المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117341 / تحميل: 7179
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

بستانه(١) وبه قال الشيخ في الكتابين(٢) ونص اهل اللغة عليه(٣) واختاره ابن ادريس(٤) والمصنف(٥) والعلامة(٦) لاشتراك الموضعين في الحاجة الداعية إلى المشروعية.ولا فرق بين مالك الدار أو مستأجرها.وكذا لافرق بين مالك البستان أو مشتري ثمرته.والظاهر ان الخان، والبزارة(٧) والمعصرة(٨) والدباسة(٩) كذلك، لاشتراك الكل في العلة، وهي كراهة صاحب الدار دخول مالك الثمرة اليه واحتياج صاحب النخلة إلى الثمرة، فاقتضت حكمة الشارع تسويغ البيع بخرصها تمرا من غيرها ليتم المقصود لهما.

____________________

(١) المهذب: ج ١ بيع العرية ص ٣٨٤ س ٦ قال: وهي النخلة تكون للرجل في بستان غيره.

(٢) النهاية: باب بيع المياه والمراعى ص ٤١٨ س ٥ قال: وهي النخلة تكون في دار الانسان لرجل آخر.والخلاف، كتاب البيوع مسألة ١٥٤.

(٣) العرية، النخلة: التي يعربها صاحبها ليأكل تمرها (المنجد لغة العرية) ومثله في مجمع البحرين فلا حظ.

(٤) السرائر: في بيع الثمار ص ٣٤٥ س ٣٥ قال: وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول اليها، او في داره الخ.

(٥) الشرايع: في بيع الثمار، الرابعة قال: والعرية هي النخلة تكون في دار الانسان، وقال: اهل اللغة أو في بستانه، وهو حسن.

(٦) المختلف: في معني العرية ص ٢٠٠ س ٢٠ قال بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس: وهو الاقوى، لنص أهل اللغة عليه الخ.

(٧) وقال بعضهم: البذر في الحبوب كالحنطة، والبزر بالزاء المجمعة للريا حين والبقول (مجمع البحرين).

(٨) والعصير من العنب يقال: عصرت العنب عصرا من باب ضرب استخرجت ماء‌ه واسم الماء العصير (مجمع البحرين).

(٩) الدبس بالكسر ما يستخرج من التمر والرطب بالنار وبدونها.

٤٤١

وهنا شروط ورخص أما الشروط، فأربعة:

(أ) أن يكون من النخل، فلا عرية في غيره كالنبق.

(ب) أن يكون واحدة، فلو تعددت لم يجز الا مع تعدد الموضع، أو المالك، لا العقد.

(ج) أن يشتريها بخرصها، فلو اشتراها بزايد أو ناقص لم يجز.

(د) الحلول، فلا يجوز اسلاف أحدهما في الاخر.

فروع

(أ) هل المراد بخرصها المماثلة بين ثمرة النخلة عند صيرورتها تمرا وبين التمر الذي هو الثمن، أو المماثلة بين ما عليها رطبا وبين الثمن؟ فيكون قد بعنا الرطب بالتمر متساويا، قال في المبسوط: باالاول(١) وقال العلامة في التذكرة: بالثاني(٢) قال: لانه مستثنى.وهو ضعيف، لعدم ما يدل عليه، مع ندوره، فإنه لم يذكره في غير هذا الكتاب، بل وافق الاصحاب في ساير كتبه.

(ب) هل يشترط التقابض في المجلس؟ قال في المبسوط: نعم(٣) ولم يشترطه

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٨ س ١٦ قال: فاذا عرفا مقدار الرطب اذا جف صاو كذا تمرا فيبيع بمثله من التمر.

(٢) التذكرة: ج ١ ص ٥٠٩ س ٣٣ قال: مسألة اذا تبايعا العرية وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة ويحرز ذلك رطبا الخ.

(٣) المبسوط: ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٨ س ١٧ قال: ومن شرط صحة البيع أن يتقابضا قبل التفرق الخ.

٤٤٢

ابن ادريس(١) واختاره المصنف(٢) والعلامة(٣) .

(ج) هل يجوز بتمر منها؟ ظاهر ابن حمزة تحريمه(٤) ، بل من غيرها، لئلا يلزم اتحاد الثمن والمثمن، ويحتمله ضعيفا، للاذن، ووجود المقتضي، وهو الرخصة.والتحقيق: أنه إن شرطه في العقد لم يجز، وان أطلق جاز أن يدفع اليه من تمرها ان صبر عليه حتى يصير تمرا، وإلا فالعقد يجب كونه حالا.

وأما الرخص، فثلاثة:

(أ) لا يشترط التماثل بين تمرها عند الجفاف وثمنها، لعسره، فتسقط، للخبر، بل يجب التماثل عند العقد في ظن الخارص.

(ب) لوزادت ثمرتها عند أعتبارها وقت الجذاذ عن ثمنها، ملك المشتري الزيادة، ولو خرجت أنقص لم يجب على البايع رد الفاضل، للحكم بصحة العقد، فيترتب عليه أثره.

(ج) لا فرق بين مالك النخلة ومالك ثمرتها دون أصلها، لاتحاد الحكمة المبيحة للرخصة.

فرع

هذا البيع رخصة، لقيام المقتضي للمنع منه، وهو تحريم المزابنة، فلو حلف:

____________________

(١) السرائر: في بيع الثمار، ص ٢٤٦ س ٤ قال: والذي يقتضيه الادلة انه يجوز التفرق قبل القبض الخ.

