المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

المهذب البارع في شرح المختصر النافع6%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 117294 / تحميل: 7174
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بكل شيء ، لهذا فإن العبارة السابعة والأخيرة في هذا البحث تقول :( وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ) .

إذن فلا حاجة حتى للشهود ، لأنّ الله هو أعلم من كلّ أولئك الشهود ، ولكن لطفه وعدله يقتضيان إحضار الشهود ، نعم فهذا هو مشهد يوم القيامة ، فليستعد الجميع لذلك اليوم.

* * *

١٦١

الآيتان

( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) )

التّفسير

الذين يدخلون جهنم زمرا :

تواصل الآيات هنا بحث المعاد ، وتستعرض بالتفصيل ثواب وجزاء المؤمنين والكافرين الذي استعرض بصورة مختصرة في الآيات السابقة. وتبدأ بأهل جهنم ، إذ تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ) .

فمن الذي يسوقهم إلى جهنم؟

كما هو معروف فإن ملائكة العذاب هي التي تسوقهم حتى أبواب جهنم ، ونظير هذه العبارة ورد في الآية (٢١) من سورة (ق) ، إذ تقول :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

١٦٢

عبارة «زمر» تعني الجماعة الصغيرة من الناس ، وتوضح أن الكافرين يساقون إلى جهنم على شكل مجموعات مجموعات صغيرة ومتفرقة.

و «سيق» من مادة (سوق) وتعني (الحث على أسير).

ثم تضيف( حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ) (١) .

يتّضح بصورة جيدة من خلال هذه العبارة ، أن أبواب جهنم كانت مغلقة قبل سوق أولئك الكفرة ، وهي كأبواب السجون المغلقة التي تفتح أمام المتهمين الذين يراد سجنهم ، وهذا الحدث المفاجئ يوجد رعبا ووحشة كبيرة في قلوب الكافرين ، وقبل دخولهم يتلقاهم خزنة جهنم باللوم والتوبيخ ، الذين يقولون استهجانا وتوبيخا لهم : لم كفرتم وقد هيئت لكم كافة أسباب الهداية ، ألم يرسل إليكم أنبياء منكم يتلون آيات الله عليكم باستمرار ، ومعهم معجزات من خالقكم ، وإنذار وإعلام بالأخطار التي ستصيبكم إن كفرتم بالله(٢) ؟ فكيف وصل بكم الحال إلى هذه الدرجة رغم إرسال الأنبياء إليكم؟

حقّا إنّ كلام خزنة جهنم يعد من أشد أنواع العذاب على الكافرين الذين يواجهون بمثل هذا اللوم فور دخولهم جهنم.

على أية حال ، فإنّ الكافرين يجيبون خزنة جهنم بعبارة قصيرة ملؤها الحسرات ، قائلين :( قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

مجموعة من المفسّرين الكبار اعتبروا( كَلِمَةُ الْعَذابِ ) إشارة إلى قوله تعالى حين هبط آدم على الأرض ، أو حينما قرر الشيطان إغواء بني آدم ، كما ورد في الآية (٣٩) من سورة البقرة( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

__________________

(١) «خزنة» جمع (خازن) من مادة (خزن) على وزن (جزم) وتعني حافظ الشيء ، و (خازن) تطلق على المحافظ والحارس.

(٢) «يتلون» و «ينذرون» : كليهما فعل مضارع ودليل على الاستمرارية.

١٦٣

وحينما قال الشيطان : لأغوينهم جميع إلّا عبادك المخلصين ، فأجابه البارئعزوجل ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١) .

وبهذا الشكل اعترفوا بأنّهم كذبوا الأنبياء وأنكروا آيات الله ، وبالطبع فإن مصيرهم لن يكون أفضل من هذا.

كما يوجد احتمال في أنّ المراد من( حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ ) هو ما تعنيه الآية السابعة في سورة (يس)( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

وهو إشارة إلى أن الإنسان يصل أحيانا ـ بسبب كثرة ذنوبه وعدائه ولجاجته وتعصبه أمام الحق ـ إلى درجة يختم معها على قلبه ولا يبقى أمامه أيّ طريق للعودة ، وفي هذه الحالة يصبح مستحقا تماما للعذاب.

وعلى أيّة حال ، فإن مصدر كلّ هذه الأمور هو عمل الإنسان ذاته ، وليس من الصحيح الاستدلال على معنى الجبر وفقدان حرية الإرادة.

