المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117339 / تحميل: 7179
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الغاصب(١) وعبارة المصنف في النافع يعطي العموم(٢) .والاولى اشتراط التوبة في الغاصب على القول بدخوله.

(ط) هل هذا الامر للمستودع على سبيل الوجوب اولا؟ الاقرب الاول، لانه الاصل في اطلاق الامر، أو من باب الحسبة، فلو لم يفعل وسلم إلى الورثة فلم يحجوا عنه ضمن.

(ي) لو غلب على ظنه انهم يخرجون، فسلم اليهم فلم يخرجوا لم يضمن، لانه مخاطب بما في ظنه.

(يا) لو عرف اخراج بعضهم وعدم الرضا من الباقين، وجب اعلام المخرج واستيذانه، لانه أحق بالولاية، الا مع خوف الضرر، أو خوف أدائه إلى علم الباقين وحصول مفسدة فيه منه.

(يب) لو أخرج حيث سوغنا له الاخراج ثم اخرج الورثة عنه، فان امكنه اعلامهم وأمكن استدراك ذلك إما بأن يكون الجميع في عام واحد ولم تخرج الرفقة فيفسخ عقده خاصة ويرد المال على الورثة، لان ولايته مشروطة بامتناع الوارث من الاخراج، أو يكون في عامين وعام الورثة متأخر عن عامه، فلا يخرجون شيئا ويسترجعون المال من أجيرهم ان أقام الودعي بينة على الاستيجار عن الميت، وان لم يقم بينة هل يكون قوله مقبولا في حق الاجير الثاني ليتسلط على فسخ عقده؟ يحتمله قويا، لانه أمين، ويحتمل ضعيفا عدمه، لان الاصل صحة العقد وعدم نفوذ الاقرار في حق الغير، فحينئذ يحتمل ضمان الودعي قويا، كما لو اشتركوا، وعدمه للاذن شرعا.

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانه.

(٢) لاحظ عبارة النافع في صدر الصفحة.

١٤١

الخامسة: من مات وعليه حجة الاسلام وأخرى منذورة، اخرجت حجة الاسلام من الاصل، والمنذورة من الثلث، وفيه وجه آخر.

(يج) لو علم سبق واحدة في الجملة اقرع.

(يد) هذاالاخراج واجب على الفور، فيأثم بالتأخير ويضمن.

قال طاب ثراه: من مات عليه حجة الاسلام واخرى منذورة، اخرجت حجة الاسلام من الاصل، ومانذره من الثلث، وفيه وجه آخر.

اقول: الوجه الآخر: إخراج المنذورة من صلب المال وقسمته عليهما مع القصور كالدين وهو مذهب ابن ادريس(١) واختاره المصنف في الشرايع(٢) واليه ذهب العلامة(٣) وفخر المحققين(٤) والشهيد(٥) .والاول مختار الشيخ في المبسوط(٦) والنهاية(٧) والتهذيب(٨) وهو مذهب

____________________

(١) المختلف: كتا ب الحج الفصل الخامس في مسائل متبددة من هذا الباب ص ١٥١ س ٣٥ قال: مسألة من نذر الحج ومات وعليه حجة الاسلام اخرجتا من صلب المال، وهو اختيار ابن ادريس، إلى أن قال: والمندورة: من الثلث وهو اختيار ابن الجنيد ثم قال: لنا انهما واجبان فيجب اخراجهما من صلب المال كالديون

(٢) الشرايع: القول في شرائط ما يجب بالنذر قال: الاولى إذا نذر الحج مطلقا الي أن قال: ثم مات قضي عنه أصل تركته الخ.

(٣) تقدم نقله آنفا.

(٤) القواعد: المطلب الخامس في شرائط قال نعم لو تمكن بعد وجوبه ومات لم يأثم ويقضى من صلب التركة ولو كان عليه حجة الاسلام قسمت التركة بينهما الخ وارتضاه فخر المحققين ولم يعلق عليه شيئا.

(٥) الدروس: كتاب الحج، درس، وقد يجب الحج والعممرة بالنذر ص ٧٨ س ٤ قال: ومن مات وعليه حجة الاسلام والنذر اخرجنا من صلب ماله الخ.

(٦) المبسوط: كتاب الحج: ج ١ ص ٣٠٦ س ٣ قال: ومن نذر أن يحج إلى أن قال: أخرجت حجة الاسلام من صلب المال وما نذر فيه من ثلثة الخ.

(٧) النهاية: كتاب الحج، باب آخر من فقه الحج ص ٢٨٣ س ١٨ قال: ومن نذر أن يحج إلى أن قال: اخرجت عنه حجة الاسلام من صلب المال وما نذر فيه من ثلثة الخ.

(٨) التهذيب: ج ٥(٢٦) باب من الزيادات في فقه الحج ص ٤٠٦ قال: بعد نقل حديث ٥٨ مالفظه: ومن نذر أن يحج لله تعالى وقد وجب عليه حجة االسلام ثم مات، يحج عنه حجة الاسلام من اصل ماله ويحج عنه ما نذر من ثلثه.

١٤٢

الصدوق(١) وأبي على(٢) .وظاهر المصنف في النافع(٣) والمعتبر(٤) التوقف.

احتج الاولون بان كل واحدة منهما لازمة للذمة، وهو حق مالي، فيتساويان كالدين، اذ لامزية، نعم لوقصر نصيب كل واحدة بحيث لايرغب فيه اجير، اقتصر على حجة الاسلام.

احتج الاخرون بمارواه ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل عليه حجة الاسلام ونذر في شكر ليحجن رجلا فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الاسلام وقبل أن يفي الله بنذره، فقال: ان ترك مالا حج عنه حجة الاسلام من جميع ماله، ويخرج من ثلثه ما يحج به عنه النذر، وان لم يكن ترك مالا الا بقدر حجة الاسلام، حج عنه حجة الاسلام مماترك، وحج عنه وليه النذر فانما هو دين عليه(٥) .وحملها العلامة على وقوع النذر في مرض الموت(٦) وحمل الشيخ حج الولي على الاستحباب(٧) .

____________________

(١) الفقيه: ج ٢ ص ٢٦٣) ١٥٠) باب من يموت وعليه حجة الاسلام وحجة في نذر عليه الحديث ١.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) لا حظ ما نقلناه من عبارة النافع:، فقوله (وفيه وجه اخر) مشعر بالتوقف.

(٤) المعتبر: كتاب الحج ص ٣٣٤ س ٢١ قال: (ه‍) من مات وعليه حجة الاسلام واخرى منذورة الخ.فاكتفي بنقل الاقوال من دون ترجيح قول منها.

(٥) التهذيب: ج ٥(٢٦) باب من الزيادات في فقه الحج ص ٤٠٦ الحديث ٥٩.

(٦) المختلف: كتاب الحج، الفصل الخامس في مسأئل متبددة ص ١٥١ س ٣٩ قال: بعد نقل استدلال الشيخ برواية ضريس: والجواب انه محمول على من نذر في مرض الموت.

(٧) التهذيب: ج ٥(٢٦) باب من الزيادات في فقه الحج ص ٤٠٦ قال: بعد نقل رواية ضريس: قولهعليه‌السلام : (فليحج عنه وليه ما نذر) على جهة التطوع و الاستجاب دون الفرض والايجاب.

١٤٣

المقدمة الثالثة

في أنواع الحج، وهي ثلاثة، تمتع، وقران، وافراد.فالمتمتع هو الذي يقدم عمرته أمام حجة ناويا بها التمتع، ثم ينشئ إحراما آخر بالحج من مكة.وهذا فرض من ليس حاضري مكة.

وحده: من بعد عنها ثمانية وأربعون ميلا من كل جانب، وقيل: اثنى عشر ميلا فصاعدا من كل جانب.

ولا يجوز لهؤلاء العدول عن التمتع إلى الافراد والقران الا مع الضرورة.

قال طاب ثراه: وحده من بعد عنها بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب، وقيل: اثنى عشر ميلا فصاعدا من كل جانب.

أقول: مختار المصنف هو مذهب الشيخين في المقنعة(١) والنهاية(٢) والتهذيب(٣) والصدوق(٤) واختاره العلامة في المختلف(٥) والتذكرة(٦) وجزم به الشهيد(٧) .

____________________

(١) لم أعثر عليه في المقنعة ومانقله العلامة عنه في المختلف.

(٢) النهاية: كتاب الحج باب انواع الحج ص ٢٠٦ قال: فاما التمتع إلى أن قال: أو يكون بينة وبينها ثمانية وأربعون ميلا.

(٣) التهذيب: ج ٥(٤) باب ضروب الحج ص ٣٢ قال بعد نقل حديث ٢٤: والذين لايجب عليهم المتعة إلى أن قال: أو يكون بينة وبين مكة ثمانية وأربعون ميلا.

