المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117307 / تحميل: 7175
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الله(١) وقالعليه‌السلام : من بات كادا في طلب الحلال غفر له(٢) وروى الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال: رأيت أبا الحسنعليه‌السلام يعمل في أرض له وقد استنقعت قدماه في العرق ! فقلت له: جعلت فداك اين الرجال؟ فقال: يا علي عمل باليدين من هو خير مني ومن أبي في أرضه.فقلت: ومن هو؟ قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنينعليه‌السلام وآبائي كلهم عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والصالحين(٣) وعن الفضل بن أي قرة قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام وهو يعمل في حايط له، فقلنا: جعلنا فداك دعنا نعمله أو يعمله بعض الغلمان؟ فقال: لا، دعوني فإني أشتهي أن يراني الله عزوجل أعمل بيدي وأطلب الحلال في أذى نفسي(٤) ، وكان امير المؤمنينعليه‌السلام يخرج في الهاجرة في الحاجة وقد كفيها يريد أن يراه الله عزوجل يتعب نفسه في طلب الحلال(٥) وروى هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان امير المؤمنينعليه‌السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمةعليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز(٦) وقال الكاظمعليه‌السلام : ان الله تعالى ليبغض العبد النوام، ان الله ليبغض العبد الفارغ(٧) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٣ الحديث ٦٦.

(٢) الوسائل: ج ١٢ كتاب التجارة باب ٤ من ابواب مقدماتها، الحديث ١٦ تنقلا عن الامالى ولفظ الحديث ٦٦ (من باب كالا من طلب الحلال بات مغفورا له.).

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش، والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٩ الحديث ٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٩ الحديث ٣١.

(٦) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٤.

(٧) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٣ الحديث ٧٠.

٣٤١

تنبيه: طلب الرزق بالتجارة أولى

وطلب الرزق بالتجارة أولى من طلبه بإيجار نفسه للعمل.روى عمار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام ألرجل يتجر وإن هو آجر نفسه أعطي أكثر مما يعطى في تجارته، قال: لا يواجر نفسه ولكن يسترزق الله عزوجل ويتجر، فاذا آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق(١) وروى اسحاق بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: شكى رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحرفة، فقال: أنظر بيوعا فاشترها ثم بعها، فما ربحت فيه فألزمه(٢) وروى السدير الصيرفي قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام أي شئ على الرجل في طلب الرزق؟ قال: يا سدير اذا فتحت بابك وبسطت بساطك فقد قضيت ما عليك(٣) .تتمة ينبغي لطالب التجارة أن يعتد أمورا: (أ) التفقه، فان رجلا قال لاميرالمؤمنينعليه‌السلام يا أمير المؤمنين إني أردت التجارة فقال: أفقهت في دين الله؟

الحديث ٧٥.

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٧ الحديث ٩١.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٤ الحديث ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٠ الحديث ٤٢.

٣٤٢

قال: يكون بعض ذلك، قال: ويحك التفقه ثم المتجر، فانه من باع واشترى ولم يسأل عن حرام وحلال إرتطم في الربا ثم ارتطم(١) وقالعليه‌السلام : الفقه ثم المتجر، إن من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم(٢) . ومعنى (ارتطم) ارتكب عليه أمره فلم يقدر على الخروج منه.

وقالعليه‌السلام : من اتجر بغير علم تورط في الشبهات(٣) مأخوذ من الورطة، وهي أرض مطمسة لاطريق فيها.

(ب) الاجمال في الطلب وترك الحرص، كيلا يحمله على إجتذاب المحارم.قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع: انى والله لا أعلم عملا يقربكم من الجنة إلا وقد نبأتكم عليه، ولا أعلم عملا يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه، وان الروح الامين نفث في روعي أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فاجملوا في الطلب انه ليس عبد من عباد الله إلا وله رزق بينه وبينه حجاب ان صبر آتاه الله به حلالا، وان لم يصير وهتك الحجاب فأكله حراما، قوصص(٤) به من رزقه وحوسب عليه، فلا يحملن أحدكم إستبطاء شئ من الرزق ان يطلبه من غير حله، لانه لا ينال من عند الله إلا بطاعة الله(٥) ويكره للصانع سهر الليل كله في عمل صنعته، لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى أمر الاخرة. قال الصادقعليه‌السلام : من بات ساهرا

____________________

(١) المستدرك: ج ٢ الباب ٢ من أبواب التجارة، الحديث ١ نقلا عن دعائم الاسلام.

(٢) المستدرك: ج ٢ الباب من أبواب آداب التجارة، الحديث ٤ نقلا عن دعائم الاسلام.

(٣) المستدرك: ج ٢ الباب ٢ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٥ نقلا عن دعائم الاسلام.

(٤) القص، القطع، يقال: قصصته من باب قتل، قطعته (مجمع البحرين).

(٥) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٢ الحديث ٣٣ ولا حظ ما علق عليه.

٣٤٣

في كسب ولم يعط العين حظها من النوم فكسبه ذلك حرام(١) وقالعليه‌السلام : الصناع إذا سهروا الليل كله (في عمل صنعته) فهو سحت(٢) وهو محمول على الكراهة الشديدة، أو على التحريم اذا منع شيئا من الواجبات كقسم الزوجات.

