المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117348 / تحميل: 7179
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الله(١) وقالعليه‌السلام : من بات كادا في طلب الحلال غفر له(٢) وروى الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال: رأيت أبا الحسنعليه‌السلام يعمل في أرض له وقد استنقعت قدماه في العرق ! فقلت له: جعلت فداك اين الرجال؟ فقال: يا علي عمل باليدين من هو خير مني ومن أبي في أرضه.فقلت: ومن هو؟ قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنينعليه‌السلام وآبائي كلهم عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والصالحين(٣) وعن الفضل بن أي قرة قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام وهو يعمل في حايط له، فقلنا: جعلنا فداك دعنا نعمله أو يعمله بعض الغلمان؟ فقال: لا، دعوني فإني أشتهي أن يراني الله عزوجل أعمل بيدي وأطلب الحلال في أذى نفسي(٤) ، وكان امير المؤمنينعليه‌السلام يخرج في الهاجرة في الحاجة وقد كفيها يريد أن يراه الله عزوجل يتعب نفسه في طلب الحلال(٥) وروى هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان امير المؤمنينعليه‌السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمةعليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز(٦) وقال الكاظمعليه‌السلام : ان الله تعالى ليبغض العبد النوام، ان الله ليبغض العبد الفارغ(٧) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٣ الحديث ٦٦.

(٢) الوسائل: ج ١٢ كتاب التجارة باب ٤ من ابواب مقدماتها، الحديث ١٦ تنقلا عن الامالى ولفظ الحديث ٦٦ (من باب كالا من طلب الحلال بات مغفورا له.).

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش، والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٩ الحديث ٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٩ الحديث ٣١.

(٦) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٤.

(٧) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٣ الحديث ٧٠.

٣٤١

تنبيه: طلب الرزق بالتجارة أولى

وطلب الرزق بالتجارة أولى من طلبه بإيجار نفسه للعمل.روى عمار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام ألرجل يتجر وإن هو آجر نفسه أعطي أكثر مما يعطى في تجارته، قال: لا يواجر نفسه ولكن يسترزق الله عزوجل ويتجر، فاذا آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق(١) وروى اسحاق بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: شكى رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحرفة، فقال: أنظر بيوعا فاشترها ثم بعها، فما ربحت فيه فألزمه(٢) وروى السدير الصيرفي قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام أي شئ على الرجل في طلب الرزق؟ قال: يا سدير اذا فتحت بابك وبسطت بساطك فقد قضيت ما عليك(٣) .تتمة ينبغي لطالب التجارة أن يعتد أمورا: (أ) التفقه، فان رجلا قال لاميرالمؤمنينعليه‌السلام يا أمير المؤمنين إني أردت التجارة فقال: أفقهت في دين الله؟

الحديث ٧٥.

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٧ الحديث ٩١.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٤ الحديث ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٠ الحديث ٤٢.

٣٤٢

قال: يكون بعض ذلك، قال: ويحك التفقه ثم المتجر، فانه من باع واشترى ولم يسأل عن حرام وحلال إرتطم في الربا ثم ارتطم(١) وقالعليه‌السلام : الفقه ثم المتجر، إن من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم(٢) . ومعنى (ارتطم) ارتكب عليه أمره فلم يقدر على الخروج منه.

وقالعليه‌السلام : من اتجر بغير علم تورط في الشبهات(٣) مأخوذ من الورطة، وهي أرض مطمسة لاطريق فيها.

(ب) الاجمال في الطلب وترك الحرص، كيلا يحمله على إجتذاب المحارم.قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع: انى والله لا أعلم عملا يقربكم من الجنة إلا وقد نبأتكم عليه، ولا أعلم عملا يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه، وان الروح الامين نفث في روعي أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فاجملوا في الطلب انه ليس عبد من عباد الله إلا وله رزق بينه وبينه حجاب ان صبر آتاه الله به حلالا، وان لم يصير وهتك الحجاب فأكله حراما، قوصص(٤) به من رزقه وحوسب عليه، فلا يحملن أحدكم إستبطاء شئ من الرزق ان يطلبه من غير حله، لانه لا ينال من عند الله إلا بطاعة الله(٥) ويكره للصانع سهر الليل كله في عمل صنعته، لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى أمر الاخرة. قال الصادقعليه‌السلام : من بات ساهرا

____________________

(١) المستدرك: ج ٢ الباب ٢ من أبواب التجارة، الحديث ١ نقلا عن دعائم الاسلام.

(٢) المستدرك: ج ٢ الباب من أبواب آداب التجارة، الحديث ٤ نقلا عن دعائم الاسلام.

(٣) المستدرك: ج ٢ الباب ٢ من أبواب آداب التجارة، الحديث ٥ نقلا عن دعائم الاسلام.

(٤) القص، القطع، يقال: قصصته من باب قتل، قطعته (مجمع البحرين).

(٥) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٢ الحديث ٣٣ ولا حظ ما علق عليه.

٣٤٣

في كسب ولم يعط العين حظها من النوم فكسبه ذلك حرام(١) وقالعليه‌السلام : الصناع إذا سهروا الليل كله (في عمل صنعته) فهو سحت(٢) وهو محمول على الكراهة الشديدة، أو على التحريم اذا منع شيئا من الواجبات كقسم الزوجات.

(ج) ذكر الله بقلبه ولسانه، لا يغفل جهده، فانه مطردة للشيطان ومدفعة للمكاره، والمواظبة على الآداب اللائقة المذكورة في المتن، لان صفة التجارة صنعة خطيرة، فاذا لم يحترس الانسان من أخطارها خيف عليه الهلاك، أولا ترى ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مر بالتجار، وكانوا يسمون السماسرة، فقال لهم: أما إني لا اسميكم السماسرة ولكن أسميكم التجار، والتاجر فاجر والفاجر في النار، فغلقوا أبوابهم و أمسكوا عن التجارة، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غد فقال: أين الناس؟ فقالوا: سمعوا ما قلت بالامس فأمسكوا، قال: وأنا أقوله اليوم، إلا من أخذ الحق وأعطاه(٣) وقال: بعثني ربي رحمة، ولم يجعلني تاجرا ولا زارعا، إن شرار هذه الامة التجار والزارعون، إلا من شح على دينه(٤) .

(د) عدم الاستهانة تقليل الرزق، لمارواه على بن هلال عن الحسين الجمال قال: شهدت اسحاق بن عمار وقد شد كيسه وهو يريد أن يقوم، فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار، فحل الكيس وأعطاه دراهم بدينار، فقلت: سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار فقال إسحاق بن عمار: ما فعلت هذا رغبة في الدنيا ولكن

____________________

(١) الفروع: ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ الحديث ٦.

(٢) الفروع: ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ أي الحديث ٧ وليس فيه جملة (في عمل صنعة).

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٣٦.روى نحو الجملة الاخيرة في الفقيه: ج ٣(٦١) باب التجارة وفضلها وفقهها ص ١٢١ الحديث ١٣ فلا حظ.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٢٧.

٣٤٤

سمعت الصادقعليه‌السلام يقول: من أستقل قليل الرزق حرم الكثير(١) .

(ه)‍ الاشهر استحباب الزراعة، لما روى سيابة إن رجلا سأل الصادقعليه‌السلام قوما يقولون: إن الزراعة مكروهة!؟ فقال: إزرعوا وأغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملا احل ولا أطيب منه، والله ليزرعن الزرع وليغرسن النخل بعد خروج الدجال(٢) وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقرعليه‌السلام عن الفلاحين؟ فقال: هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الاعمال شئ أحب إلى الله من الزراعة، وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا ادريس فإنه كان خياطا(٣) .

(و) الدعاء عند دخول السوق قال الصادقعليه‌السلام : فاذا دخلت سوقك فقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها.أللهم اني أعوذبك أن أظلم أو اظلم أو أبغي أو يبغى علي أو أعتدي أو يعتدى علي، اللهم إني أعوذبك من شر أبليس وجنوده وشر فسقه العرب والعجم حسبى الله لا أله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم(٤) .واذا اشترى شيئا قال ما روي عن الصادقعليه‌السلام : اذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره، فكبر ثم قل: أللهم إني إشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فضلا، أللهم إني إشتريته ألتمس فيه رزقك فاجعل لي فيه رزقا، اللهم إني إشتريته ألتمس فيه بركتك فاجعل لي فيه بركة(٥) .وقالعليه‌السلام : إذا اشتريت دابة أو

____________________

(١) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب النوادر ص ٣١١ الحديث

(٢) الفروع: ج ٥، كتاب المعيشة، باب فضل الزراعة ص ٢٦٠ الحديث ٣.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب من ذكر الله تعالى في السوق ص ١٥٦ الحديث ٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٦٤) باب الدعاء عند شراء المتاع للتجارة ص ١٢٥ الحديث ١ وليس فيه جملة (اللهم انى اشتريه التمس فيه بركتك الخ) وزاد في آخره (ثم أعد واحدة منها ثلاث مرات.

٣٤٥

والارواث والابوال مما لا يؤكل لحمه.وقيل: بالمنع من الابوال (كلها خ) الا أبوال الابل.والخنزير والكلاب عدا كلب الصيد.رأسا فقل: أللهم ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة(١) .قال طاب ثراه: وقيل بالمنع من الابوال (كلهاخ) الا أبوال الابل.

أقول: القال بذلك المفيد(٢) وتلميذه(٣) والشيخ في النهاية(٤) واختاره المصنف في كتاب الاطعمة من الشرايع(٥) لاستخباثها، ولانها من الفضلات فاشتبهت البصاق والمخاط، وخرج بول الابل لفائدة الاستشفاء عند الضرورة، فبقي الباقي على أصله.

