المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117300 / تحميل: 7175
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الخامس: الاضحية، وهي مستحبة، ووقتها ب‍ " منى " يوم النحر وثلاثة بعده، وفي الامصار يوم النحر ويومان بعده.ويكره أن يخرج من اضحيته شيئا عن " منى " ولا بأس بالسنام، ومما يضحيه غيره.ويجزئ هدي التمتع عن الاضحية.والجمع أفضل.ومن لم يجد الاضحية تصدق بثمنها.فان اختلف أثمانها جمع الاول والثاني والثالث وتصدق بثلثها.ويكره التضحية بما يربيه، وأخذ شئ من جلودها.واعطاؤها الجزار.وأما الحلق: فالحاج مخير بينه وبين التقصير، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر، والحلق افضل.والتقصير متعين على المرأة، ويجزئ ولو قدر الانملة.والمحل ب‍ " منى " ولو رحل قبله عاد للحلق او التقصير.ولو تعذر حلق أو قصر حيث كان وجوبا.وبعث بشعره إلى " منى " ليدفن بها استحبابا.ومن ليس على رأسه شعر، ويجزيه امرار الموسى.واجد الثمن كواجد الهدي، كما في العتق، ووقته باق وهو ذوالحجة، والاستدراك فيه ممكن، ولرواية حريز وغيرها(١) .

(ب) التخيير، وهو قول أبي علي، وحكايته: لو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر وسط ما وجد به في سنة هدي، فيتصدق به بدلا منه، وبين أن يصوم، وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكة يذبح عنه ألى آخر ذي الحجة، فان لم يجد ذلك أخره ألى قابل أيام النحر(٢) .

قال طاب ثراه: وأما الحلق فان الحاج مخير بينه وبين التقصير، والحلق افضل، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر.

____________________

(١) التهذيب: ج ٢(٤) باب ضروب الحج ص ٣٧ الحديث ٣٨ و ٣٩.

(٢) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٤ س ١١ قال: وقال ابن الجنيد: ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر الخ.

٢٠١

والبدء برمي جمرة العقبة، ثم بالذبح، ثم بالحلق، واجب.فلو خالف أثم ولم يعد.ولا يزور البيت لطواف الحج الا بعد الحلق أو التقصير.فلو طاف قبل ذلك عامدا لزمه دم شاة.ولو كان ناسيا لم يلزمه شئ وأعاد طوافه.ويحل من كل شئ عند فراغ مناسكه ب‍ " منى " عدا الطيب والنساء والصيد، فاذا طاف لحجه حل له الطيب، واذا طاف طواف النساء حللن له.ويكره المخيط حتى يطوف للحج، والطيب حتى يطوف طواف النساء.ثم يمضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه، أو من الغد.ويتأكد في جانب المتمتع، ولو أخر أثم وموسع للمفرد والقارن طول ذي الحجة على كراهية.ويستحب له اذا دخل مكة الغسل، وتقليم الاظفار، وأخذ الشارب، والدعاء عند باب المسجد.

أقول: التخيير مذهب ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) واحد قولي

____________________

(١) السرائر: باب الحلق والتقصير ص ١٤١ س ٣٦ قال: وهو مخير بين الحلق والتقصير سواء كان صرورة أو لم يكن الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف كتاب الحج ص ١٣٧ قال: المصلب الثاث في الحلق، مسألة الحلق أفضل من التقصير مطلقا

٢٠٢

الشيخ(١) لقوله تعالى (محلقين رؤسكم ومقصرين)(٢) وليس المراد به الجمع قطعا، بل اما التخيير او التفصيل، والثاني يلزم منه الاجمال، وهو مرجوع، فتعين الاول، ولصحيحة حريز(٣) .والتفصيل - وهو وجوب الحلق على الملبد والصرورة، وإجزاء التقصير لغيرهما أحد قولي الشيخ(٤) وأبي علي(٥) .والمراد بالصرورة من لم يحج حجة الاسلام.وبالملبد الذي يجعل في رأسه الصمغ العسل ليقتل القمل.والحق به أبوعلي من كان شعره مظفورا أو مقصوصا(٦) من الرجال(٧) وقال الحسن: ومن لبد شعره او عقصه فعليه الحلق(٨) ولم يذكر الصرورة وعكس المفيد فقال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق(٩) ولم يذكر الملبد.

____________________

(١) الجمل والعقود: ص ٧٦ س ٦ قال: وأما اللحق فمستحب للصروة، غير الصرورة يجزيه التقصير والحلق افضل.

