المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع6%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117283 / تحميل: 7172
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بمثلها وما يقابل العرض بمثله عندنا ، وعند المخالف بنقد البلد(١) .

مسألة ١٥١ : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين : الذهب أو الفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

ولو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإِبل متاع التجارة وكانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصاباً من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا ، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون ديناراً أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهماً ثبتت فيه الزكاة وهو ربع عُشرة أيضاً ، وإلّا فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين ، وقد سلف.

مسألة ١٥٢ : إذا اشترى سلعاً للتجارة في أشهر متعاقبة ، وقيمة كلّ واحد نصاب‌ يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها ، ولم يضمّ بعضها إلى بعض.

وإن كانت الاُولى نصاباً فحال حولها وهي نصاب وحال حول الثانية والثالثة وقيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ، ومن الثاني والثالث من كلّ أربعين درهماً درهم.

ولو كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثاني نصاباً فحولهما من حين ملك الثاني ، ولا يضمّ الثالث إليهما ، بل ابتداء الحول من حين ملكه ، وتثبت فيه الزكاة - وإن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني ، لأنّ قبله نصاباً.

مسألة ١٥٣ : إذا اشترى عرضاً للتجارة بأحد النقدين‌ ، وكان الثمن‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٦٦ - ٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٧٦.

٢٢١

نصاباً ، قال الشيخ : كان حولُ السلعة حولَ الأصل(١) ؛ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحاب الرأي ، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة وقيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرةً فخفيت.

ولأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب ، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [ لأجله ](٢) مانعا منها(٣) .

ولو قيل : إن كان الثمن من مال تجارة بنى على حوله وإلاّ استأنف ، كان وجها.

ولو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة ، فإن ظهر ربح حتى بلغ به نصاباً جرى في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : أنّه يبنى على الحول من حين الشراء ، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول على الأقوى من وجهيه(٤) .

فروع :

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقُنية فالأقرب انقطاع حول السائمة ، ويبتدئ حول التجارة من يوم الشراء ؛ لاختلاف الزكاتين في القدر والتعلّق ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يبني عليه كالنقدين(٥) .

وإن كانت للتجارة فالوجه البناء على حولها.

ب - البناء على حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب ، ولو‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٤ ، المسألة ١٠٨ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) زيادة أثبتناها من المغني والشرح الكبير.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥ - ٦٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣ - ٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٢٢

اشتراه في الذمة ونقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقداً كان أو ماشيةً ، وابتدأ حول التجارة من يوم الشراء ، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلى هذه الجهة.

ج - لو اشترى عرضاً للتجارة بعرض للقُنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال مالك : لا يدور في حول التجارة إلّا أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب والفضة(٢) .

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة وقصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

وقال أحمد : لا ينقطع ، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(٤) .

والفرق : أنّ قصد التجارة انقطع ، وتعلّقت به حول زكاة اُخرى.

ولو قصد بالثمن التجارة ، فالأقرب عدم الانقطاع ، وبنى على حول الأول ؛ لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القَيِم.

ه- لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم يَنْو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر إجماعاً ؛ لأنّهما مختلفان ، وإن أبدله بعرض للقُنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله إجماعاً ، لأنّهما مختلفان.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٢ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٦.

٢٢٣

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعاً ، بل قيمتها وبلوغ القيمة النصاب.

مسألة ١٥٤ : لا تجتمع زكاة التجارة والمالية في مالٍ واحد‌ اتّفاقاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا ثني(١) في الصدقة )(٢) .

فلو ملك نصاباً من السائمة فحال الحول ، والسوم ونية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا ؛ لأنّها واجبة دون زكاة التجارة ؛ لاستحبابها.

ومن قال بالوجوب اختلفوا ، فالذي قاله الشيخ - تفريعاً على الوجوب - : تقديم المالية أيضاً(٣) ؛ وبه قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوى ؛ لانعقاد الإجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى(٤) .

وقال أبو حنيفة والثوري ومالك وأحمد والشافعي في القديم : يزكّيه زكاة التجارة ، لأنّها أحظّ للمساكين ، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب ، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصاباً(٥) .

ونمنع اعتبار ترجيح المساكين ، بل مراعاة المالك أولى ؛ لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سبباً لإِضرار المالك ولا موجبة للتحكّم في ماله.

____________________

(١) أي : لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٣٣٢ / ١٥٩٠٢.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٤ ، المسألة ١٢٠ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٢.

(٤) الاُم ٢ : ٤٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٢١ ، وفيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين ؛ على خلاف ما نسب إليه المصنّف ، وأمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.

٢٢٤

فروع :

أ - لو انتفى السوم ثبتت زكاة التجارة وإن كان النصاب ثابتاً ، وكذا لو انتفى النصاب وحصل السوم ؛ لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعاً ، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال ، لثبوت المقتضي في آخر الحول ، السالم عن معارضة المانع.

وقال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة ، لأنّه أنفع للفقراء(١) . وهو ممنوع.

وعلى ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب ، لأنّه قد زكّى العين فلا يتعلّق بالقيمة.

وقال بعض الجمهور : تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب ، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب(٢) .

وهو ممنوع ؛ لوجود المانع وهو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فزرعت الأرض وأثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة واشتداد الحبّ عند تمام الحول ، وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة والحبّ زكاة العشر ، ويزكّي الأصل زكاه القيمة ، ولا تثبت في الثمرة الزكاتان ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) ، لأنّ زكاة العُشر أحظّ للفقراء فإنّ العُشر أكثر من ربع العُشر ، ولأنّ زكاة المال متّفق عليها.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

٢٢٥

وقال أحمد : يزكّي الجميع زكاة التجارة ؛ لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(١) .

والفرق : زكاة السوم أولى ، على أنّا نقول بموجبه هناك.

