المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117321 / تحميل: 7176
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الخامس: الاضحية، وهي مستحبة، ووقتها ب‍ " منى " يوم النحر وثلاثة بعده، وفي الامصار يوم النحر ويومان بعده.ويكره أن يخرج من اضحيته شيئا عن " منى " ولا بأس بالسنام، ومما يضحيه غيره.ويجزئ هدي التمتع عن الاضحية.والجمع أفضل.ومن لم يجد الاضحية تصدق بثمنها.فان اختلف أثمانها جمع الاول والثاني والثالث وتصدق بثلثها.ويكره التضحية بما يربيه، وأخذ شئ من جلودها.واعطاؤها الجزار.وأما الحلق: فالحاج مخير بينه وبين التقصير، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر، والحلق افضل.والتقصير متعين على المرأة، ويجزئ ولو قدر الانملة.والمحل ب‍ " منى " ولو رحل قبله عاد للحلق او التقصير.ولو تعذر حلق أو قصر حيث كان وجوبا.وبعث بشعره إلى " منى " ليدفن بها استحبابا.ومن ليس على رأسه شعر، ويجزيه امرار الموسى.واجد الثمن كواجد الهدي، كما في العتق، ووقته باق وهو ذوالحجة، والاستدراك فيه ممكن، ولرواية حريز وغيرها(١) .

(ب) التخيير، وهو قول أبي علي، وحكايته: لو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر وسط ما وجد به في سنة هدي، فيتصدق به بدلا منه، وبين أن يصوم، وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكة يذبح عنه ألى آخر ذي الحجة، فان لم يجد ذلك أخره ألى قابل أيام النحر(٢) .

قال طاب ثراه: وأما الحلق فان الحاج مخير بينه وبين التقصير، والحلق افضل، ولو كان صرورة او ملبدا على الاظهر.

____________________

(١) التهذيب: ج ٢(٤) باب ضروب الحج ص ٣٧ الحديث ٣٨ و ٣٩.

(٢) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٤ س ١١ قال: وقال ابن الجنيد: ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر الخ.

٢٠١

والبدء برمي جمرة العقبة، ثم بالذبح، ثم بالحلق، واجب.فلو خالف أثم ولم يعد.ولا يزور البيت لطواف الحج الا بعد الحلق أو التقصير.فلو طاف قبل ذلك عامدا لزمه دم شاة.ولو كان ناسيا لم يلزمه شئ وأعاد طوافه.ويحل من كل شئ عند فراغ مناسكه ب‍ " منى " عدا الطيب والنساء والصيد، فاذا طاف لحجه حل له الطيب، واذا طاف طواف النساء حللن له.ويكره المخيط حتى يطوف للحج، والطيب حتى يطوف طواف النساء.ثم يمضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه، أو من الغد.ويتأكد في جانب المتمتع، ولو أخر أثم وموسع للمفرد والقارن طول ذي الحجة على كراهية.ويستحب له اذا دخل مكة الغسل، وتقليم الاظفار، وأخذ الشارب، والدعاء عند باب المسجد.

أقول: التخيير مذهب ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) واحد قولي

____________________

(١) السرائر: باب الحلق والتقصير ص ١٤١ س ٣٦ قال: وهو مخير بين الحلق والتقصير سواء كان صرورة أو لم يكن الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف كتاب الحج ص ١٣٧ قال: المصلب الثاث في الحلق، مسألة الحلق أفضل من التقصير مطلقا

٢٠٢

الشيخ(١) لقوله تعالى (محلقين رؤسكم ومقصرين)(٢) وليس المراد به الجمع قطعا، بل اما التخيير او التفصيل، والثاني يلزم منه الاجمال، وهو مرجوع، فتعين الاول، ولصحيحة حريز(٣) .والتفصيل - وهو وجوب الحلق على الملبد والصرورة، وإجزاء التقصير لغيرهما أحد قولي الشيخ(٤) وأبي علي(٥) .والمراد بالصرورة من لم يحج حجة الاسلام.وبالملبد الذي يجعل في رأسه الصمغ العسل ليقتل القمل.والحق به أبوعلي من كان شعره مظفورا أو مقصوصا(٦) من الرجال(٧) وقال الحسن: ومن لبد شعره او عقصه فعليه الحلق(٨) ولم يذكر الصرورة وعكس المفيد فقال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق(٩) ولم يذكر الملبد.

____________________

(١) الجمل والعقود: ص ٧٦ س ٦ قال: وأما اللحق فمستحب للصروة، غير الصرورة يجزيه التقصير والحلق افضل.

(٢) الفتح: ٢٧.

(٣) التهذيب: ج ٥(١٧) باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق وفي المبسوط: ج ١ ص ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ

(٤) النهاية: باب الحلق والتقصير ص ٢٦٢ قال: وان كان صرورة لا يجزيه غير الحلق، وفي المبسوط: ج ١ س ٣٧٦ س ١٥ قال: فان لبد شعره لم يجزه غير الحلق الخ(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٣٧ س ٣٧ قال: وقال ابن الجنيد: ولا يجزي الصرورة ومن كان غير صرورة لبد الشعر أو مظفورا أو معقوصا من الرجال غير الحلق.

(٦) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشدة ومنه الحديث: رجل صلى معقوص الشعر، قال: يعيد (مجمع البحرين لغة عقص).

(٧) تقدم آنفا.

(٨) المختلف: كتاب الحج، المطلب الثالث في الحلق ص ١٣٧ س ٣٨ قال: وقال ابن أبي عقيل: ويحلق رأسه بعد الذبح إلى أن قال: ومن لبد رأسه واعقصه فعليه الحق واجب.

(٩) المقنعة: باب الحلق ص ٦٦ س ٦ قال: ولا يجزى الصرورة غير الحلق الخ.

٢٠٣

القول في الطواف والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة.وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، والختان في الرجل.ويستحب مضغ الاذخر قبل دخول مكة، ودخولها من أعلاها حافيا على سكينة ووقار، مغتسلا من بئر ميمون، أو فخ.ولو تعذر اغتسل بعد الدخول.والدخول من باب بني شيبة.والدعاء عنده.وأما الكيفية: فواجبها النية.والبداء‌ة بالحجر.والختم به.والطواف على اليسار.وإدخال الحجر في الطواف.وأن يطوف سبعا.ويكون بين المقام والبيت.ويصلي ركعتين في المقام، فان منعه زحام مصلى حياله.ويصلي النافلة حيث شاء من المسجد.ولو نسيهما رجع فأتى بهما فيه، ولو شق صلاهما حيث ذكر.ولو مات قضى عنه الولي.والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.ومكروه في النافلة.ولوزاد سهوا أكملها اسبوعين، وصلي ركعتي الواجب منهما قبل السعي.وركعتي الزيادة بعده، ويعيد من طاف في ثوب نجس، ولا يعيد لو لم يعلم.ولو علم في أثناء الطواف أزاله وأتم.ويصلي ركعتيه في كل وقت مالم يتضيق وقت حاضرة.قال طاب ثراه: والقران مبطل في الفريضة على الاشهر.أقول: معنى القران في الطواف، أن يقرن بين طوافين، بان لايفصل بينهما بصلاة.

٢٠٤

ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف أتم.ولو رجع إلى أهله استناب.ولو كان دون ذلك إستأنف.وكذا من قطع الطواف لحدث أو لحاجة.ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة صلى، ثم أتم طوافه، ولو كان دون الاربع، وكذا للوتر.ولو دخل في السعي فذكر أنه لم يطف استأنف الطواف، ثم استأنف السعي.ولو ذكر أنه طاف ولم يتم مقطع السعي وأتم الطواف ثم تمم السعي.ومندوبه: الوقوف عند الحجر، والدعاء، واستلامه، وتقبيله.فان لم يقدر أشار بيده.ولو كانت مقطوعة فبموضع القطع.ولو لم يكن له يد أشار.وأن يقتصد في مشيه.ويذكر الله سبحانه في طوافه.ويلزم وهل هذا محرم في الطواف الواجب، أو مكروه؟ بالاول قال الشيخ(١) والمصنف في كتابيه(٢) وهو أشهر في الروايات(٣) وبالثاني قال ابن ادريس(٤) للاصل، ولصحيحة زرارة(٥) .

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت، ص ٢٣٨ س ١٠ قال: ولا يجوز أن يقرق بين طوافين في فريضة.

(٢) الشرايع: في كيفية الطواف، مسائل ست الاولى، الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الاظهر.ولا حظ ايضا عبارة المختصر النافع.

(٣) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف، ص ١١٥ الحديث ٤٦ ٤٧ ٤٨).