(٤) الفقيه: ج ٢(١١٠) باب وجوه الحاج ص ٢٠٣ قال: وحد حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية واربعين ميلا.

(٥) المختلف: كتاب الحج ص ٩٠ س ٦ قال: والاقرب الاول، أي قول الشيخ في النهاية.

(٦) التذكرة: ج ١ ص ٣١٨ س ٣٦ قال: مسألة اختلف علماؤنا في حد حاضري المسجد الخ.

(٧) الندروس: درس اقسام الحج ثلاثة إلى أن قال في ص ٩١ س ٢١ ثم التمتع عزيمة في النافي عن مكة بثمانية وأربعين ميلا.

١٤٤

وبه تشهد الروايات(١) .وما حكاه من تحديده باثنى عشر ميلا، هو مذهب الشيخ في الجمل(٢) والمبسوط(٣) والاقتصاد(٤) واختار التقي(٥) وابن ادريس(٦) وهو مذهب العلامة في القواعد(٧) والارشاد(٨) .

قال الشهيد: ولا نعلم مستنده(٩) .

____________________

(١) لا حظ التهذيب: ج(٤) باب ضروب الحج ص ٣٢ الحديث ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٨.

(٢) الجمل والعقود: فصل في ذكر اقسام الحج ص ٦٩ س ٩ قال: وحدة من كان بينة وبين المسجد الحرام اثنى عشر ميلا من أربع جوانب البيت.

(٣) المبسوط: ج ١ فصل في ذكر أنواع الحج ص ٣٠٦ س ١٤ قال: وهو من كان بينه وبين المسجد من اكثر من اثنى عشر ميلا من أربع جهاته.

(٤) الاقتصاد: فصل في ذكر اقسام الحج ص ٢٩٨ س ١٤ قال: وهو من كان بينه وبين المسجد من كل جانب اثنى عشر ميلا.

(٥) الكافي: الحج، الفصل الثاني ص ١٩١ قال: فاما القرآن والافراد ففرض أهل مكة وحاضريها ومن كانت داره اثنى عشر ميلا من أي جهاتها.

(٦) السارئر: باب في اقسام الحج ص ١٢١ س قال: وحدة من كان بينة وبين مسجد الحرام إلى أن قال: من كان جانب اثنا عشر ميلا.

(٧) القواعد: المطلب الثاني في أنواع الحج ص ٧٢ قال: اما التمتع فهو فرض من نأى عن مكة باثنى عشر ميلا من كل جانب.

(٨) الارشاد: كتاب الحج، الاول في أنواعه قال: والتمتع فرض من نأى عن مكة باثنى عشر ميلا من كل جانب (مخطوط).

(٩) الدروس: كتاب الحج ص ٩١ س ٢٢ قال: وقال في المبسوط والحلبي وابن ادريس اثنى عشر ميلا ولا نعلم مستنده.

١٤٥

وشروطه أربعة: النية ووقوعه في اشهر الحج.وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة.وقيل: وعشر من ذي الحجة، وقيل: تسع، وحاصل الخلاف إنشاء الحج في الزمان الذي يعلم ادراك المناسك فيه، ومازاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج كالطواف والسعي والذبح.وأن يأتي بالحج والعمرة في عام واحد، وأن يحرم بالحج له من مكة.وأفضله المسجد، وأفضله المقام وتحن الميزاب.ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزئه ويستأنفه بها.ولو نسي وتعذر العود أحرم من موضعه ولو بعرفة.ولو دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت، جاز نقله إلى الافراد، ويعتمر بمفردة بعده وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلل وانشاء الاحرام بالحج.

قال طاب ثراه: ووقوعه في أشهر الحج، وهي شوال وذوالقعدة وذوالحجة، وقيل: وعشر من ذي الحجة، وقيل: وتسعة من ذي الحجة، وحاصل الخلاف، انشاء الحج في الزمان الذي يعلم ادراك المناسك فيه وما زاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج.

أقول: في تحديد أشهر الحج ستة أقوال: حكى المصنف منها ثلاثة، والرابع منها قبل طلوع فجر النحر، والخامس طلوع شمس النحر، والسادس ثمان من ذي الحجة.

فالاول مذهب الشيخ في النهاية(١) وبه قال: ابوعلي(٢) وهو رواية زرارة

____________________

(١) النهاية: باب انواع الحج ص ٢٠٧ س ١٨ قال: وهي (أي اشهر الحج) شوال وذو القعدة وذوالحجة.

(٢) المختلف: كتاب الحج ص ٩٠ قال: مسألة أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة إلى أن قال وبه قال ابن الجنيد.

١٤٦

ومعاوية بن عمار في الحسن وللصحيح عن الصادق والباقرعليهما‌السلام (١) و(٢) واختاره المصنف(٣) والعلامة.(٤) والثاني قول السيد(٥) والحسن(٦) .والثالث قوله في الجمل(٧) والاقتصاد(٨) وهو مذهب القاضي(٩) .والرابع قوله في الخلاف(١٠) والمبسوط(١١) وهو مذهب ابن حمزة(١٢) .

____________________

(١) و(٢) الكافي: ج ٤ باب أشهر الحج ص ٢٨٩ الحديث ١ و ٢.

(٣) المعتبر: كتاب الحج ص ٣٣٦ قال: مسألة أشهر الحج شوال وذوالقعدة وذو الحجة.

(٤) تقدم آنفا عن المختلف:.

(٥) جمل العلم والعمل: كتاب الحج ص ١٠٣ س ٩ قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة الحج شوال وذوالقعدة وعشرون من ذي الحجة.

(٦) المختلف: كتاب الحج ص ٩٠ س ١٧ قال: وقال: ابن عقيل: شوال وذو القعدة وعشر (ين - ط) من ذي الحجة.

(٧) الجمل والعقود: فصل في كيفية الاحرام ص ٧١ س ٢ قال: وهي شوال وذوالقعدة تسعة من ذي الحجة.

(٨) الاقتصاد: فصل في الاحرام وكيفينه وشروطه ص ٣٠٠ قال: وهي شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة.

(٩) المهذب: ج ١ ص ٢١٣ باب الزمان الذي يصح الاحرام فيه قال: وهي شوال وذوالقعدة والتسعة الايام الاول ن ذي الحجة.

(١٠) الخلاف: كتاب الحج، مسألة ٢٣ قال: أشهر الحج و شوال وذوالقعدة إلى طلوع الفجر من يوم النحر الخ.

(١١) المبسوط: ج ١ فصل في ذكر انواع الحج ص ٣٠٨ س ٢٣ قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وإلى يوم النحر قبل طلوع الفجر منه الخ.

(١٢) الوسيلة: كتاب الحج قال: واشهر ثلاثة، شوال وذوالقعدة إلى قبيل الفجر من ليلة النحر.

١٤٧

والخامس قول ابن ادريس(١) .

والسادس قول التقي(٢) .

والتحقيق: ان النزاع النزاع لفظي لانه لا خلاف بينهم في وجوب ايقاع الموقفين في وقتهما، واجزاء ايقاع بعض أفعال الحج كالذبح والطوافين في طول ذي الحجة.فكان القائل بالاول أراد الزمان الذي يصح فيه ايقاع أفعال الحج.

وبالثاني ذلك، مع صحة بعض أفعال الحج كصوم بدل الهدي، فانه يجوز من اول العشر ولا يجوز قبله(٣) .

وبالثالث الذي يصح انشاء الاحرام فيه مضيقا للمختار، ولوقوع الوقوف بعرفة فيه، وقالعليه‌السلام : (الحج عرفة)(٤) .

وبالرابع انه وقت فوات الوقوف بعرفة، فلم يصح انشاء الاحرام حينئذ، لقولهعليه‌السلام : الحج عرفة، وبتعذر ادراك المشعر الا اضطرارا.ولو أمكن ادراكه المشعر قبل طلوع الشمس مع احرامه بعد الفجر أجزأ.

وبالخامس اكمال الموقفين في ذلك الوقت، وهما أعظم أركان الحج، لفواته بفواتهما عمدا وسهوا اختيارا واضطرارا.

____________________

(١) لا يخفى ان قول ابن ادريس في السرائر مخالف لما نقله من ان فتواه (طلوع شمس النحر) لا حظ السرائر كتاب الحج، باب كيفية الاحرام ص ١٢٦ س ٢٤ قال: وأشهر الحج إلى ان قال: والذي يقوي في نفسي مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته الخ فلاحظ.

(٢) الكافي: الحج ص ٢٠١ س ١٨ قال: فاما الوقت للاحرام فأشهر الحج شوال وذوالقعدة وثمان من ذي الحجة.

(٣) هكذا في نسخة (الف) المصححة، وفي نسخة (ب وج) ما لفظه: وبالثاني انه الزمان الذي يفوت الحج بفواته، او الزمان الذي يمكن فيه ايقاع أفعال الحج.