ه- لو اشترى أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(٢) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضاً ، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت وثبتت زكاة التجارة ، لعدم المانع ، وإلّا أوجبنا زكاة المال.

ولو عارضها بأربعين للقُنية سقطت زكاة التجارة وانعقد حول المالية من المعارضة.

ولو اشترى أربعين للقُنية وأسامها ، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - على الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة وزكاة التجارة على ما يأتي.

ز - لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها ، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل ، وانعقد حول الماليّة من حين الإسامة ، وإن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول ؛ لعدم المانع ، وانعقاد حول الماليّة من حين الإِسامة.

مسألة ١٥٥ : إذا نوى بعرض التجارة القُنية صار للقنية وسقطت الزكاة‌ عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ القُنية الأصل ، ويكفي في الردّ إلى الأصل مجرّد النيّة ، ولأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

(٢) المعارضة : بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢١٤ « عرض ».

(٣) المجموع ٦ : ٤٩ - ٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٠ - ٦٣١.

٢٢٦

العروض ، فإذا نوى القنية زال الشرط.

وقال مالك في رواية : لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوى بالسائمة العلف(١) .

والفرق أنّ الإِسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلّا بانتفاء السوم.

وإذا صار العرض للقُنية بنيّتها فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية على ما قدّمناه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٢) .

تذنيب : لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا للماليّة - وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء ، وحول السوم لا يبنى على حول التجارة.

والوجه : أنّها إن كانت سائمةً ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - وبه قال إسحاق(٤) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خالياً عن المعارض فتجب به الزكاة ، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة ١٥٦ : المشهور عندنا وعند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضاً‌ - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الولد بعض الاُمّ فحكمه حكمها ، فلو اشترى جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعةً لها ، هذا إذا لم تنقص قيمة الاُمّ بالولادة ، فإن(٦) نقصت جعل الولد جابراً بقدر قيمته ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤١.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٢ - ٦٣٣.

(٤) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٣.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٦) في « ف » والطبعة الحجرية : فلو.

٢٢٧

سبب النقصان انفصاله.

وللشافعي قول آخر : إنّه ليس مالَ التجارة ؛ لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله ، ولا يبني على حول الأصل ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سبق(٣) .

فروع :

أ - لو اشترى من الماشية السائمة نصاباً للتجارة فنتجت ، فعندنا تقدّم زكاة المال ، ولا يتبع النتاج الاُمّهات في الحول ، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج ، فيبقى سبب التجارة سالماً عن المعارض ، فينعقد حولها من حين الانفصال ، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول ، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبنى النصاب هنا على نصاب الاُمّهات بمعنى أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين ديناراً تعلّقت الزكاة به ، ولا يضمّ إلى الاُمّهات في النصاب ، لأنّ الاُمّهات لها زكاة بانفرادها ، ولا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهماً أو أربعة دنانير ، وإن كانت قيمة الاُمهات نصاباً فإشكال.

ج - لو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت عنده ، وقلنا : إنّ ثمار التجارة مال تجارة ، أو اشتراها وهي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة على ما قدّمناه.

ولا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٦٦.

(٣) سبق في المسألة ٣٤.

٢٢٨

الشافعية(١) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتى تسقط بها زكاة التجارة.

وفي الآخر : تسقط ، لأنّ المقصود منها ثمارها وقد أخذنا زكاتها(٢) .

وهو ممنوع.

وكذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

وللشافعية طريقان : أحدهما : طرد الوجهين(٣) . والثاني : القطع بعدم السقوط ، لبُعد الأرض عن التبعية ؛ لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة ، والشجرة حاصلة ممّا اُودع في الأرض لا من نفسها(٤) .

وأمّا الثمار التي اُخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضاً ، وتثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة وإن كانت الماليّة لا تتكرر ، ويحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح ، لأنّ عليه [ بعد ](٥) بدوّ الصلاح تربية [ الثمار ](٦) للمساكين ، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشترى أرضاً مزروعة للتجارة فأدرك الزرع ، والحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية ، وللشافعية الوجوه السابقة(٧) في الثمرة.

ولو اشترى أرضاً للتجارة وزرعها ببذر القُنية فعليه العُشر في الزرع ، وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العُشر إجماعاً.

ه- الدَّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.

____________________

(١ و ٢ ) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣.

(٣) أي : الوجهان اللذان تقدّما آنفاً.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣ - ٨٤.

(٥ و ٦ ) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) سبق في المسألة ١٥٤ الوجهان للشافعي ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٨٣ ، والمجموع ٦ : ٥٢.

٢٢٩

الفصل الثاني

في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة‌

مسألة ١٥٧ : كلّ ما يخرج من الأرض من الغلّات غير الأربع تستحب فيها الزكاة‌ إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس والماش والاُرز والذرّة وغيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلّات الأربع - وهو خمسة أوسق - لعموم قولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) .

والقدر المخرج هو العشر إن سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ، ونصفه إن سقي بالقرب والدوالي كما في الغلّات.

ولو اجتمعا حكم للأغلب ، فإن تساويا قسّط ويؤخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العُشر ، وتثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

ولا زكاة في الخُضراوات.

وفي ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر ، وكذا الدّخن ، والأقرب : الضمّ ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٩ / ٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، و ٣ : ٩٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

٢٣٠

ويدلّ على استحباب الزكاة بعد ما تقدّم : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » وقال : « جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتته الأرض إلّا الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه »(١) .

وقالعليه‌السلام وقد سأله زرارة في الذرة شي‌ء؟ فقال : « الذرّة والعدس والسّلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(٢) .

أمّا الخُضر فلا زكاة فيها إلّا أن تباع ، ويحول على ثمنها الحول ، وتكون الشرائط موجودةً فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة إلّا ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة »(٣) .

