المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع13%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117335 / تحميل: 7177
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

ولو كان مأذونا في التجارة.فاستدان لم يلزم المولى، وهل يسعى العبد فيه؟ قيل: نعم، وقيل: يتبع به إذا أعتق، وهو الاشبه.للعبد لمصالحه.فان قيل: الدين المأذون فيه إذا صرفه العبد إلى مصالحه كان لازما للمولى، قلنا: نمنع أن مجموع مصالح العبد لازمة للمولى، وانما يلزمه المعروف من النفقة، والاستدانة لذلك القدر منها ليس موضع النزاع على ما بيناه(١) .

قال طاب ثراه: ولو كان مأذونا في التجارة، فاستدان لم يلزم المولى، وهل يسعى العبد فيه؟ قيل: نعم، وقيل: يتبع به إذا أعتق، وهو الاشبه.

أقول: إذا اذن السيد لعبده في التجارة دون الاستدانة، فاستدان، قال في النهاية يستسعى به معجلا(٢) وقال في المبسوط: إنما يسعى به بعد العتق(٣) وبه قال التقي(٤) وابن إدريس(٥) واختاره المصنف(٦) .واحتج الشيخ على الاول بصحيحة ابي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يأذن لمملوكه في التجارة، فيصير عليه دين، قال: إن كان أذن له ان يستدين فالدين على مولاه، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شئ على المولى،

____________________

(١) المختلف: كتاب الديون ص ١٣٦ س ٢٣ قا ل: وقول ابن ادريس: اذا أذن للعبد في الاستدانة إلى أن قال: خطأ فاحش، فان التقدير أن الدين للعبد لا للمولى الخ.

(٢) هكذا في النسخ المخطوطة التي عندي وليس في المختلف ولا في النهاية كلمة " مهجلا " لا حظ النهاية: كتاب الديون باب المملوك يقع عليه الدين ص ٣١١ س ٩ قال: وان كان مأذونا في التجارة ولم يكن مأذونا في الاستدانة الخ.

(٣) المبسوط: ج ٢ فصل في العبد، ص ١٦٤ س ١٦ قا ل: وان لم يكن أذن في الاستدانة كان ذلك في ذمة العبد الخ.

(٤) المهذب: ج ٢ باب العتق واحكامه ص ٣٦١ س ٢٠ قال: واذا مات العبد وعليه دين نظر فان كان سيدة أذن في الخ.

(٥) السرائر: كتاب الديون، باب الملوك يقع عليه الدين ص ١٦٨ س ٢٣ قا ل: إن العبد المأذون له في التجارة لا يستسعي في قضاء الدين، بل يتبع به اذا لحقه العتاق.

(٦) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٤٨١

(القسم الثاني) في القرض

وفيه أجر ينشأ من معونة المحتاج تطوعا.ويجب الاقتصار على العوض، ولو شرط النفع ولو زيادة في الصفة حرم، نعم لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم.ويقترض الذهب والفضة وزنا، والحبوب كالحنطة والشعير كيلا ووزنا، والخبز وزنا وعددا.ويملك الشئ المقترض بالقبض، ولا يلزم إشتراط الاجل فيه، ولا يتأجل الدين الحال مهرا كان أو غيره، فلو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاء‌ه وعزله عند وفاته موصيا به.ولو لم يعرفه إجتهد في طلبه، ومع اليأس قيل: يتصدق به عنه.فيستسعي العبد في الدين(١) ولان السيد غرالناس بالاذن له في التجارة.

واحتج الاخرون بأن السعي مملوك للسيد، فلا يجوز صرفه فيما لم يأذن فيه، لضرره به، وقالعليه‌السلام : لا ضرر ولا ضرار(٢) ولان المدين فرط بحقه.

وفصل العلامة فقال: إن كان إستدان لمصلحة التجارة وضرورياتها، لزم، وإن لم يكن لمصلحتها لم يلزمه شئ، وتبع به بعد العتق.

قال طاب ثراه: ومع اليأس قيل: يتصدق به عنه.

أقول: قال الشيخ في النهاية: يجتهد المديون في طلب الوارث، فان لم يظفر به تصدق به(٣) وتبعه القاضي(٤) وقال ابن ادريس: يدفعه إلى الحاكم إذا لم يعلم له

____________________

(١) التهذيب ج ٦(٨١) باب الديون وأحكامها ص ٢٠٠ الحديث ٧.

(٢) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٢٠ الحديث ٩٣ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) النهاية: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ص ٣٠٧ س ١٤ قال: فان لم يعرف له وارثا اجتهد في طلبه، فان لم يظفر به تصدق به عنه.

(٤) المختلف: كتاب الديون ص ١٣٣ س ٢٩ بعد نقل قول الشيخ: وتبعه ابن البراج.

٤٨٢

ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض.ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم وقبض ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقه.ولو أسلم الذمي قبل بيعه، قيل: يتولاه غيره، وهو ضعيف.وارثا، فان قطع عليه أنه لا وارث له كان لامام المسلمين، لانه يستحق ميراث من لا وار ث له(١) وقال العلامة: إن لم يعلم إنتفاء الوارث وجب حفظه، لانه مال معصوم، فيجب حفظه على مالكه كغيره من الاموال، فإن آيس من وجوده والظفر به أمكن أن يتصدق به وينوي القضاء عند الظفر بالوارث، لئلا يتعطل المال، اذ لا يجوز التصرف‌فيه، ولا يمكن إيصاله إلى مستحقه(٢) .وفي قوله " لا يجوز التصرف فيه " نظر، لعدم تعيين الدين الا بقبض المستحق له، بل لو قال: لاحتياجه إلى تفريغ ذمته - وهو غير متمكن من إيصاله إلى مستحقه، فشرع له التصدق به كاللقطة - كان أحسن.

قال طاب ثراه: ولو أسلم الذمي قبل بيعه، قيل: يتولاه غيره، وهو ضعيف.

أقول: القائل بذلك الشيخ في النهاية(٣) ومنع منه القاضي(٤) وابن ادريس(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة(٧) .

____________________

(١) السرائر: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ٧ ص ١٦٣ س ١٥ قال: فان لم يجده يدفعه إلى الحاكم، فان قطع على انه لا وارث له كان لامام المسلمين.

(٢) المختلف: كتاب الديون ص ١٣٣ س ٣٠ قال: والمعتمد أن نقول: ان لم يعلم انتفاء الوارث وجب حفظه الخ.

(٣) النهاية: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ص ٣٠٧ س ٢١ قال: ومن شاهد مدينا له قد باع ما يحل تملكه للمسلمين من خمر وخنزير وغير ذلك الخ.

(٤) لم أظفر عليه.

(٥) السرائر: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت، ص ١٦٥ س ٣ قال: ومن شاهد مدينا قد باع مالا يحل تملكه للمسلمين من خمر أولحم خنزير وغير ذلك واخذ ثمنه الخ.

(٦) لا حظ عبارة المختصر النافع

(٧) المختلف: كتاب الديون، ص ١٣٥ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس: وهذا لا طائل تحته فان قصد الشيخ أهل الذمة الخ.

٤٨٣

ولو كان لاثنين ديون فاقتسماها، فما حصل لهما، وما توى(١) منهما.ولو بيع الدين بأقل منه لم يلزم الغريم أن يدفع اليه اكثر مما دفع، على تردد.احتج الشيخ بما رواه يونس، إلى قوله: قال: واذا أسلم رجل وله خمر وخنازير ثم مات وهي في ملكه وعليه دين، قال: يبيع ديانه أو ولي له غير مسلم خنازيره وخمره، فيقضي دينه، وليس له أن يبيعه وهو حي ولا يمسكه(٢) .احتج الاخرون بأن المسلم لايملك ذلك، ولا يجوز له بيعه مباشرة، فلا يجوز تسبيبا.وأجابوا عن الرواية بانها مقطوعة أولا، وبقبول الاحتمال ثانيا إذ من الجائز أن يكون الورثة كفارا فلهم بيع الخمر وقضاء دين الميت منه، ولهذا حرم عليه بيعه وإمساكه في حياته.

قال طاب ثراه: ولو بيع الدين بأقل منه، لم يلزم الغريم أن يدفع أكثر مما دفع، على تردد.

أقول: هذه المسألة من المعارك التي قد تشبه على المحصلين.وتوضيحها يستدعي بيان تصورها قبل البحث منها بتوطئة مقدمة.

فنقول: الدين أمر كلي في الذمة غير مشخص، وإنما تشخيصه بتعيين المديون مع قبض المستحق له، أو الحاكم مع إمتناعه، أو صاحب الدين مع إلطاط(٣) المديون،

____________________

(١) والتوى مقصور ويمد هلاك المال، يقال: توي المال بالكسر توى وتواء هلك (مجمع البحرين لغة توا).

(٢) التهذيب: ج ٧(٩) باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة، ص ١٣٨ قطعة من حديث ٨٣.

(٣) لط لطأ، الباب أغلقه، والشئ ستره أرخاه (المنجد لغة لط) والمراد إنكار المديون أو مماطلته.

٤٨٤

قصاصا، ولا يتعين بغير ذلك.وقد يكون من أحد النقدين، وقد يكون متاعا غيرهما، ربويا وغير ربوي.