وقال في المبسوط بالجواز لمكان طهارتها، ولا صالة الاباحة، وجواز الانتفاع، فجاز البيع كبول الابل، واختاره ابن ادريس(٧) والمصنف في النافع(٨) .وللعلامة

____________________

(١) التهذيب: ج ٧(١) باب فضل التجارة وآدابها ص ١٠ ذيل حديث ٣٤.

(٢) المقنعة: ص ٩٠ ابواب المكاسب س ٢٦ قال: والابوال كلها حرام الا أبوال الابل خاصة فانه لا بأس بيعها والانتفاع بها الخ.

(٣) المراسم: كتاب المكاسب ص س ٨ قال: والابوال ببيع وغيره حرام الا بيع بول الابل خاصة الخ.

(٤) النهاية: باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٤ س ٧ قال: وجميع النجاسات إلى أن قال: الا ابوال الابل خاصة الخ.

(٥) الشرايع: كتاب الاطعمة والاشربة، قال: الرابع الاعيان النجسة كالبول إلى أن قال: الا أبوال الابل فانه يجوز الاستشفاء بها الخ.

(٦) المبسوط: ج ٢ كتاب البيوع، فصل في ما حكم ما يصح بيعه ومالا يبيعه ومالا يصح ص ١٦٧ س ١١ قال واما الطاهر الذي فيه منفعغة فانه يجوز بيعه الخ واستدل في المختلف لقول المفيد بهذه الجملة ايضا لا حظ: كتاب المتاجر ص ١٦٢ س ٦.

(٧) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٣٠ قال: ولا بأس بابوال وأرواث ما يؤكل لحمه.

(٨) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٣٤٦

وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان، والمايعات النجسة عدا الدهن لفائدة الاستصباح.ولا يباع ولا يستصبح بما يذاب من شحوم الميتة والياتها.

الثاني: الآلات المحرمة كالعود والطبل والزمر وهياكل العبادة المبتدعة كالضم والصليب وآلات القمار كالنرد والشطرنج مثل القولين، فأجاز في المختلف(١) ومنع في القواعد(٢) .

قال طاب ثراه: وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان: أقول: أما كلب الصيد فقريب من الاجماع، وفيه قول بالمنع متروك، وانما الخلاف في الثلاثة الباقية، أعني كلب الزرع، والحايط، وهو البستان، وكذا القول في كلب الدار، لدعاء الضرورة اليه، فمنع الشيخان(٣) والقاضي(٤) والمصنف في الشرايع(٥) ، واجازه ابن حمزة(٦) وابوعلي(٧) وابن ادريس(٨) والعلامة(٩) .

____________________

(١) المختلف: كتاب المتاجر ص ١٦٢ س ٧ قال: بعد نقل قول المبسوط: والاقرب الجواز.

(٢) القواعد: كتاب المتاجر ص ١٢٠ س قال: والاقرب في أبوال ما يؤكل لحمه التحريم للاستخباث إلا بول الابل للاستثفاء.

(٣) المقنعة: ابواب المكاسب ص ٩٠ س ٣٧ قال: وثمن الكلب حرام إلا ما كان سلوقيا للصيد الخ وفي النهاية: باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٤ س ١٦ قال: وكذلك ثمن الكلب الا ما كان سلوقيا للصيد الخ.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب، ولكن في المختلف:كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ١٥ قال: و قال ابن البراج: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره.

(٥) الشرايع: كتاب التجارة قال: مسائل الاولى: لا يجوز بيع شئ من الكلاب إلا كلب الصيد الخ.

(٦) الجوامع الفقيه الوسيلة: كتاب البيع ص ٧٠٧ س ٩ قال: والثاني اما يمكن الانتفاع بها مثل جوارح الصيد والسباع وكلب الصيد والماشية والزرع والحراسة إلى أن قال: جاز بيع جميع ذلك.

(٧) و(٨) المختلف: كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٤ قال: وقال ابن الجنيد: لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع إلى أن قال: به قال: ابن حمزة وهو الاقرب.

(٩) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٦ س ٣٣ قال: واقتناء الكلاب الا لصيد أو حفظ ما شية أو زرع أو حائظ.

٣٤٧

احتج المانعون بما رواه الوليد القماري قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال: سحت، أما الصيود فلا بأس(١) ولانها عين نجسة فيحرم معها كالعذرات.

احتج المجوزون باصالة الاباحة، وبأن المقتضي لجواز بيع كلب الصيد - وهو الانتفاع به وثبوت الحاجة إلى المعاوضة عليه - موجود في الباقي، قال العلامة: ولان لهاديات منصوصة فيجوز المعاوضة عليها، ولانه يجوز اجارتها فيجوز بيعها(٢) .

ولقائل أن يقول: تنصيص الشارع على جعل الديات لها، ربما كان دليلا مانعا من صحة بيعها، لانا إستقرينا الاعيان التي ينتفع بها ويجوز بيعها، فوجدنا الشارع قدر فيها عند إتلافها على مالكها قيمتها السوقية كالبهيمة والعبد، وما كان منهما ينتفع به انتفاعا محللا ولا يجوز المعاوضة عليه ولا أخذ القيمة عنه جعل في إتلافه مقدرا منصوصا، وهو المسمى بالدية كالحر، فلما أجاز الشارع الانتفاع بهذه الكلاب ولم يكن لها في نظره قيمة، جعل في إتلافها عدوانا دية مقدرة كما جعل في الحر، لانها لو كانت مالا لجعل في إتلافها القيمة كالعبد.وأما الاجارة فلا تدل على جواز البيع قطعا، فانها يجوز على الحر، ولا يصح بيعه، وعلى ام الولد ولا يصح بيعها، وعلى الوقف والمرهون ولا يصح بيعهما.ويمكن أن يجاب عنه قوله: لو جاز بيعها لزم في إتلافها القيمة كالبهيمة، قلنا: منقوض بالعبد، فان الواجب في اتلافه قيمة مالم تزد عن دية الحر، فيلزم ديته خاصة وان تجاوزت قيمته أضعاف الدية، ففيه ايضا مقدرة وصحة بيعه إجماع.وفيه نظر، لان رد الشارع القيمة مع التجاوز إلى الدية لمانع، وهو عدم جواز

____________________

(١) الفروع: ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ الحديث ٥.

(٢) المختلف: كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٩ قال: ولان لهاديات الخ.

٣٤٨

الثالث: ما يقصد به المساعدة على المحرم كبيع السلاح لاعداء الدين في حال الحرب، وقيل: مطلقا، واجارة المساكن والحمولات للمحرمات، وبيع العنب ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما، ويكره بيعه ممن يعمله.تفضيل العبد على الحر، بل لا يجوز مساواته في القصاص إجماعا، فكيف يفضل عنه في الدية، ولا يلزم من كونها مقدرة بالدية في صورة جزئية، لمانع، أن يكون مقدرة مطلقا وينخرم بها ضابط إجماعى، وأيضا فإن العبد قد يجب بقتله قيمته وان تجاوزت أضعاف الدية، فيما لو قتله الغاصب.

فرعان: كلب الماء و كلب البحر

(أ) كلب الدار وهو ما يتخذ للحفظ بالليل للبيوت، وما تتخذه أصحاب الطنب(١) يجوز اقتناؤه على الاقرب، لانه في معنى الثلاثة، وجزم به الشيخ به المبسوط(٢) والاقوى جواز البيع ايضا للمشاركة في الضرورة المسوغة للبيع.

(ب) كلب الماء طاهر، ويجوز الانتفاع بخصيته اذا كان ذكيا، ومنع ابن إدريس منهما(٣) وهو نادر.

قال طاب ثراه: ما يقصد به المساعدة على المحرم كبيع السلاح لاعداء الدين في حال الحرب وقيل: مطلقا.

____________________

(١) ألطنب والطنب معا: حبل الخباء والسرادق ونحوهما والاطناب ما يشد به البيت من الحبال بين الارض والطرائق (لسان العرب: ج ١ ص ٥٦٠ لغد طنب).

(٢) المبسوط: ج ٢ فصل في بيعه ومالا يصح ص ١٦٦ س ٧ قال: وكذلك يجوز أقتناؤه لحفظ البيوت.

(٣) السرائر: باب ضروب المكاسب، ص ٢٠٨ س ١ قال: لا بأس بيع اربعة كلاب وشرائها وأكل ثمنها وعداها محرم محظور ثمنة وثمن جلده، سواء ذكي أم لم يذك لانه لا تحله الحياة، وسواء كان كلب بر أو بحر الخ.

٣٤٩

الرابع: ما لا ينتفع به كالمسوخ، برية كانت كالدب والقرد، أو بحرية كالجرى والسلاحف، وكذا الضفادع والطافي، ولا بأس بسباع الطير والهر والفهد، وفي بقية السباع قولان، أشبههما الجواز.

الخامس: الاعمال المحرمة، كعمل الصور المجسمة، والغناء عدا المغنية لزف العرايس اذا لم تغن بالباطل، ولم تدخل عليها الرجال، والنوح بالباطل، أما بالحق فجايز، وهجاء المؤمنين، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض، وتعلم السحر والكهانة، والقيافة.والشعبذة، والقمار، والغش بما يخفى، وتدليس الماشطة، ولا بأس بكسبها أقول: بيع السلاح لاهل الحرب لايجوز إجماعا.وأما اعداء الدين كاصحاب معاوية، هل يحرم بيع السلاح منهم مطلقا؟ أو في حال الحرب خاصة؟ بالاول قال الشيخان(١) وسلار(٢) والتقي(٣) و بالثاني قال المصنف(٤) وابن ادريس(٥) .ودلالة الاخبار عليه أوضح من دلالتها على مذهب الشيخ(٦) .