وسأل زرارة الصادقعليه‌السلام هل في القَضْب(٤) شي‌ء؟ قال : « لا »(٥) .

وسأل الحلبي ، الصادقعليه‌السلام ما في الخضرة؟ قال : « وما هي؟ » قلت : القضب والبطيخ ومثله من الخضر. فقال : « لا شي‌ء عليه إلّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة » وعن شجر العضاة(٦) من الفرسك(٧) وأشباهه فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فثمنه(٨) ؟ قال : « ما حال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، والكافي ٣ : ٥١٠ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٧٩.

(٤) القضب : كلّ نبت اقتضب واُكل طريّاً. مجمع البحرين ٢ : ١٤٤ « قضب ».

(٥) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨٠.

(٦) العضاة : كلّ شجر يعظم وله شوك. الصحاح ٦ : ٢٢٤٠ « عضه ».

(٧) الفرسك : ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح ٤ : ١٦٠٣ « فرسك ».

(٨) في « ف » والتهذيب : قيمته.

٢٣١

عليه الحول من ثمنه فزكِّه »(١) .

مسألة ١٥٨ : لا تجب الزكاة في الخيل‌ بإجماع أكثر العلماء ، وبه قال - في الصحابة - عليعليه‌السلام وعمر وابنه ، وفي التابعين : عمر بن عبد العزيز وعطاء والنخعي والشعبي والحسن البصري ، وفي الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد واحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لما رواه عليعليه‌السلام : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق »(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( ليس في الجَبْهة ولا في النخّة ولا في الكسعة صدقة )(٤) والجبهة : الخيل ؛ والنخة : الرقيق ، والكسعة : الحمير(٥) .

وقال ابن قتيبة : هي العوامل من الإِبل والبقر والحمير.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء »(٦) وعنى الإِبل والبقر والغنم.

وللأصل ، ولأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه ، ولكونه كالحُمُر.

وقال أبو حنيفة : إن كانت ذكوراً وإناثاً وجب فيها ، وإن كانت إناثاً منفردة فروايتان ، وكذا إن كانت ذكوراً منفردة ؛ لما رواه الصادقعليه‌السلام عن الباقر‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٢.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، ومسند أحمد ١ : ١٢١ و ١٤٥.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وغريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٥) قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ٢ / ٢.

٢٣٢

عليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(١) .

ولأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(٢) .

والحديث محمول على الاستحباب ، والنعم يضحّى بجنسها ، وتجب(٣) فيها من عينها ، بخلاف الخيل.

مسألة ١٥٩ : أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والأنوثة والحول ، لأنّ زرارة قال للصادقعليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ قال : « لا » فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإِناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها(٤) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٦٠ : قدر المخرج عن الخيل‌ عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول ، وعن البرذون دينار واحد عند علمائنا ، لقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وضع أمير المؤمنينعليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣ - ١٤ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥.

(٣) أي : تجب الزكاة.

(٤) ورد في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : مراحها. وما أثبتناه من المصادر ، والمرج : الموضع الذي ترعى فيه الدواب. الصحاح ١ : ٣٤٠ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٧ « مرج ».

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ - ٦٨ / ١٨٤.

٢٣٣

فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين ديناراً »(١) .

وقال أبو حنيفة : يتخيّر صاحبها إن شاء أعطى من كلّ فرس ديناراً ، وإن شاء قوّمها وأعطى ربع عُشر قيمتها ؛ لما رواه جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(٢) .

وهو دليل لنا لا له.

مسألة ١٦١ : العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله‌ ، ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب ؛ للعموم ، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العُشر ، فإن بلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الزكاة ، لوجود المقتضي ، ولا تستحب الزكاة في شي‌ء غير ذلك من الأثاث والأمتعة والأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

٢٣٤

٢٣٥

المقصد الرابع

في الإِخراج‌

وفيه فصول :

الأول : في من تخرج الزكاة إليه.

وفيه مباحث‌

٢٣٦

٢٣٧

الأول : في الأصناف‌

مسألة ١٦٢ : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية‌ بإجماع العلماء ، وهُم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) .

وقد اختلف الفقهاء في الفقراء والمساكين أيّهما أسوأ حالاً ، فقال الشيخ : الفقير : الذي لا شي‌ء له ، والمسكين هو : الذي له بُلغة من العيش لا تكفيه(٢) . فجعل الفقير أسوأ حالاً ، وبه قال الشافعي والأصمعي(٣) ، لأنّه تعالى بدأ به ، والابتداء يدلّ على شدّة العناية والاهتمام في لغة العرب.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استعاذ من الفقر(٤) ، وقال : ( اللّهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين )(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) المجموع ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣.

(٤) سنن النسائي ٨ : ٢٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ ، ٣٢٥ ، ٣٥٤.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٥٧٧ / ٢٣٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٨١ / ٤١٢٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٢٢.

٢٣٨

ولقوله تعالى( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (١) وهي تساوي جملة من المال.

ولأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار وذلك مهلك.

وقال آخرون : المسكين أسوأ حالاً من الفقير(٢) . وبه قال أبو حنيفة والفراء وثعلب وابن قتيبة ، واختاره أبو إسحاق(٣) ؛ لقوله تعالى( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٤) وهو المطروح على التراب ، لشدّة حاجته ، ولأنّه يؤكّد به ، ولقول الشاعر :

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد(٥)

والمروي عن أهل البيتعليهم‌السلام هذا ، قال الصادقعليه‌السلام : « الفقير : الذي لا يسأل ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم »(٦) .

ولا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب ؛ لأنّ الزكاة تدفع إلى كُلّ منهما ، والعرب تستعمل كلّ واحد منهما في معنى الآخر.

نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا والنذور وغيرهما ، والضابط في الاستحقاق : عدم الغنى الشامل لهما.

مسألة ١٦٣ : قد وقع الإِجماع على أنّ الغني لا يأخذ شيئاً من الزكاة‌ من‌

____________________

(١) الكهف : ٧٩.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٩ ، وسلّار في المراسم : ١٣٢.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٣ : ٨ ، اللباب ١ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المجموع ٦ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣ ، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة - : ١٨٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٢٢.

(٤) البلد : ١٦.

(٥) البيت للراعي ، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - ٩ : ١١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٢٣٩

نصيب الفقراء ؛ للآية(١) ، ولقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني )(٢) .

ولكن اختلفوا في الغنى المانع من الأخذ ، فللشيخ قولان ، أحدهما : حصول الكفاية حولاً له ولعياله(٣) ، وبه قال الشافعي ومالك(٤) ، وهو الوجه عندي ، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٥) أي المحاويج إليه ، ومن لا كفاية له محتاج.

وقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة إلّا لثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يجد سداداً من عيش ، أو قواماً من عيش )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا تحل(٧) لغني » يعني الصدقة ، قال هارون بن حمزة فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال : « فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله »(٨) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ ، ١٩٢ ، ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

(٣) الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٦.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣ ، المغني ٢ : ٥٢٢ و ٧ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) فاطر : ١٥.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٠ / ٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٩٦ ، وفيها بدل ( لا تحل الصدقة ) : ( لا تحل المسألة ).

(٧) في المصدر : « لا تصلح ».

(٨) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

٥٤١

٥٤٢

كتاب الشركة

وهي اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشئ على سبيل الشياع.ويصح مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر.ولا ينعقد بالابدان والاعمال.ولو اشتركا كذلك كان لكل واحد أجرة عمله.ولا أصل لشركة الوجوه والمفاوضة.وإذا تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء، ولو تفاوتا فالربح كذلك، وكذا الخسران بالنسبة.

مقدمات

(الاولى) الشركة في اللغة الخلط.وفي الشرع اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشئ على سبيل الشياع، ف‍ " الاجتماع " جنس، و " مالكين فصاعدا "، لانه لا شركة مع وحدة المالك، ولان الاجتماع عبارة عن الانضمام وانما يكون بين شيئين فصاعدا، و " على سبيل الشياع " ليخرج إجتماع حقوق الملاك في شئ تمتاز حق كل واحد عن صاحبه، فانه لا شركة.

(الثانية) سبب الشركة قد يكون إرثا كما لوورثا دارا عن أبيهما مثلا، وقد يكون عقدا كما لو اشتريا حيوانا مثلا، وقد يكون إختيارا كما لو مزجا المتجانسين، وقد

٥٤٣

يكون إتفاقا كما لو امتزج المتساويان بغير إختيارهما، وقد يكون حيازة كما لو اغترفا ماء دفعة، أو إقتلعا شجرة دفعة، فهذه خمسة أسباب.

(الثالثة) محل الشركة قد يكون حقا كالقصاص، والشفعة، وحد القذف، وخيار الرد بالعيب، وخيار الشرط، وحق الرهن، وحد المرافق في الطرقات، ومرافق الدار، والصنعة، والشرب، والبئر، والعين، وتعيين المجهول في الوصية، وقد يكون مالا، وقد يكون منفعة، كما لو اشترا دارا إشاعة.

(الرابعة) أقسام الشركة أربعة:

(أ) شركة العنان، وهي شركة الاموال، مأخوذة من عنان الدابة، لاستواء الشريكين في ولاية التصرف والفسخ كإستواء طرفي العنان، وسميت بذلك؟ لانهما متساويان ويتصرفان فيها بالسوية، فهما كالفارسين إذا سيرا دابتيهما وتساويا في ذلك، فإن عنانيهما في حال السير سواء، وقال الفراهي: مشتقة من عن الشئ إذا عرض، يقال: عنت له حاجة، اذا عرضت، فسميت الشركة بذلك، لان كل واحد منهما قد عن له أن يشارك صاحبه، أي عرض له، وقيل: اشقاقها من المعارضة، يقال: عاينت فلانا، اذا عارضته بمثل ماله وفعاله، وكل واحد من الشريكين أخرج في معارضة صاحبه بماله وتصرفه مثل ما أخرجه، فسميت بذلك شركة العنان، واستصلحه الشيخ على الاولين(١) .

(ب) شركة الابدان، وهي عقد لفظي يدل على تراضيهما واتفاقهما على اشتراكهما في كسب الاعمال التي يصدر عنهما على قدر الشرط، كاتفاق الدلالين والحمالين وارباب الصنايع على الاشتراك في الحاصل، فرأس المال هنا الاعمال،

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ كتاب الشركة ص ٣٤٣ س ٦ قال: فاما الشركة في الاعيان فمن ثلاثه أوجه: بالميراث، بالعقد، بالحيازة إلى أن قال: وأما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف و..فعلى هذا دخلت في شركة الاعيان.

٥٤٤

والربح ما يحصل بها، فخرج بالاعمال أرش الجناية.فلا يدخل في الشركة، ولا أصل لها عند الامامية، وأجازها ابوعلي(١) وقد تقدمها الاجماع تأخر عنه.فان تميز عمل كل منهما، فلكل كسب عمله، وان لم يتميز قسم الحاصل على أجرة المثل، لا الشرط، ولو تراضيا وقت القسمة على ذلك، جاز وكان صلحا.

(ج) شركة المفاوضة، وهي عقد لفظي يدل على اتفاقهما على شركتهما في غنم وغرم يحدث لهما أو عليهما الا الصداق وبذل الخلع والجناية، وصيغة هذا العقد: اشتركنا شركة المفاوضة، أو تفاوضنا، فيقول أحدهما ذلك ويقبل الاخر، أو يقولا ذلك معا.واتفقت الامامية على بطلانها.