فان كان من أحد النقدين وبيع بمثله، أو بالنقد الاخر اشترط التقابض في المجلس مع التساوي في القدر إن اتحد الجنس، وليس موضوع المسألة.وإن كان من غيرهما وكان الثمن والمثمن ربوبين اشترط تساويهما، وليس موضوع المسألة أيضا.فبقي أن يكون من غيرهما كثوب أو شاة، فاذا كان يساوي عشرة فباعه بدرهم، أو قدرا من النقد كعشرة دراهم فباعها بعوض يساوي درهما، فهذا موضوع المسألة فهل يجب على البايع أن يدفع إلى المشتري مجموع الدين، لانه الذي وقع عليه عقد الابتياع، وهو صحيح شرعي فيترتب أثره عليه؟ أم لا يجب أن تدفع إلا بقدر ما يساوي ما نقد المشتري من الثمن؟ فيه قولان: أحدهما قول الشيخ في النهاية: لم يلزم المدين أكثر مما وزن المشتري(١) وتبعه القاضي(٢) .والاخر قول ابن إدريس(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) وعليه المتأخرون وهو وجوب دفع مجموع الدين إلى المشتري، لوقوع عقده عليه وانتقاله اليه فلا يتوقف على إذن البائع.واعلم أن كلام الشيخ قد تضمن حكمين:

____________________

(١) النهاية: باب بيع الديون والارزق، ص ٣١١ س ٣ قال: ومن باع الدين بأقل مما له الدين لم يلزم المدين أكثر مما وزن المشتري من المال.

(٢) و(٥) المختلف: كتاب الديون، ص ١٣٣ س ١ قال بعد نقل قول الشيخ: وتبعه ابن البراج على ذلك ثم بعد نقل قول ابن ادريس واعتراضه الشديد عليه والذب عن الشيخ بما مزيد عليه، اختار قول الشيخ بقوله: وهل منع احد من المسلمين الخ.

(٣) السرائر كتاب الديون، ص ١٦٤ س ٢٢ قال: قال محمد بن ادريس: إن كان البيع للدين صحيحا ماضيا لزم المدين ان يؤدي جميع الدين المشتري، وان كان قد اشتراه باقل قليل الخ.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٤٨٥

(أ) جواز بيع الدين بأقل منه، ولا ريب فيه.

(ب) عدم لزوم المديون اكثر مما وزنه المشتري، وهذا موضع الاشكال وتعويل الشيخ فيه على رواية محمد بن الفضيل قال: قلت للرضاعليه‌السلام : رجل ابتاع دينا على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له: إدفع إلي مالفلان عليك فقد اشتريته منه، فقال: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين وبرأ الذي عليه المال من جميع مابقي عليه(١) .ورواية أبي حمزة عن الباقرعليه‌السلام قال: سئل عن رجل كان له على رجل دين فجاء‌ه رجل فاشترى منه بعوض، ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقا له: أعطني مالفلان عليك فاني قد اشتريته منه: فيكف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : يرد على الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشتراه من الرجل الذي عليه الدين(٢) .ولا تعارض لهما من الروايات، بل انما حصل المعارض من الاصول المقررة، وهو أن البيع إذا كان صحيحا وجب إنتقال المبيع إلى المشتري، فلابد من محمل للروايتين، ويحملان على وجهين:

(أ) الضمان، ويكون إطلاق البيع عليه والشراء بنوع من المجاز، إذا الضامن اذا أدى عن المضمون عنه باذنه عوضا من الدين كان له المطالبة بأقل الامرين، ولهذا كان له الرجوع بما وزن خاصه لما كان أقل من الدين.فان قلت: لا إشعار في الرواية بكون الضمان حصل باذن المضمون عنه، قلنا: ولا اشعار فيهابان ذلك وقع بغير اذنه، فالحمل على ذلك غير مناف، وانما اطلق لفظ البيع على الضمان لانه نوع من المعاوضة.

____________________

(١) التهذيب: ج ٦(٨١) باب الديون وأحكامها ص ١٩١ الحديث ٣٥ وفيه (اشترى دينا).

(٢) التهذيب: ج ٦(٨١) باب الديون وأحكامها، ص ١٨٩ الحديث ٢٦

٤٨٦

(خاتمة)

أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع.وكذا أجرة بائع الامتعة وأجرة الناقد ووزان الثمن على المشتري وكذا أجره مشتري الامتعة.ولو تبرع الواسطة لم يستحق أجرة.واذا جمع بين الابتياع والبيع فاجرة كل عمل على الآمر به، ولا يجمع بينهما لواحد.

(ب) وقوع البيع فاسدا، فيجب على المديون دفع ما تساوي مال المشتري بالاذن الصادر من صاحب الدين ويبرأ من المشتري لامن البائع، فيجب دفع ما بقي من الدين إلى البائع.فهذان المحملان يمكن صرف الرواية الثانية اليهما، وتنزيل كلام الشيخ عليهما.أما الرواية الاولى فلا يتمشى إلا على التنزيل الاول، ولا يتمشى على الثاني لتصريحه فيها ببراء‌ة المديون من جميع ما عليه، ولا يمكن ذلك في البيع الفاسد.

فرع: لو تعذر القبض من المديون

لو تعذر القبض من المديون بافلاسه أو هربه، أو غير ذلك " كمطله أو موته مع جحود الوارث او بطله او غير ذلك"(١) كان للمشتري الرجوع على البائع بالثمن إن كان بيعا صحيحا.وإن كان ضامنا لم يرجع.

قال طاب ثراه: واذا جمع بين الابتياع والبيع فاجرة كل عمل على الآمر به، ولا يجمع بينهما لواحد.

أقول: من نصب نفسه للبيع كانت اجرة ما يبيعه على البائع، لانه وكيله.ومن

____________________

(١) بين القوسين غير موجود في نسخة (الف) المصححة، ولكنه موجود في نسخة (ب)

٤٨٧

ولا يضمن الدلال ما يتلف في يده مالم يفرط، ولو اختلفا في التفريط ولا بينة، فالقول قول الدلال مع يمينه، وكذا لو اختلفا في القيمة.نصب نفسه للشراء كانت اجرة ما يشتريه على المبتاع، وكل منهما يسمى دلالا.وإن كان ممن يبيع للناس ويشتري وهو السمسار فله اجرة ما يبيعه على الاخر بالبيع، واجرة ما يشتريه على الآمر بالشراء." ولا يجمع بينهما لواحد " أي لا يجمع لواحد بين الاجرتين بأخذهما من البائع والمشتري عن سلعة واحدة، بل يأخذ ممن يكون وكيلا له وعاقدا عنه.وفي بعض المصنفات الفقهية " ولا يجمع بينهما الواحد " وفي بعضها " ولا يتولاهما الواحد " أي لايتولي الواحد دلالتي البيع والشراء في سلعة واحدة.وذلك مبنى على مقدمات:

(أ) لا يجوز أخذ اجرتين على سلعة واحدة، لانه في الشراء مأمور بالسعي للمشتري وفي البيع للبائع، ولو سبق أحدهما بإستجاره صار العمل واجبا عليه، فلا يستحق عليه أجرا من الاجر.

(ب) لا يجوز أن يكون الواحد موجبا قابلا.

(ج) إن الوكيل يجب عليه مراعاة الاصلح لموكله ولا يكفي المصلحة فيجتهد في الزيادة للبائع وفي التسامح للمشتري، وذلك تناقض.

(د) إن الوكيل لا يجوز أن يشتري من نفسه، وكذا لا يجوز أن يبتاع من نفسه لمن وكله في الشراء الا مع الاعلام." وقيل: ليس المراد العقد، بل الدلالة، لان مجرد العقد لا يستأجر عليه غالبا وليس له اجرة في العادة.ولو جعل له جهلا على الطرفين استحق على كل واحد منهما ما جعل له، وكذا لواستاجره على ايقاع العقد مع اعلامهما، فانه يستحق الاجرة عليه(١) .

____________________

(١) ما بين الهلالين غير موجود في النسخة المصححة لكن موجود في نسخة (ب)

٤٨٨

كتاب الرهن وأركانه أربعة: الاول: في الرهن

وهو وثيقة لدين المرتهن.ولا بد فيه من الايجاب

كتاب الرهن

مقدمة

الرهن في اللغة، الثبات والدوام، والنعمة الراهنة الثابتة الدائمة.وقال رهنت الشئ فهو مرهون، ولا يقال أرهنت، ويقول العرب: أرهن في الشئ اذا غالى في سعره، وأرهن ابنه اذا خاطر به وجعله رهينة(١) .وفي الشرع: مال جعل وثيقة لدين المرتهن يستوفى منه.وهو جائز بالكتاب والسنة والاجماع.أما الكتاب فقوله تعالى (فرهان مقبوضة)(٢) وأما السنة فمثل ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه(٣) وعنهعليه‌السلام :

____________________

(١) الرهن في السلعة، غالى بها، وتراهن القوم خاطروا (المنجد لغة رهن).

(٢) البقرة: ٢٨٣.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الرهن ص ٢٣٤ الحديث ١ ولا حظ ما علق عليه

٤٨٩

والقبول.وهل يشترط الاقباض؟ الاظهر: نعم.الرهن محلوب، ومركوب(١) وعن جعفر عن أبيه عن ابائهعليهم‌السلام : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رهن درعه عند أبي السحمة اليهودي على شعير أخذه لاهله(٢) .

