المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117282 / تحميل: 7172
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

في المختلف الكفارة.

(ب) أن يقصد النظر والامناء ولا يحصل الامناء، فيبنى على ان نية المنافي هل هي منافية ام لا؟ فيبطل الصوم على الاول دون الثاني.

(ج) أن يقصد النظر خاصة ولا يحصل الامناء، فلا فساد إجماعا.

(د) أن يقصد الامناء خاصة ولا يحصل، فهو كالمسألة الثانية، والاقوى عدم الفساد فيهما.

(ه‍) أن يقصدها ولا يحصل شئ، فلا إفساد ولا إثم.

(و) أن لايقصدهما ويحصل امناء، فلا شئ أيضا.

(ز) أن يقصد الامناء خاصة ويحصل، فالكفارة عند العلامة وظاهر السيد حيث قال: لو تعمد انزال المنى كفر وإن كان بغير جماع (ان يقصد كذا).

(ح) النظر خاصة، ويحصل، فالقضاء عند العلامة، ولا شئ عند الحسن، والشيخ في الخلاف والمصنف وابن ادريس، ولم يفرقوا بين المحللة والمحرمة، ولم يفصلوا إلى قاصد الامناء وعادته.

القسم الثاني: المحرمة، ومسائلها ثمان:

(أ) أن يقصد الفطر والامناء ويحصل الامناء، فالقضاء والكفارة عند الشيخ في المبسوط، كمذهب العلامة، حيث قال في المسائل: وعندنا انه إذا نظر إلى ما لا يحل النظر اليه فأنزل غير مستدع للانزال لم يفطر، وهو يدل بمفهومه على الافساد مع استدعاء الانزال، ولا شئ عند ابن ادريس والمصنف والشيخ في الخلاف وقال العلامة في التحرير، لو نظر إلى من يحرم اليه نظرها بشهوة فأمنى كان عليه القضاء ولا كفارة، وهي عبارة الشيخ في المبسوط.

(ب) أن يقصد النظر والامناء ولا يحصل الامناء فيأثم قطعا، وبين الحكم على منافاة نيته المنافي.

٤١

(ج) أن يقصد النظر خاصة ولا يحصل الامناء، فلا فساد إجماعا، بل الاثم.

(د) أن يقصد الامناء خاصة، ولا يحصل، فهو كالمسألة الثانية، والاقرب الاثم خاصة.

(ه‍) أن يقصد هما ولا يحصل شئ، فلا قطعا.

(و) أن لايقصدهما ويحصل الامناء، فلا شئ أيضا.

(ز) أن يقصد الامناء خاصة ويحصل، فلا شئ، لا صالة براء‌ة الذمة، وتعلق الحكم بالنظر عند القائل، والاقرب الكفارة، وظاهر السيد.

(ح) أن يقصد النظر خاصة ويحصل الامناء، فلا قضاء عند العلامة والمبسوط ولا شئ عند الخلاف والمصنف وإبن ادريس، وفخر المحققين يعتبر الناظر فان كان من عادته الامناء عقيب النظر، كفروالا فلا.

وزاد في نسخة (ج) ما يأتى: قال بعد جملة (وتبعه القاضي): وهنا تحقيق يتشعب باعتباره تسعة مسائل: وتقريره أن نقول: النظر إما أن يكون إلى محللة أو محرمة، وعلى التقديرين فإما أن تقصد النظر، أو لا بل يحصل اتفاقا، وعلى التقادير فاما أن يحصل له إمناء بالفعل، أو ينويه ولم يحصل، فالاقسام تسعة:

(أ) أن يكون إلى محللة، ولا يقصد النظر ولا الامناء ولا يحصل الامناء، فلا إثم ولا فساد اجماعا.

(ب) أن يكون إلى محللة ويقصد النظر لا الامناء ولا يحصل الامناء، فلا فساد ولا إثم ايضا.

(ج) أن يكون إلى المحللة ويقصد النظر والامناء، فيجب الكفارة على قول العلامة، ولا يجب عند الشيخ وابن ادريس.

(د) أن يكون إلى المحللة ويقصد النظر والامناء ولم يحصل الامناء، فهل يفسد صومه أم لا؟ يبنى على أن نيته المنافي هل هي منافية أم لا؟ فيبطل على الاول دون الثاني.

٤٢

(ه‍) أن يكون إلى محرمة ولم يقصد النظر ولا الامناء، فلا فساد إجماعا.

(و) أن تكون إلى محرمة ويقصد النظر لا الامناء ولا يحصل الامناء، فلا فساد أيضا.

(ز) أن تكون إلى محرمة ويقصد النظر والامناء، فيفسد ويجب الكفارة.

(ح) أن تكون إلى محرمة ويقصد النظر والامناء ولا يحصل الامناء، فيبني على منافاة نيته المنافي كما تقدم.

(ط) أن تكون إلى محرمة ويقصد النظر والامناء فيحصل الامناء، فذهب المصنف والحسن وابن ادريس والشيخ في الخلاف لا شئ، ومذهبه في المبسوط وجوب القضاء، وهو مذهب العلامة، وعند فخر المحققين يعتبر الناظر، فان كان من عادته الامناء عقيب النظر كفر والا فلا.