قال طاب ثراه: وفي بقية السباع قولان: أشبههما الجواز.

____________________

(١) المقنعة: أبواب المكاسب ص ٩٠ س ٢٧ قال: وبيع السلاح لاعداء الدين حرام عمله لمعونتهم على قتال المسلمين حرام.وفي النهاية، باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٥ س ٨ قال: وبيع السلاح لساير الكفار وأعداء الدين حرام وكذلك عمله لهم والتكسب بذلك الخ.

(٢) المراسم: كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ٩ قال: وبيع الساح لاعداء الله تعالى وعمله.

(٣) الكافي: فصل فيما يحرم فعله ص ٢٨٢ قال: وعمل السلاح وغيره لمعونة أعداء الدين من ضروب المحاربين والمظالم.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع فانهقدس‌سره قال: في حال الحرب.

(٥) السرائر: كتاب المكاسب، باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٢ قال: وعمل السلاح ما عدة ومعونة لاعداء الدين وبيعه لهم اذا كانت الحرب قائمه بيننا وبينهم الخ.

(٦) لا حظ التهذيب: ج ٦(٩٣) باب المكاسب ص ٣٥٣ الحديث ١٢٥ و ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٨

٣٥٠

مع عدمه، وتزيين الرجل بما يحرم عليه، وزخرفة المساجد والمصاحف.ومعونة الظالم، واجرة الزانية.

أقول: للاصحاب في السباع خمسة أقوال:

(أ) الجواز مطلقا حتى في الضبع الذئب، لطهارتهما والانتفاع بجلدهما أو ريشهما، وهو مذهب ابن ادريس و(١) العلامة(٢) وظاهر القاضي(٣) .

(ب) المنع مطلقا، وهو مذهب الحسن(٤) فانه جعل المناط ما يحرم أكله من السباع والطير والسمك والنبات والثمار والبيض.

(ج) تحريم ماعدا الفهد، وهو قول الاكثر من المتقدمين، وبه قال الشيخ في النهاية(٥) والخلاف(٦) وسلار(٧) .

(د) تحريم ماعدا الفهد وسباع الطير وهو قول المفيد(٨) .

____________________

(١) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٣٥ قال: بعد نقل قول الشيخ في النهاية: قا ل: محمد بن ادريس: قوله الفيلة والدببة، فيه كلام ذلك ان ما جعل الشارع وسوغ الانتفاع به فلا بأس بيعه إلى أن قال بعد أسطر: فلا فرق بين الذئب والاسد والدب وبين الرنب والثعلب الخ.

(٢) المختلف: كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ٢ قال بعد نقل قول الاقوال: والاقرب الجواز.

(٣) و(٤) المختلف: كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ١ قال: وقال: ابن البراج: لا يجوز بيع ما كان مسخا من الوحوش ويجوز بيع جوارح الطير والسباع والوحوش، وقال قبل: أسطر: وقال: ابن أبي عقيل: جميع ما يحرم بيعه وشراؤه ولبسه عندآل الرسول بجميع ما ذكرناه الخ.

(٥) النهاية: باب المكاسب المحظورة والمكروهة، ص ٣٦٤ س ١٧ قال: وبيع جميع السباع إلى أن قال: الا الفهود خاصة.

(٦) الخلاف: كتاب البيوع: مسألة ٣٠٧ قال: لا يجوز بيع شئ من المسوخ الخ.

(٧) المراسم: كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ١٤ قال: وكل محرم الاكل من البحر أو البر، قال في المختلف (ص ١٦٢ س ٢٩) وقال: سلار: يحرم بيع القردة والسباع والفيلة والدبات: ولم أعثر على هذه العبارة في المراسم.

(٨) المقنعة: ابواب المكاسب ص ٩١ س ١ قال: بعد عد المحرمات: والتجارة في الفهود والبزاة وسباع الطير التي بها حلال.

٣٥١

السادس: الاجرة على القدر الواجب من تغسيل الاموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم، والرشا في الحكم، والاجرة على الصلاة بالناس، والقضاء، ولا بأس بالرزق من بيت المال، وكذا على الاذان، ولا بأس بالاجرة على عقد النكاح.والمكروه اما لافضائه إلى المحرم غالبا كالصرف، وبيع الاكفان، والطعام، والرقيق، والصباغة والذباحة.وبيع ما يكن من السلاح لاهل الكفر كالخفين والدرع.وأما لصنيعته كالحياكة، والحجامة اذا شرط الاجرة، وضراب الفحل، ولابأس بالختانة وخفض الجواري.وأما لتطرق الشبهة ككسب الصبيان ومن لا يجتنب المحارم.ومن المكروه، الاجرة على تعليم القرآن ونسخه، وكسب القابلة مع الشرط، ولا بأس به لو تجرد، ولا بأس باجرة تعليم الحكم والآداب.وقد يكره الاكتساب بأشياء أخر تاتى إن شاء الله تعالى.

مسائل ست

الاولى: لا يؤخذ ما ينثر في الاعراس إلا ما يعلم معه الاباحة.

(ه‍) إباحة الجميع الا ما لا ينتفع به منها كالسبع والذئب وهو قول الشيخ في المبسوط(١) .

قال طاب ثراه: ولا بأس بالاجرة على عقد النكاح

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ فصل في حكم ما يصح بيعه ومالا يصح ص ١٦٦ س ١٦ قال: وما يؤكل لحمه مثل الفهد والثمر والفيل إلى أن قال: فهذا كله يجوز بيعه، وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز الخ.

٣٥٢

الثانية: لا بأس ببيع عظام الفيل وإتخاذ الامشاط منها.

الثالثة: يجوز أن يشترى من السلطان ما يأخذه باسم المقاسمة واسم الزكاة من ثمرة وحبوب ونعم، وإن لم يكن مستحقا له.

الرابعة: لو دفع اليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم، فلا يأخذ منه إلا بإذنه على الاصح ولو أعطى عياله جاز إذا كانوا بالصفة، ولو عين له لم يتجاوز.

أقول: يريد بجواز أخذ الاجرة أو الجعالة على تولي ايقاع عقد النكاح، بأن يكون وكيلا لاحد الزوجين.

أما تلقين الصيغة والقاؤها على المتعاقدين، فلا، لان ذلك من باب تعليم الاحكام الشرعية الواجب من باب الحسبة، ولا يجوز أخذ الاجرة على الواجب.

قال طاب ثراه: لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم، فلا يأخذ منه إلا بإذنه على الاصح.

أقول: قال الشيخ في النهاية: يجوز أن يأخذ مثل ما يعطى غيره(١) ومنع في المبسوط(٢) ولابن إدريس(٢) مثل القولين، فاجاز في المكاسب(٣) ومنع في الزكاة(٤)

____________________

(١) النهاية: باب المكاسب امحظورة والمكروهد والمباحة ص ٣٦٦ س ٥ قال: وأما ما هو مباح، فمن ذلك اذا أعطى الانسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء إلى أن قال: جاز له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره.الخ.

(٢) المبسوط: ج ٢ كتاب الوكالة ص ٤٠٣ س ٤ قال: اذا وكله في تفرقة ثلثة في الفقراء والمساكين لم يجز أن يصرف إلى نفسه منه شيا وان كان قفيزا مسكينا الخ.

(٣) السرائر: باب ضروب المكاسب ص ٢٠٨ س ٢٦ قال: ومن المباح اذا أعطى الانسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو محتاجا إلى شئ من ذلك جاز له أن يأخذ منه اذا كان مستحقا ومن أهله مثل ما يعطي غيره الخ.

(٤) السرائر: كتاب الزكاة، باب مستحق الركاة واقل ما يعطى منها ص ١٠٧ س ٢٤ قال: وروي ان من أعطى غيره زكاة الاموال ليفرقها على مستحقيها وكان مستحقا للزكاة جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره إلى أن قال: والاولى عندي ترك العمل بهذه الرواية الخ.

٣٥٣

الخامسة: جوائز الظالم محرمة إن علمت بعينها، وإلا فهي حلال.

السادسة: الولاية من العادل جائزة، وربما وجبت.وعن الجائر محرمة الا مع الخوف، نعم لو تيقن التخلص من المآثم والتمكن من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت.ولو أكره لا مع ذلك أجاب دفعا للضرر وينفذ أمره ولو كان محرفا، الا في قتل المسلم.وكذا المصنف فانه منع في النافع(١) وأجاز في الشرايع(٢) واختار العلامة المنع(٣) لصحيحة عبدالرحمان بن الحجاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين، وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه(٤) وهي مقطوعة، وفصل بعض الناس فقال: إن كان المالك قال له: إصرف هذا إذا أخرجه، لم يجز، وإن قال له: ضعه جاز، وليس بشئ، والعلامة في المختلف قال مسألة: من دفع إلى غيره مالا ليضعه في المحاويج(٥) فجعل موضوع المسألة، الوضع، فلا تفاوت بين اللفظين

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) الشرايع: كتاب التجارة، مسائل، الثالثة، قال: وإن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة.

(٣) و(٥) المختلف: كتاب الشرايع ص ١٦٥ س ٩ قال: مسألة من دفع مالا إلى غيره ليغضه في المحاويج إلى أن قال: والاقرب ما ذكره في المبسوظ.

(٤) التهذيب: ج ٦(٩٣) باب المكاسب ص ٣٥٢ الحديث ١٢١.

٣٥٤

الفصل الثاني: في البيع وآدابه

أما البيع: فهو الايجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدر.

وله شروط: الاول: يشترط في المتعاقدين كمال العقل والاختيار، وأن يكون البايع مالكا أو وليا كالاب والجد للاب والحاكم وأمينه والوصي، أو

الفصل الثاني: في البيع وآدابه

أما البيع فهو الايجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدر.