(ج) ذكر الله بقلبه ولسانه، لا يغفل جهده، فانه مطردة للشيطان ومدفعة للمكاره، والمواظبة على الآداب اللائقة المذكورة في المتن، لان صفة التجارة صنعة خطيرة، فاذا لم يحترس الانسان من أخطارها خيف عليه الهلاك، أولا ترى ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مر بالتجار، وكانوا يسمون السماسرة، فقال لهم: أما إني لا اسميكم السماسرة ولكن أسميكم التجار، والتاجر فاجر والفاجر في النار، فغلقوا أبوابهم و أمسكوا عن التجارة، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غد فقال: أين الناس؟ فقالوا: سمعوا ما قلت بالامس فأمسكوا، قال: وأنا أقوله اليوم، إلا من أخذ الحق وأعطاه(٣) وقال: بعثني ربي رحمة، ولم يجعلني تاجرا ولا زارعا، إن شرار هذه الامة التجار والزارعون، إلا من شح على دينه(٤) .

(د) عدم الاستهانة تقليل الرزق، لمارواه على بن هلال عن الحسين الجمال قال: شهدت اسحاق بن عمار وقد شد كيسه وهو يريد أن يقوم، فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار، فحل الكيس وأعطاه دراهم بدينار، فقلت: سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار فقال إسحاق بن عمار: ما فعلت هذا رغبة في الدنيا ولكن

____________________

(١) الفروع: ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ الحديث ٦.

(٢) الفروع: ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ أي الحديث ٧ وليس فيه جملة (في عمل صنعة).

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٣٦.روى نحو الجملة الاخيرة في الفقيه: ج ٣(٦١) باب التجارة وفضلها وفقهها ص ١٢١ الحديث ١٣ فلا حظ.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٢٧.

٣٤٤

سمعت الصادقعليه‌السلام يقول: من أستقل قليل الرزق حرم الكثير(١) .

(ه)‍ الاشهر استحباب الزراعة، لما روى سيابة إن رجلا سأل الصادقعليه‌السلام قوما يقولون: إن الزراعة مكروهة!؟ فقال: إزرعوا وأغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملا احل ولا أطيب منه، والله ليزرعن الزرع وليغرسن النخل بعد خروج الدجال(٢) وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقرعليه‌السلام عن الفلاحين؟ فقال: هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الاعمال شئ أحب إلى الله من الزراعة، وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا ادريس فإنه كان خياطا(٣) .

(و) الدعاء عند دخول السوق قال الصادقعليه‌السلام : فاذا دخلت سوقك فقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها.أللهم اني أعوذبك أن أظلم أو اظلم أو أبغي أو يبغى علي أو أعتدي أو يعتدى علي، اللهم إني أعوذبك من شر أبليس وجنوده وشر فسقه العرب والعجم حسبى الله لا أله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم(٤) .واذا اشترى شيئا قال ما روي عن الصادقعليه‌السلام : اذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره، فكبر ثم قل: أللهم إني إشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فضلا، أللهم إني إشتريته ألتمس فيه رزقك فاجعل لي فيه رزقا، اللهم إني إشتريته ألتمس فيه بركتك فاجعل لي فيه بركة(٥) .وقالعليه‌السلام : إذا اشتريت دابة أو

____________________

(١) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب النوادر ص ٣١١ الحديث

(٢) الفروع: ج ٥، كتاب المعيشة، باب فضل الزراعة ص ٢٦٠ الحديث ٣.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب من ذكر الله تعالى في السوق ص ١٥٦ الحديث ٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٦٤) باب الدعاء عند شراء المتاع للتجارة ص ١٢٥ الحديث ١ وليس فيه جملة (اللهم انى اشتريه التمس فيه بركتك الخ) وزاد في آخره (ثم أعد واحدة منها ثلاث مرات.

٣٤٥

والارواث والابوال مما لا يؤكل لحمه.وقيل: بالمنع من الابوال (كلها خ) الا أبوال الابل.والخنزير والكلاب عدا كلب الصيد.رأسا فقل: أللهم ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة(١) .قال طاب ثراه: وقيل بالمنع من الابوال (كلهاخ) الا أبوال الابل.

أقول: القال بذلك المفيد(٢) وتلميذه(٣) والشيخ في النهاية(٤) واختاره المصنف في كتاب الاطعمة من الشرايع(٥) لاستخباثها، ولانها من الفضلات فاشتبهت البصاق والمخاط، وخرج بول الابل لفائدة الاستشفاء عند الضرورة، فبقي الباقي على أصله.

وقال في المبسوط بالجواز لمكان طهارتها، ولا صالة الاباحة، وجواز الانتفاع، فجاز البيع كبول الابل، واختاره ابن ادريس(٧) والمصنف في النافع(٨) .وللعلامة

____________________

(١) التهذيب: ج ٧(١) باب فضل التجارة وآدابها ص ١٠ ذيل حديث ٣٤.

(٢) المقنعة: ص ٩٠ ابواب المكاسب س ٢٦ قال: والابوال كلها حرام الا أبوال الابل خاصة فانه لا بأس بيعها والانتفاع بها الخ.

(٣) المراسم: كتاب المكاسب ص س ٨ قال: والابوال ببيع وغيره حرام الا بيع بول الابل خاصة الخ.