وقيل: سبب عدوله عن القرض من أصحابه إلى يهوي؟ لئلا يلزمه منه بالابراء، فإنه لم يأمن أن أستقرض من بعضهم ان يبرئه من ذلك.و " تغلق الرهن " بالتاء المفتوحة والغين المعجمة، يقال: غلق الرهن غلقا، أي إستحقه المرتهن، وذلك إذا لم يفك في الوقت المشروط قاله صاحب الصحاح(٣) ، والاصل فيه: أن في الجاهلية كان الرجل يرهن عند الرجل الشئ على دينه إلى أمد، فاذا لم يأت صاحب الرهن بالحق كان الرهن لصاحب الدين وجاء الاسلام بتحريم ذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه، الحديث.ومعنى قولهعليه‌السلام " له غنمه " أي فائدته ونماؤه " وعليه غرمه " أي تلفه ونقصانه ومؤنته، وذلك لانه ملكه، وهو من توابع الملك ولم ينتقل منه إلى المرتهن.وأما الاجماع فمن ساير المسلمين على جواز الرهن.قال طاب ثراه: هل يشترط الاقباض؟ الاشهر نعم.

أقول: قال الشيخ في النهاية: باشتراط القبض في لزوم الرهن(٤) وبه قال

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الرهن ص ٢٣٤ الحديث ٢ وتمام الحديث " وعلى الذي يحلب ويركب النفقة " ولا حظ ما علق عليه

(٢) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الرهن ص ٢٣٤ الحديث ٣ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) الصحاح: ج ٤ وفيه " غلق الرهن غلقا، أى استحقه المرتهن وذلك اذا لم تفتكك في الوقت المشروط ".

(٤) النهاية: باب الرهون أحكامها ص ٤٣١ س ٣ قال: ولا يدخل الشئ في أن يكون رهنا الا بعد قبض المرتهن له

٤٩٠

المفيد(١) والقاضي(٢) والتقي(٣) وابن حمزة(٤) وأبوعلى(٥) واختاره المصنف(٦) .وقال في الخلاف: يلزم الرهن بالايجاب والقبول(٧) وبه قال ابن ادريس(٨) واختاره العلامة(٩) .احتج الاولون بقوله تعالى " فرهان مقبوضة"(١٠) .وبما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال: لا رهن إلا مقبوضا(١١) .

واحتج الاخرون بأصالة عدم الاشتراط، وبقوله تعالى " أوفوا بالعقود "(١٢) وبقوله تعالى " فرهان مقبوضة " دلت هذه الاية على كون القبض ليس شرطا في صحة الرهن، لانه لو كان شرطا كالايجاب والقبو ل كان قوله " مقبوضة " تكرارا لا حاجة اليه، وكما لا يحسن أن نقول مقبولة، كذا لا يحسن أن نقول مقبوضة، ولان

____________________

(١) المقنعة: باب الرهون، ص ٩٦ س قال: ولا يصح الارتهان الا بالقبض

(٢) المهذب: ج ٢ كتاب الرهن، ص ٤٦ س ١٢ قال: لان بالايجاب والقبول اوجب قبض الرهن الخ.

(٣) الكافي: فصل في أحكام الرهن ص ٣٣٤ س ٢ قال: تفتقر صحة الرتهان إلى قبض الرهن الخ.

(٤) الوسيلة: فصل في بيان حكم الرهن ص ٢٦٥ س ٢ قال: الرهن لفا يصح بثلاثة شروط، بالايجاب والقبول والقبض.

(٥) المختلف: في الرهن ص ١٣٨ س ٢٧ قال فقال للشيخ في النهاية انه شرط، وبه قال: ابن الجنيد.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٧) الخلاف: كتاب الرهن، مسألة ٥ قال: يلزم الرهن بالايجاب والقبول.

(٨) السرائر: باب الرهون وأحكامها ص ٢٥٨ س ٢٩ قال: فاما القبض إلى أن قال: وقال الاكثرون المحصلون منهم يلزم بالايجاب والقبول، وهذا هو الصحيح.

(٩) المختلف: في الرهن ص ١٣٨ س ٣٠ قال: والمعتمد قوله في الخلاف.

(١٠) البقرة: ٢٨٣.

(١١) التهذيب: ج ٧(١٥) باب الرهون، ص ١٧٦ الحديث ٣٦.

(١٢) المائدة ١.

٤٩١

ومن شرطه أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه، ويصح بيعه منفردا كان أو مشاعا.ولو رهن مالا يملك وقف على إجازة المالك، ولو كان يملك بعضه مضى في ملكه.وهو لازم من جهة الراهن، ولو شرطه مبيعا عند الاجل، لم يصح.ولا يدخل حمل الدابة، ولا ثمرة النخيل والشجر في الدهن، نعم لو تجدد بعد الارتهان دخل.وفائدة الرهن للراهن.ولو رهن رهنين بدينين ثم أدى عن أحدهما لم يجز إمساكه بالآخر ولو كان دينان وبأحدهما رهن لم ميجز امساكه بهما، ولم يدخل زرع الارض في الرهن سابقا كان أو متجددا.

الثاني: في الحق

ويشترط ثبوته في الذمة مالا كان أو منعفة.ولو رهن على مال ثم استدان آخر فجعله عليهما صح.

الثالث: في الراهن

ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف، وللولي أن يرهن لمصلحة المولى عليه.

وليس للراهن التصرف في الرهن باجارة، ولا سكنى، ولا وطء، لانه تعريض للابطال، وفيه رواية بالجواز مهجورة الاية سيقت لبيان الارشاد إلى حفظ المال، وذلك إنما يتم بالاقباض كما لايتم الا بالارتهان، فالاحتياط يقتضي القبض، كما أنه يقتضي الرهن، ولما كان الرهن ليس شرطا في صحة الدين.فكذا القبض ليس شرطا في صحة الرهن، والرواية ضعيفة السند، مع إشتمالها على إضمار لابد منه فليضمر الاحتياط.

قال طاب ثراه: وليس للراهن التصرف في الرهن بإجارة، ولا سكنى، ولا وطء، لانه تعريض للابطال وفيه رواية بالجواز مهجورة.

٤٩٢

أقول: المشهور أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن، للخبر(١) ولان الرهن بالنسبة إلى المرتهن أمانة ولا يجوز التصرف في الامانات.ومنع الراهن؟ ليكون أدعى له إلى تخليص الرهن ومسارعة إنفكاكه، فيكون أتم في الوثيقة.وفي رواية يجوز له التصرف بالوطء، وهي مارواه محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يرهن خادمه، أيحل له أن يطأها؟ قال: إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها، قلت: أرأيت إن قدر عليها خاليا ولم يعلم الذين ارتهنوها، قال: نعم ولا أرى لهذا بأسا(٢) .اذا عرفت هذا، فلو وطأ، فان لم تحبل لم يبطل الرهن قطعا، وإن حبلت هل يبطل أم لا؟ قال في المبسوط: لايبطل(٣) لانها مملوكه سواء كان موسرا أم معسرا وبه قال ابن إدريس(٤) واختاره العلامة(٥) لان حق الارتهان أسبق من حق الاحبال فلا يوثر في إبطاله تعدى الراهن به، وقال في الخلاف: إن كان موسرا الزم قيمة الرهن من غيرها لحرمة ولدها، يكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا كان الرهن باقيا وجاز بيعها فيه(٦) .وكذا لو كان الوطء بإذن المرتهن لم يكن بينه وبين عدم الاذن فرقا إلا في التعزير، فيعزر في الاول مع عدم الشبهة دون الثاني، وتصير ام ولد.

____________________

(١) لا حظ التذكرة: ج ٢ الفصل الثالث في منع المتراهين من التصرفات، ص ٢٧.

(٢) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب الرهن، ص ٢٣٥ الحديث ١٥ وص ٢٣٧ الحديث ٢٠.

(٣) المبسوط: ج ٢ كتاب الرهن ص ٢٠٥ س ٢٠ قال: وان ظهربها حمل، إلى أن قال: ولا يخرج الجارية عندنا من الرهن.

(٤) السرائر: باب الرهون ص ٢٥٩ س ٢ قال: ولا يجوز للراهن ولا للموتهن وطؤ الجارية المرهونة إلى أن قال:: ولا يخرج من كونها رهنا.

(٥) المختلف: في الرهن، ص ١٣٨ س ٣٧ قال: بعد نقل قول المبسوط: وهو الاقوى.

(٦) الخلاف: كتاب الرهن، مسألة ١٩.

٤٩٣

ويحتمل ضعيفا بطلان الرهن في صورة الاذن، لان الغرض من الرهن الوثيقة، ولا وثيقة مع تسليط المالك على الوطء وغيره من التصرفات الموجبة للنقض فيكون كالاذن في البيع، لكن الاول أولى، وجزم العلامة في القواعد ببقاء الوثيقة(١) .وفي قول المصنف هنا " لانه تعريض للبطلان " إيماء إلى تحريم بيعها وخروجها عن الرهن.وفي قولنا: " صارت ام ولد ولا يبطل الرهن " فائدة، وتقريرها ان نقول: هذا الكلام يتضمن حكمين:

(أ) عدم بطلان الرهن، ووجهه سبق حق المرتهن على حق الاستيلاد فعلى هذا لو تعذر إستيفاء الدين بإفلاس الراهن أو شبهه، باعها المرتهن واستوفى حقه إن كان مستغرقا، وان لم يستغرق باع منها بقدر حقه وكان الباقى رقا لمالكها، فاذا مات إنعتقت أجمع وسعت فيما بيع منها.ويحتمل قويا تقويمها على ولدها إن كان له باقي نصيب.ويحتمل مطلقا ويلزمه فكها من ماله، وان كان فقيرا قيل: يسعى.

