا

يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا

نصّ الولا ولحقّ المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا

وما المسبّب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة

حتّى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه

والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها اُمّك الزهراء قد ضربوا

هي التي اُختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغىً صاليت جمرتها

كانت لها كفّ ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا

بالصنوا قوداً وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لو لا السقيفة والإحياء

تدري(١) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّد الشهداء ومقاتليه ، ولعلّنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حقّ هذا العنوان ،

_________________

ولنعم ما نقله عليّ بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبياتٍ له :

وأريتكم أنّ الحسين

اُصيب في يوم السقيفه

ولأيّ حالٍ اُلحدت

بالليل فاطمة الشريفه

ولما حمت شيخيكم

عن وطي حجرتها المنيفه

أوّه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفه

فوالله لا أنسى زينب بنت عليّعليهما‌السلام وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمّداه ! صلّى عليك مليك السماء وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطّع العُرى . [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ]

(١) جاء في الكتاب « تعلم » ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها « تدري » لأنّي أحفظها هكذا

٣٠٥

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (١) نزلت في اليهود ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذّبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا اُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الاُمّة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قومٌ من اُمّتي ينتحلون بأنّهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب اُرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريّا ويحيى

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن عليّعليهما‌السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسينعليه‌السلام شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم ، والمتقدّمين بهم برآء من دين الله

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسينعليه‌السلام إلى الخزّان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسينعليه‌السلام ويلقونها في ألهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغسّاقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدّد بها على

_________________

(١) البقرة : ٨٤

٣٠٦

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم(١)

اللهمّ اجر دموعنا في مصاب الحسين ، ووفّقنا للعن قتلته من الأوّلين والآخرين ، اللهمّ العنهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً لا تعذّب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين

_________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٣٦٧ ط اُولى ١٤٠٩ مهر ـ قم المقدّسة ( المترجم ) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٤٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٣٠٤ رقم ١٧ ( هامش الأصل )

٣٠٧

بَرِئْتُ إِلَىٰ اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ(١)

برء : من باب سمع أي فارق ، والتبرّي بمعنى المفارقة ، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر ، وترجمة القزويني على القاموس ، ولم تبيّن الكتب العربيّة حقيقة معنى البرائة ، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي ، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه ، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدّم

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة ، وهذا تفسير باللازم

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبّع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير

وسبب تعدّيته بـ « إلى » كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطّف ، لأنّ المتبرّء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرّء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبّة غيره ورعاية قربه ، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحّح دخول « إلى » على هذا الطرف

والضمير في « منهم » راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامّة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسينعليه‌السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقلّ آخر

تبع تباعاً وتِباعاً : اقتفى أثر فلان ، وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

_________________

(١) الصحيح من أشياعهم وأتباعهم وغفلةً من المؤلّف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير ( هامش الأصل )

٣٠٨

المفرد والجمع مثل :( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) (١) وجمع أتباع ، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسّع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بيانه

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره ، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة ، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميّت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه

ومجمل القول : جمع الشيعة شيعٍ ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع ، لأنّ قياس العربيّة لا يسمع بجمع « فعله » على « أفعال » وصرّح بما قلناه الفيّومي في المصباح

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب ، ويستعمل في القرابة النسبيّة والقرب الروحاني وهو المحبّة ، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة

واعلم أنّ رعاية الصحّة تتمّ في أمرين :

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة

والأمر الثاني : التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيّات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال

كما أنّ حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

_________________

(١) إبراهيم : ٢١

٣٠٩

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقّة القلب والإعراض عن الخلق

ومثله الإيمان وهو مصحّح جميع الأعمال وميزان كلّ كمال مركّب كذلك من جزئين :

الأوّل : البرائة من أعداء الله

والثاني : محبّة الله وأوليائه

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنّة فإنّه وارد في خصوص جماعة معيّنة من طريق أهل بيت النبيّ ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء ، وذلك معترف به ومشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبّة إنسان ومحبّة عدوّه ، كما قال الشاعر في الحكمة الشعريّة :

تحبّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفي هذه الآية المباركة التي يقول الحقّ تعالى فيها :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) وفي هذه الآية المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادّة أعداء الله

_________________

(١) المجادلة : ٢٢

٣١٠

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدّة أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمّتهم ولعلّنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر(١)

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٢٢ رقم ٣٥ ما كتبه الرضاعليه‌السلام إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين ( هامش الأصل ) وفي نسختي ص ١٢٤ ( المترجم )

٣١١

يَا أَبا عبد الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة لأنّه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره ، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل ، فإمّا أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو ( اي ذو سلم ) كما صرّح بذلك الأُدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسيّاً بل متوقّفاً على مقتضى الحال الخاصّة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرّح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش ، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقّق

ومثله الحديث في كلمة « حرب » والأظهر في رأي هذا العبد لله أنّها المعنى المصدري نفسه

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغّل في العبوديّة والمتابعة أنّا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعيّاً للحرب لمن حاربكم

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها ـ كما هو المشهور بين اللغويّين ـ ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتّى غروب الشمس كما صرّح بذلك ابن هشام في « شرح الكعبيّة » والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي ، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في « منظومة ميزان الفلك » إلى هذا المعنى :

واليوم من طلوع جرم الشمس

إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب

وذاك في السنّة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق

إلى ذهاب حمرة المشارق

٣١٢

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة(١) كما هو المعروف من مذهب الإماميّة ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقيّة أو أنّهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلّيّة منهم فمالوا إليها وقالوا بها ، والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرّح به ابن هشام في شرح الكعبيّة وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا ، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيّام الهرج ، كما قال بعض شرّاح القاموس(٢)

وأكثر اللغويّين والاُدباء نصّوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنّه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظٍ به طلوعاً أو غروباً ، ولابدّ من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات

وفي الحقيقة إنّنا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنّه مدّة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة على مصاديق أفراده في الخارج ، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأوّل ، والله أعلم بالصواب

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحّرين اللغويّين ، وإن لم يذكر في كثير من الكتب

_________________

(١) يجب تحديدها بالمشرقيّة وبها يعرف دخول الليل ، أمّا الحمرة المغربيّة التي تمتدّ بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها ( المترجم )

(٢) قال الزبيدي : وقد يراد باليوم الوقت ، ومنه الحديث : تلك أيّام الهرج أي وقته ، ولا يختصّ بالنهار دون الليل [ تاج العروس ٩ : ١١٥ ]

٣١٣

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إمّا بسبب قيام البشريّة كافّة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإمّا بسبب قيام الخلق كافّة في ساحة العدل الربّاني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل :( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١)

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانيّة بمعنى « قيماً » أي يوم الحشر ، وهذا غاية في البعد ، والأصحّ الأوّل

والظاهر أنّ التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى ، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافّة بالصلوات ، أو لقيام أمر النبيّ فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة وأمير المؤمنينعليهما‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي(٢) وكذلك قال لأهل العباعليهم‌السلام : « أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم » أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم(٣)

