المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117291 / تحميل: 7173
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

2 - حواره مع أصحاب الأديان

قال الحسن بن محمد النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون.

ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليَّ ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولّى أمر أبي الحسنعليه‌السلام فقال: يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشّم وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك

١٨١

بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمّد النوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس - والله - ما بنى.

فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحّح وحدانيّته وإن قلت: إن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك.

قال: فتبسّمعليه‌السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟

قلت: لا والله ما خفت عليك قطّ وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله.

فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم.

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الرّوم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع إلي قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟

فقال الرضاعليه‌السلام : تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم، توضأعليه‌السلام

١٨٢

وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله ومحمّد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور.

فلما دخل الرضاعليه‌السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفاً والرضاعليه‌السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثم التفت إلى الجاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه.

فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به؟

فقال له الإمام الرضاعليه‌السلام : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟!

قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله أقرّ به على رغم أنفي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك وافهم الجواب.

قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسىعليه‌السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟

قال الرضاعليه‌السلام : أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمته وأقرّ به الحواريون وكافر بنبوّة كل عيسي لم يقرَّ بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكتابه ولم يبشّر به أمته.

قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟

قال: بلى.

قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد ممّن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.

قال الرضاعليه‌السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند

١٨٣

المسيح عيسى بن مريم؟

قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟

قال: ما تقول في يوحنا الدّيلمي.

قال: بخ بخ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح.

قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني به إنه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟!

قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه ولم يلخّص متى يكون ذلك ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟

قال: شديداً.

قال الرضاعليه‌السلام لقسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟

قال: ما أحفظني له.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!

قال: بلى لعمري.

قال: فخذ على السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي.

ثم قرأعليه‌السلام السّفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف، ثم قال: يا نصراني، إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمّد وأهل بيته وأمته ثم قال: ما تقول يا نصرانيّ؟ هذا قول عيسى بن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسىعليهما‌السلام ومتى أنكرت هذا الذّكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك.

١٨٤

قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به.

قال الرضاعليه‌السلام : اشهدوا على إقراره. ثم قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك.

قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن علماء الإنجيل كم كانوا.

قال الرضاعليه‌السلام : على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلاً وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا.

وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر أهل بيته وأُمته وهو الذي بشر أُمة عيسى وبني إسرائيل به، ثم قالعليه‌السلام : يا نصراني، والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ننقم على عيساكم شيئاً إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضاعليه‌السلام : وكيف ذلك؟

قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ومازال صائم الدّهر، قائم الليل.

قال الرضاعليه‌السلام : فلمن كان يصوم ويصلي؟

قال: فخرس الجاثليق وانقطع.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني! إني أسألك عن مسألة.

قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك.

قال الرضاعليه‌السلام : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عَزَّ وجَلَّ؟

قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، إنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه

١٨٥

والأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم يتّخذه أُمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله عَزَّ وجَلَّ، ولقد صنع حزقيل النبيعليه‌السلام مثل ما صنع عيسى بن مريمعليه‌السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستّين سنة.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة أختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدّس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عَزَّ وجَلَّ إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.

قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه.

قال: صدقت. ثم قالعليه‌السلام : يا يهوديّ، خذ على هذا السفر من التوراة فتلاعليه‌السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل يهودي يترجّح لقراءته ويتعجّب.

ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟

قال: بل كانوا قبله.

قال الرضاعليه‌السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك، يا فلان و يا فلان و يا فلان، يقول لكم محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوموا بإذن الله عَزَّ وجَلَّ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم.

ثم أخبروهم أنّ محمّداً قد بعث نبيّاً، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم، والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربّاً من دون

١٨٦

الله عَزَّ وجَلَّ ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتّخذتم عيسى رباً جاء لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّاً لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، أنّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت.

فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله إليه: أتحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه أن نادهم.

فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عَزَّ وجَلَّ فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعاً ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزءً، ثم ناديهن فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته.

فقال لهم: إني لم أره. فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منّا، فأحياهم الله عَزَّ وجَلَّ من بعد موتهم.

وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أرباباً، ما تقول يا نصراني؟

قال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلاّ الله.

ثم التفتعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهوديّ أقبل عليَّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمرانعليه‌السلام ، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمّد وأُمته

١٨٧

إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جداً جداً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض. هكذا هو في التوراة مكتوب؟!

قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.

ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً.

قال الرضاعليه‌السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر.

فقالا: قد قال ذلك شعيا.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني ذاهب إلى ربّي وربّكم والفار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر؟

فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً ممّا في الإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به.

فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليق؟!

قال: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟

قال له ك ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتى وجدناه غضّاً طريّاً فأخرجه إلينا يوحنّا ومتي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ إنّما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنّه لمّا افتقد الإنجيل الأوّل

١٨٨

اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريمعليه‌السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟

فقال لهم لوقا ومرقابوس: إنّ الإنجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلّوا الكنائس، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفراً سفراً حتّى نجمعه لكم كلّه، فقعد لوقاء ومرقابوس ويوحنّا ومتي ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأوّلين، أعلمت ذلك؟

قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيراً من الفهم.

فقال له الرضاعليه‌السلام : فكيف شهادة هؤلاء عندك؟

قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ.

فقال الرضاعليه‌السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا.

ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن وأمه هل تعلم أنّ متي قال: إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون، وقال مرقابوس: في نسبة عيسى بن مريم: إنه كلمة الله أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنساناً، وقال الوقا: إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس.

ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه، حقّاً أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلاّ ما نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره.

١٨٩

قال الرضاعليه‌السلام : فما تقول في شهادة الوقا، ومرقابوس ومتي على عيسى وما نسبوه إليه؟

قال الجاثليق: كذبوا على عيسى.

قال الرضاعليه‌السلام : يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ؟

فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني، عمّا بدالك؟

قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت الرضاعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟

قال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلاّ من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

فقال الرضاعليه‌السلام : لا تقبل منّي حجة إلاّ بما تنطق به التوراة، على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمد؟

قال الرضاعليه‌السلام : شهد بنبوّته (صلّى الله عليه وآله) موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض.

فقال له: أثبت قول موسى بن عمران.

قال الرضاعليه‌السلام : هل تعلم يا يهوديّ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فيه فصدّقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيمعليه‌السلام ؟

فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.

١٩٠

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه وآله).

قال: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : أوليس قد صحّ هذا عندكم؟!

قال: نعم ولكنّي أحب أن تصحّحه لي من التوراة.

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.

قال الرضاعليه‌السلام : أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النّور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسىعليه‌السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير، فهو الجبل الذي أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران، فذلك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم.

وقال شعيا النبيعليه‌السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار، والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟!

قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما.

قالعليه‌السلام : أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل، فمحمد (صلّى الله عليه وآله) أتنكر؟ هذا من التوراة، قال لا، ما أنكره.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : هل تعرف حيقوق النبي؟ قال: نعم إنّي به لعارف، قالعليه‌السلام فإنّه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأُمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدّس - يعني بالكتاب القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟

١٩١

قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوقعليه‌السلام ولا ننكر قوله.

قال الرضاعليه‌السلام : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبياً أقام السنّة بعد الفترة غير محمد (صلّى الله عليه وآله)؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة.

قال الرضاعليه‌السلام : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السنّة وقد كان موافقاً لسنّة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرّة ذاهب والفارقليطا جاء من بعده وهو الذي يخفّف الآصار، ويفسّر لكم كلّ شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال: نعم لا أنكره.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران؟

فقال: سل.

قال: ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟

قال اليهوديّ: إنّه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله.

قال له: مثل ماذا؟

قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حيّة تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.

قال له الرضاعليه‌السلام : صدقت إذا كانت حجة على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟

قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه، وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به.

١٩٢

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسىعليه‌السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى؟!

قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسى، أركان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم، وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله؟

قال رأس الجالوت: يقال إنّه فعل ذلك ولم نشهده.

قال له الرضاعليه‌السلام : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟! أليس إنّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك.

قال: بلى.

قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : وكذلك أمر محمد (صلّى الله عليه وآله) وما جاء به وأمر كلّ نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف إلى معلّم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقى إلى يوم القيامة.

ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى.

قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد ولا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ.

١٩٣

قال الرضاعليه‌السلام : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد زور.

فلم يحر جواباً.

ثم دعاعليه‌السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضاعليه‌السلام : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجّتك على نبوّته؟

قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده، ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه.

قالعليه‌السلام : أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟!

قال: بلى.

قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون، وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم، إذ كنتم أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة، بأنّه جاء بما لم يجيء به غيره؟!

فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا قوم إن كان فيكم أحدٌ يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته أفتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضاعليه‌السلام : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!

فقال: أنا هو.

فقالعليه‌السلام : سل يا عمران وعليك بالنصفة وإيّاك والخطل والجور!

قال: والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلّق به فلا أجوزه.

١٩٤

قالعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض.

فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق.

قالعليه‌السلام : سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه ولا على شيء حذاه ولا مثّله له.

فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطمعاً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي.

قالعليه‌السلام : واعلم يا عمران! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل ولا نقمةٍ منه على من أذلّ، فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها، أفهمت ياعمران؟

قال: نعم والله يا سيدي فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حداً ينتهى إليه المعرفة؟!

١٩٥

قال عمران: لابدّ من ذلك.

قال الرضاعليه‌السلام : فما ذلك الضمير؟

فانقطع ولم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، إن سألتك عن الضّمير نفسه تُعرّفُه بضمير آخر؟!

ثم قال الرضاعليه‌السلام : أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواباً.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه؟ كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يتكوّن؟

قالعليه‌السلام : قد سألت فافهم إنّ حدود خلقه على ستّة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه، وما لا وزن له، وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا ذوق والتقدير، والأعراض، والصور والعرض والطول، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغييرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.

وأما الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرق من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق.

قال الرضاعليه‌السلام : يتغير عَزَّ وجَلَّ بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران: فبأي شيء عرفناه.

قالعليه‌السلام : بغيره.

قال: فأي شيء غيره؟

١٩٦

قال الرضاعليه‌السلام : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر.

قال عمران: يا سيدي فأيّ شيء هو؟

قالعليه‌السلام : هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليَّ أكثر من توحيدي إيّاه.

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضاعليه‌السلام : لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إنّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنّما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك.

قال عمران: يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار تغير نفسها؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره؟

قال عمران: لم أرَ هذا، ألا تخبرني أهو في الخلق أم الخلق فيه.

قال الرضاعليه‌السلام : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلّمك وتعرفه به، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فان كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك؟

قال عمران: بضوء بيني وبينها.

فقال الرضاعليه‌السلام : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك؟

قال نعم.

١٩٧

قال الرضاعليه‌السلام : فأرناه؟ فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ودلّ المرّاة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى.

ثم التفتعليه‌السلام إلى المأمون قال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.

قال الرضاعليه‌السلام : نصلّي ونعود، فنهض ونهض المأمون، فصلّى الرضاعليه‌السلام داخلاً وصلّى الناس خارجاً خلف محمد بن جعفر، ثم خرجاً، فعاد الرضاعليه‌السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران.

قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عَزَّ وجَلَّ هل يوحد بحقيقة أم يوحد بوصف؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله المبدئ الواحد الكائن الأوّل، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكوراً ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء ودليلاً على كلّ مدرك وفاصلاً لكلّ مشكل. وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالإبداع، والنّور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض.

١٩٨

والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ، علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على اللغات السريانيّة، والعبرانيّة، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً.

فأمّا الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلاً منه كقوله عَزَّ وجَلَّ:( كُنْ فَيَكُونُ ) وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عَزَّ وجَلَّ الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ.

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوساً ملموساً ذا ذوق منظوراً إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنّه ليس قبله عَزَّ وجَلَّ شيء، ولا كان معه شيء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدلّ على غير أنفسها؟ قال الرضاعليه‌السلام : لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها اسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.

١٩٩

قال الرضاعليه‌السلام : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حدّ لغير محدود، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا.

ولكن يدلّ على الله عَزَّ وجَلَّ بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلو لا أنّ ذلك كذلك لمكان المعبود الوحد غير الله تعالى، لأنّ صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضاعليه‌السلام : إياك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الذي يزعمون أن الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عَزَّ وجَلَّ نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عَزَّ وجَلَّ:( وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً ) يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة.

وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا يكون إلاّ بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً، لأنّ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

ولو كان مأذونا في التجارة.فاستدان لم يلزم المولى، وهل يسعى العبد فيه؟ قيل: نعم، وقيل: يتبع به إذا أعتق، وهو الاشبه.للعبد لمصالحه.فان قيل: الدين المأذون فيه إذا صرفه العبد إلى مصالحه كان لازما للمولى، قلنا: نمنع أن مجموع مصالح العبد لازمة للمولى، وانما يلزمه المعروف من النفقة، والاستدانة لذلك القدر منها ليس موضع النزاع على ما بيناه(١) .

قال طاب ثراه: ولو كان مأذونا في التجارة، فاستدان لم يلزم المولى، وهل يسعى العبد فيه؟ قيل: نعم، وقيل: يتبع به إذا أعتق، وهو الاشبه.