(٤) عوالى اللئالي: ج ٢ ص ٩٣ الحديث ٢٤٧.

١٤٨

وبالسادس وجوب انشاء الاحرام بالحج للمختار في ذلك القدر من الزمان.تنبيه أفعال الحج بالنسبة إلى التوقيت ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فمنها: ما يجب وقوعه في وقته المعين له، وهو مقامان اختياريان واضطراريان: ولو اهمل المكلف أحد هما مختارا، أو جميعهما مطلقا بطل حجه، وهو الموقفان.

ومنها: ما عين له الشارع وقتا ولم يجز فعله في غيره، ولو فاته قضاه في القابل، لا في باقي أشهر الحج، ولا يبطل حجه وان كان تركه مختارا، وهو الرمي، فانه يفوت بفوات ايام التشريق ويقضى في القابل.

ومنها: ما يجب ايقاعه في وقته المعين له شرعا، ومع تركه فيه يجزى فعله في باقي أشهر الحج ويقع موقعه وان ترك عمدا، لكن يأثم بتأخيره عن وقته كالذبح والطوافين والسعي.

تذنيب: آخر وقت العمرة المتمتع بها

واختلف في آخر وقت العمرة المتمتع بها على أربعة أقوال:

(أ) زوال الشمس يوم التروية، قاله الفقيه: في المرأة اذا لم تطهر حتى تزول الشمس يوم التروية(١) .

(ب) غروب شمس التروية قاله التقي: للمختار وللمضطر إلى أن يبقى من

____________________

(١) المختلف: كتاب الحج ص ١٢٤ قال: مسألة اختلف علماؤنا في وقت فوات المتعة إلى أن قال: وقال على بن بابويه: في الحائض اذا ظهرت يوم التروية قبل زوال الشمس فقد ادركت متعتها وان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت الخ.

١٤٩

الزمان ما يدرك عرفة في آخر وقتها(١) .وفي صحيحة العيص توقيت المتعة بغروب شمس التروية(٢) وهو مذهب الصدوق(٣) والمفيد.(٤)

(ج) زوال شمس عرفة، قاله: في النهاية، هو في صحيحة جميل: له المتعة إلى زوال عرفة وله الحج إلى زوال النحر(٦) .

(د) ظاهر كلام ابن ادريس، امتداده مالم يفت اضطراري عرفة(٧) .وفي صحيحة زرارة اشتراط اختياريها(٨) .وهو الاصح.

____________________

(١) الكافي: الحج: الفصل الرابع ص ١٩٤ س ١٤ قال: فاما طواف المتعة إلى أن قال: وإلى أن تغرب الشمس من يوم التروية للمختار، وللمضطر إلى أن يبقى الخ.

(٢) التهذيب: ج ٥(١١) باب الاحرام للحج ص ١٧٢ الحديث ٢٠.

(٣) المقنع: باب الحج ص ٨٥ س ٤ قال: وان قدم المتمتع يوم التروية فله أن يتمتع ما بينه وبين الليل، فان قدم ليلة عرفة فليس له أن يجعلها متعة الخ.

(٤) المقنعة: كتاب المناسك، باب تفصيل فرائض الحج ص ٦٧ قال: ومن دخل مكة يوم التروية إلى أن قال: فان غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له الخ.

(٥) النهاية: باب الاحرام للحج ص ٢٤٧ س ١٢ قال: فان دخلها (أي مكة) يوم عرفة جاز له أن يحل ايضا ما بينه وبين زوال الشمس فاذا زالت الشمس فقد فاتته العمرة.

(٦) التهذيب: ج ٥(١١) باب الاحرام للحج ص ١٧١ الحديث ١٥.

(٧) السرائر: كتاب الحج باب السعي وأحكامه ص ١٣٧ س ٦ قال: ويجوز للمحرم المتمتع اذا دخل مكة أن يطوف ويسعى ويقصره اذا علم أو غلب على نه انه على انشاء الاحرام بالحج بعده إلى أن

قا ل: أو يوم عرفة قبل زوالة أو بعد زواله على الصحيح الخ.

(٨) التهذيب: ج ٥(١١) باب الاحرام للحج ص ١٧٤ الحديث ٣١.

١٥٠

والافراد: وهو أن يحرم بالحج اولا من ميقاته، ثم يقضي مناسكه، وعليه عمرة مفردة بعد ذلك.وهذا القسم والقران فرض حاضري مكة.ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا ففي جوازه قولان، اشبههما: المنع وهو مع الاضطرار جائز.

قال طاب ثراه: ولو عدل هؤلا إلى التمتع اختيارا، ففي جوازه قولان: اشبههما المنع.

أقول: الجواز أحد قولي الشيخ(١) لعدوله إلى الافضل، لانه اتى بصورة حج الافراد وزيادة غير منافية.ولصحيحة عبدالرحمان بن الحجاج عن العالمعليه‌السلام (٢) .والمنع مذهب الصدوقين(٣) والقديمين () ٤ وابن ادريس(٥) والمصنف(٦) والعلامة(٧) وهو القول الآخر للشيخ(٨) .

____________________

(١) النهاية: باب من حج من غيره ص ٢٧٨ س ٨ قال: وإن امره أن يحج عنه مفردا أو قارنا جاز له أن يجح عنه متمتعا لانه يعدل إلى ما هو الافضل.

(٢) الاستبصار: ج ٢(٩١) باب فرض من ساكن الحرم من أنواع الحج ص ١٥٨ الحديث ٥ ونقل في المختلف: ص ٩٠ س ٢٩ استدلال الشيخ بهذا الحديث لمطوبه.

(٣) للمختلف: كتاب الحج ص ٩٠ س ٢٤ قال: وقال ابنا بابويه: لا يجوز لهم التمتع إلى أن قال: وقال ابن عقيل: لا متعة لاهل مكة، وفي المقنع(١٨) باب الحج ص ٦٧ قال: وليس لاهل مكة وحاضريها الا القران والافراد وليس لهم التمتع إلى الحج الخ.

(٤) تقدم نقل فتوى ابن عقيل عن المختلف ولم نظفر على فتوى ابن الجنيد، وهما المراد بالقديمين.

(٥) السرائر: باب في اقسام الحج ص ١٢١ س ٣٠ قال: وأما من كان حاضري المسجد الحرام إلى أن قال: ولا يجزيه حجة التمتع.

(٦) لا حظ عبارة النافع.

(٧) التذكرة: ج ١ كتاب الحج ص ٣١٨ س ٣٢ قال: والثاني العدم إلى أن قال: وهذا الاخير هو المعتمد.

(٨) التذكرة: ج ١ كتاب الحج ص ٣١٨ س ٣١ قال: مسألة قد بينا أن فرض اهل مكة وحاضريها القران أو الافراد عدلوا إلى التمتع فللشيخ قولان: أحدهما الاجرزاء الخ.

١٥١

وشروطه: النية، وأن يقع في أشهر الحج من الميقات، أو من دويرة أهله ان كانت أقرب إلى عرفات.والقارن كالمفرد، غير انه يضم إلى احرامه سياق الهدي.واذ لبي استحب له اشعار مايسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الايمن ويلطخ صفحته بالدم ولو كانت بدنا دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا.والتقليد أن يعلق في رقبته نعلا قد صلى فيه، والغنم تقلد لا غير.

وأجابوا عن حجة الاولين، بالمعارضة بالروايات الصحيحة(١) وبالمنع من كونه أتى بصورة الانفراد(٢) لانه أخل بالاحرام له من ميقاته، وأوقع مكانه العمرة، وليس مأمورا بها، فوجب أن لا يجزيه، وبانه أقل أفعالا، لاشتماله على ثلاث طوافات، وفي الافراد أربع طوافات.وجوز الشيخ فسخ الافراد اليه(٣) فلا فرق عنده بين العدول اليه ابتداء أو فسخا.

قال طاب ثراه: ولو كانت بدنا دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا.

أقول: معناه أن يشعر هذه في صفحة يمينها هذه في صفحة يسارها، فالمراد يمين البدنة وشمالها، لايمين المحرم وشماله.روى حريز بن عبدالله عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اذا كان بدن كثيرة،

____________________

(١) لاحظ الوسائل: ج ٨ كتاب الحج، الباب ٦ من ابواب اقسام الحج.

(٢) اشارة إلى استدلال الشيخقدس‌سره بان التمتع أت بالانفراد وزيادة.

(٣) الخلاف: كتاب الحج مسألة ٣٧ قال: من أحرم بالحج ودخل مكة جاز أن يفسخه ويجعله عمرة ويتمتع بها.

١٥٢

ويجوز للمفرد والقارن الطواف قبل المضي إلى عرفات.لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا.

