المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117312 / تحميل: 7175
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

وينبغي التنويه هنا إلى ضرورة الرجوع إلى المتخصص الثابت علمه وتمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلى توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا ـ على سبيل المثال ـ غير مخلص في علمه؟!

ولهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلى جانب الاجتهاد والأعلمية ، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلى علميته في المسائل الإسلامية.

* * *

٢٠١

الآيات

( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) )

التّفسير

لكلّ ذنب عقابه :

ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الأسلوب.

فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النّبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين.

فتبتدأ القول :( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة حسبا منهم لإطفاء نور الحق والإيمان( أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) .

فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مرارا لأقوام سابقة؟!

٢٠٢

«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولا لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما مارسوه من إيذاء وتعذيب للمؤمنين المخلصين.

«يخسف» : من مادة «خسف» ، بمعنى الاختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف) ، يقال (بئر مخسوف) للذي اختفى ماؤه ، وعلى هذا يسمّى اختفاء الناس والبيوت في شق الأرض الناتج من الزلزلة خسفا.

ثمّ يضيف :( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) أي عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات.( فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وكما قلنا سابقا ، فإنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى ازالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.

أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر :( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) .

فاليوم مثلا ، يصاب جارهم ببلاء ، وغدا يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.

إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، واللهعزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .

ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث ، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإلهي :

الأوّل : الخسف.

الثّاني : العقاب المفاجئ الذي يأتي الإنسان على حين غرة من أمره.

الثّالث : العذاب الذي يأتي الإنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في

٢٠٣

ذلك.

الرّابع : العذاب والعقاب التدريجي.

والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف ، وإن وردت جميعها بخصوص( الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) لعلمنا أنّ أفعال الله لا تكون إلّا بحكمة وعدل.

وهنا لم نجد رأيا للمفسّرين ـ في حدود بحثنا ـ حول هذا الموضوع ، ولكن يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف الله تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس ، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.

أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم ، فيأتيهم العذاب الإلهي بغتة وهم لا يشعرون.

والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة ، حتى وإن كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له! فيعذبهم الله تعالى وهم على تلك الحالة(1) .

وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إلى حيث اللارجعة ، فيعذبهم الله بالتخويف. أي يحذرهم بإنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإن استيقظوا فهو المطلوب ، وإلّا فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.

وعلى هذا ، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السّيئات ، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع الله ولم يخربوا جميع جسور العودة.

* * *

__________________

(1) مع أنّ «التقلب» لغة ، بمعنى التردد والذهاب والمجيء ، مطلقا ولكن في هكذا موارد ـ كما قال أكثر المفسّرين وتأييد الرّوايات لذلك ـ بمعنى التردد في طريق التجارة وكسب المال ـ فتأمل.

٢٠٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) )

التّفسير

سجود الكائنات للهعزوجل :

تعود هذه الآيات مرّة أخرى إلى التوحيد بادئة ب :( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ ) (1) .

أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يمينا وشمالا لتعبر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟!

ويقول البعض : إنّ العرب تطلق على الظلال صباحا اسم (الظل) وعصرا

__________________

(1) داخر : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.

٢٠٥

(الفيء) ، وإذا ما نظرنا إلى تسمية (الفيء) لقسم من الأموال والغنائم لوجدنا إشارة لطيفة لحقيقة إنّ أفضل غنائم وأموال الدنيا لا تلبث أن تزول ولا يعدو كونها كالظل عند العصر.

ومع ملاحظة ما اقترن بذكر الظلال في هذه الآية من يمين وشمال ، وإنّ كلمة الفيء استعملت للجميع فيستفاد من ذلك : أن الفيء هنا ذو معنى واسع يشمل كل أنواع الظلال.

فعند ما يقف الإنسان وقت طلوع الشمس متجها نحو الجنوب فإنّه سيرى شروق قرص الشمس من الجهة اليسرى لأفق الشرق ، فتقع ظلال جميع الأشياء المجسمة على يمينه (جهة الغرب) ، ويستمر هذا الأمر حتى تقترب الظلال نحو الجهة اليمنى لحين وقت الظهر، وعندها ستتحول الظلال إلى الجهة المعاكسة (اليسرى) وتستمر في ذلك حتى وقت الغروب فتصبح طويلة وممتدة نحو الشرق ، ثمّ تغيب وتنعدم عند غروب الشمس.

وهنا يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يمينا وشمالا بعنوانها مظهرا لعظمته جل وعلا واصفا حركتها بالسجود والخضوع.

أثر الظلال في حياتنا :

ممّا لا شك فيه أنّ لظلال الأجسام دور مؤثر في حياتنا ، ولعل الكثير منّا غير ملتفت إلى هذه الحقيقة ، فوضع القرآن الكريم إصبعه على هذه المسألة ليسترعي الانتباه لها.

للظلال (التي هي ليست سوى عدم النّور) فوائد جمّة :

1 ـ كما أنّ لأشعة الشمس دور أساسي في حياتنا ، فكذلك الظلال ، لأنّها تقوم بعملية تعديل شدّة الحرارة لأشعة الشمس.

إنّ الحركة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل ومؤثر ، وبدون

٢٠٦

الظلال فسيحترق كل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة وبدرجة واحدة ولمدّة طويلة.

2 ـ وثمّة موضوع مهم آخر وربّما على خلاف تصور معظم الناس ، ألا وهو :إنّ النّور ليس هو السبب الوحيد في رؤية الأشياء ، بل لا بدّ من اقتران الظل بالنّور لتحقيق الرؤية بشكل طبيعي.

وبعبارة أخرى : إنّ النّور لو كان يحيط بجسم ما ويشع عليه باستمرار بما لا يكون هناك مجالا للظل أو نصف الظل ، فإنّه والحال هذه لا يمكن رؤية ذلك الجسم وهو غارق بالنّور

أي : كما أنّه لا يمكن رؤية الأشياء في الظلمة القائمة ، فكذا الحال بالنسبة للنور التام ، ويمكن رؤية الأشياء بوجود النّور والظلمة (النّور والظلال).

وعلى هذا يكون للظلال دور مؤثر جدّا في مشاهدة وتشخيص ومعرفة الأشياء وتمييزها ـ فتأمل.

وثمّة ملاحظة أخرى في الآية : وهي : ورود «اليمين» بصيغة المفرد في حين جاءت الشمال بصيغة الجمع «شمائل».

فالاختلاف في التعبير يمكن أن يكون لوقوع الظل في الصباح على يمين الذي يقف مواجها للجنوب ثمّ يتحرك باستمرار نحو الشمال حتى وقت الغروب حين يختفي في أفق الشرق(1) .

واحتمل المفسّرون أيضا : مع أن كلمة (اليمين) مفردا إلّا أنّه يمكن أن يراد بها الجمع في بعض الحالات ، وهي في هذه الآية تدل على الجمع(2) .

وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أما في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجا عاما شاملا لكل الموجودات المادية وغير

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ضمن تفسير الآية.

(2) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 7 ، ص 110.

٢٠٧

المادية ، وفي أي مكان ، فيقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.

وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.

وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامّة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإنّ جميع المخلوقات في حالة سجود له جلّ وعلا ، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين ، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباريعزوجل ، ولتدلل على أنّها آية على غناه وجلاله والخلاصة : كلها دليل على ذاته المقدسة.

«الدابة» : بمعنى الموجودات الحية ، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.

وقد احتمل البعض : عبارة «من دابة» قيد لـ «ما في الأرض» فقط ، أي : إنّ الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

صحيح أنّ السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية ، ولكنّ تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.

وبما أنّ مفهوم الآية يشمل كلا من : الإنسان العاقل المؤمن ، والملائكة ، والحيوانات الأخرى ، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.

أمّا الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأنّ الدابة تطلق على الكائنات الحيّة ذات الجسم المادي فقط ، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب ،

٢٠٨

ولكن ليس بالمعنى المادي الجسماني كي تدخل ضمن مفهوم «الدابة».

وروي في حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله تعالى ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك»(1) .