الفصل الثاني: الملاعبة والملامسة

فان كان مع قصد الانزال كفر قطعا، وان كان لامعه فكذلك على المشهور، وقال ابوعلي: يجب القضاء خاصة(١) .

احتج الاولون: بانه أنزل في نهار رمضان عقيب فعل معد للانزال فكان عليه الكفارة، وبما رواه ابوبصير قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل وضع يده على شئ من جسد امرأته فأدفق، قال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، أو يعتق رقبه(٢) .وفي معناها رواية سماعة(٣) .

احتج ابوعلي، بانه أنزل من غير قصد، فلا يجب عليه الكفارة كالمتمضمض للتبرد.واجيب بانه قصد فعلا يحصل معه الامناء، فهو كالمجامع.

____________________

(١) المختلف: كتاب الصوم ص ٥٤ س ٣٣ قال: وابن الجنيد: لا بأس مالم يتولد منه مني أو مذي، فان تولد ذلك وجب القضاء.

(٢) التهذيب: ج ٤(٧٢) باب الزيادات، ص ٣٢٠ الحديث ٤٩.

(٣) التهذيب: ج ٤(٧٢) باب الزيادات، ص ٣٢٠ الحديث ٤٨.

٤٣

الفصل الثالث: التسمع

وفيه ثلاثة أقوال:

(أ) لا شئ وهو اختيار الشيخ في النهاية(١) والمبسوط(٢) وهو مذهب الحسن(٣) وابن ادريس(٤) والمصنف(٥) .

(ب) القضاء خاصة، وهو اطلاق المفيد حيث قال: ان تشهى او اصغى إلى حديث وجب عليه القضاء(٦) وقال التقي: لو أصغى إلى حديث، او ضم، أو قبل فأمنى فعليه القضا(٧) .

(ج) القضاء والكفارة مع قصد الانزال، ولا معه القضاء خاصة، وهو اختيار العلامة في المختلف(٨) وقال في التذكرة: لو نظر أو تسمع لكلام أو حادث فأمنى لم يفسد صومه(٩) .فروع(١) لو تخيل قاصدا فأمنى كفر بخلاف ما لو خطرله ولم يقصد الانزال.

____________________

(١) النهاية: كتاب الصيام، باب ما على الصائم اجتنابه ص ١٥٧ قال: فان أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر لم يكن عليه شئ ولا يعود إلى ذلك.

(٢) المبسوط: ج ١، كتاب الصوم، فصل في ما يمسك عنه الصائم ص ٣ س ١ قا ل: فان اصغى أوسمع إلى حديث فامنى لم يكن عليه شئ.

(٣و ٤) السرائر: كتاب الصوم، باب ما يجب على الصائم اجتنابه ص ٨٨ س ٢٩ قال: فان أمنى من غير ملامسة بل من سماع كلام أو نظر لم يكن عليه شئ ولا يعود إلى ذلك.

(٥) المعتبر: كتاب الصوم ص ٣٠٥ قال: مسألة ولونظر أو تسمع لكلام او حادث فأمنى لم يفسد صومه لا قضاء عليه.

(٦) المقنعة: كتاب الصيام، باب حكم الساهي والغالط في الصيام ص ٥٧ س ١٤.

(٧) الكافي الصوم، فصل في صوم شهر رمضان ص ١٨٣ س ٤.

(٨) المختلف: كتاب الصوم ص ٥٣ س ٥ قال: والاقرب عندي انه إن قصد الانزال وجب عليه القضاء والكفارة الخ.

(٩) التذكرة: ج ١ ص ٢٥٩ س ٤٢ قا ل: فروع(١) لو نظر أو تسمع الخ.

٤٤

السادسة: تتكرر الكفارة مع تغاير الايام وهل تتكرر بتكرر الوطء في اليوم الواحد؟ قيل: نعم، والاشبه انها لا تكرر ويعزر من أفطر لا مستحلا مرة وثانية، فان عاد ثالثة قتل، (وقيل في الرابعة خ)(٢) لو أمذى عقيب الملامسة لم يكن عليه شئ، وقال أبوعلي: يجب القضاء، وهو نادر.

(٣) لو تساحقت امرأتان، فان لم ينزلا فلا شي سوى الاثم، وإن أنزلنا فالقضاء والكفارة عليهما، ولو أنزلت إحداهما اختصت بالحكم.

وكذا المجبوب لو ساحق.

(٤) لو طلع الفجر وهو مجامع، فاستدامه، أو مكث، أو نزع في الحال بنية الجماع كفر، ان نزع لا بنيته لم يكن عليه شئ.

قال طاب ثراه: تتكرر الكفارة مع تغاير الايام، وهل تتكرر بتكرر الوطء في اليوم الواحد؟ قيل: نعم، والاشبه انها لا تتكرر.

أقول: إذا تكرر فعل المفطر من الصائم، فان كان في يومين تكررت الكفارة عند علمائنا أجمع، وإن كان في يوم واحد، ففيه مسائل:

(١) الجماع وفيه ثلاثة أقوال: (أ) التكرار مطلقا، قاله السيد(١) والشهيد(٢) .لما روي عن الرضاعليه‌السلام : ان الكفارة تتكرر بتكرر الوطء(٣) .

____________________

(١) المختلف: كتاب الصوم ص ٥٧ س ٥ قال: وربما قال المرتضى من أصحابنا انه يجب عليه لكل مرة كفارة.