هذا النقاش القصير ينتهي مع اقترابهم من عتبة جهنم( قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) .

فأبواب جهنم ـ كما أشرنا إليها من قبل ـ يمكن أن تكون قد نظمت حسب أعمال الإنسان ، وإن كلّ مجموعة كافرة تدخل جهنم من الباب الذي يتناسب مع أعمالها ، وذلك مثل أبواب الجنّة التي يطلق على أحد أبوابها اسم «باب المجاهدين» وقد جاء في كلام لأمير المؤمنين «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة»(٢) .

والذي يلفت النظر هو أن ملائكة العذاب تؤّكد على مسألة التكبر من بين بقية الصفات الرذيلة التي تؤدي بالإنسان إلى السقوط في نار جهنم ، وذلك إشارة إلى أن التكبر والغرور وعدم الانصياع والاستسلام أمام الحق هو المصدر الرئيسي

__________________

(١) الم السجدة ، ١٣.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة (٢٧).

١٦٤

للكفر والانحراف وارتكاب الذنب.

نعم ، فالتكبر ستار سميك يغطي عيني الإنسان ويحول دون رؤيته للحقائق الساطعة المضيئة ، ولهذا نقرأ في رواية عن الإمامين المعصومين الباقر والصادقعليهما‌السلام «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ، المجلد الثّاني ، باب الكبر الحديث. ٦.

١٦٥

الآيات

( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥) )

التّفسير

المتقون يدخلون الجنّة أفواجا!!

هذه الآيات ـ التي هي آخر آيات سورة (الزمر) ـ تواصل بحثها حول موضوع المعاد ، حيث تتحدث عن كيفية دخول المؤمنين المتقين الجنّة ، بعد أن كانت الآيات السابقة قد استعرضت كيفية دخول الكافرين جهنم ، لتتوضح الأمور أكثر من خلال هذه المقارنة.

في البداية تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ) .

استعمال عبارة (سيق) (والتي هي من مادة (سوق) على وزن (شوق) وتعني الحث على السير). أثار التساؤل ، كما لفت أنظار الكثير من المفسّرين ، لأنّ هذا

١٦٦

التعبير يستخدم في موارد يكون تنفيذ العمل فيها من دون أي اشتياق ورغبة في تنفيذه ، ولذلك فإنّ هذه العبارة صحيحة بالنسبة لأهل جهنم ، ولكن لم استعملت بشأن أهل الجنّة الذين يتوجهون إلى الجنّة بتلهف واشتياق؟

قال البعض : إنّ هذه العبارة استعملت هنا لأنّ الكثير من أهل الجنّة ينتظرون أصدقاءهم.

والبعض الآخر قال : إنّ تلهف وشوق المتقين للقاء البارئعزوجل يجعلهم يتحينون الفرصة لذلك اللقاء بحيث لا يقبلون حتّى بالجنّة.

فيما قال البعض : إنّ هناك وسيلة تنقلهم بسرعة إلى الجنّة.

مع أنّ هذه التّفسيرات جيدة ولا يوجد أي تعارض فيما بينهما ، إلّا أنّ هناك نقطة اخرى يمكن أن تكون هي التّفسير الأصح لهذه العبارة ، وهي مهما كان حجم عشق المتقين للجنّة ، فإن الجنّة وملائكة الرحمة مشتاقة أكثر لوفود أولئك عليهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى المستضيف المشتاق لضيف والمتلهف لوفوده عليه إذ أنّه لا يجلس لانتظاره وإنّما يذهب لجلبه بسرعة قبل أن يأتي هو بنفسه إلى بيت المستضيف ، فملائكة الرحمة هي كذلك مشتاقة لوفود أهل الجنّة.

والملاحظة أن (زمر) تعني هنا المجموعات الصغيرة ، وتبيّن أن أهل الجنّة يساقون إلى الجنّة على شكل مجموعات مجموعات كلّ حسب مقامه.

