المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117302 / تحميل: 7175
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الصدق مَنجاة

ما أكثر الأفراد الذين التزموا الصدق، في المواقع الحرجة، والمآزق الشديدة؛ وكان ذلك سبب خلاصهم.

لا يجهل أحد، مدى الجرائم التي قام بها الحَجَّاج بن يوسف الثقفي، والدماء التي أراقها بغير حَقٍّ.

وفي يوم مِن الأيَّام، جيء بجماعة مِن أصحاب عبد الرحمان مأسورين، وكان قد صمَّم على قتلهم جميعاً، فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام، ثمَّ قال:

إنَّ لي عليك حَقَّاً! فأنقذني وفاءً لذلك الحَقَّ.

قال الحَجَّاج: وما هو؟

قال: كان عبد الرحمان يسبُّك في بعض الأيَّام، فقمت ودافعت عنك.

قال الحَجَّاج: ألك شهود؟

فقام أحد الأُسارى وأيَّد دعوى الرجل، فأطلقه الحَجَّاج، ثمَّ التفت إلى الشاهد، وقال له: ولماذا لم تُدافع عنِّي في ذلك المجلس؟

أجاب الشاهد - في أتمِّ صراحة ـ: لأنِّي كنت أكرهك.

فقال الحَجَّاج: أطلقوا سراحه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤١

احِفظ الله يَحفظك

خطب الحَجَّاج مَرَّة فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، فإنَّ الوقت لا ينتظرك، والرَّبَّ لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه، وزعموا أنَّه مجنون، وسألوه أنْ يُخلِّي سبيله، فقال: إنْ أقرَّ بالجنون خلَّيت سبيله.

فقيل له، فقال: مَعاذ الله، لا أزعم أنَّ الله ابتلاني، وقد عافاني.

فبلغ ذلك الحَجَّاج فعفا عنه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤٢

المَنطق السليم

بلغ المنصور الدوانيقي، أنَّ مَبْلغاً ضَخماً مِن أموال بني أُميَّة مُودعة عند رجل، فأمر الربيع بإحضاره.

يقول الربيع: فأحضرت الرجل، وأخذته إلى مجلس المنصور.

فقال له المنصور: بلغني أنَّ أموال بَني أُميَّة مودَعة عندك، ويجب أنْ تُسلِّمني إيَّاها بأجمعها.

فقال الرجل: هل الخليفة وارث الأُمويِّين؟!

فأجاب: كلاَّ.

فقال: هل الخليفة وصيُّ الأُمويِّين؟!

فقال المنصور: كلاَّ.

فقال الرجل: فكيف تُطالبني بأموال بَني أُميَّة؟!

فأطرق المنصور بُرهةً، ثمَّ قال: إنَّ الأُمويِّين ظلموا المسلمين، وانتهكوا حُقوقهم، وغصبوا أموال المسلمين وأودعوها في بيت المال.

فقال الرجل: إنَّ الأُمويِّين امتلكوا أموالاً كثيرة، كانت خاصَّة بهم، وعلى الخليفة أنْ يُقيم شاهداً عدلاً، على أنَّ الأموال التي في يدي لبَني أُميَّة، هي مِن الأموال التي غصبوها وابتزُّوها مِن غير حَقٍّ.

فكَّر المنصور ساعة، ثمَّ قال للربيع: إنَّ الرجل يصدق.

فابتسم بوجهه، وقال له: ألك حاجة؟!

قال الرجل: لي حاجتان:

٤٣

الأُولى: أنْ تأمر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت؛ حتَّى يهدأ اضطرابهم، ويذهب رَوعهم.

والثانية: أنْ تأمر بإحضار مَن أبلغك بهذا الخبر؛ فو الله، لا توجد عندي لبَني أُميَّة وديعة أصلاً، وعندما أُحضرت بين يدي الخليفة، وعلمت بالأمر، تصوَّرت أنِّي لو تكلَّمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل.

فأمر المنصور الربيع بإحضار المُخبِر.

وعندما حضر نظر إليه الرجل نظرة، ثمَّ قال: إنَّه عبدي سَرَق مِنِّي ثلاثة آلاف دينار وهرب.

فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام، وأيَّد الغلام كلام سيِّده في أتمِّ الخَجَل، وقال: إنِّي اختلقت هذه التُّهمة لأنجو مِن القَبض عليَّ.

هنا رَقَّ قلب المنصور لحال العبد، وطلب مِن سيِّده أنْ يعفو عنه، فقال الرجل: عفوت عنه، وسأُعطيه ثلاثة آلاف أُخرى، فتعجَّب المنصور مِن كرامة الرجل وعظمته.

وكلَّما ذُكِر اسمه كان يقول: لم أرَ مثل هذا الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٤

النبي أولى بالمسلمين مِن أنفسهم

وزَّع رسول الله غنائم حُنين - تبعاً لمصالح مُعيَّنة - على المُهاجرين فقط، ولم يُعط الأنصار سَهماً واحداً...

ولمَّا كان الأنصار قد بذلوا جهوداً عظيمة، في رُفعة لواء الإسلام، وخدمات جليلة في نُصرة هذا الدين؛ فقد غَضب بعضهم مِن هذا التصرُّف، وحملوه على التحقير والإهانة، فبلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر بأنْ يُجمع الأنصار في مكان ما، وأن لا يشترك معهم غيرهم في ذلك المجلس، ثمَّ حضر هو وعلي (عليهما السلام)، وجلسا في وسط الأنصار، ثمَّ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: (أُريد أنْ أسألكم عن بعض الأمور فأجيبوني عليها).

قال الأنصار: سَلْ، يا رسول الله.

قال لهم: (ألم تكونوا في ضَلال مُبين، وهداكم الله بيَّ؟).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (ألم تكونوا على شَفا حُفرة مِن الهلاك والنار، والله أنقذكم بيَّ؟).

قالوا: بلى.

قال: (ألم يكن بعضكم عدوَّ بعض، فألَّف الله بين قلوبكم على يديَّ؟).

قالوا: بلى.

فسكت لحظة، ثمَّ قال لهم: (لماذا لا تُجيبونني بأعمالكم؟).

قالوا: ما نقول؟!

قال: (أما لو شِئتم لقُلتم: وأنت قد جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنَّاك، وجئتنا مُكَذَّباً فصدَّقناك...).

هذه الكلمات الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أفهمت الأنصار

٤٥

أنه لا يُنكَر فضلهم، ولا يُنسى جهودهم، ولم يكن ما صدر منه تِجاههم صادراً عن احتقار أو إهانة...