(٢) اللمعة الدمشقة: كتاب الصوم قال: وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء مطلقا ورواه في المعتبر ص ٣٠٨ س ٣٤.

(٣) الوسائل: ج ٧ كتاب الصوم الباب ١١ من ابواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث ٣ نقلا عن العلامة في المختلف.

٤٥

ولان الامساك واجب كرمضان والوطء فيه محرم كحرمة رمضان.

(ب) عدمه مطلقا قاله الشيخ(١) وابن حمزة(٢) واختاره المصنف(٣) وهوظاهر العلامة في التذكرة(٤) .لاصالة براء‌ة الذمة من الزائد عما وقع عليه الاجماع، ولعدم الهتك، ولان الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح، فكما لا تتكرر به القضاء لا تتكرر به الكفارة.

(ج) التفصيل وهو التكرير مع تخلل التكفير، وعدمه مع عدمه وهو قول ابي علي(٢) غير الجماع ولا يتكرر الكفارة بتكرره مع اتفاقه وعدم تخلل التكفير اجماعا.

(٣) لو تخلل التكفير مع اتفاق السبب، تكررت عند العلامة(٦) والشهيد(٧) وأولى بالتكرار مع اختلاف السبب، وقيل: بعدم التكرار، لاصالة البراء‌ة.

____________________

(١) المبسوط: كتاب الصوم فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم ص ٢٧٤ س ١٤ قال: فاما اذا تكرر ذلك في يوم واحد إلى أن قال: والذي يقتضيه مذهبنا انه لا يتكرر عليه الكفارة.

(٢) المختلف: كتاب الصوم ص ٥٧ س ٥ قال ابن حمزة بعدم التكرير.

(٣) المعتبر: كتاب الصوم ص ٣٠٨ س ٣٣ قال: قال: ولو تكرر منه الوطء في اليوم الواحد لم تتكرر الكفارة.

(٤) التذكرة: ج ١ كتاب الصوم ص ٢٦٥ س ١١ قال: وقال: ابوعلي بن الجنيدرحمه‌الله إلى أن قا ل: فان اخرجها وعاد لزمه لكل مرة كفارة.

(٦) المختلف: كتاب الصوم ص ٥٧ س ٥ قال: والاقرب عندي انه إن تغابر جنس المفطر تعددت الكفارة إلى أن قال: وإن اتحد جنس المفطر في يوم واحد فان كفر عن الاول تعددت الكفارة.

(٧) اللعمة: كتاب الصوم قال: وتتكرر الكفارة إلى أن قال: أو تخلل التكفير.

٤٦

السابعة: من وطأ زوجته مكرها لها، لزمه كفارتان، ويعزر دونها، ولو طاوعته كان على كل منهما كفارة، ويعزران، الثالث: من يصح منه ويعتبر في الرجل العقل والاسلام، وكذا في المرأة مع اعتبار الخلو من الحيض والنفاس، فلا يصح من الكافر وإن وجب عليه، ولا من المجنون والمغمى عليه ولو سبقت منه النية على الاشبه ولا من الحائض والنفساء ولو صادف ذلك أول جزء من النهار أو آخر جزء منه، ولا يصح من الصبي غير المميز، ويصح من الصبي المميز ومن المستحاضة مع فعل ما يجب عليها من الاغسال(٤) تغاير السبب، كالاكل والجماع يوجب التكرير، لتعلق الكفارة على الاكل والجماع مطلقا، هو اختيار العلامة في القواعد(١) والمختلف(٢) سواء كفر عن الاول أولا، واختاره الشهيد(٣) وقال المصنف: لا يتكرر مطلقا وإن وجب الامساك، لانه ليس بصوم صحيح، والكفارة تجب بما يحصل به الفطر، ويفسد به الصوم الصحيح(٤) .

قال طاب ثراه: ولا من المجنون والمغمى عليه لو سبقت منه النية على الاشبه.

____________________

(١) القواعد: كتاب الصوم، المطلب الثالث فيما يجب بالافطار ص ٦٥ قال: ويتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين مطلقا وفي يوم مع التغابر.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) شرح اللمعة: كتاب الصوم قال: وقيل تكرر مطلقا وهو متجه.

(٤) المعتبر: كتاب الصوم ص ٣٠٩ س ١ قال: فرع من أكل مرارا أو شرب او أكل لم تتكرر الكفارة.

٤٧

أقول: البحث هنا يستدعي توطئة مقدمة.وهي أن الجنون مزيل للعقل اجماعا، والنوم مغط له قطعا، والاغماء هل هو مزيل او مغط؟ قيل بالاول، لعدم الوثوق بحصول التمييز معه، بخلاف النوم، فانه يمكن ايقاضه في الحال ورجوع التصرف والتمييز اليه.وقيل بالثاني، لسرعة زواله.فمن قال بالاول كالمصنف(١) والعلامة(٢) جعل حكمه حكم المجنون ولم يعتبر صومه مع سبق النية.ومن قال بالثاني: كالشيخين(٣) جعل حكمه حكم النوم، ويعتبر صومه مع سبق النية.

فالحاصل: أن الفائدة تظهر في وجوه:

(أ) خروجه عن حد المكلفين على الاول، فيحكم ببطلان صومه وإن سبقت منه النية ولا يعد صائما، فلا يستحق مانذر، أو وقف، أو أوصى به للصائمين، ولا يجزي عن القضاء او النذر والكفارة، ولو نواه من الليل عن احدهما.