ثم تضيف الآية( حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملفت للنظر أن القرآن الكريم يقول بشأن أهل جهنم : إنّهم حينما يصلون إلى قرب جهنم تفتح لهم الأبواب ، ويقول بشأن أهل الجنّة ، إن أبواب الجنّة مفتحة لهم

__________________

(١) ما هو جواب الجملة الشرطية (إذا جاؤها)؟ ذكر المفسّرون آراء متعددة ، أنسبها الذي يقول : إن عبارة (قال لهم خزنتها) جوابها والواو زائدة. كما احتملوا أن جواب الجملة محذوف ، والتقدير (سلام من الله عليكم) ، أو أن حذف الجواب إشارة إلى أن سعة الموضوع وعلوه لا يمكن وصفها ، والبعض قال : (فتمت) هي الجواب و (الواو) زائدة.

١٦٧

من قبل ، وهذه إشارة إلى الاحترام والتبجيل الذي يستقبلون به من قبل ملائكة الرحمة ، كالمستضيف المحب الذي يفتح أبواب بيته للضيوف قبل وصولهم ، ويقف عند الباب بانتظارهم.

وقد قرأنا في الآيات السابقة أن ملائكة العذاب يستقبلون أهل جهنم باللوم والتوبيخ الشديدين ، عند ما يقولون لهم : قد هيئت لكم أسباب الهداية ، فلم تركتموها وانتهيتم إلى هذا المصير المشؤوم؟

أمّا ملائكة الرحمة فإنّها تبادر أهل الجنّة بالسلام المرافق للاحترام والتبجيل ، ومن ثمّ تدعوهم إلى دخول الجنّة.

عبارة «طبتم» من مادة (طيب) على وزن (صيد) وتعني الطهارة ، ولأنّها جاءت بعد السلام والتحية ، فمن الأرجح القول بأن لها مفهوما إنشائيا ، وتعني : لتكونوا طاهرين مطهرين ونتمنى لكم السعادة والسرور.

وبعبارة اخرى : طابت لكم هذه النعم الطاهرة ، يا أصحاب القلوب الطاهرة.

ولكن الكثير من المفسّرين ذكروا لهذه الجملة معنى خبريا عند تفسيرها ، وقالوا : إنّ الملائكة تخاطبهم بأنّكم تطهرتم من كلّ لوث وخبث ، وقد طهرتم بإيمانكم وبعملكم الصالح قلوبكم وأرواحكم ، وتطهرتم من الذنوب والمعاصي ، ونقل البعض رواية تقول : إنّ هناك شجرة عند باب الجنّة ، تفيض من تحتها عينا ماء صافيتان ، يشرب المؤمنون من إحداهما فيتطهر باطنهم ، ويغتسلون بماء العين الأخرى فيتطهر ظاهرهم ، و، هنا يقول خزنة الجنّة لهم :( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملاحظ أن «الخلود» استخدم بشأن كلّ من أهل الجنّة وأهل النّار ، وذلك لكي لا يخشى أهل الجنّة من زوال النعم الإلهية ، ولكي يعلم أهل النّار بأنّه لا سبيل لهم للنجاة من النّار.

__________________

(١) تفسير القرطبي المجلد (٨) الصفحة. ٥٧٣.

١٦٨

الآية التّالية تتكون من أربع عبارات قصار غزيرة المعاني تنقل عن لسان أهل الجنّة السعادة والفرح اللذين غمراهم ، حيث تقول :( وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ) .

وتضيف في العبارة التالية( وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) .

المراد من الأرض هنا أرض الجنّة. واستخدام عبارة (الإرث) هنا ، إنّما جاء لكونهم حصلوا على كلّ هذه النعم في مقابل جهد قليل بذلوه ، إذ ـ كما هو معروف ـ فإنّ الميراث هو الشيء الذي يحصل عليه الإنسان من دون أي عناء مبذول.

أو أنّها تعني أن لكل إنسان مكان في الجنّة وآخر في جهنم ، فإن ارتكب عملا استحق به جهنم فإن مكانه في الجنّة سوف يمنح لغيره ، وإن عمل عملا صالحا استحق به الجنّة ، فيمنح مكانا في الجنّة ويترك مكانه في جهنم لغيره.

أو تعني أنّهم يتمتعون بكامل الحرية في الاستفادة من ذلك الإرث ، كالميراث الذي يحصل عليه الإنسان إذ يكون حرا في استخدامه.

هذه العبارة ـ في الواقع ـ تحقق عيني للوعد الإلهي الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة مريم( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا ) .