يتبيّن من هذا الحديث على اُصول أهل السنّة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الاُمّة ونصّ الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتّة

_________________

(١) المطفّفين : ٦

(٢) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٦١ وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٦٥ ( المترجم )

(٣) اُنظر : سنن ابن ماجة القزويني ١ : ٥٢ ( المترجم ) صحيح الترمذي ، ج ٥ باب ٦١ فضل فاطمة رقم ٣٨٧٠ ( هامش الأصل )

٣١٤

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف ، وتكون هذه الجملة الدعائيّة معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه ، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أنّ الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة ، فتقلّبهم الأيّام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم ، من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة اُخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المسبّبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل ، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً ، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل ، كما يمكن أن تكون الواو استئنافيّة

وعلى كلّ حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله(١)

_________________

(١) ذيل « صلّی الله عليه وآله » ( هامش الأصل )

٣١٥

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن اُمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة ، واشتهر بعد استلحق معاوية إيّاه بابن أبي سفيان ، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرىٰ فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن ، وأشار إلى ذلك أبو بكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوىٰ

حتّى حواه الحتف فيمن قد حوىٰ

وشرح حاله في الشروح الدريديّة وغيرها ، وفي شرح الدريديّة(١) : وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب ، فقالوا : أين نمضي مع هذا ، فعمدوا إلى سمّ فدفعوه إلى طبّاخه ووعدوه بالإحسان إليه(٢) إن ألقى السمّ في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقرّ الطعام في جوفه حتّى اشتدّ وجعه ، فلمّا علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنّك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنّك قد أذنت لنا في الرجوع ، فكتب لهم بذلك

ثمّ إنّ أبا الجبر خفّ ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكّة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي ، فعالجه فأبرأه فأعطاه سميّة ـ بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثنّاة من تحتها وفي آخره هاء ـ وعبيداً ـ بضمّ العين المهملة تصغير عبد ـ وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه(٣) وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربّه وابن خلّكان

_________________

(١) فيها : إنّه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً [ الخطيب التبريزي ، شرح مقصورة ابن دريد ، ص ٥٩ ] ( المترجم )

(٢) إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : ٥٩

(٣) ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ٦ : ٣٥٦

٣١٦

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أنّ سميّة جارية لدهقان من أهل زنده رود ، أهداها للحارث بن كلدة لمّا عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثمّ ولدت أبابكرة الصحابي المعروف على فراشه ، فنفاه أيضاً ولم يعترف به ، وأعطى سميّة لعبيد ، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطّاب ، وتلكّأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود ، وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلاميّة

وقال في العقد الفريد : كان الزانيات من النساء في الجاهليّة ينصبن على بيوتهنّ رايات ليعرفن بذلك ويقصدهنّ الشباب ، وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا ، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله :( وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ
) (١) يريد في الجاهليّة( فَإِنَّ اللَّـهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام

وفي مروج الذهب : وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارّة البغايا .

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبي مريم السلولي وهو خمّار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة فقال : ائتني بها على ذفرها وقذرها ( يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

_________________

(١) النور : ٣٣

٣١٧

وطأها قبل هذا اليوم ) ( الى أن قال ) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(١)

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيد الله ، فكان يعرف بزياد بن عُبيد وابن اُمّه وابن أبيه وابن سميّة ، ولمّا بلغ أشدّه استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون ، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه ،

فقال أبو سفيان : اُقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم اُمّه

فقيل له : من يا تُرى ؟

فقال : أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدرايّاً سياسيّاً حازماً ذا فطنة وكياسة ، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس(٢) ، وأراد معاوية خديعته فما تأتّىٰ ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده ، فقال عقيب ذلك : « أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إيّاي » ، وأثنى على أمير المؤمنينعليه‌السلام ثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذّره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيّامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه ، واستعان عليه بخبث فطرته

_________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٥ و ١٦ بتصرّف من المؤلّف ( المترجم ) و ٣ : ٦ ط دار الهجرة ( هامش الأصل )

(٢) لم يعهد إليه الإمام بذلك إنّما كان بفعل ابن عبّاس لأنّه والي البصرة يومئذٍ وفارس من توابعها ( المترجم )

٣١٨

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذٍ رأس النفاق ومعدن النصب فانطلّت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي باُخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان وعند ذلك أقسم أبوبكرة أن لا يكلّمه لأنّه زنىّ سميّة وقدح في نسبه(١)

ولمّا استقرّ رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويريّة بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي ، أخبرني بذلك أبو مريم ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس ، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(٢) وقذرها

فقال له زياد : مهلاً يا أبا مريم ، إنّما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً ، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إليّ وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكُمِّ درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه ، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(٣)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإنّ اسكتيها لتقطر منيّاً(٤)

_________________

(١) كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبوبكرة لا يكلّمه مادام حيّاً ( المترجم )

(٢) الذفر : الرائحة الخبيثة

(٣) المسعودي ٣ : ١٦ ط دار الكتب العلميّة لبنان ـ ١٤١١ ( المترجم )

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٠١ ( المترجم )

٣١٩

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة ، ولكنّها في فضائهم وأنا مترجمها أيضاً

ويقال : إنّ المتنبّي قال في حقّها :

أقم المسالح حول شفر سميّة

إنّ المنيّ بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه ، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية ، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان(١)

والحقّ أنّ هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأيّ كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في ردّه على نهج الحقّ وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي فلا يلزمنا الجواب عن كلّ مطاعنه وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنّة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

مغلغلة من الرجل اليماني(٢)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنّها حملت زياداً

وصخر من سميّة غير دان

_________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٧ ( المترجم ) والكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤٢ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنّها ليزيد بن المفرغ فيصحّ ما ذكرناه في المتن ( منهرحمه‌الله )

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

(ج): استعاذة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفقر(١) وسؤاله المسكنة(٢) .

(د): قوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون)(٣) فسماهم مساكين و أثبت لهم سفينة، وهي تساوى جملة من المال. وهو اختيار الشيخ في الجمل(٤) ، والمبسوط(٥) ، والخلاف(٦) ، والقاضي(٧) ، وابن حمزة(٨) ، وابن إدريس(٩) . وقيل: المسكين أسوء حالا، لوجوه.

(الف): النقل عن أهل اللغة، قال ابن السكيت رحمة الله عليه: الفقير الذي له

____________________

(١) مسند احمد بن حنبل: ج ٥، ص ٣٦، ولفظه (ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: " اللهم اني أعوذبك من الكفر والفقر وعذاب القبر ".

(٢) الجامع الصغير للبسوطى: حرف الالف، ص ٥٦، ولفظه " اللهم أحبني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ".

(٣) سورة الكهف: الآية ٧٩.

(٤) الجمل والعقود: ص ٥١، فصل في مستحق الزكاة، قال: " مستحق الزكاة ثمانية اصناف، الفقراء وهم الذين لا شئ لهم، والمساكين وهم الذين لهم بلغة من العيش لا تكفيهم ".