وقيل: انما يحل المفرد، وقيل: لا يحل احدهما الا بالنية، ولكن الاولى تجديد التلبية.ويجوز للمفرد اذا دخل مكة العدول بالحج إلى المتعة، لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه.فأراد أن يشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين، فيشعر هذه من الشق الايمن ويشعر هذه من الشق الايسر، ولا يشعرها حتى يتهيأ للاحرام(١) و(٢) .

قال طاب ثراه: ويجوز للمفرد والقارن الطواف قبل المضي إلى عرفات، لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا، وقيل: انما يحل المفرد، وقيل: لا يحل أحدهما الا بالنية لكن الاولى تجديد التلبية.

أقول: البحث هنا في مقامين: الاول: القارن والمفرد اذا دخلا مكة جاز لهما التطوع بالطواف قطعا، ولا يجوز لهما تقديم طواف النساء اختيارا اجماعا.وهل يجوز لهما تقديم طواف الحج وسعيه على الموقفين اختيارا؟ منع منه ابن ادريس(٣) واجازه الباقون، ومستنده صحاح الاخبار(٤) .

الثاني: هل يجب عليهما تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف؟ فيه ثلاثة أوجه:

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٤) باب ضروب الحج ص ٤٣ الحديث ٥٧.

(٢) ليس في النسخة المعتمدة (الف) الحديث المذكور في المتن، ولكن في نسختي (ب وج) موجود.

(٣) السرائر: كتاب الحج ص ١٣٥ س ٢١ قال: واما المفرد والقارن فحكمه حكم المتمتع في انهما لا يجوز لهما تقديم الطواف قبل الوقوف بالموقفين على الصحيح من الاقوال لانه لا خلاف فيه.

(٤) الكافي: ج ٥ كتاب الحج ص ٤٥٩ باب تقديم الطواف للمفرد الحديث ١ و ٢.

١٥٣

(أ) الوجوب لحصول التحليل بالطواف مع وجوب الوقوف محرما، ووجوب تأخير التحليل إلى الحلق، والتلبية موجبة لعقد الاحرام، فيفسد الخلل الحاصل للاحرام من الاخلال بالطواف، قاله الثلاثة(١) وسلار(٢) ولو لم يلب بطلت حجته وصارت عمرة ودخل في كونه محلا.

(ب) لايحل بمجرد الطواف بل بنية التحليل، ولا يجب التلبية، وهو قول ابن ادريس(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) .واستحباب التلبية ليخرج من الخلاف، وهو قول الشيخ في الجمل(٦) .وفيه رواية ثالثة بوجوبها على المفرد دون القارن وهى رواية يونس بن يعقوب عمن أخبره عن أبي عبداللهعليه‌السلام (٧) .واستند الشيخ إلى الروايات(٨) والمصنف والعلامة إلى عموم (الاعمال

____________________

(١) أي المفيد والسيد والطوسي: المقنعة، كتاب المناسك، باب ضروب الحج ص ٦١ س ٣٠ قال: وعليه (أي على الفارن) في قرانه طوافان بالبيت وسعي واحد بين الصفا والمروة ويجدد التلبية عند كل طواف وجمل العلم والعمل، كتاب الحج ص ١٠٥ س ٢ قال: ويجدد التلبية عند كل طواف.والنهاية باب أنواع الحج ص قال: واما القارن إلى أن قال: وان أراد أن يطوف بالبيت تطوعا فعل الا انه كلما طاف بالبيت لبي عند فراغه من الطواف الخ.

(٢) المراسم: كتاب الحج ص ١٠٣ قال: واما القرآن إلى أن قال: وتجدد التلبية عند كل طواف.

(٣) السرائر: كتاب الحج ١٣٣ س ١ قال: وان أراد أن يطوف بالبيت تطوعا فعل ذلك إلى أن قال: يستحب له أن يبني عند فراغه الخ.

(٤) المعتبر: كتاب الحج ص ٣٤٠ س ١٩ قال: وقيل: لا يحل مفرد ولا غيره الا بالنية لا بمجرد الطواف والسعي لقولهعليه‌السلام ولكل امر ما نوى الخ.

(٥) المختلف: كتاب الحج ص ٩٢ س ٣ قال بعد نقل قوله الشيخ والسيد: والاقوى انه لا يخل الا بنية التحليل.

(٦) الجمل والعقود: فصل في ذكر أفعال الحج ص ٧٠ س ١١ قال: ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف.

(٧) الكافي:: ج ٤ كتاب الحج: باب فيمن لم ينو المتعة ص ٢٩٩ الحديث ٣.

(٨) الكافي: ج ٤ كتاب الحج، باب فيمن لم ينو المتعة ص ٢٩٩ الحديث ٢ ٣ وفي التهذيب ج ٥.

١٥٤

بالنيات(١) ) وحملا الروايات على قصد التحلل.

فرع

ولا يجوز التقديم للمتمتع اجماعا الا عند الضرورة، وحينئذ هل يجب عليه تجديد التلبية؟ فيه القولان.

تنبيه: التطوع بالطواف

اذاأحرم المتمتع وأراد الخروج إلى منى، وأراد أن يتطوع بالطواف، هل يجوز له ذلك؟ الاصح المنع وهو مذهب الشيخ في النهاية(٢) والمبسوط(٣) وابن ادريس(٤) والعلامة(٥) ومعظم الاصحاب.

وقال الحسن: اذا أحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط(٦) وهو متروك.ولو فعل ذلك عامدا، هل يبطل احرامه، ويجب تجديده؟ أو يأثم خاصة ويكون

____________________

(١) الوسائل: ج١ الباب ٥ من ابواب مقدمة العبادات، قطعة من حديث ١٠ وعوالى اللئالي ج٢ ص١١ الحديث١٩.

(١) باب ضروب الحج ص ٤٤ الحديث ٦٠ و ٦١ و ٦٢.

(٢) النهاية: باب الاحرام للحج ص ٢٤٨ س ١٦ قال: واذا أحرم بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى.

(٣) المبسوط: ج ١، فصل في ذكر الاحرام بالحج ص ٣٦٥ س ٧ قال: واذا أحرم بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت الخ.

(٤) السرائر: باب الاحرام بالحج ص ١٣٧ س ٢٨ قال: واذا أحرم بالحج لا ينبغي له أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى.

(٥) التذكرة: ج ١، المقصد الثالث في افعال الحج ص ٣٧٠ قال: مسألة ولا يسن له الطواف بعد إحرامه الخ.

(٦) المختلف: المقصد الثالث في أفعال الحج ص ١٢٧ قال: مسألة، قال ابن عقيل: واذا اغتسل يوم التروية واحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط الخ.

١٥٥

ولو لبي بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجه على رواية.ولا يجوز العدول للقارن.والمكي اذا بعد ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا.والمجاور بمكة اذا أراد حجة الاسلام خرج إلى ميقاته فأحرم منه، ولو تعذر خرج إلى أدنى الحل، ولو تعذر أحرم من مكة، ولو أقام سنتين انتقل فرضه إلى الافراد والقران ولو كان له منزلان: بمكة وناء، اعتبر أغلبهما عليه، ولو تساويا تخير في التمتع وغيره.ولا يجب على المفرد والقارن هدي، ويختص الوجوب بالتمتع.ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة، ولا ادخال أحدهما على الآخر.احرامه صحيحا؟ ظاهر الشيخ في النهاية(١) والمبسوط بطلان الاحرام، حيث قال: واذا أحرم بالحج لم يجز أن يطوف حتى يرجع من منى، فان سها فطاف لم ينتقض إحرامه غير انه يجدده بالتلبية(٢) ، وقال ابن ادريس: ولا ينبغي أن يطوف حتى يرجع من منى، وان سها فطاف لم ينتقض احرامه، ولا يجب عليه تجديد التلبية، لان احرامه منعقد ولا حاجة إلى انعقاد المنعقد(٣) . واختار العلامة أن احرامه لا يبطل(٤) .

قال طاب ثراه: ولو لبى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجه على رواية.

أقول: هذا هو المشهور بين الاصحاب، وابن ادريس لم يعتبر التلبية، بل النية(٥) .

____________________

(١) النهاية: باب الاحرام للحج ص ٢٤٧ س ١٦ وقد تقدم آنفا.

(٢) المبسوط: ج ١، فصل في ذكر الاحرام للحج، ص ٣٦٥ س ٧ وقد تقدم آنفا.

(٣) السرائر: باب الاحرام بالحج ص ١٣٧ س ٢٨ وقد تقدم آنفا.

(٤) المختلف: المقصد الثالث في أفعال الحج ص ٢٧ س ١٩ قال: بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس في النهاية والمبسوط والسرائر كما نقلناه آنفا.والاقرب ان انعقاد احرامه باق.

(٥) السرائر: باب السعي وأحكامه ى ١٣٦ س ٣٤ قال: فان نسي التقصير حتى يهل بالحج فلا شئ عليه إلى أن قال: والذي يقتضيه الادلة واصول المذهب انه لاينعقد إحرامه بحج لانه بعد في عمرته لم يتحلل منها الخ.