(ب) إنها ام ولد بالنسبة إلى الراهن، فيجب عليه أن يفكها من الرهن كيلا يباع مهما أمكنه ويمنع من التصرف فيها ببيع أوهبة أو رهن آخر عند المرتهن أو غيره.ولو ماطل حتى باعها المرتهن وكان موسرا وجب عليه أن يفكها بعد ذلك من المشتري ولو بأضعاف ثمنها، ولو بيعت لاعساره ثم أيسر لم يجب عليه الفك، فلو فكها فالاقرب صيرورتها ام ولد

تنبيه

واذ قد عرفت منع الراهن من التصرف، فاعلم أنه إنما يمنع من تصرف يخرجه

____________________

(١) القواعد: كتاب الدين، الفصل الثالث، في العاقد، ص ١٦٠ س ١٧: ولو أحبلها الراهن لم يبطل الرهن

٤٩٤

ولو باعه الراهن وقف على اجازة المرتهن.وفي وقوف العتق على اجازة المرتهن تردد، أشبهه الجواز.

الرابع: في المرتهن

ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف.ويجوز اشتراط الوكالة في الرهن، ولو عزل له لم ينعزل.وتبطل الوكالة عن الملك، أو ينقص ماليته وغير ذلك إن كان ينفع الرهن ولم يستضر به المرتهن، جازوالا فلا، فالذي لايمنع منه صور:

(أ) تأبير النخل فللمالك الاستقلال به، وليس للمرتهن منعه.

(ب) سقيه.

(ج) ختان العبد.

(د) فصاده(١) .

(ه‍) مداواته بدواء لا يكون مخوفا سميا، ولو امتنع من مداواته وكان في المداواة مصلحة لم يجبر، ولو أراد المرتهن المداواة، فان كان من خاصه من غير رجوع به على الراهن جاز والا فلا.

(و) له تزويج الجارية، لكن لايسلمها إلى الزوج الا بعد الفك، أو إذن المرتهن.

(ز) للزوج الخيار في فسخ النكاح مع منع المرتهن، إن لم يعلم كونها مرهونة.قال طاب ثراه: وفي وقوف العتق على إجازة المرتهن تردد، أشبهه، الجواز.

أقول: وجه الجواز كون العتق مبنيا على القهر والتغليب، وعليه عقد باب العتق بالسراية، وإنما منع من التصرف حق المرتهن وقد أجاز فيرتفع المانع، وهو مذهب

____________________

(١) أي فيما كانت المداوة بالفصد وفتح العروق

٤٩٥

بموت الموكل دون الرهانة.ويجوز للمرتهن إبتياع الرهن والمرتهن أحق من غيره باستيفاء دينه من الرهن، سواء كان الرهن حيا أو ميتا، وفي الميت رواية أخرى.الشيخ في النهاية(١) واختاره المصنف في الشرائع(٢) والعلامة في التحرير(٣) .ووجه البطلان عدم تأثير الاجازة في نفوذ العتق، لان هذا العتق لا يجوز الحكم بوقوعه منجزا من حين الاعتقاق، لتعلق حق المرتهن به، والاجازة اللاحقة ليست صيغة موجبة للعتق، ولا شرطا في وقوعه وتنفيذه، لان العتق لا يقع موقوفا، ولا يقبل التعليق، فيكون باطلا، وهو مذهب الشيخ في المبسوط(٤) .وأجيب بوقوعه مراعى، والاجازة كاشفة، فإن أجاز بنينا وقوع العتق من حينه، وإن لم يجز عرفنا بطلان العتق من رأس.

قال طاب ثراه: المرتهن أحق باستيفاء دينه من الرهن سواء كان الراهن حيا أو ميتا، وفي الميت رواية اخرى.

أقول: الرواية اشارة إلى ما رواه عبدالله بن الحكم قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم فمات، ولا يحيط ماله بما عليه من الديون؟ قال: يقسم جميع ما خلف من الرهون

____________________

(١) النهاية: باب الرهون وأحكامها، ص ٤٣٣ س ١٤ قال: وكذلك إن اعتق المملوك إلى أن قال فان أمضى المرتهن ما فعله الراهن كان ذلك جائزا ماضيا.

(٢) الشرائع: كتاب الرهن، السادس في اللواحق، قا ل: وفي صحة العتق مع الاجازة تردد، والوجه الجواز.

(٣) التحرير: كتاب الرهن، الفصل السادس في أحكام (ز) قال: ليس للراهن عتق الرهن فان فعل كان موقوفا على إجازة المرتهن.

(٤) المبسوط: كتاب الرهن ج ٢ ص ٢٠٠ س ٤ قال: واذا رهنه شيئا ثم تصرف فيه الراهن إلى أن قال أو أعتقه أو أصدقه لم يصح جميع ذلك ولا يكون ذلك فسخا للرهن الخ.

٤٩٦

ولو قصر الرهن عن الدين ضرب مع الغرماء بالفاضل.والرهن أمانة في يد المرتهن ولا يسقط بتلفه شئ من ماله مالم يتلف بتعد أو تفريط.وليس له التصرف فيه، ولو تصرف من غير اذن ضمن العين والاجرة.ولو كان الرهن دابة قام بمؤنتها وتقاصا، وفي رواية: الظهر يركب والدر يشرب وعلى الذى يركب ويشرب النفقة.وغيرها على ارباب الدين بالحصص(١) .وربما عضدها كون الحي له ذمة تتعلق بها ديون الباقين ويمكن وفاؤهم مع حياته، وبعد الموت يتعلق حقوق الديان باعيان التركة فيتساوى الجميع في تعلق حقوقهم باعيانها.والمشهور بين الاصحاب تقديم صاحب الرهن مطلقا تحقيقا للوثيقة وثبوت المزية له في الفرق بينه وبينهم في سبق تعلق حقه على الموت، وديونهم لم يتعلق باعيان التركة إلا بعد الوفاة، والرواية ضعيفة الطريق(٢) .

قال طاب ثراه: ولو كان الرهن دابة قام بمؤنتها وتقاصا.

وفي رواية: الظهر يركب والدر يشرب وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.

أقول: قال الشيخ في النهاية: إذا أنفق كان له الركوب واللبن بازاء نفقته، وإن لم ينتفع رجع على الراهن بما أنفق(٣) وقال التقى: يجوز للمرتهن اذا كان الرهن حيوانا فتكفل مؤنته إن ينتفع بظهره أو خدمته او صوفه او لبنه، وإن لم يتراضيا

____________________

(١) الفقيه: ج ٣(٩٥) باب الرهن، ص ١٩٦ الحديث ٧.

(٢) سند الحديث كما في الفقيه (وروى محمد بن حسان عن أبي عمران الارمني عن عبدالله بن الحكم).

(٣) النهاية: باب الرهون واحكامها ص ٤٣٥ س ٥ قال: وان انفق المرتهن عليها مان له ركوبها والانتفاع بها الخ

٤٩٧

ولا يحل شئ من ذلك من غير تكفل مؤنة ولا مراضاة، والاولى ان تصرف قيمة منافعه في مؤنته(١) وقال ابن ادريس: لا يجوز له التصرف بذلك لعموم منع الراهن والمرتهن من التصرف في الرهن، فان أنفق تبرعا فلا شئ له على الراهن وإن أنفق بشرط العود وأشهد على ذلك رجع بما انفق(٢) وقال المصنف: يقضى بالتقاص(٣) وقال العلامة: يقضى بالتقاص ويكون الفضل لصاحبه ولا يجوز الركوب من دون الاذن(٤) واشترط الشهيد في جواز الرجوع بالنفقة إذن المالك أو الحاكم، فان تعذر فالاشهاد(٥) ولم يشترط الباقون إذن الحاكم فهو أولى كاللقطة والوديعة، فان المرتهن يحب عليه الحفظ كالمستودع، ولا يتم الا بالانفاق، فيرجع به مع عدم التبرع، والقول قوله في ذلك، وأما الانتفاع فلا يجوز بالظهر الا مع الاذن من المالك، أو الحاكم مع تعذره.وأما اللبن فانه إذا ترك فسد وربما أدى إلى ضرر الحيوان، فيجوز الحلب، فان تمكن من المالك سلمه اليه، وإن تعذر جاز الانتفاع به بالقيمة العادلة، ولا يشترط إذن الحاكم لعموم الاذن بالانتفاع باللبن من غير تفصيل.

إحتج الشيخ برواية أبي ولاد قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام من الرجل يأخذ الدابة والبعير رهنا بملكه، أله أن يركبها؟ فقال: إن كان يعلفها فله أن يركبها،

____________________

(١) المختلف: في الرهن، ص ١٤٠ س ١٨ قال: وقال ابوالصلاح: يجوز للمرتهن اذا كان الرهن حيوانا الخ.

(٢) السرائر: باب الرهون وأحكامها، ص ٢٦٠ س ٢٨ قال: واذا كان عند انسان دابة إلى أن قال: وإن انفق الخ.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف: في الرهن، ص ١٤٠ س ٢٠ قال: والمعتمد ان نقول: اذا ركب المرتهن إلى أن قال وليس له الركوب للمنع الخ.

(٥) اللمعة: كتاب الرهن، في اللواحق، الثالثة، قال: ولو احتاج إلى مؤنه إلى أن قال: رفع أمره إلى الحاكم، فان تعذر أنفق هو بينة الرجوع واشهد عليه الخ.