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٤ س ٣٤ قال: ولا يجوز أن يفرق بين الطوافين في فريضة ولا بأس بذلك في النوافل، ذلك على جهة تغليظ الكراهية في الفرائض دون الخطر وفساد الطواف وان كان قد ورد لا يجوز بين طوافين في الفريضة، فان الشئ اذا كان شديد الكراهة قبل لا يجوز ويعرف ذلك بقرائن الخ.

(٥) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١١٥ الحديث ٤٤

٢٠٥

المستجار، وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة.ويبسط يديه وخده على حائطه.ويلصق بطنه به، ويذكر ذنوبه.ولو جاوز المستجار رجع والتزم.وكذا يستلم الاركان.وآكدها ركن الحجر، واليماني.ويتطوع بثلاثمائة وستين طوافا.فان لم يتمكن جعل العدة أشواطا.ويقرأ في ركعتي الطواف ب‍ (الحمد) و (الصمد) في الاولى، وب‍ (الحمد) و (الجحد) في الثانية ويكره الكلام فيه بغير الدعاء والقراء‌ة.وأما احكامه فثمانية: الاول: الطواف ركن، ولو تركه عامدا بطل حجة.ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استناب فيه، وفي رواية: لو كان على وجه جهاله أعاد وعليه بدنة.

قال طاب ثراه: الطواف ركن فلو(١) تركه عامدا بطل حجه، ولو كان ناسيا أتى به، ولو تعذر العود استتاب فيه، وفي رواية إن كان على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة.

أقول: الفرق بين الركن والفعل في الحج انه اذا ترك ركنا ناسيا وجب أن يعود له بنفسه، فان تعذر استناب، وفسر التعذر هنا بمعنيين: احدهما المشقة الكثيرة، والثاني تعذر الاستطاعة المعهودة.والفعل اذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه وان تمكن من العود.وترك الركن عمدا يبطل، وترك الفعل عمدا لا يبطل اذا لم يترتب عليه غيره من الاركان، فيبطل الحج حينئذ من حيث ترك الركن، لان فعل الركن المترتب

____________________

(١) فان تركه فلو تركه ولو تركه خ ل

٢٠٦

الثاني: من شك في عدده بعد الانصراف، فلا إعادة عليه.ولو كان في أثنائه وكان بين السبعة وما زاد قطع ولا إعادة عليه.ولو كان في النقيصة أعاد في الفريضة وبنى على الاقل في النافلة.ولو تجاوز الحجر في الثامن وذكر قبل بلوغ الركن، قطع ولم يعد.

الثالث: لو ذكر انه لم يتطهر أعاد طواف الفريضة وصلاته.ولا يعيد طواف النافلة ويعيد صلاته استحبابا.على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا كلا فعله.وإن لم يترتب على الفعل المتروك ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار وطواف النساء، لكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه.ولو كان الترك نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا، ويحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.اذا عرفت هذا، فاذا ترك الطواف عامدا بطل حجه لما قلناه، وفي رواية علي بن يقطين الصحيحة: إن كان تركه على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة(١) وهي التي أشار اليها المصنف بقوله (وفي رواية) ولعل وجه ايجاب البدنة عليه، عقوبة له، وان كان ينقدح ضعيفا انه لا شئ عليه، لانه اذا لم يعرف وجوب الطواف يكون نسكه باطلا من رأس فلا يتعلق به كفارة، اذ الكفارة انما يجب بترك الطواف في نسك صحيح شرعي، ولهذا الاحتمال لم يجزم المصنف بل قال: (وفي رواية).وعلى القول بوجوب البدنة هنا، هل يجب على تاركه عمدا مع العلم؟ فيه احتمالان: منشأهما كونه أولى بالعقوبة، ومن عدم النص.

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٢٧ الحديث ٩٢.

٢٠٧

ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به، ومع التعذر يستنيب فيه وفي الكفارة تردد، أشبهه: انها لا تجب الا مع الذكر ولو نسي طواف النساء استناب.ولو مات قضاه الولي.

الرابع: من طاف الافضل له تعجيل السعي، ولا يجوز تأخيره إلى غده.

الخامس: لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجه وسعيه على الوقوف وقضاء المناسك الا لامرأة تخاف الحيض أو مريض اوهم.وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما: الجواز ويجوز للقارن قال طاب ثراه: ولو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به.ومع التعذر يستنيب فيه.وفي الكفارة تردد، أشبهه انها لا تجب الا مع الذكر.

أقول: أما وجوب العود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة چالعود لقضائه فلما عرفت من القاعدة التي تقدمت، واما وجوب الكفارة فمذهب الشيخ(١) لعموم حسنة معاوية، وصحيحة العيص(٢) وقال ابن ادريس: لا تجب الكفارة الا على من واقع بعد الذكر(٣) لانه في حكم الناسي، واختاره المصنف(٤) العلامة(٥) والشهيد(٦) .

قال طاب ثراه: وفي جواز تقديم طواف النساء مع الضرورة روايتان، أشهرهما الجواز.

____________________

(١) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٠ س ١٣ قال: ومن نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع اهله يجب عليه بدنة والرجوع إلى مكة وقضاء طواف الزيارة.

(٢) التهذيب: ج ٥(٢٥) باب الكفارة عن خطأ لمحرم ص ٣٢١ الحديث ١٧ و ١٨ ولاحظ ايضا.

عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٨.

(٣) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٢ قال: ١٣٥ س ١٢ قال: ومن نسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاظهر انه لا شئ عليه.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٥) المختلف: كتاب الحج ص ١٢٢ س ١٧ قال: مسألة لونسي طواف الزيارة إلى أن قال: والاقرب عدم وجوب اللكفارة.

(٦) الدروس: كتاب الحج ص ١١٦ س ٨ قال: درس في أحكامه إلى أن قال: والظاهر أن الهدي ندب.

٢٠٨

والمفرد تقديم الطواف اختيارا.ولا يجوز تقديم طواف النساء لمتمتع ولا غيره، ويجوز مع الضرورة والخوف من الحيض.ولا يقدم على السعي.ولو قدمه عليه ساهيا لم يعد.

السادس: قيل: لا يجوز الطواف وعليه برطلة.والكراهية أشبه ما لم يكن الستر محرما.

السابع: كل محرم يلزمه طواف النساء رجلا كان، أو إمرأة، أو صبيا.أو خصيا، إلا في العمرة المتمتع بها.

أقول: منع ابن ادريس من تقديم الطوافين مع الضرورة(١) واجازه الباقون، للاصل، وللروايات عموما وخصوصا(٢) .

قال طاب ثراه: قيل لا يجوز الطواف وعليه برطلة، والكراهية أشبه مالم يكن الستر محرما محرما.

أقول: بالتحريم قال في النهاية(٣) وبالكراهية قال في التهذيب(٤) و قال ابن ادريس: انه مكروه في طواف الحج محرم في طواف العمرة(٥) قال العلامة: وهو

____________________

(١) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ١٨ قال والمتمتع اذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى الا أن يأتي منى الخ.

(٢) الكافي: ج ٤ باب تقديم الطواف الحج للمتمتع قبل الخروج إلى منى ص ٤٥٧ الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٣) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٣٤٢ س ٣ قال: ولا يجوز للرجل ان يطوف وعليه برطله.

(٤) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ قال: ويكره للرجل أن يطوف وعليه برطلة، روى ذلك الخ.

(٥) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٧ قال: وقد روي انه لا يجوز للرجل ان يطوف عليه برطله الخ.

٢٠٩

الوجه، لانه في طواف العمرة يكون قد غطى رأسه وهو محرم، وفي طواف الحج يجوز له تغطية رأسه، فلا وجه للتحريم(١) .

قلت: وهذا الحكم غيرخاص بالبرطلة، بل هو سار في كل تغطية، لنصهم على تحريم تغطية الرأس في العمرة، وكراهية المخيط للحاج حتى يطوف للحج، كما يكره الطيب حتى يطوف للنساء فأي فائدة في تخصيص البرطلة بالنهي في الخبر(٢) ، واختلاف الاصحاب اذا كانت مندرجة الساتر.وايضا فان طوافا لا يكون جزء من حج ولا عمرة، لا يعلم حكمه في البرطلة كالطواف المبتدأ تطوعا، وذلك أمر مندوب اليه ومرغب فيه، وتمس الحاحة إلى معرفة حكمه، خصوصا مع تأكد الامر به حيث كان أفضل من الصلاة للمجاور(٣) وقالعليه‌السلام : استكثروا من الطواف فانه أقل شئ يوجد في صحائفكم يوم القيامة(٤) .ويلزم من تخصيص النهى بالنسكين أن يكون مباحا في غيرهما، لقولهعليه‌السلام : كل شئ مطلق(٥) وقالعليه‌السلام : اسكتوا عما سكت الله(٦) .والاقرب ان هذا حكم خاص بالبرطلة، وطواف العمرة خارج عن هذا البحث، ويبقى الخلاف في طواف الحج ويكون على الكراهية الموكدة، أو في مطلق

____________________

(١) المختلف: كتاب الحج ص ١١٩ س ٦ قال: لنا انه في طواف العمرة الخ.

