المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117346 / تحميل: 7179
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الخامس: الاضحية، وهي مستحبة، ووقتها ب‍ " منى " يوم النحر وثلاثة بعده، وفي الامصار يوم النحر ويومان بعده.ويكره أن يخرج من اضحيته شيئا عن " منى " ولا بأس بالسنام، ومما يضحيه غيره.ويجزئ هدي التمتع عن الاضحية.والجمع أفضل.ومن لم يجد الاضحية تصدق بثمنها.فان اختلف أثمانها جمع الاول والثاني والثالث وتصدق بثلثها.ويكره التضحية بما يربيه، وأخذ شئ من جلودها.واعطاؤها الجزار.وأما الحلق: فالحاج مخير بينه وبين التقصير، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر، والحلق افضل.والتقصير متعين على المرأة، ويجزئ ولو قدر الانملة.والمحل ب‍ " منى " ولو رحل قبله عاد للحلق او التقصير.ولو تعذر حلق أو قصر حيث كان وجوبا.وبعث بشعره إلى " منى " ليدفن بها استحبابا.ومن ليس على رأسه شعر، ويجزيه امرار الموسى.واجد الثمن كواجد الهدي، كما في العتق، ووقته باق وهو ذوالحجة، والاستدراك فيه ممكن، ولرواية حريز وغيرها(١) .

(ب) التخيير، وهو قول أبي علي، وحكايته: لو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر وسط ما وجد به في سنة هدي، فيتصدق به بدلا منه، وبين أن يصوم، وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكة يذبح عنه ألى آخر ذي الحجة، فان لم يجد ذلك أخره ألى قابل أيام النحر(٢) .

قال طاب ثراه: وأما الحلق فان الحاج مخير بينه وبين التقصير، والحلق افضل، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر.

____________________

(١) التهذيب: ج ٢(٤) باب ضروب الحج ص ٣٧ الحديث ٣٨ و ٣٩.

(٢) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٤ س ١١ قال: وقال ابن الجنيد: ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر الخ.

٢٠١

والبدء برمي جمرة العقبة، ثم بالذبح، ثم بالحلق، واجب.فلو خالف أثم ولم يعد.ولا يزور البيت لطواف الحج الا بعد الحلق أو التقصير.فلو طاف قبل ذلك عامدا لزمه دم شاة.ولو كان ناسيا لم يلزمه شئ وأعاد طوافه.ويحل من كل شئ عند فراغ مناسكه ب‍ " منى " عدا الطيب والنساء والصيد، فاذا طاف لحجه حل له الطيب، واذا طاف طواف النساء حللن له.ويكره المخيط حتى يطوف للحج، والطيب حتى يطوف طواف النساء.ثم يمضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه، أو من الغد.ويتأكد في جانب المتمتع، ولو أخر أثم وموسع للمفرد والقارن طول ذي الحجة على كراهية.ويستحب له اذا دخل مكة الغسل، وتقليم الاظفار، وأخذ الشارب، والدعاء عند باب المسجد.

أقول: التخيير مذهب ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) واحد قولي

____________________

(١) السرائر: باب الحلق والتقصير ص ١٤١ س ٣٦ قال: وهو مخير بين الحلق والتقصير سواء كان صرورة أو لم يكن الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف كتاب الحج ص ١٣٧ قال: المصلب الثاث في الحلق، مسألة الحلق أفضل من التقصير مطلقا

٢٠٢

الشيخ(١) لقوله تعالى (محلقين رؤسكم ومقصرين)(٢) وليس المراد به الجمع قطعا، بل اما التخيير او التفصيل، والثاني يلزم منه الاجمال، وهو مرجوع، فتعين الاول، ولصحيحة حريز(٣) .والتفصيل - وهو وجوب الحلق على الملبد والصرورة، وإجزاء التقصير لغيرهما أحد قولي الشيخ(٤) وأبي علي(٥) .والمراد بالصرورة من لم يحج حجة الاسلام.وبالملبد الذي يجعل في رأسه الصمغ العسل ليقتل القمل.والحق به أبوعلي من كان شعره مظفورا أو مقصوصا(٦) من الرجال(٧) وقال الحسن: ومن لبد شعره او عقصه فعليه الحلق(٨) ولم يذكر الصرورة وعكس المفيد فقال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق(٩) ولم يذكر الملبد.

____________________

(١) الجمل والعقود: ص ٧٦ س ٦ قال: وأما اللحق فمستحب للصروة، غير الصرورة يجزيه التقصير والحلق افضل.

(٢) الفتح: ٢٧.

(٣) التهذيب: ج ٥(١٧) باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق وفي المبسوط: ج ١ ص ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ

(٤) النهاية: باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق، وفي المبسوط: ج ١ س ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٧ س ٣٧ قال: وقال ابن الجنيد: ولا يجزي الصرورة ومن كان غير صرورة لبد الشعر أو مظفورا أو معقوصا من الرجال غير الحلق.

(٦) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشدة ومنه الحديث: رجل صلى معقوص الشعر، قال: يعيد (مجمع البحرين لغة عقص).

(٧) تقدم آنفا.

(٨) المختلف: كتاب الحج، المطلب الثالث في الحلق ص ١٣٧ س ٣٨ قال: وقال ابن أبي عقيل: ويحلق رأسه بعد الذبح إلى أن قال: ومن لبد رأسه واعقصه فعليه الحق واجب.

(٩) المقنعة: باب الحلق ص ٦٦ س ٦ قال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق الخ.

٢٠٣

القول في الطواف والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة.وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، والختان في الرجل.ويستحب مضغ الاذخر قبل دخول مكة، ودخولها من أعلاها حافيا على سكينة ووقار، مغتسلا من بئر ميمون، أو فخ.ولو تعذر اغتسل بعد الدخول.والدخول من باب بني شيبة.والدعاء عنده.وأما الكيفية: فواجبها النية.والبداء‌ة بالحجر.والختم به.والطواف على اليسار.وإدخال الحجر في الطواف.وأن يطوف سبعا.ويكون بين المقام والبيت.ويصلي ركعتين في المقام، فان منعه زحام مصلى حياله.ويصلي النافلة حيث شاء من المسجد.ولو نسيهما رجع فأتى بهما فيه، ولو شق صلاهما حيث ذكر.ولو مات قضى عنه الولي.والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.ومكروه في النافلة.ولوزاد سهوا أكملها اسبوعين، وصلي ركعتي الواجب منهما قبل السعي.وركعتي الزيادة بعده، ويعيد من طاف في ثوب نجس، ولا يعيد لو لم يعلم.ولو علم في أثناء الطواف أزاله وأتم.ويصلي ركعتيه في كل وقت مالم يتضيق وقت حاضرة.قال طاب ثراه: والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.أقول: معنى القران في الطواف، أن يقرن بين طوافين، بان لايفصل بينهما بصلاة.

٢٠٤

ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف أتم.ولو رجع إلى أهله استناب.ولو كان دون ذلك إستأنف.وكذا من قطع الطواف لحدث أو لحاجة.ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة صلى، ثم أتم طوافه، ولو كان دون الاربع، وكذا للوتر.ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يطف استأنف الطواف، ثم استأنف السعي.ولو ذكر أنه طاف ولم يتم مقطع السعي وأتم الطواف ثم تمم السعي.ومندوبه: الوقوف عند الحجر، والدعاء، واستلامه، وتقبيله.فان لم يقدر أشار بيده.ولو كانت مقطوعة فبموضع القطع.ولو لم يكن له يد أشار.وأن يقتصد في مشيه.ويذكر الله سبحانه في طوافه.ويلزم وهل هذا محرم في الطواف الواجب، أو مكروه؟ بالاول قال الشيخ(١) والمصنف في كتابيه(٢) وهو أشهر في الروايات(٣) وبالثاني قال ابن ادريس(٤) للاصل، ولصحيحة زرارة(٥) .

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت، ص ٢٣٨ س ١٠ قال: ولا يجوز أن يقرق بين طوافين في فريضة.

(٢) الشرايع: في كيفية الطواف، مسائل ست الاولى، الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الاظهر.ولا حظ ايضا عبارة المختصر النافع.

(٣) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف، ص ١١٥ الحديث ٤٦ ٤٧ ٤٨).

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٤ س ٣٤ قال: ولا يجوز أن يفرق بين الطوافين في فريضة ولا بأس بذلك في النوافل، ذلك على جهة تغليظ الكراهية في الفرائض دون الخطر وفساد الطواف وان كان قد ورد لا يجوز بين طوافين في الفريضة، فان الشئ اذا كان شديد الكراهة قبل لا يجوز ويعرف ذلك بقرائن الخ.