أمّا جملة( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فإشارة لحال وشأن الملائكة التي لا يداخلها أيّ استكبار عند سجودها وخضوعها للهعزوجل .

ولهذا ذكر صفتين للملائكة بعد تلك الآية مباشرة وتأكيدا لنفي حالة الاستكبار عنهم :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

كما جاء في الآية (6) من سورة التحريم في وصف جمع من الملائكة :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ علامة نفي الاستكبار شيئان :

أ ـ الشعور بالمسؤولية وإطاعة الأوامر الإلهية من دون أي اعتراض ، وهو وصف للحالة النفسية لغير المستكبرين.

ب ـ ممارسة الأوامر الإلهية بما ينبغي والعمل وفق القوانين المعدة لذلك

وهذا انعكاس للأول ، وهو التحقيق العيني له.

وممّا لا ريب فيه أنّ عبارة( مِنْ فَوْقِهِمْ ) ليست إشارة إلى العلو الحسي والمكاني ، بل المراد منها العلو المقامي ، لأنّ اللهعزوجل فوق كل شي مقاما.

كما نقرأ في الآية (61) من سورة الأنعام :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) ، وكذلك في الآية (127) من سورة الأعراف :( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) حينما أراد فرعون أن يظهر قدرته وقوته!

* * *

__________________

(1) مجمع ذيل البيان ، ذيل الآية المبحوثة.

٢٠٩

الآيات

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) )

التّفسير

دين حق ومعبود واحد :

تتناول هذه الآيات موضوع نفي الشرك تعقيبا لبحث التوحيد ومعرفة الله عن طريق نظام الخلق الذي ورد في الآيات السابقة ، لتتّضح الحقيقة من خلال المقارنة بين الموضوع ، ويبتدأ ب :( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وتقديم كلمة «إيّاي» يراد بها الحصر كما في «إيّاك نعبد» أي : يجب الخوف

٢١٠

من عقابي لا غير.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية أشارت إلى نفي وجود معبودين في حين أن المشركين كانوا يعبدون أصناما متعددة.

ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى إحدى النقاط التالية أو إلى جميعها :

1 ـ إنّ الآية نفت عبادة اثنين ، فكيف بالأكثر؟!

وبعبارة أخرى : إنّها بيّنت الحد الأدنى للمسألة ليتأكّد نفي الأكثر ، وأيّ عدد ننتخبه (أكثر من واحد) لا بدّ له أن يمر بالإثنين.

2 ـ كل ما يعبد من دون الله جمع في واحد ، فتقول الآية : أن لا تعبدوها مع الله ، ولا تعبدوا إلهين (الحق والباطل).

3 ـ كان العرب في الجاهلية قد انتخبوا معبودين :

الأوّل : خالق العالم ، أي اللهعزوجل وكانوا يؤمنون به.

والثّاني : الأصنام ، واعتبروها واسطة بينهم وبين الله ، واعتبروها كذلك منبعا للخير والبركة والنعمة.

4 ـ يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى نفي عقيدة (الثنويين) القائلين بوجود إله للخير وآخر للشر ، ومع انتخابهم لأنفسهم هذا المنطق الضعيف الخاطئ ، إلّا إنّ عبدة الأصنام قد غالوا حتى في هذا المنطق وتجاوزوه لمجموعة من الآلهة!

وينقل المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في تفسير هذه الآية عبارة لطيفة نقلها عن بعض الحكماء : (نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة ، عبدت : نفسك وهواك ، وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق فأنّى تكون موحدا).

ثمّ يوضح القرآن أدلة توحيد العبادة بأربعة بيانات ضمن ثلاث آيات فيقول أوّلا( وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فهل ينبغي السجود للأصنام التي لا تملك شيئا ، أم لمن له ما في السموات والأرض؟

ثمّ يضيف :( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) .

٢١١

فعند ما يثبت أن عالم الوجود منه ، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا ، ولا تكون طاعة إلّا له سبحانه.

«واصب» : من «الوصوب» ، بمعنى الدوام. وفسّرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا «الدين» هنا بمعنى الطّاعة ، فقد فسّروا «واصبا» بمعنى الواجب ، أي : يجب إطاعة الله فقط.

ونقرأ في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ شخصا سأله عن قول الله( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) قال : «واجبا»(1) .

والواضح أنّ هذه المعاني متلازمة جميعها.

ثمّ يقول في نهاية الآية :( أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ ) .

فهل يمكن للأصنام أن تصدّ عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!

هذا( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ) .

فهذه الآية تحمل لبيان الثّالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جلّ وعلا ، وأنّ عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة ، بل الكل بلا استثناء منّعمون في نعم الله تعالى ، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.

وعلاوة على ذلك( ... ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) .

فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات ، فهذا من الله وليس من غيره ، وهو ما تظهره ممارستكم عمليا حين إصابتكم بالضر ، فلمن تلتجئون؟ إنّكم تتركون كل شيء وتتجهون إلى الله.

وهذا البيان الرّابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 373.

٢١٢

«تجئرون» : من مادة (الجؤار) على وزن (غبار) ، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم ، ثمّ استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنّه عند ما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الإستغاثة اللااختيارية وأنتم بهذه الحال ، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلما ذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعند ما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجئون إلى الأصنام؟!

نعم. فالله سبحانه يسمع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء( ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) بالعود إلى الأصنام!

وفي الحقيقة فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس ، إلّا أنّ حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.

ولكن ، عند ما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون ، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم ، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب ، (لاحظوا أنّ الآية قالت :( كَشَفَ الضُّرَّ ) أي : رفع أغطية البلاء).

ولكن عند ما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان ، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور ، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!

وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية :( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

ويشبّه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا الأسلوب المنطقي فيقطع معه الحديث باللين ليواجه بالتهديد عسى أن يرعوي

٢١٣

فيقال له : مع كل ما قلنا لك افعل ما شئت ولكن سترى نتيجة عملك عاجلا أم آجلا.

وعلى هذا فتكون اللام في «ليكفروا» يراد به التهديد ، وكذا «تمتعوا» أمر يراد به التهديد أيضا ، أمّا مجيء الفعل الأوّل بصيغة الغائب «ليكفروا» والثّاني بصيغة المخاطب «تمتعوا» ، فكأنه افترض غيابهم أوّلا فقال : ليذهبوا ويكفروا بهذه النعم ، وعند تهديدهم يلتفت إليهم ويقول : تمتعوا بهذه النعم الدنيوية قليلا فسيأتي اليوم الذي تدركون فيه عظم خطئكم وسترون عاقبة أعمالكم.

والآية (30) من سورة إبراهيم تشابه الآية المذكورة من حيث الغرض :( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1)

* * *

__________________

(1) احتمل جمع من المفسّرين : أنّ «ليكفروا» غاية ونتيجة للشرك والكفر الذي نسب إليهم في الآية التي قبلها ، فيكون المعنى أنّهم بعد إنجائهم من الضر تركوا طريق التوحيد وساروا في طريق الشرك ليكفروا بنعم الله وينكرونها.

٢١٤

الآيات

( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) )

التّفسير

عند ما كانت ولادة البنت عارا!

بعد أن عرضت الآيات السابقة بحوثا استدلالية في نفي الشرك وعبادة الأصنام ، تأتي هذه الآيات لتتناول قسما من بدع المشركين وصورا من عاداتهم القبيحة ، لتضيف دليلا آخرا على بطلان الشرك وعبادة الأصنام ، فتشير الآيات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشركين:

٢١٥

وتقول أوّلا :( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ ) (1) .

وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (136) من سورة الأنعام :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا :( تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ) .

وسيكون بعد السؤال اعتراف لا مفر منه ثمّ الجزاء والعقاب ، وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.

أمّا البدعة الثّانية فكانت :( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ) من التجسم ومن هذه النسبة.( وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ ) أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوا إلى الله ، ويعتبرون البنات عارا وسببا للشقاء!

وإكمالا للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثّالثة :( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) .(2)

ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل( يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ) .

ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق :( أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي

__________________

(1) ذكر المفسرون رأيين في تفسير «ما لا يعلمون» وضميرها :

الأول : أن ضمير «لا يعلمون» يعود إلى المشركين أي أن المشركين يجعلون للأصنام نصيبا وهم لا يعلمون لها خيرا وشرا (وهذا ما انتخبناه من تفسير).

والثاني : إن الضمير يعود إلى نفس الأصنام ، أي يجعلون للأصنام نصيبا في حين أنها لا تدرك ، لا تعقل ، لا تعلم! والتفسير الثاني يظهر نوعا من التضاد بين عبارات الآية ، لأن «ما» تستعمل عادة لغير العاقل و «يعلمون» تستعمل للعاقل عادة.

أما في التفسير الأول فـ «ما» تعود على الأصنام و «يعلمون» على عبدتها.

(2) الكظيم : تطلق على الإنسان الممتلئ غضبا.

٢١٦

التُّرابِ ) .

وفي ذيل الآية ، يستنكر الباري حكمهم الظالم الشقي بقوله :( أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

وأخيرا يشير تعالى إلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوثات ، ألا هو عدم الإيمان بالآخرة :( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فكلّما اقترب الإنسان من العزيز الحكيم انعكس في روحه نور صفاته العليا من العلم والقدرة والحكمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبيحة.

وكلما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلك البعد في ظلمات الجهل والضعف والذلة والقبائح.

فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة ، أمّا ذكر الله والآخرة فدافع أصيل للإحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة ، وعامل قدرة وقوة وعلم للإنسان.

* * *

بحوث

1 ـ لماذا اعتبروا الملائكة بناتا لله؟

تطالعنا الكثير من آيات القرآن الكريم بأنّ المشركين كانوا يقولون بأنّ الملائكة بنات الله جلّ وعلا ، أو أنّهم كانوا يعتبرون الملائكة إناثا دون نسبتها إلى الله

كما في الآية (19) من سورة الزخرف :( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) ، وفي الآية (40) من سورة الإسراء :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً ) .

٢١٧

يمكن أن تكون هذه الإعتقادات بقايا خرافات الأقوام السابقة التي وصلت عرب الجاهلية ، أو ربما يحصل هذا الوهم بسبب ستر الملائكة عنهم وحال الاستتار أكثر ما يختص بحال النساء ، ولهذا تعتبر العرب الشمس مؤنثا مجازيا والقمر مذكرا مجازيا أيضا ، على اعتبار أنّ قرص الشمس لا يمكن للناظر إليه أن يديم النظر لأنه يستر نفسه بقوة نوره ، أمّا قرص القمر فظاهر للعين ويسمح للنظر إليه مهما طالت المدّة.

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى الكناية عن لطافة الملائكة ، والإناث أكثر من الذكور لطافة.

وعلى أية حال فهذه إحدى ترسبات الخرافات القديمة التي تكلست في مخيلة البشرية حتى وصلت للبعض ممن يعيش في يومنا هذا ، ولا تختص هذه الخرافة بقوم دون آخر لأنّنا نلاحظ وجودها في أدبيات عدد من لغات العالم! فنرى الأديب مثلا حينما يريد وصف جمال امرأة ينعتها بالملائكة ، وذاك الفنان الذي يريد أن يعبر عن الملائكة فيجعلها بهيئة النساء ، في حين أن الملائكة لا تملك جسما ماديا حتى يمكننا أن نصفه بالمذكر أو المؤنث.

2 ـ لما ذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟

الوأد في واقعة أمر رهيب ، لأنّ الفاعل يقوم بسحق كل ما بين جوانحه من عطف ورحمة ، ليتمكن من قتل إنسان بريء ربّما هو من أقرب الأشياء إليه من نفسه!

والأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشنيع هذا!

فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتى للدفاع عن نفسه؟ بل كيف يدفن الإنسان فلذة كبده وهي حية؟!

وهذا ليس بالأمر الهيّن ، فأيّ إنسان ومهما بلغت به الوحشية لا يقدم على

٢١٨

هكذا جريمة بشعة من غير أن تكون لها مقدمات اجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة الأثر والتأثير تدعوه لذلك

يقول المؤرخون : إنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت ، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب ، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إلّا أنّ بعضا من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إلى قبيلتهن ، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة ، حتى أقسم بعضهم أن يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء!

ويلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس وحيثية العائلة الكاذبة فكانت النتيجة : ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنّة جاهلية ، ولفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (1) .

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى دور الطبيعة الإنتاجية للأولاد الذكور ، والنزوع إلى الطبيعة الاستهلاكية عند الإناث ، وما له من أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد ، في حين أنّ البنات لسن كذلك.

ومن جانب آخر فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لاختلال التوازن في نسبة الإناث إلى الذكور ، حتى وصل وجود الولد الذكر عزيزا ودفع الرجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكرا ، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه

__________________

(1) سورة التكوير ، 9.

٢١٩

بعض المفسّرون) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار! وإذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه ، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتا ويمتلئ غيظا وغضبا(1) .

وقصّة «الوأد» ملأى بالحوادث المؤلمة

منها : ما روي أنّ رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلن إسلامه ، وجاءه يوما فسأله : إنّي أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تواب رحيم». قال : يا رسول الله إنّ ذنبي عظيم قال : «ويلك مهما كان ذنبك عظيما فعفو الله أعظم منه» ، قال : لقد سافرت في الجاهلية سفرا بعيدا وكانت زوجتي حبلى وعند ما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتا في الدار ، فقلت لها : ابنة من هذه؟ قالت : ابنة جازنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة ، فلم تفعل ، ثمّ قلت لزوجتي:أصدقيني من هذه البنت؟ قالت : ألا تذكر أنّي كنت حاملة عند ما سافرت ، إنّها ابنتك. فنمت تلك الليلة مغتما ، أنام واستيقظ ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إلى حائط النخل ، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك ، وعند ما انتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة وهنا فاضت عينا رسول الله بالدمع ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى ، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول : أبي ما تصنع بي!؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها ، وأدمت ذلك حتى دفنتها.

__________________

(1) تفسير الفخر الرازي ، ج 20 ، ص 55.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

بستانه(١) وبه قال الشيخ في الكتابين(٢) ونص اهل اللغة عليه(٣) واختاره ابن ادريس(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) لاشتراك الموضعين في الحاجة الداعية إلى المشروعية.ولا فرق بين مالك الدار أو مستأجرها.وكذا لافرق بين مالك البستان أو مشتري ثمرته.والظاهر ان الخان، والبزارة(٧) والمعصرة(٨) والدباسة(٩) كذلك، لاشتراك الكل في العلة، وهي كراهة صاحب الدار دخول مالك الثمرة اليه واحتياج صاحب النخلة إلى الثمرة، فاقتضت حكمة الشارع تسويغ البيع بخرصها تمرا من غيرها ليتم المقصود لهما.

____________________

(١) المهذب: ج ١ بيع العرية ص ٣٨٤ س ٦ قال: وهي النخلة تكون للرجل في بستان غيره.

(٢) النهاية: باب بيع المياه والمراعى ص ٤١٨ س ٥ قال: وهي النخلة تكون في دار الانسان لرجل آخر.والخلاف، كتاب البيوع مسألة ١٥٤.

(٣) العرية، النخلة: التي يعربها صاحبها ليأكل تمرها (المنجد لغة العرية) ومثله في مجمع البحرين فلا حظ.

(٤) السرائر: في بيع الثمار ص ٣٤٥ س ٣٥ قال: وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول اليها، او في داره الخ.

(٥) الشرايع: في بيع الثمار، الرابعة قال: والعرية هي النخلة تكون في دار الانسان، وقال: اهل اللغة أو في بستانه، وهو حسن.

(٦) المختلف: في معني العرية ص ٢٠٠ س ٢٠ قال بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس: وهو الاقوى، لنص أهل اللغة عليه الخ.

(٧) وقال بعضهم: البذر في الحبوب كالحنطة، والبزر بالزاء المجمعة للريا حين والبقول (مجمع البحرين).

(٨) والعصير من العنب يقال: عصرت العنب عصرا من باب ضرب استخرجت ماء‌ه واسم الماء العصير (مجمع البحرين).