(د) شركة الوجوه، وقيل في تفسيرها ثلاثة أقوال:

(أ) أن يشترك وجيهان عند الناس، فيبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل على أن مايبتاعه كل واحد منهما بانفراده يكون بينهما، ثم يبيع كل منهما ما اشتراه ويؤدي ثمنه، فما فضل عنه كان بينهما.

(ب) أن يشترك وجيه لامال له مع خامل له مال، فيكون العمل من الوجيه والمال من الخامل، والربح بينهما.

(ج) أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعض الربح، وهو تفسير العلامة في قواعده(٢) واتفقت الامامية على بطلانها.

(الخامسة) الاصل في الشركة الكتاب والسنة والاجماع.أما الكتاب فقوله تعالى " واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول

____________________

(١) المختلف: في الشركة، ص ٢١ س ٣ قال: وقال ابن الجنيد: ولو اشترك رجلان بغير رأس مال على أن يشتريا ويبيعا بوجوههما جاز ذلك.

(٢) القواعد: كتاب الاجازة، المقصد الرابع في الشركة، ص ٢٤٢ س ١٨ قال: وشركة الوجوه، وهي أن يبيع الوجيه مال الخامل

٥٤٥

ولذي القربى "(١) فجعل الغنيمة مشتركة بين الغانمين وبين أهل الخمس، وجعل الخمس مشتركا بين أهله.وقال تعالى " يوصيكم الله في أولاد كم للذكر مثل خط الانثيين "(٢) فجعل التركة مشتركة بين الورثة، وقال تعالى " انما الصدقات للفقراء والمساكين "(٣) فجعل الصدقا ت مشتركة بين أهلها، لان اللام للتمليك، والواو للتشريك وأما السنة.

فروى جابر بن عبدالله قال: نحرنا بالحديبية سبعين بدنة، كل بدنة عن سبعة(٤) وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يشترك البقر في الهدي(٥) وروى جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من كان له شريك في ربع أو حائط فلا يبيعه حتى يؤذن شريكه، فان رضي أخذه وان كره تركه(٦) وروي عن أبي المنهال أنه قال: كان زيد بن ارقم والبراء بن عازب شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمرهما: أن كل ما كان بنقد فاجيزوه وما كان بنسيئة فردوه(٧) وروى السائب بن أبي السائب قال: كنت شريكا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجاهلية، فلما قدم يوم فتح مكة قال: أتعرفني؟ قلت: نعم، أنت شريكى، وأنت خير شريك، كنت لا توارى(٨) ولا تمارى(٩) .فقال

____________________

(١) الانفال ٤١.

(٢) النساء: ١١.

(٣) التوبة: ٦٠.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣، باب الشركة، ص ٢٤٤ الحديث ١ لاحظ ما علق عليه.

(٥) عوالى اللئالى: ج ٣ باب الشركة، ص ٢٤٤ ذيل الحديث ١ لا حظ ما علق عيله.

(٦) سنن الدارمي: ج ٢ باب الشفعة، بادنى تفاوت في الالفاظ، ورواه في التذكرة: ج ٢، في الشركة ص ٢١٩ عن بعض العامة.

(٧) المنتقى من أخبار المصطفى: ج ٢ كتاب الشركة والمضاربة، الحديث ٣٠٢٥ ورواه في التذكرة: ج ٢ في الشركة ص ٢١٩.

(٨) الورى معناه ماتوارى عنك واستتر (مجمع البحرين).

(٩) المماراة، المجادلة ومنه قوله تعالى " فلا تمار فيهم " أى لا تجادل في أمر أصحاب الكهف (مجمع البحرين).

٥٤٦

ولو شرط أحدهما في الربح زيادة، فالاشبه أن الشرط لا يلزم.ومع الامتزاج ليس لاحد الشركاء التصرف إلا مع الاذن من الباقين.ويقتصر في التصرف على ما تناوله الاذن، ولو كان الاذن مطلقا صح، ولو شرط الاجتماع لزم.وهي جائزة من الطرفين، وكذا الاذن في التصرف.وليس لاحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة إلا أن يتضمن ضررا.ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال، ولا ضمان أحد الشركاء مالم يكن بتعد أو تفريط.ولا تصح مؤجلة، وتبطل بالموت، وتكره مشاركة الذمي، وابضاعه، وايداعه.عليه‌السلام : يدالله على الشريكين مالم يتخانا(١) وعنهعليه‌السلام قال: يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين مالم يخن أحدهما صاحبه، فاذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما(٢) .

وأما الاجماع.فمن سائر الامة لا يختلفون في جواز الشركة، وان اختلفوا في فروعها.قال طاب ثراه: ولو شرط أحدهما في الربح زيادة، فالاشبه أن الشرط لا يلزم.

أقول: مقتضى عقد الشركة كون الربح والخسران على قدر رؤوس الاموال، فاذا شرط التساوي مع التفاوت أو بالعكس، فلا يخلومن شرطت له الزيادة من أن يكون عاملا بانفراده، أولا، بل يكونا عاملين، فهنا قسمان:

____________________

(١) المنتفى من أخبار المصطغى: ج ٢، كتاب الشركة والمضاربة الحديث ٣٠٢٢ ورواه في جامع الاصول: ج ٦ الكتاب الثاني من حرف الشين، في الشركة الحديث ٣٢١٦ نقلا عن أبى داود باختلاف في الالفاظ.

(٢) سنن أبى داود: ج ٣ كتاب البيوع، باب في الشركة، الحديث ٣٣٨٣ ورواه في التذكرة: ج ٢ في الشركة ص٢١٩.