(٢) الفتح: ٢٧.

(٣) التهذيب: ج ٥(١٧) باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق وفي المبسوط: ج ١ ص ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ

(٤) النهاية: باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق، وفي المبسوط: ج ١ س ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٧ س ٣٧ قال: وقال ابن الجنيد: ولا يجزي الصرورة ومن كان غير صرورة لبد الشعر أو مظفورا أو معقوصا من الرجال غير الحلق.

(٦) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشدة ومنه الحديث: رجل صلى معقوص الشعر، قال: يعيد (مجمع البحرين لغة عقص).

(٧) تقدم آنفا.

(٨) المختلف: كتاب الحج، المطلب الثالث في الحلق ص ١٣٧ س ٣٨ قال: وقال ابن أبي عقيل: ويحلق رأسه بعد الذبح إلى أن قال: ومن لبد رأسه واعقصه فعليه الحق واجب.

(٩) المقنعة: باب الحلق ص ٦٦ س ٦ قال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق الخ.

٢٠٣

القول في الطواف والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة.وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، والختان في الرجل.ويستحب مضغ الاذخر قبل دخول مكة، ودخولها من أعلاها حافيا على سكينة ووقار، مغتسلا من بئر ميمون، أو فخ.ولو تعذر اغتسل بعد الدخول.والدخول من باب بني شيبة.والدعاء عنده.وأما الكيفية: فواجبها النية.والبداء‌ة بالحجر.والختم به.والطواف على اليسار.وإدخال الحجر في الطواف.وأن يطوف سبعا.ويكون بين المقام والبيت.ويصلي ركعتين في المقام، فان منعه زحام مصلى حياله.ويصلي النافلة حيث شاء من المسجد.ولو نسيهما رجع فأتى بهما فيه، ولو شق صلاهما حيث ذكر.ولو مات قضى عنه الولي.والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.ومكروه في النافلة.ولوزاد سهوا أكملها اسبوعين، وصلي ركعتي الواجب منهما قبل السعي.وركعتي الزيادة بعده، ويعيد من طاف في ثوب نجس، ولا يعيد لو لم يعلم.ولو علم في أثناء الطواف أزاله وأتم.ويصلي ركعتيه في كل وقت مالم يتضيق وقت حاضرة.قال طاب ثراه: والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.أقول: معنى القران في الطواف، أن يقرن بين طوافين، بان لايفصل بينهما بصلاة.

٢٠٤

ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف أتم.ولو رجع إلى أهله استناب.ولو كان دون ذلك إستأنف.وكذا من قطع الطواف لحدث أو لحاجة.ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة صلى، ثم أتم طوافه، ولو كان دون الاربع، وكذا للوتر.ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يطف استأنف الطواف، ثم استأنف السعي.ولو ذكر أنه طاف ولم يتم مقطع السعي وأتم الطواف ثم تمم السعي.ومندوبه: الوقوف عند الحجر، والدعاء، واستلامه، وتقبيله.فان لم يقدر أشار بيده.ولو كانت مقطوعة فبموضع القطع.ولو لم يكن له يد أشار.وأن يقتصد في مشيه.ويذكر الله سبحانه في طوافه.ويلزم وهل هذا محرم في الطواف الواجب، أو مكروه؟ بالاول قال الشيخ(١) والمصنف في كتابيه(٢) وهو أشهر في الروايات(٣) وبالثاني قال ابن ادريس(٤) للاصل، ولصحيحة زرارة(٥) .

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت، ص ٢٣٨ س ١٠ قال: ولا يجوز أن يقرق بين طوافين في فريضة.

(٢) الشرايع: في كيفية الطواف، مسائل ست الاولى، الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الاظهر.ولا حظ ايضا عبارة المختصر النافع.

(٣) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف، ص ١١٥ الحديث ٤٦ ٤٧ ٤٨).

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٤ س ٣٤ قال: ولا يجوز أن يفرق بين الطوافين في فريضة ولا بأس بذلك في النوافل، ذلك على جهة تغليظ الكراهية في الفرائض دون الخطر وفساد الطواف وان كان قد ورد لا يجوز بين طوافين في الفريضة، فان الشئ اذا كان شديد الكراهة قبل لا يجوز ويعرف ذلك بقرائن الخ.