(٤) النهاية: باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٤ س ٧ قال: وجميع النجاسات إلى أن قال: الا ابوال الابل خاصة الخ.

(٥) الشرايع: كتاب الاطعمة والاشربة، قال: الرابع الاعيان النجسة كالبول إلى أن قال: الا أبوال الابل فانه يجوز الاستشفاء بها الخ.

(٦) المبسوط: ج ٢ كتاب البيوع، فصل في ما حكم ما يصح بيعه ومالا يبيعه ومالا يصح ص ١٦٧ س ١١ قال واما الطاهر الذي فيه منفعغة فانه يجوز بيعه الخ واستدل في المختلف لقول المفيد بهذه الجملة ايضا لا حظ: كتاب المتاجر ص ١٦٢ س ٦.

(٧) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٣٠ قال: ولا بأس بابوال وأرواث ما يؤكل لحمه.

(٨) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٣٤٦

وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان، والمايعات النجسة عدا الدهن لفائدة الاستصباح.ولا يباع ولا يستصبح بما يذاب من شحوم الميتة والياتها.

الثاني: الآلات المحرمة كالعود والطبل والزمر وهياكل العبادة المبتدعة كالضم والصليب وآلات القمار كالنرد والشطرنج مثل القولين، فأجاز في المختلف(١) ومنع في القواعد(٢) .

قال طاب ثراه: وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان: أقول: أما كلب الصيد فقريب من الاجماع، وفيه قول بالمنع متروك، وانما الخلاف في الثلاثة الباقية، أعني كلب الزرع، والحايط، وهو البستان، وكذا القول في كلب الدار، لدعاء الضرورة اليه، فمنع الشيخان(٣) والقاضي(٤) والمصنف في الشرايع(٥) ، واجازه ابن حمزة(٦) وابوعلي(٧) وابن ادريس(٨) والعلامة(٩) .

____________________

(١) المختلف: كتاب المتاجر ص ١٦٢ س ٧ قال: بعد نقل قول المبسوط: والاقرب الجواز.

(٢) القواعد: كتاب المتاجر ص ١٢٠ س قال: والاقرب في أبوال ما يؤكل لحمه التحريم للاستخباث إلا بول الابل للاستثفاء.

(٣) المقنعة: ابواب المكاسب ص ٩٠ س ٣٧ قال: وثمن الكلب حرام إلا ما كان سلوقيا للصيد الخ وفي النهاية: باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٤ س ١٦ قال: وكذلك ثمن الكلب الا ما كان سلوقيا للصيد الخ.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب، ولكن في المختلف:كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ١٥ قال: و قال ابن البراج: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره.

(٥) الشرايع: كتاب التجارة قال: مسائل الاولى: لا يجوز بيع شئ من الكلاب إلا كلب الصيد الخ.

(٦) الجوامع الفقيه الوسيلة: كتاب البيع ص ٧٠٧ س ٩ قال: والثاني اما يمكن الانتفاع بها مثل جوارح الصيد والسباع وكلب الصيد والماشية والزرع والحراسة إلى أن قال: جاز بيع جميع ذلك.

(٧) و(٨) المختلف: كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٤ قال: وقال ابن الجنيد: لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع إلى أن قال: به قال: ابن حمزة وهو الاقرب.

(٩) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٦ س ٣٣ قال: واقتناء الكلاب الا لصيد أو حفظ ما شية أو زرع أو حائظ.

٣٤٧

احتج المانعون بما رواه الوليد القماري قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال: سحت، أما الصيود فلا بأس(١) ولانها عين نجسة فيحرم معها كالعذرات.

احتج المجوزون باصالة الاباحة، وبأن المقتضي لجواز بيع كلب الصيد - وهو الانتفاع به وثبوت الحاجة إلى المعاوضة عليه - موجود في الباقي، قال العلامة: ولان لهاديات منصوصة فيجوز المعاوضة عليها، ولانه يجوز اجارتها فيجوز بيعها(٢) .

ولقائل أن يقول: تنصيص الشارع على جعل الديات لها، ربما كان دليلا مانعا من صحة بيعها، لانا إستقرينا الاعيان التي ينتفع بها ويجوز بيعها، فوجدنا الشارع قدر فيها عند إتلافها على مالكها قيمتها السوقية كالبهيمة والعبد، وما كان منهما ينتفع به انتفاعا محللا ولا يجوز المعاوضة عليه ولا أخذ القيمة عنه جعل في إتلافه مقدرا منصوصا، وهو المسمى بالدية كالحر، فلما أجاز الشارع الانتفاع بهذه الكلاب ولم يكن لها في نظره قيمة، جعل في إتلافها عدوانا دية مقدرة كما جعل في الحر، لانها لو كانت مالا لجعل في إتلافها القيمة كالعبد.وأما الاجارة فلا تدل على جواز البيع قطعا، فانها يجوز على الحر، ولا يصح بيعه، وعلى ام الولد ولا يصح بيعها، وعلى الوقف والمرهون ولا يصح بيعهما.ويمكن أن يجاب عنه قوله: لو جاز بيعها لزم في إتلافها القيمة كالبهيمة، قلنا: منقوض بالعبد، فان الواجب في اتلافه قيمة مالم تزد عن دية الحر، فيلزم ديته خاصة وان تجاوزت قيمته أضعاف الدية، ففيه ايضا مقدرة وصحة بيعه إجماع.وفيه نظر، لان رد الشارع القيمة مع التجاوز إلى الدية لمانع، وهو عدم جواز

____________________

(١) الفروع: ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ الحديث ٥.