ولذلك فقد أثَّر فيهم هذا الكلام تأثيراً بالغاً، وارتفعت أصواتهم بالبُكاء، ثمَّ قالوا له: هذه أموالنا بين يديك، فإنَّ شِئت فاقسمها على قومك، وبهذا أظهروا ندمهم على غضبهم واستغفروه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللَّهمَّ اغفر للأنصار، ولأبنا الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٦

الكريم يَسأل عن الكريم

في إحدى الغزوات، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُصلِّي في مُعسكره، فمَرَّ بالمُعسكر عِدَّة رجال مِن المسلمين، وتوقَّفوا ساعة، وسألوا بعض الصحابة عن حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوا له، ثمَّ اعتذروا مِن عدم تمكُّنهم مِن انتظار النبي حتَّى يفرغ مِن الصلاة فيُسلِّموا عليه؛ لأنَّهم كانوا على عَجلٍ، ومضوا إلى سبيلهم. فانفتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُغضباً، ثم قال لهم: (يقف عليكم الركب ويسألونكم عنِّي، ويُبلِّغوني السلام، ولا تعرضون عليهم الطعام!).

ثمَّ أخذ يتحدَّث عن جعفر الطيار، وعظمة نفسه، وكمال أدبه، واحترامه للآخرين... (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٧

مَن كانت أفعاله كريمة اتَّبعه الناس

ليست فضيلة احترام الناس، وتكريمهم في الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء، خاصَّة بالمسلمين فيما بينهم فقط، فإنَّ غير المسلمين أيضاً، كانوا ينالون هذا الاحترام والتكريم مِن المسلمين، فقد تصاحب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رجل ذِمِّيٍّ خارج الكوفة، في أيَّام حكومته، وكان الذِمِّيُّ لا يعرف الإمام، فقال له: أين تُريد يا عبد الله؟

قال الإمام علي (عليه السلام): (أُريد الكوفة).

ولمَّا وصلا إلى مُفترق الطُّرق المؤدِّية إلى الكوفة، توجَّه الذِّمِّيِّ إلى الطريق الذي يُريده، وانفصل عن الإمام (عليه السلام)... ولكنَّه لم يَخطُ أكثر مِن بِضع خُطوات، حتَّى شاهد أمراً عَدَّه غريباً؛ فقد رأى أنَّ صاحبه الذي كان قاصداً الكوفة، ترك طريقه وشايعه قليلاً. فسأله ألست تقصد الكوفة؟

قال الإمام: (بلى؟).

قال الذِّمِّيُّ: (ذلك هو الطريق المؤدِّي إلى الكوفة).

قال الإمام: (أعلم ذلك).

سأل الذِّمِّيُّ باستغراب: ولماذا تركت طريقك؟

قال الإمام (عليه السلام): (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة، أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هُنيَّهة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيِّنا).

قال الذِّمِّيُّ: هكذا أمر نبيُّكم؟!

قال الإمام: (أجلْ).

٤٨

قال الذِّمِّيُّ: لا جَرَمَ، أنَّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة.

ثمَّ ترك طريقه الذي كان يقصده، وتوجَّه مع الإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، وهما يتحدَّثان عن الإسلام وتعاليمه العظيمة، فأسلم الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٩

انزل عن مِنبر أبي!

زيد بن علي، عن أبيه: (إنَّ الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى عمر بن الخطاب، وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال: انزل عن مِنبر أبي، فبكى عمر، ثم قال: صدقت - يا بُني - مِنبر أبيك لا منبر أبي. وقام عليٌّ (عليه السلام).

وقال: ما هو - والله - عن رأيي.

قال: صدقت! والله، ما اتَّهمتك يا أبا الحسن).

هذا دليل على أنَّ عمر أيضاً، كان يعرف أنَّ الحسين ذو شخصيَّة مُمتازة، وله إرادة مُستقلَّة، وليس كلامه صادراً عن تلقين مِن أبيه، بل هو نِتاج فِكره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٠

يَفرُّ مَن أخطأ!

قصد المأمون بغداد بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وخرج يوماً للصيد، فمَرَّ في أثناء الطريق برَهط مِن الأطفال يلعبون، ومحمد بن علي الجواد (عليه السلام) معهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنة فما حوله... فلمَّا رآه الأطفال فرُّوا، بينما وقف الجواد (عليه السلام) في مكانه ولم يَفرَّ. مِمَّا أثار تَعجُّب المأمون؛ فسأله:

لماذا لم تلحق بالأطفال حين فرُّوا؟

ـ يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضِيقٌ لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظنِّي بك حَسنٌ أنَّك لا تضرب مَن لا ذنب له فوقفت.

تعجَّب المأمون مِن هذه الكلمات الحكيمة، والمنطق الموزون، والنبرات المُتَّزنة للطفل فسأله: ما اسمك؟

ـ محمد.

ـ محمد ابن مَن؟

ابن عليٍّ الرضا...

عند ذاك ترحَّم المأمون على الرضا (عليه السلام)، ثمَّ ذهب لشأنه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥١

رِفقاً بالحسين!

روي عن أُمِّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، مُرضعة الحسين (عليه السلام) أنَّها قالت: أخذ مِنِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً أيَّام رضاعه، فحمله فأراق شيئاً على ثوبه، فأخذتُه بعنف حتَّى بكى. فقال (صلى الله عليه وآله): (مَهلاً يا أُمَّ الفضل، إنَّ هذا مِمَّا يُطهِّره الماء، فأيُّ شيء يُزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟!) (1).

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٢

كرهت أنْ أُعجِّله!

دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صلاة، والحسن مُتعلِّق، فوضعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانبه وصلَّى، فلمَّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي مِن بين القوم، فإذا الحسن على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمَّا سلَّم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سَجدت في صلاتك هذه سَجدةً ما كنت تسجدها! كأنَّما يوحى إليك؟!

فقال: (لم يوحَ إليَّ، ولكنَّ ابني كان على كتفي، فكرهت أنْ أُعجِّله حتَّى نزل).

هذا العمل مِن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه ولده الصغير، أمام ملأٍ مِن الناس، نموذج بارز مِن سلوكه في تكريم الطفل.

إنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل أقصى ما يُمكن مِن احترام الطفل، في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفيَّة بناء الشخصيَّة عند الطفل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٣

تكريم الطفل

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال: (صلَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر، فخفَّف في الرَّكعتين الأخيرتين.

فلمَّا انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟!

قال: وما ذاك؟

قالوا: خفَّفت في الرَّكعتين الأخيرتين.

فقال لهم: أما سمعتم صُراخ الصبي؟!).

هكذا نجد النبي العظيم، يُطيل في سجدته تكريماً للطفل تارة، ويُخفِّف في صلاته تكريماً للطفل أيضاً تارة أُخرى، وهو في كلتا الحالتين، يُريد التأكيد في احترام شخصيَّة الصبي، وتعليم المسلمين طريق ذلك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٤

هلاَّ ساويتَ بينهما؟!

نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (فهلاَّ ساويت بينهما!).

وفي حديث آخر: (اعدلوا بين أولادكم، كما تُحبُّون أنْ يعدلوا بينكم).