(٥) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١١٥ الحديث ٤٤

٢٠٥

المستجار، وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة.ويبسط يديه وخده على حائطه.ويلصق بطنه به، ويذكر ذنوبه.ولو جاوز المستجار رجع والتزم.وكذا يستلم الاركان.وآكدها ركن الحجر، واليماني.ويتطوع بثلاثمائة وستين طوافا.فان لم يتمكن جعل العدة أشواطا.ويقرأ في ركعتي الطواف ب‍ (الحمد) و (الصمد) في الاولى، وب‍ (الحمد) و (الجحد) في الثانية ويكره الكلام فيه بغير الدعاء والقراء‌ة.وأما احكامه فثمانية: الاول: الطواف ركن، ولو تركه عامدا بطل حجة.ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استناب فيه، وفي رواية: لو كان على وجه جهاله أعاد وعليه بدنة.

قال طاب ثراه: الطواف ركن فلو(١) تركه عامدا بطل حجه، ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استتاب فيه، وفي رواية إن كان على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة.

أقول: الفرق بين الركن والفعل في الحج انه اذا ترك ركنا ناسيا وجب أن يعود له بنفسه، فان تعذر استناب، وفسر التعذر هنا بمعنيين: احدهما المشقة الكثيرة، والثاني تعذر الاستطاعة المعهودة.والفعل اذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه وان تمكن من العود.وترك الركن عمدا يبطل، وترك الفعل عمدا لا يبطل اذا لم يترتب عليه غيره من الاركان، فيبطل الحج حينئذ من حيث ترك الركن، لان فعل الركن المترتب

____________________

(١) فان تركه فلو تركه ولو تركه خ ل

٢٠٦

الثاني: من شك في عدده بعد الانصراف، فلا إعادة عليه.ولو كان في أثنائه وكان بين السبعة وما زاد قطع ولا إعادة عليه.ولو كان في النقيصة أعاد في الفريضة وبنى على الاقل في النافلة.ولو تجاوز الحجر في الثامن وذكر قبل بلوغ الركن، قطع ولم يعد.

الثالث: لو ذكر انه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة وصلاته.ولا يعيد طواف النافلة ويعيد صلاته استحبابا.على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا كلا فعله.وإن لم يترتب على الفعل المتروك ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار وطواف النساء، لكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه.ولو كان الترك نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا، ويحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.اذا عرفت هذا، فاذا ترك الطواف عامدا بطل حجه لما قلناه، وفي رواية علي بن يقطين الصحيحة: إن كان تركه على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة(١) وهي التي أشار اليها المصنف بقوله (وفي رواية) ولعل وجه ايجاب البدنة عليه، عقوبة له، وان كان ينقدح ضعيفا انه لا شئ عليه، لانه اذا لم يعرف وجوب الطواف يكون نسكه باطلا من رأس فلا يتعلق به كفارة، اذ الكفارة انما يجب بترك الطواف في نسك صحيح شرعي، ولهذا الاحتمال لم يجزم المصنف بل قال: (وفي رواية).وعلى القول بوجوب البدنة هنا، هل يجب على تاركه عمدا مع العلم؟ فيه احتمالان: منشأهما كونه أولى بالعقوبة، ومن عدم النص.

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٢٧ الحديث ٩٢.

٢٠٧

ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به، ومع التعذر يستنيب فيه وفي الكفارة تردد، أشبهه: انها لا تجب الا مع الذكر ولو نسي طواف النساء استناب.ولو مات قضاه الولي.

الرابع: من طاف الافضل له تعجيل السعي، ولا يجوز تأخيره إلى غده.

الخامس: لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوف وقضاء المناسك الا لامرأة تخاف الحيض أو مريض اوهم.وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما: الجواز ويجوز للقارن قال طاب ثراه: ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به.ومع التعذر يستنيب فيه.وفي الكفارة تردد، أشبهه انها لا تجب الا مع الذكر.

أقول: أما وجوب العود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة چالعود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة فمذهب الشيخ(١) لعموم حسنة معاوية، وصحيحة العيص(٢) وقال ابن ادريس: لا تجب الكفارة الا على من واقع بعد الذكر(٣) لانه في حكم الناسي، واختاره المصنف(٤) العلامة(٥) والشهيد(٦) .

قال طاب ثراه: وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما الجواز.

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٠ س ١٣ قال: ومن نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع اهله يجب عليه بدنة والرجوع إلى مكة وقضاء طواف الزيارة.

(٢) التهذيب: ج ٥(٢٥) باب الكفارة عن خطأ لمحرم ص ٣٢١ الحديث ١٧ و ١٨ ولاحظ ايضا.

عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٨.

(٣) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٢ قال: ١٣٥ س ١٢ قال: ومن نسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاظهر انه لا شئ عليه.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٢٢ س ١٧ قال: مسألة لونسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاقرب عدم وجوب اللكفارة.