(٢) الشرايع: في بيع الثمار، الرابعة، قال: ولا يشترط في بيعها بالتمر، التقابض قبل التفرق الخ.

(٣) المختلف: في معني العرية ص ٢٠٠ س ٢٤ قال بعد نقل قول ابن ادريس بجواز التفرق قبل القبض: وهو الاقوى.

(٤) الوسيلة: في بيان الثمار، ص ٢٥٠ س ١٥ قال: وقد روي في بعض الاخبار إلى أن قال: وفي العرية بيع ما على النخل بتمر منه، والصحيح ما ذكرنا.

٤٤٣

واذا مر الانسان بثمرة النخل جاز له أن يأكل مالم يضر أو يقصد.ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا.وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردد.لا يوقع عقدا مرخصا، أو لا يفعل رخصة، جنث بايقاعه.

قال طاب ثراه: واذا مر الانسان بثمر النخل جاز أن يأكل مالم يضر أو يقصد، ولا يجوز أن يحمل معه(١) وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردد.

أقول: هنا مسألتان: الاولى: في اباحة التناول من ثمرة النخل، ولم يتردد فيه المصنف هنا، وأكثر الاصحاب عليه، ومنع العلامة في المختلف(٢) .

الثانية: غير النخل من شجر الفواكه والمباطخ والزرع والباذنجان، وأكثر الاصحاب لم يفرقوا بين النخل وغيره، وتردد المصنف في غير النخل(٣) ومنع العلامة(٤) في الجميع وباقي الاصحاب على الاباحة في الكل، وكذا العلامة في كتاب الفتوى، اعني المعتمد(٥) جزم بالجواز في الجميع.

احتج المسوغون بصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة، أيجوز له أن يأكل منها من غير اذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: لا بأس(٦) وبما رواه محمد بن مروان قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام أمر بالثمرة فآكل منها، فقال: كل

____________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة، ويؤيده ما في حديث محمد بن مروان من قوله: (ولا تحمل منها) وفي النسخة المطبوعة، (ولا يجوز أن يأخذ معه) كما أثبتناه.

(٢) المختلف: فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٢٤ قال: والاقرب المنع.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) تقدم آنفا.

(٥) (المعتمد في الفقه) لا يوجد عندنا ذكر في الذريعة ج ٢١ ص ٢١٣.

(٦) التهذيب: ج ٧(٧) باب بيع الثمار، ص ٩٣ الحديث ٣٦

٤٤٤

ولا تحمل منها، قلت: جعلت فداك ان التجار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: اشتروا ما ليس لهم(١) وفي معناهما رواية يونس(٢) .

احتج المانعون بصحيحة الحسن بن يقطين قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن صاحبه، وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم فليس له؟ كم الحد الذي يسعه أن تتناول منه؟ فقال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا(٣) وحملها الشيخ في التهذيب على تحريم الاخذ دون الاكل(٤) وحمل العلامة ماورد من الاباحة على ما إذا علم بشاهد الحال إباحة المالك، ثم أيده بما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يمر على قراح الزرع(٥) يأخذ منه السنبلة؟ قال: لا، قلت: أي شئ سنبلة !؟ قال: لو كان كل من بمر به يأخذ سنبلة كان لايبقى شئ(٦) و(٧) .وهذه الرواية مع إرسالها يتضمن تحريم الاخذ، لا الاكل، فيحمل على الحمل، بخلاف الاخبار المبيحة، فإنها صريحة الدلالة في الاباحة.

قال التقي: أباح لقديم سبحانه عابري السبيل، الانتفاع بما ينبته الحرث من الخضر والثمار والزرع من غير حمل ولا

____________________

(١) التهذيب: ج ٧(٧) باب بيع الثمار، ص ٩٣ الحديث ٧ ٣ وفي ج ٦ أيضا ص ٣٨٣ الحديث ٢٥٥.

(٢) التهذيب: ج ٦(٣)، باب الكاسب، ص ٣٨٣ الحديث ٢٥٦.

(٣) و(٤) التهذيب: ج ٧(٧) باب بيع الثمار ص ٢ الحديث ٣٥ قال بعد نقل الحديث: قال محمد بن الحسن: قولهعليه‌السلام : (لا يحل له أن يأخذ منه شيئا) محمول على ما يحمله معه، فاما ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح الخ.

(٥) والقراح ايضا المزرعة التى ليس عليها بناء ولا فيها شجرا والجمع أقرحة (مجمع البحرين لغة قرح)

(٦) التهذيب: ج:(٩٣) باب المكاسب ص ٣٨٥ الحديث ٢٦١

(٧) المختلف: فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٣٠ قال بعد نقل استدلال الشيخ: والجواب الحمل على ما اذا علم بشاهد الحال اباحة المالك لذلك الخ.

٤٤٥

الفصل السابع: في بيع الحيوان

اذا تلف الحيوان في مدة الخيار فهو من مال البايع ولو كان بعد القبض، اذا لم يكن بسببه ولا عن تفريط منه، ولا يمنع العيب الحادث من الرد بالخيار.واذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الاظهر مالم يشترطه المشتري.ويجوز إبتياع بعض الحيوان مشاعا.إفساد(١) وقال القاضي: اذا مر الانسان بشجر الفواكه جاز أن يأكل منها من غير إفساد(٢) وهو الارجح لشهرته.واعلم أن للاباحة شروطا عند القائل بها.