فقوله: (الايجاب والقبول) كالجنس، ويخرج بهما انتقال عين لا بايجاب وقبول، كالارث وكالعين المأخوذة بالشفعة، ويشمل ساير العقود، والبواقى كالفصول يخرج غير البيع من العقود، فقوله: " اللذان ينتقل بهما العين " إحترازا عن ايجاب وقبول لا يوجبان نقل عين، بل يملكان ولاية كالوصية والنكاح، أو نقل منفعة كالاجارة، وقوله: " المملوكة " احترازا من انتقال عين غير مملوكة بايجاب كالوصية بالكلب على القول بعدم بيعه، وقوله " بعوض مقدر " إحترازا عن انتقال عين مملوكة بعوض غير مقدر كالهبة التي شرط فيها مطلق العوض.

هذا مفهوم الحد، وفيه نظر، لانه يدخل فيه الهبة التى شرط فيها عوض مقدر، فلا بد من ضم قيد، وهو قوله: بعوض مقدر لازم له، أي لماهية العقد، فان التقدير في الهبة ليس من لوازمه، وهو من لوازم عقد البيع.

٣٥٥

وكيلا، ولو باع الفضولي فقولان: أشبههما: وقوفه على الاجازة.

قال طاب ثراه: ولو باع الفضولي فقولان: أشبههما: وقوفه على الاجارة.

أقول: وقوف العقد على الاجازة مذهب المفيد(١) والشيخ في النهاية(٢) وابن حمزة(٣) وأبي علي(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة(٦) .

وقال في المبسوط(٧) والخلاف يقع باطلا(٨) وتبعه إبن إدريس(٩) .

احتج الاولون: بأنه بيع صدر من أهله في محله، فكان صحيحا.أما صدوره من أهله؟ فلصدوره من بالغ عاقل مختار، وجامع هذه الصفات، أهل للايقاعات.وأما كونه في محله؟ فلوقوعه على عين يصح تملكها وينتفع بها، قابلة للنقل من مالك إلى غيره.وأما الصحة فلثبوت المقتضى السالم عن معارضة كون الشئ غير

____________________

(١) المقنعة: باب اجازة البيع وصحة وفساده ص ٩٤ س ١٧ قال: ومن باع مالا يملك بيعه كان البيع موقوفا على اجازة المالك له أو ابطالة اياه الخ.

(٢) النهاية: باب الشرط في العقود ص ٣٨٥ س ٢ قال: فان باع مالا يملك كان البيع موقوفا على صاحبه، فان أمضاء مضى الخ.

(٣) الجوامع الفقية: الوسيلة: ص ٧٠٧ فصل في بيان بيع الفضولي، قال: فاذا باع كان البيع موقوفا، فان أجازه مالكه صح الخ.

(٤) و(٦) المختلف: كتاب التجارة ص ١٧٠ س ١٥ قال: مسألة شرط لزوم البيع، الملك إلى أن قال: وهو مذهب ابن الجنيد إلى قومه لنا انه بيع صدر من أهله في محلة فكان صحيحا الخ.

(٥) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٧) المبسوط: ج ٢، كتاب الوكانه ص ٣٩٧ س ١٤ قال: إذا أعطاه دينارا وقال: اشتريه شاة فاشترى به شاتين إلى أن قال: فالظاهر أن الشراء لم يلزم الموكل الخ.

(٨) الخلاف: كتاب الوكاله، مسألة ٢٢ وفيه فان الشراء يلزم الموكل فيكون الشاتان له إلى أن قال: دليلنا ان شراء الشاتين وقع للموكل بماله وقد بينا أن عقد الوكيل للموكل فيجب أن يكون شراء‌هما الخ وهذا خلاف ماقاله في المبسوط وفي المختلف ص ١٧٠ س ١٧ نسب بطلان الفضولى إلى الخلاف والمبسوط حيث قال: وقال: في الخلاف والمبسوط يقع باطلا غير موقوف على الاجازة الخ وهو كما ترى.

٣٥٦

ولو باع ما لا يملكه مالك كالحر وفضلات الانسان والخنافس والديدان لم ينعقد.ولو جمع بين مايملك وما لا يملك في عقد واحد كعبده وعبد غيره، صح في عبده، ووقف الآخر على الاجازة.أما لو باع العبد والحر، أو الشاة والخنزير صح فيما يملك وبطل في الآخر ويقومان، ثم يقوم أحدهما ويسقط من الثمن ما قابل الفاسد.

الثاني: ألكيل أو الوزن أو العدد، فلو بيع ما يكال أو يوزن او يعد لا كذلك، بطل.ولو تعسر الوزن أو العدد أعتبر مكيال واحد بحسابه، ولا يكفي مشاهدة الصبرة ولا المكيال المجهول، ويجوز ابتياع جزء مشاع بالنسبة من معلوم، وإن اختلفت أجزاؤه.

الثالث: لا تباع العين الحاضرة الا مع المشاهدة أو الوصف.ولو مملوك للعاقد، فان ذلك غير صالح لمانعية صحة العقد، لان المالك لو أذن له قبل العقد صح، فكذا بعده، إذ لا فارق.ولمارواه عروة بن الجعد البارقى: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاه دينارا ليشترى به شاة، فاشترى شايتن به، ثم باع أحدهما بدينار في الطريق قال: فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدينار والشاة فأخبرته، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك(١) إحتج المانعون بوجهين:

(أ) أنه غير مقدور على تسليمه، فهو كبيع الابق والطير في الهواء.

(ب) رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا طلاق إلا فيما يملك، أبيه عن جده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك، ولا بيع إلا فيما يملك(٢) ونفي البيع عن غير الملك، ونفي الحقيقة غير ممكن فيحمل على أقرب المجازات وهو نفي الصحة.

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٥ الحديث ٣٦ ولا حظ ما علق عليه(٢) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٥ الحديث ٣٧.

٣٥٧

كان المراد طعمها أو ريحها، فلا بد من إختبارها إذا لم يفسد به ولو بيع ولما يختبر فقولان: أشبههما الجواز وله الخيار لو خرج معيبا، ويتعين الارش بعد الاحداث فيه.ولو أدى إختباره إلى إفساد كالجوز والبطيخ قال طاب ثراه: ولو بيع ولما يختبر، فقولان: أشبههما الجواز.

أقول: ألمبيع إما أن يمكن إختاره من غير إفساد له كاللبن والسيلان، أو لا يمكن إلا بعد إفساد كالبيض والبطيخ، فهنا قسمان: الاول: ما يمكن إختباره.شرط لزوم العقد فيه إختباره، وهل هو شرط الصحة؟ قال الشيخان: نعم(١) .وبه قال سلار(٢) والتقي(٣) والقاضي(٤) وإبن حمزة(٥) ولابن أدريس هنا اضطراب(٦) واختار المصنف(٧) والعلامة الصحة(٨) ويكون

____________________

(١) المقنعة: باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار ص ٩٥ قال: ومالا يمكن اختباره الا بافساده إلى أن قال: فانه لا يصح بيعه بغير اختبار له وفي النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز ص ٤٠٤ س ٧ قال: وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختباره إلى أن قال: فان بيع من غير اختبار كان البيع غير صحيح الخ.

(٢) المراسم: ذكر البيوع ص ١٧١ س ١٥ قال: واما الثاني (أي من الشرايط) إلى أن قال: وبيع ما يعرف بالاختبار.

(٣) الكافي: فصل في عقد البيع وشروط صحة وأحكامه ص ٣٥٤ س ١٤ قال: ومن شرط صحة بيع الحاضر اعتبار حال ما يمكن اعتباره إلى أن قال: ولا يصح من دون ذلك الخ.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب، وفي المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ٥ وقال: ابن البراج: لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبره الخ.

(٥) الجوامع الفقهيه الوسيلة: فصل في بيان الغرر ص ٧٠٦ س ٣٥ قال: وكل ما أمكن اختباره من غير افساد لم يصح بيعه من غير اختبار الخ.

(٦) السرائر: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٢٣٥ س ٧ قال: وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختباره إلى ان قال: فاذن لابد من شمة واختباره.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ١٢ قال: والمعتمد أن نقول: البيع صحيح الخ.

٣٥٨

جاز شراؤه، ويثبت الارش لو خرج معيبا، لا الرد، ويرجع بالثمن إن لم يكن لمكسورة قيمة.وكذا يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق.الخيار للمشتري إذا خرج معيبا بين الارش والرد، اذا لم يتصرف، ومعه الارش خاصة.

الثاني: ما لا يمكن اختباره، هل يجوز بيعه مطلقا؟ أو، بل بشرط الصحة، أو البراء‌ة، الاكثر على الجواز، ويكون الاصل ألصحة، فإن خرج معيبا من غير تصرف تخير بين الرد والارش، ومع التصرف الارش خاصة، وهو اختيار المصنف(١) والعلامة(٢) ومنع القاضي من دون الشرطين(٣) وهوظاهر الشيخين(٤) .

فرع

ولا فرق بين الاعمى والمبصر في ذلك، وقال سلار: تثبت له الخيار وان تصرف(٥) ، وهو نادر.

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ١٣ قال: وان خرج معيبا كان للمشتري الخيار بين الرد والارش.

(٣) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ٢٨ قال: وقال: ابن البراج، واما مالا يمكن اختباره الا بافساده، فلا يجوز بيعه الا بشرط الصحة أو البراء‌ة من العيوب الخ.

(٤) المقنعة، باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار ص ٩٥ س ١٠ قال: وما لا يمكن اختباره الا بافساده واستهلا كه كالبض إلى أن قال: فابتياعه جائز على شرط الصحة الخ وفي النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٤ س ١ قال: ومالا يمكن اختباره إلا بافساده وإهلاكه كالبيض إلى أن قال: فابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراء من العيوب الخ.