(٢) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ٤ الحديث ١١٤ و ١١٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٢(٦٢) باب فضائل الحج ص الحديث ١٧ قال: ومن أقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة الحديث وفي حديث ١٨ قال: وروي أن الطواف لغير اهل مكة أفضل من الصلاة الحديث.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٥ الحديث ٥٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ١(٤٥) باب وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها ص ٢٠٨ الحديث ٢٢.

(٦) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ١٦٦ الحديث ٦١.

٢١٠

الثامن: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في إمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد، لانه لا يتعبد بصورة النذر.الطواف وان لم يكن في نسك، وذلك لما في لبسها من التشبه باليهود، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم في كثير من الاحكام، ولهذا كره لبس السواد لانه لباس فرعون، ومثل ذلك كثير، روى الحسين بن سعيد عن صفوان عن يزيد بن خليفة قال: رآني أبوعبداللهعليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعلي برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة، فلا تلبسها حول الكعبة فانها من زى اليهود(١) .

قال طاب ثراه: من نذر أن يطوف على أربع، قيل: يجب عليه طوافان، وروي ذلك في أمرأة نذرت، وقيل: لا ينعقد لانه لا يتعبد بصورة النذر.

أقول: في المسألة ثلاثة أقوال:

(أ) وجوب طوافين على هذا الناذر، طواف ليديه، وطواف لرجليه، وهو مذهب الشيخ(٢) محتجا بما رواه السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربعة، قال: تطوف اسبوعا ليدبها واسبوعا لرجليها(٣) .

(ب) بطلان النذر من رأس، لانه لم يتعبد بصورته، فكانه نذر هيئة غير مشروعة، فكان النذر باطلا، وهو قول ابن ادريس(٤) واختاره العلامة(٥) .

____________________

(١) التهذيب: ج ٥(٩) باب الطواف ص ١٣٤ الحديث ١١٥.

(٢) النهاية: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ٢٤٢ س ٦ قال: ومن نذر أن يطوف على أربع كان عليه طوافان الخ.

(٣) التهذيب: ج (٥) باب الطواف ص ١٣٥ الحديث ١١٨

(٤) السرائر: باب دخول مكة والطواف بالبيت ص ١٣٥ س ٢٩ قال: وقد روي انه من نذر أن يطوف على أربع إلى أن قال: والاول عندى أن نذره لا ينعقد الخ.

(٥) المختلف: الفصل الثاني في الطواف ص ١١٨ ص ٣٢ قال: مسألة قال الشيخ: من نذر (يطوف على أربع إلى قال بعد نقل ابن ادريس: وهو المعتمد.

٢١١

القول في السعي والنظر في مقدمته، وكيفيته وأحكامه

أما المقدمة فمندوبات عشرة: الطهارة.واستلام الحجر، والشرب من زمزم، والاغتسال من الدلو المقابل للحجر، والخروج من باب الصفا.وصعود الصفا، واستقبال ركن الحجر، والتكبير، والتهليل سبعا، والدعاء بالمأثور.وأما الكيفية ففيها الواجب والندب.فالواجب أربعة: النية، والبدأة بالصفا.والختم بالمروة.والسعي سبعا.يعد ذهابه شوطا وعوده آخر.

والمندوبات اربعة أشياء: المشي طرفيه، والاسراع ما بين النارة إلى زقاق العطارين ولو نسي الهرولة رجع القهقرى وتدارك.والدعاء، وأن يسعى ما شيا، ويجوز الجلوس في خلاله للراحة.وأما الاحكام فاربعة:

الاول: السعي ركن يبطل الحج بتركه عمدا. لا يبطل سهوا ويعود لتداركه، فان تعذر العود استناب فيه.

الثاني: يبطل السعي بالزيادة عمدا، ولا يبطل بالزيادة سهوا.ومن (ج) انعقاد النذر، ويجب طوافان إن كان الناذر إمرأة، وقوفا على صورة النص، وبطلانه ان كان رجلا.

٢١٢

تيقن عدد الاشواط وشك فيما بدأ به، فان كان في المفرد على الصفا أعاد، ولو كان على المروة لم يعد، وبالعكس لو كان سعيه زوجا، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو تيقن النقصان أتى به.

الثالث: لو قطع سعيه لصلاة أو لحاجة، أو لتدارك ركعتي الطواف، أو غير ذلك، أتم ولو كان شوطا.

الرابع: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله، أو قلم أظفاره ثم ذكر انه نسي شوطا أتم.

وفي الروايات: يلزمه دم بقرة قال طاب ثراه: لو ظن اتمام سعيه فاحل وواقع أهله أو قلم أظفاره، ثم ذكر انه نسي شوطا أتم، وفي الروايات يلزمه دم بقرة.

أقول: روى عبدالله بن مسكان (في الموثق) قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط، وهو يظن انما سبعة، فيذكر بعدما أحل وواقع انه إنما طاف ستة أشواط، فقال: عليه دم بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر(١) وروى سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله وهويرى انه قد فرغ منه فقلم أظافره وأحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال: ان كان يحفظ انه سعى ستة أشواط، فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: دم بقرة(٢) وهذا مذهب المفيد(٣) وأحد قولي الشيخ(٤) وفتوى العلامة(٥) وفخر المحققين(٦)

____________________

(١) التهذيب ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٣٠

(٢) التهذيب: ج ٥(١٠) باب الخروج إلى الصفا ص ١٥٣ الحديث ٢٩.

(٣) المقنعة: باب الكفارات ص ٦٨ س قال: واذا سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط إلى أن قال: فقصر وجامع وجب عليه دم بقرة الخ.

(٤) النهاية: باب السعي بين الصفا والمروة ص ٢٤٥ س ٨ قال: وان واقع أهله اتمامه السعي وجب عليه بقرة الخ.

(٥) و(٦) قال: في القواعد: في أحكام السعي، ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة فاحل وواقع ثم ذكر النقص أتمة وكفر ببقرد، وقال في ايضاح الفوائد بعد نقل رواية ابن مسكان: واعلم أن هذا هو الاقوى عندي (ايضاح الفوائد: ج ١ ص ٣٠٣).

٢١٣

والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية: لا دم عليه للاصل(١) ولا بن ادريس مثل القولين(٢) .واعلم أن المراد بالسعي هنا، سعي عمرة التمتع على ما تضمنه رواية سعيد وصرح به العلامة في قواعده(٣) فالحج لايتأتى فيه ذلك، لحلقه قبل السعي بمنى، فلا يحرم عليه القلم.والعمرة المفردة لم يرد النص فيها بشئ، فينبغى أن يرجع فيها إلى القواعد المقررة.ولا شك أن مواطن التحلل فيها ايتان الحلق أو التقصير بعد السعي ويحل به ما عدا النساء، وطواف النساء بعده، ويحللن به، فاذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعه كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي هنا، وإن كان بعد تقليمه، فان كان لظفر واحد فمد، وفي الظفرين مدان، وفي الثلاثة ثلاثة، وهكذا إلى اظفار يديه أجمع، ففيها شاة، وإن كان مع أظفار رجليه واتحد المجلس، فكذلك، والا فشاتان.واما عمرة التمتع فاختصت بالنص على وجوب البقرة، فقد خالفت القواعد الموطدة والاصول الممهدة من أربعة أوجه:

(أ) عدم اعذار الناسي، وهو خلاف الحديث المشهور، وخلاف نصهم: تسقط

____________________

(١) النهاية: باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله عمدا أو خطأ ص ٢٣١ س ٧ قال: وإن كان قد انصرف من السعى ظنا منه انه تممه ثم حامع لم يلزمه الكفارة الخ واعلم أني احتملت مشقة شديدة لوجدان هذه الفتوى من الشيخقدس‌سره ، وبعد المراجعة ب‍ (الجوامع الفقهيه): وجدت أن حرف (لم) أسقط من كتاب النهاية المطبوعة في بيروت ففيه (ثم جامع يلزمه الكفارة) فتفطن لذلك.

(٢) السرائر: باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٢٩ س ٢٣ وص ١٣٦ س ٢٧ فلا حظ.

(٣) القواعد: كتاب الحج، الفصل الثالث في السعي، المطلب الثاني في أحكامه، قال: ولو ظن المتمتع اكماله في العمرة الخ

٢١٤

القول في أحكام منى

بعد العود يجب المبيت ب‍ " منى " ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ولو بات بغيرها كان عليه شاتان إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة.ولو الكفارة عن الناسي والجاهل الا في الصيد.