(٦) الدروس: كتاب الحج ص ١١٦ س ٨ قال: درس في أحكامه إلى أن قال: والظاهر أن الهدي ندب.

٢٠٨

والمفرد تقديم الطواف اختيارا.ولا يجوز تقديم طواف النساء لمتمتع ولا غيره، ويجوز مع الضرورة والخوف من الحيض.ولا يقدم على السعي.ولو قدمه عليه ساهيا لم يعد.

السادس: قيل: لا يجوز الطواف وعليه برطلة.والكراهية أشبه ما لم يكن الستر محرما.

السابع: كل محرم يلزمه طواف النساء رجلا كان، أو إمرأة، أو صبيا.أو خصيا، إلا في العمرة المتمتع بها.

أقول: منع ابن ادريس من تقديم الطوافين مع الضرورة(١) واجازه الباقون، للاصل، وللروايات عموما وخصوصا(٢) .

قال طاب ثراه: قيل لا يجوز الطواف وعليه برطلة، والكراهية أشبه مالم يكن الستر محرما محرما.

أقول: بالتحريم قال في النهاية(٣) وبالكراهية قال في التهذيب(٤) و قال ابن ادريس: انه مكروه في طواف الحج محرم في طواف العمرة(٥) قال العلامة: وهو

____________________

(١) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٨ قال والمتمتع اذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى الا أن يأتي منى الخ.

(٢) الكافي: ج ٤ باب تقديم الطواف الحج للمتمتع قبل الخروج إلى منى ص ٤٥٧ الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٣) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٣٤٢ س ٣ قال: ولا يجوز للرجل ان يطوف وعليه برطله.

(٤) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ قال: ويكره للرجل أن يطوف وعليه برطلة، روى ذلك الخ.

(٥) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٧ قال: وقد روي انه لا يجوز للرجل ان يطوف عليه برطله الخ.

٢٠٩

الوجه، لانه في طواف العمرة يكون قد غطى رأسه وهو محرم، وفي طواف الحج يجوز له تغطية رأسه، فلا وجه للتحريم(١) .

قلت: وهذا الحكم غيرخاص بالبرطلة، بل هو سار في كل تغطية، لنصهم على تحريم تغطية الرأس في العمرة، وكراهية المخيط للحاج حتى يطوف للحج، كما يكره الطيب حتى يطوف للنساء فأي فائدة في تخصيص البرطلة بالنهي في الخبر(٢) ، واختلاف الاصحاب اذا كانت مندرجة الساتر.وايضا فان طوافا لا يكون جزء من حج ولا عمرة، لا يعلم حكمه في البرطلة كالطواف المبتدأ تطوعا، وذلك أمر مندوب اليه ومرغب فيه، وتمس الحاحة إلى معرفة حكمه، خصوصا مع تأكد الامر به حيث كان أفضل من الصلاة للمجاور(٣) وقالعليه‌السلام : استكثروا من الطواف فانه أقل شئ يوجد في صحائفكم يوم القيامة(٤) .ويلزم من تخصيص النهى بالنسكين أن يكون مباحا في غيرهما، لقولهعليه‌السلام : كل شئ مطلق(٥) وقالعليه‌السلام : اسكتوا عما سكت الله(٦) .والاقرب ان هذا حكم خاص بالبرطلة، وطواف العمرة خارج عن هذا البحث، ويبقى الخلاف في طواف الحج ويكون على الكراهية الموكدة، أو في مطلق

____________________

(١) المختلف: كتاب الحج ص ١١٩ س ٦ قال: لنا انه في طواف العمرة الخ.

(٢) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ٤ الحديث ١١٤ و ١١٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٢(٦٢) باب فضائل الحج ص الحديث ١٧ قال: ومن أقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة الحديث وفي حديث ١٨ قال: وروي أن الطواف لغير اهل مكة أفضل من الصلاة الحديث.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ١(٤٥) باب وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها ص ٢٠٨ الحديث ٢٢.

(٦) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٦ الحديث ٦١.

٢١٠

الثامن: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في إمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد، لانه لا يتعبد بصورة النذر.الطواف وان لم يكن في نسك، وذلك لما في لبسها من التشبه باليهود، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم في كثير من الاحكام، ولهذا كره لبس السواد لانه لباس فرعون، ومثل ذلك كثير، روى الحسين بن سعيد عن صفوان عن يزيد بن خليفة قال: رآني أبوعبداللهعليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعلي برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة، فلا تلبسها حول الكعبة فانها من زى اليهود(١) .