إنَّ الأمل الوحيد للطفل، ومبعث فرحه ونشاطه، هو عطف الوالدين وحنانهما، ولا يوجد عامل يُهدِّئ خاطر الطفل، ويبعث فيه الاطمئنان والسكينة، مِثل عَطف الوالدين، كما لا يوجد عامل يبعث فيه القَلق والاضطراب، مِثل فُقدان جزء مِن حَنان الوالدين أو جميعه.

إنَّ حسد الولد تِجاه أخيه الصغير، الذي وِلد حديثاً لا غرابة فيه؛ لأنَّه يشعر بأنَّ قِسماً مِن العناية، التي كانت مُخصَّصة له، قد سُلِبت منه، والآن لا يُستأثر باهتمام الوالدين. بلْ إنَّ الحُبَّ والحنان يجب أنْ يتوزَّع عليه وعلى أخيه الأصغر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٥

التصابي مع الصبي

عن يعلى العامري: أنَّه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طعام دُعي إليه، فإذا هو بحسين (عليه السلام) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) أمام القوم، ثمَّ بسط يديه، فطفر الصبي ههنا مَرَّة وههنا مَرَّة أُخرى، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُضاحكه حتَّى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذِقنه، والأُخرى تحت قَفاه، ووضع فاه على فيه وقبَّله.

إنَّ نبيَّ الإسلام العظيم، يُعامل سِبطه بهذه المُعاملة أمام الناس؛ لكي يُرشد الناس إلى ضرورة إدخال السرور على قلوب الأطفال، وأهميَّة اللعب معهم، فضلاً عن قيامه بواجب تربوي عظيم (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٦

أو ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله الرسول؟!

عن أبي رافع، قال: كنت أُلاعب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو صبيٌّ بالمَداحي، فإذا أصابت مِدحاتي مِدحاته؛ قلت احملني فيقول: (ويحَك! أتركب ظهراً حمله رسول الله؟!)، فأتركه.

فإذا أصابت مُدحاته مُدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني!

فيقول: (أوَ ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!)، فأحمله.

مِن هذا الحديث يظهر جليَّاً إباء الحسن (عليه السلام)، وعِزَّة نفسه، وعُظم شخصيَّته.

إنَّ الطفل الذي يُربيه الإسلام في حِجره، ويُحيي شخصيَّته النفسيَّة، يعتقد بسموِّ مقامه، ولا يرضى التكلُّم بذلَّة وحقارة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٧

وا حيائي مِنك يا أمير المؤمنين!

رأى الإمام علي (عليه السلام) امرأة في بعض الطُّرقات، تحمل قِربة مِن الماء، فتقدَّم لمُساعدتها، وأخذ القِربة وأوصلها إلى حيث تُريد، وفي الطريق سألها عن حالها، فقالت: إنَّ عليَّاً أرسل زوجي إلى إحدى النواحي فقُتِل، وقد خلَّف لي عِدَّة أطفال، لا أقدر على إعالتهم؛ فاضطررت للخدمة في بعض البيوت. فرجع عليٌّ (عليه السلام) وأمضى تلك الليلة في مُنتهى الانكسار والاضطراب، وعند الصباح حمل جِراباً مَملوءاً بالطعام، واتَّجه إلى دار تلك المرأة. وفي الطريق كان بعض الأشخاص يطلبون منه أنْ يَحمل عنه الجراب فيقول لهم: (مَن يحمل عني أوزاري يوم القيامة؟).

وصل إلى الدار، وطرق الباب، فقالت المرأة: مَن الطارق؟

قال: (الرجل الذي أعانك في الأمس على حمل القِربة. لقد جئتك ببعض الطعام لأطفالك).

فتحت الباب وقالت: رضي الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب!

فقال لها: (أتخبزين أم تُسكِّتين الأطفال فأخبز؟).

قالت: أنا أقدر على الخبز، فقُم أنت بتسكيت الأطفال.

أخذتْ المرأة تعجن الدقيق، وأخذ عليٌّ (عليه السلام) يخلط اللَّحم بالتمر، ويُطعم الأطفال منه، وكلَّما ألقم طفلاً لقمة قال له برفق ولين: (يا بُني، اجعل علي بن أبي طالب في حِلٍّ).

ولمَّا اختمر العجين، أوقد عليٌّ (عليه السلام) التنور، وفي الأثناء دخلت امرأة تعرفه، وما أنْ رأته حتَّى صاحت بصاحبة الدار ويحَك! هذا أمير المؤمنين!

فبادرته المرأة، وهي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين!

فقال: بلْ وا حيائي منكِ - يا أمة الله - فيما قصَّرت مِن أمرك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٨

لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصِّبيان

ورد في الحديث: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُصلِّي يوماً في فِئة، والحسين صغير بالقُرب منه، فكان النبي إذا سجد جاء الحسين (عليه السلام) فركب ظهره، ثمَّ حرَّك رجليه فقال: (حَلٍ، حَلٍ!).

فإذا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنْ يرفع رأسه، أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد إلى ظهره، وقال: (حَلٍ، حَلٍ!)، فلم يزل يفعل ذلك حتَّى فرغ النبي مِن صلاته.

فقال يهودي: يا محمد، إنَّكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان).

قال: فإنِّي أؤمن بالله وبرسوله؛ فأسلم لمَّا رأى كرمه مع عظيم قدره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٩

أين الدُّرُّ والذهب مِن سورة الفاتحة؟

كان عبد الرحمان السلمي، يُعلِّم وَلداً للإمام الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فعندما قرأ الطفل السورة كاملة أمام والده مَلأ الإمام فمَ مُعلِّمه دُّرَّاً، بعد أنْ أعطاه نقوداً وهدايا أُخَر. فقيل له في ذلك!

فقال (عليه السلام): (وأين يقع هذا مِن عطائه)، يعني: تعليمه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الخامس: الاضحية، وهي مستحبة، ووقتها ب‍ " منى " يوم النحر وثلاثة بعده، وفي الامصار يوم النحر ويومان بعده.ويكره أن يخرج من اضحيته شيئا عن " منى " ولا بأس بالسنام، ومما يضحيه غيره.ويجزئ هدي التمتع عن الاضحية.والجمع أفضل.ومن لم يجد الاضحية تصدق بثمنها.فان اختلف أثمانها جمع الاول والثاني والثالث وتصدق بثلثها.ويكره التضحية بما يربيه، وأخذ شئ من جلودها.واعطاؤها الجزار.وأما الحلق: فالحاج مخير بينه وبين التقصير، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر، والحلق افضل.والتقصير متعين على المرأة، ويجزئ ولو قدر الانملة.والمحل ب‍ " منى " ولو رحل قبله عاد للحلق او التقصير.ولو تعذر حلق أو قصر حيث كان وجوبا.وبعث بشعره إلى " منى " ليدفن بها استحبابا.ومن ليس على رأسه شعر، ويجزيه امرار الموسى.واجد الثمن كواجد الهدي، كما في العتق، ووقته باق وهو ذوالحجة، والاستدراك فيه ممكن، ولرواية حريز وغيرها(١) .