٤٩٨

وللمرتهن استيفاء دينه من الرهن، إن خاف جحود الوارث.ولو اعترف بالرهن وادعى الدين ولا بينة، فالقول قول الوارث.وله إحلافه إن ادعى عليه العلم.ولو باع الرهن وقف على الاجازة.ولو كان وكيلا فباع بعد الحلول صح.ولو أذن الراهن في البيع قبل الحلول، لم يستوف دينه حتى يحل.ويلحق به مسائل النزاع، وهي أربع: الاولى: يضمن المرقهن قيمة الرهن يوم تلفه، وقيل: أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف.وإن كان الذي رهنها يعلفها فليس له أن يركبها(١) .فالحاصل أن في المسألة أربعة أقوال:

(أ) جواز الانتفاع وكون الانفاق بازائه، وهو قول الشيخ والتقي.

(ب) المنع من الانتفاع والرجوع بالانفاق مع النية والاشهاد، وهو قول ابن ادريس.

(ج) اشتراط اذن الحاكم في الرجوع، وهو قول الشهيد.

(د) المنع من التصرف والقضاء بالتقاص، وهو قول العلامة.

قال طاب ثراه: يضمن المرتهن قيمة الرهن يوم تلفه، وقيل: أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف.

أقول: اذا ثبت التفريط قيل: أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف.

أقول: اذا ثبت التفريط من المرتهن في الرهن، باقراره أو البينة ولزمه قيمته، ففي اعتباره أربعة أقوال:

(أ) يوم التلف، وهو مذهب الشيخين(٢) ووجهه أنه وقت استقرار الضمان

____________________

(١) الفقيه: ج ٣(٩٥) باب الرهن، ص ١٩٦ الحديث ٥.

(٢) المقنعة: باب الرهون، ص ٩٧ س ١ قال: واذا اختلف الراهن والمرتهن إلى أن قال: في قيمة الرهن في يوم هلك دون يوم قبضه.وفي النهاية: باب الرهون وأحكامها ص ٤٣١ س ٨ قال: ومتى هلك بتفريط من جهته إلى أن قال: كان ضامنا لثمن الرهن في وقت هلاكه.

٤٩٩

ولو اختلفا، فالقول قول الراهن، وقيل: القول قول المرتهن، وهو أشبه.وإنتقاله إلى ذمة المرتهن.

(ب) أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف نفله المصنف(١) .

(ج) أعلى القيم من يوم التلف إلى حكم الحاكم عليه بالقيمة، وهو مذهب أبي علي(٢) .

(د) أعلى القيم من حين التفريط إلى وقت التلف، وهو ظاهر العلامة في المختلف وهو أقرب لانه من حين التفريط كالغاصب.

قال طاب ثراه: ولو اختلفا فالقول قول الراهن، وقيل: القول قول المرتهن، وهو أشبه.

أقول: اذا اختلفا في قيمة الرهن اللازمة للمرتهن بسبب تفريطه او تعديه على الرهن، هل يكون القول قوله في ذلك مع يمينه، أو القول قول المالك؟ بالاول قال ابن ادريس(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة(٥) لانه منكر، وقالعليه‌السلام : اليمين على من أنكر(٧) ولاصالة براء‌ة ذمته من الزائد، واسقاط حكم عدالته،

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) و(٣) المختلف: في الرهن ص ١٣٩ س ٦ قال: وقال ابن الجنيد: فان تعدى المرتهن في الرهن و استهلكه لزمه أعلى قيته من يوم استهلاكه إلى يوم أن يحكم عليه بقيمته، إلى أن قال وجب هنا على المرتهن اعلى القيم من حين التفريط إلى وقت التلف.

(٤) السرائر: باب الرهون وأحكامها ص ٢٥٩ س ٢٨ قال: واذا اختلفا في مبلغ الرهن أو في مقدار قيمته إلى أن قال: فالقول قول المرتهن ايضا.

(٥) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف: في الرهن ص ١٣٩ س ٤ قال بعد نقل ابن ادريس: وهو الاقوى.

(٧) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٤٤ الحديث ١٧٢ وص ٤٥٣ الحديث ١٨٨ ج ٢ ص ٢٥٨ الحديث ١٠ وص ٣٤٥ الحديث ١١ وج ٣ ص ٥٢٣ الحديث ٢٢

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الصالحة هو الإيمان ومعرفة الله وتسبيحه وتنزيهه.

وقد فسّر البعض «التسبيح» هنا بمعنى (شكر النعمة) والتي من ملازماتها إعانة المحرومين ، وهذان التّفسيران لا يتنافيان مع بعضهما البعض ، وهما مجموعان في مفهوم الآية الكريمة.

لقد سبق تسبيحهم (الاعتراف بالذنب) ، ولعلّ هذا كان لرغبتهم في تنزيه الله تعالى عن كلّ ظلم بعيدا عمّا نزّل بجنّتهم من دمار وبلاء عظيم ، وكأنّ لسان حالهم يقول : ربّنا إنّنا كنّا نحن الظالمين لأنفسنا وللآخرين ، ولذا حقّ علينا مثل هذا العذاب ، وما أصابنا منك هو العدل والحكمة.

كما يلاحظ في قسم آخر من آيات القرآن الكريم ـ أيضا ـ أنّ التسبيح قبل الإقرار بالظلم ، حيث نقرأ ذلك في قصّة يونسعليه‌السلام عند ما أصبح في بطن الحوت ، وذلك قوله :( لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (١) .

والظلم بالنسبة لهذا النبي العظيم هو بمعنى ترك الأولى ، كما أوضحنا ذلك في تفسير هذه الآية.

إلّا أنّ المسألة لم تنته إلى هذا الحدّ ، حيث يقول تعالى :( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ) .

والملاحظ من منطوق الآية أنّ كلّ واحد منهم في الوقت الذي يعترف بذنبه ، فإنّه يلقي بأصل الذنب على عاتق الآخر ، ويوبّخه بشدّة ، وأنّه كان السبب الأساس فيما وصلوا إليه من نتيجة بائسة مؤلمة ، وكلّ منهم ـ أيضا ـ يؤكّد أنّه لم يكن غريبا عن الله والعدالة إلى هذا الحدّ.

نعم ، هكذا تكون عاقبة كلّ الظالمين عند ما يصبحون في قبضة العذاب الإلهي.

ومع الإقرار بالذنب فإنّ كلا منهم يحاول التنصّل ممّا لحق بهم ، ويسعى جاهدا

__________________

(١) الأنبياء ، الآية ٨٧.

٥٤١

لتحويل مسئولية البؤس والدمار على الآخرين.

ويحتمل أن يكون شعور كلّ منهم ـ أو غالبيتهم ـ بالأدوار المحدودة لهم فيما حصل ، هو الذي دفع كلا منهم للتخلّي عن مسئولية ما حصل ، وذلك كأن يقترح شخص شيئا ، ويؤيّده الآخر في هذا الاقتراح ، ويتبنّى ثالث هذا العمل ، ويظهر الرابع رضاه بسكوته ومن الواضح في مثل هذه الأحوال مساهمة الجميع في هذه الجريمة ومشاركتهم في الذنب.

ثمّ يضيف تعالى :( قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ ) .

لقد اعترفوا في المرحلة السابقة بالظلم ، وهنا اعترفوا بالطغيان ، والطغيان مرحلة أعلى من الظلم ، لأنّ الظالم يمكن أن يستجيب لأصل القانون إلّا أنّ غلبة هواه عليه يدفعه إلى الظلم ، أمّا الطاغي فإنّه يرفض القانون ويعلن تمرّده عليه ولا يعترف برسميّته.

ويحتمل أن يكون المقصود بالظلم هو : (ظلم النفس) ، والمقصود بالطغيان هو (التجاوز على حقوق الآخرين).

وممّا يجدر ملاحظته أنّ العرب تستعمل كلمة (ويس) عند ما يواجهون مكروها ويعبّرون عن انزعاجهم منه ، كما أنّهم يستعملون كلمة (ويح) أحيانا ، وأحيانا اخرى (ويل) وعادة يكون استعمال الكلمة الاولى في المصيبة البسيطة ، والثانية للأشدّ ، والثالثة للمصيبة الكبيرة ، واستعمال كلمة (الويل) من قبل أصحاب البستان يكشف عن أنّهم كانوا يعتبرون أنفسهم مستحقّين لأشدّ حالات التوبيخ.

وأخيرا ـ بعد عودة الوعي إلى ضمائرهم وشعورهم. بل واعترافهم بالذنب والإنابة إلى الله ـ توجّهوا إلى البارئعزوجل داعين ، وقالوا :( عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ ) (١) فقد توجّهنا إليه ونريد منه انفاذنا ممّا

__________________

(١) «راغبون» : من مادّة (رغبة) ، هذه المادّة كلّما كانت متعدية بـ (إلى) أو (في) تكون بمعنى الميل إلى شيء معيّن ، وكلّما

٥٤٢

تورّطنا فيه

والسؤال المطروح هنا : هل أنّ هؤلاء ندموا على العمل الذي أقدموا عليه ، وقرّروا إعادة النظر في برامجهم المستقبلية ، وإذا شملتهم النعمة الإلهية مستقبلا فسيؤدّون حقّ شكرها؟ أم أنّهم وبّخوا أنفسهم وكثر اللوم بينهم بصورة موقتة ، شأنهم شأن الكثير من الظالمين الذين يشتدّ ندمهم وقت حلول العذاب ، وما إن يزول الضرّ الذي حاقّ بهم إلّا ونراهم يعودون إلى ما كانوا عليه سابقا من ممارسات مريضة؟

اختلف المفسّرون في ذلك ، والمستفاد من سياق الآية اللاحقة أنّ توبتهم لم تقبل ، بلحاظ عدم اكتمال شروطها وشرائطها ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات قبول توبتهم ، لأنّها كانت عن نيّة خالصة ، وعوضهم عن جنّتهم بأخرى أفضل منها ، مليئة بأشجار العنب المثمرة.