قال طاب ثراه: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في أمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد لانه لا يتعبد بصورة النذر.

أقول: في المسألة ثلاثة أقوال:

(أ) وجوب طوافين على هذا الناذر، طواف ليديه، وطواف لرجليه، وهو مذهب الشيخ(٢) محتجا بما رواه السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربعة، قال: تطوف اسبوعا ليدبها واسبوعا لرجليها(٣) .

(ب) بطلان النذر من رأس، لانه لم يتعبد بصورته، فكانه نذر هيئة غير مشروعة، فكان النذر باطلا، وهو قول ابن ادريس(٤) واختاره العلامة(٥) .

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ الحديث ١١٥.

(٢) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٢ س ٦ قال: ومن نذر أن يطوف على أربع كان عليه طوافان الخ.

(٣) التهذيب: ج (٥) باب الطواف ص ١٣٥ الحديث ١١٨

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٩ قال: وقد روي انه من نذر أن يطوف على أربع إلى أن قال: والاول عندى أن نذره لا ينعقد الخ.

(٥) المختلف: الفصل الثاني في الطواف ص ١١٨ ص ٣٢ قال: مسألة قال الشيخ: من نذر (يطوف على أربع إلى قال بعد نقل ابن ادريس: وهو المعتمد.

٢١١

القول في السعي والنظر في مقدمته، وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة فمندوبات عشرة: الطهارة.واستلام الحجر، والشرب من زمزم، والاغتسال من الدلو المقابل للحجر، والخروج من باب الصفا.وصعود الصفا، واستقبال ركن الحجر، والتكبير، والتهليل سبعا، والدعاء بالمأثور.وأما الكيفية ففيها الواجب والندب.فالواجب أربعة: النية، والبدأة بالصفا.والختم بالمروة.والسعي سبعا.يعد ذهابه شوطا وعوده آخر.

والمندوبات اربعة أشياء: المشي طرفيه، والاسراع ما بين النارة إلى زقاق العطارين ولو نسي الهرولة رجع القهقرى وتدارك.والدعاء، وأن يسعى ما شيا، ويجوز الجلوس في خلاله للراحة.وأما الاحكام فاربعة:

الاول: السعي ركن يبطل الحج بتركه عمدا. لا يبطل سهوا ويعود لتداركه، فان تعذر العود استناب فيه.

الثاني: يبطل السعي بالزيادة عمدا، ولا يبطل بالزيادة سهوا.ومن (ج) انعقاد النذر، ويجب طوافان إن كان الناذر إمرأة، وقوفا على صورة النص، وبطلانه ان كان رجلا.

٢١٢

تيقن عدد الاشواط وشك فيما بدأ به، فان كان في المفرد على الصفا أعاد، ولو كان على المروة لم يعد، وبالعكس لو كان سعيه زوجا، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو تيقن النقصان أتى به.

الثالث: لو قطع سعيه لصلاة أو لحاجة، أو لتدارك ركعتي الطواف، أو غير ذلك، أتم ولو كان شوطا.

الرابع: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله، أو قلم أظفاره ثم ذكر انه نسي شوطا أتم.

وفي الروايات: يلزمه دم بقرة قال طاب ثراه: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله أو قلم أظفاره، ثم ذكر انه نسي شوطا أتم، وفي الروايات يلزمه دم بقرة.

أقول: روى عبدالله بن مسكان (في الموثق) قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط، وهو يظن انما سبعة، فيذكر بعدما أحل وواقع انه إنما طاف ستة أشواط، فقال: عليه دم بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر(١) وروى سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله وهويرى انه قد فرغ منه فقلم أظافره وأحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال: ان كان يحفظ انه سعى ستة أشواط، فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: دم بقرة(٢) وهذا مذهب المفيد(٣) وأحد قولي الشيخ(٤) وفتوى العلامة(٥) وفخر المحققين(٦)

____________________

(١) التهذيب ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٣٠

(٢) التهذيب: ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٢٩.

(٣) المقنعة: باب الكفارات ص ٦٨ س قال: واذا سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط إلى أن قال: فقصر وجامع وجب عليه دم بقرة الخ.

(٤) النهاية: باب السعي بين الصفا والمروة ص ٢٤٥ س ٨ قال: وان واقع أهله اتمامه السعي وجب عليه بقرة الخ.