أقول: إذا اذن السيد لعبده في التجارة دون الاستدانة، فاستدان، قال في النهاية يستسعى به معجلا(٢) وقال في المبسوط: إنما يسعى به بعد العتق(٣) وبه قال التقي(٤) وابن إدريس(٥) واختاره المصنف(٦) .واحتج الشيخ على الاول بصحيحة ابي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يأذن لمملوكه في التجارة، فيصير عليه دين، قال: إن كان أذن له ان يستدين فالدين على مولاه، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شئ على المولى،

____________________

(١) المختلف: كتاب الديون ص ١٣٦ س ٢٣ قا ل: وقول ابن ادريس: اذا أذن للعبد في الاستدانة إلى أن قال: خطأ فاحش، فان التقدير أن الدين للعبد لا للمولى الخ.

(٢) هكذا في النسخ المخطوطة التي عندي وليس في المختلف ولا في النهاية كلمة " مهجلا " لا حظ النهاية: كتاب الديون باب المملوك يقع عليه الدين ص ٣١١ س ٩ قال: وان كان مأذونا في التجارة ولم يكن مأذونا في الاستدانة الخ.

(٣) المبسوط: ج ٢ فصل في العبد، ص ١٦٤ س ١٦ قا ل: وان لم يكن أذن في الاستدانة كان ذلك في ذمة العبد الخ.

(٤) المهذب: ج ٢ باب العتق واحكامه ص ٣٦١ س ٢٠ قال: واذا مات العبد وعليه دين نظر فان كان سيدة أذن في الخ.

(٥) السرائر: كتاب الديون، باب الملوك يقع عليه الدين ص ١٦٨ س ٢٣ قا ل: إن العبد المأذون له في التجارة لا يستسعي في قضاء الدين، بل يتبع به اذا لحقه العتاق.

(٦) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٤٨١

(القسم الثاني) في القرض

وفيه أجر ينشأ من معونة المحتاج تطوعا.ويجب الاقتصار على العوض، ولو شرط النفع ولو زيادة في الصفة حرم، نعم لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم.ويقترض الذهب والفضة وزنا، والحبوب كالحنطة والشعير كيلا ووزنا، والخبز وزنا وعددا.ويملك الشئ المقترض بالقبض، ولا يلزم إشتراط الاجل فيه، ولا يتأجل الدين الحال مهرا كان أو غيره، فلو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاء‌ه وعزله عند وفاته موصيا به.ولو لم يعرفه إجتهد في طلبه، ومع اليأس قيل: يتصدق به عنه.فيستسعي العبد في الدين(١) ولان السيد غرالناس بالاذن له في التجارة.

واحتج الاخرون بأن السعي مملوك للسيد، فلا يجوز صرفه فيما لم يأذن فيه، لضرره به، وقالعليه‌السلام : لا ضرر ولا ضرار(٢) ولان المدين فرط بحقه.

وفصل العلامة فقال: إن كان إستدان لمصلحة التجارة وضرورياتها، لزم، وإن لم يكن لمصلحتها لم يلزمه شئ، وتبع به بعد العتق.

قال طاب ثراه: ومع اليأس قيل: يتصدق به عنه.

أقول: قال الشيخ في النهاية: يجتهد المديون في طلب الوارث، فان لم يظفر به تصدق به(٣) وتبعه القاضي(٤) وقال ابن ادريس: يدفعه إلى الحاكم إذا لم يعلم له

____________________

(١) التهذيب ج ٦(٨١) باب الديون وأحكامها ص ٢٠٠ الحديث ٧.

(٢) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٢٠ الحديث ٩٣ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) النهاية: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ص ٣٠٧ س ١٤ قال: فان لم يعرف له وارثا اجتهد في طلبه، فان لم يظفر به تصدق به عنه.

(٤) المختلف: كتاب الديون ص ١٣٣ س ٢٩ بعد نقل قول الشيخ: وتبعه ابن البراج.

٤٨٢

ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض.ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم وقبض ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقه.ولو أسلم الذمي قبل بيعه، قيل: يتولاه غيره، وهو ضعيف.وارثا، فان قطع عليه أنه لا وارث له كان لامام المسلمين، لانه يستحق ميراث من لا وار ث له(١) وقال العلامة: إن لم يعلم إنتفاء الوارث وجب حفظه، لانه مال معصوم، فيجب حفظه على مالكه كغيره من الاموال، فإن آيس من وجوده والظفر به أمكن أن يتصدق به وينوي القضاء عند الظفر بالوارث، لئلا يتعطل المال، اذ لا يجوز التصرف‌فيه، ولا يمكن إيصاله إلى مستحقه(٢) .وفي قوله " لا يجوز التصرف فيه " نظر، لعدم تعيين الدين الا بقبض المستحق له، بل لو قال: لاحتياجه إلى تفريغ ذمته - وهو غير متمكن من إيصاله إلى مستحقه، فشرع له التصدق به كاللقطة - كان أحسن.

قال طاب ثراه: ولو أسلم الذمي قبل بيعه، قيل: يتولاه غيره، وهو ضعيف.

أقول: القائل بذلك الشيخ في النهاية(٣) ومنع منه القاضي(٤) وابن ادريس(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة(٧) .

____________________

(١) السرائر: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ٧ ص ١٦٣ س ١٥ قال: فان لم يجده يدفعه إلى الحاكم، فان قطع على انه لا وارث له كان لامام المسلمين.

(٢) المختلف: كتاب الديون ص ١٣٣ س ٣٠ قال: والمعتمد أن نقول: ان لم يعلم انتفاء الوارث وجب حفظه الخ.

(٣) النهاية: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ص ٣٠٧ س ٢١ قال: ومن شاهد مدينا له قد باع ما يحل تملكه للمسلمين من خمر وخنزير وغير ذلك الخ.

(٤) لم أظفر عليه.

(٥) السرائر: باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت، ص ١٦٥ س ٣ قال: ومن شاهد مدينا قد باع مالا يحل تملكه للمسلمين من خمر أولحم خنزير وغير ذلك واخذ ثمنه الخ.

(٦) لا حظ عبارة المختصر النافع

(٧) المختلف: كتاب الديون، ص ١٣٥ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس: وهذا لا طائل تحته فان قصد الشيخ أهل الذمة الخ.

٤٨٣

ولو كان لاثنين ديون فاقتسماها، فما حصل لهما، وما توى(١) منهما.ولو بيع الدين بأقل منه لم يلزم الغريم أن يدفع اليه اكثر مما دفع، على تردد.احتج الشيخ بما رواه يونس، إلى قوله: قال: واذا أسلم رجل وله خمر وخنازير ثم مات وهي في ملكه وعليه دين، قال: يبيع ديانه أو ولي له غير مسلم خنازيره وخمره، فيقضي دينه، وليس له أن يبيعه وهو حي ولا يمسكه(٢) .احتج الاخرون بأن المسلم لايملك ذلك، ولا يجوز له بيعه مباشرة، فلا يجوز تسبيبا.وأجابوا عن الرواية بانها مقطوعة أولا، وبقبول الاحتمال ثانيا إذ من الجائز أن يكون الورثة كفارا فلهم بيع الخمر وقضاء دين الميت منه، ولهذا حرم عليه بيعه وإمساكه في حياته.