١٥٦

المقدمة الرابعة

في المواقيت، وهي ستة: لاهل العراق (العقيق) وأفضله (المسلخ) وأوسطه (غمرة) وآخره (ذات عرق).ولاهل المدينة (مسجد الشجرة) وعند الضرورة (الجحفة) وهي ميقات لاهل الشام اختيارا ولليمن (ويلملم م) ولاهل الطائف (قرن المنازل) وميقات المتمتع لحجه.مكة.وكل من كان منزله أقرب من الميقات.فميقاته منزله.وكل من حج على طريق فميقاته ميقات أهله، ويجرد الصبيان من فخ.وأحكام المواقيت تشتمل على مسائل:

الاولى: لا يصح الاحرام قبل الميقات إلا لناذر، بشرط أن يقع في أشهر الحج، أو العمرة المفردة في رجب لمن خشي تقضيه.

الثانية: لا يجاوز الميقات الا محرما، ويرجع إليه لو لم يحرم منه، فان لم يتمكن فلا ح جله ان كان عامدا، ويحرم من موضعه إن كان ناسيا أو جاهلا، أولا يريد النسك، ولو دخل مكة خرج إلى الميقات.

ومع التعذر من أدنى الحل، ومع التعذر يحرم من مكة.

الثالثة: لو نسي الاحرام حتى أكمل مناسكه، فالمروي: انه لا قضاء، وفيه وجه بالقضاء مخرج.

قال طاب ثراه: لو نسي الاحرام حتى اكمل مناسكه، فالمروي انه لاقضاء وفيه وجه بالقضاء مخرج.

أقول: المشهور بين الاصحاب عدم القضاء واحتجوا بوجوه:

١٥٧

(أ) انه فات نسيانا، فلا يفسد به الحج، لقولهعليه‌السلام : رفع عن امتي الخطأ والنسيان(١) .

(ب) انه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بايقاع بقية المناسك، والامر يقتضي الاجزاء.

(ج) رواية علي بن جعفر عن أخيه موسىعليه‌السلام قال: سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده، ما حاله؟ قال: اذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه(٢) .ورواية جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها فطاف وسعى، قال: يجزيه نيته اذا كان قد نوى ذلك، وقد تم حجه، وان لم يهل(٣) .

(د) ان الانسان في معرض السهو والنسيان، وتكليفه باعادة الحج مشقة عظيمة، فلو أوجبناه لزم التكليف بالحرج، وهو منفي بالاصل.وذهب ابن ادريس إلى وجوب القضاء عليه، لانه لم يأت بالعبادة على وجهها فيبقى في العهدة(٤) .

____________________

(١) كتاب الخصال: باب التسعة ص ٤١٧ الحديث ٩.

(٢) التهذيب: ج ٥(١١) باب الاحرا م للحج ص ١٥٧ قطعة من حديث ٣٢ وعوالى اللئالي ج٣ ص٥٧ الحديث٢٥.

(٣) الكافي: ج ٤ كتاب الحج باب من جاوز ميقات أرضه بغير احرام ص ٣٢٥ قطعة من حديث ٨ وفي عوالى اللئالي: ج ٣ ص ١٥٧ الحديث ٢٦ كما في المتن.

(٤) السرائر: كتاب الحج باب كيفية الاحرام ص ١٢٤ س ١٣ قال: والذي يقتضه اصول المذهب انه لا يجزيه وتجب عليه الاعادة لقولهعليه‌السلام الاعمال بالنيات، وهذا عمل بلا نية فلا يرجع عن الادلة باخبار الاحاد إلى أن قال: فالرجوع إلى الادلة أولى من تقليد الرجال اصول المذهب ما ذهب اليه في مبسوط لقوله تعالى: (وما لا حد عنده من نعمة تجزى الا إبتغاء وجه ربه الاعلى) وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الاعمال بالنيات، وانما لكل امرء ما نوى، هذا الخبر مجمع عليه، ولهذا افتي وعليه أعمل، فلا يرجع عن الادلة باخبار الآحاد وان وجدت.

١٥٨

وهذا الدليل غير ناهض بمطلوبه، قاصر في الدلالة على ما يريده.قال المصنف: ولست أدري كيف تخيل له هذا الاستدلال، ولا كيف بوجهه، فان كان يقول: الاخلال بالاحرام، اخلال بالنية في بقية المناسك، فنحن نتكلم على تقدير ايقاع نية كل منسك على وجهه ظانا انه أحرم، أو جاهلا بالاحرام، فالنية حاصلة مع ايقاع كل منسك، فلاوجه لما قاله: هذا آخر كلامه في المعتبر(١) .وحاصله ان استدلاله غير متوجه، لانه لا عمل هنا، بل فات فعل أعتبره الشارع وعفى عن تركه سهوا، كما لو نسي الطواف واجتزأ بباقي الافعال، وهي واقعة مع النية.وأيضا الاول يدل عليه الروايات بمنطوقها(٢) فيكون أولى مما يدل عليه بعموم أو تلازم.وايضا فانه اجتهاد في مقابله نص، وهو غير معتمد.والتخريج تعدية الحكم من منطوق به إلى مسكوت عنه.واختار المصنف(٣) والعلامة الاول(٤) وهو مذهب الشيخرحمه‌الله (٥) وعليه

____________________

(١) المعتبر: المقدمة الثالثة في المواقيت، ص ٣٤٣ س ٣٢ قال: واحتج المنكر بقوله صلى الله عليه و وآله الاعمال بالنيات الخ.

(٢) تقدم بعضها.

(٣) المعتبر: المقدمة الثالثة في المواقيت ص ٣٤٣ قال: مسألة لو نسي الاحرام إلى قوله: لنا انه فات نسيانا الخ.

(٤) المختلف: في افعال الحج ص ١٢٧ س ٢٢ قال: فان لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فان كان قد قضى مناسكه كلها لم يكن عليه شي.

(٥) النهاية: باب كيفية الاحرام ص ٢١١ س ١١٢ قال: فان لم يذكر حتى يفرغ من جميع مناسكه فقد تم حجة الخ.

١٥٩

المقصد الاول(١) في أفعال الحج

وهي الاحرام، والوقوف بعرفات، وبالمشعر، والذبح ب‍ " منى " والطواف وركعتاه، والسعي، وطواف النساء وركعتاه.الاصحاب.انما قدم بيان أفعال الحج(٢) على بيان العمرة المتمتع بها وهي متقدمة في التمتع، وهو أفضل الانواع والمكلف به اكثر، لانه النائي عن الحرم، وقسيماه فرض حاضريه، وهم بالنسبة إلى أهل الدنيا قليل جدا لوجوه:

(أ) اقتداء بالله سبحانه، فانه ابتدأ به في كتابه فقال: (واتموا الحج والعمرة لله)(٣) .

(ب) أنه مقدم في نوعين من أنواع الحج.والعمرة مقدمة في نوع واحد، فقدم ذكره لكثرة أفراده.

(ج) انه السابق في وقوع التكليف به في صدر الاسلام، وحج التمتع وقع التكليف به في ثاني الحال، فلذا قدمه، لتقدمه في سبق التعبد به.

(د) أن العمرة وان كانت نسكا برأسه الا انها كالجزء من الحج، ويظهر ذلك في وجوه: (أ) وجوب ايقاعها في أشهر الحج.

(ب) وجوب ايقاعهما في عام واحد.

(ج) وجوب الاحرام بالحج بعد التحلل منها لو كانت مندوبة على الاقوى.

____________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة والمخطوطة من المختصر النافع وكذا في النسخة المعتمده (الف) ونسخة (ج) من مهذب البارع وفي نسخة (ب) المقصد الثالث، والظاهر انه غلط من النساخ.

(٢) هكذا في جميع النسخ من دون قوله (أقول).

(٣) البقرة: ١٩٦.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

للآية ، بأن أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ـ قد منع أجيره أجره ـ والظاهر أنّه كان مسلما ـ وقال متهكما : إن كان ما يقوله محمّد حقا فنحن أولى من غيرنا بنعم الجنّة ، وسندفع أجر هذا العامل بالكامل هناك! فنزلت هذه الآية وقالت : إنّ الجنّة مختصة بمن كان تقيا.

* * *

٤٨١

الآيتان

( وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) )

سبب النّزول

ذكر جماعة من المفسّرين في سبب نزول هاتين الآيتين ، أنّ الوحي انقطع أيّاما ، ولم يأت جبرئيل رسول الوحي الإلهي إلى النّبي ، فلمّا انقضت هذه المدّة قال له : قال عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما منعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا» ، فنزلت الآية :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) (1) .

التّفسير

الطاعة التّامة :

بالرّغم من أن لهذه الآية سبب نزول ذكر أعلاه ، إلّا أنّ هذا لا يكون مانعا من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 352 ، عن مجمع البيان ، وتفسير القرطبي ، الجزء 11 ، ص 416 ، وذيل الآية مورد البحث باختلاف يسير.