(أ) عدم علمه بكراهية المالك.

(ب) عدم القصد إلى الثمرة ليأكل منها، بل يكون مجتازا.

(ج) أن لا يحمل معه.

(د) أن لا يفسد على أربابه، فيحرم بشاهد الحال.

فرع

لو اجتاز إثنان جاز لاحدهما أن يجني من الثمرة ما يأكلانه، وإن زاد عن حاجة المجني، لانه مأذون لهما في ذلك، كتلقم الصبيان بعضهم لبعض.قال طاب ثراه: واذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الاظهر.

أقول: قد تقدم البحث في هذه المسألة.

____________________

(١) الكافي: الضرب الرابع من الاحكام، فصل في الاذن ص ٣٢٢ س ٨ قال: واباحة القديم تعالى الخ.

(٢) المختلف: فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٢١ قال: وقال ابن البراج: اذا مر الانسان الخ.

٤٤٦

ولو باع واستثنى الرأس أو الجلد، ففي رواية السكوني: يكون شريكا بنسبة قيمة ثنياه.ولو اشترك جماعة في شراء حيوان واشترط أحدهم الرأس أو الجلد لما له كان له منه بنسبة ما نقد، لا ما شرط.

ولو قال: إشتر حيوانا بشركتي، صح، وعلى كل واحد نصف الثمن.

قال طاب ثراه: ولوباع واستثنى الرأس أو الجلد ففي رواية السكوني يكون شريكا بنسبة ثنياه أقول: للاصحاب في هذه المسألة ثلاثة أقوال:

(أ) صحة البيع، والاستثناء إذا كان معينا كالرأس والجلد والصوف - وهو قول المفيد(١) والسيد(٢) والتقي كان معينا كالرأس والجلد والصوف - وهو قول المفيد(١) والسيد(٢) والتقي(٣) وابن ادريس(٤) وأبي علي(٥) - فيكون له ما استثناه، لانه استثنى معلوما، وعقد البيع غير مانع من إشتراط ماهو معلوم، لقولهعليه‌السلام : الشرط جائز بين المسلمين(٦) .

(ب) الصحة ويكون البائع شريكا بقدر قيمة الثنيا، فيقال: كم قيمة هذا الحيوان لو بيع جميعه؟ فاذا قيل: عشرة، وقيمة منزوع الرأس تسعة، كان شريكا

____________________

(١) المقنعة: باب اشتراط البايع على المبتاع ص ٩٤ قا ل: ولا بأس ان يشترط البايع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه مثل أن يبيعه شاة ويشترط عليه جلدها أو رأسها بعد الذبح لها الخ.

(٢) الانتصار: كتاب مسائل البيوع ص ٢١٢ س ٤ قال: ومما ظن انفراد الامامية، القول بجواز بيع الانسان الشاة أو البعير ويشترط الخ.

(٣) الكافي: في البيع، ص ٣٥٤ س ١ قال: واذا اقترن العقد باستثناء لبعض ما تناوله إلى أن قال: مضى العقد فيما عدا المستثنى.

(٤) السرائر: باب ابتياع الحيوان ص ٢٤١ س ١٦ قال: واذا باع الانسان بعيرا أو غنما واستثنى الرأس والجلد كان ذلك جائزا صحيحا الخ.

(٥) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٦ س ١١ قال: وقال ابوعلي بن الجنيد: لو استثنى رأس الحيوان أو صوفه جلده لجاز.

(٦) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٥ الحديث ١٠٣

٤٤٧

بعشر الحيوان، لان البائع قبض ما يساوي تسعة أعشار الثمن، لان أجزاء الثمن متقسطة على أجزاء المبيع، ويلغو التعيين، وهو قول الشيخ في النهاية(١) والمبسوط(٢) والخلاف(٣) وتبعه القاضي(٤) .

(ج) بطلان البيع بهذا الاستثناء، لادائه إلى الغرر والتنازع، لان المشتري قد يختار التبقية، وفيها منع للبايع عن الانتفاع بملكه، وجاز أن يؤول حاله إلى نقصه، أو عدم الانتفاع به لجواز موته.وان اختار البائع الذبح كان فيه منعا لتسلط المشتري على ملكه بالانتفاع به في بتقيته نفع بظهره ولبنه ونتاجه وعظمه.واختار العلامة قدس الله روحه - ونعم ما اختار - وجها رابعا، وهو صحة البيع والشرط إن كان الحيوان مذبوحا، أو اشتراه للذبح، والمنع ان لم يكن كذلك.واحتج على الاول بانه استثناء لمعلوم ولا غرر فيه، فكان جائزا.وعلى الثاني بما فيه من الجهالة وتضرر الشريك لو أراد أخذ حقه وضرره لو اجبر على بقائه(٥) .

فرع

لو استثنى من اللحم رطلا معلوما، ظاهر سلار الجواز(٦) ومنع ابوعلي لتفاوت

____________________ ____________

(١) النهاية: باب ابتياع الحيوان، ص ٤١٣ س ١٧ قال: واذا باع الانسان الي أن قال: واستثنى الرأس والجلد كان شريكا الخ.

(٢) المبسوط: في بيع الثمار، ص ١١٦ س ١٥ قال: ومتى فعل ذلك كان شريكا بمقدار الرأس أو الجلد الخ.