ويقول تعالى في آخر آية من هذه الآيات ، بلحاظ الاستفادة من هذا الدرس والإعتبار به :( كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) .

وهكذا توجّه الآية خطابها إلى كلّ المغرورين ، الذين سحرهم المال وأبطرتهم الثروة والإمكانات المادية ، وغلب عليهم الحرص والاستئثار بكلّ شيء دون المحتاجين بأنّه لن يكون لكم مصير أفضل من ذلك. وإذا ما جاءت صاعقة وأحرقت تلك الجنّة ، فمن الممكن أن تأتي صاعقة أو عذاب عليكم من أمثال الآفات والحروب المحلية والعالمية المدمّرة ، وما إلى ذلك ، لتذهب بالنعم التي تحرصون عليها.

* * *

__________________

كانت متعدّية بـ (عن) تكون بمعنى الانصراف وعدم الاعتناء بشيء معيّن.

٥٤٣

بحثان

١ ـ الاستئثار بالنعم بلاء عظيم

جبل الإنسان وطبع على حبّ المال ، ويمثّل هذا الحبّ غريزة في نفسه ، لأنّ له فوائد شتّى ، وهذا الحبّ غير مذموم إذا كان في حدّ الاعتدال ، وجعل نصيب منه للمحتاجين ، وهذا لا يعني الاقتصار على أداء الحقوق الشرعية فقط ، بل أداء بعض الإنفاقات المستحبّة.

وجاء في الرّوايات الإسلامية ضرورة جعل نصيب للمحتاجين الحاضرين ممّا يقطف من ثمار البساتين وحصاد الزرع. وهذا ما يعرف بعنوان (حقّ الحصاد) وهو مقتبس من الآية الشريفة :( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (١) ، وهذا الحقّ غير حقّ الزكاة ، وما يعطى للمحتاجين الحاضرين منه أثناء قطف الثمار أو حصاد الزرع غير محدود بحدّ معيّن(٢) .

إلّا أنّ التعلّق بالمال حينما يكون بصورة مفرطة وجشعة فإنّه يأخذ شكلا منحرفا وأنانيا ، وقد لا يكون بحاجة إليه ، فحرمان الآخرين والاستئثار بالأموال والتلذّذ بحيازة النعم والمواهب الإلهية دون سواه ، مرض وبلاء كما نلاحظ في حياتنا المعاصرة مفردات ونماذج كثيرة في مجتمعاتنا البشرية تعيش هذه الحالة.

وقصّة (أصحاب الجنّة) التي حدّثتنا الآيات السابقة عنها ، هي كشف وتعرية واضحة لهذه النفسيات المريضة لأصحاب الأموال الذين يستأثرون بالخير والنعم والهبات الإلهية ، ويؤكّدون بحصرها فيهم دون سواهم ويتجسّد هذا المعنى في الخطّة التي اعدّت من جانب أصحاب الجنّة في حرمان المحتاجين ، بالتفصيل الذي ذكرته الآيات الكريمة

__________________

(١) الأنعام ، الآية ١٤١.

(٢) يمكن مطالعة الروايات التي جاءت في هذا المجال في ج ٦ ، من (وسائل الشيعة) أبواب زكاة الغلات ، باب ١٣ ، وفي (سنن البيهقي) ج ٤ ، ص ١٣٣.

٥٤٤

وغاب عن بالهم أنّ آهات هؤلاء المحرومون تتحوّل في أحيان كثيرة إلى صواعق محرقة ، تحيل سعادة هؤلاء الأغنياء الظالمين إلى وبال ، وتظهر هذه الصواعق على شكل كوارث ومفاجات وثورات ، ويشاهدون آثارها المدمّرة بامّ أعينهم ، ويتحوّل ترفهم وبذخهم إلى زفرات وآهات وصرخات تشقّ عنان السماء ، معلنين التوبة والإقلاع عن الممارسات الاستئثارية ، ولات ساعة متاب.

٢ ـ العلاقة بين (الرزق) و (الذنوب)

ممّا يستفاد ـ ضمنا ـ من القصّة أعلاه وجود علاقة بين الذنب والرزق ، وممّا يؤيّد هذا ما ورد في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ الرجل ليذنب الذنب ، فيدرأ عنه الرزق ، وتلا هذه الآية :( إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ ، فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ ) (١) .

ونقل عن ابن عبّاس أيضا أنّه قال : إنّ العلاقة بين الذنب وقطع الرزق ، أوضح من الشمس ، كما بيّنها اللهعزوجل في سورة ن والقلم(٢) .

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٩٥ ، (حديث ٤٤).

(٢) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٣٧.

٥٤٥

الآيات

( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) )

التّفسير

١ ـ استجواب كامل :

إنّ طريقة القرآن الكريم في الكشف عن الحقائق ، واستخلاص المواقف ، تكون من خلال عملية مقارنة يعرضها الله سبحانه في الآيات الكريمة ، وهذا الأسلوب مؤثّر جدّا من الناحية التربوية فمثلا تستعرض الآيات الشريفة حياة الصالحين وخصائصهم وميزاتهم ومعاييرهم ثمّ كذلك بالنسبة إلى الطالحين والظالمين ، ويجعل كلا منهما في ميزان ، ويسلّط الأضواء عليهما من خلال عملية

٥٤٦

مقارنة ، للوصول إلى الحقيقة.

وتماشيا مع هذا المنهج وبعد استعراض النهاية المؤلمة لـ (أصحاب الجنّة) في الآيات السابقة ، يستعرض البارئعزوجل حالة المتّقين فيقول :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) .

«جنّات» من (الجنّة) حيث كلّ نعمة متصوّرة على أفضل صورة لها تكون هناك ، بالإضافة إلى النعم التي لم تخطر على البال.

ولأنّ قسما من المشركين والمترفين كانوا يدّعون علوّ المقام وسموّه في يوم القيامة كما هو عليه في الدنيا ، لذا فإنّ الله يوبّخهم على هذا الادّعاء بشدّة في الآية اللاحقة. بل يحاكمهم فيقول :( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .

هل يمكن أن يصدّق إنسان عاقل أنّ عاقبة العادل والظالم ، المطيع والمجرم ، المؤثر والمستأثر واحدة ومتساوية؟ خاصّة عند ما تكون المسألة عند إله جعل كلّ مجازاته ومكافآته وفق حساب دقيق وبرنامج حكيم.

وتستعرض الآية (٥٠) من سورة فصّلت موقف هؤلاء الأشخاص المماثل لما تقدّم ، حيث يقول تعالى :( وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي ، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ، وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ) .

نعم ، إنّ الفئة المغرورة المقتنعة بتصرّفاتها الراضية عن نفسها تعبر أنّ الدنيا والآخرة خاصّة بها وملك لها.

ثمّ يضيف تعالى أنّه لو لم يحكم العقل بما تدعون ، فهل لديكم دليل نقلي ورد في كتبكم يؤيّد ما تزعمون :( أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ ) (١) أي ما اخترتم من الرأي

إن توقّعكم في أن تكون العناصر المجرمة من أمثالكم مع صفوف المسلمين

__________________

(١) جملة (إنّ لكم ..) مفعول به لـ (تدرسون) وطبقا للقواعد فإنّها يجب أن تقرأ (أن) بـ (فتح الهمزة). إلّا أنّ مجيء اللام على رأس اسم (أن) جعلها تقرأ (إن) بـ (كسر الهمزة) وذلك لأنّ الفعل يصبح معلّقا عن العمل.

٥٤٧

وعلى مستواهم ، حديث هراء لا يدعمه العقل ، ولم يأت في كتاب يعتدّ به ولا هو موضع اعتبار.

ثمّ تضيف الآية اللاحقة أنّه لو لم يكن لديكم دليل من العقل أو النقل ، فهل أخذتم عهدا من الله أنّه سيكون معكم إلى الأبد :( أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ ) .

وتتساءل الآية الكريمة عن هؤلاء مستفسرة عمّن يستطيع الادّعاء منهم بأنّه قد أخذ عهدا من الله سبحانه في الاستجابة لميوله وأهوائه ، وإعطائه ما يشاء من شأن ومقام ، وبدون موازين أو ضوابط ، وبصورة بعيدة عن مقاييس السؤال وموازين الاستجابة؟ حتّى يمكن القول بأنّ المجرمين متساوون مع المؤمنين(١) .

ويضيف سبحانه ـ استمرارا لهذه التساؤلات ـ كي يسدّ عليهم جميع الطرق ومن كلّ الجهات ، فيقول :( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ) فمن منهم يضمن أنّ المسلمين والمجرمين سواء ، أو يضمن أنّ الله تعالى سيؤتيه كلّ ما يريد؟!.

وفي آخر مرحلة من هذا الاستجواب العجيب يقول تعالى :( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ ) .

فالآية تطلب من المشركين تقديم الدليل الذي يثبت أنّ هذه الأصنام المنحوتة من الحجارة ، والتي لا قيمة لها ولا شعور ، تكون شريكة الله تعالى وتشفع لهم عنده.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ (شركاء) هنا بمعنى (شهداء).