(ب) التخيير، وهو قول أبي علي، وحكايته: لو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر وسط ما وجد به في سنة هدي، فيتصدق به بدلا منه، وبين أن يصوم، وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكة يذبح عنه ألى آخر ذي الحجة، فان لم يجد ذلك أخره ألى قابل أيام النحر(٢) .

قال طاب ثراه: وأما الحلق فان الحاج مخير بينه وبين التقصير، والحلق افضل، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر.

____________________

(١) التهذيب: ج ٢(٤) باب ضروب الحج ص ٣٧ الحديث ٣٨ و ٣٩.

(٢) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٤ س ١١ قال: وقال ابن الجنيد: ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر الخ.

٢٠١

والبدء برمي جمرة العقبة، ثم بالذبح، ثم بالحلق، واجب.فلو خالف أثم ولم يعد.ولا يزور البيت لطواف الحج الا بعد الحلق أو التقصير.فلو طاف قبل ذلك عامدا لزمه دم شاة.ولو كان ناسيا لم يلزمه شئ وأعاد طوافه.ويحل من كل شئ عند فراغ مناسكه ب‍ " منى " عدا الطيب والنساء والصيد، فاذا طاف لحجه حل له الطيب، واذا طاف طواف النساء حللن له.ويكره المخيط حتى يطوف للحج، والطيب حتى يطوف طواف النساء.ثم يمضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه، أو من الغد.ويتأكد في جانب المتمتع، ولو أخر أثم وموسع للمفرد والقارن طول ذي الحجة على كراهية.ويستحب له اذا دخل مكة الغسل، وتقليم الاظفار، وأخذ الشارب، والدعاء عند باب المسجد.

أقول: التخيير مذهب ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) واحد قولي

____________________

(١) السرائر: باب الحلق والتقصير ص ١٤١ س ٣٦ قال: وهو مخير بين الحلق والتقصير سواء كان صرورة أو لم يكن الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف كتاب الحج ص ١٣٧ قال: المصلب الثاث في الحلق، مسألة الحلق أفضل من التقصير مطلقا

٢٠٢

الشيخ(١) لقوله تعالى (محلقين رؤسكم ومقصرين)(٢) وليس المراد به الجمع قطعا، بل اما التخيير او التفصيل، والثاني يلزم منه الاجمال، وهو مرجوع، فتعين الاول، ولصحيحة حريز(٣) .والتفصيل - وهو وجوب الحلق على الملبد والصرورة، وإجزاء التقصير لغيرهما أحد قولي الشيخ(٤) وأبي علي(٥) .والمراد بالصرورة من لم يحج حجة الاسلام.وبالملبد الذي يجعل في رأسه الصمغ العسل ليقتل القمل.والحق به أبوعلي من كان شعره مظفورا أو مقصوصا(٦) من الرجال(٧) وقال الحسن: ومن لبد شعره او عقصه فعليه الحلق(٨) ولم يذكر الصرورة وعكس المفيد فقال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق(٩) ولم يذكر الملبد.

____________________

(١) الجمل والعقود: ص ٧٦ س ٦ قال: وأما اللحق فمستحب للصروة، غير الصرورة يجزيه التقصير والحلق افضل.

(٢) الفتح: ٢٧.

(٣) التهذيب: ج ٥(١٧) باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق وفي المبسوط: ج ١ ص ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ

(٤) النهاية: باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق، وفي المبسوط: ج ١ س ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٧ س ٣٧ قال: وقال ابن الجنيد: ولا يجزي الصرورة ومن كان غير صرورة لبد الشعر أو مظفورا أو معقوصا من الرجال غير الحلق.

(٦) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشدة ومنه الحديث: رجل صلى معقوص الشعر، قال: يعيد (مجمع البحرين لغة عقص).

(٧) تقدم آنفا.

(٨) المختلف: كتاب الحج، المطلب الثالث في الحلق ص ١٣٧ س ٣٨ قال: وقال ابن أبي عقيل: ويحلق رأسه بعد الذبح إلى أن قال: ومن لبد رأسه واعقصه فعليه الحق واجب.

(٩) المقنعة: باب الحلق ص ٦٦ س ٦ قال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق الخ.

٢٠٣

القول في الطواف والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة.وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، والختان في الرجل.ويستحب مضغ الاذخر قبل دخول مكة، ودخولها من أعلاها حافيا على سكينة ووقار، مغتسلا من بئر ميمون، أو فخ.ولو تعذر اغتسل بعد الدخول.والدخول من باب بني شيبة.والدعاء عنده.وأما الكيفية: فواجبها النية.والبداء‌ة بالحجر.والختم به.والطواف على اليسار.وإدخال الحجر في الطواف.وأن يطوف سبعا.ويكون بين المقام والبيت.ويصلي ركعتين في المقام، فان منعه زحام مصلى حياله.ويصلي النافلة حيث شاء من المسجد.ولو نسيهما رجع فأتى بهما فيه، ولو شق صلاهما حيث ذكر.ولو مات قضى عنه الولي.والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.ومكروه في النافلة.ولوزاد سهوا أكملها اسبوعين، وصلي ركعتي الواجب منهما قبل السعي.وركعتي الزيادة بعده، ويعيد من طاف في ثوب نجس، ولا يعيد لو لم يعلم.ولو علم في أثناء الطواف أزاله وأتم.ويصلي ركعتيه في كل وقت مالم يتضيق وقت حاضرة.قال طاب ثراه: والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.أقول: معنى القران في الطواف، أن يقرن بين طوافين، بان لايفصل بينهما بصلاة.

٢٠٤

ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف أتم.ولو رجع إلى أهله استناب.ولو كان دون ذلك إستأنف.وكذا من قطع الطواف لحدث أو لحاجة.ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة صلى، ثم أتم طوافه، ولو كان دون الاربع، وكذا للوتر.ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يطف استأنف الطواف، ثم استأنف السعي.ولو ذكر أنه طاف ولم يتم مقطع السعي وأتم الطواف ثم تمم السعي.ومندوبه: الوقوف عند الحجر، والدعاء، واستلامه، وتقبيله.فان لم يقدر أشار بيده.ولو كانت مقطوعة فبموضع القطع.ولو لم يكن له يد أشار.وأن يقتصد في مشيه.ويذكر الله سبحانه في طوافه.ويلزم وهل هذا محرم في الطواف الواجب، أو مكروه؟ بالاول قال الشيخ(١) والمصنف في كتابيه(٢) وهو أشهر في الروايات(٣) وبالثاني قال ابن ادريس(٤) للاصل، ولصحيحة زرارة(٥) .

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت، ص ٢٣٨ س ١٠ قال: ولا يجوز أن يقرق بين طوافين في فريضة.

(٢) الشرايع: في كيفية الطواف، مسائل ست الاولى، الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الاظهر.ولا حظ ايضا عبارة المختصر النافع.