٤٨٢

أن يكون لها ارتباطا منطقيا بالآيات السابقة ، لأنّها تأكيد على أنّ كل ما أتى به جبرئيل من الآيات السابقة قد بلغه عن الله بدون زيادة أو نقصان ، ولا شيء من عنده ، فتتحدث الآية الأولى على لسان رسول الوحي فتقول :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) فكل شيء منه، ونحن عباد وضعنا أرواحنا وقلوبنا على الأكف( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) والخلاصة : فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل ، وهنا وهناك وكل مكان ، والدنيا والآخرة والبرزخ ، كل ذلك متعلق بذات الله المقدسة.

وقد ذكر بعض المفسّرين لجملة( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) آراء عديدة بلغت أحيانا أحد عشر قولا ما ذكرنا أعلاه هو أنسبها جميعا كما يبدو

ثمّ تضيف الآية : إن كل ذلك بأمر ربّك( رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ) فإذا كان الأمر كذلك ، وكل الخطوط تنتهي إليه( فَاعْبُدْهُ ) عبادة مقترنة بالتوحيد والإخلاص. ولما كان هذا الطريق ـ طريق العبودية والطاعة وعبادة الله الخالصة ـ مليء بالمشاكل والمصاعب ، فقد أضافت( وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ ) ، وتقول في آخر جملة :( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) .

وهذه الجملة في الواقع ، دليل على ما جاء في الجملة السابقة ، يعني : هل لذاته المقدسة شريك ومثيل حتى تمد يدك اليه وتعبده؟

إنّ كلمة (سمي) وإن كانت تعني «المشترك في الاسم» ، إلّا أن من الواضح أنّ المراد هنا ليس الاسم فقط ، بل محتوى الاسم ، أي : هل تعلم أحدا غير الله خالقا رازقا ، محييا مميتا ، قادرا على كل شيء ، وظاهرا على كل شيء؟

* * *

٤٨٣

الآيات

( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) )

سبب النّزول

الآيات الأولى ـ على رأي جماعة من المفسّرين ـ نزلت في شأن «أبي بن خلف» ، أو «الوليد بن المغيرة» ، حيث أخذوا قطعة من عظم منخور ، ففتوه بأيديهم ونثروه في الهواء حتى تطايرت كل ذرة منه إلى جهة ، وقالوا انظروا إلى محمّد الذي يظن أن الله يحيينا بعد موتنا وتلاشي عظامنا مثل هذا العظم! إن هذا شيء غير ممكن أبدا. فنزلت هذه الآيات وأجابتهم ، جوابا قاطعا ، جوابا مفيدا ومعلما لكل البشر ، وفي جميع القرون والأعصار.

٤٨٤

التّفسير

حال أهل النّار :

مرّت في الآيات السابقة بحوث عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم ، وتتحدث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس الموضوع ، فتعيد الآية الأولى أقوال منكري المعاد ، فتقول:( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) .

هذا الاستفهام استفهام إنكاري طبعا ، أي إنّ هذا الشيء غير ممكن. أمّا التعبير بالإنسان (وخاصّة مع ألف ولام الجنس) ، مع أنّه كان من المناسب أن يذكر الكافر محله ـ فربّما كان من جهة أن هذا السؤال مخفي في طبع كل إنسان في البداية بزيادة ونقيصة ، وبسماع مسألة الحياة بعد الموت سترتسم في ذهنه علامة الاستفهام فورا.

ثمّ يجيبهم مباشرة بنفس التعبير( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) . ويمكن أن يكون التعبير بـ «الإنسان» هنا أيضا إشارة إلى أن الإنسان مع ذلك الاستعداد والذكاء الذي منحه الله إيّاه ، يجب أن لا يجلس ساكتا أمام هذا السؤال ، بل يجب أن يجيب عليه بتذكر الخلق الأوّل ، وإلّا فإنّه لم يستعمل حقيقة إنسانيته.

إنّ هذه الآيات ـ ككثير من الآيات المرتبطة بالمعاد ـ تؤكّد على المعنى الجسماني ، وإلّا فإذا كان القرار أن تبقى الروح فقط ، ولا وجود لرجوع الجسم إلى الحياة ، فلا مكان ولا معنى لذلك السؤال ، ولا لهذا الجواب.

على كل حال ، فقد استعمل القرآن هذا المنطق لإثبات المعاد هنا ، وقد جاء في مواضع أخرى من القرآن أيضا ، ومن جملتها في أواخر سورة يس ، حيث طرح الأمر بنفس تعبير الإنسان :( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ

٤٨٥

يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (1) (2) .

بعض المفسّرين طرح هنا سؤالا ، وهو أن هذا الدليل إذا كان صحيحا ، بأنّ كل شخص إذا ما عمل عملا فإنّه قادر على إعادته ، فلما ذا نقوم بأعمال ثمّ نعجز عن تكرارها أحيانا؟ فمثلا قد ننشد قطعة شعرية رائعة جدّا ، أو نكتب بخط جميل جدّا ، غير أنّنا بعد ذلك نجتهد في الإتيان بمثله ولكن دون جدوى.

الجواب هو : صحيح أنّنا نقوم بأعمالنا بإرادة واختيار ، إلّا أن هناك سلسلة من الأمور غير الإرادية تؤثر في أفعالنا الخاصّة أحيانا ، فإنّ حركة واهتزاز يدنا غير المحسوس يؤثر أحيانا في دقة شكل الحروف. إضافة إلى أن قدرتنا واستعدادنا ليسا متساويين دائما ، فقد تعرض أحيانا عوامل تعبئ كل قوانا الداخلية ، ونستطيع أن نبدع في الأعمال ونأتي بأعلاها، إلّا أنّ هذه الدوافع تكون ضعيفة أحيانا ، فلا تستجمع كل الطاقات ، ولذلك فإن العمل الثّاني لا ينفذ بدقة وجودة العمل الأوّل.

إلّا أنّ الله الذي لا تنتهي قدرته ، لا تثار حوله هذه المسائل ، ولا تقاس قدرته على أعمالنا وقدراتنا ، فإنّه إذا عمل عملا فإنّه يستطيع إعادته بعينه بدون زيادة أو نقصان.

ثمّ تهدد الآية التالية منكري المعاد ، والمجرمين الكافرين :( فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) .

إنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين والمجرمين قريبة من جهنم! والتعبير بـ «جثيا» ـ مع العلم أن جثي جمع جاثي ، وهو الذي يجثو على ركبتيه ـ ربّما كان إشارة إلى ضعف وعجز وذلة هؤلاء ، حتى أنّهم لا قدرة لهم على الوقوف أحيانا.

__________________

(1) يس ، 77 ـ 79.

(2) لقد بحثنا حول هذا الدليل في ذيل الآية (29) من الأعراف تحت عنوان (أقصر دليل لإثبات المعاد).

٤٨٦

ولهذه الكلمة معاني أخرى أيضا ، فمن جملتها أنّهم فسروا «جثيا» بمعنى جماعة جماعة ، وبعضهم فسّرها بمعنى الكثرة وازدحام بعضهم على بعض كتراكم التراب والحجارة ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب والأشهر.

ولما كانت الأولويات تلاحظ في تلك المحكمة العادلة ، فإنّ الآية التالية تقول :( ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ) (1) ونبدأ بحسابهم أوّلا ، فإنّهم عتوا عتوا نسوا معه كل مواهب الله الرحمان ، وجنحوا إلى التمرد والعصيان وإظهار الوقاحة أمام ولي نعمتهم! أجل ، إن هؤلاء أحق من الجميع بالجحيم.

ثمّ تؤكّد على هذا المعنى مرّة أخرى فتقول :( ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا ) فسنختار هؤلاء بدقة ، وسوف لا يقع أي اشتباه في هذا الإختيار.

(صلي) مصدر يعطي معنى إشعال النار وإيقادها ، كما يعني حرق الشيء بالنّار.

* * *

__________________

(1) «الشيعة» في الأصل بمعنى الجماعة التي يتعاون أفرادها للقيام بعمل ما ، وانتخاب هذا التعبير في الآية يمكن أن يكون إشارة إلى أن العتاة المردة والضالين الكافرين كانوا يتعاونون في طريق الطغيان ، ونحن سنحاسب هؤلاء أوّلا ، لأنّهم أكثر تمردا وعصيانا من الجميع.

٤٨٧

الآيتان

( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) )

التّفسير

الجميع يردون جهنم!

تستمر الآيات في بحث خصائص القيامة والثواب والعقاب ، وأشارت في البداية إلى مسألة يثير سماعها الحيرة والعجب لدى أغلب الناس ، فتقول :( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ) فجميع الناس سيدخلون جهنم بدون استثناء لأنّه أمر حتمي.

( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ) فنتركهم فيها جالسين على الركب من الضعف والذّل.

وهناك بحث مفصل بين المفسّرين في تفسير هاتين الآيتين حول المراد من «الورود» في جملة( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ) .

فيرى بعض المفسّرين أنّ «الورود» هنا بمعنى الاقتراب والإشراف ، أي إن جميع الناس بدون استثناء ـ المحسن منهم والمسيء ـ يأتون إلى جانب جهنم للحساب ، أو لمشاهدة مصير المسيئين النهائي ، ثمّ ينجي الله المتقين ، ويدع

٤٨٨

الظالمين فيها. وقد استدل هؤلاء لدعم هذا التّفسير بالآية (23) من سورة القصص :( وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ) حيث أن للورود هنا نفس المعنى.

والتّفسير الثّاني الذي اختاره أكثر المفسّرين ، هو أن الورود هنا بمعنى الدخول ، وعلى هذا الأساس فإنّ كل الناس بدون استثناء ـ محسنهم ومسيئهم ـ يدخلون جهنم ، إلّا أنّها ستكون بردا وسلاما على المحسنين ، كحال نار نمرود على إبراهيم( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، لأنّ النّار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين ، فقد تفر منهم وتبتعد عنهم ، إلّا أنّها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للجحيم كالمادة القابلة للاشتعال ، فما أن تمسهم النار حتى يشتعلوا.

وبغض النظر عن فلسفة هذا العمل ، والتي سنشرحها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ فإنّ ممّا لا شك في أنّ ظاهر الآية يلائم وينسجم مع التّفسير الثاني ، لأنّ المعنى الأصلي للورود هو الدخول ، وغيره يحتاج إلى قرينة. إضافة إلى أن جملة( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ) وكذلك جملة( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها ) كلتاهما شاهدتان على هذا المعنى. علاوة على الرّوايات المتعددة الواصلة إلينا في تفسير الآية التي تؤيد هذا المعنى ، ومن جملتها :

روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ رجلا سأله عن هذه الآية ، فأشار جابر بإصبعيه إلى أذنيه وقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الورود الدّخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلّا يدخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى أن للنّار ـ أو قال لجهنم ـ ضجيجا من بردها ، ثمّ ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا»(1) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تقول النّار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن ، فقد أطفأ نورك لهبي»(2) !

__________________

(1) نور الثقلين ، الجزء 3 ، ص 353.

(2) المصدر السّابق.

٤٨٩

ويستفاد هذا المعنى أيضا من بعض الرّوايات الأخرى. وكذلك التعبير العميق المعنى للصراط ، والذي ورد في روايات متعددة بأنّه جسر على جهنم ، وأنّه أدق من الشعرة وأحد من السيف ، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التّفسير(1) .

أمّا ما يقوله البعض من أن الآية (101) من سورة الأنبياء :( أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) دليل على التّفسير الأوّل ، فلا يبدو صحيحا ، لأن هذه الآية مرتبطة بمحل إقامة ومقر المؤمنين الدائمي ، حتى أنّنا نقرأ في الآية التالية لهذه الآية :( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) فإذا كان الورود في آية البحث بمعنى الاقتراب ، فهي غير مناسبة لكلمة( مُبْعَدُونَ ) ولا لجملة( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) .

جواب عن سؤال :

السؤال الوحيد الذي يبقى هنا ، هو : ما هي الحكمة هذا العمل؟ وهل أن المؤمنين لا يرون أذى ولا عذابا من هذا العمل؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال ـ التي وردت في الرّوايات حول كلا الشقين ـ ستتضح بقليل من الدقة.

إنّ مشاهدة جهنم وعذابها في الحقيقة ، ستكون مقدمة لكي يلتذ المؤمنون بنعم الجنة بأعلى مراتب اللذة ، لأن أحدا لا يعرف قدر العافية حتى يبتلى بمصيبة (وبضدها تتمايز الأشياء) فهناك لا يبتلى المؤمنون بمصيبة ، بل يشاهدون المصيبة على المسرح فقط ، وكما قرأنا في الرّوايات السابقة ، فإنّ النّار تصبح بردا وسلاما على هؤلاء ، ويطغى نورهم على نورها ويخمده.

إضافة إلى أنّ هؤلاء يمرون على النار بكل سرعة بحيث لا يرى عليهم أدنى أثر ، كما

روي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال في حديث : «يرد الناس ثمّ يصدون بأعمالهم ،

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 5 ، ص 572 ذيل آية( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) الفجر ، 14.

٤٩٠

فأوّلهم كلمع البرق ، ثمّ كمر الريح ، ثمّ كحضر الفرس ، ثمّ كالراكب ، ثمّ كشد الرجل ، ثمّ كمشيه»(1) .

وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّ أهل النّار أيضا سيلقون عذابا أشد من رؤية هذا المشهد ، وأن أهل الجنّة يمرون بتلك السرعة وهم يبقون في النّار ، وبهذا سيتّضح جواب كلا السؤالين.

* * *

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 353.

٤٩١

الآيات

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) )

التّفسير

هذه الآيات تتابع ما مر في الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إيمان لهم ، وتتعرض لجانب آخر من منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم.

ومن المعلوم أنّ أوّل جماعة آمنت بالرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا من المستضعفين الطاهري القلوب ، والذين خلت أيديهم من مال الدنيا ومغرياتها هؤلاء المحرومون هم الذين جاءت الأديان الإلهية من أجل إنقاذهم من قبضة

٤٩٢

الظالمين الجائرين بلال وسلمان ، وعمار ، وخباب ، وسمية ، وأمثالهم مصاديق بارزة لهؤلاء المؤمنين المظلومين.

ولما كان المعيار في المجتمع الجاهلي في ذلك الزمان ـ وكذا في كل مجتمع جاهلي آخر ـ هو الذهب والزينة والمال والمقام والمنصب والهيئة الظاهرية ، فكان الأثرياء الظالمون ، كالنضر بن الحارث وأمثاله يفتخرون على المؤمنين الفقراء بذلك ويقولون : إنّ علامة شخصيتنا معنا ، وعلامة عدم شخصيتكم فقركم ومحروميتكم ، وهذا بنفسه دليل على أحقيتنا وباطلكم! كما يقول القرآن الكريم في أول آيه من الآيات مورد البحث :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) .

خاصّة وأنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أن هؤلاء الأشراف المترفين كانوا يلبسون أجمل ملابسهم ، ويتزينون بأبهى زينة ، ويتبخترون أمام أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا ينظرون إليهم نظرة تحقير واستهزاء نعم ، هذه طريقة هذه الطبقة في كل عصر وزمان.

«النديّ» أخذت في الأصل من (الندى) أي الرطوبة ، ثمّ جاءت بمعنى الأفراد الفصحاء والخطباء ، لأن أحد شروط القدرة على التكلم امتلاك القدر الكافي من اللعاب ، ولذلك فإن (نديّ) تعني المجالسة والتحدث ، بل يقال للمجلس الذي يجتمعون فيه للأنس والسمر ، أو يجلسون فيه للتشاور : نادي ، ومن هذا أخذت (دار الندوة) وهي المحل الذي كان في مكّة ، وكان يجتمع فيه زعماؤها للتشاور.

وقد يعبر عن السخاء والبذل والعطاء ب (الندى)(1) وهذه الآية يمكن أن تكون إشارة إلى كل هذه المعاني ، أي : إنّ مجلس أنسنا أجمل من مجلسكم ، وإن مالنا وثروتنا وزينتنا ولباسنا أبهى وأروع ، وإن كلامنا وأشعارنا الفصيحة والبليغة

__________________

(1) مفردات الراغب ، مادة (ندى).

٤٩٣

أبلغ وأحسن!

إلّا أنّ القرآن الكريم يجيب هؤلاء بجواب منطقي ومستدل تماما ، وفي الوقت نفسه قاطع ومفحم ، فيقول : كأن هؤلاء قد نسوا تاريخ البشر ، ولم ينظروا كم دمرنا من الأقوام السابقين عند تمردهم وعصيانهم :( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً ) (1) فهل استطاعت أموالهم وثروتهم ، ومجالسهم الفاسقة ، وملابسهم الفاخرة ، وصورهم الجميلة أن تمنع العذاب الإلهي وتقف أمامه؟ وإذا كانت هذه الأمور دليلا على شخصيتهم ومنزلتهم عند الله ، فلما ذا ابتلوا بهذا المصير المشؤوم؟

إنّ زخارف الدنيا وبهارجها متزلزلة إلى حدّ أنّها تتلاشى وتزول بمجرّد أن يهب عليها أدنى نسيم هادئ.

«القرن» ـ كما قلنا سابقا في ما مرّ في ذيل الآية (6) من سورة الأنعام ـ تعني عادة الزمان الطويل ، لكن لما كانت قد أخذت من مادة الاقتران ، أي الاقتراب ، فإنّها تقال أيضا للقوم والأناس المجتمعين في زمان واحد.