(ب) وجوب البقرة في تقليم الاظفار، والواجب شاة في مجموع الاظفار، ولو قلم عامدا قبل السعي رأسا لما وجب عليه سوى الشاة ردا إلى الاصل السالم عن معارضة النص على خلافه، مع ان قوله (فقلم اظافيره) صادق على ثلاثة اظفار، وفيها ثلاثة أمداد بالاجماع قبل السعي مع التعمد، وفي صورة النزاع يجب فيها البقرة لشمول النص.ويحتمل قويا عدم تعلق الحكم الا بتقليم الاظفار أجمع، لان المضاف من ألفاظ العموم، فيفيد الاستغراق، نعم يكفي أظفار اليدين عن أظفار الرجلين، وبالعكس، لان الشارع أقام أحدهما مقامهما مع اتحاد المجلس.

وقال العلامة في التذكرة: ولو ظن إتمامه فجامع أو قلم فعليه بقرة(١) ولم يحك خلافا، والقلم يصدق بالظفر الواحد، ويجوز أن يريد به الجميع.

(ج) ان مع الجماع تجب بقرة، مع إنا إن اعتبرنا حكم النسيان لم يكن عليه شئ، وان اسقطناه والحقناه بالعامد كان الواجب بدنة.

(د) مساواة الجماع في الكفارة لتقليم الاظفار.والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيتعليهم‌السلام ، لان قوانين الشرع لا يضبطها العقل، ولا يستقل بعللها(٢) .

____________________

(١) التذكرة: ج ١، البحث الثالث: في الاحكام ص ٣٦٧ س ١١ قال مسألة: لو سعى أقل من سبغة أشواط إلى أن قال: ولو لم يذكر حتى واقع أهله أوقصر أو قلم كان عليه دم بقرة واتمام السعي

(٢) في نسخة (ج) زاد هنا ما لفظه: (عدم تعلق الحكم اعني وجوب البقرة الا بتقليم الجميع)

٢١٥

كان ممن يجب عليه المبيت الليالي الثلاث لزمه ثلاث شياه.وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل.وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.ويجب رمي الجمار في الايام التي يقيم بها، كل جمرة بسبع حصيات مرتبا، يبدأ بالاولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ولو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة.ووقت الرمي مابين طلوع الشمس إلى غروبها.ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا.ويستحب أن يكون ما لامسه غدوة، وما ليومه بعد الزوال.

قال طاب ثراه: وحد المبيت أن يكون بها ليلا حتى يجاوز نصف الليل، وقيل: لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر.

أقول: هنا مسائل: (أ) وجوب المبيت ليالى التشريق ب‍ " منى " هو المشهور بين الاصحاب.وقال الشيخ في التبيان باستحبابه(١) هو نادر.

(ب) على تقدير الوجوب، لو خالف وبات بغيرها، فان كان متقيا وكان خروجه قيل غروب الشمس وجب عليه شاتان، وان لم يكن متقيا، أو كان خروجه منها بعد الغروب، يلزمه ثلاث شياه.وهذا التفصيل هو المشهور، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) والمصنف(٣) وأحد قولي

____________________

(١) التبيان: ج ٢ ص ١٥٤ في تفسيره لآية ١٩٦ من سورة البقرة قال: ومناسك الحج تشتمل على مفروض ومسنون إلى أن قال والمسنونات: الجهر بالتلبية واستلام الاركان وايام منى الخ.

(٢) المبسوط: ج ١، فصل في ذكر نزول منى بعد الافاضة من المشعر ص ٣٧٨ س ٢ قال: ولا يبيت ليالي التشريق الا بمنى الخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢١٦

العلامة(١) وقال في النهاية: يجب ثلاث شياه ولم يفصل(٢) وهو مذهب ابن حمزة(٣) وابن أدريس(٤) والعلامة في المختلف(٥) .

وقال المفيد وتلميذه: ولا يبيت ليالي التشريق الا ب‍ " منى " فان بات بغيرها فعليه دم شاة(٦) و(٧) وكذا قال ابن أبي عقيل(٨) وقال ابوعلي: وليس للحاج أن يبيت ليالي منى الا ب‍ " منى " فان فعل ذلك عامدا كان عليه عن كل ليلة دم(٩)

____________________

(١) التذكرة: ص ٣٩٢ س ١٧ البحث الثاني في الرجوع إلى منى قال: مسألة لو ترك المبيت بمنى وجب عليه عن كل ليلة شاة الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٦ س ١ قال: ومن بات الثلاث ليال بغير منى معتمدا كان عليه ثلاثة من الغنم.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ٦٩٣ س ٢٠ قال: ولم يعد ب‍ " منى " لبيت بها لزمه عن كل ليلة من الليلتين الاولتين من ليالى التشريق دم.

(٤) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة.

(٥) المختلف: الفصل الخامس في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٠ قال: وقال ابن ادريس بقول الشيخ في النهاية وهوالاقرب اقول: والظاهر ان هنا اشتباه في المراد ن المسنون، لا حظ كتاب السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٩.

(٦) المقنعة: باب زيارة البيت ص ٦٦ قال: ولا يبيت ليالى التشريق الخ.

(٧) المراسم: ذكر: الذبح ص ١١٥ س ١ قال: ولا بيت ليالى التشريق الا بمنى الخ.

(٨) و(٩) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ٦ قال: وقال ابن عقيل: ولا يبيت ايام التشريق الا بمنى إلى أن قال: وقال ابن الجنيد: وليس للحاج أن يبيت ليالى منى الا بمعنى الخ.

٢١٧

تنبيه: الكفارة عن الليلة الثالثة

وجوب الكفارة عن الليلة الثالثة على القول به مرتب على الاخلال بالليلتين السابقتين، فلو باتهما بمنى وبات الثالثة بغيرها وكان متقيا لم يجب عليه شئ.

وتحقيق البحث: ان المتقي يجوز له أن ينفر في الاول، لكن هل هو المتقي للنساء والصيد، أو كل محرم، فابن إدريس على الثاني(١) والاكثر على الاول، وتارك المبيت في الليلتين غير متق، فلهذا وجب عليه الثلاث.

(ج) لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليلة الواجبة عليه، فلا كفارة، ولا فرق بين كون العبادة واجبة عليه كطواف وسعي، أو غير ذلك كإشتغاله بالدعاء وقراء‌ة القرآن، والتطوع بالطواف، وهو اختيار الشيخ(٢) والقديمين(٣) وابن حمزة(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) ومنع ابن ادريس وأوجب الكفارة(٧) لعموم الامر بالمبيت ولزوم الكفارة، وحمل على التفصيل، إذ الروايات ناطقة به(٨) .

(د) حد المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل، ولو خرج بعده

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٣ س ٣ قال: في الجواب عن تخريج الشيخ: وذلك أن من عليه كفارة له أن ينفر في النفر الاول بغير خلاف الخ.

(٢) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٦ قال: فان بات بمكة ليالى التشريق إلى أن قال: لم يكن عليه شئ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى ص ١٤٠ س ١٨ قال: مسألة لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ قاله الشيخ وابن حمزة وابن ابي عقيل وابن الجنيد إلى أن قال بعد نقل خلاف ابن ادريس والطواف جاز.

(٤) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ١٩ قال: فاذا فرغ من ذلك وأزاد أن يبيت بمكة للعبادة والطواف جاز.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٢ س ٣٣ قال: فان بات في غيرها كان عليه دم شاة إلى أن قال بعد نقل قول من باب بمكة مشتغلا بالعبادة: والاول اظهر.

(٨) التهذيب: ج ٥ باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ الحديث ٢٨ قالعليه‌السلام : الا أن يكون شغلك في نسكك.

٢١٨

ولا يجوز الرمي ليلا الا لعذر، كالخائف، والرعاة، والعبيد.ويرمى عن المعذور كالمريض.ولو نسي جمرة وجهل موضعها رمى على كل جمرة حصاة.ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها مستقبل القبلة.ويقف داعيا عدا جمرة العقبة، فانه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف.ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع وتدارك، ولو خرج - سقطت الكفارة، وهل يجب عليه توخي دخول مكة بعد الفجر؟ قال الشيخ: نعم(١) وأكثر الاصحاب على عدم الوجوب، وإن خرج بعد نصف الليل فلا يضره أن يبيت بغيرها، وقال ابن حمزة: ولا يخرج ليالي التشريق منها إلا بعد نصف الليل على كراهية(٢) واختار العلامة في المختلف عدم الكراهية(٣) وهو اختيار الاكثر، وهو في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادقعليه‌السلام : وإن خرجت " من منى " بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى(٤) .

(ه‍) المبيت ب‍ " منى أفضل من المبيت بمكة وإن كان للعبادة، لانها دار المضيف والقوم اضياف الله في منى، وليخرج من الخلاف.

فرع

واذا جاز مبيته بمكة للعبادة، جاز خروجه من منى بعد الغروب للعبادة ولا كفارة.