(ب) لو أفاق في اثناء النهار لم يجب الامساك مطلقا على الاول، ويجب

____________________

(١) المعتبر: كتاب الصوم في شرايط صحة الصوم ص ٣٠٩ س ٢٩ قال: وفي المغمى عليه قولان إلى أن قال بعد نقل قول المفيد: وليس بوجه لان مع زوال العقل يقسط التكليف.

(٢) المختلف: فيمن يصح منه الصوم ص ٥٨ س ٢٣ بعد نقل قول المفيد: وليس بجيد لان العقل الذي هو شرط التكليف زايل الخ.

(٣) المقنعة: ص ٥٠ باب حكم المغمى عليه وصاحب المرة والمجنون في الصيام س ٩ قال: فان استهل عليه الشهر وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم اغمي عليه إلى ان قال: فلا قضاء عليه لانه في حكم الصائم بالبنية الخ.وفي النهاية باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه على العمد أو النسيان ص ١٦٥ س ١٥ قال: والمغمى عليه إلى ان قال: لم يلزمه قضاء شئ فانه لانه بحكم الصائم

٤٨

ويصح في المسافر في النذر العين المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور، وفي الثلاثة أيام لدم المتعة، وفي بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا.على الثاني إن كان قبل الزوال، ويجزي مطلقا، ولا يجزي لو كان بعد الزوال، ويجب الامساك في المتعين خاصة.

(ج) لو استمر الاغماء من أول النهار إلى نهايته، فان كان مع سبق النية، صح على الثاني دون الاول، بل يكون باطلا.

(د) لو أهمل النية من الليل واستمر اغماؤه إلى بعد الزوال، قضى على الثاني دون الاول.قال طاب ثراه: ويصح من المسافر في النذر المعين المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور.أقول: قد جرت عادة المصنفرحمه‌الله ، بالاشارة إلى ما استضعف سنده مع عمل الاصحاب عليه، بالمشهور.وهذه المسألة لا خلاف فيها عند علمائنا.والمستند ما رواه إبراهيم بن عبدالحميد عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى قال: يصومه أبدا في السفر والحضر(١) .

قال الشيخ: يحمل هذا على من نذر لله يوما معينا، وشرط صومه سفرا وحضرا، واستدل على التأويل برواية علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى ادريس، يا سيدى نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فان أنا لم أصمه ما الذي

____________________

(١) التهذيب: ج ٤ كتاب الصوم(٥٧) باب حكم المسافر والمريض في الصنيام ص ٢٣٥ الحديث ٦٣.

٤٩

ولا يصح في واجب غير ذلك على الاظهر الا أن يكون سفره أكثر من حضره، أو يعزم اقامة عشرة.

والصبي المميز يؤخذ بالواجب لسبع استحبابا مع الطاقة، ويلزم به عند البلوغ، ولا يصح من المريض مع التضرربه ويصح لو لم يتضرر به ويرجع في ذلك إلى نفسه.يلزمني من الكفارة؟ فكتبعليه‌السلام وقرأته، لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض، إلا أن تكون نويت ذلك(١) .قال المصنف: ولمكان ضعف هذه الرواية، جعلناه قولا مشهورا(٢) .وأقول: وجه ضعفها من اشتمالها على المكاتبة، وكونها مقطوعة.قال طاب ثراه: ولا يصح في واجب غير ذلك على الاظهر.أقول: الاصل هو المنع من الواجب في السفر، إلا في صور أخرجها النص وعمل الاصحاب، وهي أربعة: (أ) ثلاثة أيام لدم المتعة.

(ب) ثمانية عشر في بدل البدنة للمفيض من عرفات قبل الغروب عامدا.

(ج) النذر المشروط سفرا وحضرا.

(د) من كان سفره أكثر من حضره.وما خرج عن ذلك لايجوز فيه الصوم على المحصل عند المحققين من غير استثناء.وبعض الاصحاب يستثني، وهو في ثلاث صور، وهي المشار إليها بقوله غير ذلك.

____________________

(١) التهذيب: ج ٤: كتاب الصوم(٥٧) باب حكم المسافر المريض في الصيام ص ٢٣٥ قطعة من حديث ٦٤ ولا حظ تأويل الشيخ في ذيل الحديث ٦٣ في تلك الصفحة.

(٢) المعتبر: كتاب الصوم ص ٣١٠ س ٧

٥٠

(أ) أجاز السيدرحمه‌الله صوم المعين بالنذر اذا وافق السفر(١) ، ولعله استند إلى رواية إبراهيم بن عبدالحميد المتقدمة(٢) .وهي معارضة بغيرها، مثل رواية زرارة قال، قلت لابي جعفرعليه‌السلام : ان امي كانت جعلت عليها نذرا، ان الله رد عليها بعض ولدها من شئ كانت تخاف عليه، أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة، فأشكل علينا لمكان النذر، أتصوم أو تفطر؟ قال: لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه، وتصوم هي ما جعلت على نفسها، قلت: فما ترى ان رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال: لا، قلت: أفتترك ذلك؟ قال: لا، لاني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره(٣) .وفي معناها رواية القاسم بن أبي القاسم الصيقل(٤) .