العبارة الثّالثة تكشف عن الحرية الكاملة التي تمنح لأهل الجنّة في الاستفادة من كافة ما هو موجود في الجنّة الواسعة ، إذ تقول :( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) .

يستشف من الآيات القرآنية أن في الجنّة الكثير من البساتين والحدائق وقد أطلقت عليها في الآية (٧٢) من سورة التوبة عبارة( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) وأهل الجنّة وفقا لدرجاتهم المعنوية يسكنون فيها ، وأن لهم كامل الحرية في التحرك في تلك الحدائق والبساتين في الجنّة.

أمّا العبارة الأخيرة فتقول :( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) .

وهذه إشارة إلى أن هذه النعم الواسعة إنّما تعطى في مقابل العمل الصالح (المتولد من الايمان طبعا) ليكون صاحبه لائقا ومستحقا لنيل مثل هذه النعم.

١٦٩

وهنا يطرح هذه السؤال وهو : هل أنّ هذا القول صادر عن أهل الجنّة ، أم أنّه كلام الله جاء بعد كلام أهل الجنّة؟

المفسّرون وافقوا الرأيين ، ولكنّهم رجحوا المعنى الأوّل الذي يقول : إنّه كلام أهل الجنّة ويرتبط بالعبارات الأخرى في الآية.

وفي النهاية تخاطب الآية ـ مورد بحثنا وهي آخر آية من سورة الزمر ـ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) يسبحون الله ويقدّسونه ويحمدونه.

إذ تشير إلى وضع الملائكة الحافين حول عرش الله ، أو أنّها تعبر عن استعداد أولئك الملائكة لتنفيذ الأوامر الإلهية ، أو أنّها إشارة إلى خفايا قيمة تمنح في ذلك اليوم للخواص والمقرّبين من العرش الإلهي ، مع أنّه لا يوجد أي تعارض بين المعاني الثلاثة ، إلا أن المعنى الأوّل أنسب.

ولهذا تقول العبارة التالية( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ ) .

وباعتبار هذه الأمور هي دلائل على ربوبية البارئعزوجل واستحقاق ذاته المقدسة والمنزّهة لكل أشكال الحمد والثناء ، فإنّ الجملة الأخيرة تقول :( وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهنا يطرح هذا السؤال : هل أن هذا الخطاب صادر عن الملائكة ، أم عن أهل الجنّة المتقين ، أم أنّه صادر عن الاثنين؟

المعنى الأخير أنسب من غيره ، لأنّ الحمد والثناء على الله هو منهاج كلّ أولي الألباب ، ومنهاج كلّ الخواص والمقربين ، واستعمال كلمة (قيل) وهي فعل مبني للمجهول يؤيد ذلك.

نهاية سورة الزّمر

* * *

١٧٠
١٧١

سورة

المؤمن

مكيّة

وعدد آياتها خمس وثمانون آية

١٧٢

«سورة المؤمن»

نظرة مختصرة في محتوى السورة :

سورة المؤمن هي طليعة الحواميم ، والحواميم في القرآن الكريم سبع سور متتالية يلي بعضها بعضا ، نزلت جميعا في مكّة ، وهي تبدأ بـ «حم».

هذه السورة كسائر السور المكّية ، تثير في محتواها قضايا العقيدة و، تتحدث عن أصول الدين الإسلامي ومبانيه وفي ذلك تلبي حاجة المسلمين في تلك المرحلة إلى تشييد وإقامة قواعد الدين الجديد.

ومحتوى هذه السورة يضم بين دفتيه الشدة واللطف ، ويجمع في نسيجه بين الإنذار والبشارة السورة ـ إذا ـ مواجهة منطقية حادّة مع الطواغيت والمستكبرين ، كما هي نداء لطف ورحمة ومحبة بالمؤمنين وأهل الحق.

وتمتاز هذه السورة أيضا بخصوصية تنفرد بها دون سور القرآن الأخرى ، إذ تتحدّث عن «مؤمن آل فرعون» وهو مقطع من قصة موسىعليه‌السلام ، وقصد مؤمن آل فرعون لم ترد في كتاب الله سوى في سورة «المؤمن».