(٥) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١١٥ الحديث ٤٤

٢٠٥

المستجار، وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة.ويبسط يديه وخده على حائطه.ويلصق بطنه به، ويذكر ذنوبه.ولو جاوز المستجار رجع والتزم.وكذا يستلم الاركان.وآكدها ركن الحجر، واليماني.ويتطوع بثلاثمائة وستين طوافا.فان لم يتمكن جعل العدة أشواطا.ويقرأ في ركعتي الطواف ب‍ (الحمد) و (الصمد) في الاولى، وب‍ (الحمد) و (الجحد) في الثانية ويكره الكلام فيه بغير الدعاء والقراء‌ة.وأما احكامه فثمانية: الاول: الطواف ركن، ولو تركه عامدا بطل حجة.ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استناب فيه، وفي رواية: لو كان على وجه جهاله أعاد وعليه بدنة.

قال طاب ثراه: الطواف ركن فلو(١) تركه عامدا بطل حجه، ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استتاب فيه، وفي رواية إن كان على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة.

أقول: الفرق بين الركن والفعل في الحج انه اذا ترك ركنا ناسيا وجب أن يعود له بنفسه، فان تعذر استناب، وفسر التعذر هنا بمعنيين: احدهما المشقة الكثيرة، والثاني تعذر الاستطاعة المعهودة.والفعل اذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه وان تمكن من العود.وترك الركن عمدا يبطل، وترك الفعل عمدا لا يبطل اذا لم يترتب عليه غيره من الاركان، فيبطل الحج حينئذ من حيث ترك الركن، لان فعل الركن المترتب

____________________

(١) فان تركه فلو تركه ولو تركه خ ل

٢٠٦

الثاني: من شك في عدده بعد الانصراف، فلا إعادة عليه.ولو كان في أثنائه وكان بين السبعة وما زاد قطع ولا إعادة عليه.ولو كان في النقيصة أعاد في الفريضة وبنى على الاقل في النافلة.ولو تجاوز الحجر في الثامن وذكر قبل بلوغ الركن، قطع ولم يعد.

الثالث: لو ذكر انه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة وصلاته.ولا يعيد طواف النافلة ويعيد صلاته استحبابا.على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا كلا فعله.وإن لم يترتب على الفعل المتروك ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار وطواف النساء، لكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه.ولو كان الترك نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا، ويحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.اذا عرفت هذا، فاذا ترك الطواف عامدا بطل حجه لما قلناه، وفي رواية علي بن يقطين الصحيحة: إن كان تركه على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة(١) وهي التي أشار اليها المصنف بقوله (وفي رواية) ولعل وجه ايجاب البدنة عليه، عقوبة له، وان كان ينقدح ضعيفا انه لا شئ عليه، لانه اذا لم يعرف وجوب الطواف يكون نسكه باطلا من رأس فلا يتعلق به كفارة، اذ الكفارة انما يجب بترك الطواف في نسك صحيح شرعي، ولهذا الاحتمال لم يجزم المصنف بل قال: (وفي رواية).وعلى القول بوجوب البدنة هنا، هل يجب على تاركه عمدا مع العلم؟ فيه احتمالان: منشأهما كونه أولى بالعقوبة، ومن عدم النص.

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٢٧ الحديث ٩٢.

٢٠٧

ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به، ومع التعذر يستنيب فيه وفي الكفارة تردد، أشبهه: انها لا تجب الا مع الذكر ولو نسي طواف النساء استناب.ولو مات قضاه الولي.

الرابع: من طاف الافضل له تعجيل السعي، ولا يجوز تأخيره إلى غده.

الخامس: لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوف وقضاء المناسك الا لامرأة تخاف الحيض أو مريض اوهم.وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما: الجواز ويجوز للقارن قال طاب ثراه: ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به.ومع التعذر يستنيب فيه.وفي الكفارة تردد، أشبهه انها لا تجب الا مع الذكر.

أقول: أما وجوب العود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة چالعود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة فمذهب الشيخ(١) لعموم حسنة معاوية، وصحيحة العيص(٢) وقال ابن ادريس: لا تجب الكفارة الا على من واقع بعد الذكر(٣) لانه في حكم الناسي، واختاره المصنف(٤) العلامة(٥) والشهيد(٦) .

قال طاب ثراه: وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما الجواز.

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٠ س ١٣ قال: ومن نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع اهله يجب عليه بدنة والرجوع إلى مكة وقضاء طواف الزيارة.

(٢) التهذيب: ج ٥(٢٥) باب الكفارة عن خطأ لمحرم ص ٣٢١ الحديث ١٧ و ١٨ ولاحظ ايضا.

عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٨.

(٣) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٢ قال: ١٣٥ س ١٢ قال: ومن نسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاظهر انه لا شئ عليه.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٢٢ س ١٧ قال: مسألة لونسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاقرب عدم وجوب اللكفارة.

(٦) الدروس: كتاب الحج ص ١١٦ س ٨ قال: درس في أحكامه إلى أن قال: والظاهر أن الهدي ندب.

٢٠٨

والمفرد تقديم الطواف اختيارا.ولا يجوز تقديم طواف النساء لمتمتع ولا غيره، ويجوز مع الضرورة والخوف من الحيض.ولا يقدم على السعي.ولو قدمه عليه ساهيا لم يعد.

السادس: قيل: لا يجوز الطواف وعليه برطلة.والكراهية أشبه ما لم يكن الستر محرما.

السابع: كل محرم يلزمه طواف النساء رجلا كان، أو إمرأة، أو صبيا.أو خصيا، إلا في العمرة المتمتع بها.

أقول: منع ابن ادريس من تقديم الطوافين مع الضرورة(١) واجازه الباقون، للاصل، وللروايات عموما وخصوصا(٢) .

قال طاب ثراه: قيل لا يجوز الطواف وعليه برطلة، والكراهية أشبه مالم يكن الستر محرما محرما.

أقول: بالتحريم قال في النهاية(٣) وبالكراهية قال في التهذيب(٤) و قال ابن ادريس: انه مكروه في طواف الحج محرم في طواف العمرة(٥) قال العلامة: وهو

____________________

(١) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٨ قال والمتمتع اذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى الا أن يأتي منى الخ.

(٢) الكافي: ج ٤ باب تقديم الطواف الحج للمتمتع قبل الخروج إلى منى ص ٤٥٧ الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٣) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٣٤٢ س ٣ قال: ولا يجوز للرجل ان يطوف وعليه برطله.

(٤) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ قال: ويكره للرجل أن يطوف وعليه برطلة، روى ذلك الخ.

(٥) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٧ قال: وقد روي انه لا يجوز للرجل ان يطوف عليه برطله الخ.

٢٠٩

الوجه، لانه في طواف العمرة يكون قد غطى رأسه وهو محرم، وفي طواف الحج يجوز له تغطية رأسه، فلا وجه للتحريم(١) .

قلت: وهذا الحكم غيرخاص بالبرطلة، بل هو سار في كل تغطية، لنصهم على تحريم تغطية الرأس في العمرة، وكراهية المخيط للحاج حتى يطوف للحج، كما يكره الطيب حتى يطوف للنساء فأي فائدة في تخصيص البرطلة بالنهي في الخبر(٢) ، واختلاف الاصحاب اذا كانت مندرجة الساتر.وايضا فان طوافا لا يكون جزء من حج ولا عمرة، لا يعلم حكمه في البرطلة كالطواف المبتدأ تطوعا، وذلك أمر مندوب اليه ومرغب فيه، وتمس الحاحة إلى معرفة حكمه، خصوصا مع تأكد الامر به حيث كان أفضل من الصلاة للمجاور(٣) وقالعليه‌السلام : استكثروا من الطواف فانه أقل شئ يوجد في صحائفكم يوم القيامة(٤) .ويلزم من تخصيص النهى بالنسكين أن يكون مباحا في غيرهما، لقولهعليه‌السلام : كل شئ مطلق(٥) وقالعليه‌السلام : اسكتوا عما سكت الله(٦) .والاقرب ان هذا حكم خاص بالبرطلة، وطواف العمرة خارج عن هذا البحث، ويبقى الخلاف في طواف الحج ويكون على الكراهية الموكدة، أو في مطلق

____________________

(١) المختلف: كتاب الحج ص ١١٩ س ٦ قال: لنا انه في طواف العمرة الخ.

(٢) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ٤ الحديث ١١٤ و ١١٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٢(٦٢) باب فضائل الحج ص الحديث ١٧ قال: ومن أقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة الحديث وفي حديث ١٨ قال: وروي أن الطواف لغير اهل مكة أفضل من الصلاة الحديث.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ١(٤٥) باب وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها ص ٢٠٨ الحديث ٢٢.

(٦) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٦ الحديث ٦١.

٢١٠

الثامن: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في إمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد، لانه لا يتعبد بصورة النذر.الطواف وان لم يكن في نسك، وذلك لما في لبسها من التشبه باليهود، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم في كثير من الاحكام، ولهذا كره لبس السواد لانه لباس فرعون، ومثل ذلك كثير، روى الحسين بن سعيد عن صفوان عن يزيد بن خليفة قال: رآني أبوعبداللهعليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعلي برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة، فلا تلبسها حول الكعبة فانها من زى اليهود(١) .