(٣) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف، ص ١١٥ الحديث ٤٦ ٤٧ ٤٨).

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٤ س ٣٤ قال: ولا يجوز أن يفرق بين الطوافين في فريضة ولا بأس بذلك في النوافل، ذلك على جهة تغليظ الكراهية في الفرائض دون الخطر وفساد الطواف وان كان قد ورد لا يجوز بين طوافين في الفريضة، فان الشئ اذا كان شديد الكراهة قبل لا يجوز ويعرف ذلك بقرائن الخ.

(٥) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١١٥ الحديث ٤٤

٢٠٥

المستجار، وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة.ويبسط يديه وخده على حائطه.ويلصق بطنه به، ويذكر ذنوبه.ولو جاوز المستجار رجع والتزم.وكذا يستلم الاركان.وآكدها ركن الحجر، واليماني.ويتطوع بثلاثمائة وستين طوافا.فان لم يتمكن جعل العدة أشواطا.ويقرأ في ركعتي الطواف ب‍ (الحمد) و (الصمد) في الاولى، وب‍ (الحمد) و (الجحد) في الثانية ويكره الكلام فيه بغير الدعاء والقراء‌ة.وأما احكامه فثمانية: الاول: الطواف ركن، ولو تركه عامدا بطل حجة.ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استناب فيه، وفي رواية: لو كان على وجه جهاله أعاد وعليه بدنة.

قال طاب ثراه: الطواف ركن فلو(١) تركه عامدا بطل حجه، ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استتاب فيه، وفي رواية إن كان على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة.

أقول: الفرق بين الركن والفعل في الحج انه اذا ترك ركنا ناسيا وجب أن يعود له بنفسه، فان تعذر استناب، وفسر التعذر هنا بمعنيين: احدهما المشقة الكثيرة، والثاني تعذر الاستطاعة المعهودة.والفعل اذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه وان تمكن من العود.وترك الركن عمدا يبطل، وترك الفعل عمدا لا يبطل اذا لم يترتب عليه غيره من الاركان، فيبطل الحج حينئذ من حيث ترك الركن، لان فعل الركن المترتب

____________________

(١) فان تركه فلو تركه ولو تركه خ ل

٢٠٦

الثاني: من شك في عدده بعد الانصراف، فلا إعادة عليه.ولو كان في أثنائه وكان بين السبعة وما زاد قطع ولا إعادة عليه.ولو كان في النقيصة أعاد في الفريضة وبنى على الاقل في النافلة.ولو تجاوز الحجر في الثامن وذكر قبل بلوغ الركن، قطع ولم يعد.

الثالث: لو ذكر انه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة وصلاته.ولا يعيد طواف النافلة ويعيد صلاته استحبابا.على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا كلا فعله.وإن لم يترتب على الفعل المتروك ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار وطواف النساء، لكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه.ولو كان الترك نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا، ويحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.اذا عرفت هذا، فاذا ترك الطواف عامدا بطل حجه لما قلناه، وفي رواية علي بن يقطين الصحيحة: إن كان تركه على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة(١) وهي التي أشار اليها المصنف بقوله (وفي رواية) ولعل وجه ايجاب البدنة عليه، عقوبة له، وان كان ينقدح ضعيفا انه لا شئ عليه، لانه اذا لم يعرف وجوب الطواف يكون نسكه باطلا من رأس فلا يتعلق به كفارة، اذ الكفارة انما يجب بترك الطواف في نسك صحيح شرعي، ولهذا الاحتمال لم يجزم المصنف بل قال: (وفي رواية).وعلى القول بوجوب البدنة هنا، هل يجب على تاركه عمدا مع العلم؟ فيه احتمالان: منشأهما كونه أولى بالعقوبة، ومن عدم النص.

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٢٧ الحديث ٩٢.

٢٠٧

ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به، ومع التعذر يستنيب فيه وفي الكفارة تردد، أشبهه: انها لا تجب الا مع الذكر ولو نسي طواف النساء استناب.ولو مات قضاه الولي.

الرابع: من طاف الافضل له تعجيل السعي، ولا يجوز تأخيره إلى غده.

الخامس: لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوف وقضاء المناسك الا لامرأة تخاف الحيض أو مريض اوهم.وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما: الجواز ويجوز للقارن قال طاب ثراه: ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به.ومع التعذر يستنيب فيه.وفي الكفارة تردد، أشبهه انها لا تجب الا مع الذكر.

أقول: أما وجوب العود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة چالعود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة فمذهب الشيخ(١) لعموم حسنة معاوية، وصحيحة العيص(٢) وقال ابن ادريس: لا تجب الكفارة الا على من واقع بعد الذكر(٣) لانه في حكم الناسي، واختاره المصنف(٤) العلامة(٥) والشهيد(٦) .

قال طاب ثراه: وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما الجواز.

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٠ س ١٣ قال: ومن نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع اهله يجب عليه بدنة والرجوع إلى مكة وقضاء طواف الزيارة.

(٢) التهذيب: ج ٥(٢٥) باب الكفارة عن خطأ لمحرم ص ٣٢١ الحديث ١٧ و ١٨ ولاحظ ايضا.

عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٨.

(٣) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٢ قال: ١٣٥ س ١٢ قال: ومن نسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاظهر انه لا شئ عليه.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٢٢ س ١٧ قال: مسألة لونسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاقرب عدم وجوب اللكفارة.

(٦) الدروس: كتاب الحج ص ١١٦ س ٨ قال: درس في أحكامه إلى أن قال: والظاهر أن الهدي ندب.

٢٠٨

والمفرد تقديم الطواف اختيارا.ولا يجوز تقديم طواف النساء لمتمتع ولا غيره، ويجوز مع الضرورة والخوف من الحيض.ولا يقدم على السعي.ولو قدمه عليه ساهيا لم يعد.

السادس: قيل: لا يجوز الطواف وعليه برطلة.والكراهية أشبه ما لم يكن الستر محرما.

السابع: كل محرم يلزمه طواف النساء رجلا كان، أو إمرأة، أو صبيا.أو خصيا، إلا في العمرة المتمتع بها.

أقول: منع ابن ادريس من تقديم الطوافين مع الضرورة(١) واجازه الباقون، للاصل، وللروايات عموما وخصوصا(٢) .

قال طاب ثراه: قيل لا يجوز الطواف وعليه برطلة، والكراهية أشبه مالم يكن الستر محرما محرما.

أقول: بالتحريم قال في النهاية(٣) وبالكراهية قال في التهذيب(٤) و قال ابن ادريس: انه مكروه في طواف الحج محرم في طواف العمرة(٥) قال العلامة: وهو

____________________

(١) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٨ قال والمتمتع اذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى الا أن يأتي منى الخ.

(٢) الكافي: ج ٤ باب تقديم الطواف الحج للمتمتع قبل الخروج إلى منى ص ٤٥٧ الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٣) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٣٤٢ س ٣ قال: ولا يجوز للرجل ان يطوف وعليه برطله.