٥٤٧

الاول: أن يكونا عاملين وشرط التفاوت، فهل يلزم هذا الشرط أم لا؟ قال في الخلاف والمبسوط، لا(١) و(٢) وبه قال ابن ادريس(٣) واختاره المصنف(٤) فيبطل الشركة، وإن تحققت بالمزج، ويكون معنى بطلانها، بطلان الشرط وماتضمنه، ويحكم بصحة التصرف الواقع منهما بالاذن، ويكون الربح والوصيعة على نسبة المالكين، ولكل واحد اجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله.

وقال المرتضى: يصح الشركة ويلزم الشرط(٥) وهو ظاهرأبي علي(٦) واختاره العلامة(٧) .

وقال التقى: لواصطلحوا في الربح على ذلك حل تناول الزيادة بالاباحة دون عقد الشركة ويجوز لمبيحها الرجوع بها مادامت عينها باقية(٨) .

احتج الاولون بأن هذا الشرط خلاف مقتضى عقد الشركة، فيكون باطلا، ولصحة الشركة مع تقسيط الربح على رأس المال، وليس على جواز خلافه دليل.

____________________

(١) الخلاف: كتاب الشركة، مسألة ٩ قال: لا يجوز ان يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال، ولا أن يتساويا الخ.

(٢) المبسوط: ج ٢، كتاب الشركة ص ٣٤٩ س ٣ قال: ولا يجوز ان يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال الخ.

(٣) السرائر: باب الشركة، ص ٢٥٤ س ٤ قال: واذا انعقدت الشركة الشرعية اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار رأس ماله وعليه من الوضيعة بحسب ذلك الخ.

(٤) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٥) الانتصار: مسائل ستى، في الاشتراك، ص ٢٢٧، قال مسألة، ومما انفردت به الامامية القول بأن المشركين تساوي ماليها اذا تراضيا بأن يكون لاحدهما من الربح أكثر مما للآخر جاز ذلك الخ

(٦) و(٧) المختلف: في الشركة، ص ٢١ س ١١ قال بعد نقل قول السيد: وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد ثم قال بعد أسطر والحق عندي ما ذهب اليه المرتضى الخ.

(٨) الكافي: فصل في الشركة ص ٣٤٣ س ٨ قال: وان اشترط في عقد الشركة تفاضل في الوضيعة صحت الشركة الخ.

٥٤٨

احتج الاخرون بوجوه:

(أ) قوله تعالى " أوفوا بالعقود "(١) وانما يقع الايقاع إذا اجريت على ما وقعت عليه.

(ب) قوله تعالى " يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم(٢) " والتراضي انما وقع على ماشرطا، فلا يسوغ غيره، لخروجه عن حد التراضي.

(ج) المؤمنون عند شروطهم(٣) .

(د) إن في الشركة إرفاقا لكل واحد من المشاركين باعتبار المساعدة بالانضمام، وقد لا يرغب أحدهما فيها بدون الزيادة، ومع عدم الجواز تفوت المصلحة الناشئة من المشروعية لغير معنى يوجب الانتفاء.

القسم الثاني: أن يكون من شرطت له الزيادة عاملا، قال المصنف في الشرائع: صح ويكون بالقراض أشبه(٤) وقال التقي: يكون للعامل اجرة عمله من الربح وبحسب ماله(٥) وأولى بالجواز عند العلامة، لصحة الشرط مع عدم العمل عنده(٦) .

____________________

(١) المائدة:

(٢) النساء: ٢٩.

(٣) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٣٥ الحديث ٨٠ وص ٢٩٣ الحديث ١٧٣ وج ٢ ص ٢٧٥ الحديث ٧ وج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧.

(٤) الشرائع: كتاب الشركة، الفصل الاول، قال: أما لوكان العامل أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صح ويكون بالقراض أشبه.

(٥) الكافي: فصل في الشركة، ص ٣٤٢ س ١٠ قال: فان كان أحد الشريكين عاملا في البضاعة الي أن قال: وكان المعامل اجره عمله ومن الريح بحسب ماله.

(٦) تقدم مختاره مع عدم العمل، فاذا كان العمل فأولى بالجواز.

٥٤٩

٥٥٠

٥٥١

٥٥٢

٥٥٣

كتاب المضاربة

مقدمة

المضاربة والقراض عبارة عن معنى واحد.وهو أن يدفع الانسان إلى غيره مالا يتجربه على أن ما رزقه الله من ربح كان بينهما على ما يشترطانه.فالمضاربة لغة أهل العراق، وإشتقاقها من الضرب بالمال في الارض والتقليب له.وقيل: من ضرب كل واحد منهما بسهم في الربح.والمضارب بكسر الراء العامل، لانه الذي يضرب فيه ويقلبه، وليس للمالك منه اشتقاق.والقراض لغة أهل الحجاز، وقيل في اشتقاقه وجهان: (الاول) أنه من

٥٥٤

القرض، وهو القطع، ومنه قيل: قرض الفأر الثوب، إذا قطعه(١) . ومعناه أن المالك قطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل، وقطع له قطعة من الربح، ومنه سمي القرض، لان المقرض يقطع من ماله قطعة ويدفعها إلى المقترض.

(الثاني) اشتقاقه من المقارضة، وهي المساواة والموازنة، ومنه قيل: يقارض الشاعران، اذا تساويا في قول كل واحد منهما في صاحبه من مدح أو هجو، ومثله قول أبي الدرداء: قارض الناس ماقارضوك، فإن تركتهم لايتركوك(٢) ، يعنى: ساوهم فيما يقولون فيك.ومعناه هنا من وجهين:

(أ) أن من رب المال، المال، ومن العامل العمل.

(ب) يساوى كل واحد منهما صاحبه في الاشتراك في الربح.والمقارض بكسر الراء، المالك، وبفتحها العامل.والاصل فيه النص والاجماع.أما النص.فعموم قوله تعالى " فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله "(٣) وقوله " وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله "(٤) ولم يفصل.واستعمل الصحابة، فروي ذلك عن علي، وإبن مسعود، وحكيم بن حزام، وأبي موسى الاشعري(٥) ولا مخالف لهم فيه.