إنّ قصة «مؤمن آل فرعون» هي قصة ذلك الرجل المؤمن المخلص الذي كان يتحلى بالذكاء والمعرفة في الوقت الذي هو من بطانة فرعون ، ومحسوب ـ ظاهرا ـ من حاشيته ـ لقد كان هذا الرجل مؤمنا بما جاء به موسىعليه‌السلام ، وقد احتل وهو يعمل في حاشية فرعون ـ موقعا حساسا مميزا في الدفاع عن موسىعليه‌السلام وعن دينه ، حتى أنّه ـ في الوقت الذي تعرضت فيه حياة موسىعليه‌السلام

١٧٣

للخطر ـ تحرّك من موقعه بسلوك فطن وذكي وحكيم لكي يخلّص موسى من الموت المحقق الذي كان قد أحاط به.

إنّ اختصاص السورة باسم «المؤمن» يعود إلى قصة هذا الرجل الذي تحدّثت عشرون آية منها عن جهاده ، أي ما يقارب ربع السورة.

يكشف الأفق العام أنّ حديث السورة عن «مؤمن آل فرعون» ينطوي على أبعاد تربوية لمجتمع المسلمين في مكّة ، فقد كان بعض المسلمين ممّن آمن بالإسلام يحافظ على علاقات طيبة مع بعض المشركين والمعاندين ، وفي نفس الوقت فإن إسلامه وانقياده لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس عليهما غبار.

لقد كان الهدف من هذه العلاقة مع المشركين هو توظيفها في أيّام الخطر لحماية الرسالة الجديدة ودفع الضر عن أتباعها ، وفي هذا الإطار يذكر التاريخ أنّ أبا طالبعليه‌السلام عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من جملة هؤلاء ، كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات الإسلامية المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

وبشكل عام يمكن النظر إلى محتوى السورة في إطار ما تثيره النقاط والأقسام الآتية :

القسم الأوّل : وهو يضم طليعة آيات السورة التي تتحدث عن بعض من أسماء الله الحسنى ، خصوصا تلك التي ترتبط ببعث معاني الخوف والرجاء في القلوب ، مثل قوله تعالى:( غافِرِ الذَّنْبِ ) و( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

القسم الثّاني : تهديد الكفّار والطواغيت بعذاب هذه الدنيا الذي سبق وأن نال أقواما اخرى في ماضي التأريخ ، بالإضافة إلى التعرّض لعذاب الآخرة ، وتتناول بعض الصور والمشاهد التفصيلية فيه.

القسم الثّالث : بعد أن وقفت السورة على قصة موسى وفرعون ، بدأت بالحديث ـ بشكل واسع ـ عن قصة ذلك الرجل المؤمن الواعي الشجاع الذي

__________________

(١) الغدير ، المجلد الثامن ، ص ٣٨٨.

١٧٤

اصطلح عليه بـ «مؤمن آل فرعون» وكيف واجه البطانة الفرعونية وخلّص موسىعليه‌السلام من كيدها.

القسم الرّابع : تعود السورة مرّة اخرى للحديث عن مشاهد القيامة ، لتبعث في القلوب الغافلة الروح واليقظة.

القسم الخامس : تتعرض السورة المباركة فيه إلى قضيتي التوحيد والشرك ، بوصفهما دعامتين لوجود الإنسان وحياته ، وفي ذلك تتناول جانبا من دلائل التوحيد ، بالإضافة إلى ما تقف عليه من مناقشة لبعض شبهات المشركين.

القسم السّادس : تنتهي السورة ـ في محتويات القسم الأخير هذا ـ بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتحمل والصبر ، ثمّ تختم بالتعرض إلى خلاصات سريعة ممّا تناولته مفصلا من قضايا ترتبط بالمبدأ والمعاد ، وكسب العبرة من هلاك الأقوام الماضية ، وما تعرضت له من أنواع العذاب الإلهي في هذه الدنيا ، ليكون ذلك تهديدا للمشركين. ثمّ تخلص السورة في خاتمتها إلى ذكر بعض النعم الإلهية.

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنّ تسمية السورة بـ «المؤمن» يعود إلى اختصاص قسم منها بالحديث عن «مؤمن آل فرعون». أما تسميتها بـ «غافر» فيعود إلى كون هذه الكلمة هي بداية الآية الثّالثة من آيات السورة المباركة.

فضيلة تلاوة السورة :

في سلسلة الرّوايات الإسلامية المروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نرى كلاما واسعا من فضل تلاوة سور «الحواميم» وبالأخص سورة «غافر» منها.