(٣) الخلاف: كتاب البيوع: مسألة ١٤٩ قال: ومتى باع كذلك كان شريكا له بمقدار ما يشتثني منه الخ.

(٤) المهذب: ج ١، باب بيع الثمار، ص ٣٨٢ س ١٣ قال: وان فعل ذلك كان له مقدار الجلد والرأس الخ.

(٥) المختلف: في بيع الحيوان، ص ٢٠٦ س ١٦ قال: والتحقيق أن نقول: إن كانت مذبوحة الخ.

(٦) المراسم: ذكر بيع الثمار، ص ١٧٨ س ٥ قال: وكل شرطه البايع إلى ان قال: أو بعضها بالوزن، فجائز.

٤٤٨

ولو قال: الربح لنا ولا خسران عليك، لم يلزم الشرط.

وفي رواية: اذا شارك في جارية وشرط الشريك الربح دون الخسارة.جاز.ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراء‌ها.ويستحب لمن اشترى رأسا أن يغير إسمه، ويطعمه شيئا حلوا ويتصدق عنه باربعة دراهم ويكره أن يريه ثمنه في الميزان.مواضع اللحم بالجودة وعدمها، فان عين المكان بما لا يختلط بغيره جاز(١) .

قال طاب ثراه: ولو قال: الربح لنا ولا خسران عليك لم يلزم الشرط، وفي رواية اذا شارك في جارية وشرط للشريك الربح دون الخسارة، جاز.

أقول: مذهب الشيخ في النهاية لزوم الشرط(٢) وتبعه القاضي(٣) واختاره العلامة في المختلف(٤) لاصالة الجواز، ووجوب الوفاء بالشرط للآية(٥) والرواية(٦) ولصحيحة رفاعة قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل شارك في جارية له، وقال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن كان وضيعة فليس عليك شئ؟ فقال: لا أرى بهذا بأسا اذا طابت نفس صاحب الجارية وقال ابن ادريس:

____________________

(١) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٦ س ٢٣ قال: وقال ابوعلى: لا يجوز لان مواضع اللحم يتفاضل الخ.

(٢) النهاية: باب ابتياع الحيوان ص ٤١١ س ٤ قال: فان اشترط عليه إلى أن قال: وليس عليه من الخسران شئ، كان على ما اشترطا عليه.

(٣) و(٤) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٩ قال: فان اشترط عليه أن يكون له الربح إن ربح إلى أن قال: وتبعه ابن البراج إلى أن قال: فقول الشيخ (ره) هو المعتمد.

(٥) كقوله تعالى: " الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) النساء / ٢٩ وقوله تعالى " وفوا بالعقود " المائدة / ١.

(٦) قالعليه‌السلام : المؤمنون عند شروطهم، لاحظ عوالى اللئالى: ج ٤ ص ٣٦٠(٧) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب شراء الرقيق ص ٢١٢ الحديث ١٦.

٤٤٩

ويلحق بهذا الباب مسائل الاولى: المملوك يملك فاضل الضريبة، وقيل: لا يملك شيئا.

الثانية: من اشترى عبدا له مال، كان ماله للبائع إلا مع الشرط.لا يلزم الشرط لان الربح والخسران على قدر رؤوس الاموال، فإذا شرط الخسران على أحدهما دون الآخر كان مخالفا للكتاب والسنة(١) وأجاب العلامة: بأن ذلك مع الشرط أو بدونه الثاني مسلم والاول ممنوع(٢) .

قال طاب ثراه: المملوك يملك فاضل الضربية، وقيل: لا يملك شيئا.

أقول: للاصحاب هنا ثلاثة اقوال:

(أ) ملك المال، لا مستقرا، وهو ظاهر الصدوق(٣) وأبي علي(٤) فانهما أطلقا القول: بأن العبد يملك، لقول الصادقعليه‌السلام : اذا أدي إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك(٥) ولفظة له حقيقة في الملك.

(ب) انه يملك التصرف خاصة وعليه الشيخ في النهاية(٦) فيجوز أن يتصدق منه

____________________

(١) السرائر: باب ابتياع الحيوان، ص ٢٣٩ س ٣٦ قا ل بعد نقل قول الشيخ، لانه مخالف لاصول المذهب، لان الخسران على رؤوس الاموال بغير خلاف الخ.

(٢) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٤ س ٩ قال: وقوله إن الخسران على قدر رأس المال: قلنا الخ.

(٣) المقنع: باب العتق والتدبير، ص ١٦١ س ٩ فانهقدس‌سره رواية عمر بن يزيد ولم يزد عليها شيئا، فلا حظ.

(٤) لم اعثر عليه.

(٥) الفروع: ج ٦: باب الملوك يعتق وله مال ص ١٩٠ قطعة من حديث ١.

(٦) النهاية: كتاب العتق: باب المكاتبة، ص ٥٥٠ س ٢ وفيه ما لفظه: ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرف في نفسه بالتزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق ما دام قد بقي عليه شئ، وانما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء الخ.

٤٥٠

الثالثة: يجب على البائع إستبراء الامة قبل بيعها بحيضة إن كانت ممن تحيض، وبخمسة وأربعين يوما إن لم تحض وكانت من سن من تحيض.وكذا يجب الاستبراء على المشتري إن لم يستبرئها البائع.ويسقط الاستبراء على الصغيرة واليائسة والمستبرأة وأمة المرأة.ويقبل ويعتق عبده، واستند في العتق إلى صحيحة عمر بن يزيد(١) .