قال طاب ثراه: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في أمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد لانه لا يتعبد بصورة النذر.

أقول: في المسألة ثلاثة أقوال:

(أ) وجوب طوافين على هذا الناذر، طواف ليديه، وطواف لرجليه، وهو مذهب الشيخ(٢) محتجا بما رواه السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربعة، قال: تطوف اسبوعا ليدبها واسبوعا لرجليها(٣) .

(ب) بطلان النذر من رأس، لانه لم يتعبد بصورته، فكانه نذر هيئة غير مشروعة، فكان النذر باطلا، وهو قول ابن ادريس(٤) واختاره العلامة(٥) .

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ الحديث ١١٥.

(٢) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٢ س ٦ قال: ومن نذر أن يطوف على أربع كان عليه طوافان الخ.

(٣) التهذيب: ج (٥) باب الطواف ص ١٣٥ الحديث ١١٨

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٩ قال: وقد روي انه من نذر أن يطوف على أربع إلى أن قال: والاول عندى أن نذره لا ينعقد الخ.

(٥) المختلف: الفصل الثاني في الطواف ص ١١٨ ص ٣٢ قال: مسألة قال الشيخ: من نذر (يطوف على أربع إلى قال بعد نقل ابن ادريس: وهو المعتمد.

٢١١

القول في السعي والنظر في مقدمته، وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة فمندوبات عشرة: الطهارة.واستلام الحجر، والشرب من زمزم، والاغتسال من الدلو المقابل للحجر، والخروج من باب الصفا.وصعود الصفا، واستقبال ركن الحجر، والتكبير، والتهليل سبعا، والدعاء بالمأثور.وأما الكيفية ففيها الواجب والندب.فالواجب أربعة: النية، والبدأة بالصفا.والختم بالمروة.والسعي سبعا.يعد ذهابه شوطا وعوده آخر.

والمندوبات اربعة أشياء: المشي طرفيه، والاسراع ما بين النارة إلى زقاق العطارين ولو نسي الهرولة رجع القهقرى وتدارك.والدعاء، وأن يسعى ما شيا، ويجوز الجلوس في خلاله للراحة.وأما الاحكام فاربعة:

الاول: السعي ركن يبطل الحج بتركه عمدا. لا يبطل سهوا ويعود لتداركه، فان تعذر العود استناب فيه.

الثاني: يبطل السعي بالزيادة عمدا، ولا يبطل بالزيادة سهوا.ومن (ج) انعقاد النذر، ويجب طوافان إن كان الناذر إمرأة، وقوفا على صورة النص، وبطلانه ان كان رجلا.

٢١٢

تيقن عدد الاشواط وشك فيما بدأ به، فان كان في المفرد على الصفا أعاد، ولو كان على المروة لم يعد، وبالعكس لو كان سعيه زوجا، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو تيقن النقصان أتى به.

الثالث: لو قطع سعيه لصلاة أو لحاجة، أو لتدارك ركعتي الطواف، أو غير ذلك، أتم ولو كان شوطا.

الرابع: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله، أو قلم أظفاره ثم ذكر انه نسي شوطا أتم.

وفي الروايات: يلزمه دم بقرة قال طاب ثراه: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله أو قلم أظفاره، ثم ذكر انه نسي شوطا أتم، وفي الروايات يلزمه دم بقرة.

أقول: روى عبدالله بن مسكان (في الموثق) قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط، وهو يظن انما سبعة، فيذكر بعدما أحل وواقع انه إنما طاف ستة أشواط، فقال: عليه دم بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر(١) وروى سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله وهويرى انه قد فرغ منه فقلم أظافره وأحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال: ان كان يحفظ انه سعى ستة أشواط، فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: دم بقرة(٢) وهذا مذهب المفيد(٣) وأحد قولي الشيخ(٤) وفتوى العلامة(٥) وفخر المحققين(٦)

____________________

(١) التهذيب ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٣٠

(٢) التهذيب: ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٢٩.

(٣) المقنعة: باب الكفارات ص ٦٨ س قال: واذا سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط إلى أن قال: فقصر وجامع وجب عليه دم بقرة الخ.

(٤) النهاية: باب السعي بين الصفا والمروة ص ٢٤٥ س ٨ قال: وان واقع أهله اتمامه السعي وجب عليه بقرة الخ.

(٥) و(٦) قال: في القواعد: في أحكام السعي، ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة فاحل وواقع ثم ذكر النقص أتمة وكفر ببقرد، وقال في ايضاح الفوائد بعد نقل رواية ابن مسكان: واعلم أن هذا هو الاقوى عندي (ايضاح الفوائد: ج ١ ص ٣٠٣).

٢١٣

والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية: لا دم عليه للاصل(١) ولا بن ادريس مثل القولين(٢) .واعلم أن المراد بالسعي هنا، سعي عمرة التمتع على ما تضمنه رواية سعيد وصرح به العلامة في قواعده(٣) فالحج لايتأتى فيه ذلك، لحلقه قبل السعي بمنى، فلا يحرم عليه القلم.والعمرة المفردة لم يرد النص فيها بشئ، فينبغى أن يرجع فيها إلى القواعد المقررة.ولا شك أن مواطن التحلل فيها ايتان الحلق أو التقصير بعد السعي ويحل به ما عدا النساء، وطواف النساء بعده، ويحللن به، فاذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعه كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي هنا، وإن كان بعد تقليمه، فان كان لظفر واحد فمد، وفي الظفرين مدان، وفي الثلاثة ثلاثة، وهكذا إلى اظفار يديه أجمع، ففيها شاة، وإن كان مع أظفار رجليه واتحد المجلس، فكذلك، والا فشاتان.واما عمرة التمتع فاختصت بالنص على وجوب البقرة، فقد خالفت القواعد الموطدة والاصول الممهدة من أربعة أوجه:

(أ) عدم اعذار الناسي، وهو خلاف الحديث المشهور، وخلاف نصهم: تسقط

____________________

(١) النهاية: باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله عمدا أو خطأ ص ٢٣١ س ٧ قال: وإن كان قد انصرف من السعى ظنا منه انه تممه ثم حامع لم يلزمه الكفارة الخ واعلم أني احتملت مشقة شديدة لوجدان هذه الفتوى من الشيخقدس‌سره ، وبعد المراجعة ب‍ (الجوامع الفقهيه): وجدت أن حرف (لم) أسقط من كتاب النهاية المطبوعة في بيروت ففيه (ثم جامع يلزمه الكفارة) فتفطن لذلك.

(٢) السرائر: باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٢٩ س ٢٣ وص ١٣٦ س ٢٧ فلا حظ.

(٣) القواعد: كتاب الحج، الفصل الثالث في السعي، المطلب الثاني في أحكامه، قال: ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة الخ

٢١٤

القول في أحكام منى

بعد العود يجب المبيت ب‍ " منى " ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ولو بات بغيرها كان عليه شاتان إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة.ولو الكفارة عن الناسي والجاهل الا في الصيد.

(ب) وجوب البقرة في تقليم الاظفار، والواجب شاة في مجموع الاظفار، ولو قلم عامدا قبل السعي رأسا لما وجب عليه سوى الشاة ردا إلى الاصل السالم عن معارضة النص على خلافه، مع ان قوله (فقلم اظافيره) صادق على ثلاثة اظفار، وفيها ثلاثة أمداد بالاجماع قبل السعي مع التعمد، وفي صورة النزاع يجب فيها البقرة لشمول النص.ويحتمل قويا عدم تعلق الحكم الا بتقليم الاظفار أجمع، لان المضاف من ألفاظ العموم، فيفيد الاستغراق، نعم يكفي أظفار اليدين عن أظفار الرجلين، وبالعكس، لان الشارع أقام أحدهما مقامهما مع اتحاد المجلس.

وقال العلامة في التذكرة: ولو ظن إتمامه فجامع أو قلم فعليه بقرة(١) ولم يحك خلافا، والقلم يصدق بالظفر الواحد، ويجوز أن يريد به الجميع.

(ج) ان مع الجماع تجب بقرة، مع إنا إن اعتبرنا حكم النسيان لم يكن عليه شئ، وان اسقطناه والحقناه بالعامد كان الواجب بدنة.

(د) مساواة الجماع في الكفارة لتقليم الاظفار.والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيتعليهم‌السلام ، لان قوانين الشرع لا يضبطها العقل، ولا يستقل بعللها(٢) .