ثمّ تحذرهم تحذيرا آخر ، بأن لا تظنوا أيّها الظالمون الكافرون أنّ مالكم وثروتكم هذه رحمة ، بل كثيرا ما تكون دليلا على العذاب الإلهي :( قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ ) إي إمّا العذاب في هذه الدنيا ، وإمّا عذاب الآخرة( فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ) .

في الحقيقة ، إنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يمكن هدايتهم (والملاحظ أن القرآن يقول :( مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ) وهو إشارة إلى الاستمرار في الضلال) من

__________________

(1) (الأثاث) بمعنى المتاع وزينة الدنيا ، و (رئي) بمعنى الهيئة والمنظر.

٤٩٤

أجل أن يروا العقاب الإلهي الشديد ، فإنّ الله سبحانه يجعلهم أحيانا يغوصون ويغرقون في النعم لتصبح سببا لغرورهم ، كما تكون سببا لنزول العذاب عليهم ، فإنّ سلب النعم عنهم حينئذ سيجعل لوعة العذاب أشد. وهذا هو ما ذكر في بعض آيات القرآن بعنوان عقاب «الاستدراج»(1) .

جملة( فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ) وإن كانت بصيغة الأمر ، إلّا أنّها بمعنى الخبر ، فمعناها : إنّ الله يمهل هؤلاء ويديهم عليهم النعم.

وقد فسرها بعض المفسّرين بنفس معنى الأمر أيضا ، وأنّه يعني هنا اللعنة ، أو وجوب مثل هذا العمل والمعاملة على الله. إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأقرب.

وكلمة (العذاب) بقرينة وقوعها في مقابل (الساعة) فإنّها إشارة إلى العقوبات الإلهية في عالم الدنيا ، عقوبات كطوفان نوح ، والزلزلة ، والحجارة السماوية التي نزلت على قوم لوط. أو العقوبات التي أصيبوا بها على يد المؤمنين والمقاتلين في جبهات الحق ، كما نقرأ في الآية (14) من سورة التوبة :( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) .

«الساعة» هنا إمّا بمعنى نهاية الدنيا ، أو العذاب الإلهي في القيامة. ويبدو لنا أن المعنى الثّاني هو الأنسب.

هذه عاقبة ومصير الظالمين المخدوعين بزخرف الدنيا وزبرجها ، أمّا أولئك الذين آمنوا واهتدوا ، فإنّ الله يزيدهم هدى وإيمانا( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) .

من البديهي أن للهداية درجات ، فإذا طوى الإنسان درجاتها الأولى فإنّ الله يأخذه بيده ويرفعه إلى درجات أعلى ، وكما أنّ الشجرة المثمرة تقطع كل يوم

__________________

(1) راجع ذيل الآيات 182 ، 183 من سورة الأعراف.

٤٩٥

مرحلة جديدة إلى التكامل والإيناع ، فكذلك المهتدون يرتقون كل يوم مراق أعلى في ظل الإيمان والأعمال الصالحة التي يعملونها.

وفي النهاية تجيب الآية هؤلاء الذين اعتمدوا على زينة الدنيا السريعة الزوال ، وجعلوها وسيلة للتفاخر على الآخرين ، فتقول :( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) (1) .

* * *

__________________

(1) «مردّ» ـ على وزن نمدّ بتشديد الدال ـ إمّا مصدر بمعنى الرّد والإرجاع ، أو اسم مكان بمعنى محل الرجوع، والمراد منه هنا الجنّة ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أوفق لمعنى الآية.

٤٩٦

الآيات

( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) )

التّفسير

تفكير خرافي ومنحرف :

يعتقد بعض الناس أنّ الإيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم ، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم ، أمّا إذا خرجوا من دائرة الإيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم ، وتزيد ثروتهم وأموالهم!

إنّ هذا النوع من التفكير ، سواء كان نابعا من البساطة واتباع الخرافات ، أو أنّه غطاء وتستّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإلهية ، فهو تفكير خاطئ وخطير.

لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحيانا من كثرة أموال وثروات

٤٩٧

الأفراد غير المؤمنين ، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين ، دليلا لإثبات هذه الخرفة ، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إلى الإنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر ، ولا الإيمان والتقوى يكونان سدا ومانعا في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقا.

على كل حال ، فقد كان في عصر النّبي ـ وكذلك في عصرنا ـ أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام ، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل ، فيتحدث القرآن ـ كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقا حول مصير الكفار والظالمين ـ في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها ، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً ) (1) .

ثمّ يجيبهم القرآن الكريم :( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) فإنّ الذي يستطيع أن يتكهن بمثل هذا التكهن ، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد ، مطلّع على الغيب ، لأنا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين ، أو يكون قد أخذ عهدا من الله سبحانه ، وهذا الكلام أيضا لا معنى له.

ثمّ يضيف بلهجة حادة : إنّ الأمر ليس كذلك ، ولا يمكن أن يكون الكفر أساسا لزيادة مال وولد أحد مطلقا :( كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ) .

أجل ، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سببا في انحراف بعض البسطاء ، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء( وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا ) .

هذه الجملة قد تكون إشارة إلى العذاب المستمر الخالد ، كما يحتمل أيضا أن

__________________

(1) نقل بعض المفسّرين سببا لنزول الآية وهو : إنّ أحد المؤمنين ـ واسمه خباب ـ كان يطلب أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ، فقال المدين مستهزئا : إذا وجدت مالا وولدا في عالم الآخرة فسأؤدي دينك.

إلّا أنّ سبب النّزول هذا لا يناسب الآية التي نبحثها ظاهرا ، خاصّة وأنّ الكلام عن الولد هنا ، ونحن نعلم أنّ الولد في عالم الآخرة غير مطروح للبحث. إضافة إلى أن الآيات التالية تقول بصراحة :( نَرِثُهُ ما يَقُولُ ) ويتّضح من هذا التعبير أنّ المقصود أموال الدنيا لا الأموال في الآخرة.

وعلى كل حال ، فإنّ جماعة من المفسّرين اعتبروا هذه الآية ـ بناء على سبب النّزول هذا ـ إشارة إلى الآخرة ، إلّا أنّ الحق ما قيل.

٤٩٨

تكون إشارة إلى العقوبات التي تحيط بهم في هذه الدنيا نتيجة للكفر وعدم الإيمان. ويحتمل أيضا أنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء!

( وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ ) من الأموال والأولاد( وَيَأْتِينا فَرْداً ) .

نعم ، إنّه سيترك في النهاية كل هذه الإمكانيات والأملاك المادية ويرحل ، ويحضر في محكمة العدل الإلهية بأيد خالية ، وفي الوقت الذي اسودت فيه صحيفة أعماله من الذنوب والمعاصي ، وخلت من الحسنات هناك ، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.

وتشير الآية التالية إلى علّة أخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام ، فتقول :( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) وليشفعوا لهم عند الله ، ويعينوهم في حل مشاكلهم ، لكن ، أي ظن خاطئ وخيال ساذج هذا؟!

ليس الأمر كما يظن هؤلاء أبدا ، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّا وحسب، بل ستكون منبعا لذلتهم وعذابهم ، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة:( كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) .

إن هذه الجملة إشارة إلى نفس ذلك المطلب الذي نقرؤه في الآية (14) من سورة فاطر :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) . وكذلك ما نلاحظه في الآية (6) من سورة الأحقاف :( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ) .

وقد احتمل بعض كبار المفسّرين أن المراد من الآية : إنّ عبدة الأصنام عند ما ترفع الحجب في القيامة ، وتتضح كل الحقائق ، ويرون أنفسهم قد فضحوا وخزوا ، فإنّهم ينكرون عبادة الأصنام ، وسيقفون ضدها ، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الأنعام :( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية ، لأن عبّاد الأصنام كانوا يريدون

٤٩٩

أن تكون آلهتهم ومعبوداتهم عزّا لهم ، إلّا أنّهم يصبحون ضدها في النهاية.

ومن الطبيعي أن تكلم المعبودات التي لها عقل وإدراك كالملائكة والشياطين والجن واضح ومعلوم ، إلّا أنّ الآلهة الميتة التي لا روح لها ، من الممكن أن تتكلم بإذن الله وتعلن تنفرها واشمئزازها من عبدتها ومن الممكن أن يستفاد هذا التّفسير من حديث مروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال في تفسير هذه الآية : يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيامة ويتبرءون منهم ومن عبادتهم إلى يوم القيامة.

والجميل في الأمر أننا نقرأ في ذيل الحديث جملة قصيرة عميقة المحتوى حول العبادة:ليس العبادة هي السجود ولا الركوع ، وإنّما هي طاعة الرجال ، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده»(1) .

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 357.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579