ومن خلال العرض المتقدّم نستطيع القول : إنّ هؤلاء المجرمين لإثبات ادّعاءاتهم في التساوي مع المؤمنين في يوم القيامة ، بل أفضليتهم أحيانا كما يذهب بعضهم لذلك ، لا بدّ لهم أن يدعموا قولهم هذا بإحدى الوسائل الأربعة

__________________

(١) فسّر البعض مصطلح (بالغة) هنا بمعنى (مؤكّد) ، وفسّرها البعض الآخر بأنّها (مستمر) والمعنى الثاني أنسب ، وبناء على هذا فإنّ (الجارّ والمجرور) في (إلى يوم القيامة) تكون متعلّقة بـ (بالغة).

٥٤٨

التالية : إمّا دليل من العقل ، أو كتاب من الكتب السماوية ، أو عهد من الله تعالى ، أو بواسطة شفاعة الشافعين وشهادة الشاهدين. وبما أنّ جواب جميع هذه الأسئلة سلبي ، لذا فإنّ هذا الادّعاء فارغ من الأساس وليست له أيّة قيمة.

* * *

٥٤٩

الآيات

( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) )

التّفسير

العجز عن السجود :

تعقيبا للآيات السابقة التي استجوب الله تعالى فيها المشركين والمجرمين استجوابا موضوعيا ، تكشف لنا هذه الآيات جانبا من المصير البائس في يوم القيامة لهذه الثلّة المغرمة في حبّها لذاتها ، والمكثرة للادّعاءات ، هذا المصير المقترن بالحقارة والذلّة والهوان.

يقول تعالى :( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) (١) .

__________________

(١) «يوم» ظرف متعلّق بمحذوف تقديره : (اذكروا يوم ...) ، واحتمل البعض ـ أيضا ـ أنّه متعلّق بـ (فليأتوا) في الآية

٥٥٠

جملة( يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ) كما قال جمع من المفسّرين ، كناية عن شدّة الهول والخوف والرعب وسوء الحال ، إذ أنّ المتعارف بين العرب عند مواجهتهم أمرا صعبا أنّهم يشدّون ثيابهم على بطونهم ممّا يؤدّي إلى كشف سيقانهم.

ونقرأ جواب ابن عبّاس المفسّر المعروف عند ما سئل عن تفسير هذه الآية قال : كلّما خفي عليكم شيء من القرآن ارجعوا إلى الشعر فإنّ الشعر ديوان العرب ، ألم تسمعوا قول الشاعر :

وقامت الحرب بنا على ساق.

إنّ هذا القول كناية عن شدّة أزمة الحرب.

وقيل : إنّ (ساق) تعني أصل وأساس الشيء ، كساق الشجرة ، وبناء على هذا فإنّ جملة (يكشف عن ساق) تعني أنّ أساس كلّ شيء يتّضح ويتبيّن في ذلك اليوم ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر.

وفي ذلك اليوم العظيم يدعى الجميع إلى السجود للبارئعزوجل ، فيسجد المؤمنون ، ويعجز المجرمون عن السجود ، لأنّ نفوسهم المريضة وممارساتهم القبيحة قد تأصّلت في طباعهم وشخصياتهم في عالم الدنيا ، وتطفح هذه الخصال في اليوم الموعود وتمنعهم من إحناء ظهورهم للذات الإلهية المقدّسة.

وهنا يثار سؤال : إنّ يوم القيامة ليس بيوم تكاليف وواجبات وأعمال ، فلم السجود؟

يمكن استنتاج الجواب من التعبير الذي ورد في بعض الأحاديث ، نقرأ في الحديث التالي عن الإمام الرضاعليه‌السلام في قوله تعالى :( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) قال : «حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجّدا وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود»(١) .

__________________

السابقة ، إلّا أنّ هذا المعنى مستبعد.

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٩٥ ، ح ٤٩.

٥٥١

وبتعبير آخر : في ذلك اليوم تتجلّى العظمة الإلهية ، وهذه العظمة تدعو المؤمنين للسجود فيسجدون ، إلّا أنّ الكافرين حرموا من هذا الشرف واللطف.

وتعكس الآية اللاحقة صورة جديدة لحالتهم حيث يقول سبحانه :( خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) (١) .

هذه الآية الكريمة تصف لنا حقيقة المجرمين عند ما يدانون في إجرامهم ويحكم عليهم ، حيث نلاحظ الذلّة والهوان تحيط بهم ، وتكون رؤوسهم مطأطئة تعبيرا عن هذه الحالة المهينة.

ثمّ يضيف تعالى :( وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ ) .

إلّا أنّهم لن يسجدوا أبدا ، لقد صحبوا روح التغطرس والعتوّ والكبر معهم في يوم القيامة فكيف سيسجدون؟

إنّ الدعوة للسجود في الدنيا لها موارد عديدة ، فتارة بواسطة المؤذّنين للصلاة الفردية وصلاة الجماعة ، وكذلك عند سماع بعض الآيات القرآنية وأحاديث الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ولذا فإنّ الدعوة للسجود لها مفهوم واسع وتشمل جميع ما تقدّم.

ثمّ يوجّه البارئعزوجل الخطاب لنبيّه الكريم ويقول :( فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ) .

وهذه اللهجة تمثّل تهديدا شديدا من الواحد القهّار لهؤلاء المكذّبين المتمردين ، حيث يخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تتدخّل ، واتركني مع هؤلاء ، لاعاملهم بما يستحقّونه. وهذا الكلام الذي يقوله ربّ قادر على كلّ شيء ، ـ بالضمن ـ باعث على اطمئنان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين أيضا ، ومشعرا لهم بأنّ الله معهم وسيقتصّ من جميع الأعداء الذين يثيرون المشاكل والفتن والمؤامرات أمام

__________________

(١) «ترهقهم» من مادّة (رهق) ، (على وزن شفق) بمعنى التغطية والإحاطة.

٥٥٢

الرّسول والرسالة ، ولن يتركهم الله تعالى على تماديهم.

ثمّ يضيف سبحانه :( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) .

نقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إذا أحدث العبد ذنبا جدّد له نعمة فيدع الاستغفار ، فهو الاستدراج»(١) .

والذي يستفاد من هذا الحديث ـ والأحاديث الاخرى في هذا المجال ـ أنّ الله تعالى يمنح ـ أحيانا ـ عباده المعاندين نعمة وهم غارقون في المعاصي والذنوب وذلك كعقوبة لهم. فيتصوّرون أنّ هذا اللطف الإلهي قد شملهم لجدارتهم ولياقتهم له فيأخذهم الغرور المضاعف ، وتستولي عليهم الغفلة إلّا أنّ عذاب الله ينزل عليهم فجأة ويحيط بهم وهم بين أحضان تلك النعم الإلهية العظيمة وهذا في الحقيقة من أشدّ ألوان العذاب ألما.

إنّ هذا اللون من العذاب يشمل الأشخاص الذين وصل طغيانهم وتمردّهم حدّه الأعلى ، أمّا من هم دونه في ذلك فإنّ الله تعالى ينبّههم وينذرهم عن ممارساتهم الخاطئة عسى أن يعودوا إلى رشدهم ، ويستيقظوا من غفلتهم ، ويتوبوا من ذنوبهم ، وهذا من ألطاف البارئعزوجل بهم.

وبعبارة اخرى : إذا أذنب عبد فإنّه لا يخرج من واحدة من الحالات الثلاث التالية :

إمّا أن ينتبه ويرجع عن خطئه ويتوب إلى ربّه.

أو أن ينزل الله عليه العذاب ليعود إلى رشده.

أو أنّه غير أهل للتوبة ولا للعودة للرشد بعد التنبيه له ، فيعطيه الله نعمة بدل البلاء وهذا هو : (عذاب الاستدراج) والذي أشير له في الآيات القرآنية بالتعبير

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٤٠.

٥٥٣

أعلاه وبتعابير اخرى.

لذا يجب على الإنسان المؤمن أن يكون يقظا عند إقبال النعم الإلهية عليه ، وليحذر من أن يكون ما يمنحه الله من نعم ظاهرية يمثّل في حقيقته (عذاب الاستدراج) ولذلك فإنّ المسلمين الواعين يفكّرون في مثل هذه الأمور ويحاسبون أنفسهم باستمرار ، ويعيدون تقييم أعمالهم دائما ، كي يكونوا قريبين من طاعة الله ، ويؤدّون حقّ الألطاف والنعم التي وهبها الله لهم.

جاء في حديث أنّ أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام قال : إنّي سألت الله تبارك وتعالى أن يرزقني مالا فرزقني ، وإنّي سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني ، وسألته أن يرزقني دارا فرزقني ، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجا؟ فقال : «أمّا مع الحمد فلا»(١) .

والتعبير بـ (أملي لهم) إشارة إلى أنّ الله تعالى لا يستعجل أبدا بجزاء الظالمين ، والاستعجال يكون عادة من الشخص الذي يخشى فوات الفرصة عليه ، إلّا أنّ الله القادر المتعال أيّما شاء وفي أي لحظة فإنّه يفعل ذلك ، والزمن كلّه تحت تصرّفه.

وعلى كلّ حال فإنّ هذا تحذير لكلّ الظالمين والمتطاولين بأن لا تغرّهم السلامة والنعمة أبدا ، وليرتقبوا في كلّ لحظة بطش الله بهم(٢) .