(ب) للمفيد قول بجواز ما عدا رمضان من الواجبات(٥) .

____________________

(١) جمل العلم والعمل: كتاب الصوم، فصل في حكم المسافر والمريض ص ٩٢ س ٥ قال: وصوم النذر إذا علق بسفر وحضر، ونقله العلامة في المختلف ص ٥٩ س ٢١.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) التهذيب: ج ٤ كتاب الصوم(٥٧) باب حكم المسافر والمريض في الصيام ص ٢٣٤ الحديث ٦١.

(٤) التهذيب: ج ٤ كتاب الصوم(٥٧) باب حكم المسافر والمريض في الصيام ص ٢٣٤ الحديث ٦١

(٥) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوم منه ص ٥٩ س ٥ قال: وللمفيد قول إلى أخره، هذا ولكن عبارته في المقنعة: كتاب الصيام، باب حكم المسافرين ص ٥٥ س ٣٤.هكذا: روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام، وجاء‌ت أخبار بكراهية ذلك، وانه ليس من البر أخذه من جهة الاتباع ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على كل وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق والله الموفق للصواب.

٥١

(ج) أجاز الصدوقان صوم جزاء الصيد(١) وابن حمزة صوم الكفارة التي تلزم فيها التتابع، اذا كان افطاره يوجب الاستيناف، وكفارة قتل العمد في الاشهر الحرم وهو يصوم فيها، فاتفق له سفر وجب عليه أن يصوم في السفر(٢) .والمعتمد على المشهور.وأما المندوب، ففيه ثلاثة أقوال:

(أ) المنع وهو مذهب الصدوقين(٣) والمفيد(٤) وتلميذه(٥) .

(ب) الجواز وهو مذهب ابن حمزة(٦) .

____________________

(١) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوممنه ص ٥٩ س ٢٤ قال: واستثنى علي بن بابويه في رسالته وابنه محمد في مقنعة الصوم في كفارة صيد المحرم الخ.وفي المقنع ابواب الصوم، باب تقصير المسافر في الصوم ص ٦٣ س ٦ قال: فلا تصومن في السفر شيئا إلى أن قال: الا الصوم الذي ذكرته في اول الباب من صوم كفارة صيد المحرم..الخ.

(٢) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوم منه ص ٥٩ س ٢٥ قال: وقال ابن حمزة: ان كان نذرا مقيدا بحال السفر او صوم الكفارة التى..الخ.

(٣) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوم منه ص ٦٠ س ١٠ قا ل: وقال ابنا بابويه: لايصوم في السفر تطوعا ولا فرضا، واستثنى من التطوع صوم ثلاثه أيام في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف.

(٤) المقنعة: كتاب الصيام ص ٥٥ باب حكم المسافرين س ٣٥ قال: ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على كل وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق.

(٥) المراسم: كتاب الصوم:، أحكام الافطار في صوم الواجب ص ٩٧ قال: ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا الا صيام ثلاثة ايام لدم المتعة الخ.

(٦) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوم منه، ص ٦٠ س ١٢ قال: وقال ابن حمزة: صيام النقل في السفر ضربان مستحب إلى أن قال: وجايز وهو ما عدى ذلك، وروى كراهة صوم النافلة في السفر والاول أثبت.

٥٢

الفصل الرابع: في أقسامه

وهي أربعة: واجب، وندب، ومكروه، ومحظور، فالواجب ستة، شهر رمضان، والكفارة، ودم المتعة، والنذر وما في معناه، والاعتكاف على وجه، وقضاء الواجب المعين، أما شهر رمضان فالنظر في علامته وشروطه وأحكامه.

الاول: أما علامته فهي رؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه صومه ولو انفرد بالرؤية ولو زؤي شايعا، أو مضى من شعبان ثلاثون، وجب الصوم عاما.

(ج) الكراهة، وهو مذهب الشيخ(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) واستند الكل إلى الروايا ت(٤) منطوقا أو عموما، وهو الاقرب.ومعناه نقص ثوابه عن الحضر، لا عدم استحقاق الثواب عليه اصلا.الا ثلاثة ايام الحاجة بالمدينة، وألحق المفيد المشاهد والصدوقان(٦)

____________________

(١) النهاية: كتاب الصيام باب حكم المسافر في شهر رمضان ص ١٦٢ س ١٢ قا ل: ويكره صيام النوافل في السفر على كل حال إلى أن قال: الا أن الاحوط ما قدمناه.

(٢) المعتبر: كتاب الصوم: في شرايط صحة الصوم ص ٣٠٩ س ٣٣ قال: وفي صحة الندب منه قولان والكراهية أولى.

(٣) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوم منه ص ٦٠ س ١٣ قال: والكراهية أولى.

(٤) لا حظ الوسائل: ج ٧ كتاب الصوم، الباب ١٢ من ابواب من يصح منه الصوم.

(٥) المقنعة: كتاب الصيام ص ٥٥ باب حكم المسافرين س ٣٣ قال: وصوم ثلاثة ايام للحاجة إلى ان قال: أو في مشهد من مشاهد الائمةعليهم‌السلام .