____________________

(١) النهاية: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ٢٦٥ س ١٩ قال: وان خرج من منى بعد نصف الليل إلى أن قال: غير انه لا يدخل مكة الا بعد طلوع الفجر.

(٢) الوسيلة: فصل في بيان نزول منى ص ٦٩٣ س ٢٢ قال: ولا يخرج ليالى التشريق منها الخ.

(٣) المختلف: في الرجوع إلى منى والمبيت بها ص ١٤٠ س ٣١ قال بعد نقل رواية معاوية بن عمار: وهو يدل على الجواز وانتفاء الكراهية.

(٤) التهذيب: ج ٥، باب ١٨ زيارة البيت ص ٢٥٦ قطعة من حديث ٢٨.

٢١٩

فلا حرج.ولو حج في القابل استحب القضاء.ولو استناب جاز، وتستحب الاقامة ب‍ " منى " أيام التشريق.ويجوز النفر في الاول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتقى الصيد والنساء، وإن شاء في الثاني.وهو الثالث عشر.ولو لم يتق تعين عليه الاقامة إلى النفر الاخير.وكذا لو غربت الشمس ليلة الثالث عشر.ومن نفر في الاول، لا ينفر الا بعد الزوال، وفى الاخير يجوز قلبه، ويستحب للامام أن يخطب ويعلمهم ذلك.والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجب ومن قضى مناسكه فله الخيرة في العود إلى مكة، والافضل العود لوداع البيت، ودخول الكعبة خصوصا للصرورة.ومع عودة تستحب الصلاة في زوايا البيت، وعلى الرخامة الحمراء.والطواف بالبيت، واستلام الاركان، والمستجار.والشرب من زمزم.والخروج من باب الحناطين، والدعاء.والسجود مستقبل القبلة، والدعاء، والصدقة بتمر يشتريه بدرهم، ومن المستحب التحصيب، والنزول بالمعرس على طريق المدينة، وصلاة ركعتين به، والعزم على العود ومن المكروهات: المجاورة بمكة، والحج على الابل الجلالة، ومنع دور مكة من السكنى وأن يرفع بناء فوق الكعبة.والطواف للمجاور قال طاب ثراه: والتكبير ب‍ " منى " مستحب، وقيل: يجبب.أقول: المشهور عند علمائنا الاستحباب، قاله ابن ادريس(١) والمصنف(٢)

____________________

(١) السرائر: باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ص ١٤٤ س ١٦ قال: وينبغي أن يكبر الانسان ب " منى " الخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

فهنا شبه المعاندين والمغرورين كمن يسير في جادّة متعرّجة غير مستوية كثيرة المنعطفات وقد وقع على وجهه ، يحرّك يديه ورجليه للاهتداء إلى سبيله ، لأنّه لا يبصر طريقه جيّدا ، وليس بقادر على السيطرة على نفسه ، ولا بمطّلع على العقبات والموانع ، وليست لديه القوّة للسير سريعا ، وبذلك يتعثّر في سيره يمشي قليلا ثمّ يتوقّف حائرا.

كما شبّه المؤمنين برجال منتصبي القامات ، يسيرون في جادّة مستوية ومستقيمة ليس فيها تعرّجات واعوجاج ، ويمشون فيها بسرعة ووضوح وقدرة ووعي وعلم وراحة تامّة.

إنّه ـ حقّا ـ لتشبيه لطيف فذّ ، حيث إنّ آثار هذين السبيلين واضحة تماما ، وانعكاساتها جليّة في حياة هذين الفريقين ، وذلك ما نلاحظه بأمّ أعيننا.

ويرى البعض أنّ مصداق هاتين المجموعتين هما : (الرّسول الأكرم) و (أبو جهل) فهما مصاديق واضحة للآية الكريمة ، إلّا أنّ ذلك لا يحدّد عمومية الآية.

وذكرت احتمالات متعدّدة في تفسير (مكبّا على وجهه). إلّا أنّ أكثر الاحتمالات المنسجمة مع المفهوم اللغوي للآية هو ما ذكرناه أعلاه ، وهو أنّ الإنسان غير المؤمن يكون مكبّا على وجهه ويمشي زاحفا بيده ورجليه وصدره.

وقيل أنّ المقصود من (مكبّا) هو المشي الاعتيادي ولكنّه مطأطئ الرأس لا يشخّص مسيره بوضوح أبدا.

كما يرى آخرون أنّ المقصود بـ (مكبّا) هو الشخص الذي لا يستطيع أن يحفظ توازنه في السير ، فهو يخطو خطوات معدودة ثمّ ما يلبث أن يسقط على الأرض وينهض ليمشي ، ثمّ تتكرّر هذه الحالة.

ويستفاد ممّا ذكره الراغب في مفرداته أنّ المقصود بـ (مكبّا) هو الشخص الذي يدور حول محور الذات والأنانية ، معرضا عن الاهتمام بغيره.

٥٠١

إلّا أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر ، وذلك بقرينة المقابلة مع وضع المؤمنين والذين عبّرت عنهم الآية بـ (سويّا).

وعلى كلّ حال ، فهل أنّ هذه الحالة (مكبّا) و (سويّا) تمثّل وضع الكفّار والمؤمنين في الآخرة فقط؟ أم في العالمين (الدنيا والآخرة)؟ لا دليل على محدودية مفهوم الآية وانحصارها في الآخرة ، فهما في الدنيا كما هما في الآخرة.

إنّ هؤلاء الأنانيين المنشدّين إلى مصالحهم الماديّة والمنغمسين في شهواتهم ، السائرين في درب الضلال والهوى ، كمن يروم العبور من مكان مليء بالأحجار زاحفا على صدره ، بخلاف من تحرّر من قيد الهوى في ظلّ الإيمان حيث يكون مسيره واضحا ومستقيما ونظراته عميقة وثاقبة.

ثمّ يوجّه الله تعالى الخطاب إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية اللاحقة فيقول :( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ) .

إنّ الله تعالى جعل لكم وسيلة للمشاهدة والإبصار (العين) وكذلك وسيلة وقناة للاطّلاع على أفكار الآخرين ومعرفة وجهات نظرهم من خلال الاستماع (الإذن) ثمّ وسيلة اخرى للتفكّر والتدبّر في العلوم والمحسوسات واللامحسوسات (القلب).

وخلاصة الأمر إنّ الله تعالى قد وضع جميع الوسائل اللازمة لكم لتتعرّفوا على العلوم العقلية والنقلية ، إلّا أنّ القليل من الأشخاص من يدرك هذه النعم العظيمة ويشكر الله المنعم ، حيث أنّ شكر النعمة الحقيقي يتجسّد بتوجيه النعمة نحو الهدف الذي خلقت من أجله ، ترى من هو المستفيد من هذه الحواس (العين والاذن والعقل) بصورة صحيحة في هذا الطريق؟

ثمّ يخاطب الرّسول مرّة اخرى حيث يقول تعالى :( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .

وفي الحقيقة فإنّ الآية الاولى تعيّن (المسير) ، والثانية تتحدّث عن (وسائل

٥٠٢

العمل) أمّا الآية ـ مورد البحث ـ فإنّها تشخّص (الهدف والغاية) وذلك بالتأكيد على أنّ السير يجب أن يكون في الطريق المستقيم ، والصراط الواضح المتمثّل بالإسلام والإيمان ، وبذل الجهد للاستفادة من جميع وسائل المعرفة بهذا الاتّجاه ، والتحرّك نحو الحياة الخالدة.

والجدير بالملاحظة هنا أنّ التعبير في الآية السابقة ورد بـ (أنشأكم) وفي الآية مورد البحث بـ (ذرأكم) ، ولعلّ تفاوت هذين التعبيرين هو أنّه في الأولى إشارة إلى الإنشاء والإيجاد من العدم (أي إنّكم لم تكونوا شيئا وقد خلقكم الله تعالى) وفي الثانية إشارة إلى خلق الإنسان من مادّة التراب ، وذلك يعني أنّ الله خلق الإنسان من التراب.

ثمّ يستعرض سبحانه قول المشركين في هذا المجال والردّ عليهم ، فيقول تعالى :( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

إنّ المشركين يطالبون بتعيين التاريخ بصورة دقيقة ليوم القيامة ، كما أنّهم يطالبون بحسم هذا الأمر الذي يتعلّق بمصير الجميع( مَتى هذَا الْوَعْدُ؟ ) .

وذكروا احتمالين في المقصود من (هذا الوعد) : الأوّل : هو وعد يوم القيامة ، والآخر : هو تنفيذ الوعد بالنسبة للعقوبات الدنيوية المختلفة ، كوقوع الزلازل والصواعق والطوفانات. إلّا أنّ المعنى الأوّل أكثر تناسبا حسب الظاهر ، وذلك بلحاظ ما ورد في الآية السابقة. كما أنّ بالإمكان الجمع بين المعنيين.