(٥) المراسم: ذكر، بيع الاعدال المخرومة والجرب المشدودة ص س ٩ قاقل: واما ما يفسده كالبيض إلى أن قال: الا يشتريه أعمى فانه يكون له أرشه أو رده.

٣٥٩

ولا يجوز بيع سمك الآجام لجهالته، ولو ضم اليه القصب على الاصح وكذا اللبن في الضرع، ولو ضم اليه ما يحتلب منه.وكذا أصواف قال طاب ثراه: ولا يجوز بيع سمك الاجام، لجهالته، وإن ضم اليه القصب على الاصح.

أقول: ما اختاره المصنف مذهب الشيخ في المبسوط(١) وبه قال ابن ادريس(٢) والجواز مذهبه في النهاية(٣) وبه قال القاضي(٤) وابن حمزة(٥) .وفصل العلامة، واجاز البيع إن كان القصب هو المقصود بالبيع والسمك تابعا، وعكس مع العكس(٦) والشيخ عول على رواية معاوية عن الصادقعليه‌السلام قال: لا بأس أن يشتري الانسان الاجام اذا كان فيها قصب(٧) وفي طريقها ضعف(٨) مع إمكان حملها على تفصيل العلامة.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢، فصل في بيع الغرر، ص ١٥٧ س ٧ قال: السمك في الماء، لا يجوز بيعه إجماعا، وروى أصحابنا انه يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من السمك.

(٢) السرائر: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٢٣٣ س ١٧ قال: فان كان فيها شئ من القصب إلى أن قال: لم يكن به بأس ثم قال: والاحتياط عندي ترك العمل بهذه الرواية فانها من شواذ الاخبار الخ.

(٣) النهاية: باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠١ س ٤ قال: قان كان فيها شئ من القصب إلى أن قال: لم يكن به بأس.

(٤) لم اعثر عليه في المهذب وفي المختلف: ص ٢٠٩ س ٣١ قال: بعد نقل قول الشيخ في النهاية: وتبعه ابن البراج.

(٥) الجوامع الفقهيه، الوسيلة: ص ٧٠٦ س ٣٠ قال: وجاز بيع ثمرة شجرة إلى أن قال: وبيع ما في الاجمة من السمك اذا أخذ شيئا منها أو مع قصبها وشجرها الخ.

(٦) المختلف: في الغرر والمجازفة ص ٢٠٩ س ٣٤ قال: والتحقيق أن نقول المضاف إلى السمك إن كان هو المقصود في البيع ويكون السمك تابعا له فالبيع صحيح الخ.

(٧) التهذيب: ج ٧

(٩) باب الغرر والمجازفة ص ١٢٦ الحديث ٢١.

(٨) سند الحديث كما في التهذيب (الحسن بن محمد بن سماعة بن زياد عن معاوية بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام ).

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والبعض الآخر قال : إنّها مسألة الخلق والرزق والحياة والموت والعزّة والذلّة فقط.

والبعض الآخر عنون مسألة الخلق والموت بالنسبة للإنسان وقال : إنّ لله جيوشا ثلاثة : جيش ينتقل من أصلاب الآباء إلى أرحام الامّهات ، وجيش يخرج إلى عالم الدنيا من أرحام الامّهات ، وجيش يساق من عالم الدنيا إلى القبور.

وكما قلنا فإنّ للآية مفهوما واسعا يشمل كلّ خلق جديد وخلقة جديدة ، ويشمل كلّ تغيير وتحوّل في هذا العالم.

ونقرأ في رواية لأمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال في أحد خطبه : «الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه لأنّه كلّ يوم هو في شأن ، من إحداث بديع لم يكن»(١) .

ونقرأ في حديث آخر للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسيره الآية الكريمة : «من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرّج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين»(٢) .

ولا بدّ من الانتباه لهذه النقطة أيضا : إنّ المقصود من (يوم) هو ليس (النهار) في مقابل (الليل) بل يشمل الأحقاب المتزامنة ، وكذلك الساعات واللحظات ، ومفهومه أنّ الله المتعال في كلّ زمان في شأن وعمل.

كما أنّ البعض ذكروا شأنا نزوليا للآية ، وهو أنّها نزلت ردّا على قول اليهود الذين يعتقدون أنّ اللهعزوجل يعطّل كلّ الأعمال في يوم السبت ، ولا يصدر أي حكم(٣) . فالقرآن الكريم يقول : إنّ خلق الله وتدبيره ليس له توقّف.

ومرّة اخرى ـ بعد هذه النعم المستمرّة والإجابة لاحتياجات جميع خلقه من أهل السماوات والأرض يكرّر قوله سبحانه :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

* * *

__________________

(١) أصول الكافي مطابق نقل نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٣.

(٢) مجمع البيان نهاية الآية مورد البحث ، ونقل هذا الحديث أيضا في روح المعاني من صحيح البخاري.

(٣) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٠٢.

٤٠١

بحوث

١ ـ ما هي حقيقة الفناء؟

ما مرّ بنا في الآيات السابقة وهو أنّ «الكلّ يفنى إلّا الله» ليس بمعنى الفناء المطلق ، وأنّ روح الإنسان تفنى أيضا أو أنّ التراب الناشئ من بدنه بعد الموت سينعدم أيضا ، إذ أنّ الآيات القرآنية صرّحت بوجود عالم البرزخ إلى يوم القيامة(١) .

ومن جهة اخرى فإنّ الله سبحانه يذكر لمرّات عدّة أنّ الموتى يخرجون من قبورهم يوم القيامة(٢) .

ويذكر سبحانه في آية اخرى أنّ رميم العظام يلبس الحياة مرّة اخرى بأمر الله(٣) .

وهذه الآيات كلّها شاهد على أنّ الفناء في الآية والآيات الاخرى بمعنى اضطراب نظام الجسم والروح وقطع الارتباط بينهما واضطراب عالم الخلقة كذلك ، وحلول عالم جديد محلّ العالم السابق.

٢ ـ استمرار الخلق والإبداع

قلنا : إنّ الآية الكريمة :( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) تدلّ على دوام الخلقة واستمرار الخلق ، وأنّها مبعث أمل من جهة ، ونافية للغرور من جهة اخرى ، لذا فانّ القادة الإسلاميين يعتمدون عليها كثيرا لبعث الأمل في النفوس ، كما نقرأ ذلك في تبعيد الصحابي الجليل «أبى ذرّ الغفاري» إلى (الربذة) حيث يذكر التاريخ أنّ علياعليه‌السلام جاء لتوديعه فواساه بكلمات مؤثّرة ، ثمّ أعقبه ابنه الإمام الحسنعليه‌السلام حيث خاطب أبا ذر رضى الله عنه بقوله «يا عمّاه» تكريما له وأعقبه أخوه سيّد الشهداء الإمام

__________________

(١) المؤمنون ، ١٠٠.

(٢) سورة يس ، ٥١.

(٣) سورة يس ، ٧٩.

٤٠٢

الحسينعليه‌السلام بقوله لأبي ذرّ : «يا عمّاه إنّ الله تعالى قادر على أن يغيّر ما قد ترى. الله كلّ يوم في شأن ، وقد منعك هؤلاء القوم دنياهم ومنعتهم دينك فاسأل الله الصبر والنصر(١)

ونقرأ أيضا أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام وهو في طريقه إلى كربلاء لقي الشاعر «الفرزدق» عند (صفاح) فسأله الإمامعليه‌السلام عن خبر الناس خلفه ـ إشارة إلى أهل العراق ـ فقال : الخبير سألت ، قلوب الناس معك ، وسيوفهم مع بني أميّة ، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء. فقال الإمام الحسينعليه‌السلام : (صدقت لله الأمر يفعل ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن)(٢) .

وكلّ ذلك يرينا أنّ هذه الآية هي الآية باعثة للأمل في نفوس المؤمنين.

وثمّة قصّة اخرى في هذا الصدد حيث ذكروا أنّ أحد الأمراء سأل وزيره عن تفسير هذه الآية ، إلّا أنّ الوزير أعلن عن عدم علمه بها وطلب مهلة ليوم غد ، ورجع إلى البيت محزونا ، وكان لديه غلام أسود ذو علم ومعرفة ، فسأله عمّا به ، فحدّث غلامه بالقصّة ، فأجابه : إذا ذهبت إلى الأمير فأخبره إذا كان يرغب في معرفة تفسير هذه الآية فأنا مستعدّ لذلك فطلبه الأمير وسأله ، فأجابه الغلام : يا أمير ، شأنه يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحيّ من الميّت ، ويخرج الميّت من الحيّ ، ويشفي سقيما ، ويسقم سليما ، ويبتلي معافى ، ويعافي مبتلى ، ويعزّ ذليلا ، ويذلّ عزيزا ، ويفقر غنيّا ، ويغني فقيرا

فقال الأمير : «فرّجت عنّي فرّج الله عنك» ثمّ أكرمه وأنعمه(٣) .

٣ ـ الحركة الجوهرية

__________________

(١) الغدير ، ج ٨ ، ص ٣٠١.

(٢) الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ، ص ٤٠.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٣٣٧.

٤٠٣

بعض المؤيديّن للحركة الجوهرية يستدلّون لإثبات مرادهم بالآيات القرآنية أو يعتبرونها إشارة لمقصودهم ، ومن ضمن ما يستشهدون به الآية الكريمة :( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

التوضيح : يعتقد الفلاسفة القدماء أنّ للحركة أربع مقولات عرضية هي : (أين ، كيف ، كم ، وضع).