قال طاب ثراه: ولو بيع الدين بأقل منه، لم يلزم الغريم أن يدفع أكثر مما دفع، على تردد.

أقول: هذه المسألة من المعارك التي قد تشبه على المحصلين.وتوضيحها يستدعي بيان تصورها قبل البحث منها بتوطئة مقدمة.

فنقول: الدين أمر كلي في الذمة غير مشخص، وإنما تشخيصه بتعيين المديون مع قبض المستحق له، أو الحاكم مع إمتناعه، أو صاحب الدين مع إلطاط(٣) المديون،

____________________

(١) والتوى مقصور ويمد هلاك المال، يقال: توي المال بالكسر توى وتواء هلك (مجمع البحرين لغة توا).

(٢) التهذيب: ج ٧(٩) باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة، ص ١٣٨ قطعة من حديث ٨٣.

(٣) لط لطأ، الباب أغلقه، والشئ ستره أرخاه (المنجد لغة لط) والمراد إنكار المديون أو مماطلته.

٤٨٤

قصاصا، ولا يتعين بغير ذلك.وقد يكون من أحد النقدين، وقد يكون متاعا غيرهما، ربويا وغير ربوي.

فان كان من أحد النقدين وبيع بمثله، أو بالنقد الاخر اشترط التقابض في المجلس مع التساوي في القدر إن اتحد الجنس، وليس موضوع المسألة.وإن كان من غيرهما وكان الثمن والمثمن ربوبين اشترط تساويهما، وليس موضوع المسألة أيضا.فبقي أن يكون من غيرهما كثوب أو شاة، فاذا كان يساوي عشرة فباعه بدرهم، أو قدرا من النقد كعشرة دراهم فباعها بعوض يساوي درهما، فهذا موضوع المسألة فهل يجب على البايع أن يدفع إلى المشتري مجموع الدين، لانه الذي وقع عليه عقد الابتياع، وهو صحيح شرعي فيترتب أثره عليه؟ أم لا يجب أن تدفع إلا بقدر ما يساوي ما نقد المشتري من الثمن؟ فيه قولان: أحدهما قول الشيخ في النهاية: لم يلزم المدين أكثر مما وزن المشتري(١) وتبعه القاضي(٢) .والاخر قول ابن إدريس(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) وعليه المتأخرون وهو وجوب دفع مجموع الدين إلى المشتري، لوقوع عقده عليه وانتقاله اليه فلا يتوقف على إذن البائع.واعلم أن كلام الشيخ قد تضمن حكمين:

____________________

(١) النهاية: باب بيع الديون والارزق، ص ٣١١ س ٣ قال: ومن باع الدين بأقل مما له الدين لم يلزم المدين أكثر مما وزن المشتري من المال.

(٢) و(٥) المختلف: كتاب الديون، ص ١٣٣ س ١ قال بعد نقل قول الشيخ: وتبعه ابن البراج على ذلك ثم بعد نقل قول ابن ادريس واعتراضه الشديد عليه والذب عن الشيخ بما مزيد عليه، اختار قول الشيخ بقوله: وهل منع احد من المسلمين الخ.

(٣) السرائر كتاب الديون، ص ١٦٤ س ٢٢ قال: قال محمد بن ادريس: إن كان البيع للدين صحيحا ماضيا لزم المدين ان يؤدي جميع الدين المشتري، وان كان قد اشتراه باقل قليل الخ.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٤٨٥

(أ) جواز بيع الدين بأقل منه، ولا ريب فيه.

(ب) عدم لزوم المديون اكثر مما وزنه المشتري، وهذا موضع الاشكال وتعويل الشيخ فيه على رواية محمد بن الفضيل قال: قلت للرضاعليه‌السلام : رجل ابتاع دينا على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له: إدفع إلي مالفلان عليك فقد اشتريته منه، فقال: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين وبرأ الذي عليه المال من جميع مابقي عليه(١) .ورواية أبي حمزة عن الباقرعليه‌السلام قال: سئل عن رجل كان له على رجل دين فجاء‌ه رجل فاشترى منه بعوض، ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقا له: أعطني مالفلان عليك فاني قد اشتريته منه: فيكف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : يرد على الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشتراه من الرجل الذي عليه الدين(٢) .ولا تعارض لهما من الروايات، بل انما حصل المعارض من الاصول المقررة، وهو أن البيع إذا كان صحيحا وجب إنتقال المبيع إلى المشتري، فلابد من محمل للروايتين، ويحملان على وجهين:

(أ) الضمان، ويكون إطلاق البيع عليه والشراء بنوع من المجاز، إذا الضامن اذا أدى عن المضمون عنه باذنه عوضا من الدين كان له المطالبة بأقل الامرين، ولهذا كان له الرجوع بما وزن خاصه لما كان أقل من الدين.فان قلت: لا إشعار في الرواية بكون الضمان حصل باذن المضمون عنه، قلنا: ولا اشعار فيهابان ذلك وقع بغير اذنه، فالحمل على ذلك غير مناف، وانما اطلق لفظ البيع على الضمان لانه نوع من المعاوضة.

____________________

(١) التهذيب: ج ٦(٨١) باب الديون وأحكامها ص ١٩١ الحديث ٣٥ وفيه (اشترى دينا).

(٢) التهذيب: ج ٦(٨١) باب الديون وأحكامها، ص ١٨٩ الحديث ٢٦

٤٨٦

(خاتمة)

أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع.وكذا أجرة بائع الامتعة وأجرة الناقد ووزان الثمن على المشتري وكذا أجره مشتري الامتعة.ولو تبرع الواسطة لم يستحق أجرة.واذا جمع بين الابتياع والبيع فاجرة كل عمل على الآمر به، ولا يجمع بينهما لواحد.

(ب) وقوع البيع فاسدا، فيجب على المديون دفع ما تساوي مال المشتري بالاذن الصادر من صاحب الدين ويبرأ من المشتري لامن البائع، فيجب دفع ما بقي من الدين إلى البائع.فهذان المحملان يمكن صرف الرواية الثانية اليهما، وتنزيل كلام الشيخ عليهما.أما الرواية الاولى فلا يتمشى إلا على التنزيل الاول، ولا يتمشى على الثاني لتصريحه فيها ببراء‌ة المديون من جميع ما عليه، ولا يمكن ذلك في البيع الفاسد.

فرع: لو تعذر القبض من المديون

لو تعذر القبض من المديون بافلاسه أو هربه، أو غير ذلك " كمطله أو موته مع جحود الوارث او بطله او غير ذلك"(١) كان للمشتري الرجوع على البائع بالثمن إن كان بيعا صحيحا.وإن كان ضامنا لم يرجع.