____________________

(١) القراضة: فصالة ما يقرض الفأر من خبز أو ثوب أوغيرهما لسان العرب: ج ٧ ص ٢١٦ لغة لقرض.

(٢) والمقارضة تكون في العمل السئ والقول السئ يقصد الانسان به صاحبه وفي حديث أبي الدرداء: وإن قارضت الناس قارضوك لسان العرب: ج ٧ ص ٢١٧ لغة قرض.

(٣) الجمعة: ١٠.

(٤) المزمل: ٢٠.

(٥) لا حظ التذكرة ج ٢ كتاب القراض ص ٢٢٩ س ٢١ قال: وهذه المعاملة جائزة بالنص والاجماع، لماروى العامة ان الصحابة أجمعوا عليها الخ، ولا حظ السنن الكبرى للبيهقي ج ٦ كتاب القراض: ص ١١٠ و ١١١

٥٥٥

وأما الاجماع.فلم يختلف فيه الامة، بل أجمعوا على مشروعيته، وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تنبيهان

الاول: في خواص العقد، وهي امور:

(أ) مقتضى هذا العقد أن العامل لا يشتري إلا بعين المال، فلا يملك الشراء في الذمة، ولا يقع للمضاربة وإن قصدها ونقد من مال المضاربة، وقف على الاجازة.

(ب) عدم الخسران على العامل، بل يضع تعبه وعمله، والخسارة على رب المال.

(ج) جهالة العوض والعمل غير قادح في هذا العقد.

(د) لو خسر المال ثم ربح، جبر الفائت من الربح، فلو تقاسما الربح ثم خسر المال، رد العامل أقل الامرين إن لم يكن حصل فسخ.ولو استمرت المعاملة سنين مطاولة من غير فسخ وكلما حصل ربح إقتسماه ثم خسر المال، أو تلف رجع على العامل بأقل الامرين.ولو حصل الفسخ ثم تقارضا ثم خسر المال، لم يجبر بالربح السالف، لانها معاملة مستأنفة وعقد جديد.

الثاني: هذا العقد مركب من عقود، فهو في الابتداء أمين، ومع التصرف وكيل، ومع ظهور الربح شريك، ومع فساد العقد أجير، ومع التعدي غاصب، واذا مات المالك انفسخت، فان كان الوارث عالما كانت كالوديعة لايجب دفعها الا مع التلف، وان لم يكن عالما كانت أمانة مطلقة.يجب ردها على الفور وإعلام المالك

٥٥٦

بها، فيضمن مع عدمه وإن كان بها عروض، فان كان قد ظهر منها ربح قبل الموت فهو شريك بقدر حصته المشروطة، وإن لم يكن ظهر ربح وأذن له الوارث في بيعها إستحقت اجرة البيع إن لم يتبرع به، سواء باعها بربح ظهر بعد موته، أو لحصول راغب، أو خسرة.ولو أقره الوارث على المضاربة لم يصح، أما لو كان المال ناضا فأقره فالاقوى إنعقادها بلفظ التقرير، لانها عقد جائز فلا يتوقف على لفظ معين، بل يكفي حصول المعنى.

تتمة

ويدخل تحت المضاربة البضاعة، وهي أن يدفع الانسان إلى غيره مالا أمانة يتجر له به، وليس له في فائدته حصة. فعلى هذا إن تبرع العامل لم يكن له اجرة، والا كان له المطالبة باجرة المثل. ولا يشترى الا بالعين، ويشترى الصحيح والمعيب، ويرد بالعيب، وليس له في السفر نفقة.ويدل على مشروعيتها آيات، كقوله تعالى " وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم "(١) " وجئنا ببضاعة مزجاة "(٢) " ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم "(٣) .وعدم المانع منها مع مافيها من المصالح المقصودة.

قال طاب ثراه: ويثبت للعامل ما شرط من الربح مالم يستغرقه، وقيل: للعامل اجرة المثل.

أقول: هنا مسألتان:

____________________

(١) يوسف: ٦٢.

(٢) يوسف: ٨٨.

(٣) يوسف: ٦٥

٥٥٧

ربح كان الربح بينهما بمقتضى الشرط.وكذا لو أمره بابتياع شئ فعدل إلى غيره.وموت كل واحد منهما يبطل المضاربة.

الاولى: المشهور أن للعامل ما شرط له من الربح نصفا أو ثلثا أو ربعا أو غير ذلك مما وقع عليه، التراضي، لانها معاملة صحيحة شرعية، فيترتب عليها آثارها، وآثارها ما اقتضته، ويترتب عليها من الشروط السائغة، وهو اختيار الشيخ في كتابي الخلاف(١) والاستبصار(٢) وابن حمزة(٣) وابي علي(٤) وابن ادريس(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة(٧) ، للآية والخبر، و لرواية اسحاق بن عمار عن الكاظمعليه‌السلام قال: سألته عن مال المضاربة؟ قال: الربح بينهما والوضيعة على المال(٨) وقال في النهاية: للعامل اجرة المثل(٩) وبه قال المفيد(١٠) والقاضي(١١)

____________________

(١) و(٢) المختلف: في القراض ص ٢٣ س ٤ قال: المضارب يستحق ما شرط من نصف الربح أو ثلثه أو غير ذلك، اختاره الشيخ في الخلاف والمبسوط والاستبصار، وفي الاستبصار: ج ٣ ص ١٢٦(٨٤) باب أن المضارب يكون له الربح بحسب ما يشترط وليس عليه من الخسران شئ فلاحظ.