وبتعبير أوضح أنّ حركة الجسم تكون بتغيير مكانه وذلك بانتقاله ، وهذه هي مقولة (الأين) ، أو بنموّه أو زيادة كمّيته وهذه مقولة «الكم». أو تغيّر اللون والطعم والرائحة (كشجرة التفاح) وهذا المقصود من «الكيف» ، أو أن يدور في مكانه حول نفسه كالحركة الوضعية للأرض وهذا ما يراد به من «الوضع».

وقد كان سائدا أنّ الحركة غير ممكنة في جوهر وذات الجسم أبدا ، لأنّه في كلّ حركة يجب أن تكون ذات الجسم المتحرّك ثابتة ، إلّا أنّ عوارضه قد تتغيّر ، فالحركة لا تتصوّر في ذات الشيء وجوهره ، بل في اعراضه.

لكنّ الفلاسفة المتأخرّين رفضوا هذه النظرية واعتقدوا بالحركة الجوهرية ، وقالوا : إنّ أساس الحركة هي الذات ، الجوهر ، والتي تظهر آثارها في العوارض.

وأوّل شخص طرح هذه النظرية بشكل تفصيلي استدلالي هو المولى صدر الدين الشيرازي حيث قال : إنّ كلّ ذرّات الكائنات وعالم المادّة في حركة دائبة ، أو بتعبير آخر : إنّ مادّة الأجسام وجود سيّال متغيّر الذات دائما ، وفي كلّ لحظة له وجود جديد يختلف عن الوجود السابق له ، ولكون هذه التغيّرات متّصلة مع بعضها فإنّها تحسب شيئا واحدا ، وبناء على هذا فإنّ لنا في كلّ لحظة وجودا جديدا ، إلّا أنّ هذه الوجودات متصلة ومستمرة ولها صورة واحدة ، أو بتعبير آخر : إنّ المادة لها أربعة أبعاد (طول وعرض وعمق وأمّا البعد الآخر فهو ما نسمّيه (الزمان) وهذا الزمان ليس بشيء إلّا مقدار الحركة في الجوهر) لاحظوا جيّدا.

وممّا يجدر ذكره أنّ الحركة الجوهرية لا ترتبط بمسألة الحركة في داخل

٤٠٤

الذرّة لأنّها حركة وضعية وعرضية ، أمّا الحركة في الجوهر فلها مفهوم عميق جدّا تشمل الذات والجوهر.

والعجيب هنا أنّ المتحرّك هو نفس الحركة.

ولإثبات هذا المقصود فإنّهم يستدلّون بدلائل عديدة لا مجال لذكرها هنا ، إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إلى نتيجة هذا الرأي الفلسفي وهو أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ إدراكنا لمسألة معرفة الله أوضح من أي زمان ، لأنّ الخلق والخلقة لم تكن في بداية الخلق فحسب ، بل إنّها في كلّ ساعة وكلّ لحظة ، وإنّ الله سبحانه مستمر في خلقه ، ونحن مرتبطون به دائما ومستفيضون من فيض ذاته وهذا معنى( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

ومن الطبيعي أن لا مانع من أن يكون هذا المفهوم جزءا من المفهوم الواسع للآية الكريمة.

* * *

٤٠٥

الآيات

( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) )

التّفسير

التحدّي المشروط :

النعم الإلهيّة التي استعرضتها الآيات السابقة كانت مرتبطة بهذا العالم ، إلّا أنّ الآيات مورد البحث تتحدّث عن أوضاع يوم القيامة ، وخصوصيات المعاد ، وفي الوقت الذي تحمل تهديدا للمجرمين ، فإنّها وسيلة لتربية وتوعية وإيقاظ المؤمنين ، بالإضافة إلى أنّها مشجّعة لهم للسير في طريق مرضاته سبحانه ، ومن هنا فإنّنا نعتبرها نعمة. لذلك بعد ذكر كلّ واحدة من هذه النعم يتكرّر نفس السؤال الذي كان يعقّب ذكر كلّ نعمة من النعم السابقة.

٤٠٦

يقول سبحانه في البداية :( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) (١) (٢) .

نعم ، إنّ الله العالم القادر سيحاسب في ذلك اليوم الإنس والجنّ حسابا دقيقا على جميع أعمالهم وأقوالهم ونيّاتهم ، ويعيّن لكلّ منهم الجزاء والعقاب.

ومع علمنا بأنّ الله سبحانه لا يشغله عمل عن عمل ، وعلمه محيط بالجميع في آن واحد ، ولا يشغله شيء عن شيء (ولا يشغله شأن عن شأن) ولكنّنا نواجه التعبير في (سنفرغ) والتي تستعمل غالبا بالتوجّه الجادّ لعمل ما ، والانصراف الكلّي له ، وهذا من شأن المخلوقات بحكم محدوديتها.

إلّا أنّه استعمل هنا لله سبحانه ، تأكيدا على مسألة حساب الله تعالى لعباده بصورة لا يغادر فيها صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، ولا يغفل عن مثقال ذرّة من أعمال الإنسان خيرا أو شرّا ، والأظرف من ذلك أنّ الله الكبير المتعال هو الذي يحاسب بنفسه عبده الصغير ، وعلينا أن نتصوّركم هي مرعبة ومخيفة تلك المحاسبة.

(الثقلان) من مادّة (ثقل) على وزن (كبر) بمعنى الحمل الثقيل وجاءت بمعنى الوزن أيضا ، إلّا أنّ (ثقل) على وزن (خبر) تقال عادة لمتاع وحمل المسافرين ، وتطلق على جماعة الإنس والجنّ وذلك لثقلهم المعنوي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد أعطاهم عقلا وشعورا وعلما ووعيا له وزن وقيمة بالرغم من أنّ الثقل الجسدي لهم ملحوظ أيضا كما قال تعالى :( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) ،(٣) حيث ورد أنّ أحد معانيها هو خروج الناس من القبور في يوم القيامة ، إلّا أنّ التعبير في الآية مورد البحث جاء باللحاظ المعنوي ، خاصّة وأنّ الجنّ ليس لهم ثقل مادّي.

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ رسم الخطّ القديم في القرآن المجيد كتبت (أيّها) في موارد بصورة (أيّه) والتي هي في الآية مورد البحث وآيتين أخريين (النور آية ٣١ ، والزخرف آية ٤٩) في الوقت الذي تكتب (أيّها) في الحالات الاخرى بالألف الممدودة ، والملاحظ أنّها كانت على أساس قاعدة رسم الخطّ القديم.

(٢) مع كون «الثقلين» تنبيه فالضمير في لكم أتى جمعا وذلك إشارة إلى مجموعتين.

(٣) الزلزلة ، ٢.

٤٠٧

التأكيد على هاتين الطائفتين بالخصوص لأنّ التكاليف الإلهيّة مختّصة بهما في الغالب.

وبعد هذا يكرّر الله سبحانه سؤاله مرّة اخرى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وتعقيبا على الآية السابقة التي كانت تستعرض الحساب الإلهي الدقيق ، يخاطب الجنّ والإنس مرّة اخرى بقوله :( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) للفرار من العقاب الإلهي( فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) أي بقوّة إلهية ، في حين أنّكم فاقدون لمثل هذه القوّة والقدرة.

وبهذه الصورة فإنّكم لن تستطيعوا أن تفرّوا من محكمة العدل الإلهي ، فحيثما تذهبون فهو ملكه وتحت قبضته ومحلّ حكومته تعالى ، ولا مناصّ لهذا المخلوق الصغير من الفرار من ميدان القدرة الإلهيّة؟ كما قال الإمام عليعليه‌السلام في دعاء كميل بن زياد المربي للروح : (ولا يمكن الفرار من حكومتك).

«معشر» في الأصل من (عشر) مأخوذ من عدد «عشرة» ، ولأنّ العدد عشرة عدد كامل ، فإنّ مصطلح (معشر) يقال : للمجموعة المتكاملة والتي تتكوّن من أصناف وطوائف مختلفة.

«أقطار» جمع (قطر) بمعنى أطراف الشيء.

«تنفذوا» من مادّة (نفوذ) ، وهي في الأصل بمعنى خرق وعبور من شيء ، والتعبير (من أقطار) إشارة إلى شقّ السماوات وتجاوزها إلى خارجها.

وبالمناسبة فإنّ تقديم «الجنّ» هنا جاء لاستعدادهم الأنسب للعبور من السماوات ، وقد ورد اختلاف بين المفسّرين على أنّ الآية أعلاه هل تتحدّث عن القيامة ، أو أنّ حديثها عن عالم الدنيا ، أو كليهما؟

ولأنّ الآيات السابقة واللاحقة تتحدّث عن وقائع العالم الآخر ، فإنّ المتبادر إلى الذهن أنّ الآية تتحدّث عن الهروب والفرار من يد العدالة الإلهية الذي يفكّر به

٤٠٨

العاصون في ذلك اليوم.

إلّا أنّ البعض بلحاظ جملة :( لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) اعتبرها إشارة إلى الرحلات الفضائية للإنسانية ، وقد ذكر القرآن شروطها من القدرة العلمية والصناعية.

ويحتمل أيضا أن يكون المقصود منها هو عالم الدنيا وعالم القيامة ، يعني أنّكم لن تتمكّنوا من النفوذ بدون قدرة الله في أقطار السماوات ليس في هذه الدنيا فحسب ، بل في عالم الآخرة أيضا ، حيث وضعت في الدنيا وسيلة محدودة لاختباركم ، أمّا في الآخرة فلا توجد أيّة وسيلة لكم.