ففي بعض هذه الأحاديث نقرأ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «الحواميم تاج

١٧٥

القرآن»(١) .

وعن ابن عباس ممّا يحتمل نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : «لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم»(٢) .

وفي حديث عن الإمام الصادق نقرأ قولهعليه‌السلام : «الحواميم ريحان القرآن ، فحمدوا الله واشكروه بحفظها وتلاوتها ، وإنّ العبد ليقوم يقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر ، وإنّ الله ليرحم تاليها وقارئها ، ويرحم جيرانه وأصدقاءه ومعارفه وكلّ حميم أو قريب له ، وإنّه في القيامة يستغفر له العرش والكرسي وملائكة الله المقربون»(٣) .

وفي حديث آخر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحواميم سبع ، وأبواب جهنّم سبع ، تجيء كلّ «حاميم» منها فتقف على باب من هذه الأبواب تقول : الّلهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني»(٤) .

وفي قسم من حديث مروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ «حاميم المؤمن» لم يبق روح نبيّ ولا صديق ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له»(٥) .

ومن الواضح أنّ هذه الفضائل الجزيلة ترتبط بالمحتوى الثمين للحواميم ، هذا المحتوى الذي إذا واظب الإنسان على تطبيقه في حياته والعمل به ، والالتزام بما يستلزمه من مواقف وسلوك ، فإنّه سيكون مستحقا للثواب العظيم والفضائل الكريمة التي قرأناها.

وإذا كانت الرّوايات تتحدث عن فضل التلاوة ، فإنّ التلاوة المعنية هي التي

__________________

(١) هذه الأحاديث في مجمع البيان في بداية تفسير سورة المؤمن.

(٢) المصدر السابق

(٣) مجمع البيان أثناء تفسير السورة

(٤) البيهقي طبقا لما نقله عنه الآلوسي في روح المعاني ، المجلد ٢٤ ، صفحة ٣٦.

(٥) مجمع البيان في مقدمة تفسير السورة.

١٧٦

تكون مقدمة للاعتقاد الصحيح ، فيما يكون الإعتقاد الصحيح مقدمة للعمل الصحيح. إذا التلاوة المعنية هي تلاوة الإيمان والعمل ، وقد رأينا في واحد من الأحاديث ـ الآنفة الذكر – المنقولة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعبير «من كان يؤمن بي ويقرأني».

* * *

١٧٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) )

التّفسير

صفات تبعث الأمل في النفوس :

تواجهنا في مطلع السورة الحروف المقطعة وهي هنا من نوع جديد لم نعهده في السور السابقة ، حيث افتتحت السورة بـ «جاء» و «ميم».

وبالنسبة للحروف المقطعة في مطلع السور كانت لنا بحوث كثيرة في معانيها ودلالاتها ، تعرضنا إليها أثناء الحديث عن بداية سورة «البقرة» ، وسورة «آل عمران» و «الأعراف» وسور اخرى.

الشيء الذي تضيفه هنا ، هو أنّ الحروف التي تبدأ به سورة المؤمن التي نحن الآن بصددها ، تشير ـ كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات ومن آراء المفسّرين ـ إلى أسماء الله التي تبدأ بحروف هذه السورة ، أي «حميد» و «مجيد» كما ورد ذلك

١٧٨

عن الامام الصادقعليه‌السلام (١) .

البعض الآخر ذهب إلى أنّ «ح» إشارة إلى أسمائه تعالى مثل «حميد» و «حليم» و «حنان» ، بينما «م» إشارة إلى «ملك» و «مالك» و «مجيد».

وهناك احتمال في أن حرف «الحاء» يشير إلى الحاكمية ، فيما يشير حرف «الميم» إلى المالكية الإلهية.

عن ابن عباس ، نقل القرطبي «في تفسيره» أن «حم» من أسماء الله العظمى(٢) .

ويتّضح في نهاية الفقرة أنّ ليس ثمّة من تناقض بين الآراء والتفاسير الآنفة الذكر ، بل هي تعمد جميعا إلى تفسير الحروف المقطعة بمعنى واحد.

في الآية الثّانية ـ كما جرى على ذلك الأسلوب القرآني ـ حديث عن عظمة القرآن ، وإشارة إلى أنّ هذا القرآن بكل ما ينطوي عليه من عظمة وإعجاز وتحدّ ، إنّما يتشكّل في مادته الخام من حروف الألف باء وهنا يمكن معنى الإعجاز.