* * *

__________________

(١) اصول الكافي نقلا عن نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٩٧ ، ح ٥٩.

(٢) سبق كلام حول عقوبة (الاستدراج) في الآية (١٨٣) من سورة الأعراف ، وكذلك في الآية (١٧٨) سورة آل عمران.

٥٥٤

الآيات

( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) )

التّفسير

لا تستعجل بعذابهم :

استمرارا للاستجواب الذي تمّ في الآيات السابقة للمشركين والمجرمين ، يضيف البارئعزوجل سؤالين آخرين ، حيث يقول في البداية :( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) .

أي إذا كانت حجّتهم أنّ الاستجابة لدعوتك تستوجب أجرا ماديا كبيرا ، وأنّهم غير قادرين على الوفاء به ، فإنّه كذب ، حيث أنّك لم تطالبهم بأجر ، كما لم يطلب أي من رسل الله أجرا.

٥٥٥

«مغرم» من مادّة (غرامة) وهي ما يصيب الإنسان من ضرر دون أن يرتكب جناية ، و (مثقل) من مادّة (ثقل) بمعنى الثقل ، وبهذا فإنّ الله تعالى أسقط حجّة اخرى ممّا يتذرّع به المعاندون.

وقد وردت الآية أعلاه وما بعدها (نصّا) في سورة الطور (آية ٤٠ ـ ٤١).

ثمّ يضيف واستمرارا للحوار بقوله تعالى :( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) .

حيث يمكن أن يدّعي هؤلاء بأنّ لهم ارتباطا بالله سبحانه عن طريق الكهنة ، أو أنّهم يتلقّون أسرار الغيب عن هذا الطريق فيكتبونها ويتداولونها ، وبذلك كانوا في الموقع المتميّز على المسلمين ، أو على الأقل يتساوون معهم.

ومن المسلّم به أنّه لا دليل على هذا الادّعاء أيضا ، إضافة إلى أنّ لهذه الجملة معنى (الاستفهام الإنكاري) ، ولذا فمن المستبعد ما ذهب إليه البعض من أنّ المقصود من الغيب هو (اللوح المحفوظ) ، والمقصود من الكتابة هو القضاء والقدر ، وذلك لأنّهم لم يدّعوا أبدا أنّ القضاء والقدر واللوح المحفوظ في أيديهم.

ولأنّ العناد واللامنطقية التي كان عليها أعداء الإسلام تؤلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتدفعه إلى أن يدعو الله عليهم ، لذا فإنّه تعالى أراد أن يخفّف شيئا من آلام رسوله الكريم ، فطلب منه الصبر وذلك قوله تعالى :( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) .

أي انتظر حتّى يهيء الله لك ولأعوانك أسباب النصر ، ويكسر شوكة أعدائك ، فلا تستعجل بعذابهم أبدا ، واعلم بأنّ الله ممهلهم وغير مهملهم ، وما المهلة المعطاة لهم إلّا نوع من عذاب الاستدراج.

وبناء على هذا فإنّ المقصود من (حكم ربّك) هو حكم الله المقرّر الأكيد حول انتصار المسلمين.

وقيل أنّ المقصود منها هو : أن تستقيم وتصبر في طريق إبلاغ أحكام الله تعالى.

كما يوجد احتمال آخر أيضا وهو أنّ المقصود بالآية أنّ حكم الله إذا جاء

٥٥٦

فعليك أن تستسلم لأمره تعالى وتصبر ، لأنّه سبحانه قد حكم بذلك(١) .

إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

ثمّ يضيف تعالى :( وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ ) :

والمقصود من هذا النداء هو ما ورد في قوله تعالى :( فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٢) .

وبذلك فقد اعترف النبي يونسعليه‌السلام بترك الأولى ، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى. كما يحتمل أن يكون المقصود من هذا النداء هو اللعنة التي أطلقها على قومه في ساعة غضبه. إلّا أنّ المفسّرين اختاروا التّفسير الأوّل لأنّ التعبير بـ «نادى» في هذه الآية يتناسب مع ما ورد في الآية (٨٧) من سورة الأنبياء ، حيث من المسلّم انّه نادى ربّه عند ما كانعليه‌السلام في بطن الحوت.

«مكظوم» من مادّة (كظم) على وزن (هضم) بمعنى الحلقوم ، و (كظم السقاء) بمعنى سدّ فوهة القربة بعد امتلائها ، ولهذا السبب يقال للأشخاص الذين يخفون غضبهم وألمهم ويسيطرون على انفعالاتهم ويكظمون غيظهم بأنّهم : كاظمون ، والمفرد : كاظم ، ولهذا السبب يستعمل هذا المصطلح أيضا بمعنى (الحبس).

وبناء على ما تقدّم فيمكن أن يكون للمكظوم معنيان في الآية أعلاه : المملوء غضبا وحزنا ، أو المحبوس في بطن الحوت ، والمعنى الأوّل أنسب ، كما ذكرنا.

ويضيف سبحانه في الآية اللاحقة :( لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ) (٣) .

من المعلوم أنّ يونسعليه‌السلام خرج من بطن الحوت ، والقي في صحراء يابسة ،

__________________

(١) في هذه الصورة ستكون اللام في (لحكم ربّك) هي لام التعليل.

(٢) الأنبياء ، الآية ٨٧.

(٣) مع انّ (النعمة) مؤنث ، إلّا أنّ فعلها (تداركه) جاء بصورة مذكر ، وسبب هذا أنّ فاعل المؤنث يكون لفظيا ، وأنّ الضمير المفعول أصبح فاصلا بين الفعل والفاعل (فتأمّل!).

٥٥٧

عبّر عنها القرآن الكريم بـ (العراء) وكان هذا في وقت قبل الله تعالى فيه توبته وشمله برحمته ، ولم يكن أبدا مستحقّاعليه‌السلام للذمّ.

ونقرأ في قوله تعالى :( فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ) (١) كي يستريح في ظلالها.

كما أنّ المقصود من (النعمة) في الآية أعلاه هو توفيق التوبة وشمول الرحمة الإلهية لحالهعليه‌السلام حسب الظاهر.

وهنا يطرح سؤالان :

الأوّل : هو ما جاء في الآيتين ١٤٣ ، ١٤٤ من سورة الصافات في قوله تعالى :( فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) وهذا مناف لما ورد في الآية مورد البحث.

وللجواب على هذا السؤال يمكن القول : كانت بانتظار يونسعليه‌السلام عقوبتان : إحداهما شديدة ، والاخرى أخفّ وطأة. الاولى الشديدة هي أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم يبعثون ، والأخفّ : هو أن يخرج من بطن الحوت وهو مذموم وبعيد عن لطف الله سبحانه ، وقد كان جزاؤهعليه‌السلام الجزاء الثاني ، ورفع عنه ما ألمّ به من البعد عن الألطاف الإلهية حيث شملته بركة اللهعزوجل ورحمته الخاصّة.

والسؤال الآخر يتعلّق بما جاء في قوله تعالى :( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ) (٢) وإنّ ما يستفاد من الآية مورد البحث أنّهعليه‌السلام لم يكن ملوما ولا مذموما.

ويتّضح الجواب على هذا السؤال بالالتفات إلى أنّ الملامة كانت في الوقت الذي التقمه الحوت توّا ، وأنّ رفع المذمّة كان متعلّقا بوقت التوبة وقبولها من قبل الله تعالى ، ونجاته من بطن الحوت.

لذا يقول البارئعزوجل في الآية اللاحقة :( فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ

__________________

(١) الصافات ، الآية ١٤٥ و١٤٦.

(٢) الصافات ، الآية ١٤٣.

٥٥٨

الصَّالِحِينَ ) .

وبذلك فقد حمّله الله مسئولية هداية قومه مرّة اخرى ، وعاد إليه يبلّغهم رسالة ربّه ، ممّا كانت نتيجته أن آمن قومه جميعا ، وقد منّ الله تعالى عليهم بألطافه ونعمه وأفضاله لفترة طويلة.

وقد شرحنا قصّة يونسعليه‌السلام وقومه ، وكذلك بعض المسائل الاخرى حول تركه لـ (الأولى) واستقراره فترة من الزمن في بطن الحوت والإجابة على بعض التساؤلات المطروحة في هذا الصدد بشكل مفصّل في تفسير الآيات (١٣٩ ـ ١٤٨) من سورة الصافات وكذلك في تفسير الآيات (٨٧ ، ٨٨) من سورة الأنبياء.

* * *

٥٥٩

الآيتان

( وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢) )

التّفسير

يريدون قتلك لكنّهم عاجزون

هاتان الآيتان تشكّلان نهاية سورة القلم ، وتتضمّنان تعقيبا على ما ورد في بداية السورة من نسبة الجنون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل الأعداء.

يقول تعالى :( وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) .

«ليزلقونك» من مادّة (زلق) بمعنى التزحلق والسقوط على الأرض ، وهي كناية عن الهلاك والموت.

ثمّة أقوال مختلفة في تفسير هذه الآية :

١ ـ قال كثير من المفسّرين : إنّ الأعداء حينما يسمعون منك هذه الآيات العظيمة للقرآن الكريم ، فإنّهم يمتلئون غضبا وغلا ، وتتوجّه إليك نظراتهم الحاقدة وبمنتهى الغيظ ، وكأنّما يريدون أن يطرحوك أرضا ويقتلوك بنظراتهم الخبيثة

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579