(٢) المختلف: كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٩ قال: ولان لهاديات الخ.

٣٤٨

الثالث: ما يقصد به المساعدة على المحرم كبيع السلاح لاعداء الدين في حال الحرب، وقيل: مطلقا، واجارة المساكن والحمولات للمحرمات، وبيع العنب ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما، ويكره بيعه ممن يعمله.تفضيل العبد على الحر، بل لا يجوز مساواته في القصاص إجماعا، فكيف يفضل عنه في الدية، ولا يلزم من كونها مقدرة بالدية في صورة جزئية، لمانع، أن يكون مقدرة مطلقا وينخرم بها ضابط إجماعى، وأيضا فإن العبد قد يجب بقتله قيمته وان تجاوزت أضعاف الدية، فيما لو قتله الغاصب.

فرعان: كلب الماء و كلب البحر

(أ) كلب الدار وهو ما يتخذ للحفظ بالليل للبيوت، وما تتخذه أصحاب الطنب(١) يجوز اقتناؤه على الاقرب، لانه في معنى الثلاثة، وجزم به الشيخ به المبسوط(٢) والاقوى جواز البيع ايضا للمشاركة في الضرورة المسوغة للبيع.

(ب) كلب الماء طاهر، ويجوز الانتفاع بخصيته اذا كان ذكيا، ومنع ابن إدريس منهما(٣) وهو نادر.

قال طاب ثراه: ما يقصد به المساعدة على المحرم كبيع السلاح لاعداء الدين في حال الحرب وقيل: مطلقا.

____________________

(١) ألطنب والطنب معا: حبل الخباء والسرادق ونحوهما والاطناب ما يشد به البيت من الحبال بين الارض والطرائق (لسان العرب: ج ١ ص ٥٦٠ لغد طنب).

(٢) المبسوط: ج ٢ فصل في بيعه ومالا يصح ص ١٦٦ س ٧ قال: وكذلك يجوز أقتناؤه لحفظ البيوت.

(٣) السرائر: باب ضروب المكاسب، ص ٢٠٨ س ١ قال: لا بأس بيع اربعة كلاب وشرائها وأكل ثمنها وعداها محرم محظور ثمنة وثمن جلده، سواء ذكي أم لم يذك لانه لا تحله الحياة، وسواء كان كلب بر أو بحر الخ.

٣٤٩

الرابع: ما لا ينتفع به كالمسوخ، برية كانت كالدب والقرد، أو بحرية كالجرى والسلاحف، وكذا الضفادع والطافي، ولا بأس بسباع الطير والهر والفهد، وفي بقية السباع قولان، أشبههما الجواز.

الخامس: الاعمال المحرمة، كعمل الصور المجسمة، والغناء عدا المغنية لزف العرايس اذا لم تغن بالباطل، ولم تدخل عليها الرجال، والنوح بالباطل، أما بالحق فجايز، وهجاء المؤمنين، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض، وتعلم السحر والكهانة، والقيافة.والشعبذة، والقمار، والغش بما يخفى، وتدليس الماشطة، ولا بأس بكسبها أقول: بيع السلاح لاهل الحرب لايجوز إجماعا.وأما اعداء الدين كاصحاب معاوية، هل يحرم بيع السلاح منهم مطلقا؟ أو في حال الحرب خاصة؟ بالاول قال الشيخان(١) وسلار(٢) والتقي(٣) و بالثاني قال المصنف(٤) وابن ادريس(٥) .ودلالة الاخبار عليه أوضح من دلالتها على مذهب الشيخ(٦) .

قال طاب ثراه: وفي بقية السباع قولان: أشبههما الجواز.

____________________

(١) المقنعة: أبواب المكاسب ص ٩٠ س ٢٧ قال: وبيع السلاح لاعداء الدين حرام عمله لمعونتهم على قتال المسلمين حرام.وفي النهاية، باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٥ س ٨ قال: وبيع السلاح لساير الكفار وأعداء الدين حرام وكذلك عمله لهم والتكسب بذلك الخ.

(٢) المراسم: كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ٩ قال: وبيع الساح لاعداء الله تعالى وعمله.

(٣) الكافي: فصل فيما يحرم فعله ص ٢٨٢ قال: وعمل السلاح وغيره لمعونة أعداء الدين من ضروب المحاربين والمظالم.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع فانهقدس‌سره قال: في حال الحرب.

(٥) السرائر: كتاب المكاسب، باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٢ قال: وعمل السلاح ما عدة ومعونة لاعداء الدين وبيعه لهم اذا كانت الحرب قائمه بيننا وبينهم الخ.

(٦) لا حظ التهذيب: ج ٦(٩٣) باب المكاسب ص ٣٥٣ الحديث ١٢٥ و ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٨

٣٥٠

مع عدمه، وتزيين الرجل بما يحرم عليه، وزخرفة المساجد والمصاحف.ومعونة الظالم، واجرة الزانية.