(ج) اباحة التصرف خاصة، لا ملك التصرف، ولم يمنع من هذا الوجه الثالث مانع بل هو اجماع.

والفرق بينه وبين الثاني من وجهين:

(أ) أن ملك التصرف أقوى من إباحته، فإن في الاباحة لو ظهر له شاهد حال من المالك بكراهة التصرف لم يجز أن يتصرف.

(ب) أن في ملك التصرف، له أن يتصدق منه ويطعم غيره، وليس له ذلك في الاباحة.

والذي ذهب إليه المصنف(٢) والعلامة في أكثر كتبه منع الملك بقسميه(٣) أي ملك الرقبة وملك التصرف، لقوله تعالى " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ "(٤) وهو نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم، ولقوله تعالى " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء "(٥) وهو توبيخ في صورة الاستفهام، واختاره إبن ادريس(٦) .

____________________

(١) تقدم آنفا عن الفروع

(٢) الشرايع: كتاب التجارة: في بيع الحيوان، قال: الاولى العبد لا يملك، وقيل يملك فاضل الضريبة الخ.

(٣) القواعد: كتاب الدين، ص ١٧٠ س ١١ قال: والاقرب انه يملك شيئا الخ والتذكرة ج ٢ كتاب الديون ص ٨ س ١٩ قال: مسألة المشهور بين أن العبد لا يملك شيئا الخ.

(٤) النحل: ٧٥.

(٥) الروم: ٢٨.

(٦) السرائر: باب ابتياع الحيوان ص ٢٤٠ س ٣٣ قال: لان العبدعندنا يملك شيئا لقوله تعالى الخ.

٤٥١

قول العدل إذا أخبر بالاستبراء.ولا توطأ الحامل قبل حتى تمضى لحملها أربعة أشهر.ولو وطأها عزل، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.

قال طاب ثراه: ولا توطأ الحامل قبلا حتى يمضي لحملها اربعة أشهر، ولو وطأها عزل، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، ويستحب ان يعزل له من ميراثه قسطا.

أقول: هذه المسألة من المواضع المشكلة من علم الفقه، وسبب اشكالها عدم ترتبها على القوانين المقررة في علم الفقه، وحصر البحث فيها يقع في مقامين: الاول: في إباحة الوطء وعدمه، وهو مقام مشكل، وبيانه: أن الحمل إن كان عن نكاح صحيح، أو شبهة لم يجز الوطء إلا بعد الوضع لعموم قوله تعالى " واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن"(١) وإن كان عن زنا جاز وطؤها في الحال لان ماء الزنا لاحرمة له فكذا حمله.

ولئن قلت: لا نسلم جواز وطء الموطؤة بالزنا قبل الاستبراء، حذرا من اختلاط المائين، وقد صرح به العلامة في قواعده حيث قال: والقذف قد يجب بان يرى امرأته قد زنت في طهر لم يطأها فيه، فانه يلزمه اعتزالها حتى ينقضي العدة، فان أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا ولاكثر من أقصى مدة الحمل من وطئه، لزمه نفيه، لتخلص من الالحاق المستلزم للتوارث والنظر إلى بناته واخواته(٢) .

قلنا: تسليم هذه المقدمة لا يضرنا، لان التقدير علم كون هذه الامة حاملا، فانتفى الاختلاط.وإطلاق الاصحاب تحريم الوطء قبل أربعة الاشهر وعشرة الايام، وإباحته مع

____________________

(١) الطلاق: ٤.

(٢) القواعد: كتاب الفراق، في اللعان، المقصد الرابع في اللواحق، ص ٩٥ س ١٧ قال: والقذف قد يجيب الخ.

٤٥٢

الكراهة بعدها، مناف للاصول المقررة، لان الحمل لايخلو في نفس الامر عن أحد التقديرين فان كان عن نكاح صحيح حرم حتى الوضع، وإن كان عن زنا لم يحرم في الحال.والتحقيق في الجواب عن الاشكال أن نقول: المراد بالزنا كما جزم به العلامة في كتاب فتواه، أعني المعتمد، وجاز اختصاص التحريم في هذا الموضع لخصوصية المسألة، من حيث أنه داخل تحت مسمى الاستبراء، فيكون هذا النصاب قدر إستبراء الحامل، كما أن الحيضة قدر استبراء الحائل، ولعل حكمة التخصيص إما لكون ذلك تكليفا للمشتري حذرا من التوثب على الفروج، لان المملوكة في محل الطمع، وإما لانه قبل النصاب تشتد ملابسة الحمل بالواطئ، لا أنه يصير جزأ من الرجل لانعقاده قبل وطيه، بل لان الجماع يثير الطمث ويفعل في مزاج المرأة مايغير مزاج اللبن، وهو غذاء الطفل وعليه نموه، ومنه تحريم المحلل إذا ارتضع بلبن خنزيرة، فلهذا حكمنا بنشر الحرمة في الرضاع وقلنا يصير صاحب اللبن أبا وليس مرتضعا من لبنه، وجعل الشارع الحرمة المنتشرة في الفحل إلى المرتضع أقوى من حرمة المرتضعة، حيث حرم على الصبي كل من ينسب إلى الفحل ولادة ورضاعا ومن ينسب إلى الموضعة ولادة خاصة، مع انه يتغذى من لبنها وتشتد لحمه عليه، وهو من دمها، وليس ذلك إلا لكون جماع الرجل يؤثر في مزاج المرأة وفي لبنها كيفية توجب له تغييرا، ويؤيد هذا التاويل ما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقتلوا أولاد كم غيلة(١) قالوا: معناه، لا تجامعوا المرضعات فان الجماع يثير الطمث ويفسد اللبن، ولهذا لا ينعقد الايلاء لو كان وقوعه لصلاح اللبن، والله أعلم.