قال طاب ثراه: واذا جمع بين الابتياع والبيع فاجرة كل عمل على الآمر به، ولا يجمع بينهما لواحد.

أقول: من نصب نفسه للبيع كانت اجرة ما يبيعه على البائع، لانه وكيله.ومن

____________________

(١) بين القوسين غير موجود في نسخة (الف) المصححة، ولكنه موجود في نسخة (ب)

٤٨٧

ولا يضمن الدلال ما يتلف في يده مالم يفرط، ولو اختلفا في التفريط ولا بينة، فالقول قول الدلال مع يمينه، وكذا لو اختلفا في القيمة.نصب نفسه للشراء كانت اجرة ما يشتريه على المبتاع، وكل منهما يسمى دلالا.وإن كان ممن يبيع للناس ويشتري وهو السمسار فله اجرة ما يبيعه على الاخر بالبيع، واجرة ما يشتريه على الآمر بالشراء." ولا يجمع بينهما لواحد " أي لا يجمع لواحد بين الاجرتين بأخذهما من البائع والمشتري عن سلعة واحدة، بل يأخذ ممن يكون وكيلا له وعاقدا عنه.وفي بعض المصنفات الفقهية " ولا يجمع بينهما الواحد " وفي بعضها " ولا يتولاهما الواحد " أي لايتولي الواحد دلالتي البيع والشراء في سلعة واحدة.وذلك مبنى على مقدمات:

(أ) لا يجوز أخذ اجرتين على سلعة واحدة، لانه في الشراء مأمور بالسعي للمشتري وفي البيع للبائع، ولو سبق أحدهما بإستجاره صار العمل واجبا عليه، فلا يستحق عليه أجرا من الاجر.

(ب) لا يجوز أن يكون الواحد موجبا قابلا.

(ج) إن الوكيل يجب عليه مراعاة الاصلح لموكله ولا يكفي المصلحة فيجتهد في الزيادة للبائع وفي التسامح للمشتري، وذلك تناقض.

(د) إن الوكيل لا يجوز أن يشتري من نفسه، وكذا لا يجوز أن يبتاع من نفسه لمن وكله في الشراء الا مع الاعلام." وقيل: ليس المراد العقد، بل الدلالة، لان مجرد العقد لا يستأجر عليه غالبا وليس له اجرة في العادة.ولو جعل له جهلا على الطرفين استحق على كل واحد منهما ما جعل له، وكذا لواستاجره على ايقاع العقد مع اعلامهما، فانه يستحق الاجرة عليه(١) .

____________________

(١) ما بين الهلالين غير موجود في النسخة المصححة لكن موجود في نسخة (ب)

٤٨٨

كتاب الرهن وأركانه أربعة: الاول: في الرهن

وهو وثيقة لدين المرتهن.ولا بد فيه من الايجاب

كتاب الرهن

مقدمة

الرهن في اللغة، الثبات والدوام، والنعمة الراهنة الثابتة الدائمة.وقال رهنت الشئ فهو مرهون، ولا يقال أرهنت، ويقول العرب: أرهن في الشئ اذا غالى في سعره، وأرهن ابنه اذا خاطر به وجعله رهينة(١) .وفي الشرع: مال جعل وثيقة لدين المرتهن يستوفى منه.وهو جائز بالكتاب والسنة والاجماع.أما الكتاب فقوله تعالى (فرهان مقبوضة)(٢) وأما السنة فمثل ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه(٣) وعنهعليه‌السلام :

____________________

(١) الرهن في السلعة، غالى بها، وتراهن القوم خاطروا (المنجد لغة رهن).

(٢) البقرة: ٢٨٣.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الرهن ص ٢٣٤ الحديث ١ ولا حظ ما علق عليه

٤٨٩

والقبول.وهل يشترط الاقباض؟ الاظهر: نعم.الرهن محلوب، ومركوب(١) وعن جعفر عن أبيه عن ابائهعليهم‌السلام : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رهن درعه عند أبي السحمة اليهودي على شعير أخذه لاهله(٢) .

وقيل: سبب عدوله عن القرض من أصحابه إلى يهوي؟ لئلا يلزمه منه بالابراء، فإنه لم يأمن أن أستقرض من بعضهم ان يبرئه من ذلك.و " تغلق الرهن " بالتاء المفتوحة والغين المعجمة، يقال: غلق الرهن غلقا، أي إستحقه المرتهن، وذلك إذا لم يفك في الوقت المشروط قاله صاحب الصحاح(٣) ، والاصل فيه: أن في الجاهلية كان الرجل يرهن عند الرجل الشئ على دينه إلى أمد، فاذا لم يأت صاحب الرهن بالحق كان الرهن لصاحب الدين وجاء الاسلام بتحريم ذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه، الحديث.ومعنى قولهعليه‌السلام " له غنمه " أي فائدته ونماؤه " وعليه غرمه " أي تلفه ونقصانه ومؤنته، وذلك لانه ملكه، وهو من توابع الملك ولم ينتقل منه إلى المرتهن.وأما الاجماع فمن ساير المسلمين على جواز الرهن.قال طاب ثراه: هل يشترط الاقباض؟ الاشهر نعم.

أقول: قال الشيخ في النهاية: باشتراط القبض في لزوم الرهن(٤) وبه قال

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الرهن ص ٢٣٤ الحديث ٢ وتمام الحديث " وعلى الذي يحلب ويركب النفقة " ولا حظ ما علق عليه

(٢) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الرهن ص ٢٣٤ الحديث ٣ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) الصحاح: ج ٤ وفيه " غلق الرهن غلقا، أى استحقه المرتهن وذلك اذا لم تفتكك في الوقت المشروط ".

(٤) النهاية: باب الرهون أحكامها ص ٤٣١ س ٣ قال: ولا يدخل الشئ في أن يكون رهنا الا بعد قبض المرتهن له

٤٩٠

المفيد(١) والقاضي(٢) والتقي(٣) وابن حمزة(٤) وأبوعلى(٥) واختاره المصنف(٦) .وقال في الخلاف: يلزم الرهن بالايجاب والقبول(٧) وبه قال ابن ادريس(٨) واختاره العلامة(٩) .احتج الاولون بقوله تعالى " فرهان مقبوضة"(١٠) .وبما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال: لا رهن إلا مقبوضا(١١) .

واحتج الاخرون بأصالة عدم الاشتراط، وبقوله تعالى " أوفوا بالعقود "(١٢) وبقوله تعالى " فرهان مقبوضة " دلت هذه الاية على كون القبض ليس شرطا في صحة الرهن، لانه لو كان شرطا كالايجاب والقبو ل كان قوله " مقبوضة " تكرارا لا حاجة اليه، وكما لا يحسن أن نقول مقبولة، كذا لا يحسن أن نقول مقبوضة، ولان

____________________

(١) المقنعة: باب الرهون، ص ٩٦ س قال: ولا يصح الارتهان الا بالقبض

(٢) المهذب: ج ٢ كتاب الرهن، ص ٤٦ س ١٢ قال: لان بالايجاب والقبول اوجب قبض الرهن الخ.