أقول: للاصحاب في السباع خمسة أقوال:

(أ) الجواز مطلقا حتى في الضبع الذئب، لطهارتهما والانتفاع بجلدهما أو ريشهما، وهو مذهب ابن ادريس و(١) العلامة(٢) وظاهر القاضي(٣) .

(ب) المنع مطلقا، وهو مذهب الحسن(٤) فانه جعل المناط ما يحرم أكله من السباع والطير والسمك والنبات والثمار والبيض.

(ج) تحريم ماعدا الفهد، وهو قول الاكثر من المتقدمين، وبه قال الشيخ في النهاية(٥) والخلاف(٦) وسلار(٧) .

(د) تحريم ماعدا الفهد وسباع الطير وهو قول المفيد(٨) .

____________________

(١) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٣٥ قال: بعد نقل قول الشيخ في النهاية: قا ل: محمد بن ادريس: قوله الفيلة والدببة، فيه كلام ذلك ان ما جعل الشارع وسوغ الانتفاع به فلا بأس بيعه إلى أن قال بعد أسطر: فلا فرق بين الذئب والاسد والدب وبين الرنب والثعلب الخ.

(٢) المختلف: كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ٢ قال بعد نقل قول الاقوال: والاقرب الجواز.

(٣) و(٤) المختلف: كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ١ قال: وقال: ابن البراج: لا يجوز بيع ما كان مسخا من الوحوش ويجوز بيع جوارح الطير والسباع والوحوش، وقال قبل: أسطر: وقال: ابن أبي عقيل: جميع ما يحرم بيعه وشراؤه ولبسه عندآل الرسول بجميع ما ذكرناه الخ.

(٥) النهاية: باب المكاسب المحظورة والمكروهة، ص ٣٦٤ س ١٧ قال: وبيع جميع السباع إلى أن قال: الا الفهود خاصة.

(٦) الخلاف: كتاب البيوع: مسألة ٣٠٧ قال: لا يجوز بيع شئ من المسوخ الخ.

(٧) المراسم: كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ١٤ قال: وكل محرم الاكل من البحر أو البر، قال في المختلف (ص ١٦٢ س ٢٩) وقال: سلار: يحرم بيع القردة والسباع والفيلة والدبات: ولم أعثر على هذه العبارة في المراسم.

(٨) المقنعة: ابواب المكاسب ص ٩١ س ١ قال: بعد عد المحرمات: والتجارة في الفهود والبزاة وسباع الطير التي بها حلال.

٣٥١

السادس: الاجرة على القدر الواجب من تغسيل الاموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم، والرشا في الحكم، والاجرة على الصلاة بالناس، والقضاء، ولا بأس بالرزق من بيت المال، وكذا على الاذان، ولا بأس بالاجرة على عقد النكاح.والمكروه اما لافضائه إلى المحرم غالبا كالصرف، وبيع الاكفان، والطعام، والرقيق، والصباغة والذباحة.وبيع ما يكن من السلاح لاهل الكفر كالخفين والدرع.وأما لصنيعته كالحياكة، والحجامة اذا شرط الاجرة، وضراب الفحل، ولابأس بالختانة وخفض الجواري.وأما لتطرق الشبهة ككسب الصبيان ومن لا يجتنب المحارم.ومن المكروه، الاجرة على تعليم القرآن ونسخه، وكسب القابلة مع الشرط، ولا بأس به لو تجرد، ولا بأس باجرة تعليم الحكم والآداب.وقد يكره الاكتساب بأشياء أخر تاتى إن شاء الله تعالى.

مسائل ست

الاولى: لا يؤخذ ما ينثر في الاعراس إلا ما يعلم معه الاباحة.

(ه‍) إباحة الجميع الا ما لا ينتفع به منها كالسبع والذئب وهو قول الشيخ في المبسوط(١) .

قال طاب ثراه: ولا بأس بالاجرة على عقد النكاح

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ فصل في حكم ما يصح بيعه ومالا يصح ص ١٦٦ س ١٦ قال: وما يؤكل لحمه مثل الفهد والثمر والفيل إلى أن قال: فهذا كله يجوز بيعه، وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز الخ.

٣٥٢

الثانية: لا بأس ببيع عظام الفيل وإتخاذ الامشاط منها.

الثالثة: يجوز أن يشترى من السلطان ما يأخذه باسم المقاسمة واسم الزكاة من ثمرة وحبوب ونعم، وإن لم يكن مستحقا له.

الرابعة: لو دفع اليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم، فلا يأخذ منه إلا بإذنه على الاصح ولو أعطى عياله جاز إذا كانوا بالصفة، ولو عين له لم يتجاوز.

أقول: يريد بجواز أخذ الاجرة أو الجعالة على تولي ايقاع عقد النكاح، بأن يكون وكيلا لاحد الزوجين.

أما تلقين الصيغة والقاؤها على المتعاقدين، فلا، لان ذلك من باب تعليم الاحكام الشرعية الواجب من باب الحسبة، ولا يجوز أخذ الاجرة على الواجب.

قال طاب ثراه: لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم، فلا يأخذ منه إلا بإذنه على الاصح.