(٩) الدبس بالكسر ما يستخرج من التمر والرطب بالنار وبدونها.

٤٤١

وهنا شروط ورخص أما الشروط، فأربعة:

(أ) أن يكون من النخل، فلا عرية في غيره كالنبق.

(ب) أن يكون واحدة، فلو تعددت لم يجز الا مع تعدد الموضع، أو المالك، لا العقد.

(ج) أن يشتريها بخرصها، فلو اشتراها بزايد أو ناقص لم يجز.

(د) الحلول، فلا يجوز اسلاف أحدهما في الاخر.

فروع

(أ) هل المراد بخرصها المماثلة بين ثمرة النخلة عند صيرورتها تمرا وبين التمر الذي هو الثمن، أو المماثلة بين ما عليها رطبا وبين الثمن؟ فيكون قد بعنا الرطب بالتمر متساويا، قال في المبسوط: باالاول(١) وقال العلامة في التذكرة: بالثاني(٢) قال: لانه مستثنى.وهو ضعيف، لعدم ما يدل عليه، مع ندوره، فإنه لم يذكره في غير هذا الكتاب، بل وافق الاصحاب في ساير كتبه.

(ب) هل يشترط التقابض في المجلس؟ قال في المبسوط: نعم(٣) ولم يشترطه

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٨ س ١٦ قال: فاذا عرفا مقدار الرطب اذا جف صاو كذا تمرا فيبيع بمثله من التمر.

(٢) التذكرة: ج ١ ص ٥٠٩ س ٣٣ قال: مسألة اذا تبايعا العرية وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة ويحرز ذلك رطبا الخ.

(٣) المبسوط: ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٨ س ١٧ قال: ومن شرط صحة البيع أن يتقابضا قبل التفرق الخ.

٤٤٢

ابن ادريس(١) واختاره المصنف(٢) والعلامة(٣) .

(ج) هل يجوز بتمر منها؟ ظاهر ابن حمزة تحريمه(٤) ، بل من غيرها، لئلا يلزم اتحاد الثمن والمثمن، ويحتمله ضعيفا، للاذن، ووجود المقتضي، وهو الرخصة.والتحقيق: أنه إن شرطه في العقد لم يجز، وان أطلق جاز أن يدفع اليه من تمرها ان صبر عليه حتى يصير تمرا، وإلا فالعقد يجب كونه حالا.

وأما الرخص، فثلاثة:

(أ) لا يشترط التماثل بين تمرها عند الجفاف وثمنها، لعسره، فتسقط، للخبر، بل يجب التماثل عند العقد في ظن الخارص.

(ب) لوزادت ثمرتها عند أعتبارها وقت الجذاذ عن ثمنها، ملك المشتري الزيادة، ولو خرجت أنقص لم يجب على البايع رد الفاضل، للحكم بصحة العقد، فيترتب عليه أثره.

(ج) لا فرق بين مالك النخلة ومالك ثمرتها دون أصلها، لاتحاد الحكمة المبيحة للرخصة.

فرع

هذا البيع رخصة، لقيام المقتضي للمنع منه، وهو تحريم المزابنة، فلو حلف:

____________________

(١) السرائر: في بيع الثمار، ص ٢٤٦ س ٤ قال: والذي يقتضيه الادلة انه يجوز التفرق قبل القبض الخ.

(٢) الشرايع: في بيع الثمار، الرابعة، قال: ولا يشترط في بيعها بالتمر، التقابض قبل التفرق الخ.

(٣) المختلف: في معني العرية ص ٢٠٠ س ٢٤ قال بعد نقل قول ابن ادريس بجواز التفرق قبل القبض: وهو الاقوى.

(٤) الوسيلة: في بيان الثمار، ص ٢٥٠ س ١٥ قال: وقد روي في بعض الاخبار إلى أن قال: وفي العرية بيع ما على النخل بتمر منه، والصحيح ما ذكرنا.

٤٤٣

واذا مر الانسان بثمرة النخل جاز له أن يأكل مالم يضر أو يقصد.ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا.وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردد.لا يوقع عقدا مرخصا، أو لا يفعل رخصة، جنث بايقاعه.

قال طاب ثراه: واذا مر الانسان بثمر النخل جاز أن يأكل مالم يضر أو يقصد، ولا يجوز أن يحمل معه(١) وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردد.

أقول: هنا مسألتان: الاولى: في اباحة التناول من ثمرة النخل، ولم يتردد فيه المصنف هنا، وأكثر الاصحاب عليه، ومنع العلامة في المختلف(٢) .

الثانية: غير النخل من شجر الفواكه والمباطخ والزرع والباذنجان، وأكثر الاصحاب لم يفرقوا بين النخل وغيره، وتردد المصنف في غير النخل(٣) ومنع العلامة(٤) في الجميع وباقي الاصحاب على الاباحة في الكل، وكذا العلامة في كتاب الفتوى، اعني المعتمد(٥) جزم بالجواز في الجميع.

احتج المسوغون بصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة، أيجوز له أن يأكل منها من غير اذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: لا بأس(٦) وبما رواه محمد بن مروان قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام أمر بالثمرة فآكل منها، فقال: كل

____________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة، ويؤيده ما في حديث محمد بن مروان من قوله: (ولا تحمل منها) وفي النسخة المطبوعة، (ولا يجوز أن يأخذ معه) كما أثبتناه.

(٢) المختلف: فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٢٤ قال: والاقرب المنع.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) تقدم آنفا.

(٥) (المعتمد في الفقه) لا يوجد عندنا ذكر في الذريعة ج ٢١ ص ٢١٣.

(٦) التهذيب: ج ٧(٧) باب بيع الثمار، ص ٩٣ الحديث ٣٦

٤٤٤

ولا تحمل منها، قلت: جعلت فداك ان التجار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: اشتروا ما ليس لهم(١) وفي معناهما رواية يونس(٢) .

احتج المانعون بصحيحة الحسن بن يقطين قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن صاحبه، وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم فليس له؟ كم الحد الذي يسعه أن تتناول منه؟ فقال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا(٣) وحملها الشيخ في التهذيب على تحريم الاخذ دون الاكل(٤) وحمل العلامة ماورد من الاباحة على ما إذا علم بشاهد الحال إباحة المالك، ثم أيده بما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يمر على قراح الزرع(٥) يأخذ منه السنبلة؟ قال: لا، قلت: أي شئ سنبلة !؟ قال: لو كان كل من بمر به يأخذ سنبلة كان لايبقى شئ(٦) و(٧) .وهذه الرواية مع إرسالها يتضمن تحريم الاخذ، لا الاكل، فيحمل على الحمل، بخلاف الاخبار المبيحة، فإنها صريحة الدلالة في الاباحة.

قال التقي: أباح لقديم سبحانه عابري السبيل، الانتفاع بما ينبته الحرث من الخضر والثمار والزرع من غير حمل ولا

____________________

(١) التهذيب: ج ٧(٧) باب بيع الثمار، ص ٩٣ الحديث ٧ ٣ وفي ج ٦ أيضا ص ٣٨٣ الحديث ٢٥٥.

(٢) التهذيب: ج ٦(٣)، باب الكاسب، ص ٣٨٣ الحديث ٢٥٦.

(٣) و(٤) التهذيب: ج ٧(٧) باب بيع الثمار ص ٢ الحديث ٣٥ قال بعد نقل الحديث: قال محمد بن الحسن: قولهعليه‌السلام : (لا يحل له أن يأخذ منه شيئا) محمول على ما يحمله معه، فاما ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح الخ.

(٥) والقراح ايضا المزرعة التى ليس عليها بناء ولا فيها شجرا والجمع أقرحة (مجمع البحرين لغة قرح)

(٦) التهذيب: ج:(٩٣) باب المكاسب ص ٣٨٥ الحديث ٢٦١

(٧) المختلف: فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٣٠ قال بعد نقل استدلال الشيخ: والجواب الحمل على ما اذا علم بشاهد الحال اباحة المالك لذلك الخ.