(٥) المبسوط: ج ١، ص ٢٤٦ كتاب قسمة الزكاة والاخماس والانفال، س ٢٣، قال: " فقال قوم: وهو الصحيح: ان الفقير هو الذي لا شئ له ولا معه ".

(٦) الخلاف: ج ٢، ص ٣٤٩، كتاب قسمة الصدقات، مسألة ١٠، قال: " الفقيرا أسوء حالا من المسكين ". انتهى

(٧) المهذب: ج ١، ص ١٦٩، باب من المستحق للزكاة، س ٥، قال: " فاما الفقراء فهم الذين لا شئ لهم ". إلى آخره.

(٨) الوسيلة: فصل في بيان من يستحق الزكاة، قال: " فالفقير من لاشئ له والمسكين من له قدر من المال ".

(٩) السرائر: ص ١٠٥، باب مستحق الزكاة، س ٣١، قال: " فاما الفقير فهو الذي لا شئ معه واما المسكين فهو الذي له بلغة من العيش لا يكفيه طول سنتة ".

٥٢١

بلغة من العيش، والمسكين الذي لاشئ له، وأنشد قول الراعي: اما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد(١) فسماه فقيرا وأثبت له حلوبة هي وفق عياله، وبه قال الفراء، وثعلب، وابن قتيبة، والاصمعي، وأبوزيد، وأبوعبيدة، وابن دريد، وحكوه عن يونس.

(ب): انه يؤكد به، فيقال: فقير مسكين، وعادة أهل اللسان تأكيد الاضعف معنى بالاقوى منه، ليفيد زيادة على ما يفيده المؤكد، وعن يونس قلت لاعرابي: أفقيرانت؟ قال: لا والله بل مسكين(٢) ولولا ان وجود الحاجة في المسكين أقوى لما حسن هذا التأكيد.

(ج): قوله تعالى: (أو مسكينا ذا متربة)(٣) اي ذا مجاعة الصق بطنه بالتراب لشدة حاجته وجوعه.

(د): ما رواه في الصحيح أبوبصير قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : قول الله عزوجل: (انما الصدقات للفقراء والمساكين)(٤) ، قال: الفقير الذي لا يسأل الناس، والمسكين أجهد منه، والبائس أجهدهم(٥) ، وهو اختيار الشيخ في النهاية(٦) ، وأبي علي(٧) .

____________________

(١ و ٢) تقدما في الهامش آنفا.

(٣) سورة البلد: الآية ١٦.

(٤) سورة التوبة: الآية ٦٠.

(٥) التهذيب: ج ٤، ص ١٠٤، باب ٢٩، باب الزيادات في الزكاة، قطعة من حديث ٣١.

(٦) النهاية: ص ١٨٤، باب مستحق الزكاة واقل ما يعطى واكثر، س ٦، قال: " فاما الفقير فهو الذي له بلغة من العيش ".

(٧) المختلف: ص ١٨٠، في مصرف الزكاة، س ٣٧، قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية: " وهو اختيار ابن الجنيد ".

٥٢٢

والمفيد(١) ، وتلميذه(٢) ، واستقربه العلامة في المختلف(٣) .

قال المصنف: ولا ثمرة مهمة في تحقيقه، اى في باب الزكاة لاندارجهما تحت الامر الكلي الذي هو مناط الاستحقاق، وانما تظهر الفائدة في مواضع.

(الف): النذر.

(ب): الوصية.

(ج): الكفارة، فان مصرفها المساكين، فان كان الفقير أسوء حالا منه، استحق، وإلا فلا وأما في النذر والوصية، فان عين الفقير وجعلناه أحسنهما حالا استحقا، وإلا خص به للاسوء حالا. ومن الناس من جعل اللفظين بمنزلة واحدة، فعلى هذا لا فرق بينها في الجميع.

قال العلامة: إذا أفرد لفظ الفقير دخل فيه المسكين، وبالعكس(٤) ، وكذا قال ابن إدريس(٥) وإن جمعا، فيه الخلاف، فعلى هذا لو أوصى للفقير خاصة، أو للمسكين استحق كل واحد منهما، وكذا الكفارة.

أما لو قال في نذره أو وصيته: هذا للفقير وهذا للمسكين، وجب التمييز.

____________________

(١) المقنعة: ص ٣٩، باب اصناف اهل الزكاة، س ٣٠، قال: " وهم (اى الفقراء) الذين لا كفاية لهم مع الاقتصاد والمساكين وهم المحتاجون السائلون لشدة ضرورتهم ".

(٢) المراسم: ذكر من يجوز اخراج الزكاة إليه، ص ١٣٢، قال: " الفقراء وهم المحتاجون الذين لا يسألون، والمساكين وهم المحتاجون السائلون ".

(٣) المختلف: ص ١٨١، في مصرف الزكاة، س ٦، قال: " والاخير (اي كون المسكين اسوء حا لا) أقرب لرواية ".

(٤) المختلف: ص ١٨٠، في مصرف الزكاة، س ٣٥، قال: " الفقير اذا اطلق دخل فيه المسكين و بلعكس ".

(٥) السرائر: ص ١٠٦، باب مستحق الزكاة، س ١، قال: " لان كل واحد من الفقير والمسكين اذا ذكر على الانفراد دخل الآخر فيه ".

٥٢٣

تنبيه

الغنى المانع من أخذ الزكاة، وما يحصل به الكفاية له ولعياله الواجبي النفقة قاله المحققون: وقال الشيخ في المبسوط: وفي أصحابنا من قال: من ملك نصابا تجب فيه الزكاة كان غنيا يحرم عليه الصدقة(١) وهو اختياره في الخلاف(٢) ، والمعتمد هو الاول، وهو أعم من حصوله بالفعل أو بالقوة، فالمتمكن من تكسب المؤونة بالحرفة أو الصنعة لا تحل له.

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الاصحاب: انه يجوز دفع الزكاة إلى المكتسب(٣) . وهو ضعيف لقولهعليه‌السلام : (لا تحل الصدقة لغنى ولا لقوي مكتسب)(٤) . وفي رواية سماعة، وقد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درها، فقلت له: كيف هذا؟ فقال: إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم يكف، فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله، وأما صاحب

____________________

(١) المبسوط: ج ١، ص ٢٧٥، في بيان من يأخذ الصدقة مع العنى والفقر.

(٢) الخلاف: ج ٢، ص ٣٥٢، كتاب قسمة الصدقات، مسألة ٢٤.

(٣) الخلاف: ج ٢، ص ٣٤٩، كتاب قسمة الصدقات، مسألة ١١، قال: " وقال محمد: اكره دفع الصدقة إلى المكتسب الا انه يجزي وبه قال قوم من أصحابنا ".