(٥) و(٦) قال: في القواعد: في أحكام السعي، ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة فاحل وواقع ثم ذكر النقص أتمة وكفر ببقرد، وقال في ايضاح الفوائد بعد نقل رواية ابن مسكان: واعلم أن هذا هو الاقوى عندي (ايضاح الفوائد: ج ١ ص ٣٠٣).

٢١٣

والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية: لا دم عليه للاصل(١) ولا بن ادريس مثل القولين(٢) .واعلم أن المراد بالسعي هنا، سعي عمرة التمتع على ما تضمنه رواية سعيد وصرح به العلامة في قواعده(٣) فالحج لايتأتى فيه ذلك، لحلقه قبل السعي بمنى، فلا يحرم عليه القلم.والعمرة المفردة لم يرد النص فيها بشئ، فينبغى أن يرجع فيها إلى القواعد المقررة.ولا شك أن مواطن التحلل فيها ايتان الحلق أو التقصير بعد السعي ويحل به ما عدا النساء، وطواف النساء بعده، ويحللن به، فاذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعه كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي هنا، وإن كان بعد تقليمه، فان كان لظفر واحد فمد، وفي الظفرين مدان، وفي الثلاثة ثلاثة، وهكذا إلى اظفار يديه أجمع، ففيها شاة، وإن كان مع أظفار رجليه واتحد المجلس، فكذلك، والا فشاتان.واما عمرة التمتع فاختصت بالنص على وجوب البقرة، فقد خالفت القواعد الموطدة والاصول الممهدة من أربعة أوجه:

(أ) عدم اعذار الناسي، وهو خلاف الحديث المشهور، وخلاف نصهم: تسقط

____________________

(١) النهاية: باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله عمدا أو خطأ ص ٢٣١ س ٧ قال: وإن كان قد انصرف من السعى ظنا منه انه تممه ثم حامع لم يلزمه الكفارة الخ واعلم أني احتملت مشقة شديدة لوجدان هذه الفتوى من الشيخقدس‌سره ، وبعد المراجعة ب‍ (الجوامع الفقهيه): وجدت أن حرف (لم) أسقط من كتاب النهاية المطبوعة في بيروت ففيه (ثم جامع يلزمه الكفارة) فتفطن لذلك.

(٢) السرائر: باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٢٩ س ٢٣ وص ١٣٦ س ٢٧ فلا حظ.

(٣) القواعد: كتاب الحج، الفصل الثالث في السعي، المطلب الثاني في أحكامه، قال: ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة الخ

٢١٤

القول في أحكام منى

بعد العود يجب المبيت ب‍ " منى " ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ولو بات بغيرها كان عليه شاتان إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة.ولو الكفارة عن الناسي والجاهل الا في الصيد.

(ب) وجوب البقرة في تقليم الاظفار، والواجب شاة في مجموع الاظفار، ولو قلم عامدا قبل السعي رأسا لما وجب عليه سوى الشاة ردا إلى الاصل السالم عن معارضة النص على خلافه، مع ان قوله (فقلم اظافيره) صادق على ثلاثة اظفار، وفيها ثلاثة أمداد بالاجماع قبل السعي مع التعمد، وفي صورة النزاع يجب فيها البقرة لشمول النص.ويحتمل قويا عدم تعلق الحكم الا بتقليم الاظفار أجمع، لان المضاف من ألفاظ العموم، فيفيد الاستغراق، نعم يكفي أظفار اليدين عن أظفار الرجلين، وبالعكس، لان الشارع أقام أحدهما مقامهما مع اتحاد المجلس.

وقال العلامة في التذكرة: ولو ظن إتمامه فجامع أو قلم فعليه بقرة(١) ولم يحك خلافا، والقلم يصدق بالظفر الواحد، ويجوز أن يريد به الجميع.

(ج) ان مع الجماع تجب بقرة، مع إنا إن اعتبرنا حكم النسيان لم يكن عليه شئ، وان اسقطناه والحقناه بالعامد كان الواجب بدنة.

(د) مساواة الجماع في الكفارة لتقليم الاظفار.والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيتعليهم‌السلام ، لان قوانين الشرع لا يضبطها العقل، ولا يستقل بعللها(٢) .

____________________

(١) التذكرة: ج ١، البحث الثالث: في الاحكام ص ٣٦٧ س ١١ قال مسألة: لو سعى أقل من سبغة أشواط إلى أن قال: ولو لم يذكر حتى واقع أهله أوقصر أو قلم كان عليه دم بقرة واتمام السعي

(٢) في نسخة (ج) زاد هنا ما لفظه: (عدم تعلق الحكم اعني وجوب البقرة الا بتقليم الجميع)

٢١٥

كان ممن يجب عليه المبيت الليالي الثلاث لزمه ثلاث شياه.وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل.وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.ويجب رمي الجمار في الايام التي يقيم بها، كل جمرة بسبع حصيات مرتبا، يبدأ بالاولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ولو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة.ووقت الرمي مابين طلوع الشمس إلى غروبها.ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا.ويستحب أن يكون ما لامسه غدوة، وما ليومه بعد الزوال.