(٣) الوسيلة: في بيان حكم القراض ص ٢٦٣ س ١١ قال: القراض، وهو ان يدفع انسان إلى غيره مالا ليتجر به على أن ما رزقه الله تعالى عليه من الفائدة يكون بينهما على مقدار معلوم إلى أن قال: وان عين مقدار ماله من الثلث أو الربع الخ.

(٤) و(٧) المختلف: في القراض، ص ٢٣ س ٥ قال: والاول اختيار ابن الجنيد أي يستحق ما شرط وهو مختاره إلى أن قال لنا قوله تعالى الخ.

(٥) السرائر: باب المضاربة ص ٢٥٦ س ٥ قال: على أن ما رزقه الله من ربح كان بينهما على ما يشترطانه.

(٦) لاحظ عبارة لمختصر النافع.

(٨) التهذيب ج ٧(١٨) باب الشركة والمضاربة، ص ١٨٨ الحديث ١٥.

(٩) النهاية: باب الشركة والمضاربة ص ٤٢٨ س ٣ قال: وإن لم يجعله دينا عليه وأعطاه المال ليضارب له به كان للمضارب اجرة المثل الخ.

(١٠) المقنعة: باب الشركة والمضاربة ص ٩٧ س ٣٤ قال: وللمضارب أجر عمله والربح كله لصاحب المال.

(١١) المختلف: في القراض ص ٢٣ س ٦ قال: والثاني " أى استحقاق اجرة العمل " اختيار المفيد وسلار وابن البراج الخ.وفي المهذب: ج ١ كتاب المضاربة ص ٤٦٠ س ٢ قال: وهو أن يدفع إنسان لى غيره مال إلى أن قال: كان ما بينهما على ما يشترطانه.

٥٥٨

وهو ظاهر التقي(١) وسلار(٢) .احتجوا بأن النماء تابع للاصل، فيكون للمالك، ولانها معاملة فاسدة لجهالة العوض، فيبطل، فيكون الربح للمالك، وعليه أجرة المثل للعامل، لانه لم يسلم له شرطه.

والجواب: بمنع فساد هذه المعاملة، وقد بينا صحتها، والجهالة لا تضر بجهالة العمل.

الثانية: على القول بلزوم الشرط، إنما يلزم المشروط إذا لم يكن مستغرقا، وإن استغرق مجموع الربح، فلا يخلو إما أن يكون الشرط للعامل أو للمالك، فهنا قسمان:

(أ) أن يكون للعامل، وهو مراد المصنف هنا، ولم يذكر حكمه، كأن يقول: قارضتك أو ضاربتك على هذه الالف ولك كل ربحها، فيه قولان: أحدهما: البطلان للاخلال بشرط القراض، فيكون فاسدا والربح للمالك وللعامل الاجرة، لفوات الشرط.وثانيهما: الصحة ويكون قرضا نظرا إلى المعنى، وتردد المصنف(٣)

(ب) أن يكون للمالك، كان يقول: خذه قراضا والربح لي، قال في المبسوط والخلاف: كان قراضا فاسدا ولا يكون بضاعة(٤) و(٥) لان لفظة القراض تقتضي

____________________

(١) الكافي: في ضروب الاجارة ص ٣٤٧ س ١٠ قال: والمضاربة خارجة عن باب الاجارة وامضاء شرطها أفضل.

(٢) المراسم: ذكر الشركة والمضاربة ص ١٨٢ س ٧ قال: والمضاربة إلى أن قال: وفيه تردد وكذا لو قال والربح لك.

(٣) الشرايع: كتاب المضاربة، الثالث في الربح قال: فلو قال خذه قراضا والربح لي فسد إلى أن قال: وفيه تردد وكذا التردد لو قال والربح لك.

(٤) المبسوط: ج ٢، كتاب القراض ص ١٨٤ س ٢١ قال: فان قال: على أن الربح كله لي، فهو قراض فاسد أيضا الخ.

(٥) الخلاف: كتاب القراض، مسألة ١٢ قال: اذا قال خذ هذاالمال قراضا على أن يكون الربح كله لي كان فاسدا.

٥٥٩

ويشترط في مال المضاربة أن يكون عينا، دنانير أو دراهم، ولا تصلح بالعروض.ولو قوم عروضا وشرط للعامل حصة من ربحه كان الربح للمالك، وللعامل الاجرة.ولا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة مالم يكن معلوم القدر.وفيه قول بالجواز.الشركة في الربح، فاذا شرط الربح لنفسه كان فاسدا، كما لو شرط للعامل، وقال العلامة: يصح العقد ولا اجره للعامل لانه دخل على ذك فيكون متبرعا بالعمل فلا أجرة له(١) قال طاب ثراه: ولا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة مالم يكن معلوم القدر، وفيه قول بالجواز.

أقول: اشتراط العلم في رأس مال المضاربة شرط في صحة العقد، حذرا من الجهالة المفضية إلى التنازع والغرر المنهي عنه في العقود، وهو اختيار الشيخ في الخلاف(٢) ، لان القراض عقد يحتاج إلى دليل رعي، وليس في الشرع ما يدل على صحة هذا القراض، فوجب بطلانه، واختاره المصنف(٣) والعلامة(٤) وقوى في المبسوط الصحة(٥)

____________________

(١) المختلف: في القراض ص ٢٥ س ١٠ قال: والوجه عندي أنه لا أجرة للعامل إلى أن قال: فكان متبرعا الخ.

(٢) الخلاف: كتاب القراض، مسألة ١٧ قال: لا يصلح القراض اذا كان رأس المال جزافا الخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع

(٤) المختلف: في القراض:، ص ٢٥ س ٢٩ قال: وما قواه الشيخ هو الاجود.

(٥) المبسوط ج ٣ كتاب القراض ص ١٩٩ س ٤ قال قوم يصح القراض بمال مجهول إلى أن قال: وهذا هو الاقوى عندي

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579