(٤) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ قال: ويكره للرجل أن يطوف وعليه برطلة، روى ذلك الخ.

(٥) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٧ قال: وقد روي انه لا يجوز للرجل ان يطوف عليه برطله الخ.

٢٠٩

الوجه، لانه في طواف العمرة يكون قد غطى رأسه وهو محرم، وفي طواف الحج يجوز له تغطية رأسه، فلا وجه للتحريم(١) .

قلت: وهذا الحكم غيرخاص بالبرطلة، بل هو سار في كل تغطية، لنصهم على تحريم تغطية الرأس في العمرة، وكراهية المخيط للحاج حتى يطوف للحج، كما يكره الطيب حتى يطوف للنساء فأي فائدة في تخصيص البرطلة بالنهي في الخبر(٢) ، واختلاف الاصحاب اذا كانت مندرجة الساتر.وايضا فان طوافا لا يكون جزء من حج ولا عمرة، لا يعلم حكمه في البرطلة كالطواف المبتدأ تطوعا، وذلك أمر مندوب اليه ومرغب فيه، وتمس الحاحة إلى معرفة حكمه، خصوصا مع تأكد الامر به حيث كان أفضل من الصلاة للمجاور(٣) وقالعليه‌السلام : استكثروا من الطواف فانه أقل شئ يوجد في صحائفكم يوم القيامة(٤) .ويلزم من تخصيص النهى بالنسكين أن يكون مباحا في غيرهما، لقولهعليه‌السلام : كل شئ مطلق(٥) وقالعليه‌السلام : اسكتوا عما سكت الله(٦) .والاقرب ان هذا حكم خاص بالبرطلة، وطواف العمرة خارج عن هذا البحث، ويبقى الخلاف في طواف الحج ويكون على الكراهية الموكدة، أو في مطلق

____________________

(١) المختلف: كتاب الحج ص ١١٩ س ٦ قال: لنا انه في طواف العمرة الخ.

(٢) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ٤ الحديث ١١٤ و ١١٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٢(٦٢) باب فضائل الحج ص الحديث ١٧ قال: ومن أقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة الحديث وفي حديث ١٨ قال: وروي أن الطواف لغير اهل مكة أفضل من الصلاة الحديث.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ١(٤٥) باب وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها ص ٢٠٨ الحديث ٢٢.

(٦) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٦ الحديث ٦١.

٢١٠

الثامن: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في إمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد، لانه لا يتعبد بصورة النذر.الطواف وان لم يكن في نسك، وذلك لما في لبسها من التشبه باليهود، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم في كثير من الاحكام، ولهذا كره لبس السواد لانه لباس فرعون، ومثل ذلك كثير، روى الحسين بن سعيد عن صفوان عن يزيد بن خليفة قال: رآني أبوعبداللهعليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعلي برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة، فلا تلبسها حول الكعبة فانها من زى اليهود(١) .

قال طاب ثراه: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في أمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد لانه لا يتعبد بصورة النذر.

أقول: في المسألة ثلاثة أقوال:

(أ) وجوب طوافين على هذا الناذر، طواف ليديه، وطواف لرجليه، وهو مذهب الشيخ(٢) محتجا بما رواه السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربعة، قال: تطوف اسبوعا ليدبها واسبوعا لرجليها(٣) .

(ب) بطلان النذر من رأس، لانه لم يتعبد بصورته، فكانه نذر هيئة غير مشروعة، فكان النذر باطلا، وهو قول ابن ادريس(٤) واختاره العلامة(٥) .

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ الحديث ١١٥.

(٢) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٢ س ٦ قال: ومن نذر أن يطوف على أربع كان عليه طوافان الخ.

(٣) التهذيب: ج (٥) باب الطواف ص ١٣٥ الحديث ١١٨

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٩ قال: وقد روي انه من نذر أن يطوف على أربع إلى أن قال: والاول عندى أن نذره لا ينعقد الخ.

(٥) المختلف: الفصل الثاني في الطواف ص ١١٨ ص ٣٢ قال: مسألة قال الشيخ: من نذر (يطوف على أربع إلى قال بعد نقل ابن ادريس: وهو المعتمد.

٢١١

القول في السعي والنظر في مقدمته، وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة فمندوبات عشرة: الطهارة.واستلام الحجر، والشرب من زمزم، والاغتسال من الدلو المقابل للحجر، والخروج من باب الصفا.وصعود الصفا، واستقبال ركن الحجر، والتكبير، والتهليل سبعا، والدعاء بالمأثور.وأما الكيفية ففيها الواجب والندب.فالواجب أربعة: النية، والبدأة بالصفا.والختم بالمروة.والسعي سبعا.يعد ذهابه شوطا وعوده آخر.

والمندوبات اربعة أشياء: المشي طرفيه، والاسراع ما بين النارة إلى زقاق العطارين ولو نسي الهرولة رجع القهقرى وتدارك.والدعاء، وأن يسعى ما شيا، ويجوز الجلوس في خلاله للراحة.وأما الاحكام فاربعة:

الاول: السعي ركن يبطل الحج بتركه عمدا. لا يبطل سهوا ويعود لتداركه، فان تعذر العود استناب فيه.

الثاني: يبطل السعي بالزيادة عمدا، ولا يبطل بالزيادة سهوا.ومن (ج) انعقاد النذر، ويجب طوافان إن كان الناذر إمرأة، وقوفا على صورة النص، وبطلانه ان كان رجلا.

٢١٢

تيقن عدد الاشواط وشك فيما بدأ به، فان كان في المفرد على الصفا أعاد، ولو كان على المروة لم يعد، وبالعكس لو كان سعيه زوجا، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو تيقن النقصان أتى به.

الثالث: لو قطع سعيه لصلاة أو لحاجة، أو لتدارك ركعتي الطواف، أو غير ذلك، أتم ولو كان شوطا.

الرابع: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله، أو قلم أظفاره ثم ذكر انه نسي شوطا أتم.

وفي الروايات: يلزمه دم بقرة قال طاب ثراه: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله أو قلم أظفاره، ثم ذكر انه نسي شوطا أتم، وفي الروايات يلزمه دم بقرة.

أقول: روى عبدالله بن مسكان (في الموثق) قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط، وهو يظن انما سبعة، فيذكر بعدما أحل وواقع انه إنما طاف ستة أشواط، فقال: عليه دم بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر(١) وروى سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله وهويرى انه قد فرغ منه فقلم أظافره وأحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال: ان كان يحفظ انه سعى ستة أشواط، فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: دم بقرة(٢) وهذا مذهب المفيد(٣) وأحد قولي الشيخ(٤) وفتوى العلامة(٥) وفخر المحققين(٦)

____________________

(١) التهذيب ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٣٠

(٢) التهذيب: ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٢٩.

(٣) المقنعة: باب الكفارات ص ٦٨ س قال: واذا سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط إلى أن قال: فقصر وجامع وجب عليه دم بقرة الخ.