قال طاب ثراه: وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل، وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.

أقول: هنا مسائل: (أ) وجوب المبيت ليالى التشريق ب‍ " منى " هو المشهور بين الاصحاب.وقال الشيخ في التبيان باستحبابه(١) هو نادر.

(ب) على تقدير الوجوب، لو خالف وبات بغيرها، فان كان متقيا وكان خروجه قيل غروب الشمس وجب عليه شاتان، وان لم يكن متقيا، أو كان خروجه منها بعد الغروب، يلزمه ثلاث شياه.وهذا التفصيل هو المشهور، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) والمصنف(٣) وأحد قولي

____________________

(١) التبيان: ج ٢ ص ١٥٤ في تفسيره لآية ١٩٦ من سورة البقرة قال: ومناسك الحج تشتمل على مفروض ومسنون إلى أن قال والمسنونات: الجهر بالتلبية واستلام الاركان وايام منى الخ.

(٢) المبسوط: ج ١، فصل في ذكر نزول منى بعد الافاضة من المشعر ص ٣٧٨ س ٢ قال: ولا يبيت ليالي التشريق الا بمنى الخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢١٦

العلامة(١) وقال في النهاية: يجب ثلاث شياه ولم يفصل(٢) وهو مذهب ابن حمزة(٣) وابن أدريس(٤) والعلامة في المختلف(٥) .

وقال المفيد وتلميذه: ولا يبيت ليالي التشريق الا ب‍ " منى " فان بات بغيرها فعليه دم شاة(٦) و(٧) وكذا قال ابن أبي عقيل(٨) وقال ابوعلي: وليس للحاج أن يبيت ليالي منى الا ب‍ " منى " فان فعل ذلك عامدا كان عليه عن كل ليلة دم(٩)

____________________

(١) التذكرة: ص ٣٩٢ س ١٧ البحث الثاني في الرجوع إلى منى قال: مسألة لو ترك المبيت بمنى وجب عليه عن كل ليلة شاة الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٦ س ١ قال: ومن بات الثلاث ليال بغير منى معتمدا كان عليه ثلاثة من الغنم.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ٦٩٣ س ٢٠ قال: ولم يعد ب‍ " منى " لبيت بها لزمه عن كل ليلة من الليلتين الاولتين من ليالى التشريق دم.

(٤) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة.

(٥) المختلف: الفصل الخامس في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: وقال ابن ادريس بقول الشيخ في النهاية وهوالاقرب اقول: والظاهر ان هنا اشتباه في المراد ن المسنون، لا حظ كتاب السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٩.

(٦) المقنعة: باب زيارة البيت ص ٦٦ قال: ولا يبيت ليالى التشريق الخ.

(٧) المراسم: ذكر: الذبح ص ١١٥ س ١ قال: ولا بيت ليالى التشريق الا بمنى الخ.

(٨) و(٩) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ٦ قال: وقال ابن عقيل: ولا يبيت ايام التشريق الا بمنى إلى أن قال: وقال ابن الجنيد: وليس للحاج أن يبيت ليالى منى الا بمعنى الخ.

٢١٧

تنبيه: الكفارة عن الليلة الثالثة

وجوب الكفارة عن الليلة الثالثة على القول به مرتب على الاخلال بالليلتين السابقتين، فلو باتهما بمنى وبات الثالثة بغيرها وكان متقيا لم يجب عليه شئ.

وتحقيق البحث: ان المتقي يجوز له أن ينفر في الاول، لكن هل هو المتقي للنساء والصيد، أو كل محرم، فابن إدريس على الثاني(١) والاكثر على الاول، وتارك المبيت في الليلتين غير متق، فلهذا وجب عليه الثلاث.

(ج) لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليلة الواجبة عليه، فلا كفارة، ولا فرق بين كون العبادة واجبة عليه كطواف وسعي، أو غير ذلك كإشتغاله بالدعاء وقراء‌ة القرآن، والتطوع بالطواف، وهو اختيار الشيخ(٢) والقديمين(٣) وابن حمزة(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) ومنع ابن ادريس وأوجب الكفارة(٧) لعموم الامر بالمبيت ولزوم الكفارة، وحمل على التفصيل، إذ الروايات ناطقة به(٨) .