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٦ الحديث ١٠٧ ولا حظ ما علق عليه.

٤٥٣

المقام الثاني: في أحكام هذه المسألة، وأصل الفتوى ما رواه الحسين بن محبوب عن رفاعة موسى قال: سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام قلت: أشتري الجارية فتمكث عندي الاشهر لا يطمث وليس ذلك من كبر، قلت: فاريتها النساء فيقلن ليس بها حملا، فلي أن أنكحها في فرجها؟ قال: ان الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل، فلا بأس أن تمسها في الفرج، قلت: فان كانت حبلى فما لي منها ان أردت؟ فقال: لك مادون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام، فاذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج(١) .

وروى محمد بن يعقوب في كتابه باسناده إلى اسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل إشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطأها، قال: بئس ما صنع، قلت: ما تقول فيه؟ فقال: أعزل عنها أم لا؟ قلت: أجبني في الوجهين، قال: إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود، وان كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به، فانه قد غذاه بنطفته(٢) وفي اخرى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لان نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه(٣) وعن الصادقعليه‌السلام : لانه شارك في اتمام الولد(٤) .

قوله " ولو وطأها عزل " أي ولو أراد وطء‌ها، وليس العزل مبيحا للوطء، بل

____________________

(١) الفروع: ج ٥، كتاب النكاح، باب الامة يشتريها الرجل وهى حبلى، ص ٤٧٥ الحديث ٢ وفيه إلى قوله " لك مادون الفرج " والظاهر أن ما بعده من قوله " إلى أن تبلغ " إلى اخره من كلام المصنف.

(٢) الفروع: ج ٥ كتاب النكاح، باب الرجل يشترى الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده، ص ٤٨٧ الحديث ١

(٣) الفروع: ج ٥، كتاب النكاح، باب الرجل يترى الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده، ص ٤٨٧ قطعة من حديث ٢.

(٤) الفروع: ج ٥، كتاب النكاح باب الرجل: يشترى الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده، ص ٤٨٨ قطعة من حديث٣.

٤٥٤

مخفف لما يترتب عليه من الاحكام، فلا يكره له بيع الولد، ولا يترتب عليه باقي الاحكام.واعلم أن العلامة قدس الله روحه إضطربت فتواه في هذه المسألة، فذكرها في القواعد في ثلاثة مواضع وأفتى في كل موضع بخلاف الاخر، فقال في كتاب التجارة: ويحرم وطوء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ويكره بعده إن كان عن زنا، وفي غيره اشكال(١) وقال في كتاب النكاح: ولو إشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع، أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل لاصالة عدم إذن المولى في الوطء، وإن علم إباحته بعقد أو تحليل حرم حتى يضع، وإن علم كونه عن زنا فلا بأس(٢) وقال في كتاب الطلاق: كل من ملك جارية موطوء‌ة ببيع أو غيره من إستغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب كان لم يجز له وطؤها الا بعد الاستبراء فان كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطء شبهة لم ينقض الاستبراء إلا بوضعه أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل ذلك ويجوز في غير القبل ويكره بعدها(٣) .ففى الوجه الاول جعل الاستبراء وإعتبار نصابه أحكامه، محمولا على الزنا جزما، وتوقف في غيره. وفي الثاني جعل الاحكام متعلقة بجهل حال الحمل وجزم فيه بالكراهة، وأسقط الاحكام مع العلم، إذ مع إباحة الوطء يحرم حتى الوضع،

____________________

(١) القواعد: كتاب المتاجر، المطلب الثاني في الاحكام، ص ١٣٠ س ٥ قال: ويحرم وطوء الحامل قبلا الخ.

(٢) القواعد: كتاب النكاح، الفصل الرابع في بقايا مسائل متبددة، ص ٣٢ س ٣ قال: ولو اشتراها الخ.

(٣) القواعد: كتاب الفراق، في الطلاق، المطلب الثاني في الاستبراء ص ٧٣ س ١٤ قال: فمن ملك جارية الخ.

٤٥٥

ومع تحريمه يجوز في الحال، لان ماء الزاني لا جرمة له.وفي الثالث جعل الاحكام متعلقة بالوطء المباح، ولعله أستند إلى عموم الاذن في وطء المملوكة ولا حرمة لحمل الزنا، فحمل الرواية على الوطء المباح، وهو ضعيف لعموم قوله تعالى " واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن "(١) وفي غزاة أو طاس(٢) أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه: لا يوطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة(٣) .