(٦) المختلف: كتاب الصوم، فيمن يصح الصوم منه ص ٦٠ س ١٠ قا ل: وقال ابنا بابويه لا يصوم في السفر إلى أن قال وصوم الاعتكاف في المساجد الاربعة

٥٣

ولم لم يتفق ذلك، قيل: يقبل الواحد احتياطا للصوم خاصة وقيل: لا يقبل مع الصحو الا خمسون نفسا، أو اثنان من خارج (البلدخ).وقيل: يقبل شاهدان كيف كان، وهو أظهر.وابن ادريس الاعتكاف في مواطنه الاربعة(١) .قال طاب ثراه: (وخ) قيل يقبل الواحد احتياطا للصوم خاصة.اقول: هنا خمسة أقوال:

(أ) قبول العدلين من خارج البلد، وعدد القسامة منه مع العلة، ولا معها لابد من القسامة من خارج، وأولى منه اذا كانوا من البلد، وهو مذهب القاضي(٢) والشيخ في النهاية(٣) .

(ب) قبول العدلين مع العلة من البلد وخارجه، والقسامة مع عدمها من البلد وخارجه، وهو مذهب التقي(٤) وقول للشيخ في المبسوط(٥) .

(ج) قبول العدلين من خارج أو مع العلة، والا فلابد من القسامة، وهو مذهب الصدوق في المقنع(١).

(د) قبول العدلين كيف كان، مع العلة وعدمها من البلد وخارجه، لانه

____________________

(١) السرائر: كتاب الصوم باب حكم المسافر والمريض والعاجز عن الصيام ص ٩٠ س ٥ قال: ويجوز صيام الاعتكاف في حال السفر.

(٢) المهذب: ج ١ كتاب الصيام، باب صوم شهر رمضان وعلامة دخولة ص ١٨٩ س ١٨ قا ل: واذا كان في السماء علة الخ.

(٣) النهاية: كتاب الصيام، باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ص ١٥٠ س ١٢ قال: فان كان في السماء علة..الخ.

(٤) الكافي: الصوم، فصل في صوم شهر رمضان ص ١٨١ س ٩ قال: ويقوم مقامها شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره الخ.

(٥) المبسوط: ج ١ كتاب الصوم، فصل في ذكر علامة شهر رمضان ص ٢٦٧ س ١.

(٦) المقنع: ابواب الصوم(٢) باب رؤية هلال شهر رمضان ص ٥٨ س ١٣.

٥٤

المعهود من عادة الشرع في كل الاحكام الا ما شذ.ولصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: صم لرؤية الهلال ولرؤيته، فان شهد عندك شاهدان مرضيان بانهما رأياه فاقضه(١) .وهو اختيار السيد(٢) وأبي علي(٣) وابن ادريس(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) .

(ه‍) قبول الواحد في هلال شهر رمضان دون غيره من الاهلة، احتياطا للصوم، وهو مذهب سلار(٧) .

واستند الجميع إلى الروايات(٨) .هذا مع عدم الرؤية، أما معها فيجب الصوم وإانفرد، أو رد، خلافا لابي حنيفة، لقول الصادقعليه‌السلام : صم لرؤية الهلا ل وأفطر لرؤيته، فان شهد

____________________

(١) التهذيب: ج ٤(٤١) باب علامة اول شهر رمضان وآخره ص ١٥٧ الحديث ٨.

(٢) جمل العلم والعمل: كتاب الصوم، فصل في حقيقة الصوم ص ٨٩ س ١٤ قال: فان شهد عدلان على رؤية الهلال وجب الصوم.

(٣) المختلف: كتاب الصوم، في اقسام الصوم ص ٦٤ س ١٠ قا ل: مسألة يثبت هلال شهر رمضان بشاهدين ذكرين عدلين إلى أن قال: وبه قال ابن الجنيد.

(٤) السرائر: كتاب الصوم، باب علامة شهر رمضان ص ٨٦ س ٢٥ قال: وكذلك إن شهد برؤيته شاهدان عدلان وجب عليك الصوم.

(٥) المعتبر: كتاب الصوم ص ٣١٠ س ٢٤ قال: والثاني لا يقبل الا شاهدان عدلان، إلى أن قال بعد أسطر: ومع ورود الصريح من الاخبار في اشتراط شاهدين يكون الاحتمال الذي ذكرناه أرجح.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) المراسم: كتاب الصوم، ذكر: أحكام صوم شهر رمضان ص ٩٦ س ١٢ قال: أو شهد بها في أوله واحد عدل.

(٨) لا حظ التهذيب: ج ٤(٤١) باب علامة أول شهر رمضان وآخره ص ١٥٥ وأوردها في المختلف كتاب الصوم ص ٦٤.

٥٥

عندك عدلان مرضيان انهما رأياه فصم(١) وهو في رواية منصور المتقدمة.وكذا لو رؤي شايعا، لان الاستفاضة تثبت بها الاهلة.تنبيه اذا قبلنا الواحد في الهلال كان القبول احتياطا للصوم خاصة، فلا يثبت بهذه الشهادة غير وجوب الصوم، كحلول الدين، ووجوب الزكاة، والنذر، وانقضاء العدة، ومدة التربص في الظهار، والايلاء والعنة.ولا يثبت به هلال غير رمضان كشوال وغيره، لعدم العلة أعني الاحتياط للصوم، ويفطر لو غم الهلال ليلة الحادي والثلاثين من رؤية الواحد، لثبوته شرعا، فالافطار ههنا وان كان مستندا إلى شهادة الواحد، فهو ضمن، لا اصل.ويحتمل عدم الافطار، لان القبول في الاول انما كان لمكان الاحتياط والافطار ينافيه وايضا المتيقن وجوب الصوم، فلا يترك المعلوم بقول يفيد الظن.