(٣) الكافي: فصل في أحكام الرهن ص ٣٣٤ س ٢ قال: تفتقر صحة الرتهان إلى قبض الرهن الخ.

(٤) الوسيلة: فصل في بيان حكم الرهن ص ٢٦٥ س ٢ قال: الرهن لفا يصح بثلاثة شروط، بالايجاب والقبول والقبض.

(٥) المختلف: في الرهن ص ١٣٨ س ٢٧ قال فقال للشيخ في النهاية انه شرط، وبه قال: ابن الجنيد.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٧) الخلاف: كتاب الرهن، مسألة ٥ قال: يلزم الرهن بالايجاب والقبول.

(٨) السرائر: باب الرهون وأحكامها ص ٢٥٨ س ٢٩ قال: فاما القبض إلى أن قال: وقال الاكثرون المحصلون منهم يلزم بالايجاب والقبول، وهذا هو الصحيح.

(٩) المختلف: في الرهن ص ١٣٨ س ٣٠ قال: والمعتمد قوله في الخلاف.

(١٠) البقرة: ٢٨٣.

(١١) التهذيب: ج ٧(١٥) باب الرهون، ص ١٧٦ الحديث ٣٦.

(١٢) المائدة ١.

٤٩١

ومن شرطه أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه، ويصح بيعه منفردا كان أو مشاعا.ولو رهن مالا يملك وقف على إجازة المالك، ولو كان يملك بعضه مضى في ملكه.وهو لازم من جهة الراهن، ولو شرطه مبيعا عند الاجل، لم يصح.ولا يدخل حمل الدابة، ولا ثمرة النخيل والشجر في الدهن، نعم لو تجدد بعد الارتهان دخل.وفائدة الرهن للراهن.ولو رهن رهنين بدينين ثم أدى عن أحدهما لم يجز إمساكه بالآخر ولو كان دينان وبأحدهما رهن لم ميجز امساكه بهما، ولم يدخل زرع الارض في الرهن سابقا كان أو متجددا.

الثاني: في الحق

ويشترط ثبوته في الذمة مالا كان أو منعفة.ولو رهن على مال ثم استدان آخر فجعله عليهما صح.

الثالث: في الراهن

ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف، وللولي أن يرهن لمصلحة المولى عليه.

وليس للراهن التصرف في الرهن باجارة، ولا سكنى، ولا وطء، لانه تعريض للابطال، وفيه رواية بالجواز مهجورة الاية سيقت لبيان الارشاد إلى حفظ المال، وذلك إنما يتم بالاقباض كما لايتم الا بالارتهان، فالاحتياط يقتضي القبض، كما أنه يقتضي الرهن، ولما كان الرهن ليس شرطا في صحة الدين.فكذا القبض ليس شرطا في صحة الرهن، والرواية ضعيفة السند، مع إشتمالها على إضمار لابد منه فليضمر الاحتياط.

قال طاب ثراه: وليس للراهن التصرف في الرهن بإجارة، ولا سكنى، ولا وطء، لانه تعريض للابطال وفيه رواية بالجواز مهجورة.

٤٩٢

أقول: المشهور أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن، للخبر(١) ولان الرهن بالنسبة إلى المرتهن أمانة ولا يجوز التصرف في الامانات.ومنع الراهن؟ ليكون أدعى له إلى تخليص الرهن ومسارعة إنفكاكه، فيكون أتم في الوثيقة.وفي رواية يجوز له التصرف بالوطء، وهي مارواه محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يرهن خادمه، أيحل له أن يطأها؟ قال: إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها، قلت: أرأيت إن قدر عليها خاليا ولم يعلم الذين ارتهنوها، قال: نعم ولا أرى لهذا بأسا(٢) .اذا عرفت هذا، فلو وطأ، فان لم تحبل لم يبطل الرهن قطعا، وإن حبلت هل يبطل أم لا؟ قال في المبسوط: لايبطل(٣) لانها مملوكه سواء كان موسرا أم معسرا وبه قال ابن إدريس(٤) واختاره العلامة(٥) لان حق الارتهان أسبق من حق الاحبال فلا يوثر في إبطاله تعدى الراهن به، وقال في الخلاف: إن كان موسرا الزم قيمة الرهن من غيرها لحرمة ولدها، يكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا كان الرهن باقيا وجاز بيعها فيه(٦) .وكذا لو كان الوطء بإذن المرتهن لم يكن بينه وبين عدم الاذن فرقا إلا في التعزير، فيعزر في الاول مع عدم الشبهة دون الثاني، وتصير ام ولد.

____________________

(١) لا حظ التذكرة: ج ٢ الفصل الثالث في منع المتراهين من التصرفات، ص ٢٧.

(٢) الفروع: ج ٥ كتاب المعيشة، باب الرهن، ص ٢٣٥ الحديث ١٥ وص ٢٣٧ الحديث ٢٠.

(٣) المبسوط: ج ٢ كتاب الرهن ص ٢٠٥ س ٢٠ قال: وان ظهربها حمل، إلى أن قال: ولا يخرج الجارية عندنا من الرهن.

(٤) السرائر: باب الرهون ص ٢٥٩ س ٢ قال: ولا يجوز للراهن ولا للموتهن وطؤ الجارية المرهونة إلى أن قال:: ولا يخرج من كونها رهنا.

(٥) المختلف: في الرهن، ص ١٣٨ س ٣٧ قال: بعد نقل قول المبسوط: وهو الاقوى.

(٦) الخلاف: كتاب الرهن، مسألة ١٩.

٤٩٣

ويحتمل ضعيفا بطلان الرهن في صورة الاذن، لان الغرض من الرهن الوثيقة، ولا وثيقة مع تسليط المالك على الوطء وغيره من التصرفات الموجبة للنقض فيكون كالاذن في البيع، لكن الاول أولى، وجزم العلامة في القواعد ببقاء الوثيقة(١) .وفي قول المصنف هنا " لانه تعريض للبطلان " إيماء إلى تحريم بيعها وخروجها عن الرهن.وفي قولنا: " صارت ام ولد ولا يبطل الرهن " فائدة، وتقريرها ان نقول: هذا الكلام يتضمن حكمين:

(أ) عدم بطلان الرهن، ووجهه سبق حق المرتهن على حق الاستيلاد فعلى هذا لو تعذر إستيفاء الدين بإفلاس الراهن أو شبهه، باعها المرتهن واستوفى حقه إن كان مستغرقا، وان لم يستغرق باع منها بقدر حقه وكان الباقى رقا لمالكها، فاذا مات إنعتقت أجمع وسعت فيما بيع منها.ويحتمل قويا تقويمها على ولدها إن كان له باقي نصيب.ويحتمل مطلقا ويلزمه فكها من ماله، وان كان فقيرا قيل: يسعى.