(٤) لم نعثر عليه: ولكن وجدنا قريبا منه في الكافي ج ٣، ص ٥٦٠، حديث ٢، وإليك نص الحديث المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام : " إن الصدقة لا تحل لمحترف ولا لذي مرة سوي قوي فتنزهوا عنها ". وكذلك حديث ١٢، ص ٥٦٣، الحديث المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله آ " إن صدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي. " وفي الختلف: ص ١٨٥، س ١٢، الحديث هكذا: " ولا ذي قوة مكتسب. "

٥٢٤

الخمسين فانه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها، وهو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء الله(١) . فالضابط. إن من يمكنه الغناء عنها لا يحل له، سواء كان بمال أو صناعة أو حرفة، بشرط أن يكون التكسب لا يقا بحاله ومروئته، فلا يكلف ذو الحشمة ولا البزاز بيع الحطب، ولا الشريف بيع الخبز والطبيخ، لان تكلف ذلك أصعب من بيع الخادم وتكليفه خدمة نفسه وبيع فرس الركوب، وقد أسقطا لشارع ذلك عنه، وكذا لو كان ممنوعا عن التكسب باشتغاله بفعل واجب أو علم دينى، لا بفعل العبادات والعلوم الرياضيات، أما ما زاد على الواجب في علم الفقه، فان كان طالبالدرجة الاجتهاد، أو قد بلغها ويحتاج الناس إليه للتعلم منه، جاز ترك التكسب لذلك. و ان كان يعلم انه لا يبلغ درجة الاجتهاد، فان كان في ازدياد ويعلم احتياج الناس إلى القدر الذي عنده، جاز الاشتغال بالتعلم والتعليم عن التكسب، وإلا فلا.

فروع

(الف): لو لم يكن محتاجا حرمت الصدقة وإن لم يملك شيئا.

(ب): لو كان له بضاعة يتجربها ولا يكفي إستنمائها جاز أن يأخذ التتمة من الزكاة ولا يكلف الانفاق من أصلها، وإن بلغت مؤونة السنة، وكذا الضيعة ودار الغلة، ويلزم ابن إدريس المنع، حيث أوجب في الفقير المدفوع إليه قرضا ما صاربه غنيا، أن تؤخذ منه ليصير فقيرا، ثم تدفع إليه.

(ج): لو ملك نصابا زكويا من أي الانواع كان، ولا يكفيه مؤونة السنة، جاز أن يأخذ الزكاة، ويجب عليه إخراجها.

____________________

(١) الكافي: ج ٣، ص ٥٦١، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له، حديث ٩.

٥٢٥

ولو جهل الامران قيل: يمنع، وقيل: لا، وهو أشبه. ويجوز مقاصة المستحق بدين في ذمته، وكذا لو كان الدين على من يجب إلانفاق عليه جاز القضاء عنه حيا وميتا.

(د): هل يجوز أن يعطيها بعض عياله كزوجته؟ يحتمل الجواز، لانه فقير، و يحتمل المنع لان الدفع إليه يعود نفعه إلى الدافع، فكأنه لم يخرجها، وقوى العلامة الجواز(١) ، أما لو دفعت الزوجة إلى زوجها، فالاقوى الجواز، وفيه قول بالمنع، لانه يعود نفعه عليها، إذا يجب على زوجها النفقة من ذلك، وهو معارض لجواز الدفع إلى المديون، وقال أبوعلي: إذا أعطت الزوجة زكاتها زوجها لا ينفق عليها منها ولا على ولده منها، وينفق على نفسه وعلى ولده من غيرها(٢) . قال طاب ثراه: ولو جهل الامران، قيل: يمنع وقيل: لا، وهو أشبه.

أقول: المنع مذهب الشيخرحمه‌الله (٣) ، ومستنده ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن العالمعليه‌السلام ، قال: الغارمون قوم قد وقعت عليهم ديون، أنفقوها في طاعة الله من غير اسراف(٤) ومع الجهل لا يحصل العلم بوجود الشرط. والاكثرون على جوازه، لان الطاعة والمعصية من الامور الخفية، وإنما يعتبر فيها الظاهر وغلبة الظن، وهو حاصل في المجهول حاله، لان الاصل تنزيل تصرف المسلم على المشروع.

والتحقيق: أن انفاقه في الطاعة هل هوشرط؟ أو إنفاقه في المعصية مانع؟ فيمنع على الاول، ويعطى على الثاني.

____________________

(١ و ٢) المختلف: ص ١٨٣، في مصرف الزكاة، س ١٥.

(٣) المختلف: ص ١٨١، في مصرف الزكاة، س ٢٣، قال: " لو لم يعلم فيماذا انفق الغارم، قال الشيخ: يمنع ".

(٤) التهذيب: ج ٤، ص ٤٩، باب ١٢، اصناف أهل الزكاة، الحديث ٣، والحديث طويل والمنقول قطعة منه.

٥٢٦

وفي سبيل الله: وهو كل ما كان قربة أو مصلحة، كالحج، والجهاد، وبناء القناطر، وقيل: يختص بالجهاد. وابن السبيل: وهو المنقضع به، ولو كان غنيا في بلده، والضيف. ولو كان سفرهما معصية منعا. وأما الاوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين، فأربعة. الايمان: فلا يعطى منهم كافر، ولا مسلم عير محق.

قال طاب ثراه: وفي سبيل الله، وهو كل ما كان قربة، أو مصلحة، كالحج والجهاد وبناء القناط، وقيل: يختص بالجهاد.

أقول: أحد مصارف الزكاة سبيل الله، والسبيل الطريق، فاذا أضيف إلى الله تعالى، أفاد كلما يتقرب به إلى الله، وهو الذي قواه في المبسوط(١) ، وجزم به في الخلاف(٢) ، واختاره ابن حمزة(٣) ، وابن إدريس(٤) ، والمصنف(٥) ، والعلامة في كتبه(٦) . لانه حقيقة فيه فيحمل عليه، لعدم ما يدل على صرفه عن حقيقته، ولما ذكره علي بن إبراهيم قال: فسرالعالمعليه‌السلام ، إلى أن قال: وفي سبيل الله قوم يخرجون في الجهاد، وليس عندهم ما ينتفعون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما

____________________

(١) المبسوط: ج ١، ص ٢٥٢، كتاب قسمة الزكاة، س ٤، قال: " ويدخل في سبيل الله معونة الحاج و قضاة الديون عن الحي والميت وجميع سل الخير ".

(٢) الخلاف: ج ٢، ص ٣٥٢، كتاب قسمة الصدقات، مسألة ٢١، قال: " وجميع المصالح ".

(٣) الوسيلة: فصل في بيان من يستحق الزكاة، قال: " وسبيل الله الجهاد والرباط والمصالح وسبل الخير ".

(٤) السرائر: ص ١٠٦، باب مستحق الزكاة، س ١٢، قال: " في سبيل الله وهو كل ما يصرف في الطريق التي يتوصل بها إلى رضا الله وثوابه ".

(٥) المعتبر: في مستحق الزكاة، ص ٢٨٠، قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط: " وهو الوجه ".

(٦) المختلف: ص ١٨١، فيما تصرف اليه الزكاة، س ٣٤، قال: " والاقرب ما ذكره في المبسوط ".

٥٢٧

وفي صرفها إلى المستضعف مع عدم العارف تردد، أشبهه المنع، وكذا في الفطرة ويعطى أطفال المؤمنين. ولو أعطى مخالف فريضة، ثم استبصر، أعاد. يحجون به، أو جميع سبل الخير، فعلى الامام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد(١) ، وقال المفيد(٢) ، وسلار(٣) ، والشيخ في النهاية(٤) . يختص الجهاد.