____________________

(١) التذكرة: ج ١، البحث الثالث: في الاحكام ص ٣٦٧ س ١١ قال مسألة: لو سعى أقل من سبغة أشواط إلى أن قال: ولو لم يذكر حتى واقع أهله أوقصر أو قلم كان عليه دم بقرة واتمام السعي

(٢) في نسخة (ج) زاد هنا ما لفظه: (عدم تعلق الحكم اعني وجوب البقرة الا بتقليم الجميع)

٢١٥

كان ممن يجب عليه المبيت الليالي الثلاث لزمه ثلاث شياه.وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل.وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.ويجب رمي الجمار في الايام التي يقيم بها، كل جمرة بسبع حصيات مرتبا، يبدأ بالاولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ولو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة.ووقت الرمي مابين طلوع الشمس إلى غروبها.ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا.ويستحب أن يكون ما لامسه غدوة، وما ليومه بعد الزوال.

قال طاب ثراه: وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل، وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.

أقول: هنا مسائل: (أ) وجوب المبيت ليالى التشريق ب‍ " منى " هو المشهور بين الاصحاب.وقال الشيخ في التبيان باستحبابه(١) هو نادر.

(ب) على تقدير الوجوب، لو خالف وبات بغيرها، فان كان متقيا وكان خروجه قيل غروب الشمس وجب عليه شاتان، وان لم يكن متقيا، أو كان خروجه منها بعد الغروب، يلزمه ثلاث شياه.وهذا التفصيل هو المشهور، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) والمصنف(٣) وأحد قولي

____________________

(١) التبيان: ج ٢ ص ١٥٤ في تفسيره لآية ١٩٦ من سورة البقرة قال: ومناسك الحج تشتمل على مفروض ومسنون إلى أن قال والمسنونات: الجهر بالتلبية واستلام الاركان وايام منى الخ.

(٢) المبسوط: ج ١، فصل في ذكر نزول منى بعد الافاضة من المشعر ص ٣٧٨ س ٢ قال: ولا يبيت ليالي التشريق الا بمنى الخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢١٦

العلامة(١) وقال في النهاية: يجب ثلاث شياه ولم يفصل(٢) وهو مذهب ابن حمزة(٣) وابن أدريس(٤) والعلامة في المختلف(٥) .

وقال المفيد وتلميذه: ولا يبيت ليالي التشريق الا ب‍ " منى " فان بات بغيرها فعليه دم شاة(٦) و(٧) وكذا قال ابن أبي عقيل(٨) وقال ابوعلي: وليس للحاج أن يبيت ليالي منى الا ب‍ " منى " فان فعل ذلك عامدا كان عليه عن كل ليلة دم(٩)

____________________

(١) التذكرة: ص ٣٩٢ س ١٧ البحث الثاني في الرجوع إلى منى قال: مسألة لو ترك المبيت بمنى وجب عليه عن كل ليلة شاة الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٦ س ١ قال: ومن بات الثلاث ليال بغير منى معتمدا كان عليه ثلاثة من الغنم.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ٦٩٣ س ٢٠ قال: ولم يعد ب‍ " منى " لبيت بها لزمه عن كل ليلة من الليلتين الاولتين من ليالى التشريق دم.

(٤) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة.

(٥) المختلف: الفصل الخامس في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: وقال ابن ادريس بقول الشيخ في النهاية وهوالاقرب اقول: والظاهر ان هنا اشتباه في المراد ن المسنون، لا حظ كتاب السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٩.

(٦) المقنعة: باب زيارة البيت ص ٦٦ قال: ولا يبيت ليالى التشريق الخ.

(٧) المراسم: ذكر: الذبح ص ١١٥ س ١ قال: ولا بيت ليالى التشريق الا بمنى الخ.

(٨) و(٩) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ٦ قال: وقال ابن عقيل: ولا يبيت ايام التشريق الا بمنى إلى أن قال: وقال ابن الجنيد: وليس للحاج أن يبيت ليالى منى الا بمعنى الخ.

٢١٧

تنبيه: الكفارة عن الليلة الثالثة

وجوب الكفارة عن الليلة الثالثة على القول به مرتب على الاخلال بالليلتين السابقتين، فلو باتهما بمنى وبات الثالثة بغيرها وكان متقيا لم يجب عليه شئ.

وتحقيق البحث: ان المتقي يجوز له أن ينفر في الاول، لكن هل هو المتقي للنساء والصيد، أو كل محرم، فابن إدريس على الثاني(١) والاكثر على الاول، وتارك المبيت في الليلتين غير متق، فلهذا وجب عليه الثلاث.

(ج) لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليلة الواجبة عليه، فلا كفارة، ولا فرق بين كون العبادة واجبة عليه كطواف وسعي، أو غير ذلك كإشتغاله بالدعاء وقراء‌ة القرآن، والتطوع بالطواف، وهو اختيار الشيخ(٢) والقديمين(٣) وابن حمزة(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) ومنع ابن ادريس وأوجب الكفارة(٧) لعموم الامر بالمبيت ولزوم الكفارة، وحمل على التفصيل، إذ الروايات ناطقة به(٨) .

(د) حد المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل، ولو خرج بعده

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٣ قال: في الجواب عن تخريج الشيخ: وذلك أن من عليه كفارة له أن ينفر في النفر الاول بغير خلاف الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٦ قال: فان بات بمكة ليالى التشريق إلى أن قال: لم يكن عليه شئ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٨ قال: مسألة لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ قاله الشيخ وابن حمزة وابن ابي عقيل وابن الجنيد إلى أن قال بعد نقل خلاف ابن ادريس والطواف جاز.

(٤) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ١٩ قال: فاذا فرغ من ذلك وأزاد أن يبيت بمكة للعبادة والطواف جاز.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٢ س ٣٣ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة إلى أن قال بعد نقل قول من باب بمكة مشتغلا بالعبادة: والاول اظهر.

(٨) التهذيب: ج ٥ باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ الحديث ٢٨ قالعليه‌السلام : الا أن يكون شغلك في نسكك.

٢١٨

ولا يجوز الرمي ليلا الا لعذر، كالخائف، والرعاة، والعبيد.ويرمى عن المعذور كالمريض.ولو نسي جمرة وجهل موضعها رمى على كل جمرة حصاة.ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها مستقبل القبلة.ويقف داعيا عدا جمرة العقبة، فانه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف.ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع وتدارك، ولو خرج - سقطت الكفارة، وهل يجب عليه توخي دخول مكة بعد الفجر؟ قال الشيخ: نعم(١) وأكثر الاصحاب على عدم الوجوب، وإن خرج بعد نصف الليل فلا يضره أن يبيت بغيرها، وقال ابن حمزة: ولا يخرج ليالي التشريق منها إلا بعد نصف الليل على كراهية(٢) واختار العلامة في المختلف عدم الكراهية(٣) وهو اختيار الاكثر، وهو في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادقعليه‌السلام : وإن خرجت " من منى " بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى(٤) .

(ه‍) المبيت ب‍ " منى أفضل من المبيت بمكة وإن كان للعبادة، لانها دار المضيف والقوم اضياف الله في منى، وليخرج من الخلاف.

فرع

واذا جاز مبيته بمكة للعبادة، جاز خروجه من منى بعد الغروب للعبادة ولا كفارة.

____________________

(١) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٩ قال: وان خرج من منى بعد نصف الليل إلى أن قال: غير انه لا يدخل مكة الا بعد طلوع الفجر.

(٢) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ٢٢ قال: ولا يخرج ليالى التشريق منها الخ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى والمبيت بها ص ١٤٠ س ٣١ قال بعد نقل رواية معاوية بن عمار: وهو يدل على الجواز وانتفاء الكراهية.

(٤) التهذيب: ج ٥، باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ قطعة من حديث ٢٨.

٢١٩

فلا حرج.ولو حج في القابل استحب القضاء.ولو استناب جاز، وتستحب الاقامة ب‍ " منى " أيام التشريق.ويجوز النفر في الاول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتقى الصيد والنساء، وإن شاء في الثاني.وهو الثالث عشر.ولو لم يتق تعين عليه الاقامة إلى النفر الاخير.وكذا لو غربت الشمس ليلة الثالث عشر.ومن نفر في الاول، لا ينفر الا بعد الزوال، وفى الاخير يجوز قلبه، ويستحب للامام أن يخطب ويعلمهم ذلك.والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجب ومن قضى مناسكه فله الخيرة في العود إلى مكة، والافضل العود لوداع البيت، ودخول الكعبة خصوصا للصرورة.ومع عودة تستحب الصلاة في زوايا البيت، وعلى الرخامة الحمراء.والطواف بالبيت، واستلام الاركان، والمستجار.والشرب من زمزم.والخروج من باب الحناطين، والدعاء.والسجود مستقبل القبلة، والدعاء، والصدقة بتمر يشتريه بدرهم، ومن المستحب التحصيب، والنزول بالمعرس على طريق المدينة، وصلاة ركعتين به، والعزم على العود ومن المكروهات: المجاورة بمكة، والحج على الابل الجلالة، ومنع دور مكة من السكنى وأن يرفع بناء فوق الكعبة.والطواف للمجاور قال طاب ثراه: والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجبب.أقول: المشهور عند علمائنا الاستحباب، قاله ابن ادريس(١) والمصنف(٢)

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٤ س ١٦ قال: وينبغي أن يكبر الانسان ب " منى " الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

لأنّه قد أوجد الأحكام المسبقة الخاطئة عنده ، وسمح للأهواء النفسية والتعصبات العمياء المتطرفة أن تتغلب على توجهه ، ووقع في أسر الذات والغرور ، ولوث صفاء قلبه وطهارة روحه بأمور قد جعلها موانع أمام فهم وإدراك الحقائق.