أقول: قال الشيخ في النهاية: يجوز أن يأخذ مثل ما يعطى غيره(١) ومنع في المبسوط(٢) ولابن إدريس(٢) مثل القولين، فاجاز في المكاسب(٣) ومنع في الزكاة(٤)

____________________

(١) النهاية: باب المكاسب امحظورة والمكروهد والمباحة ص ٣٦٦ س ٥ قال: وأما ما هو مباح، فمن ذلك اذا أعطى الانسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء إلى أن قال: جاز له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره.الخ.

(٢) المبسوط: ج ٢ كتاب الوكالة ص ٤٠٣ س ٤ قال: اذا وكله في تفرقة ثلثة في الفقراء والمساكين لم يجز أن يصرف إلى نفسه منه شيا وان كان قفيزا مسكينا الخ.

(٣) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٨ س ٢٦ قال: ومن المباح اذا أعطى الانسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو محتاجا إلى شئ من ذلك جاز له أن يأخذ منه اذا كان مستحقا ومن أهله مثل ما يعطي غيره الخ.

(٤) السرائر: كتاب الزكاة، باب مستحق الركاة واقل ما يعطى منها ص ١٠٧ س ٢٤ قال: وروي ان من أعطى غيره زكاة الاموال ليفرقها على مستحقيها وكان مستحقا للزكاة جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره إلى أن قال: والاولى عندي ترك العمل بهذه الرواية الخ.

٣٥٣

الخامسة: جوائز الظالم محرمة إن علمت بعينها، وإلا فهي حلال.

السادسة: الولاية من العادل جائزة، وربما وجبت.وعن الجائر محرمة الا مع الخوف، نعم لو تيقن التخلص من المآثم والتمكن من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت.ولو أكره لا مع ذلك أجاب دفعا للضرر وينفذ أمره ولو كان محرفا، الا في قتل المسلم.وكذا المصنف فانه منع في النافع(١) وأجاز في الشرايع(٢) واختار العلامة المنع(٣) لصحيحة عبدالرحمان بن الحجاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين، وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه(٤) وهي مقطوعة، وفصل بعض الناس فقال: إن كان المالك قال له: إصرف هذا إذا أخرجه، لم يجز، وإن قال له: ضعه جاز، وليس بشئ، والعلامة في المختلف قال مسألة: من دفع إلى غيره مالا ليضعه في المحاويج(٥) فجعل موضوع المسألة، الوضع، فلا تفاوت بين اللفظين

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) الشرايع: كتاب التجارة، مسائل، الثالثة، قال: وإن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة.

(٣) و(٥) المختلف: كتاب الشرايع ص ١٦٥ س ٩ قال: مسألة من دفع مالا إلى غيره ليغضه في المحاويج إلى أن قال: والاقرب ما ذكره في المبسوظ.

(٤) التهذيب: ج ٦(٩٣) باب المكاسب ص ٣٥٢ الحديث ١٢١.

٣٥٤

الفصل الثاني: في البيع وآدابه

أما البيع: فهو الايجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدر.

وله شروط: الاول: يشترط في المتعاقدين كمال العقل والاختيار، وأن يكون البايع مالكا أو وليا كالاب والجد للاب والحاكم وأمينه والوصي، أو

الفصل الثاني: في البيع وآدابه

أما البيع فهو الايجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدر.

فقوله: (الايجاب والقبول) كالجنس، ويخرج بهما انتقال عين لا بايجاب وقبول، كالارث وكالعين المأخوذة بالشفعة، ويشمل ساير العقود، والبواقى كالفصول يخرج غير البيع من العقود، فقوله: " اللذان ينتقل بهما العين " إحترازا عن ايجاب وقبول لا يوجبان نقل عين، بل يملكان ولاية كالوصية والنكاح، أو نقل منفعة كالاجارة، وقوله: " المملوكة " احترازا من انتقال عين غير مملوكة بايجاب كالوصية بالكلب على القول بعدم بيعه، وقوله " بعوض مقدر " إحترازا عن انتقال عين مملوكة بعوض غير مقدر كالهبة التي شرط فيها مطلق العوض.

هذا مفهوم الحد، وفيه نظر، لانه يدخل فيه الهبة التى شرط فيها عوض مقدر، فلا بد من ضم قيد، وهو قوله: بعوض مقدر لازم له، أي لماهية العقد، فان التقدير في الهبة ليس من لوازمه، وهو من لوازم عقد البيع.

٣٥٥

وكيلا، ولو باع الفضولي فقولان: أشبههما: وقوفه على الاجازة.

قال طاب ثراه: ولو باع الفضولي فقولان: أشبههما: وقوفه على الاجارة.

أقول: وقوف العقد على الاجازة مذهب المفيد(١) والشيخ في النهاية(٢) وابن حمزة(٣) وأبي علي(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة(٦) .

وقال في المبسوط(٧) والخلاف يقع باطلا(٨) وتبعه إبن إدريس(٩) .

احتج الاولون: بأنه بيع صدر من أهله في محله، فكان صحيحا.أما صدوره من أهله؟ فلصدوره من بالغ عاقل مختار، وجامع هذه الصفات، أهل للايقاعات.وأما كونه في محله؟ فلوقوعه على عين يصح تملكها وينتفع بها، قابلة للنقل من مالك إلى غيره.وأما الصحة فلثبوت المقتضى السالم عن معارضة كون الشئ غير

____________________

(١) المقنعة: باب اجازة البيع وصحة وفساده ص ٩٤ س ١٧ قال: ومن باع مالا يملك بيعه كان البيع موقوفا على اجازة المالك له أو ابطالة اياه الخ.