وفسّرها البعض تفسيرا رابعا حيث قالوا : إنّ المقصود بالنفوذ هو النفوذ الفكري والعلمي في أقطار السماوات ، الذي يمكن للبشر إنجازه بواسطة القدرة الاستدلالية.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل مناسب أكثر ، خاصّة وأنّ بعض الأخبار التي نقلت من المصادر الإسلامية تؤيّده ، ومن جملتها حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث يقول :

«إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد ، وذلك أن يوحي إلى السماء الدنيا أن اهبطي بمن فيك ، فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة ، ثمّ يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرتين ، فلا يزالون كذلك حتّى يهبط أهل سبع سماوات فتصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ثمّ ينادي مناد ،( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبع أطواق من الملائكة»(١) .

__________________

(١) تفسير الصافي ص ٥١٧ وتفسير مجمع البيان ج ٩ ص ٢٠٥.

٤٠٩

كما أنّ الجمع بين التفاسير ممكن أيضا.

ويخاطب سبحانه هاتين المجموعتين «الجنّ والإنس» بقوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

والتهديد هنا لطف إلهي أيضا ، فالبرغم من أنّه يحمل تهديدا ظاهريا ، إلّا أنّه عامل للتنبيه والإصلاح والتربية ، حيث أنّ وجود المحاسبة في كلّ نظام هو نعمة كبيرة.

وما ورد في الآية اللاحقة تأكيد لما تقدّم ذكره في الآيات السابقة ، والذي يتعلّق بعدم قدرة الجنّ والإنس من الفرار من يد العدالة الإلهيّة حيث يقول سبحانه :( يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ) .

«شواظ» كما ذكر الراغب في المفردات ، وابن منظور في لسان العرب ، وكثير من المفسّرين أنّه بمعنى (الشعلة العديمة الدخان) وفسّرها آخرون بأنّها (ألسنة النار) التي تقتطع من النار نفسها حسب الظاهر ، وتكون خضراء اللون. وعلى كلّ حال فإنّ هذا التعبير يشير إلى شدّة حرارة النار.

و «نحاس» بمعنى الدخان أو (الشعل ذات اللون الأحمر مصحوبة بالدخان) والتي تكون بلون النحاس ، وفسّرها البعض بأنّها (النحاس المذاب) وهي لا تتناسب في الظاهر مع ما ورد في الآية مورد البحث ، لأنّها تتحدّث عن موجود يحيط بالإنسان في يوم القيامة ويمنعه من الفرار من حكومة العدل الإلهي.

وكم هي عجيبة (محكمة القيامة) حين يحاط الإنسان إحاطة تامّة بالملائكة والنار الحارقة والدخان القاتل ، ولا مناص إلّا التسليم لحكم الواحد الأحد في ذلك اليوم الرهيب.

ثمّ يضيف سبحانه قوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

والكلام هنا عن النعم والآلاء من أجل ما ذكرنا من اللطف في الآية السابقة.

* * *

٤١٠

الآيات

( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥) )

التّفسير

يعرف المجرمون بسيماهم :

تكملة للآيات السابقة يتحدّث القرآن الكريم عن بعض مشاهد يوم القيامة ، والآيات أعلاه تذكر خصوصيات من مشاهد ذلك اليوم الموعود ، وعن كيفية الحساب والجزاء والعقاب ، يقول سبحانه في بداية الحديث :( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ

٤١١

فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ) (١) .

ويستفاد من مجموع آيات «القيامة» بصورة واضحة أنّ النظام الحالي للعالم سوف يتغيّر ويضطرب وتقع حوادث مرعبة جدّا في كلّ الوجود ، فتتغيّر الكواكب والسيّارات والأرض والسماء ، وتحصل تغيّرات يصعب تصورها ، ومن جملتها ما ذكر في الآية أعلاه ، وهي انشقاق وتناثر الكرات السماوية ، حيث يصبح لونها أحمر بصورة مذابة كالدهن.

(وردة) و (ورد) هو الورد المتعارف ، ولأنّ لون الورد في الغالب يكون أحمر ، فإنّ معنى الاحمرار يتداعى للذهن منها.

ويأتي هذا المصطلح أيضا بمعنى «الخيل الحمر» ، وبما أنّ لونها يتغيّر في فصول السنة حين يكون في الربيع مائلا إلى الصفرة ، وفي الشتاء يحمّر ، ويقتم لونها في البرد الشديد ، فتشبيه السماء يوم القيامة بها هو بلحاظ التغيّرات التي تحصل في ألوانها فتارة يكون لونها كالشعلة الوهاجة أحمر حارقا ، وأحيانا أصفر ، واخرى أسود قاتم ومعتم.

«دهان» على وزن (كتاب) ، بمعنى الدهن المذاب ، وتطلق أحيانا على الرسوبات المتخلّفة للمادّة الدهنية ، وغالبا ما تكون لها ألوان متعدّدة ، ومن هنا ورد هذا التشبيه حيث يصبح لون السماء كالدهن المذاب بلون الورد الأحمر ، أو إشارة إلى ذوبان الكرات السماوية أو اختلاف لونها.

وفسّر البعض «الدهان» بمعنى الجلد أو اللون الأحمر ، وعلى كلّ حال فإنّ هذه التشبيهات تجسّد لنا صورة من مشهد ذلك اليوم العظيم. حيث أنّ حقيقة الحوادث في ذلك اليوم ليس لها شبيه مع أيّة حوادث اخرى من حوادث عالمنا

__________________

(١) توجد احتمالات متعدّدة في أنّ (إذا) في الآية هل هي شرطية ، أم فجائية ، أم ظرفية ، والظاهر أنّ الاحتمال الأوّل هو الأولى ، وجزاء الشرط محذوف ويمكن تقديره هكذا : (فإذا انشقّت السماء فكانت وردة كالدهان ، كانت أهوال لا يطيقها البيان).

٤١٢

هذا. فهذه المشاهد لا نستطيع إدراكها إلّا إذا رأيناها.

ولأنّ الإخبار بوقوع هذه الحوادث المرعبة في يوم القيامة ـ أو قبلها ـ تنبيه وإنذار للمؤمنين والمجرمين على السواء ، ولطف من ألطاف الله سبحانه ، يتكرّر هذا السؤال :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وفي الآية اللاحقة ينتقل الحديث من الحوادث الكونية ليوم القيامة إلى حالة الإنسان المذنب في ذلك اليوم ، حيث يقول سبحانه :( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) .

ولماذا هذا السؤال وكلّ شيء واضح في ذلك اليوم ، فهو يوم البروز ، وكلّ شيء يقرأ في وجه الإنسان.

قد يتوهّم أنّ المعنى الوارد في هذه الآية يتنافى مع الآيات الاخرى التي تصرّح وتؤكّد مسألة سؤال الله تعالى لعباده في يوم القيامة ، كما ورد في الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) ،(١) وكما في قوله تعالى :( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) .(٢)

ويحلّ هذا الإشكال إذا علمنا أنّ يوم القيامة يوم طويل جدّا ، وعلى الإنسان أن يجتاز محطّات ومواقف متعدّدة فيه ، حيث لا بدّ من التوقّف في كلّ محطّة مدّة زمنية ، وطبقا لبعض الرّوايات فإنّ عدد هذه المواقف خمسون موقفا ، وفي بعضها لا يسأل الإنسان إطلاقا ، إذ أنّ سيماء وجهه تحكي عمّا في داخله ، كما ستبيّنه الآيات اللاحقة.

كما أنّ بعض المواقف الاخرى لا يسمح له بالكلام ، حيث تشهد عليه أعضاء بدنه قال تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا

__________________

(١) الصافات ، ٢٤.

(٢) الحجر ، ٩٢ ـ ٩٣.

٤١٣

يَكْسِبُونَ ) .(١)

كما أنّ في بعض المحطّات يسأل الإنسان وبدقّة متناهية عن كافّة أعماله(٢) .

وفي بعض المواقف يسلك الإنسان سبيل الجدل والدفاع والمخاصمة(٣) .

وخلاصة القول : إنّ كلّ محطّة لها شروطها وخصوصياتها ، وكلّ واحدة منها أشدّ رعبا من الاخرى.

ومرّة اخرى يخاطب سبحانه عباده حيث يقول :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

نعم إنّه لا يسأل حيث( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ) (٤) فهناك وجوه تطفح بالبشر والنور وتعبّر عن الإيمان وصالح الأعمال ، واخرى مسودّة قاتمة مكفهّرة غبراء تحكي قصّة كفرهم وعصيانهم قال تعالى :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) .(٥)

ثمّ يضيف سبحانه :( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) .

«النواصي» : جمع ناصية وكما يقول الراغب في المفردات أنّ الأصل بمعنى الشعر بمقدّمة الرأس من مادّة (نصأ) على وزن (نصر) وتعني الاتّصال والارتباط ، «وأخذ بناصيته» بمعنى أخذه من شعره الذي في مقدّمة رأسه ، كما تأتي أحيانا كناية عن الغلبة الكاملة على الشيء.

أقدام : جمع «قدم» بمعنى الأرجل.

والمعنى الحقيقي للآية المباركة هو أنّ الملائكة تأخذ المجرمين في يوم القيامة من نواصيهم وأرجلهم ، ويرفعونهم من الأرض بمنتهى الذلّة ويلقونهم في

__________________

(١) سورة يس ، ٦٥.

(٢) كما ورد في الآية موضع البحث والآيتين المشار لهما أعلاه.

(٣) كما ورد في الآية في سورة النحل الآية (١١١).

(٤) (سيما) في الأصل بمعنى العلامة ، وتشمل كلّ علامة في الوجه وسائر مواضع البدن ، ولأنّ علامة الرضا والغضب تبدو في الوجه أوّلا ، فإنّه يتداعى ذكر الوجه في ذكر هذه المفردات.

(٥) عبس. ٣٩ ـ ٤١.

٤١٤

جهنّم ، أو أنّه كناية عن منتهى ضعف المجرمين وعجزهم أمام ملائكة الرحمن ، حيث يقذفونهم في نار جهنّم بذلّة تامّة ، فما أشدّ هذا المشهد وما أرعبه!!