وجاء في الحديث الشريف : «لو لا أنّ الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات».

فأوّل شرط ينبغي تحقيقه لمن رام السير على طريق الحق هو تهذيب النفس وامتلاك التقوى ، وبدون ذلك يقع الإنسان في ظلمات الوهم فيضل الطريق.

ويشير القرآن الكريم لهذه الحقيقة ب( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

وكم من أناس طلبوا آيات القرآن بتعصب وعناد وأحكام مسبقة (فردية أو اجتماعية) وحملوا القرآن بما يريدون لا بما يريده القرآن ، فازدادوا ضلالا بدلا من أن يكون القرآن هاديا لهم (وطبيعي أنّ القرآن بآياته وحقائقه الناصعة لا يكون وسيلة للإضلال ، ولكنّ أهواءهم وعنادهم هو الذي جرّهم لذلك) والآيتان (124 و 125) من سورة التوبة تبيّن لنا هذه الحالة بكل وضوح :( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ ) .

فالمقصود بالآية عدم الاكتفاء بذكر (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) بل ينبغي أن نجعل من هذا الذكر فكرا ، ومن الفكر حالة داخلية ، وعند ما نقرأ آيّة نستعيذ بالله من أن تستحوذ وساوس الشيطان علينا ، أو أن تحول بيننا وبين كلام الله جل وعلا.

2 ـ لما ذا يكون التعوذ «من الشيطان الرجيم»؟

«الرجيم» : من (رجم) ، بمعنى الطرد ، وهو في الأصل بمعنى الرمي بالحجر ثمّ استعمل في الطرد.

٣٢١

ونلاحظ ذكر صفة طرد الشيطان من دون جميع صفاته ، للتذكير بتكبّره على أمر الله حين أمره بالسجود والخضوع لآدم ، وإنّ ذلك التكبّر الذي دخل الشيطان بات بمثابة حجاب بينه وبين إدراك الحقائق ، حتى سولت له نفسه أن يعتقد بأفضليته على آدم وقال :( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) .

فكان ذلك العناد والغرور سببا لتمرده على أمر اللهعزوجل ممّا أدى لكفره ومن ثمّ طرده من الجنّة.

وكأنّ القرآن الكريم يريد أن يفهمنا باستخدامه كلمة «الرجيم» بضرورة الاحتياط والحذر من الوقوع في حالة التكبّر والغرور والتعصب عند تلاوة آيات الله الحكيم ، لكي لا نقع بما وقع به الشيطان من قبل ، فنهوى في وحل الكفر بدلا من إدراك وفهم الحقائق القرآنية.

3 ـ بين لوائي الحقّ والباطل

قسمت الآيات أعلاه الناس إلى قسمين : قسم يرزح تحت سلطة الشيطان وقسم خارج عن هذه السلطة ، وبيّنت صفتين لكلّ من هذين القسمين :

فالذين هم خارج سلطة الشيطان : مؤمنون ومتوكلون على اللهعزوجل ، أي أنّهم من الناحية الاعتقادية عباد لله ، ومن الناحية العملية يعيشون مستقلين عن كل شيء سوى الله، ويتوكلون عليه لا على البشر أو على الأهواء والتعصبات.

أمّا الذين يرزحون تحت سلطة الشيطان ، فقائدهم الشيطان( يَتَوَلَّوْنَهُ ) وهو مشركون ، لأنّ أعمالهم تشير إلى تبعيتهم للشيطان وأوامره كشريك لله جل وعلا.

وثمة من يسعى لأن يكون من القسم الأوّل ، ولكنّ ابتعاده عن المربّين الإلهيين ، أو الضياع في محيط فاسد ، أو أيّ أسباب أخرى ، تؤدي الى سقوطه في وحل القسم الثّاني.

وعلى أيّة حال ، فالآية تؤكّد حقيقة أنّ سلطة الشيطان ليست إجبارية على

٣٢٢

الإنسان ، ولا يتمكن من التأثير على الإنسان من دون أن يمهد الإنسان السبيل لدخول الشيطان في نفسه ، ويعطيه إجازة المرور من بوابة قلبه.

4 ـ آداب تلاوة القرآن :

كل شيء يحتاج الى برنامج معين ولا يستثنى كتاب عظيم ـ كالقرآن الكريم ـ من هذه القاعدة ، لذلك فقد ذكر في القرآن بعض الآداب والشروط لتلاوة كلام الله والاستفادة من آياته :

1 ـ يقول تعالى أوّلا :( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ، ويمكن أن يشير هذا التعبير إلى الطهارة الظاهرية ، كأن يكون مس كتابة القرآن مشروط بالطهارة والوضوء ، وكذا الإشارة إلى إمكان تيسر الوصول لفهم محتوى آيات القرآن من خلال تطهير النفس من الرذائل الأخلاقية ، لأنّ الصفات القبيحة تمنع من مشاهدة جمال الحق باعتبارها حجابا مظلما بين الإنسان والحقائق.

2 ـ يجب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قبل الشروع بتلاوة آيات الله( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) .

وعند ما سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن طريقة العمل بهذا القول ، يروى أنّه قال : «قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم».

وفي رواية أخرى ، عند تلاوتهعليه‌السلام لسورة الحمد قال : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون».

وكما قلنا ، فإنّ التلفظ ـ فقط ـ في الاستعاذة لا يغني من الحق شيئا ، ما لم تنفذ الاستعاذة إلى أعماق الروح بشكل ينفصل فيه الإنسان عند التلاوة عن إرادة الشيطان ، ويقترب من الصفات الإلهية ، لترتفع عن فكره موانع فهم كلام الحق ، وليرى جمال الحقيقة بوضوح تام.

فالاستعاذة بالله من الشيطان ـ إذن ـ لازمة قبل الشروع بالتلاوة ، ومستمرّة

٣٢٣

مع التلاوة إلى آخرها وإن لم يكن ذلك باللسان.

3 ـ تجب القراءة ترتيلا ، أي مع التفكّر والتأمّل( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (1) .

وفي تفسير هذه الآية روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ القرآن لا يقرأ هزرمة ولكن يرتل ترتيلا ، إذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوّذت بالله من النّار»(2) .

4 ـ وقد ورد الأمر بالتدبّر والتفكّر في القرآن إضافة إلى الترتيل. حيث جاء في الآية (82) من سورة النساء :( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) .

وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال : حدثنا من كان يقرئنا من الصحابة أنّهم كانوا يأخذون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر آيات ، فلا يأخذون في العشر الأخر حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل.

وفي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه»(3) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لقد تجلّى الله لخلقه في كلامه ولكنّهم لا يبصرون»(4) . (ولكنّ ذوي الضمائر الحيّة والعلماء المؤمنين ، يستطيعون رؤية جماله المتجلّي في كلامه جل وعلا).

5 ـ على الذين يستمعون إلى تلاوة القرآن أن ينصتوا إليه بتفكّر وتأمّل( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (5) .

وثمة أحاديث شريفة تحث على قراءة القرآن بصوت حسن ، لما له من فعل مؤثر في تحسّس مفاهيمه ، ولكنّ المجال لا يسمح لنا بتفصيل ذلك(6) .

* * *

__________________

(1) سورة المزمل ، 4.

(2) بحار الأنوار ، ج 89 ، ص 106.

(3) المصدر السابق.

(4) بحار الأنوار ، ج 92 ، ص 107.

(5) الأعراف ، 204.

(6) مزيد من الاطلاع راجع بحار الأنوار ، ج 9 ، ص 190 وما بعدها.

٣٢٤

الآيات

( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) )

سبب النّزول

يقول ابن عباس : (كانوا يقولون : يسخر محمّد بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر وغدا يأمرهم بأمر ، وإنّه لكاذب ، يأتيهم بما يقول من عند نفسه).