ويجيبهم الله سبحانه على تساؤلهم هذا بقوله تعالى :( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ هذا التعبير يشبه تماما ما ورد في الآيات القرآنية العديدة التي من جملتها

٥٠٣

قوله تعالى :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ) (١) .

ولا بدّ أن يكون الجواب بهذه الصورة ، حيث أنّ تحديد تأريخ يوم القيامة إن كان بعيدا فإنّ الناس سيغرقون بالغفلة ، وإن كان قريبا فإنّهم سيعيشون حالة الهلع والاضطراب. وعلى كلّ حال فإنّ الأهداف التربوية تتعطّل في الحالتين.

ويضيف في آخر آية من هذه الآيات بأنّ الكافرين حينما يرون العذاب والوعد الإلهي من قريب تسودّ وجوههم :( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فسيماهم طافحة بآثار الحزن والندم( وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) .

«تدعون» من مادّة (دعاء) يعني أنّكم كنتم تدعون وتطلبون دائما أن يجيء يوم القيامة ، وها هو قد حان موعده ، ولا سبيل للفرار منه(٢) .

وهذا المضمون يشبه ما جاء في قوله تعالى مخاطبا الكفّار في يوم القيامة :( هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) (٣) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية الشريفة ناظرة إلى عذاب يوم القيامة كما ذهب إليه أغلب المفسّرين ، وهذا دليل على أنّ جملة( مَتى هذَا الْوَعْدُ ) إشارة إلى موعد يوم القيامة.

يقول الحاكم أبو القاسم الحسكاني : عند ما شاهد الكفّار شأن ومقام الإمام عليعليه‌السلام عند الله تعالى. اسودّت وجوههم (من شدّة الغضب)(٤) .

ونقل هذا المعنى أيضا في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّ هذه الآية نزلت

__________________

(١) الأعراف ، الآية ١٨٧.

(٢) «تدعون» من باب (افتعال) ، ومن مادّة دعاء ، بمعنى الطلب والرجاء ، أو من مادّة (دعوا) بمعنى الطلب أو إنكار شيء معيّن.

(٣) الذاريات ، الآية ١٤.

(٤) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٠.

٥٠٤

بحقّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأصحابه(١) .

وهذا التّفسير نقل عن طرق الشيعة وأهل السنّة ، وهو نوع من التطبيق المصداقي ، وإلّا فإنّ هذه الآية تناولت موضوع (القيامة) ومثل هذه التطبيقات ليست قليلة في عالم الروايات.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٥.

٥٠٥

الآيات

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠) )

التّفسير

من الذي يأتيكم بالمياه الجارية؟

إنّ الآيات أعلاه ، التي هي آخر آيات سورة الملك ، تبدأ جميعها بكلمة (قل) مخاطبة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أنّها تمثّل استمرارا للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة حول الكفّار ، وتعكس هذه الآيات الكريمة جوانب اخرى من البحث.

يخاطب البارئعزوجل ـ في البداية ـ الأشخاص الذين يرتقبون وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، ويتصوّرون أنّ بوفاته سوف يمحى دين الإسلام وينتهي كلّ شيء. وهذا الشعور كثيرا ما ينتاب الأعداء المخذولين إزاء القيادات

٥٠٦

القويّة والمؤثّرة ، يقول تعالى مخاطبا إيّاهم :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) .

ورد في بعض الروايات أنّ كفّار مكّة ، كانوا دائما يسبّون الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ، وكانوا يتمنّون موته ظنّا منهم أنّ رحيله سينهي دعوته كذلك ، لذا جاءت الآية أعلاه ردّا عليهم.

كما جاء شبيه هذا المعنى في قوله تعالى :( أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) (١) .

لقد كانوا غافلين عن وعد الله سبحانه لرسوله الأمين ، بأنّ اسمه سيكون مقترنا مع مبدأ الحقّ الذي لا يعتريه الفناء وإذا جاء أجله فإنّ ذكره لن يندرس ، نعم ، لقد وعده الله سبحانه بانتصار هذا المبدأ ، وأن ترفرف راية هذا الدين على كلّ الدنيا ، وحياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو موته لن يغيّرا من هذه الحقيقة شيئا.

كما ذكر البعض تفسيرا آخر لهذه الآية وهو : إنّ خطاب الله لرسوله الكريم ـ الذي يشمل المؤمنين أيضا ـ مع ما عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإيمان الراسخ ، كان يعكس الخوف والرجاء معا في آن واحد. فكيف بكم أنتم أيّها الكافرون؟ وما الذي تفكّرون به لأنفسكم؟

ولكن التّفسير الأوّل أنسب حسب الظاهر.

واستمرارا لهذا البحث ، يضيف تعالى :( قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

وهذا يعني أنّنا إذا آمنا بالله ، واتّخذناه وليّا ووكيلا لنا ، فإنّ ذلك دليل واضح على أنّه الربّ الرحمن ، شملت رحمته الواسعة كلّ شيء ، وغمر فيض ألطافه ونعمه الجميع (المؤمن والكافر) ، إنّ نظرة عابرة إلى عالم الوجود وصفحة الحياة تشهد

__________________

(١) الطور ، الآية ٣٠.

٥٠٧

على هذا المدّعى ، أمّا الذين تعبدونهم من دون الله فما ذا عملوا؟ وما ذا صنعوا؟

وبالرغم من أنّ ضلالكم واضح هنا في هذه الدنيا ، إلّا أنّه سيتّضح بصورة أكثر في الدار الآخرة. أو أنّ هذا الضلال وبطلان دعاواكم الفارغة ستظهر في هذه الدنيا عند ما ينتصر الإسلام بالإمدادات الإلهية على جيش الكفر بشكل إعجازي وخارق للعادة ، عندئذ ستتبيّن الحقيقة أكثر للجميع.

إنّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ نوع من المواساة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، كي لا يظنّوا أو يتصوّروا أنّهم وحدهم في هذا الصراع الواسع بين الحقّ والباطل ، حيث أنّ الرحمن الرحيم خير معين لهم ونعم الناصر.

ويقول تعالى في آخر آية ، عارضا لمصداق من رحمته الواسعة ، والتي غفل عنها الكثير من الناس :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) .

إنّ للأرض في الحقيقة قشرتين متفاوتين : (قشرة قابلة للنفوذ) يدخل فيها الماء ، واخرى (غير قابلة للنفوذ) تحفظ بالماء ، وجميع العيون والآبار والقنوات تولّدت من بركات هذا التركيب الخاصّ للأرض ، إذ لو كانت القشرة القابلة للنفوذ لوحدها على سطح الكرة الأرضية جميعا ولأعماق بعيدة ، فإنّ جميع المياه التي تدخل جوف الأرض لا يقرّ لها قرار ، وعندئذ لا يمكن أن يحصل أحد على قليل من الماء. ولو كانت قشرة الأرض غير قابلة للنفوذ لتجمّعت المياه على سطحها وتحوّلت إلى مستنقع كبير ، أو أنّ المياه التي تكون على سطحها سرعان ما تصبّ في البحر ، وهكذا يتمّ فقدان جميع الذخائر التي هي تحت الأرض.

إنّ هذا نموذج صغير من رحمة الله الواسعة يتعلّق بموت الإنسان وحياته.

«معين» من مادّة (معن) ، على وزن (طعن) بمعنى جريان الماء.

وقال آخرون : إنّها مأخوذة من (عين) والميم زائدة. لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ معنى (معين) تعني الماء الذي يشاهد بالعين بغضّ النظر عن جريانه.

إلّا أنّ الغالبية فسّروه بالماء الجاري.

٥٠٨

وبالرغم من أنّ الماء الصالح للشرب لا ينحصر بالماء الجاري ، إلّا أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الماء الجاري يمثّل أفضل أنواع ماء الشرب ، سواء كان من العيون أو الأنهار أو القنوات أو الآبار المتدفّقة

ونقل بعض المفسّرين أنّ أحد الكفّار عند ما سمع قوله تعالى :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) قال : (رجال شداد ومعاول حداد) وعند نومه ليلا نزل الماء الأسود في عينيه ، وفي هذه الأثناء سمع من يقول : أتي بالرجال الشداد والمعاول الحداد ليخرجوا الماء من عينيك.

ومن الواضح أنّه في حالة عدم وجود القشرة الصلبة وغير القابلة للنفوذ ، فإنّه لا يستطيع أي إنسان قوي ولا أي معول حادّ أن يستخرج شيئا من الماء(١) .

* * *

تعقيب

جاء في الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ المراد من الآية الأخيرة من هذه السورة هو ظهور الإمام المهديعليه‌السلام وعدله الذي سيعمّ العالم.