٤٤٥

الفصل السابع: في بيع الحيوان

اذا تلف الحيوان في مدة الخيار فهو من مال البايع ولو كان بعد القبض، اذا لم يكن بسببه ولا عن تفريط منه، ولا يمنع العيب الحادث من الرد بالخيار.واذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الاظهر مالم يشترطه المشتري.ويجوز إبتياع بعض الحيوان مشاعا.إفساد(١) وقال القاضي: اذا مر الانسان بشجر الفواكه جاز أن يأكل منها من غير إفساد(٢) وهو الارجح لشهرته.واعلم أن للاباحة شروطا عند القائل بها.

(أ) عدم علمه بكراهية المالك.

(ب) عدم القصد إلى الثمرة ليأكل منها، بل يكون مجتازا.

(ج) أن لا يحمل معه.

(د) أن لا يفسد على أربابه، فيحرم بشاهد الحال.

فرع

لو اجتاز إثنان جاز لاحدهما أن يجني من الثمرة ما يأكلانه، وإن زاد عن حاجة المجني، لانه مأذون لهما في ذلك، كتلقم الصبيان بعضهم لبعض.قال طاب ثراه: واذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الاظهر.

أقول: قد تقدم البحث في هذه المسألة.

____________________

(١) الكافي: الضرب الرابع من الاحكام، فصل في الاذن ص ٣٢٢ س ٨ قال: واباحة القديم تعالى الخ.

(٢) المختلف: فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٢١ قال: وقال ابن البراج: اذا مر الانسان الخ.

٤٤٦

ولو باع واستثنى الرأس أو الجلد، ففي رواية السكوني: يكون شريكا بنسبة قيمة ثنياه.ولو اشترك جماعة في شراء حيوان واشترط أحدهم الرأس أو الجلد لما له كان له منه بنسبة ما نقد، لا ما شرط.

ولو قال: إشتر حيوانا بشركتي، صح، وعلى كل واحد نصف الثمن.

قال طاب ثراه: ولوباع واستثنى الرأس أو الجلد ففي رواية السكوني يكون شريكا بنسبة ثنياه أقول: للاصحاب في هذه المسألة ثلاثة أقوال:

(أ) صحة البيع، والاستثناء إذا كان معينا كالرأس والجلد والصوف - وهو قول المفيد(١) والسيد(٢) والتقي كان معينا كالرأس والجلد والصوف - وهو قول المفيد(١) والسيد(٢) والتقي(٣) وابن ادريس(٤) وأبي علي(٥) - فيكون له ما استثناه، لانه استثنى معلوما، وعقد البيع غير مانع من إشتراط ماهو معلوم، لقولهعليه‌السلام : الشرط جائز بين المسلمين(٦) .

(ب) الصحة ويكون البائع شريكا بقدر قيمة الثنيا، فيقال: كم قيمة هذا الحيوان لو بيع جميعه؟ فاذا قيل: عشرة، وقيمة منزوع الرأس تسعة، كان شريكا

____________________

(١) المقنعة: باب اشتراط البايع على المبتاع ص ٩٤ قا ل: ولا بأس ان يشترط البايع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه مثل أن يبيعه شاة ويشترط عليه جلدها أو رأسها بعد الذبح لها الخ.

(٢) الانتصار: كتاب مسائل البيوع ص ٢١٢ س ٤ قال: ومما ظن انفراد الامامية، القول بجواز بيع الانسان الشاة أو البعير ويشترط الخ.

(٣) الكافي: في البيع، ص ٣٥٤ س ١ قال: واذا اقترن العقد باستثناء لبعض ما تناوله إلى أن قال: مضى العقد فيما عدا المستثنى.

(٤) السرائر: باب ابتياع الحيوان ص ٢٤١ س ١٦ قال: واذا باع الانسان بعيرا أو غنما واستثنى الرأس والجلد كان ذلك جائزا صحيحا الخ.

(٥) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٦ س ١١ قال: وقال ابوعلي بن الجنيد: لو استثنى رأس الحيوان أو صوفه جلده لجاز.

(٦) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٥ الحديث ١٠٣

٤٤٧

بعشر الحيوان، لان البائع قبض ما يساوي تسعة أعشار الثمن، لان أجزاء الثمن متقسطة على أجزاء المبيع، ويلغو التعيين، وهو قول الشيخ في النهاية(١) والمبسوط(٢) والخلاف(٣) وتبعه القاضي(٤) .

(ج) بطلان البيع بهذا الاستثناء، لادائه إلى الغرر والتنازع، لان المشتري قد يختار التبقية، وفيها منع للبايع عن الانتفاع بملكه، وجاز أن يؤول حاله إلى نقصه، أو عدم الانتفاع به لجواز موته.وان اختار البائع الذبح كان فيه منعا لتسلط المشتري على ملكه بالانتفاع به في بتقيته نفع بظهره ولبنه ونتاجه وعظمه.واختار العلامة قدس الله روحه - ونعم ما اختار - وجها رابعا، وهو صحة البيع والشرط إن كان الحيوان مذبوحا، أو اشتراه للذبح، والمنع ان لم يكن كذلك.واحتج على الاول بانه استثناء لمعلوم ولا غرر فيه، فكان جائزا.وعلى الثاني بما فيه من الجهالة وتضرر الشريك لو أراد أخذ حقه وضرره لو اجبر على بقائه(٥) .

فرع

لو استثنى من اللحم رطلا معلوما، ظاهر سلار الجواز(٦) ومنع ابوعلي لتفاوت

____________________ ____________

(١) النهاية: باب ابتياع الحيوان، ص ٤١٣ س ١٧ قال: واذا باع الانسان الي أن قال: واستثنى الرأس والجلد كان شريكا الخ.

(٢) المبسوط: في بيع الثمار، ص ١١٦ س ١٥ قال: ومتى فعل ذلك كان شريكا بمقدار الرأس أو الجلد الخ.

(٣) الخلاف: كتاب البيوع: مسألة ١٤٩ قال: ومتى باع كذلك كان شريكا له بمقدار ما يشتثني منه الخ.

(٤) المهذب: ج ١، باب بيع الثمار، ص ٣٨٢ س ١٣ قال: وان فعل ذلك كان له مقدار الجلد والرأس الخ.

(٥) المختلف: في بيع الحيوان، ص ٢٠٦ س ١٦ قال: والتحقيق أن نقول: إن كانت مذبوحة الخ.

(٦) المراسم: ذكر بيع الثمار، ص ١٧٨ س ٥ قال: وكل شرطه البايع إلى ان قال: أو بعضها بالوزن، فجائز.

٤٤٨

ولو قال: الربح لنا ولا خسران عليك، لم يلزم الشرط.

وفي رواية: اذا شارك في جارية وشرط الشريك الربح دون الخسارة.جاز.ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراء‌ها.ويستحب لمن اشترى رأسا أن يغير إسمه، ويطعمه شيئا حلوا ويتصدق عنه باربعة دراهم ويكره أن يريه ثمنه في الميزان.مواضع اللحم بالجودة وعدمها، فان عين المكان بما لا يختلط بغيره جاز(١) .

قال طاب ثراه: ولو قال: الربح لنا ولا خسران عليك لم يلزم الشرط، وفي رواية اذا شارك في جارية وشرط للشريك الربح دون الخسارة، جاز.

أقول: مذهب الشيخ في النهاية لزوم الشرط(٢) وتبعه القاضي(٣) واختاره العلامة في المختلف(٤) لاصالة الجواز، ووجوب الوفاء بالشرط للآية(٥) والرواية(٦) ولصحيحة رفاعة قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل شارك في جارية له، وقال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن كان وضيعة فليس عليك شئ؟ فقال: لا أرى بهذا بأسا اذا طابت نفس صاحب الجارية وقال ابن ادريس:

____________________

(١) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٦ س ٢٣ قال: وقال ابوعلى: لا يجوز لان مواضع اللحم يتفاضل الخ.

(٢) النهاية: باب ابتياع الحيوان ص ٤١١ س ٤ قال: فان اشترط عليه إلى أن قال: وليس عليه من الخسران شئ، كان على ما اشترطا عليه.