قال طاب ثراه: وفي صرفها إلى المستضعف مع عدم العارف تردد، أشبهه المنع، وكذا في الفطرة.

أقول: الزكاة مواساة مستحقة لاهل الولاية، فلا يستحقها غيرهم اختيارا و اضطرارا، ولهذا يعيد المخالف زكاته مع استبصاره إذا كان قد صرفها إلى غيرهم، وفي رواية يعقوب بن شعيب عن العبد الصالحعليه‌السلام قال: إذا لم يجد دفعها إلى من لا ينصب(٥) . وفي طريقها مع ندورها، أبن بن عثمان(٦) وهو ضعيف، ولم نظفربقائل عمل بهذه الرواية في زكاة المال. ومنشأ التردد، النظر إلى ما دلت عليه الرواية، وعموم قولهعليه‌السلام : على

____________________

(١) التهذيب: ج ٤، ص ٤٩، باب ١٢، اصناف اهل الزكاة قطعة من حديث ٣. وفيه: يتقوون به ".

(٢) المقنعة: ص ٣٩، باب اصناف اهل الزكاة، س ٣٢، قال: " وفي سبيل الله وهو الجهاد ".

(٣) المراسم: ذكر من يجوز اخراج الزكاة اليه، ص ١٣٢، س ١٥، قال: " وفي سبيل الله: وهو الجهاد ".

(٤) النهاية: س ١٨٤، باب مستحق الزكاة، س ١٦، قال: " وفي سبيل الله: وهو الجهاد ".

(٥) التهذيب: ج ٤، ص ٤٦، باب ١١، تعجيل الزكاة وتأخيرها، قطعة من حديث ١٢.

(٦) سند الحديث كما في التهذيب: (وعنه اى الحسين بن سعيد) عن ابراهيم بن ابي اسحاق، عن عبدالله بن حماد الانصارى، عن أبان بن عثمان، عن يعقوب بن شعيب الحداد، عن العبد الصالحعليه‌السلام ).

٥٢٨

الثاني: العدالة وقد اعتبرها قوم وهو أحوط، واقتصر آخرون على مجانبة الكبائر.

الثالث: ألا يكون ممن تجب نفقته كالابوين وإن علوا، والاولاد و إن نزلوا، والزوجة والمملوك، ويعطى باقي الاقارب.

الرابع: أن لا يكون هاشميا، فان زكاة غير قبيلته محرمة عليه دون زكاة الهاشمى، كل كبد حرى أجر(١) . وقولهعليه‌السلام : اعط من وقعت له في قلبك الرحمة(٢) . والنظر إلى رواية إسماعيل بن سعد(٣) .

أما الفطرة: ففي رواية الفضيل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان جدى يعطي فطرته الضعفة ومن لا يتوالى، وقال: هي لاهلها إلا أن لا تجدهم، فان لم تجدهم فلمن لا ينصب(٤) . والمشهور المنع، ويؤيده رواية إسماعيل بن سعد الاشعري عن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا، ولا زكاة الفطرة.

قال طاب ثراه: والعدالة وقد اعتبرها قوم، وهو أحوط، واقتصر آخرون على مجانبة الكبائر.

أقول: المستحق بالنسبة إلى اعتبار العدالة ينقسم ثلاثة أقسام.

____________________

(١) رواه اصحاب الصحاح والسنن بعبائر شتى. صحيح البخاري: ج ٣، ص ١٤٧، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء ولفظه: " في كل كبد رطبة أجر ". وفي مسنداحمد بن حنبل: ج ٢، ص ٢٢٢، ولفظه: " في كل ذات كبد حراء اجر ". وفي عوالى اللئالى: ج ١، ص ٩٥، حديث ٣، ولفظه: " على كل كبد حرى أجر " إلى غير ذلك مما يجده لمتتبع(٢) التهذيب ج ٤، ص ١٠٧، باب ٢٩، من الزيادات في الزكاة، الحديث ٤١، وفيه: (في قلبك له الرحمة).

(٣) المقنعة: ص ٣٩، السطر الاخير منها.

(٤) التهذيب: ج ٤، ص ٨٨، باب ٢٧، مستحق الفطرة واقل مايعطى الفقير منها، الحديث ٨.

٥٢٩

(الف): من يعتبر فيه العدالة إجماعا، وهوالساعي.

(ب): من لا يعتبر فيه مطلقا، وهو المؤلفة.

(ج): من عدا هؤلاء يعتبر فيه العدالة؟ ام لا؟

قيل فيه ثلاثة أقوال:

(الف): اعتبارها فلا يعطى الفاسق، وهو مذهب الثلاثة(١) ، والقاضي(٢) ، والتقي(٣) ، وبه قال ابن إدريس(٤) ، وابن حمزة(٥) ، إلا في الغزاة.

(ب): لم يذكرها الصدوقان وسلار في الشرايط، وهو اختيار المصنف والعلامة، واحتج عليه بعموم قوله تعالى: انما الصدقات للفقراء(٦) ، وبقولهماعليهما‌السلام : (الزكاة لاهل الولاية قد بين الله لكم موضعها في كتابه)(٧) .

____________________

(١) اي المفيد في المقنعة: ص ٣٩، باب صفة مستحق الزكاة، س ٣٦، قال: " ولا يجوز لاحد من هذين الصنفين ولا من السنة المقدم ذكرهم الابعد ان يكون عارفا تقيا "، والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل: ص ١٢٥، فصل في وجوه اخراج الزكاة، قال: " ولا تحل ايضا إلا لاهل الايمان "، إلى أن قال: " دون الفساق وأصحاب الكبائر " والشيخ في النهاية: ص ١٨٥، باب مستحق الزكاة قال: " ولا يجوز أن يعطى الزكاة من أهل المعرفة إلا أهل الستر والصلاح". انتهى

(٢) المهذب: ج ١، ص ١٦٩، باب المستحق للزكاة، س ٢٧، قال في بيان الشروط: " اولها ان يكونوا من اهل العدالة".

(٣) الكافي في الفقه: ص ١٧٢، فصل في جهة هذه الحقوق، س ٦، قال: " فمستحق للزكاة والفطرة الفقير المؤمن العدل ".

(٤) السرائر: ص ١٠٦، باب مستحق الزكاة، س ١١ و ١٩، قال: " ويتعتبر فيهم الايمان والعدالة ".

(٥) الوسيلة: فصل في بيان من يستحق الزكاة قال: " ويعتبر الايمان والعدالة في جميع الاصناف الا في المؤلفة والغراة ".

(٦) سورة التوبة: الآية ٥٩.

(٧) التهذيب: ج ٤، ص ٥٢، باب ١٣، مستحق الزكاة للفقر والمسكنة، الحديث ٦.

٥٣٠

ولو قصر الخمس عن كفايته، جاز أن يقبل الزكاة ولو من غير الهاشمي، وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة، وتحل المواليهم، والمندوبة لا تحرم على هاشمي ولا غيره. والذين يحرم عليهم الواجبة ولد عبدالمطلب. وبهذا العموم روايات كثيرة.