فقد جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «نزلت في الإمام القائمعليه‌السلام ، يقول : إن أصبح إمامكم غائبا عنكم ، لا تدرون أين هو؟ فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السموات والأرض ، وحلال الله وحرامه؟ ثمّ قال : والله ما جاء تأويل هذه الآية ، ولا بدّ أن يجيء تأويلها»(٢) .

والروايات في هذا المجال كثيرة ، وممّا يجدر الانتباه له أنّ هذه الروايات هي من باب (التطبيق).

وبعبارة اخرى فإنّ ظاهر الآية مرتبط بالماء الجاري ، والذي هو علّة حياة

__________________

(١) أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٢١٩.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٧.

٥٠٩

الموجودات الحيّة. أمّا باطن الآية فإنّه يرتبط بوجود الإمامعليه‌السلام وعلمه وعدالته التي تشمل العالم ، والتي هي الاخرى تكون سببا لحياة وسعادة المجتمع الإنساني.

ولقد ذكرنا مرّات عدّة أنّ للآيات القرآنية معاني متعدّدة ، حيث لها معنى باطن وظاهر ، إلّا أنّ فهم باطن الآيات غير ممكن إلّا للرسول والإمام المعصوم ، ولا يحقّ لأي أحد أن يطرح تفسيرا ما لباطن الآيات. وما نستعرضه هنا مرتبط بظاهر الآيات ، أمّا ما يرتبط بباطن الآيات فعلينا أن نأخذه من المعصومينعليهم‌السلام فقط.

لقد بدأت سورة الملك بحاكمية الله ومالكيته تعالى ، وانتهت برحمانيته ، والتي هي الاخرى فرع من حاكميته ومالكيته سبحانه ، وبهذا فإنّ بدايتها ونهايتها منسجمتان تماما.

اللهمّ ، أدخلنا في رحمتك العامّة والخاصّة ، وأرو ظمآنا من كوثر ولاية أولياءك.

ربّنا ، عجّل لنا ظهور عين ماء الحياة الإمام المهدي ، واطفئ عطشنا بنور جماله

ربّنا ، ارزقنا اذنا صاغية وعينا بصيرة وعقلا كاملا ، فأقشع عن قلوبنا حجب الأنانية والغرور لنرى الحقائق كما هي ، ونسلك إليك على الصراط المستقيم بخطوات محكمة وقامة منتصبة

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة الملك

* * *

٥١٠
٥١١

سورة

القلم

مكيّة

وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية

٥١٢

«سورة القلم»

محتوى السورة :

بالرغم من أنّ بعض المفسّرين شكّك في كون السورة بأجمعها نزلت في مكّة ، إلّا أنّ نسق السورة ومحتوى آياتها ينسجم تماما مع السور المكيّة ، لأنّ المحور الأساسي فيها يدور حول مسألة نبوّة رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومواجهة الأعداء الذين كانوا ينعتونه بالجنون وغيره ، والتأكيد على الصبر والاستقامة وتحدّي الصعاب ، وإنذار وتهديد المخالفين لهذه الدعوة المباركة بالعذاب الأليم.

وبشكل عامّ يمكن تلخيص مباحث هذه السورة بسبعة أقسام :

١ ـ في البداية تستعرض السورة بعض الصفات الخاصّة لرسول الإنسانية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصا أخلاقه البارّة السامية الرفيعة ، ولتأكيد هذا الأمر يقسم البارئعزوجل في هذا الصدد.

٢ ـ ثمّ تتعرّض بعض الآيات الواردة في هذه السورة إلى قسم من الصفات السيّئة والأخلاق الذميمة لأعدائه.

٣ ـ كما يبيّن قسم آخر من الآيات الشريفة قصّة (أصحاب الجنّة) والتي هي بمثابة توجيه إنذار وتهديد للسالكين طريق العناد من المشركين.

٤ ـ وفي قسم آخر من السورة ذكرت عدّة امور حول القيامة والعذاب الأليم للكفّار في ذلك اليوم.

٥ ـ كما جاء في آيات اخرى جملة إنذارات وتهديدات للمشركين.

٥١٣

٦ ـ ونلاحظ في آيات اخرى من السورة الأمر الإلهي للرسول العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يواجه الأعداء بصبر واستقامة وقوّة وصلابة.

٧ ـ وأخيرا تختتم السورة موضوعاتها بحديث حول عظمة القرآن الكريم ، وطبيعة المؤامرات التي كان يحوكها الأعداء ضدّ الرّسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

انتخاب (القلم) اسما لهذه السورة المباركة ، كان بلحاظ ما ورد في أوّل آية منها ، وذكر البعض الآخر أنّ اسمها (ن).

ويستفاد من بعض الروايات التي وردت في فضيلة هذه السورة أنّ اسمها «ن والقلم».

فضيلة تلاوة سورة القلم :

نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضيلة تلاوة هذه السورة أنّه قال : «من قرأ (ن والقلم) أعطاه الله ثواب الذين حسن أخلاقهم»(١) .

كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة (ن والقلم) في فريضة أو نافلة ، آمنه الله أن يصيبه في حياته فقر أبدا ، وأعاذه إذا مات من ضمّة القبر ، إن شاء الله»(٢) .

وهذا الأجر والجزاء يتناسب تناسبا خاصّا مع محتوى السورة ، والهدف من التأكيد على هذا النوع من الأجر من تلاوة السورة هو أن تكون التلاوة مقرونة بالوعي والمعرفة ومن ثمّ العمل بمحتواها.

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٧.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٠.

٥١٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) )

التّفسير

عجبا لأخلاقك السامية :

هذه السورة هي السورة الوحيدة التي تبدأ بحرف (ن) حيث يقول تعالى :( ن ) .

وقد تحدّثنا مرّات عديدة حول الحروف المقطّعة ، خصوصا في بداية سورة (البقرة) و (آل عمران) و (الأعراف) والشيء الذي يجدر إضافته هنا هو ما اعتبره البعض من أنّ (ن) هنا تخفيف لكلمة (الرحمن) فهي إشارة لذلك. كما أنّ البعض الآخر فسّرها بمعنى (اللوح) أو (الدواة) أو (نهر في الجنّة) إلّا أنّ كلّ تلك الأقوال ليس لها دليل واضح.

٥١٥

وبناء على هذا فإنّ الحرف المقطّع هنا لا يختلف عن تفسير بقيّة الحروف المقطّعة والتي أشرنا إليها سابقا.

ثمّ يقسم تعالى بموضوعين يعتبران من أهمّ المسائل في حياة الإنسان ، فيقول تعالى :( وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ) .

كم هو قسم عجيب؟ وقد يتصوّر أنّ القسم هنا يتعلّق ظاهرا بمواضيع صغيرة ، أي قطعة من القصب ـ أو شيء يشبه ذلك ـ وبقليل من مادّة سوداء ، ثمّ السطور التي تكتب وتخطّ على صفحة صغيرة من الورق.

إلّا أنّنا حينما نتأمّل قليلا فيه نجده مصدرا لجميع الحضارات الإنسانية في العالم أجمع ، إنّ تطور وتكامل العلوم والوعي والأفكار وتطور المدارس الدينية والفكرية ، وبلورة الكثير من المفاهيم الحياتية كان بفضل ما كتب من العلوم والمعارف الإنسانية في الحقول المختلفة ، ممّا كان له الأثر الكبير في يقظة الأمم وهداية الإنسان وكان ذلك بواسطة (القلم).

لقد قسّمت حياة الإنسان إلى عصرين : (عصر التأريخ) و (عصر ما قبل التأريخ) وعصر تأريخ البشر يبدأ منذ أن اخترع الإنسان الخطّ واستطاع أن يدوّن قصّة حياته وأحداثها على الصفحات ، وبتعبير آخر ، يبدأ عند ما أخذ الإنسان القلم بيده ، ودوّن للآخرين ما توصّل إليه (وما يسطرون) تخليدا لماضيه.

وتتّضح عظمة هذا القسم بصورة أكثر عند ما نلاحظ أنّ هذه الآيات المباركة حينما نزلت لم يكن هنالك كتاب ولا أصحاب قلم ، وإذا كان هنالك أشخاص يعرفون القراءة والكتابة ، فإنّ عددهم في كلّ مكّة ـ التي تمثّل المركز العبادي والسياسي والاقتصادي لأرض الحجاز ـ لم يتجاوز ال (٢٠) شخصا. ولذا فإنّ القسم بـ (القلم) في مثل ذلك المحيط له عظمة خاصّة.

والرائع هنا أنّ الآيات الاولى التي نزلت على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في (جبل النور) أو (غار حراء) قد أشير فيها أيضا إلى المنزلة العليا للقلم ، حديث يقول تعالى :

٥١٦

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) (١) .