(٣) و(٤) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٩ قال: فان اشترط عليه أن يكون له الربح إن ربح إلى أن قال: وتبعه ابن البراج إلى أن قال: فقول الشيخ (ره) هو المعتمد.

(٥) كقوله تعالى: " الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) النساء / ٢٩ وقوله تعالى " وفوا بالعقود " المائدة / ١.

(٦) قالعليه‌السلام : المؤمنون عند شروطهم، لاحظ عوالى اللئالى: ج ٤ ص ٣٦٠(٧) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب شراء الرقيق ص ٢١٢ الحديث ١٦.

٤٤٩

ويلحق بهذا الباب مسائل الاولى: المملوك يملك فاضل الضريبة، وقيل: لا يملك شيئا.

الثانية: من اشترى عبدا له مال، كان ماله للبائع إلا مع الشرط.لا يلزم الشرط لان الربح والخسران على قدر رؤوس الاموال، فإذا شرط الخسران على أحدهما دون الآخر كان مخالفا للكتاب والسنة(١) وأجاب العلامة: بأن ذلك مع الشرط أو بدونه الثاني مسلم والاول ممنوع(٢) .

قال طاب ثراه: المملوك يملك فاضل الضربية، وقيل: لا يملك شيئا.

أقول: للاصحاب هنا ثلاثة اقوال:

(أ) ملك المال، لا مستقرا، وهو ظاهر الصدوق(٣) وأبي علي(٤) فانهما أطلقا القول: بأن العبد يملك، لقول الصادقعليه‌السلام : اذا أدي إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك(٥) ولفظة له حقيقة في الملك.

(ب) انه يملك التصرف خاصة وعليه الشيخ في النهاية(٦) فيجوز أن يتصدق منه

____________________

(١) السرائر: باب ابتياع الحيوان، ص ٢٣٩ س ٣٦ قا ل بعد نقل قول الشيخ، لانه مخالف لاصول المذهب، لان الخسران على رؤوس الاموال بغير خلاف الخ.

(٢) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٤ س ٩ قال: وقوله إن الخسران على قدر رأس المال: قلنا الخ.

(٣) المقنع: باب العتق والتدبير، ص ١٦١ س ٩ فانهقدس‌سره رواية عمر بن يزيد ولم يزد عليها شيئا، فلا حظ.

(٤) لم اعثر عليه.

(٥) الفروع: ج ٦: باب الملوك يعتق وله مال ص ١٩٠ قطعة من حديث ١.

(٦) النهاية: كتاب العتق: باب المكاتبة، ص ٥٥٠ س ٢ وفيه ما لفظه: ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرف في نفسه بالتزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق ما دام قد بقي عليه شئ، وانما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء الخ.

٤٥٠

الثالثة: يجب على البائع إستبراء الامة قبل بيعها بحيضة إن كانت ممن تحيض، وبخمسة وأربعين يوما إن لم تحض وكانت من سن من تحيض.وكذا يجب الاستبراء على المشتري إن لم يستبرئها البائع.ويسقط الاستبراء على الصغيرة واليائسة والمستبرأة وأمة المرأة.ويقبل ويعتق عبده، واستند في العتق إلى صحيحة عمر بن يزيد(١) .

(ج) اباحة التصرف خاصة، لا ملك التصرف، ولم يمنع من هذا الوجه الثالث مانع بل هو اجماع.

والفرق بينه وبين الثاني من وجهين:

(أ) أن ملك التصرف أقوى من إباحته، فإن في الاباحة لو ظهر له شاهد حال من المالك بكراهة التصرف لم يجز أن يتصرف.

(ب) أن في ملك التصرف، له أن يتصدق منه ويطعم غيره، وليس له ذلك في الاباحة.

والذي ذهب إليه المصنف(٢) والعلامة في أكثر كتبه منع الملك بقسميه(٣) أي ملك الرقبة وملك التصرف، لقوله تعالى " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ "(٤) وهو نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم، ولقوله تعالى " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء "(٥) وهو توبيخ في صورة الاستفهام، واختاره إبن ادريس(٦) .

____________________

(١) تقدم آنفا عن الفروع

(٢) الشرايع: كتاب التجارة: في بيع الحيوان، قال: الاولى العبد لا يملك، وقيل يملك فاضل الضريبة الخ.

(٣) القواعد: كتاب الدين، ص ١٧٠ س ١١ قال: والاقرب انه يملك شيئا الخ والتذكرة ج ٢ كتاب الديون ص ٨ س ١٩ قال: مسألة المشهور بين أن العبد لا يملك شيئا الخ.

(٤) النحل: ٧٥.

(٥) الروم: ٢٨.

(٦) السرائر: باب ابتياع الحيوان ص ٢٤٠ س ٣٣ قال: لان العبدعندنا يملك شيئا لقوله تعالى الخ.

٤٥١

قول العدل إذا أخبر بالاستبراء.ولا توطأ الحامل قبل حتى تمضى لحملها أربعة أشهر.ولو وطأها عزل، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.

قال طاب ثراه: ولا توطأ الحامل قبلا حتى يمضي لحملها اربعة أشهر، ولو وطأها عزل، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، ويستحب ان يعزل له من ميراثه قسطا.

أقول: هذه المسألة من المواضع المشكلة من علم الفقه، وسبب اشكالها عدم ترتبها على القوانين المقررة في علم الفقه، وحصر البحث فيها يقع في مقامين: الاول: في إباحة الوطء وعدمه، وهو مقام مشكل، وبيانه: أن الحمل إن كان عن نكاح صحيح، أو شبهة لم يجز الوطء إلا بعد الوضع لعموم قوله تعالى " واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن"(١) وإن كان عن زنا جاز وطؤها في الحال لان ماء الزنا لاحرمة له فكذا حمله.

ولئن قلت: لا نسلم جواز وطء الموطؤة بالزنا قبل الاستبراء، حذرا من اختلاط المائين، وقد صرح به العلامة في قواعده حيث قال: والقذف قد يجب بان يرى امرأته قد زنت في طهر لم يطأها فيه، فانه يلزمه اعتزالها حتى ينقضي العدة، فان أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا ولاكثر من أقصى مدة الحمل من وطئه، لزمه نفيه، لتخلص من الالحاق المستلزم للتوارث والنظر إلى بناته واخواته(٢) .

قلنا: تسليم هذه المقدمة لا يضرنا، لان التقدير علم كون هذه الامة حاملا، فانتفى الاختلاط.وإطلاق الاصحاب تحريم الوطء قبل أربعة الاشهر وعشرة الايام، وإباحته مع

____________________

(١) الطلاق: ٤.

(٢) القواعد: كتاب الفراق، في اللعان، المقصد الرابع في اللواحق، ص ٩٥ س ١٧ قال: والقذف قد يجيب الخ.

٤٥٢

الكراهة بعدها، مناف للاصول المقررة، لان الحمل لايخلو في نفس الامر عن أحد التقديرين فان كان عن نكاح صحيح حرم حتى الوضع، وإن كان عن زنا لم يحرم في الحال.والتحقيق في الجواب عن الاشكال أن نقول: المراد بالزنا كما جزم به العلامة في كتاب فتواه، أعني المعتمد، وجاز اختصاص التحريم في هذا الموضع لخصوصية المسألة، من حيث أنه داخل تحت مسمى الاستبراء، فيكون هذا النصاب قدر إستبراء الحامل، كما أن الحيضة قدر استبراء الحائل، ولعل حكمة التخصيص إما لكون ذلك تكليفا للمشتري حذرا من التوثب على الفروج، لان المملوكة في محل الطمع، وإما لانه قبل النصاب تشتد ملابسة الحمل بالواطئ، لا أنه يصير جزأ من الرجل لانعقاده قبل وطيه، بل لان الجماع يثير الطمث ويفعل في مزاج المرأة مايغير مزاج اللبن، وهو غذاء الطفل وعليه نموه، ومنه تحريم المحلل إذا ارتضع بلبن خنزيرة، فلهذا حكمنا بنشر الحرمة في الرضاع وقلنا يصير صاحب اللبن أبا وليس مرتضعا من لبنه، وجعل الشارع الحرمة المنتشرة في الفحل إلى المرتضع أقوى من حرمة المرتضعة، حيث حرم على الصبي كل من ينسب إلى الفحل ولادة ورضاعا ومن ينسب إلى الموضعة ولادة خاصة، مع انه يتغذى من لبنها وتشتد لحمه عليه، وهو من دمها، وليس ذلك إلا لكون جماع الرجل يؤثر في مزاج المرأة وفي لبنها كيفية توجب له تغييرا، ويؤيد هذا التاويل ما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقتلوا أولاد كم غيلة(١) قالوا: معناه، لا تجامعوا المرضعات فان الجماع يثير الطمث ويفسد اللبن، ولهذا لا ينعقد الايلاء لو كان وقوعه لصلاح اللبن، والله أعلم.