(٤) النهاية: باب السعي بين الصفا والمروة ص ٢٤٥ س ٨ قال: وان واقع أهله اتمامه السعي وجب عليه بقرة الخ.

(٥) و(٦) قال: في القواعد: في أحكام السعي، ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة فاحل وواقع ثم ذكر النقص أتمة وكفر ببقرد، وقال في ايضاح الفوائد بعد نقل رواية ابن مسكان: واعلم أن هذا هو الاقوى عندي (ايضاح الفوائد: ج ١ ص ٣٠٣).

٢١٣

والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية: لا دم عليه للاصل(١) ولا بن ادريس مثل القولين(٢) .واعلم أن المراد بالسعي هنا، سعي عمرة التمتع على ما تضمنه رواية سعيد وصرح به العلامة في قواعده(٣) فالحج لايتأتى فيه ذلك، لحلقه قبل السعي بمنى، فلا يحرم عليه القلم.والعمرة المفردة لم يرد النص فيها بشئ، فينبغى أن يرجع فيها إلى القواعد المقررة.ولا شك أن مواطن التحلل فيها ايتان الحلق أو التقصير بعد السعي ويحل به ما عدا النساء، وطواف النساء بعده، ويحللن به، فاذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعه كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي هنا، وإن كان بعد تقليمه، فان كان لظفر واحد فمد، وفي الظفرين مدان، وفي الثلاثة ثلاثة، وهكذا إلى اظفار يديه أجمع، ففيها شاة، وإن كان مع أظفار رجليه واتحد المجلس، فكذلك، والا فشاتان.واما عمرة التمتع فاختصت بالنص على وجوب البقرة، فقد خالفت القواعد الموطدة والاصول الممهدة من أربعة أوجه:

(أ) عدم اعذار الناسي، وهو خلاف الحديث المشهور، وخلاف نصهم: تسقط

____________________

(١) النهاية: باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله عمدا أو خطأ ص ٢٣١ س ٧ قال: وإن كان قد انصرف من السعى ظنا منه انه تممه ثم حامع لم يلزمه الكفارة الخ واعلم أني احتملت مشقة شديدة لوجدان هذه الفتوى من الشيخقدس‌سره ، وبعد المراجعة ب‍ (الجوامع الفقهيه): وجدت أن حرف (لم) أسقط من كتاب النهاية المطبوعة في بيروت ففيه (ثم جامع يلزمه الكفارة) فتفطن لذلك.

(٢) السرائر: باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٢٩ س ٢٣ وص ١٣٦ س ٢٧ فلا حظ.

(٣) القواعد: كتاب الحج، الفصل الثالث في السعي، المطلب الثاني في أحكامه، قال: ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة الخ

٢١٤

القول في أحكام منى

بعد العود يجب المبيت ب‍ " منى " ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ولو بات بغيرها كان عليه شاتان إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة.ولو الكفارة عن الناسي والجاهل الا في الصيد.

(ب) وجوب البقرة في تقليم الاظفار، والواجب شاة في مجموع الاظفار، ولو قلم عامدا قبل السعي رأسا لما وجب عليه سوى الشاة ردا إلى الاصل السالم عن معارضة النص على خلافه، مع ان قوله (فقلم اظافيره) صادق على ثلاثة اظفار، وفيها ثلاثة أمداد بالاجماع قبل السعي مع التعمد، وفي صورة النزاع يجب فيها البقرة لشمول النص.ويحتمل قويا عدم تعلق الحكم الا بتقليم الاظفار أجمع، لان المضاف من ألفاظ العموم، فيفيد الاستغراق، نعم يكفي أظفار اليدين عن أظفار الرجلين، وبالعكس، لان الشارع أقام أحدهما مقامهما مع اتحاد المجلس.

وقال العلامة في التذكرة: ولو ظن إتمامه فجامع أو قلم فعليه بقرة(١) ولم يحك خلافا، والقلم يصدق بالظفر الواحد، ويجوز أن يريد به الجميع.

(ج) ان مع الجماع تجب بقرة، مع إنا إن اعتبرنا حكم النسيان لم يكن عليه شئ، وان اسقطناه والحقناه بالعامد كان الواجب بدنة.

(د) مساواة الجماع في الكفارة لتقليم الاظفار.والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيتعليهم‌السلام ، لان قوانين الشرع لا يضبطها العقل، ولا يستقل بعللها(٢) .

____________________

(١) التذكرة: ج ١، البحث الثالث: في الاحكام ص ٣٦٧ س ١١ قال مسألة: لو سعى أقل من سبغة أشواط إلى أن قال: ولو لم يذكر حتى واقع أهله أوقصر أو قلم كان عليه دم بقرة واتمام السعي

(٢) في نسخة (ج) زاد هنا ما لفظه: (عدم تعلق الحكم اعني وجوب البقرة الا بتقليم الجميع)

٢١٥

كان ممن يجب عليه المبيت الليالي الثلاث لزمه ثلاث شياه.وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل.وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.ويجب رمي الجمار في الايام التي يقيم بها، كل جمرة بسبع حصيات مرتبا، يبدأ بالاولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ولو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة.ووقت الرمي مابين طلوع الشمس إلى غروبها.ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا.ويستحب أن يكون ما لامسه غدوة، وما ليومه بعد الزوال.

قال طاب ثراه: وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل، وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.

أقول: هنا مسائل: (أ) وجوب المبيت ليالى التشريق ب‍ " منى " هو المشهور بين الاصحاب.وقال الشيخ في التبيان باستحبابه(١) هو نادر.

(ب) على تقدير الوجوب، لو خالف وبات بغيرها، فان كان متقيا وكان خروجه قيل غروب الشمس وجب عليه شاتان، وان لم يكن متقيا، أو كان خروجه منها بعد الغروب، يلزمه ثلاث شياه.وهذا التفصيل هو المشهور، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) والمصنف(٣) وأحد قولي

____________________

(١) التبيان: ج ٢ ص ١٥٤ في تفسيره لآية ١٩٦ من سورة البقرة قال: ومناسك الحج تشتمل على مفروض ومسنون إلى أن قال والمسنونات: الجهر بالتلبية واستلام الاركان وايام منى الخ.

(٢) المبسوط: ج ١، فصل في ذكر نزول منى بعد الافاضة من المشعر ص ٣٧٨ س ٢ قال: ولا يبيت ليالي التشريق الا بمنى الخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢١٦

العلامة(١) وقال في النهاية: يجب ثلاث شياه ولم يفصل(٢) وهو مذهب ابن حمزة(٣) وابن أدريس(٤) والعلامة في المختلف(٥) .