(ب) إنها ام ولد بالنسبة إلى الراهن، فيجب عليه أن يفكها من الرهن كيلا يباع مهما أمكنه ويمنع من التصرف فيها ببيع أوهبة أو رهن آخر عند المرتهن أو غيره.ولو ماطل حتى باعها المرتهن وكان موسرا وجب عليه أن يفكها بعد ذلك من المشتري ولو بأضعاف ثمنها، ولو بيعت لاعساره ثم أيسر لم يجب عليه الفك، فلو فكها فالاقرب صيرورتها ام ولد

تنبيه

واذ قد عرفت منع الراهن من التصرف، فاعلم أنه إنما يمنع من تصرف يخرجه

____________________

(١) القواعد: كتاب الدين، الفصل الثالث، في العاقد، ص ١٦٠ س ١٧: ولو أحبلها الراهن لم يبطل الرهن

٤٩٤

ولو باعه الراهن وقف على اجازة المرتهن.وفي وقوف العتق على اجازة المرتهن تردد، أشبهه الجواز.

الرابع: في المرتهن

ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف.ويجوز اشتراط الوكالة في الرهن، ولو عزل له لم ينعزل.وتبطل الوكالة عن الملك، أو ينقص ماليته وغير ذلك إن كان ينفع الرهن ولم يستضر به المرتهن، جازوالا فلا، فالذي لايمنع منه صور:

(أ) تأبير النخل فللمالك الاستقلال به، وليس للمرتهن منعه.

(ب) سقيه.

(ج) ختان العبد.

(د) فصاده(١) .

(ه‍) مداواته بدواء لا يكون مخوفا سميا، ولو امتنع من مداواته وكان في المداواة مصلحة لم يجبر، ولو أراد المرتهن المداواة، فان كان من خاصه من غير رجوع به على الراهن جاز والا فلا.

(و) له تزويج الجارية، لكن لايسلمها إلى الزوج الا بعد الفك، أو إذن المرتهن.

(ز) للزوج الخيار في فسخ النكاح مع منع المرتهن، إن لم يعلم كونها مرهونة.قال طاب ثراه: وفي وقوف العتق على إجازة المرتهن تردد، أشبهه، الجواز.

أقول: وجه الجواز كون العتق مبنيا على القهر والتغليب، وعليه عقد باب العتق بالسراية، وإنما منع من التصرف حق المرتهن وقد أجاز فيرتفع المانع، وهو مذهب

____________________

(١) أي فيما كانت المداوة بالفصد وفتح العروق

٤٩٥

بموت الموكل دون الرهانة.ويجوز للمرتهن إبتياع الرهن والمرتهن أحق من غيره باستيفاء دينه من الرهن، سواء كان الرهن حيا أو ميتا، وفي الميت رواية أخرى.الشيخ في النهاية(١) واختاره المصنف في الشرائع(٢) والعلامة في التحرير(٣) .ووجه البطلان عدم تأثير الاجازة في نفوذ العتق، لان هذا العتق لا يجوز الحكم بوقوعه منجزا من حين الاعتقاق، لتعلق حق المرتهن به، والاجازة اللاحقة ليست صيغة موجبة للعتق، ولا شرطا في وقوعه وتنفيذه، لان العتق لا يقع موقوفا، ولا يقبل التعليق، فيكون باطلا، وهو مذهب الشيخ في المبسوط(٤) .وأجيب بوقوعه مراعى، والاجازة كاشفة، فإن أجاز بنينا وقوع العتق من حينه، وإن لم يجز عرفنا بطلان العتق من رأس.

قال طاب ثراه: المرتهن أحق باستيفاء دينه من الرهن سواء كان الراهن حيا أو ميتا، وفي الميت رواية اخرى.

أقول: الرواية اشارة إلى ما رواه عبدالله بن الحكم قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم فمات، ولا يحيط ماله بما عليه من الديون؟ قال: يقسم جميع ما خلف من الرهون

____________________

(١) النهاية: باب الرهون وأحكامها، ص ٤٣٣ س ١٤ قال: وكذلك إن اعتق المملوك إلى أن قال فان أمضى المرتهن ما فعله الراهن كان ذلك جائزا ماضيا.

(٢) الشرائع: كتاب الرهن، السادس في اللواحق، قا ل: وفي صحة العتق مع الاجازة تردد، والوجه الجواز.

(٣) التحرير: كتاب الرهن، الفصل السادس في أحكام (ز) قال: ليس للراهن عتق الرهن فان فعل كان موقوفا على إجازة المرتهن.

(٤) المبسوط: كتاب الرهن ج ٢ ص ٢٠٠ س ٤ قال: واذا رهنه شيئا ثم تصرف فيه الراهن إلى أن قال أو أعتقه أو أصدقه لم يصح جميع ذلك ولا يكون ذلك فسخا للرهن الخ.

٤٩٦

ولو قصر الرهن عن الدين ضرب مع الغرماء بالفاضل.والرهن أمانة في يد المرتهن ولا يسقط بتلفه شئ من ماله مالم يتلف بتعد أو تفريط.وليس له التصرف فيه، ولو تصرف من غير اذن ضمن العين والاجرة.ولو كان الرهن دابة قام بمؤنتها وتقاصا، وفي رواية: الظهر يركب والدر يشرب وعلى الذى يركب ويشرب النفقة.وغيرها على ارباب الدين بالحصص(١) .وربما عضدها كون الحي له ذمة تتعلق بها ديون الباقين ويمكن وفاؤهم مع حياته، وبعد الموت يتعلق حقوق الديان باعيان التركة فيتساوى الجميع في تعلق حقوقهم باعيانها.والمشهور بين الاصحاب تقديم صاحب الرهن مطلقا تحقيقا للوثيقة وثبوت المزية له في الفرق بينه وبينهم في سبق تعلق حقه على الموت، وديونهم لم يتعلق باعيان التركة إلا بعد الوفاة، والرواية ضعيفة الطريق(٢) .

قال طاب ثراه: ولو كان الرهن دابة قام بمؤنتها وتقاصا.

وفي رواية: الظهر يركب والدر يشرب وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.

أقول: قال الشيخ في النهاية: إذا أنفق كان له الركوب واللبن بازاء نفقته، وإن لم ينتفع رجع على الراهن بما أنفق(٣) وقال التقى: يجوز للمرتهن اذا كان الرهن حيوانا فتكفل مؤنته إن ينتفع بظهره أو خدمته او صوفه او لبنه، وإن لم يتراضيا

____________________

(١) الفقيه: ج ٣(٩٥) باب الرهن، ص ١٩٦ الحديث ٧.

(٢) سند الحديث كما في الفقيه (وروى محمد بن حسان عن أبي عمران الارمني عن عبدالله بن الحكم).