والقول الاول فيه ايضا نظر، لانه حمل الرواية على الزنا واستشكل في غيره، وهو صنفان، علم الاباحة، وعدم العلم بحال الحمل، وفي الثاني يقوى جواز الوطء كما اختاره في الوجه الثاني، أما أولا فلما ذكره من أصالة عدم إذن المولى، وأما ثانيا فلما في المنع من معارضة جواز الانتفاع بالملك الا مع تعين سبب المنع، وليس، ولعموم قوله تعالى " واحل لكم ماوراء ذلكم "(٤) وقوله تعالى " فانكحوا ما طاب لكم من النساء "(٥) .وعلى تقدير علم الاباحة قيام الدليل على التحريم حتى الوضع ظاهر، فلا معنى للتوقف على هذا التقدير.واعلم أن قول الثاني هو فتوى ابن ادريس وهو مذهب الشيخ في الخلاف(٧) .

____________________ ____

(١) الطلاق: ٤

(٢) اوطاس واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببنى هوازن ويؤمئذ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :حمى الوطيس وذلك حين استعرت الحرب، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قاله (معجم البلدان ج١)

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب التجارة ص ٢٨٨ الحديث ١١٢ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) النساء: ٢٤.

(٥) النساء: ٣.

(٦) السرائر: كتاب النكاح، باب السراري وملك الايمان، ص ٣١٥ س ٦ قال: ومتى اشترى رجل جارية حاملة كره له وطؤها في القبل دون أن يكون ذلك محظورا الخ.

(٧) الخلاف: كتاب العدة، مسألة ٤٦ قال: اذا اشترى امة حاملا كره له وطؤها الخ.

٤٥٦

الرابعة: يكره التفرقة بين الاطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا.وحده سبع سنين، وقيل: أن يستغنى عن الرضاع، ومنهم من حرم.

قال طاب ثراه: ويكره التفرقة بين الاطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا، وحده سبع سنين وقيل: أن يستغني عن الرضاع، ومنهم من حرم.

أقول: هنا مسألتان: الاولى: هل التفرقة مكروهة أو محرمة؟ بالاول قال الشيخ في باب العتق من النهاية(١) وتبعه ابن ادريس(٢) والمصنف(٣) والعلامة(٥) وبالثاني قال في باب بيع الحيوان من النهاية(٥) وبه قال المفيد(٦) والتقي(٧) وسلار(٨) وابوعلي(٩) وطرد الحكم إلى من يقوم مقامه في الشفعة كالاخوين.

____________________

(١) النهاية: باب العتق واحكامه ص ٥٤٦ س ٤ قال: ويكره أن يفرق بين ولد وبين أمه الخ.

(٢) السرائر: باب ابتياع الحيوان ص ٢٣٩ س ١٥ قال: ويكره التفرقة بين الاطفال وامهاتهم اذا ملكوا الخ.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ١٦ قا ل: مسألة للشيخ في النهاية قولان في التفرقة بين الاطفال إلى أن قال: والاقرب تغليظ الكراهة.

(٥) النهاية: باب ابتياع الحيوان ص ٤١٠ س ٦ قال: ولا يجوز التفرقة بين الاطفال وامهاتهم اذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن.

(٦) المقنعة: باب ابتياع الحيوانات ص ٩٣ س ١٦ قال: ولا يجوز التفرقة بين الاطفال وامهاتهم اذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن.

(٧) لم أعثر عليه في الكافي، والظاهر انه اشتباه والصحيح القاضي ابن البراج، ذلك لان إعتماد المصنفقدس‌سره غالبا على المختلف وما نقل فيه عن التقي في ذلك شيئا بل قال ما لفظه: وممن قال بالاول أي عدم الجواز ابوعلي بن الجنيد وشيخنا المفيد وابن البراج الخ فلاحظ المهذب: ج ١، كتاب الجهاد، باب الاسارى ص ٣١٨ س ٢ قال واذا سبيت المرأة ولدها لم يجز للامام أن يفرق بينهما الخ.

(٨) المراسم: ذكر الشرط الخاص في البيع والمبيع ص ١٧٧ س ٥ قا ل: ولا يفرق بين الاطفال وامهاتهم في البيع الخ.

(٩) تقدم نقله عن المختلف.

٤٥٧

احتج الاولون: بالاصل وبقولهعليه‌السلام : الناس مسلطون على أموالهم(١) .

احتج المحرمون بحسنة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: اتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم، فباعوا جارية من السبي كانت امها معهم، فلما قدموا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمع بكاها فقال: ما هذه؟ قالوا: يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها واتي بها وقال: بيعوهما أو أمسكوهما(٢) وبحسنة هشام بن الحكم عن الصادقعليه‌السلام قال: إشتريت له جارية من الكوفة قال: فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت: يا اماه فقال لها ابوعبداللهعليه‌السلام ألك ام؟ قالت: نعم فأمربها فردت وقال: ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره(٣) وعن سماعة قال: سألته عن مملوكين أخوين هل يفرق بينهما، وعن المرأة وولدها؟ قال: لا، هو حرام.إلا أن يريدوا ذلك(٤) .

الثانية: في الغاية التي يزول معها تحريم التفرقة أو كراهتها.

فنقول: الخلاف هنا مبني على الخلاف في مدة الحضانة، و إبن الجنيد جعلها سبع سنين في الذكر والانثى(٥) والشيخ في النهاية جعلها مدة الحولين في الذكر

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٢٢ الحديث ٩٩ وص ٤٥٧ الحديث ١٩٨ ج ٢ ص ١٣٨ الحديث ٣٨٣ وج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩ ولا حظ ما علق عليه.

(٢) الفروع: ج ٥، كتاب المعيشة، باب التفرقة بين ذوي الارحام من المماليك ص ٢١٨ الحديث ١

(٣) المصدر نفسه ص ٢١٩ الحديث ٣

(٤) المصدر نفسه ص ٢١٨ الحديث ٢.