يقول تعالى :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

إنّ قدرته تعالى تعجز الأشياء الأخرى عن الوقوف إزاءه ، فقدرته ماضية في كل شيء ، وعزته مبسوطة ، أمّا علمه تعالى فهو في أعلى درجات الكمال ، بحيث يستوعب كلّ احتياجات الإنسان ويدفعه نحو التكامل.

والآية التي بعدها تعدّد خمسا من صفاته تعالى ، يبعث بعضها الأمل والرجاء ، بينما يبعث البعض الآخر منها على الخوف والحذر.

ويقول تعالى :( غافِرِ الذَّنْبِ ) .

( قابِلِ التَّوْبِ ) (٣) .

__________________

(١) يلاحظ «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ، صفحة ٢٢ ، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور.

(٢) تفسير القرطبي أثناء تفسير الآية.

(٣) «توب» يمكن أن تكون جمع «توبة» وأن تكون مصدرا (يلاحظ مجمع البيان).

١٧٩

( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

( ذِي الطَّوْلِ ) (١) .

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) .

أجل إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب.

* * *

ملاحظات

تنطوي الآيات الثلاث الآنفة الذكر على مجموعة من الملاحظات ، نقف عليها من خلال النقاط الآتية :

أولا : في الآيات أعلاه (آية ٢ و ٣) بعد ذكر الله وقبل ذكر المعاد( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) اشتملت الآيتان على ذكر سبع صفات للذات الإلهية ، بعضها من «صفات الذات» والبعض الآخر منها من «صفات الفعل» التي انطوت على إشارات للتوحيد والقدرة والرحمة والغضب ، ثمّ ذكرت «عزيز» و «عليم» وجعلتهما بمثابة القاعدة التي نزل الكتاب الإلهي (القرآن) على أساسهما.

أمّا صفات «غافر الذنب» و «قابل التوب» و «شديد العقاب» و «ذي الطول» فهي بمثابة المقدمات اللازمة لتربية النفوس وتطويعها لعبادة الواحدة الأحد.

ثانيا : ابتدأت الصفات الآنفة الذكر بصفة «غافر الذنب» أوّلا و «ذي الطول» أخيرا ، أي صاحب النعمة والفضل كصفة أخيرة. وفي موقع وسط جاءت صفة «شديد العقاب» وهكذا ذكرت الآية الغضب الإلهي بين رحمتين. ثمّ إنّنا نلاحظ أنّ

__________________

(١) «طول» على وزن «قول» بمعنى النعمة والفضل ، وبمعنى القدرة والقوة والمكنة وما يشبه ذلك. بعض المفسّرين يقول : إنّ «ذي الطول» هو الذي يبذل النعم الطويلة والجزيلة للآخرين ، ولذلك فإن معناها أخص من معنى «المنعم» كما يقول صاحب مجمع البيان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

ولو اختلفا في قدر رأس المال، فالقول قول العامل مع يمينه.ويملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وان لم ينص.ولا خسران على العامل الا عن تعد أو تفريط.وقوله مقبول في التلف.ولا يقبل في الرد إلا ببينة على الاشبه.ولو اشترى العامل أباه فطهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح، وسعى العبد في باقي ثمنه.ومتى فسخ المالك المضاربة صح وكان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت.ولو ضمن صاحب المال العامل صار الربح له.ولا يطأ المضارب ويكون القول العامل في قدر رأس المال واختاره العلامة في المختلف(١) لاصالة الصحة، ولعموم الخبر القاضي بلزوم الشرط.

قال طاب ثراه: وقوله مقبول في التلف، ولا يقبل في الرد الا ببينة على الاشبه.

اقول: مختار المصنف هو الاصل، لقولهعليه‌السلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدى(٢) ولان الاصل عدم الرد، فيكون البينة على مدعيه، عملا بالخبر(٣) وقال الشيخ في المبسوط: اذا أدعى لعامل رد المال فهل يقبل قوله؟ فيه قولان: أحدهما: وهو الصحيح، انه يقبل(٤) ولعل وجهه كونه أمينا، فيقبل قول كالمستودع.

قال طاب ثراه: ولو ضمن صاحب المال العامل صار الربح له.