(٢) النهاية: باب الشرط في العقود ص ٣٨٥ س ٢ قال: فان باع مالا يملك كان البيع موقوفا على صاحبه، فان أمضاء مضى الخ.

(٣) الجوامع الفقية: الوسيلة: ص ٧٠٧ فصل في بيان بيع الفضولي، قال: فاذا باع كان البيع موقوفا، فان أجازه مالكه صح الخ.

(٤) و(٦) المختلف: كتاب التجارة ص ١٧٠ س ١٥ قال: مسألة شرط لزوم البيع، الملك إلى أن قال: وهو مذهب ابن الجنيد إلى قومه لنا انه بيع صدر من أهله في محلة فكان صحيحا الخ.

(٥) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٧) المبسوط: ج ٢، كتاب الوكانه ص ٣٩٧ س ١٤ قال: إذا أعطاه دينارا وقال: اشتريه شاة فاشترى به شاتين إلى أن قال: فالظاهر أن الشراء لم يلزم الموكل الخ.

(٨) الخلاف: كتاب الوكاله، مسألة ٢٢ وفيه فان الشراء يلزم الموكل فيكون الشاتان له إلى أن قال: دليلنا ان شراء الشاتين وقع للموكل بماله وقد بينا أن عقد الوكيل للموكل فيجب أن يكون شراء‌هما الخ وهذا خلاف ماقاله في المبسوط وفي المختلف ص ١٧٠ س ١٧ نسب بطلان الفضولى إلى الخلاف والمبسوط حيث قال: وقال: في الخلاف والمبسوط يقع باطلا غير موقوف على الاجازة الخ وهو كما ترى.

٣٥٦

ولو باع ما لا يملكه مالك كالحر وفضلات الانسان والخنافس والديدان لم ينعقد.ولو جمع بين مايملك وما لا يملك في عقد واحد كعبده وعبد غيره، صح في عبده، ووقف الآخر على الاجازة.أما لو باع العبد والحر، أو الشاة والخنزير صح فيما يملك وبطل في الآخر ويقومان، ثم يقوم أحدهما ويسقط من الثمن ما قابل الفاسد.

الثاني: ألكيل أو الوزن أو العدد، فلو بيع ما يكال أو يوزن او يعد لا كذلك، بطل.ولو تعسر الوزن أو العدد أعتبر مكيال واحد بحسابه، ولا يكفي مشاهدة الصبرة ولا المكيال المجهول، ويجوز ابتياع جزء مشاع بالنسبة من معلوم، وإن اختلفت أجزاؤه.

الثالث: لا تباع العين الحاضرة الا مع المشاهدة أو الوصف.ولو مملوك للعاقد، فان ذلك غير صالح لمانعية صحة العقد، لان المالك لو أذن له قبل العقد صح، فكذا بعده، إذ لا فارق.ولمارواه عروة بن الجعد البارقى: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاه دينارا ليشترى به شاة، فاشترى شايتن به، ثم باع أحدهما بدينار في الطريق قال: فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدينار والشاة فأخبرته، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك(١) إحتج المانعون بوجهين:

(أ) أنه غير مقدور على تسليمه، فهو كبيع الابق والطير في الهواء.

(ب) رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا طلاق إلا فيما يملك، أبيه عن جده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك، ولا بيع إلا فيما يملك(٢) ونفي البيع عن غير الملك، ونفي الحقيقة غير ممكن فيحمل على أقرب المجازات وهو نفي الصحة.

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٥ الحديث ٣٦ ولا حظ ما علق عليه(٢) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٥ الحديث ٣٧.

٣٥٧

كان المراد طعمها أو ريحها، فلا بد من إختبارها إذا لم يفسد به ولو بيع ولما يختبر فقولان: أشبههما الجواز وله الخيار لو خرج معيبا، ويتعين الارش بعد الاحداث فيه.ولو أدى إختباره إلى إفساد كالجوز والبطيخ قال طاب ثراه: ولو بيع ولما يختبر، فقولان: أشبههما الجواز.

أقول: ألمبيع إما أن يمكن إختاره من غير إفساد له كاللبن والسيلان، أو لا يمكن إلا بعد إفساد كالبيض والبطيخ، فهنا قسمان: الاول: ما يمكن إختباره.شرط لزوم العقد فيه إختباره، وهل هو شرط الصحة؟ قال الشيخان: نعم(١) .وبه قال سلار(٢) والتقي(٣) والقاضي(٤) وإبن حمزة(٥) ولابن أدريس هنا اضطراب(٦) واختار المصنف(٧) والعلامة الصحة(٨) ويكون

____________________

(١) المقنعة: باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار ص ٩٥ قال: ومالا يمكن اختباره الا بافساده إلى أن قال: فانه لا يصح بيعه بغير اختبار له وفي النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز ص ٤٠٤ س ٧ قال: وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختباره إلى أن قال: فان بيع من غير اختبار كان البيع غير صحيح الخ.

(٢) المراسم: ذكر البيوع ص ١٧١ س ١٥ قال: واما الثاني (أي من الشرايط) إلى أن قال: وبيع ما يعرف بالاختبار.