(٣) النهاية: باب الرهون واحكامها ص ٤٣٥ س ٥ قال: وان انفق المرتهن عليها مان له ركوبها والانتفاع بها الخ

٤٩٧

ولا يحل شئ من ذلك من غير تكفل مؤنة ولا مراضاة، والاولى ان تصرف قيمة منافعه في مؤنته(١) وقال ابن ادريس: لا يجوز له التصرف بذلك لعموم منع الراهن والمرتهن من التصرف في الرهن، فان أنفق تبرعا فلا شئ له على الراهن وإن أنفق بشرط العود وأشهد على ذلك رجع بما انفق(٢) وقال المصنف: يقضى بالتقاص(٣) وقال العلامة: يقضى بالتقاص ويكون الفضل لصاحبه ولا يجوز الركوب من دون الاذن(٤) واشترط الشهيد في جواز الرجوع بالنفقة إذن المالك أو الحاكم، فان تعذر فالاشهاد(٥) ولم يشترط الباقون إذن الحاكم فهو أولى كاللقطة والوديعة، فان المرتهن يحب عليه الحفظ كالمستودع، ولا يتم الا بالانفاق، فيرجع به مع عدم التبرع، والقول قوله في ذلك، وأما الانتفاع فلا يجوز بالظهر الا مع الاذن من المالك، أو الحاكم مع تعذره.وأما اللبن فانه إذا ترك فسد وربما أدى إلى ضرر الحيوان، فيجوز الحلب، فان تمكن من المالك سلمه اليه، وإن تعذر جاز الانتفاع به بالقيمة العادلة، ولا يشترط إذن الحاكم لعموم الاذن بالانتفاع باللبن من غير تفصيل.

إحتج الشيخ برواية أبي ولاد قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام من الرجل يأخذ الدابة والبعير رهنا بملكه، أله أن يركبها؟ فقال: إن كان يعلفها فله أن يركبها،

____________________

(١) المختلف: في الرهن، ص ١٤٠ س ١٨ قال: وقال ابوالصلاح: يجوز للمرتهن اذا كان الرهن حيوانا الخ.

(٢) السرائر: باب الرهون وأحكامها، ص ٢٦٠ س ٢٨ قال: واذا كان عند انسان دابة إلى أن قال: وإن انفق الخ.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف: في الرهن، ص ١٤٠ س ٢٠ قال: والمعتمد ان نقول: اذا ركب المرتهن إلى أن قال وليس له الركوب للمنع الخ.

(٥) اللمعة: كتاب الرهن، في اللواحق، الثالثة، قال: ولو احتاج إلى مؤنه إلى أن قال: رفع أمره إلى الحاكم، فان تعذر أنفق هو بينة الرجوع واشهد عليه الخ.

٤٩٨

وللمرتهن استيفاء دينه من الرهن، إن خاف جحود الوارث.ولو اعترف بالرهن وادعى الدين ولا بينة، فالقول قول الوارث.وله إحلافه إن ادعى عليه العلم.ولو باع الرهن وقف على الاجازة.ولو كان وكيلا فباع بعد الحلول صح.ولو أذن الراهن في البيع قبل الحلول، لم يستوف دينه حتى يحل.ويلحق به مسائل النزاع، وهي أربع: الاولى: يضمن المرقهن قيمة الرهن يوم تلفه، وقيل: أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف.وإن كان الذي رهنها يعلفها فليس له أن يركبها(١) .فالحاصل أن في المسألة أربعة أقوال:

(أ) جواز الانتفاع وكون الانفاق بازائه، وهو قول الشيخ والتقي.

(ب) المنع من الانتفاع والرجوع بالانفاق مع النية والاشهاد، وهو قول ابن ادريس.

(ج) اشتراط اذن الحاكم في الرجوع، وهو قول الشهيد.

(د) المنع من التصرف والقضاء بالتقاص، وهو قول العلامة.

قال طاب ثراه: يضمن المرتهن قيمة الرهن يوم تلفه، وقيل: أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف.

أقول: اذا ثبت التفريط قيل: أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف.

أقول: اذا ثبت التفريط من المرتهن في الرهن، باقراره أو البينة ولزمه قيمته، ففي اعتباره أربعة أقوال:

(أ) يوم التلف، وهو مذهب الشيخين(٢) ووجهه أنه وقت استقرار الضمان

____________________

(١) الفقيه: ج ٣(٩٥) باب الرهن، ص ١٩٦ الحديث ٥.

(٢) المقنعة: باب الرهون، ص ٩٧ س ١ قال: واذا اختلف الراهن والمرتهن إلى أن قال: في قيمة الرهن في يوم هلك دون يوم قبضه.وفي النهاية: باب الرهون وأحكامها ص ٤٣١ س ٨ قال: ومتى هلك بتفريط من جهته إلى أن قال: كان ضامنا لثمن الرهن في وقت هلاكه.

٤٩٩

ولو اختلفا، فالقول قول الراهن، وقيل: القول قول المرتهن، وهو أشبه.وإنتقاله إلى ذمة المرتهن.

(ب) أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف نفله المصنف(١) .

(ج) أعلى القيم من يوم التلف إلى حكم الحاكم عليه بالقيمة، وهو مذهب أبي علي(٢) .

(د) أعلى القيم من حين التفريط إلى وقت التلف، وهو ظاهر العلامة في المختلف وهو أقرب لانه من حين التفريط كالغاصب.

قال طاب ثراه: ولو اختلفا فالقول قول الراهن، وقيل: القول قول المرتهن، وهو أشبه.

أقول: اذا اختلفا في قيمة الرهن اللازمة للمرتهن بسبب تفريطه او تعديه على الرهن، هل يكون القول قوله في ذلك مع يمينه، أو القول قول المالك؟ بالاول قال ابن ادريس(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة(٥) لانه منكر، وقالعليه‌السلام : اليمين على من أنكر(٧) ولاصالة براء‌ة ذمته من الزائد، واسقاط حكم عدالته،

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) و(٣) المختلف: في الرهن ص ١٣٩ س ٦ قال: وقال ابن الجنيد: فان تعدى المرتهن في الرهن و استهلكه لزمه أعلى قيته من يوم استهلاكه إلى يوم أن يحكم عليه بقيمته، إلى أن قال وجب هنا على المرتهن اعلى القيم من حين التفريط إلى وقت التلف.

(٤) السرائر: باب الرهون وأحكامها ص ٢٥٩ س ٢٨ قال: واذا اختلفا في مبلغ الرهن أو في مقدار قيمته إلى أن قال: فالقول قول المرتهن ايضا.

(٥) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف: في الرهن ص ١٣٩ س ٤ قال بعد نقل ابن ادريس: وهو الاقوى.

(٧) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٤٤ الحديث ١٧٢ وص ٤٥٣ الحديث ١٨٨ ج ٢ ص ٢٥٨ الحديث ١٠ وص ٣٤٥ الحديث ١١ وج ٣ ص ٥٢٣ الحديث ٢٢

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579