(٥) المختلف: في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٢٨ قال: وقال ابن الجنيد: الام أحق بالصبي إلى سبع سنين إلى أن قال: وأما البنت أولى بها مالم تتزوج الام.

٤٥٨

الخامسة: اذا وطأ المشتري الامة ثم بان إستحقاقها إنتزعها المستحق، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيبا، والعشر ان كانت بكرا.

وقيل: يلزمه مهر امثالها، وعليه قيمة الولد يوم سقط حيا، ويرجع بالثمن وقيمة وسبعا في الانثى(١) وتبعه القاضي في الكامل(٢) وابن حمزة(٣) وابن ادريس(٤) .والمفيد جعلها مدة الحولين في الذكر وتسعا في الانثى(٥) وتبعه سلار(٦) ، والقاضي في المهذب جعلها في الذكر إلى سبع وفي الانثى إلى تسع(٧) والصدوق في المقنع قال: الام أحق به مالم تتزوج(٨) ، ولم يفصل بين الذكر والانثى.

قال طاب ثراه: واذا وطأ المشتري الامة ثم بان استحقاقها انتزعها المستحق، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيبا والعشر إن كانت بكرا.وقيل: يلزمه مهر أمثالها.

____________________

(١)النهاية: باب الولادة والعقيقة، ص ٥٠٣ س ١٩: قال: والام أولى بالولد من الاب مدة الرضاع، الخ.

(٢) المختلف: في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٣٩ قال: وابن البراج في الكامل تبع شيخنا في النهاية.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان من له حظ في الحضانة ومن هو أولى بها، ص ٢٨٨ س ٥ قال: فالام أولى بالابن حتى يفطم والبنت حتى تبلغ سبع سنين الخ.

(٤) السرائر: كتاب النكاح: باب أحكام الولادة، ص ٣١٩ س ٤ قال: وأحق به مدة حولين إلى أن قال: فان كان الولد انثى فالام أحق بها إلى سنتين (هكذا) مالم يزوج الام الخ.

(٥) المقنعة: باب الحكم في أولاد المطلقات، ص ٨٢ س ١٦ قال: فاذا فصل الصبي من الرضاع كان الاب أحق بكفالته من الام والام احق بكفالة البنت حتى تبلغ تسع سنين الخ.

(٦) المراسم: ذكر ما يلزم به، ص ١٦٤ س ١٣ قال: فالذكر: الاب أحق بكفالته من الام، والانثى: الام احق بكفالة حتى تبلغ تسع سنين الخ.

(٧) المهذب: ج ٢ باب احكام الولادة والعقيقة ص ٢٦٢ س ٧ قال: واذا كان الولد ذكر فوالدته أحق به من أبيه مدة الرضاع إلى أن قال: واذا كان انثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين الخ.

(٨) المختلف: في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٢٨ قا ل: وقال الصدوق في المقنع: اذا طلق الرجل زوجته وبينهما ولد فالمرأة أحق بالولد مالم تتزوج، ما لم اعثر عليه في المقنع.

٤٥٩

الولد على البائع، وفي رجوعه بالعقر قولان: أشبههما الرجوع.

السادسة: يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم، وان كان للامام بعضه أو كله.

أقول: وجوب مهر المثل قول الشيخ(١) وابن ادريس(٢) قال: وذهب بعض أصحابنا إلى أن عليها نصف عشر قيمتها مع الثيبوبة، والعشر مع البكارة.

قال طاب ثراه: وفي رجوعه بالعقر قولان: أقول: ذهب ابن ادريس إلى عدم رجوعه بالعقر، وهو عوض البضع، لحصول عوض في مقابلته، وهو الوطء، وهو بناء على ان المغرور انما يرجع على الغار بمالم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة وقيمة الولد والعمارة، وأما ما حصل في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى فلا(٣) وذهب العلامة في كتبه إلى الرجوع بالجميع لمكان الغرور(٤) .

قال طاب ثراه: ويجوز ابتياع مايسبيه الظالم، وإن كان للامام بعضه أو كله.

أقول: ما يسبيه الظالم في حال الغيبة يكون باجمعه للامامعليه‌السلام ، وقد أباحوا ذلك لشيعتهم على ما عرفته في باب الخمس، فهذا تصوير ما يكون للامام

____________________

(١) المبسوط: ج ٣، كتب الغضب ص ٦٦ س ٣ قال: فان كانت ثينا فال شئ عليه سوى المهر الخ.

(٢) السرائر: با ب العقد على الاماء‌و العبيد ص ٣٠٥ س ١٨ قال: وقد روي أن عليه لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت الخ.

(٣) السرائر: باب ابتياع الحيوان، ص ٢٣٩ س ١٩ قال: ومتى اشترى جارية فأولدها فظهر أنها كانت مغضوبة، إلى أن قال، وليس له أن يرجع عليه بما غرمة عن وطيها لانه حصل له بدلا منه انتفاع.ولذة واستمتاع الخ.

(٤) المختلف: في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٧ قال: نعم له المطالبة بثمنه وحينئذ المشتري على البائع بقيمته.وفي التذكرة: ج ١ في أحكام البيع الفاسد ص ٤٩٦ س ١٩ قال: وأما اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقه يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لانه غرة الخ.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579