(٣) الكافي: فصل في عقد البيع وشروط صحة وأحكامه ص ٣٥٤ س ١٤ قال: ومن شرط صحة بيع الحاضر اعتبار حال ما يمكن اعتباره إلى أن قال: ولا يصح من دون ذلك الخ.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب، وفي المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ٥ وقال: ابن البراج: لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبره الخ.

(٥) الجوامع الفقهيه الوسيلة: فصل في بيان الغرر ص ٧٠٦ س ٣٥ قال: وكل ما أمكن اختباره من غير افساد لم يصح بيعه من غير اختبار الخ.

(٦) السرائر: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٢٣٥ س ٧ قال: وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختباره إلى ان قال: فاذن لابد من شمة واختباره.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ١٢ قال: والمعتمد أن نقول: البيع صحيح الخ.

٣٥٨

جاز شراؤه، ويثبت الارش لو خرج معيبا، لا الرد، ويرجع بالثمن إن لم يكن لمكسورة قيمة.وكذا يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق.الخيار للمشتري إذا خرج معيبا بين الارش والرد، اذا لم يتصرف، ومعه الارش خاصة.

الثاني: ما لا يمكن اختباره، هل يجوز بيعه مطلقا؟ أو، بل بشرط الصحة، أو البراء‌ة، الاكثر على الجواز، ويكون الاصل ألصحة، فإن خرج معيبا من غير تصرف تخير بين الرد والارش، ومع التصرف الارش خاصة، وهو اختيار المصنف(١) والعلامة(٢) ومنع القاضي من دون الشرطين(٣) وهوظاهر الشيخين(٤) .

فرع

ولا فرق بين الاعمى والمبصر في ذلك، وقال سلار: تثبت له الخيار وان تصرف(٥) ، وهو نادر.

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ١٣ قال: وان خرج معيبا كان للمشتري الخيار بين الرد والارش.

(٣) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ٢٨ قال: وقال: ابن البراج، واما مالا يمكن اختباره الا بافساده، فلا يجوز بيعه الا بشرط الصحة أو البراء‌ة من العيوب الخ.

(٤) المقنعة، باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار ص ٩٥ س ١٠ قال: وما لا يمكن اختباره الا بافساده واستهلا كه كالبض إلى أن قال: فابتياعه جائز على شرط الصحة الخ وفي النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٤ س ١ قال: ومالا يمكن اختباره إلا بافساده وإهلاكه كالبيض إلى أن قال: فابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراء من العيوب الخ.

(٥) المراسم: ذكر، بيع الاعدال المخرومة والجرب المشدودة ص س ٩ قاقل: واما ما يفسده كالبيض إلى أن قال: الا يشتريه أعمى فانه يكون له أرشه أو رده.

٣٥٩

ولا يجوز بيع سمك الآجام لجهالته، ولو ضم اليه القصب على الاصح وكذا اللبن في الضرع، ولو ضم اليه ما يحتلب منه.وكذا أصواف قال طاب ثراه: ولا يجوز بيع سمك الاجام، لجهالته، وإن ضم اليه القصب على الاصح.

أقول: ما اختاره المصنف مذهب الشيخ في المبسوط(١) وبه قال ابن ادريس(٢) والجواز مذهبه في النهاية(٣) وبه قال القاضي(٤) وابن حمزة(٥) .وفصل العلامة، واجاز البيع إن كان القصب هو المقصود بالبيع والسمك تابعا، وعكس مع العكس(٦) والشيخ عول على رواية معاوية عن الصادقعليه‌السلام قال: لا بأس أن يشتري الانسان الاجام اذا كان فيها قصب(٧) وفي طريقها ضعف(٨) مع إمكان حملها على تفصيل العلامة.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢، فصل في بيع الغرر، ص ١٥٧ س ٧ قال: السمك في الماء، لا يجوز بيعه إجماعا، وروى أصحابنا انه يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من السمك.

(٢) السرائر: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٢٣٣ س ١٧ قال: فان كان فيها شئ من القصب إلى أن قال: لم يكن به بأس ثم قال: والاحتياط عندي ترك العمل بهذه الرواية فانها من شواذ الاخبار الخ.

(٣) النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠١ س ٤ قال: قان كان فيها شئ من القصب إلى أن قال: لم يكن به بأس.

(٤) لم اعثر عليه في المهذب وفي المختلف: ص ٢٠٩ س ٣١ قال: بعد نقل قول الشيخ في النهاية: وتبعه ابن البراج.

(٥) الجوامع الفقهيه، الوسيلة: ص ٧٠٦ س ٣٠ قال: وجاز بيع ثمرة شجرة إلى أن قال: وبيع ما في الاجمة من السمك اذا أخذ شيئا منها أو مع قصبها وشجرها الخ.

(٦) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ٢٠٩ س ٣٤ قال: والتحقيق أن نقول المضاف إلى السمك إن كان هو المقصود في البيع ويكون السمك تابعا له فالبيع صحيح الخ.

(٧) التهذيب: ج ٧

(٩) باب الغرر والمجازفة ص ١٢٦ الحديث ٢١.

(٨) سند الحديث كما في التهذيب (الحسن بن محمد بن سماعة بن زياد عن معاوية بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام ).

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579