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٦ الحديث ١٠٧ ولا حظ ما علق عليه.

٤٥٣

المقام الثاني: في أحكام هذه المسألة، وأصل الفتوى ما رواه الحسين بن محبوب عن رفاعة موسى قال: سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام قلت: أشتري الجارية فتمكث عندي الاشهر لا يطمث وليس ذلك من كبر، قلت: فاريتها النساء فيقلن ليس بها حملا، فلي أن أنكحها في فرجها؟ قال: ان الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل، فلا بأس أن تمسها في الفرج، قلت: فان كانت حبلى فما لي منها ان أردت؟ فقال: لك مادون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام، فاذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج(١) .

وروى محمد بن يعقوب في كتابه باسناده إلى اسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل إشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطأها، قال: بئس ما صنع، قلت: ما تقول فيه؟ فقال: أعزل عنها أم لا؟ قلت: أجبني في الوجهين، قال: إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود، وان كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به، فانه قد غذاه بنطفته(٢) وفي اخرى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لان نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه(٣) وعن الصادقعليه‌السلام : لانه شارك في اتمام الولد(٤) .

قوله " ولو وطأها عزل " أي ولو أراد وطء‌ها، وليس العزل مبيحا للوطء، بل

____________________

(١) الفروع: ج ٥، كتاب النكاح، باب الامة يشتريها الرجل وهى حبلى، ص ٤٧٥ الحديث ٢ وفيه إلى قوله " لك مادون الفرج " والظاهر أن ما بعده من قوله " إلى أن تبلغ " إلى اخره من كلام المصنف.

(٢) الفروع: ج ٥ كتاب النكاح، باب الرجل يشترى الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده، ص ٤٨٧ الحديث ١

(٣) الفروع: ج ٥، كتاب النكاح، باب الرجل يترى الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده، ص ٤٨٧ قطعة من حديث ٢.

(٤) الفروع: ج ٥، كتاب النكاح باب الرجل: يشترى الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده، ص ٤٨٨ قطعة من حديث٣.

٤٥٤

مخفف لما يترتب عليه من الاحكام، فلا يكره له بيع الولد، ولا يترتب عليه باقي الاحكام.واعلم أن العلامة قدس الله روحه إضطربت فتواه في هذه المسألة، فذكرها في القواعد في ثلاثة مواضع وأفتى في كل موضع بخلاف الاخر، فقال في كتاب التجارة: ويحرم وطوء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ويكره بعده إن كان عن زنا، وفي غيره اشكال(١) وقال في كتاب النكاح: ولو إشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع، أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل لاصالة عدم إذن المولى في الوطء، وإن علم إباحته بعقد أو تحليل حرم حتى يضع، وإن علم كونه عن زنا فلا بأس(٢) وقال في كتاب الطلاق: كل من ملك جارية موطوء‌ة ببيع أو غيره من إستغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب كان لم يجز له وطؤها الا بعد الاستبراء فان كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطء شبهة لم ينقض الاستبراء إلا بوضعه أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل ذلك ويجوز في غير القبل ويكره بعدها(٣) .ففى الوجه الاول جعل الاستبراء وإعتبار نصابه أحكامه، محمولا على الزنا جزما، وتوقف في غيره. وفي الثاني جعل الاحكام متعلقة بجهل حال الحمل وجزم فيه بالكراهة، وأسقط الاحكام مع العلم، إذ مع إباحة الوطء يحرم حتى الوضع،

____________________

(١) القواعد: كتاب المتاجر، المطلب الثاني في الاحكام، ص ١٣٠ س ٥ قال: ويحرم وطوء الحامل قبلا الخ.

(٢) القواعد: كتاب النكاح، الفصل الرابع في بقايا مسائل متبددة، ص ٣٢ س ٣ قال: ولو اشتراها الخ.

(٣) القواعد: كتاب الفراق، في الطلاق، المطلب الثاني في الاستبراء ص ٧٣ س ١٤ قال: فمن ملك جارية الخ.

٤٥٥

ومع تحريمه يجوز في الحال، لان ماء الزاني لا جرمة له.وفي الثالث جعل الاحكام متعلقة بالوطء المباح، ولعله أستند إلى عموم الاذن في وطء المملوكة ولا حرمة لحمل الزنا، فحمل الرواية على الوطء المباح، وهو ضعيف لعموم قوله تعالى " واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن "(١) وفي غزاة أو طاس(٢) أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه: لا يوطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة(٣) .

والقول الاول فيه ايضا نظر، لانه حمل الرواية على الزنا واستشكل في غيره، وهو صنفان، علم الاباحة، وعدم العلم بحال الحمل، وفي الثاني يقوى جواز الوطء كما اختاره في الوجه الثاني، أما أولا فلما ذكره من أصالة عدم إذن المولى، وأما ثانيا فلما في المنع من معارضة جواز الانتفاع بالملك الا مع تعين سبب المنع، وليس، ولعموم قوله تعالى " واحل لكم ماوراء ذلكم "(٤) وقوله تعالى " فانكحوا ما طاب لكم من النساء "(٥) .وعلى تقدير علم الاباحة قيام الدليل على التحريم حتى الوضع ظاهر، فلا معنى للتوقف على هذا التقدير.واعلم أن قول الثاني هو فتوى ابن ادريس وهو مذهب الشيخ في الخلاف(٧) .

____________________ ____

(١) الطلاق: ٤

(٢) اوطاس واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببنى هوازن ويؤمئذ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :حمى الوطيس وذلك حين استعرت الحرب، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قاله (معجم البلدان ج١)

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٨٨ الحديث ١١٢ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) النساء: ٢٤.

(٥) النساء: ٣.

(٦) السرائر: كتاب النكاح، باب السراري وملك الايمان، ص ٣١٥ س ٦ قال: ومتى اشترى رجل جارية حاملة كره له وطؤها في القبل دون أن يكون ذلك محظورا الخ.

(٧) الخلاف: كتاب العدة، مسألة ٤٦ قال: اذا اشترى امة حاملا كره له وطؤها الخ.

٤٥٦

الرابعة: يكره التفرقة بين الاطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا.وحده سبع سنين، وقيل: أن يستغنى عن الرضاع، ومنهم من حرم.

قال طاب ثراه: ويكره التفرقة بين الاطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا، وحده سبع سنين وقيل: أن يستغني عن الرضاع، ومنهم من حرم.

أقول: هنا مسألتان: الاولى: هل التفرقة مكروهة أو محرمة؟ بالاول قال الشيخ في باب العتق من النهاية(١) وتبعه ابن ادريس(٢) والمصنف(٣) والعلامة(٥) وبالثاني قال في باب بيع الحيوان من النهاية(٥) وبه قال المفيد(٦) والتقي(٧) وسلار(٨) وابوعلي(٩) وطرد الحكم إلى من يقوم مقامه في الشفعة كالاخوين.

____________________

(١) النهاية: باب العتق واحكامه ص ٥٤٦ س ٤ قال: ويكره أن يفرق بين ولد وبين أمه الخ.

(٢) السرائر: باب ابتياع الحيوان ص ٢٣٩ س ١٥ قال: ويكره التفرقة بين الاطفال وامهاتهم اذا ملكوا الخ.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ١٦ قا ل: مسألة للشيخ في النهاية قولان في التفرقة بين الاطفال إلى أن قال: والاقرب تغليظ الكراهة.