والاول أقوى، لان الحكم الشرعي إذا ثبت مستندا إلى حكم يثبت بمثله شرعا، إطرد حكمه ونفذ ضمنا فيما لا يثبت بمثله أصل الحكم الثاني كالرضاع فانه يثبت بشهادة النساء، ومع تحقق ثبوته بشهادتهن شرعا يفسخ به النكاح، مع أن فسخ النكاح لا يثبت بشهادة النساء، وكذا لايثبت النسب بشهادة النساء، ويثبت بها الولادة فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.

____________________

(١) تقدم آنفا

٥٦

ولا اعتبار بالجدول، ولا بالعدد، ولا بالغيبوبة بعد الشفق، ولا بالتطوق ولا بعد خمسة أيام من هلال الماضية، وفي العمل برؤيته قبل الزوال تردد.ومن كان بحيث لا يعلم الاهلة، توخى صيام شهر، فان استمر الاشتباه أجزأه، وكذا إن صادف، أو كان بعده، ولو كان قبله استأنف.ووقت الامساك طلوع الفجر الثاني فيحل الاكل والشرب حتى يتبين خيطه، والجماع حتى يبقى لطلوعه قدر الوقاع والاغتسال.ووقت الافطار ذهاب الحمرة المشرقية.ويستحب تقديم الصلاة على الافطار الا أن تنازع نفسه، أو يكون ممن يتوقع افطاره.وهو مذهب العلامة في التذكرة(١) والمنتهى(٢) وهو مذهب ابي حنيفة، وقال محمد بن الحسن: لا يفطرون لان الفطر لايحل بشهادة الواحد(٣) وللشافعي مثل القولين، وأما محل المسألة للشافعي طريقان، أحدهما مع الصحو ولو كانت مغيمة أفطروا، والاخر الصحو والغيم واحد(٤) .

قال طاب ثراه: ولا اعتبار بالجدول، ولا بالعدد، ولا بالغيبوبة بعد الشفق، ولا بالتطوق، ولا بعد خمسة أيام من هلال الماضية، وفي العمل برؤيته قبل الزوا تردد.

____________________

(١) التذكرة: ج ١، كتاب الصوم ص ٢٧٠ س ٣٥ قال: (ب) لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها، فلم ير الهلال بعد الثلاثين، فالوجه الافطار.

(٢) و(٣) و(٤) المنتهي: ج ٢ كتاب الصوم ص ٥٨٩ في رؤية الهلال، قال في الفرع الثالث من فروع الشهادة: اذا قلنا بقبول الواحد فشهد على رؤية رمضان فصاموا ثلاثين ثم غم عليهم الهلال.

فالوجه الافطار وهو قول ابي حنيفة وأحد قولي الشافعي، والاخر لا يفطرون وهو قول محمد بن الحسن، لنا ان الصوم ثبت شرعا بشهادة الواحد فثبت الافطار باستمكال الثلاثين: وقال في ص ٥٨٨ بعد نقل قول سلار في قبول شهادة الواحد: وهو أحد قولي الشافعي إلى أن قال: وذهب المفيد والسيد المرتضى انه لا يقبل الا بشاهدين عدلين صحوا وغيما وهو القول الآخر للشافعي.

٥٧

أقول: هنا مسائل:

الاولى: لا اعتبار بالجدول، وهو مأخوذ من الحساب النجومي وضبط سير القمر واجتماعه بالشمس، ولا يجوز التعويل عليه شرعا لقوله تعالى: " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج"(١) .ولان قول المنجم لو كان طريقا إلى علم الهلال، لوجب ان يبينهعليه‌السلام للناس، لانهم في محل الحاجة إليه، ولم يجز له حصر الدلالة في الرؤية.والشهادة.وحكي عن قوم من العامة انهم قالوا: يجتهدون في ذلك ويرجعون إلى المنجمين(٢) .وهو مردود بما قلناه، وبروايات كثيرة في معناه(٣) .ولانهعليه‌السلام شدد في النهي عن سماع كلام المنجم، فقال: من صدق كاهنا أو منجم فقد كفر بما أنزل على محمد(٤) .

الثانية: لا اعتبار بالعدد، والمراد به نقيصة شعبان وتمامية رمضان.قال

____________________

(١) البقرة: ١٨٩.

(٢) التذكرة: ج ١ كتاب الصوم ص ٢٧١ س ١٤ قال: وحكى عن قوم من العاملة..الخ.

(٣) لا حظ الوسائل ج ٧ كتاب الصوم، الباب ١٥ من ابواب أحكام شهر رمضان، وج ٨ كتاب الحج، الباب ١٤ من أبواب آداب السفر.وج ١٢ كتاب التجارة، الباب ٢٤ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل: ج ٧ كتاب الصوم، الباب ١٥ من أبواب أحكام شهر رمضان،: الحديث ٢ نقلا عن المعتبر.