(ج): الاقتصار على مجانبة الكبائر، قال المصنف في المعتبر: واقتصرآخرون منا على مجانبة الكبائر(١) ولم يشر إلى عين القائل، ولا ذكر لسند ذلك رواية سوى رواية داود الصيرفي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: لا(٢) . وأنت تراها، مع كونها مقطوعة، تدل بمنطوقها على منع شارب الخمر، ولا يدل على جواز إعطاء مرتكب الصغيرة. نعم هو مفهوم عبارة أبي علي، حيث قال: لا يجوز إعطاء شارب خمر، أو مقيم على كبيرة منها شيئا.

قال طاب ثراه: ولو قصرالخمس عن كفايته، جاز أن يقبل الزكاة ولو من غير الهاشمي، وقيل: لا يتجاوز قدر الضرورة.

أقول: تحرم الواجبة على الهاشمي، إذا تمكن من الخمس. ولو منع منه جاز أن يأخذ الزكاة عند علمائنا.

وهل يتقدر بقدر الضرورة؟ قيل: نعم، لانها العلة في تسويغه، فلا يباح الاخذ مع حصول ما يرفعها. والمراد به قوت يومه وليلته، لا مؤونة السنة، لان الخمس لا يملك منه الهاشمي مازاد عن مؤونة السنة وهو له طلق، فكيف ما لا يحل له إلا مع الضرورة.

وقيل: بالجواز لانه يدخل في قسم المستحقين، ولا يتقدر الاعطاء في طرف المستحق بقدره والاول أحوط.

____________________

(١) المعتبر: ص ٢٨١، في مستحق الزكاة، س ٢٧.

(٢) التهذيب: ج ٤، ص ٥٢، باب ١٣، مستحق الزكاة للفقر والمسكنة، الحديث ٩، وفيه (داود الصرمي)

٥٣١

واما اللواحق فمسائل: الاولى: يجب دفع الزكاة إلى الامام إذا طلبها، ويقبل قول المالك لو إدعى الاخراج ولو بادر المالك باخراجها أجزأته. ويستحب دفعها إلى الامام إبتداء، ومع فقده إلى الفقيه المأمون من الامامية لانه أبصر بمواقعها.

الثانية: يجوز أن يخص بالزكاة أحد الاصناف ولو واحدا، وقسمتها على الاصناف أفضل، وإذا قبضها الامام أو الفقيه برئت ذمة المالك ولو تلفت.

الثالثة: لولم يجد مستحقا استحب عزلها والايصاء بها.

الرابعة: لو مات العبد المبتاع من مال الزكاة ولا وارث له، ورثته أرباب الزكاة، وفيه وجه آخر، وهذا أجود.

قال طاب ثراه: لومات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث له، ورثه أرباب الزكاة، وفيه وجه آخر، وهذا أجود.

أقول: الاول اختيار الصدوقين(١) ، والشيخ(٢) ، وابن إدريس(٣) ، وهو الظاهر

____________________

(١) المقنع: ابواب الزكاة، ص ٥٢، باب العتق من الزكاة، قال: " فان استفاد المعتق ما لا ومات فماله لاهل الزكاة ". وفي الفقيه: ج ٢، ص ١٠، باب ٥، الاصناف التى تجب عليها الزكات، قال بعد حديث ٦: " فان استفاد المعتوق مالا ومات، فماله لاهل الزكاة ".

(٢) النهاية: ص ١٨٨، باب مستحق الزكاة، س ١٣، قال " فان أصاب بعد ذلك مالا ولا وارث له، كان ميراثه لارباب الزكاة ".

(٣) السرائر: ص ١٠٧، باب مستحق الزكاة، س ٢٤، قال: " فان اصاب بعد ذلك مالا ثم مات ولا وارث له، كان ميراثه لارباب الزكاة ".

٥٣٢

من كلام المفيد(١) ، لانه انما اشترى بما لهم. والوجه الآخر يرثه الامام، ولا نعرف قائله من الاصحاب. قال العلامة: الاول قول أكثر علمائنا(٢) . وقال المصنف في المعتبر: إذامات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث، ورثه أرباب الزكاة وعليه علمائنا وحجتهم ما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أخرج زكاة ماله، فلم يجد لها موضعا فاشترى بها مملوكا فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك، قلت: إنه اتجر واحترف فأصاب ما لا ثم مات من يرثه؟ قال: يرثه الفقراء الذين يستحقون الزكاة، إنما اشترى بمالهم(٣) . ويمكن أن يقال: تركته للامام، لان الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة، لانه أحد مصارفها، فيكون كالسابية. وتضعف الرواية بأن في طريقها ابن فضال، وهو فطحي، وعبدالله بن بكير، وفيه ضعف(٤) . غير ان العمل بها عندي أقوي، لمكان سلامتها عن المعارض، واطباق المحققين منا على العمبها(٥) .

____________________

(١) المقنعة: ص ٤٢، باب من الزيادات في الزكاة، س ٢٨، قال: " فان إستفاد المعتق بعد ذلك مالا و توفى ولا وارث له، كان ما ترك من المال للفقراء والمساكين من المؤمنين ".

(٢) التذكرة: ج ١، ص ٢٤٦، كتاب الزكاة في اللواحق، س ١، قال: " قال اكثر علمائنا يرثه أرباب الزكاة ".

(٣) التهذيب: ج ٤، ص ١٠٠، باب ٢٩، من الزيادات في الزكاة، الحديث ١٥.

(٤) سند الحديث كما في التهذيب: " محمد بن يعقوب، عن على بن ابراهيم، عن ابيه، عن ابن فضال، عن مروان بن مسلم عن ابن بكير، عن عبيد بن زرازة ".

(٥) من قوله: قال المصنف في المعتبر: ص ٢٨٤، إلى هنا كلام المحقق. لاحظ المعتبر، في مستحق الزكاة، س ٤.

٥٣٣

الخامسة: أقل مايعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول، وقيل: ما يجب في الثاني، والاول أظهر. ولا حد للاكثر، فخير الصدقة ما أبقت غنى.

السادسة: يكره ان يملك ما أخرجه في الصدقة اختيار، ولا بأس أن يعود إليه بميراث وشبهه. وقال العلامة في التذكرة: ولو قيل يرثه الامام كان وجها، لان الفقراء لا يملكون، ثم ساق كلام المصنف إلى أن قال: والرواية ضعيفة السند، لان في طريقها ابن فضال، وابن بكير، وهما فطحيان(١) وتوقف في المختلف(٢) .

قال طاب ثراه: أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول، وقيل: ما يجب في الثانى، والاول أظهر.

أقول: هنا ثلاثة أقوال: (الف): إن أقله ما يجب في النصاب الاول خمسة دراهم، أو نصف دينار. وهو مذهب الشيخين(٣) ، وابني بابويه(٤) ، والمرتضى في الانتصار(٥) ، واختاره

____________________

(١) التذكرة: ج ١، ص ٢٤٦، كتاب الزكاة، في اللواحق، س ٣.