التّفسير

الافتراء

تحدثت الآيات السابقة أسلوب الاستفادة من القرآن الكريم ، وتتناول

٣٢٥

الآيات مورد البحث جوانب أخرى من المسائل المرتبطة بالقرآن ، وتبتدئ ببعض الشبهات التي كانت عالقة في أذهان المشركين حول الآيات القرآنية المباركة ، فتقول :( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ ) فهذا التغيير والتبديل يخضع لحكمة الله ، فهو أعلم بما ينزل، وكيف ينزل ، ولكن المشركين لجهلهم( قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

وحقيقة الأمر أنّ المشركين لم يتوصلوا بعد لإدراك وظيفة القرآن وما يحمل من رسالة ، ولم يدخل في تصوراتهم وأذهانهم أنّ القرآن في صدد بناء مجتمع إنساني جديد يسوده التطور والتقدم والحرية والمعنوية العالية نعم ، فأكثرهم لا يعلمون.

فبديهي والحال هذه أن يطرأ على وصفة الدواء الإلهي لنجاة هؤلاء المرضى التغيير والتبديل تدرجا مع ما يعيشونه ، فما يعطون اليوم يكمله الغد وهكذا حتى تتمّ الوصفة الشاملة.

فغفلة المشركين عن هذه الحقائق وابتعادهم عن ظروف نزول القرآن ، دفعهم للاعتقاد بأنّ أقوال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحمل بين ثناياها التناقض أو الافتراء على اللهعزوجل ! وإلّا لعلموا أنّ النسخ في الأحكام جزء من أوامر وآيات القرآن المنظمة على شكل برنامج تربوي دقيق لا يمكن الوصول للهدف النهائي لنيل التكامل إلّا به.

فالنسخ في أحكام مجتمع يعيش حالة انتقالية بين مرحلتين يعتبر من الضروريات العملية والواقعية ، فالتحول والانتقال بالناس من مرحلة إلى أخرى لا يتم دفعة واحدة ، بل ينبغي أنّ يمر بمراحل انتقالية دقيقة.

أيمكن معالجة مريض مزمن في يوم واحد؟

أو شفاء رجل مدمن على المخدرات لسنوات عديدة في يوم واحد؟ أو ليس التدرج في المعالجة من أسلم الأساليب؟

٣٢٦

وبعد الإجابة على هذه الأسئلة لا يبقى لنا إلّا أن نقول : ليس النسخ سوى برنامج مؤقت في مراحل انتقالية.

(لقد بحثنا موضوع النسخ في تفسير الآية (36) من سورة البقرة ـ فراجع).

وتستمر الآية التالية بنفس الموضوع ، وللتأكيد عليه تأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ ) .

«روح القدس» أو (الرّوح المقدسة) هو أمين الوحي الإلهي «جبرائيل الأمين» ، وبواسطته كانت الآيات القرآنية تتنزّل بأمر الله تعالى على النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء الناسخ منها أو المنسوخ.

فكل الآيات حق ، وهدفها واحد يتركز في توجيه الإنسان ضمن التربية الرّبانية له،وظروف وتركيبة الإنسان استلزمت وجود الأحكام الناسخة والمنسوخة في العملية التربوية.

ولهذا ، جاء في تكملة الآية المباركة :( لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ) .

يقول صاحب تفسير الميزان : إنّ تعريف الآثار بتخصيص التثبيت بالمؤمنين والهدى والبشرى للمسلمين إنّما هو لما بين الإيمان والإسلام من الفرق ، فالإيمان للقلب ونصيبه التثبيت في العلم والإذعان ، والإسلام في ظاهر العمل ومرحلة الجوارح ونصيبها الاهتداء إلى واجب العمل والبشرى بأنّ الغاية هي الجنّة والسعادة.

وعلى أيّة حال ، فلأجل تقوية الروح الإيمانية والسير في طريق الهدى والبشرى لا بدّ من برامج قصيرة الأمد ومؤقتة ، وبالتدريج يحل البرنامج النهائي الثابت محلها ، وهو سبب وجود الناسخ والمنسوخ في الآيات الإلهية.

وبعد أن فنّد القرآن شبهات المشركين يتطرق لذكر شبهة أخرى ، أو على الأصح لذكر افتراء آخر لمخالفي نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ

٣٢٧

يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) .

اختلف المفسّرون في ذكر اسم الشخص الذي ادّعى المشركون أنّه كان يعلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

فعن ابن عباس : أنّه رجل يدعى (بلعام) كان يصنع السيوف في مكّة : وهو من أصل رومي وكان نصرانيا.

واعتبره بعضهم : غلاما روميا لدى بني حضرم واسمه (يعيش) أو (عائش) وقد أسلم وأصبح من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال آخرون : إنّ معلّمه غلامين نصرانيين أحدهما اسمه (يسار) والآخر (جبر) وكان لهما كتاب بلغتهما يقرءانه بين مدّة وأخرى بصوت عال.

واحتمل بعضهم : أنّه (سلمان الفارسي) ، في حين أن سلمان الفارسي التحق بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة وأسلم على يديه هناك ، وأنّ هذه التهم التي أطلقها المشركون كانت في مكّة ، أضف إلى ذلك كون القسم الأعظم من سورة النحل مكي وليس مدنيا.

وعلى أيّة حال ، فالقرآن أجابهم بقوة وأبطل كل ما كانوا يفترون ، بقوله :( لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ (1) إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ (2) وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) .

فإن كان مقصودهم في تهمتهم وافترائهم أنّ معلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لألفاظ القرآن هو شخص أجنبي لا يفقه من العربية وبلاغتها شيئا فهذا في منتهى السفه ، إذ كيف يمكن لفاقد ملكة البيان العربي أن يعلّم هذه البلاغة والفصاحة التي عجز أمامها أصحاب اللغة أنفسهم ، حتى أنّ القرآن تحداهم بإتيان سورة من مثله فما

__________________

(1) يلحدون : من الإلحاد بمعنى الانحراف عن الحق إلى الباطل ، وقد يطلق على أيّ انحراف ، والمراد هنا : إنّ الكاذبين يريدون نسبة القرآن إلى إنسان ويدعون بأنّه معلم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

(2) الإعجام والعجمة لغة : بمعنى الإبهام ، ويطلق الأعجمي على الذي في بيانه لحن (نقص) سواء كان من العرب أو من غيرهم ، وباعتبر أنّ العرب ما كانوا يفهمون لغة غيرهم فقد استعملوا اسم (العجم) على غير العرب.

٣٢٨

استطاعوا ناهيك عن عدد الآيات؟! وإن كانوا يقصدون أنّ المحتوى القرآني هو من معلّم أجنبي فردّ ذلك أهون من الأوّل وأيسر ، إذ أن المحتوى القرآني قد صبّ في قالب كل عباراته وألفاظه من القوة بحيث خضع لبلاغته وإعجازه جميع فطاحل فصحاء العرب ، وهذا ما يرشدنا لكون الواضع يملك من القدرة على البيان ما تعلو وقدرة وملكة أيّ إنسان ، وليس لذلك أهلا سوى اللهعزوجل وسبحانه عمّا يشركون.

وبنظرة تأمّلية فاحصة نجد في محتوى القرآن أنّه يمتلك المنطق الفلسفي العميق في إثبات عقائده ، وكذا الحال بالنسبة لتعاليمه الأخلاقية في تربية روح الإنسان وقوانينه الاجتماعية المتكاملة ، وأنّ كلّ ما في القرآن هو فرق طاقة المستوى الفكري البشري حقّا ويبدو لنا أن مطلقي الافتراءات المذكورة هم أنفسهم لا يعتقدون بما يقولون ، ولكنّها شيطنة ووسوسة يدخلونها في نفوس البسطاء من الناس ليس إلّا.

والحقيقة أنّ المشركين لم يجدوا من بينهم من ينسبون إليه القرآن ، ولهذا حاولوا اختلاق شخص مجهول لا يعرف الناس عنه شيئا ونسبوا إليه القرآن ، عسى بفعلهم هذا أن يتمكنوا من استغفال أكبر قدر ممكن من البسطاء.

أضف إلى ذلك كله أن تاريخ حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسجل له اتصالات دائمة مع هذه النوعيات من البشر ، وإن كان (على سبيل الفرض) صاحب القرآن موجودا ألا يستلزم ذلك اتصال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به وباستمرار؟ إنّهم حاولوا التشبث لا أكثر ، وكما قيل : (الغريق يتشبّث بكل حشيش).

إنّ نزول القرآن في البيئة الجاهلية وتفوقه الإعجازي أمر واضح ، ولم يتوقف تفوقه حتى في عصرنا الحاضر حيث التقدم الذي حصل في مختلف مجالات التمدّن الإنساني ، والتأليفات المتعمقة التي عكست مدى قوّة الفكر البشري المعاصر.

٣٢٩

نعم ، فمع كل ما وصلت إليه البشرية من قوانين وأنظمة ما زال القرآن هو المتفوق وسيبقى.