٥٨

العلامة في التذكرة: ولا اعتبار بالعدد خلافا لقوم من الحشوية ذهبوا إلى انه معتبر، وان شهور السنة قسمان، تام وناقص، رمضان تام لا ينقص وشعبان ناقص لا يتم(١) وبمثله قال المصنف في المعتبر(٢) .ولو غمت شهور السنة أجمع؟ قال المصنف في الشرائع: عد كل شهر منها ثلاثين(٣) .وقال العلامة في المعتمد: حكم بالعدد(٤) وفي الارشاد: فالاولى العمل بالعدد(٥) وفي القواعد: فالاقرب العمل بالعدد(٦) .وليس المراد به العدد الذى أبطلناه، بل يحتمل أمرين: أحدهما: مختار المصنف، وهو اعتبار التمامية في الجميع لان الاصل أن الشهر جملة من الزمان محفوفة بهلالين، أو ثلاثون يوما.

____________________

(١) التذكرة ج ١، كتاب الصوم ص ٢٧١ س ٢٠ قال: مسألة، لا اعتبار بالعدد خلافا القوم من الحشوية..الخ.

(٢) المعتبر: كتاب الصوم، فيما يثبت به شهر رمضان، ص ٣١١ س ٧ قال: ولا باعدد فان قوما من الحشوية..إلخ.

(٣) شرايع الاسلام: كتاب الصوم، القول في شهر رمضان والكلام في علامته وشروطه وأحكامه قال: ولو غمت شهور السنة عد..الخ.

(٤) لم أظفر عليه في الذريعة: ج ٢١ ص ٢١٣ تحت رقم(٤٦٦٧) المعتمد في الفقه للعلامة إلى أن قال: أقول لقد اكثر النقل عن كتاب المعتمد في الفقه، للعلامة، الشيخ ابوالعباس احمد بن فهد الحلي في المهذب البارع.

(٥) مجمع الفائدة: ج ٥ كتاب الصوم، طريق ثبوت الهلال ص ٢٩٥ نقل عن الارشاد ما لفظه: ولو غمت الشهور أجمع فالاولى العمل بالعدد.

(٦) القواعد: كتاب الصوم ص ٦٩ المطلب القاني في شهر رمضان، قا ل: ولو غمت الشهور فالاقرب..الخ.

٥٩

والآخر: اعتبار رواية الخمسة(١) وعليه شرح فخر المحققين في ايضاحه، لانه مذهب والده في المختلف(٢) والتذكرة(٣) والتحرير(٤) ثم قال في اخر البحث: والاقوى عندى ما قواه المصنف في الدرس وهو العمل بالعدد، أعني كل شهر ثلاثين(٥) .فالحاصل: ان لفظ العدد يطلق على معان:

(أ) اعتبار عدد الشهور ثلاثين، ثلاثين.

(ب) عد خمسة أيام من هلال الماضية.

(ج) كون رمضان لا ينقص أبدا وشعبان لا يتم أبدا، وهو قول قوم من الحشوية، ونقله المرتضى عن شذاذ من أصحابنا(٦) وهذا القول متروك، لشهادة الحسن بخلافه.وروى يعقوب الاحمر قال: قلت للصادقعليه‌السلام : شهر رمضان تام أبدا؟ قال: لا بل شهر رمضان من الشهور(٧) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٧ كتاب الصوم، الباب ١٠ من أبواب أحكام شهر رمضان، فلا حظ.

(٢) المختلف: كتاب الصوم ص ٦٦ س ١٢ قال بعد نقل الاقوال: وقول الشيخ في المبسوط لا بأس به ثم أيده بما رواه الزعفراني عن أبي عبداللهعليه‌السلام حيث قال:عليه‌السلام : انظر اليوم.الذي صمت من السنة الماضية، وصم يوم الخامس.

(٣) التذكرة: ج ١ كتاب الصوم ص ٢٧١ س ٤١ قال: ولو قيل بذلك إلى أن قا ل: كان وجها.

(٤) التحرير: كتاب الصوم، المقصد السادس في شهر رمضان ص ٨٢ س ١٠ قال: والوجه عندي العمل برواية الخمسة.

(٥) ايضاح الفوائد: ج ١ كتاب الصوم ص ٢٥٠ س ٢٤ قال: والاقوى ما قواه المصنف في الدرس..الخ.

(٦) المختلف: كتاب الصوم ص ٦٦ قال: مسألة نقل السيد المرتضى عن قوم شذاذ من أصحابنا ان شهر رمضان تام أبدا، قال: والصحيح انه يكون تسعة وعشرين يوما.

(٧) التهذيب: ج ٤(٤١) باب علامة اول شهر رمضان وآخره ص ١٦٥ الحديث ٤٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية 35 و 82 من سورة المؤمنون 7 ـ 2 النمل 6 ـ 1 و 53 الصافات ـ 3 ق 7 ـ 4 الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (29) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

2 ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(1) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، المجلد 5 و 6 ، ص 278 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص 3514.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(7) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

1 ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

2 ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

1 ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

2 ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

3 ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة 12 : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(1) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(1) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص 87 وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (1) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(2) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(1) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(2) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(1) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (2) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

1 ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 2 ، صفحة 485.

(2) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

2 ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية 21 سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

3 ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

4 ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (1) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(1) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

1 ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

2 ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

1 ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (15) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

2 ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (2 O 2 H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

3 ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579