(٥) النهاية: باب ابتياع الحيوان ص ٤١٠ س ٦ قال: ولا يجوز التفرقة بين الاطفال وامهاتهم اذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن.

(٦) المقنعة: باب ابتياع الحيوانات ص ٩٣ س ١٦ قال: ولا يجوز التفرقة بين الاطفال وامهاتهم اذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن.

(٧) لم أعثر عليه في الكافي، والظاهر انه اشتباه والصحيح القاضي ابن البراج، ذلك لان إعتماد المصنفقدس‌سره غالبا على المختلف وما نقل فيه عن التقي في ذلك شيئا بل قال ما لفظه: وممن قال بالاول أي عدم الجواز ابوعلي بن الجنيد وشيخنا المفيد وابن البراج الخ فلاحظ المهذب: ج ١، كتاب الجهاد، باب الاسارى ص ٣١٨ س ٢ قال واذا سبيت المرأة ولدها لم يجز للامام أن يفرق بينهما الخ.

(٨) المراسم: ذكر الشرط الخاص في البيع والمبيع ص ١٧٧ س ٥ قا ل: ولا يفرق بين الاطفال وامهاتهم في البيع الخ.

(٩) تقدم نقله عن المختلف.

٤٥٧

احتج الاولون: بالاصل وبقولهعليه‌السلام : الناس مسلطون على أموالهم(١) .

احتج المحرمون بحسنة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: اتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم، فباعوا جارية من السبي كانت امها معهم، فلما قدموا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمع بكاها فقال: ما هذه؟ قالوا: يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها واتي بها وقال: بيعوهما أو أمسكوهما(٢) وبحسنة هشام بن الحكم عن الصادقعليه‌السلام قال: إشتريت له جارية من الكوفة قال: فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت: يا اماه فقال لها ابوعبداللهعليه‌السلام ألك ام؟ قالت: نعم فأمربها فردت وقال: ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره(٣) وعن سماعة قال: سألته عن مملوكين أخوين هل يفرق بينهما، وعن المرأة وولدها؟ قال: لا، هو حرام.إلا أن يريدوا ذلك(٤) .

الثانية: في الغاية التي يزول معها تحريم التفرقة أو كراهتها.

فنقول: الخلاف هنا مبني على الخلاف في مدة الحضانة، و إبن الجنيد جعلها سبع سنين في الذكر والانثى(٥) والشيخ في النهاية جعلها مدة الحولين في الذكر

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٢٢ الحديث ٩٩ وص ٤٥٧ الحديث ١٩٨ ج ٢ ص ١٣٨ الحديث ٣٨٣ وج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩ ولا حظ ما علق عليه.

(٢) الفروع: ج ٥، كتاب المعيشة، باب التفرقة بين ذوي الارحام من المماليك ص ٢١٨ الحديث ١

(٣) المصدر نفسه ص ٢١٩ الحديث ٣

(٤) المصدر نفسه ص ٢١٨ الحديث ٢.

(٥) المختلف: في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٢٨ قال: وقال ابن الجنيد: الام أحق بالصبي إلى سبع سنين إلى أن قال: وأما البنت أولى بها مالم تتزوج الام.

٤٥٨

الخامسة: اذا وطأ المشتري الامة ثم بان إستحقاقها إنتزعها المستحق، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيبا، والعشر ان كانت بكرا.

وقيل: يلزمه مهر امثالها، وعليه قيمة الولد يوم سقط حيا، ويرجع بالثمن وقيمة وسبعا في الانثى(١) وتبعه القاضي في الكامل(٢) وابن حمزة(٣) وابن ادريس(٤) .والمفيد جعلها مدة الحولين في الذكر وتسعا في الانثى(٥) وتبعه سلار(٦) ، والقاضي في المهذب جعلها في الذكر إلى سبع وفي الانثى إلى تسع(٧) والصدوق في المقنع قال: الام أحق به مالم تتزوج(٨) ، ولم يفصل بين الذكر والانثى.

قال طاب ثراه: واذا وطأ المشتري الامة ثم بان استحقاقها انتزعها المستحق، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيبا والعشر إن كانت بكرا.وقيل: يلزمه مهر أمثالها.

____________________

(١)النهاية: باب الولادة والعقيقة، ص ٥٠٣ س ١٩: قال: والام أولى بالولد من الاب مدة الرضاع، الخ.

(٢) المختلف: في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٣٩ قال: وابن البراج في الكامل تبع شيخنا في النهاية.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان من له حظ في الحضانة ومن هو أولى بها، ص ٢٨٨ س ٥ قال: فالام أولى بالابن حتى يفطم والبنت حتى تبلغ سبع سنين الخ.

(٤) السرائر: كتاب النكاح: باب أحكام الولادة، ص ٣١٩ س ٤ قال: وأحق به مدة حولين إلى أن قال: فان كان الولد انثى فالام أحق بها إلى سنتين (هكذا) مالم يزوج الام الخ.

(٥) المقنعة: باب الحكم في أولاد المطلقات، ص ٨٢ س ١٦ قال: فاذا فصل الصبي من الرضاع كان الاب أحق بكفالته من الام والام احق بكفالة البنت حتى تبلغ تسع سنين الخ.

(٦) المراسم: ذكر ما يلزم به، ص ١٦٤ س ١٣ قال: فالذكر: الاب أحق بكفالته من الام، والانثى: الام احق بكفالة حتى تبلغ تسع سنين الخ.

(٧) المهذب: ج ٢ باب احكام الولادة والعقيقة ص ٢٦٢ س ٧ قال: واذا كان الولد ذكر فوالدته أحق به من أبيه مدة الرضاع إلى أن قال: واذا كان انثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين الخ.

(٨) المختلف: في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٢٨ قا ل: وقال الصدوق في المقنع: اذا طلق الرجل زوجته وبينهما ولد فالمرأة أحق بالولد مالم تتزوج، ما لم اعثر عليه في المقنع.

٤٥٩

الولد على البائع، وفي رجوعه بالعقر قولان: أشبههما الرجوع.

السادسة: يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم، وان كان للامام بعضه أو كله.

أقول: وجوب مهر المثل قول الشيخ(١) وابن ادريس(٢) قال: وذهب بعض أصحابنا إلى أن عليها نصف عشر قيمتها مع الثيبوبة، والعشر مع البكارة.

قال طاب ثراه: وفي رجوعه بالعقر قولان: أقول: ذهب ابن ادريس إلى عدم رجوعه بالعقر، وهو عوض البضع، لحصول عوض في مقابلته، وهو الوطء، وهو بناء على ان المغرور انما يرجع على الغار بمالم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة وقيمة الولد والعمارة، وأما ما حصل في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى فلا(٣) وذهب العلامة في كتبه إلى الرجوع بالجميع لمكان الغرور(٤) .

قال طاب ثراه: ويجوز ابتياع مايسبيه الظالم، وإن كان للامام بعضه أو كله.

أقول: ما يسبيه الظالم في حال الغيبة يكون باجمعه للامامعليه‌السلام ، وقد أباحوا ذلك لشيعتهم على ما عرفته في باب الخمس، فهذا تصوير ما يكون للامام

____________________

(١) المبسوط: ج ٣، كتب الغضب ص ٦٦ س ٣ قال: فان كانت ثينا فال شئ عليه سوى المهر الخ.

(٢) السرائر: با ب العقد على الاماء‌و العبيد ص ٣٠٥ س ١٨ قال: وقد روي أن عليه لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت الخ.

(٣) السرائر: باب ابتياع الحيوان، ص ٢٣٩ س ١٩ قال: ومتى اشترى جارية فأولدها فظهر أنها كانت مغضوبة، إلى أن قال، وليس له أن يرجع عليه بما غرمة عن وطيها لانه حصل له بدلا منه انتفاع.ولذة واستمتاع الخ.

(٤) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٧ قال: نعم له المطالبة بثمنه وحينئذ المشتري على البائع بقيمته.وفي التذكرة: ج ١ في أحكام البيع الفاسد ص ٤٩٦ س ١٩ قال: وأما اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقه يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لانه غرة الخ.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579