(د) حد المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل، ولو خرج بعده

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٣ قال: في الجواب عن تخريج الشيخ: وذلك أن من عليه كفارة له أن ينفر في النفر الاول بغير خلاف الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٦ قال: فان بات بمكة ليالى التشريق إلى أن قال: لم يكن عليه شئ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٨ قال: مسألة لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ قاله الشيخ وابن حمزة وابن ابي عقيل وابن الجنيد إلى أن قال بعد نقل خلاف ابن ادريس والطواف جاز.

(٤) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ١٩ قال: فاذا فرغ من ذلك وأزاد أن يبيت بمكة للعبادة والطواف جاز.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٢ س ٣٣ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة إلى أن قال بعد نقل قول من باب بمكة مشتغلا بالعبادة: والاول اظهر.

(٨) التهذيب: ج ٥ باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ الحديث ٢٨ قالعليه‌السلام : الا أن يكون شغلك في نسكك.

٢١٨

ولا يجوز الرمي ليلا الا لعذر، كالخائف، والرعاة، والعبيد.ويرمى عن المعذور كالمريض.ولو نسي جمرة وجهل موضعها رمى على كل جمرة حصاة.ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها مستقبل القبلة.ويقف داعيا عدا جمرة العقبة، فانه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف.ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع وتدارك، ولو خرج - سقطت الكفارة، وهل يجب عليه توخي دخول مكة بعد الفجر؟ قال الشيخ: نعم(١) وأكثر الاصحاب على عدم الوجوب، وإن خرج بعد نصف الليل فلا يضره أن يبيت بغيرها، وقال ابن حمزة: ولا يخرج ليالي التشريق منها إلا بعد نصف الليل على كراهية(٢) واختار العلامة في المختلف عدم الكراهية(٣) وهو اختيار الاكثر، وهو في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادقعليه‌السلام : وإن خرجت " من منى " بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى(٤) .

(ه‍) المبيت ب‍ " منى أفضل من المبيت بمكة وإن كان للعبادة، لانها دار المضيف والقوم اضياف الله في منى، وليخرج من الخلاف.

فرع

واذا جاز مبيته بمكة للعبادة، جاز خروجه من منى بعد الغروب للعبادة ولا كفارة.

____________________

(١) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٩ قال: وان خرج من منى بعد نصف الليل إلى أن قال: غير انه لا يدخل مكة الا بعد طلوع الفجر.

(٢) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ٢٢ قال: ولا يخرج ليالى التشريق منها الخ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى والمبيت بها ص ١٤٠ س ٣١ قال بعد نقل رواية معاوية بن عمار: وهو يدل على الجواز وانتفاء الكراهية.

(٤) التهذيب: ج ٥، باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ قطعة من حديث ٢٨.

٢١٩

فلا حرج.ولو حج في القابل استحب القضاء.ولو استناب جاز، وتستحب الاقامة ب‍ " منى " أيام التشريق.ويجوز النفر في الاول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتقى الصيد والنساء، وإن شاء في الثاني.وهو الثالث عشر.ولو لم يتق تعين عليه الاقامة إلى النفر الاخير.وكذا لو غربت الشمس ليلة الثالث عشر.ومن نفر في الاول، لا ينفر الا بعد الزوال، وفى الاخير يجوز قلبه، ويستحب للامام أن يخطب ويعلمهم ذلك.والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجب ومن قضى مناسكه فله الخيرة في العود إلى مكة، والافضل العود لوداع البيت، ودخول الكعبة خصوصا للصرورة.ومع عودة تستحب الصلاة في زوايا البيت، وعلى الرخامة الحمراء.والطواف بالبيت، واستلام الاركان، والمستجار.والشرب من زمزم.والخروج من باب الحناطين، والدعاء.والسجود مستقبل القبلة، والدعاء، والصدقة بتمر يشتريه بدرهم، ومن المستحب التحصيب، والنزول بالمعرس على طريق المدينة، وصلاة ركعتين به، والعزم على العود ومن المكروهات: المجاورة بمكة، والحج على الابل الجلالة، ومنع دور مكة من السكنى وأن يرفع بناء فوق الكعبة.والطواف للمجاور قال طاب ثراه: والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجبب.أقول: المشهور عند علمائنا الاستحباب، قاله ابن ادريس(١) والمصنف(٢)

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٤ س ١٦ قال: وينبغي أن يكبر الانسان ب " منى " الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579