وذكر سيد قطب في تفسيره : أنّ جمعا من الماديين في روسيا عند ما أرادوا الانتقاض من القرآن في مؤتمر المستشرقين المنعقد في سنة (1954 م) قالوا : إنّ هذا الكتاب لا يمكن أن ينتج من ذهن إنسان واحد «محمّد» بل يجب أن يكون حاصل سعي جمع كثير من الناس بما لا يصدق كونهم جميعا من جزيرة العرب ، وإنّما يقطع باشتراك جمع منهم من خارج الجزيرة(1) .

ولقد كانوا يبحثون ـ وفقا لمنطقهم الإلحادي ـ عن تفسير مادي لهذا الأمر من جهة، وما كانوا يعقلون أن القرآن نتاج إشراقة عقلية لإنسان يعيش في شبه الجزيرة العربية من جهة أخرى ، ممّا اضطرّهم لأن يطرحوا تفسيرا مضحكا وهو : اشتراك جمع كثير من الناس ـ في تأليف القرآن ـ من داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها!! على أنّ التاريخ ينفي ما ذهبوا إليه جملة وتفصيلا.

وعلى أيّة حال ، فالآية المباركة دليل الإعجاز القرآني من حيث اللفظ والمضمون ، فحلاوة القرآن وبلاغته وجاذبيته والتناسق الخاص في ألفاظه وعباراته ما يفوق قدرة أيّ إنسان. (قد كان لنا بحث مفصل في الإعجاز القرآني تناولناه في تفسير الآية (23) من سورة البقرة ـ فراجع).

وبلهجة المهدد المتوعّد يبيّن القرآن الكريم أنّ حقيقة هذه الاتهامات والانحرافات ناشئة من عدم انطباع الإيمان في نفوس هؤلاء ، فيقول :( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

لأنّهم غير لائقين للهداية ولا يناسبهم إلّا العذاب الإلهي ، لما باتوا عليه من التعصب والعناد والعداء للحق.

__________________

(1) في ضلال القرآن ، ج 5 ، ص 282.

٣٣٠

وفي آخر الآية يقول : إنّ الأشخاص الذين يتّهمون أولياء الله هم الكفار :( إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ ) ، فهم الكاذبون وليس أنت يا محمّد ، لأنهم مع ما جاءهم من آيات بينات وأدلة قاطعة واضحة ولكنّهم يستمرون في إطلاق الافتراءات والأكاذيب.

فأيّة أكاذيب أكبر من تلك التي تطلق على رجال الحق لتحول بينهم وبين المتعطشين للحقائق!

* * *

بحوث

1 ـ قبح الكذب في المنظور الإسلامي

الآية الأخيرة بحثت مسألة قبح الكذب بشكل عنيف ، وقد جعلت الكاذبين بدرجة الكافرين والمنكرين للآيات الإلهية.

ومع أنّ موضوع الآية هو الكذب والافتراء على الله والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا أنّ الآية تناولت قبح الكذب بصورة إجمالية.

ولأهمية هذا الموضوع فقد أعطت التعاليم الإسلامية إفاضات خاصّة لمسألة الصدق والنهي عن الكذب ، وإليكم نماذج مختصرة ومفهرسة لجوانب الموضوع :

الصدق والأمانة من علائم الإيمان وكمال الإنسان ، حتى أنّ دلالتهما على الإيمان أرقى من دلالة الصلاة.

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شيء قد اعتاده ولو تركه استوحش لذلك ، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته»(1) .

__________________

(1) سفينة البحار ، مادة (صدق) ، نقلا عن الكافي.

٣٣١

فذكر الصدق مع الأمانة لاشتراكهما في جذر واحد ، وما الصدق إلّا الأمانة في الحديث ، وما الأمانة إلّا الصدق في العمل.

2 ـ الكذب منشأ جميع الذنوب :

وقد اعتبرت الأحاديث الشريفة الكذب مفتاح الذنوب

فعن عليعليه‌السلام أنّه قال : «الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنّة»(1) .

وعن الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ اللهعزوجل جعل للبشر أقفالا ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شر من الشراب»(2) .

وعن الإمام العسكريعليه‌السلام أنّه قال : «جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب»(3) .

فالعلاقة بين الكذب وبقية الذنوب تتلخص في كون الكاذب لا يتمكن من الصدق، لأنّه سيكون موجبا لفضحه ، فتراه يتوسّل بالكذب عادة لتغطية آثار ذنوبه.

وبعبارة أخرى : إنّ الكذب يطلق العنان للإنسان للوقوع في الذنوب ، والصدق يحدّه.

وقد جسد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الحقيقة بكل وضوح عند ما جاءه رجل وقال له : يا رسول الله ، إنّي لا أصلي وأرتكب القبائح وأكذب ، فأيّها أترك أوّلا؟.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الكذب» ، فتعهد الرجل للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يكذب أبدا.

فلمّا خرج عرضت له نيّة منكر فقال في نفسه : إن سألني رسول الله غدا عن أمري، ما ذا أقول له! فإن أنكرت كان كاذبا ، وإن صدقت جرى عليّ الحد. وهكذا

__________________

(1) مشكاة الأنوار للطبرسي ، ص 157.

(2) أصول الكافي ، ج 2 ، ص 254.

(3) جامع السعادات ، ج 2 ، ص 233.

٣٣٢

ترك الكذب في جميع أفعاله القبيحة حتى تورّع عنها جميعا.

ولذا فترك الكذب طريق لترك الذنوب.

3 ـ الكذب منشأ للنفاق :

لأنّ الصدق يعني تطابق اللسان مع القلب ، في حين أنّ الكذب يعني عدم تطابق اللسان مع القلب ، وما النفاق إلّا الاختلاف بين الظاهر والباطن.

والآية (77) من سورة التوبة تبيّن لنا ذلك بوضوح :( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) .

4 ـ لا انسجام بين الكذب والإيمان :

وإضافة إلى الآية المباركة فثمة أحاديث كثيرة تعكس لنا هذه الحقيقة الجليّة

فقد روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل : يكون المؤمن جبانا؟ قال : «نعم» ، قيل:ويكون بخيلا؟ قال : «نعم» ، قيل : يكون كذّابا؟ قال : «لا»(1) .

ذلك لأنّ الكذب من علائم النفاق ، وهو لا يتفق مع الإيمان.

وبهذا المعنى نقل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه أشار لهذا المعنى واستدل عليه بالآية مورد البحث.

5 ـ الكذب يرفع الاطمئنان :

إنّ وجود الثقة والاطمئنان المتبادل من أهم ما يربط الناس فيما بينهم ، والكذب من الأمور المؤثرة في تفكيك هذه الرابطة لما يشبعه من خيانة وتقلب ،

__________________

(1) جامع السعادات ، ج 2 ، ص 322.

٣٣٣

ولذلك كان تأكيد الإسلام على أهمية الالتزام بالصدق وترك الكذب.

ومن خلال الأحاديث الشريفة نلمس بكل جلاء نهي الأئمّةعليهم‌السلام عن مصاحبة مجموعة معينة من الناس ، منهم الكذّابون لعدم الثقة بهم.

فعن عليعليه‌السلام أنّه قال : «إيّاك ومصادقة الكذّاب ، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعد عليك القريب»(1) .

والحديث عن قبح الكذب وفلسفته ، والأسباب الداعية إليه من الناحية النفسية ، وطرق مكافحته ، كل ذلك يحتاج إلى تفصيل طويل لا يمكن لبحثنا استيعابه ، ولمزيد من الاطلاع راجع كتب الأخلاق(2) .

* * *

__________________

(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، قم 37.

(2) راجع كتابنا (الحياة على ضوء الأخلاق).

٣٣٤

الآيات

( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) )

سبب النّزول

ذكر بعض المفسّرون في شأن نزول الآية الأولى من هذه الآيات أنّها : نزلت في جماعة أكرهوا ـ وهو : عمار وأبوه ياسر وأمّة سمية وصهيب وبلال وخبّاب ـ عذّبوا وقتل أبو عمار وأمّه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ، ثمّ أخبر سبحانه

٣٣٥

بذلك رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال قوم : كفر عمّار. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلا : «إنّ عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه دمه» وجاء عمّار إلى رسول الله وهو يبكي، فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما وراءك»؟ فقال : شرّ يا رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ، فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه ويقول : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» ، فنزلت الآية.

التّفسير

المرتدون عن الإسلام :

تكمل هذه الآيات ما شرعت به الآيات السابقة من الحديث عن المشركين والكفار وما كانوا يقومون به ، فتتناول الآيات فئة أخرى من الكفرة وهم المرتدون.

حيث تقول الآية الأولى :( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

وتشير الآية إلى نوعين من الذين كفروا بعد إيمانهم :

النوع الأوّل : هم الذين يقعون في قبضة العدو الغاشم ويتحملون أذاه وتعذيبه ، ولكنّهم لا يصبرون تحت ضغط ما يلاقوه من أعداء الإسلام ، فيعلنون براءتهم من الإسلام وولاءهم للكفر ، على أنّ ما يعلنوه لا يتعدى حركة اللسان ، وأمّا قلوبهم فتبقى ممتلئة بالإيمان.