والأروع من ذلك كلّه أنّ هذه الكلمات كانت تنطلق من فمّ شخص لم يكن يقرأ أو يكتب ، ولم يذهب للمكاتب من أجل التعليم قطّ ، وهذا دليل أيضا على أنّ ما ينطق به لم يكن غير الوحي السماوي.

وذكر بعض المفسّرين أنّ كلمة (القلم) هنا يقصد بها : (القلم الذي تخطّ به ملائكة الله العظام الوحي السماوي) ، (أو الذي تكتب به صفحة أعمال البشر) ، ولكن من الواضح أنّ للآية مفهوما واسعا ، وهذه الآراء تبيّن مصاديقها.

كما أنّ لجملة( ما يَسْطُرُونَ ) مفهوما واسعا أيضا ، إذ تشمل جميع ما يكتب في طريق الهداية والتكامل الفكري والأخلاقي والعلمي للبشر ، ولا ينحصر بالوحي السماوي أو صحائف أعمال البشر(٢) .

ثمّ يتطرّق سبحانه لذكر الأمر الذي أقسم من أجله فيقول تعالى :( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) .

إنّ الذين نسبوا إليك هذه النسبة القبيحة هم عمي القلوب والأبصار ، وإلّا فأين هم من كلّ تلك النعم الإلهية التي وهبها الله لك؟ نعمة العقل والعلم الذي تفوّقت بها على جميع الناس ونعمة الأمانة والصدق والنبوّة ومقام العصمة إنّ الذين يتّهمون صاحب هذا العقل الجبّار بالجنون هم المجانين في الحقيقة ، إنّ ابتعادهم عن دليل الهداية وموجّه البشرية لهو الحمق بعينه.

ثمّ يضيف تعالى بعد ذلك :( وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ) أي غير منقطع ، ولم لا

__________________

(١) العلق ، الآية ١ ـ ٥.

(٢) اعتبر البعض أنّ (ما) في (ما يسطرون) مصدرية ، واعتبرها بعض آخر بأنّها (موصولة) والمعنى الثاني أنسب ، والتقدير هكذا : (ما يسطرونه) ، كما اعتبرها البعض أيضا بمعنى (اللوح) أو (القرطاس) الذي يكتب عليه ، وفي التقدير (ما يسطرون فيه) كما اعتبر البعض (ما) هنا إشارة لذوي العقول والأشخاص الذين يكتبون هذه السطور ، إلّا أنّ المعنى الذي ذكرناه في المتن أنسب من الجميع حسب الظاهر.

٥١٧

يكون لك مثل هذا الأجر ، في الوقت الذي وقفت صامدا أمام تلك التّهم والافتراءات اللئيمة ، وأنت تسعى لهدايتهم ونجاتهم من الضلال وواصلت جهدك في هذا السبيل دون تعب أو ملل؟

«ممنون» من مادّة (منّ) بمعنى (القطع) ويعني الأجر والجزاء المستمرّ الذي لا ينقطع أبدا ، وهو متواصل إلى الأبد ، يقول البعض : إنّ أصل هذا المعنى مأخوذ من «المنّة» ، بلحاظ أنّ المنّة توجب قطع النعمة.

وقال البعض أيضا : إنّ المقصود من( غَيْرَ مَمْنُونٍ ) هو أنّ الله تعالى لم تكن لديه منّة مقابل هذا الأجر العظيم. إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

وتعرض الآية اللاحقة وصفا آخر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بقوله تعالى :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

تلك الأخلاق التي لا نظير لها ، ويحار العقل في سموّها وعظمتها من صفاء لا يوصف ، ولطف منقطع النظير ، وصبر واستقامة وتحمّل لا مثيل لها ، وتجسيد لمبادئ الخير حيث يبدأ بنفسه أوّلا فيما يدعو إليه ، ثمّ يطلب من الناس العمل بما دعا إليه والالتزام به.

عند ما دعوت ـ يا رسول الله ـ الناس ـ لعبادة الله ، فقد كنت أعبد الناس جميعا ، وإذ نهيتهم عن سوء أو منكر فإنّك الممتنع عنه قبل الجميع ، تقابل الأذى بالنصح ، والإساءة بالصفح ، والتضرّع إلى الله بهدايتهم ، وهم يؤلمون بدنك الطاهر رميا بالحجارة ، واستهزاء بالرسالة ، وتقابل وضعهم للرماد الحارّ على رأسك الشريف بدعائك لهم بالرشد.

نعم لقد كنت مركزا للحبّ ومنبعا للعطف ومنهلا للرحمة ، فما أعظم أخلاقك؟

«خلق» من مادّة (الخلقة) بمعنى الصفات التي لا تنفكّ عن الإنسان ، وهي ملازمة له ، كخلقة الإنسان.

وفسّر البعض الخلق العظيم للنبي بـ (الصبر في طريق الحقّ ، وكثرة البذل

٥١٨

والعطاء ، وتدبير الأمور ، والرفق والمداراة ، وتحمّل الصعاب في مسير الدعوة الإلهية ، والعفو عن المتجاوزين ، والجهاد في سبيل الله ، وترك الحسد والبغض والغلّ والحرص ، وبالرغم من أنّ جميع هذه الصفات كانت متجسّدة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أنّ الخلق العظيم له لم ينحصر بهذه الأمور فحسب ، بل أشمل منها جميعا.

وفسّر الخلق العظيم أيضا بـ (القرآن الكريم) أو (مبدأ الإسلام) ومن الممكن أن تكون الموارد السابقة من مصاديق المفهوم الواسع للآية أعلاه.

وعلى كلّ حال فإنّ تأصّل هذا (الخلق العظيم) في شخصية الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو دليل واضح على رجاحة العقل وغزارة العلم له ونفي جميع التّهم التي تنسب من قبل الأعداء إليه.

ثمّ يضيف سبحانه بقوله :( فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ) .

( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) أي من منكم هو المجنون(١) .

«مفتون» : اسم مفعول من (الفتنة) بمعنى الابتلاء ، وورد هنا بقصد الابتلاء بالجنون.

نعم ، إنّهم ينسبون هذه النسب القبيحة إليك ليبعدوا الناس عنك ، إلّا أنّ للناس عقلا وإدراكا ، يقيّمون به التعاليم التي يتلقّونها منك ، ثمّ يؤمنون بها ويتعلّمونها تدريجيّا ، وعندئذ تتّضح الحقائق أمامهم ، وهي أنّ هذه التعاليم العظيمة مصدرها البارئعزوجل ، أنزلها على قلبك الطاهر بالإضافة إلى ما منحك من نصيب عظيم في العقل والعلم.

كما أنّ مواقفك وتحرّكاتك المستقبلية المقرونة بالتقدّم السريع لانتشار الإسلام ، ستؤكّد بصورة أعمق أنّك منبع العلم والعقل الكبيرين ، وأنّ هؤلاء الأقزام

__________________

(١) (الباء) في (بأيّكم) زائدة و (أيّكم) مفعول للفعلين السابقين.

٥١٩

الخفافيش هم المجانين ، لأنّهم تصدّوا لمحاربة نور هذه الشمس العظيمة المتمثّلة بالحقّ الإلهي والرسالة المحمّدية.

ومن الطبيعي فإنّ هذه الحقائق ستتوضّح أمامهم يوم القيامة بصورة دامغة ، ويخسر هنالك المبطلون ، حيث تتبيّن الأمور وتظهر الحقيقة.

وللتأكيد على المفهوم المتقدّم يقول سبحانه مرّة اخرى :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .

وبلحاظ معرفة البارئعزوجل بسبيل الحقّ وبمن سلكه ومن جانبه وتخلّف أو انحرف عنه ، فإنّه يطمئن رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه والمؤمنون في طريق الهداية والرشد ، أمّا أعداؤه فهم في متاه الضلالة والغواية.

وجاء في حديث مسند أنّ قريشا حينما رأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدم الإمام عليعليه‌السلام على الآخرين ويجلّه ويعظّمه ، غمزه هؤلاء وقدحوا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : (لقد فتن محمّد به) هنا أنزل الله تعالى قرآنا وذلك قوله :( ن وَالْقَلَمِ ) وأقسم بذلك ، وإنّك يا محمّد غير مفتون ومجنون حتّى قوله تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) حيث الله هو العالم بالأشخاص الذين ضلّوا وانحرفوا عن سواء السبيل ، وهي إشارة إلى قريش التي كانت تطلق هذه الاتّهامات ، كما أنّه تعالى أعرف بمن اهتدى ، وهي إشارة إلى الإمام عليعليه‌السلام (١) .

* * *

بحثان

١ ـ دور القلم في حياة الإنسان

إنّ من أهمّ معالم التطور في الحياة البشرية ـ كما أشرنا سابقا ـ هو ظهور

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٤ ، (نقل الطبرسي هذا الحديث بسنده عن أهل السنّة).

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579