(٢) المختلف: ص ١٩١، المقصد الرابع من كتاب الزكاة، س ٣٠، قال بعد نقل الاقوال: " وبالجملة فهذه المسألة نحن فيها من المنوقفين ".

(٣) المقنعة: ص ٤٠، باب مقدار ما يخرج من الصدقة، س ٨، قال: " وأقل ما يعطى الفقير من الزكاة المفروضة خمسة دراهم فصاعدا ". والنهاية: ص ١٨٩، باب مستحق الزكاة واقل ما يعطى واكثر، س ٢، قال: " وأقل ما يعطى الفقير من الزكاة خمسة دراهم ".

(٤) الفقيه: ج ٢، ص ١٠، باب ٥، الاصناف التى تجب عليها الزكاة، س ٢، قال: " وقال ابي "رضي‌الله‌عنه " في رسالته إلى: لا يجزي في الزكاة أن يعطى أقل من نصف دينار ".

(٥) الانتصار: كتاب الزكاة، قال: مسألة " ومما انفردت به الامايمة القول بانه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة اقل من خمسة دراهم ".

٥٣٤

المصنف(١) ، وقال سلار: وهو الاثبت(٢) .

(ب): أقله ما يجب في النصاب الثاني، وهو مذهب أبي علي(٣) ، والسيد في المسائل المصرية(٤) .

(ج): لا حد له وهو مذهب السيد في الجمل(٥) ، واختاره ابن إدريس(٦) ، والعلامة في المختلف(٧) .

إحتج الاولون: بصحيحة أبي الولاد الحناط عن الصادقعليه‌السلام قال: سمعته يقول: لا تعط أحدا من الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعدا(٨) . ومثلها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لا يجوز دفع الزكاة أقل من خمسة دراهم فانها أقل الزكاة(٩) وحملهما العلامة

____________________

(١) المعتبر: ص ٢٨٤، في مستحق الزكاة، س ١١، قال: والقول الاول (أي إعطاء النصاب الاول) أظهر بين الاصحاب.

(٢) المراسم: ص ١٣٤، ذكر اقل ما يجزي اخراجه من الزكاة، س ١.

(٣) المختلف: ص ١٨٦، في كيفية الاخراج، س ٦، قال: " وقال ابن الجنيد: لا يعطى من الزكاة دون الدرهم ".

(٤) رسائل الشريف المرتضى: ج ١، ص ٢٢٥، س ٢، قال: " اقل ما يجزئ‌ء من الزكاة درهم ".

(٥) جمل العلم والعمل: ص ١٢٨، فصل في وجوه اخراج الزكاة، س ١٨، قال: " ويجوز أن يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير ".

(٦) السرائر: ص ١٠٧، في مستحق الزكاة، س ٣٢، قال: " وذهب بعض آخر إلى انه يجوز ان يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير إلى ان قال: س ٣٣، وهذا هو الاقوى ".

(٧) المختلف:ص١٨٦، في كيفية الاخراج، ص ١٥، س ١٥، قال: " ويجوز أن يعطى أقل من درهم".

(٨) التهذيب: ج ٤، ص ٦٢، باب ١٦، ما يجب ان يخرج من الصدقة واقل ما يعطى، قطعة من حديث ١. واليك نص الحديث: " لا يعطى أحد من الزكاة، أقل من خمسة دراهم وهو أقل ما فرض الله عزوجل من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم فصاعدا ".

(٩) التهذيب: ج ٤، ص ٦٢، باب ١٦، ما يجب ان يخرج من الصدقة وأقل مايعطى الحديث ٢.

وفيه: " لايجوز أن يدفع ".

٥٣٥

السابعة: إذا قبض الامام أو الفقيه الصدقة دعا لصاحبها إستحبابا على الاظهر. على الاستحباب(١) . واحتج الآخرون: بما رواه عبدالكريم بن عتبة الهاشمي في الحسن، عن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم صدقة أهل البوادي، في أهل البوادى، وصدقه أهل الحضر في أهل الحضر، ولا يقسمها بينهم بالسوية، إنما يقسمها على قدر ما يحضره منهم، وقال: ليس في ذلك شئ موقت(٢) ولعموم قوله تعالى: (وآتو الزكاة)(٣) ، وبأصالة براء‌ة الذمة من التحديد.

قال المصنف: واما قول علم الهدى، فلم أجد به حديثا يسند إليه، والاعراض عن النقل المشهور من عدم المعارض، إقتراح، والتمسك بقوله: (وآتو الزكاة)، غير دال، لانه أمر بالايتاء ولا يدل على كيفية ذلك الايتاء، فيرجع فيه إلى الكيفية المنقولة(٤) .

قال طاب ثراه: إذا قبض الامام الصدقة دعا لصاحبها إستحبابا على الاظهر.

أقول: هذا مذهب الشيخ في المبسوط(٥) ، وفي كتاب قسمة الصدقات في الخلاف(٦) .

____________________

(١) المختلف: ص ١٨٦، في أقل ما يعطى الفقير، س ١٤، قال: " والاقرب عندي ان اقل ما يعطى خمسة دراهم على سبيل الاستحباب ".

(٢) التهذيب: ج ٤، ص ١٠٣، باب ٢٩، من الزيادات في الزكاة، الحديث ٢٦.

(٣) سورة البقرة: الآية ٨٣ و ١١٠. سورة النساء الآية ٧٨. سورة النور: الآية ٥٦. سورة المجادلة: الآية ١٣. سورة المزمل: الآية ٢٠.

(٤) المعتبر: ص ٢٨٤، فيمايعطى المستحق من الزكاة، س ١٦.

(٥) المبسوط: ج ١، ص ٢٤٤، كتاب قسمة الزكاة، س ٢١، قال: " فذا اخذ الامام صدقة المسلم دعا له استحبابا ".

(٦) الخلاف: ج ٢، س ٣٤٧، كتاب قسمة الصدقات، مسألة ٥، قال: " اذا اخذا الامام صدقة الاموال يستحب له ان يدعو لصاحيبها ".

٥٣٦

الثامنة: سقط مع غيبة الامام سهم السعاة والمؤلفة، وقيل: يسقط سهم السبيل وعلى ما قلناه لا يسقط.

التاسعة: ينبغي أن يعطى زكاة الذهب والفضة أهل المسكنة، و زكاة النعم أهل التجمل، والتوصل إلى المواصلة بها ممن يستحي من قبولها. للاصل، وهو اختيار المصنف(١) ، والعلامة(٢) . وقال في كتاب الزكاة من الخلاف بالوجوب(٣) لقوله تعالى: (وصل عليهم)(٤) وحمل على الاستحباب.

قال طاب ثراه: يسقط مع غيبة الامام سهم السعاة والمؤلفة، وقيل: يسقط سهم السبيل، وعلى ما قلناه: لا يسقط.