وقال المفيد وتلميذه: ولا يبيت ليالي التشريق الا ب‍ " منى " فان بات بغيرها فعليه دم شاة(٦) و(٧) وكذا قال ابن أبي عقيل(٨) وقال ابوعلي: وليس للحاج أن يبيت ليالي منى الا ب‍ " منى " فان فعل ذلك عامدا كان عليه عن كل ليلة دم(٩)

____________________

(١) التذكرة: ص ٣٩٢ س ١٧ البحث الثاني في الرجوع إلى منى قال: مسألة لو ترك المبيت بمنى وجب عليه عن كل ليلة شاة الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٦ س ١ قال: ومن بات الثلاث ليال بغير منى معتمدا كان عليه ثلاثة من الغنم.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ٦٩٣ س ٢٠ قال: ولم يعد ب‍ " منى " لبيت بها لزمه عن كل ليلة من الليلتين الاولتين من ليالى التشريق دم.

(٤) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة.

(٥) المختلف: الفصل الخامس في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: وقال ابن ادريس بقول الشيخ في النهاية وهوالاقرب اقول: والظاهر ان هنا اشتباه في المراد ن المسنون، لا حظ كتاب السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٩.

(٦) المقنعة: باب زيارة البيت ص ٦٦ قال: ولا يبيت ليالى التشريق الخ.

(٧) المراسم: ذكر: الذبح ص ١١٥ س ١ قال: ولا بيت ليالى التشريق الا بمنى الخ.

(٨) و(٩) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ٦ قال: وقال ابن عقيل: ولا يبيت ايام التشريق الا بمنى إلى أن قال: وقال ابن الجنيد: وليس للحاج أن يبيت ليالى منى الا بمعنى الخ.

٢١٧

تنبيه: الكفارة عن الليلة الثالثة

وجوب الكفارة عن الليلة الثالثة على القول به مرتب على الاخلال بالليلتين السابقتين، فلو باتهما بمنى وبات الثالثة بغيرها وكان متقيا لم يجب عليه شئ.

وتحقيق البحث: ان المتقي يجوز له أن ينفر في الاول، لكن هل هو المتقي للنساء والصيد، أو كل محرم، فابن إدريس على الثاني(١) والاكثر على الاول، وتارك المبيت في الليلتين غير متق، فلهذا وجب عليه الثلاث.

(ج) لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليلة الواجبة عليه، فلا كفارة، ولا فرق بين كون العبادة واجبة عليه كطواف وسعي، أو غير ذلك كإشتغاله بالدعاء وقراء‌ة القرآن، والتطوع بالطواف، وهو اختيار الشيخ(٢) والقديمين(٣) وابن حمزة(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) ومنع ابن ادريس وأوجب الكفارة(٧) لعموم الامر بالمبيت ولزوم الكفارة، وحمل على التفصيل، إذ الروايات ناطقة به(٨) .

(د) حد المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل، ولو خرج بعده

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٣ قال: في الجواب عن تخريج الشيخ: وذلك أن من عليه كفارة له أن ينفر في النفر الاول بغير خلاف الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٦ قال: فان بات بمكة ليالى التشريق إلى أن قال: لم يكن عليه شئ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٨ قال: مسألة لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ قاله الشيخ وابن حمزة وابن ابي عقيل وابن الجنيد إلى أن قال بعد نقل خلاف ابن ادريس والطواف جاز.

(٤) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ١٩ قال: فاذا فرغ من ذلك وأزاد أن يبيت بمكة للعبادة والطواف جاز.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٢ س ٣٣ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة إلى أن قال بعد نقل قول من باب بمكة مشتغلا بالعبادة: والاول اظهر.

(٨) التهذيب: ج ٥ باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ الحديث ٢٨ قالعليه‌السلام : الا أن يكون شغلك في نسكك.

٢١٨

ولا يجوز الرمي ليلا الا لعذر، كالخائف، والرعاة، والعبيد.ويرمى عن المعذور كالمريض.ولو نسي جمرة وجهل موضعها رمى على كل جمرة حصاة.ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها مستقبل القبلة.ويقف داعيا عدا جمرة العقبة، فانه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف.ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع وتدارك، ولو خرج - سقطت الكفارة، وهل يجب عليه توخي دخول مكة بعد الفجر؟ قال الشيخ: نعم(١) وأكثر الاصحاب على عدم الوجوب، وإن خرج بعد نصف الليل فلا يضره أن يبيت بغيرها، وقال ابن حمزة: ولا يخرج ليالي التشريق منها إلا بعد نصف الليل على كراهية(٢) واختار العلامة في المختلف عدم الكراهية(٣) وهو اختيار الاكثر، وهو في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادقعليه‌السلام : وإن خرجت " من منى " بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى(٤) .

(ه‍) المبيت ب‍ " منى أفضل من المبيت بمكة وإن كان للعبادة، لانها دار المضيف والقوم اضياف الله في منى، وليخرج من الخلاف.

فرع

واذا جاز مبيته بمكة للعبادة، جاز خروجه من منى بعد الغروب للعبادة ولا كفارة.

____________________

(١) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٩ قال: وان خرج من منى بعد نصف الليل إلى أن قال: غير انه لا يدخل مكة الا بعد طلوع الفجر.

(٢) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ٢٢ قال: ولا يخرج ليالى التشريق منها الخ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى والمبيت بها ص ١٤٠ س ٣١ قال بعد نقل رواية معاوية بن عمار: وهو يدل على الجواز وانتفاء الكراهية.

(٤) التهذيب: ج ٥، باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ قطعة من حديث ٢٨.

٢١٩

فلا حرج.ولو حج في القابل استحب القضاء.ولو استناب جاز، وتستحب الاقامة ب‍ " منى " أيام التشريق.ويجوز النفر في الاول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتقى الصيد والنساء، وإن شاء في الثاني.وهو الثالث عشر.ولو لم يتق تعين عليه الاقامة إلى النفر الاخير.وكذا لو غربت الشمس ليلة الثالث عشر.ومن نفر في الاول، لا ينفر الا بعد الزوال، وفى الاخير يجوز قلبه، ويستحب للامام أن يخطب ويعلمهم ذلك.والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجب ومن قضى مناسكه فله الخيرة في العود إلى مكة، والافضل العود لوداع البيت، ودخول الكعبة خصوصا للصرورة.ومع عودة تستحب الصلاة في زوايا البيت، وعلى الرخامة الحمراء.والطواف بالبيت، واستلام الاركان، والمستجار.والشرب من زمزم.والخروج من باب الحناطين، والدعاء.والسجود مستقبل القبلة، والدعاء، والصدقة بتمر يشتريه بدرهم، ومن المستحب التحصيب، والنزول بالمعرس على طريق المدينة، وصلاة ركعتين به، والعزم على العود ومن المكروهات: المجاورة بمكة، والحج على الابل الجلالة، ومنع دور مكة من السكنى وأن يرفع بناء فوق الكعبة.والطواف للمجاور قال طاب ثراه: والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجبب.أقول: المشهور عند علمائنا الاستحباب، قاله ابن ادريس(١) والمصنف(٢)

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٤ س ١٦ قال: وينبغي أن يكبر الانسان ب " منى " الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579