فهذا النوع يكون مشمولا بالعفو الإلهي بلا ريب ، بل لم يصدر منهم ذنب ، لأنّهم قد ما رسوا التقية التي أحلها الإسلام لحفظ النفس وحفظ الطاقات للاستفادة منها في طريق خدمة دين اللهعزوجل .

النوع الثّاني : هم الذين يفتحون للكفر أبواب قلوبهم حقيقة ، ويغيّرون

٣٣٦

مسيرتهم ويتخلّون عن إيمانهم ، فهؤلاء يشملهم غضب اللهعزوجل وعذابه العظيم.

ويمكن أن يكون «غضب الله» إشارة إلى حرمانهم من الرحمة الإلهية والهداية في الحياة الدنيا ، و «العذاب العظيم» إشارة إلى عقابهم في الحياة الأخرى وعلى أيّة حال ، فما جاء في الآية من وعيد للمرتدين هو في غاية الشدة.

وتتطرق الآية التالية إلى أسباب ارتداد هؤلاء ، فتقول :( ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) الذين يصرّون على كفرهم وعنادهم.

وخلاصة المقال : حين أسلم هؤلاء تضررت مصالحهم المادية وتعرضت للخطر المؤقت، فندموا على إسلامهم لشدّة حبّهم لدنياهم ، وعادوا خاسئين إلى كفرهم.

وبديهي أن من لا يرغب في الإيمان ولا يسمح له بالدخول إلى أعماق نفسه ، لا تشمله الهداية الإلهية ، لأنّ الهداية تحتاج إلى مقدمات كالسعي للحصول على رضوانه سبحانه والجهاد في سبيله ، وهذا مصداق لقولهعزوجل في آخر سورة العنكبوت :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) .

وتأتي الآية الأخرى لتبيّن سبب عدم هدايتهم ، فتقول :( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ ) بحيث أنّهم حرموا من نعمة الرؤية والسمع وادراك الحقائق :( وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ) .

وكما قلنا سابقا فإنّ ارتكاب الذنوب وفعل القبائح يترك أثره السلبي على إدراك الإنسان للحقائق وعلى عقله ورؤيته السليمة ، وتدريجيا يسلب منه سلامة الفكر ، وكلما ازداد في غيه كلّما اشتدت حجب الغفلة على قلبه وسمعه وبصره ، حتى يؤول به المآل إلى أن يصبح ذا عين ولكن لا يرى بها ، وذا أذن وكأنّه لا يسمع

٣٣٧

بها ، وتغلق أبواب روحه من تقبّل أيّة حقيقة ، فيخسر الحس التشخيصي والقدرة على التمييز ، والتي تعتبر من النعم الإلهي العالية.

«الطبع» هنا : بمعنى «الختم» ، وهو إشارة إلى حالة الإحكام المطلق ، فلو أراد شخص مثلا أن يغلق صندوقا معينا بشكل محكم كي لا تصل إليه الأيدي فإنّه يقوم بربطه بالحبال وغيرها ، ومن ثمّ يقوم بوضع ختم من الشمع على باب الصندوق للاطمئنان من عبث العابثين.

ثمّ تعرض الآية التالية عاقبة أمرهم ، فتقول :( لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

وهل هناك من هو أتعس حالا من هذا الإنسان الذي خسر جميع طاقاته وامكاناته لنيل السعادة الدائمة بإتباعه هوى النفس.

وبعد ذكر الفئتين السابقتين ، أي الذين يتلفظون بكلمات الكفر وقلوبهم ملأى بالإيمان ، والذين ينقلبون إلى الكفر مرّة أخرى بكامل اختيارهم ورغبتهم ، فبعد ذلك تتطرق الآية التالية إلى فئة ثالثة وهم البسطاء المخدعون في دينهم ، فتقول :( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1) .

فالآية دليل واضح على قبول توبة المرتد ، ولكنّ الآية تشير إلى من كان مشركا في البداية ثم أسلم ، فعليه يكون المقصود به هو (المرتد الملّي) وليس (المرتد الفطري).(2)

وتأتي الآية الأخيرة لتقدم تذكيرا عاما بقولها :( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ

__________________

(1) ضمير «بعدها» ـ وكما يقول كثير من المفسرين ـ يعود إلى «الفتنة» ، في حين ذهب البعض من المفسرين إلى أنه يعود إلى الهجرة والجهاد والصبر المذكورة سابقا.

(2) المرتد الفطري : هو الذي يولد من أبوين مسلمين ثم يرتد عن الإسلام بعد قبوله إياه ، والمرتد الملي : يطلق على من انعقدت نطفته من أبوين غير مسلمين ثم قبل الإسلام ، وارتد عنه بعد ذلك.

٣٣٨

نَفْسِها ) (1) لتنقذها من العقاب والعذاب.

فالمذنبون أحيانا ينكرون ما ارتكبوه من ذنوب إنكارا تاما فرارا من الجزاء والعقاب ، والآية (23) من سورة الأنعام تنقل لنا قولهم :( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، وعند ما لا يلمسون أيّة فائدة لإنكارهم يتجهون بإلقاء اللوم على أئمتهم وقادتهم ، ويقولون :( رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ ) (2) .

ولكن لا فائدة من كل ذلك( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) .

* * *

بحثان

1 ـ التقية وفلسفتها :

امتاز المسلمون الأوائل الذين تربّوا على يد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بروح مقاومة عظيمة أمام أعدائهم ، وسجل لنا التأريخ صورا فريدة للصمود والتحدي ، وها هو «ياسر» لم يلن ولم يدخل حتى الغبطة الكاذبة على شفاه الأعداء ، وما تلفظ حتى بعبارة خالية من أيّ أثر على قلبه ممّا يطمخ الأعداء أن يسمعوها منه ، مع أنّ قلبه مملوءا ولاء وإيمانا بالله تعالى وحبّا وإخلاصا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصبر على حاله رغم مرارتها فنال شرف الشهادة ، ورحلت روحه الطاهرة إلى بارئها صابرة محتسبة تشكو إليه ظلم وجور أعداء دين الله.

وها هو ولدة «عمّار» الذي خرجت منه كلمة بين صفير الأسواط وشدّة الآلام تنم عن حالة الضعف ظاهرا ، وبالرغم من اطمئنانه بإيمانه وتصديقه لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا

__________________

(1) اختلاف القول بخصوص متعلق «يوم» جار بين المفسّرين فبعضهم يذهب إلى أنّه متعلق بفاعل مستتر والتقدير هو «ذكرهم يوم القيامة» ، واعتبره آخرون متعلقا بفعل الغفران والرحمة المأخوذان من «الغفور الرحيم» في الآية السابقة ، (ولكنّنا نرجح التّفسير الاحتمال الأوّل لشموله).

(2) الأعراف ، 38.

٣٣٩

أنّه اغتمّ كثيرا وارتعدت فرائصه حتى طمأنه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحلّيّة ما فعل به حفظا للنفس ، فهذا.

ويطالعنا تأريخ (بلال) عند ما اعتنق الإسلام راح يدعو له ويدافع عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشدّ عليه المشركون حتى أنّهم طرحوه أرضا تحت لهيب الشمس الحارقة ، وما اكتفوا بذلك حتى وضعوا صخرة كبيرة على صدره وهو بتلك الحال ، وطلبوا منه أن يكفر بالله ولكنّه أبى أن يستجيب لطلبهم وبقي يردد : أحد أحد ، ثمّ قال : أقسم بالله لو علمت قولا أشد عليكم من هذا لقلته.

ونقرأ في تاريخ (حبيب بن زيد) أنّه لما أسره مسيلمة الكذاب فقد سأله : هل تشهد أنّ محمّدا رسول الله؟

قال : نعم.

ثمّ سأله : أتشهد أنّي رسول الله؟

فأجابه ساخرا : إنّي لا أسمع ما تقول! فقطعوه إربا إربا(1) .

والتأريخ الإسلامي حافل بصور كهذه ، خصوصا تأريخ المسلمين الأوائل وتأريخ أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام .

ولهذا قال المحققون : إنّ ترك التقية وعدم التسليم للأعداء في حالات كهذه ، عمل جائز حتى لو أدى الأمر إلى الشهادة ، فالهدف سام وهو رفع لواء التوحيد وإعلاء كملة الإسلام ، وخاصة في بداية دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث كان لهذا الأمر أهمية خاصّة.

ومع هذا ، فالتقية جائزة في موارد ، وواجبة في موارد أخرى ، وخلافا لما يعتقده البعض فإنّ التقية (في مكانها المناسب) ليست علامة للضعف ، ولا هي مؤشر للخوف من تسلط الأعداء ، ولا هي تسليم لهم بقدر ما هي نوع من

__________________

(1) في ظلال القرآن ، ج 5 ، ص 284.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579