أقول: يسقط في حال الغيبة سهم السعاة، فليس للفقيه أن ينصب عاملا، وإن جاز له تولى غير ذلك من الاحكام. ويسقط أيضا سهم المؤلفة، لانهم قوم يستمالون للجهاد، وهو مشروط بظهور الامام. وهل يسقط سهم السبيل؟ يبنى على تفسيره، إن قلنا أنه يشمل المصالح لم يسقط لبقائها حال الغيبة، وإن قلنا باختصاصه بالجهاد سقط، وقد مر الخلاف فيه، وقد يمكن وجوب الجهاد على بعض الوجوه، فيكون النصيب باقيا مع وقوع ذلك التقدير.

____________________

(١) هذا مختاره في مختصر النافع، ولكن في المعتبر، ص ٢٨٤، قال بالوجوب: لاحظ ص ٢٨٦، س ٢٩، قال: لناقوله تعالى: " وصل عليهم " والامر للوجوب.

(٢) المختلف: ص ١٨٨، س ٢، قال بعدنقل قول المبسوط: " وهوالاقوى ".

(٣) الخلاف: ج ١، ص ٣٢٣، كتاب الزكاة، مسائل الخمس، مسألة ١٥٤، قال بعد نقل الاية: " وهذا أمريقتضي الوجوب ".

(٤) سورة التوبة: الاية ١٠٣.

٥٣٧

القسم الثاني: في زكاة الفطر وأركانها أربعة: الاول: فيمن تجب عليه

الاول: فيمن تجب عليه. إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغني، يخرجها عن نفسه وعياله، من مسلم وكافر، وحر وعبد، وصغير وكبير، ولو عال تبرعا. ويعتبر النية في أدائها، وتسقط عن الكافر لو أسلم، وهذه الشروط تعتبر عند هلال شوال، فلو أسلم الكافر، أو يلغ الصبيي، أو ملك الفقير القدر المعتبر قبل الهلال وجبت الزكاة، ولو كان بعده لم تجب، وكذا لو ولد له، أو ملك عبدا، وتستحب لو كان ذلك ما بين الهلال وصلاة العيد. والفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه، وعن عياله، وإن قبلها. ومع الجاجة يدير على عياله صاعا ثم يتصدق به عيل غيرهم.

الثاني: في جنسها وقدرها. والضابط إخرج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والارز والاقط واللبن. وأفضل ما يخرج التمر، ثم الزبيب. ويليه ما يغلب على قوت بلده. وهي من جميع الاجناس صاع، وهو تسعة أرطال بالعراقي، ومن اللبن أربعة أرطال، وفسره قوم بالمدني ولا تقدير في عوض الواجب، بل يرجع إلى قيمة السوقية.

قال طاب ثراه: وهي من جميع الاجناس صاع، وهو تسعة أرطال بالعراقي، ومن اللبن أربعة أرطال، وفسره قوم بالمدني. أقول هنا قولان:

٥٣٨

الثالث: في وقتها، ويجب بهلال شوال، ويتضيق عند صلاة العيد، ويجوز تقديمها في شهر رمضان ولومن أوله أداء، ولا يجوز تأخيرها عن الصلاة، إلا لعذر، أو انتظار المستحق،

(الف): إن الواجب تسعة في الكل، وهو مذهب المفيد(١) ، والسيد(٢) ، وأبي(٣) علي(٣) ، وسلار(٤) ، والقاضي(٥) ، والتقي(٦) ، اختاره العلامة في المختلف(٧) .

(ب): انه تسعة في غير اللبن، ومنه ستة بغدادية، وهي أربعة مدنية، وهو قول الشيخ في المبسوط(٨) ، وابن حمزة(٩) ، وابن إدريس(١٠) . واعلم: أن العراقي هنا مائة وثلاثون درهما، المدني مائة وخمسة وتسعون درهما،

____________________

(١) المقنعة: ص ٤١، باب كمية الفطرة ومقدارها، س ١٠، قال: " والفطرة صاع من تمر " إلى أن قال ٢ س ١٢ " وتسعة بالعراقي ".

(٢) جمل العلم والعمل: ص ١٢٦، فصل في زكاة الفطرة، س ١٤، قال: " ومقدار الفطرة صاع " إلى ان قال: " والصاع تسعة أرطال بالعراقي ".

(٣) المختلف: ص ١٩٨، في الفطرة، س ٣، قال بعد نقل قول المفيد: " وكذا قال ابن الجنيد ". إلى آخره

(٤) المراسم: ص ١٢٥، الفطرة، س ٧، قال: " فاما مبلغها فصاع "، إلى ان قال: " وتسعة أرطال " بالعراقي ".

(٥) المهذب: ج ١، ص ١٧٦، باب فيمن المستحق للفطرة وكم أقل ما يدفع منها إليه، س ٢.

(٦) الكافي في الفقه: ص ١٧٢، فصل في جهة هذه الحقوق، س ٧، قال: " مع الفطرة صاع ".

(٧) المختلف: ص ١٩٨، في الفطرة، س ٨، قال بعد نقل قول المفيد والسيد: " والاقرب عندي الاول "

(٨) المبسوط: ج ١، ص ٢٤١، في مقدار الفطرة، س ١٣، قال: " والفطرة، س ١٣، قال: " والفطرة تجب صاع " إلى قوله: س ٤ " واللبن يجزى منه اربعة ارطال بالمدني ".

(٩) الوسيلة: في بيان زكاة الرؤوس، قال:" والسابع، صاع قدره تسعة أرطال بالعراقي إلا اللبن "

(١٠) السرائر: ص ١٠٩، باب ما يجوز اخراجه في الفطرة، س ٢، قال: " فاما القدر الذي يجب اخراجه عن كل رأس فصاع " إلى ان قال: س ٣ " الا للبن ".

٥٣٩

وهي قبل الصلاة العيد فطرة، وبعدها صدقة، وقيل يجب القضاء وهو أحوط وإذا عزلها وأخر التسليم لعذر، لم يضمن لو تلفت، ويضمن لو أخرها مع إمكان التسليم، ولا يجوز نقلها مع وجود المتسحق، ولو نقلها ضمن، ويجوز مع عدمه، ولا يضمن.

الرابع: في مصرفها، وهو مصرف زكاة المال، ويجوز أن يتولى المالك إخراجها، وصرفها إلى الامام أو من نصبه أفضل، ومع التعذر إلى فقهاء الامامية، ولا يعطى الفقير أقل من صاع، إلا أن يجتمع من لا تتسع لهم، وستحب أن يخص بها القرابة، ثم الجيران مع الاستحقاق. فهو رطل ونصف، وفي تقدير النصاب في الغلات، الرطل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم.

قال طاب ثراه: وهي صلاة العيد فطرة، وبعدها صدقة، وقيل: يجب القضاء، وهو أحوط.

اقول: البحث هنا يقع في مقامات أربع. الاول في وقت وجوبها وشغل الذمة بها وفيه قولان: (الف): طلوع الهلال، وهو قول الشيخ في الجمل(١) ، والاقتصاد(٢) ، واختاره

____________________

(١) الجمل والعقود: ص ٥٥، فصل في ذكر زكاة الفطرة، س ٣، قال: " وتجب الفطرة بدخول هلال شوال ".

(٢) الاقتصاد: ص ٢٨٤، فصل في زكاة القطرة، س ٢٢، قال: " ووقت وجوب هذه الزكاة اذا طلع هلال شوال ".

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568