ومرّة اخرى يضيف سبحانه :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) لأنّ التذكير بيوم القيامة هو لطف منه تعالى.

ثمّ يقول سبحانه :( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ) .

وذكر المفسّرون تفاسير مختلفة حول المخاطبين المقصودين في هذه الآية الكريمة ، وهل هم حضّار المحشر؟ أو أنّ المخاطب هو شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب ، وقد ذكر له هذا المعنى في الدنيا؟ والمرجّح في رأينا هو المعنى الثاني خاصّة ، لأنّ الفعل (يكذّب) جاء بصيغة المضارع. وأستفيد من (المجرمون) ما يحمل على الغائب ، وهذا يوضّح أنّ الله تعالى قال لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه أوصاف جهنّم التي ينكرها المجرمون باستمرار في هذه الدنيا. وقيل : إنّ المخاطب هو جميع الجنّ والإنس حيث يوجّه لهم إنذار يقول لهم فيه : هذه جهنّم التي ينكرها المجرمون ، لها مثل هذه الأوصاف التي تسمعونها ، لذلك يجب أن تنتبهوا وتحذروا أن يكون مصيركم هذا المصير.

ويضيف سبحانه في وصف جهنّم وعذابها المؤلم الشديد حيث يقول :( يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) .

«آن» و «آني» هنا بمعنى الماء المغلي وفي منتهى الحرارة والإحراق ، وفي الأصل من مادّة (إنّا) على وزن (رضا) بمعنى الوقت لأنّ الماء الحارق وصل إلى وقت ومرحلة نهائية.

وبهذه الحالة فإنّ المجرمين يحترقون وسط هذا اللهيب الحارق لنار جهنّم ، ويظمأون ويستغيثون للحصول على ماء يروي ظمأهم ، حيث يعطى لهم ماء مغلي (أو يصبّ عليهم) ممّا يزيد ويضاعف عذابهم المؤلم.

ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ (عين حميم) الحارقة تكون بجنب

٤١٥

جهنّم ، ويلقى فيها من يستحقّ عذابها ثمّ في النار يسجرون ، قال تعالى :( يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) .(١)

والتعبير بـ( يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) في الآية مورد البحث ، يتناسب أيضا مع هذا المعنى.

ومرّة اخرى بعد هذا التنبيه والتحذير الشديد الموقظ ، الذي هو لطف من الله يقول البارئعزوجل :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ )

* * *

__________________

(١) المؤمن ، ٧١ ـ ٧٢.

٤١٦

الآيات

( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) )

التّفسير

الجنّتان اللتان أعدتا للخائفين :

يترك القرآن الكريم وصفه لأهل النار وحالاتهم البائسة لينقلنا إلى صفحة جديدة من صفحات يوم القيامة ، ويحدّثنا فيها عن الجنّة وأهلها ، وما أعدّ لهم من النعم فيها ، والتي يصوّرها سبحانه بشكل مشوّق ومثير ينفذ إلى أعماق القلوب في عملية مقارنة لما عليه العاصون من عذاب شديد يحيط بهم والتي تحدّثت عنها الآيات السابقة ، وما ينتظر المؤمنين من جنّات وعيون وقصور وحور في الآيات

٤١٧

أعلاه ، يقول سبحانه :( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) .

«الخوف» من مقام الله ، جاء بمعنى الخوف من مواقف يوم القيامة والحضور أمام الله للحساب ، أو أنّها بمعنى الخوف من المقام العلمي لله ومراقبته المستمرّة لكلّ البشر(١) .

والتّفسير الثّاني يتناسب مع ما ذكر في الآية (٣٣) من سورة الرعد :( أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) .

ونقرأ في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسيره لهذه الآية أنّه قال : «ومن علم أنّ الله يراه ويسمع ما يقول ، ويعلم ما يعلمه من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ، فذلك الذي خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى»(٢) .

ويوجد هنا تفسير ثالث. هو أنّ الخوف من الله تعالى لا يكون بسبب نار جهنّم ، والطمع في نعيم الجنّة ، بل هو الخوف من مقام الله وجلاله فقط.

وهنالك تفسير رابع أيضا ، وهو أنّ المقصود من (مقام الله) هو الخوف من مقام عدالته ، لأنّ ذاته المقدّسة لا تستلزم الخوف ، إنّما هو الخوف من عدالته ، الذي مردّه هو خوف الإنسان من أعماله ، والإنسان المنزّه لا يخشى الحساب.

ومن المعروف أنّ المجرمين إذا مرّوا بالمحكمة أو السجن ينتابهم شيء من الخوف بسبب جناياتهم على عكس الأبرار حيث يتعاملون بصورة طبيعيّة مع الأماكن المختلفة.

وللخوف من الله أسباب مختلفة ، فأحيانا يكون بسبب قبح الأعمال وانحراف الأفكار ، واخرى بسبب القرب من الذات الإلهيّة حيث الشعور بالخوف والقلق من الغفلة والتقصير في مجال طاعة الله ، وأحيانا اخرى لمجرّد تصوّرهم لعظمة الله

__________________

(١) في الصورة الاولى يكون المقام اسم مكان ، وفي الثانية يكون مصدرا (ميميّا).

(٢) اصول الكافي طبقا لنقل نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٧ حيث يستفاد من ذيل الحديث أنّ الإمامعليه‌السلام ذكر هذا في تفسير الآية( وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) سورة النازعات / ٤٠ بالرغم من كون محتوى الآيتين واحد

٤١٨

اللامتناهية وذاته اللامحدودة فينتابهم الشعور بالخوف والضعة أمام قدسيته العظيمة وهذا النوع من الخوف يحصل من غاية المعرفة لله سبحانه ، ويكون خاصا بالعارفين والمخلصين لحضرته.

ولا تضادّ بين هذه التفاسير فيمكن جمعها في مفهوم الآية.

وأمّا (جنّتان) فيمكن أن تكون الاولى ماديّة جسمية ، والثانية معنوية روحية ، كما في قوله تعالى :( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ ) .(١)

ففي هذه الآية مضافا إلى الجنّة الماديّة حيث الأنهار تجري من تحت الأشجار والمطهّرات من الزوجات ، هناك جنّة معنوية أيضا حيث الحديث عن رضوان الله تعالى.

أو أنّ الجنّة الاولى جزاء أعمالهم ، والجنّة الثانية تفضل على العباد وزيادة في الخير لهم ، يقول سبحانه :( لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) .(٢)

أو أنّ هناك جنّة للطاعة واخرى لترك المعصية.

أو أنّ أحدهما للإيمان ، والثانية للأعمال الصالحة.

أو لأنّ المخاطبين من الجنّ والإنس ، لذا فإنّ كلّ واحدة من هاتين الجنّتين تتعلّق بطائفة منهما.

ومن الطبيعي أن لا دليل على كلّ واحد من هذه التفاسير ، ويمكن جمعها في مفهوم هذه الآية ، إلّا أنّ من الطبيعي أنّ الله تعالى هيّأ لعباده الصالحين نعما عديدة لهم في الجنّة حيث مستقرّهم ، ولأهل النار (مياه حارقة وسعير لا يطاق).

ومرّة اخرى : وبعد ذكر هذه النعم العظيمة يخاطب الجميع بقوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

__________________

(١) آل عمران ، ١٥.

(٢) النور ، ٣٨.

٤١٩

ثمّ يضيف سبحانه في وصفه لهاتين الجنّتين بقوله :( ذَواتا أَفْنانٍ ) .

«ذواتا» تثنية (ذات) بمعنى صاحب ومالك(١) .

«أفنان» جمع (فنن) على وزن (قلم) والكلمة في الأصل بمعنى الغصون الطريّة المملوءة من الأوراق ، كما تأتي أحيانا بمعنى «النوع». ويمكن أن يستعمل المعنيان في الآية مورد البحث ، حيث في الصورة الاولى إشارة إلى الأغصان الطرية لأشجار الجنّة ، على عكس أشجار الدنيا حيث غصونها هرمة ويابسة.

كما يشير في الصورة الثانية إلى تنوّع نعم الجنّة وأنواع الهبات فيها ، لذا فلا مانع من استعمال المعنيين.

كما يحتمل أن يراد معنى آخر وهو أنّ لكلّ شجرة عدّة غصون مختلفة وفي كلّ غصن نوع من الفاكهة.

وبعد ذكر هذه النعم يكرّر سبحانه السؤال مرّة اخرى فيقول :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

ولأنّ البساتين النضرة والأشجار الزاهية ينبغي أن تكون لها عيون ، أضاف سبحانه في وصفه لهذه الجنّة بقوله :( فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ ) .

ثمّ يطرح مقابل هذه النعمة الإضافية قوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وبالرغم من أنّ الآية أعلاه لم توضّح لنا شيئا عن طبيعة هاتين العينين الجاريتين وعبّرت عنها بصيغة نكرة ، فإنّ هذه الموارد عادة تكون دليلا على العظمة الإلهيّة ، وقد ذكر بعض المفسّرين أنّ المقصود بهاتين العينين هما «سلسبيل» وتسنيم» قال تعالى :( عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ) ،(٢) وقال تعالى :

__________________

(١) يعتقد البعض أنّ أصل ذات والتي هي مفرد مؤنث كانت ذوات ، والواو حذفت للتخفيف وأصبحت ذات ولكون التثنية ترجع الكلمة إلى أصلها ، لذا أصبحت (ذواتان) وقد حذفت النون عند الإضافة ، وجاء في مجمع البحرين أنّ أصل (ذو) هو (ذوا) على وزن (عصا) ولذلك فلا عجب أنّ مؤنثها يصبح (ذوات).

(٢) الإنسان ، ١٨.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579