____________________

(١) المختلف: في القراض ص ٢٥ س ٢٨ قال: يكون القول العامل في قدرته إلى ان قال: وما قواه الشيخ هو الاجود.

(٢) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٢٤ الحديث ١٠٦ وص ٣٨٩ الحديث ٢٢ وج ٢ ص ٣٤٥ الحديث ١٠ وج ٣ ص ٢٤٦ الحديث ٢ وص ٢٥١ الحديث ٣ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٤٤ الحديث ١٧٢ وص ٤٥٣ الحديث ١٨٨ وج ٢ ص ٢٥٨ الحديث ١٠ وص ٣٤٥ الحديث ١١ وج ٣ ص ٥٢٣ الحديث ٢٢ ولا حظ ما علق عليه.

(٤) المبسوط: ج ٣ كتاب القراض ص ١٧٤ س ٢٣ قال: وان اداعى رده إلى مالكه الخ

٥٦١

جارية القراض، ولو كان المالك أذن له، وفيه رواية بالجواز متروكة.ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض.ولو كان في يده مضاربة فمات، فإن عينها لواحد بعينه أو عرفت منفردة والا تحاص فيها الغرماء.

أقول: إن كان صيغة التضمين مع قوله: خذ مضاربة أو قراضا وضمانه عليك، كان الضمير في (له) راجعا إلى لمالك، لفساد العقد وعليه الاجرة للعامل.ويحتمل أن يكون قرضا ويكون الفائدة للعامل، ويؤيده رواية محمد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شئ(١) وان كان مجردا عند أحدهما كقوله: خذه واتجربه وعليك ضمانه، كان الضمير راجعا إلى العامل وكان قرضا إجماعا نظرا إلى المعنى وصونا للعقد عن الفساد واللفظ المسلم عن الهذر.

قال طاب ثراه: ولا يطأ العامل جارية القراض ولو كان المالك أذن له، وفيه رواية بالجواز متروكة.

أقول: الرواية اشارة إلى مارواه الشيخ مرفوعا إلى الكاهلي عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قلت: رجل سألني أن أسألكم أن رجلا أعطاه مالا مضاربة يشترى به مايرى من شئ، وقال: إشتر جارية تكون معك، والجارية إنما هي لصاحب المال، ان كان فيها وضيعة فعليه، وان كان فيها ربح فله، فللمضارب أن يطأها؟ قال: نعم(٢) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية(٣) ومنع المصنف(٤)

____________________

(١) التهذيب ج ٧(١٨) باب الشركة والمضاربة ص ١٩٠ قطعة من حديث ٢٥.

(٢) التهذيب: ج ٧(١٨) باب الشركة والمضاربة ص ١٩١ الحديث ٣١.

(٣) النهاية: باب الشركة والمضاربة ص ٤٣٠ س ١١ قال: ولا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطأها أن يأذن له صاحب المال.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٥٦٢

والعلامة(١) وفخر المحققين(٢) لان الاباحة إما عقد أو ملك يمين، وكلاهما مشروط بالملك، فلا يصح قبله، لاستحالة تقديم المشروط على الشرط.وفي طريق الرواية سماعة، وهو واقفي(٣)

____________________

(١) و(٢) الايضاح: ج ٢ في احكام القراض، ص ٣١٩ قال في شرح قولهقدس‌سره " ولو أذن له المالك فيشراء أمة يطأها والاقرب المنع " ما لفظه: وهو الاقرب عند والدي المصنف والاصح عندي

(٣) طريق الحديث كما في التهذيب " الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن عبدالله بن يحيى الكاهلي عن أبى الحسنعليه‌السلام "

٥٦٣

٥٦٤

كتاب المزارعة والمساقاة

أما المزارعة: فهي معاملة على الارض بحصة من حاصلها.وتلزم المتعاقدين، لكن لو تقايلا صح، ولا تبطل بالموت.وشروطها ثلاثة.

(١) أن يكون التماء مشاعا، تساويا فيه أو تفاضلا.

(٢) وأن تقدر لها مدة معلومة.

(٣) وأن تكون الارض مما يمكن الانتفاع بها.

وله أن يزرع الارض بنفسه وبغيره، ومع غيره الا أن يشترط عليه زرعها بنفسه، وأن يزرع ما شاء إلا أن يعين له.وخراج الارض على صاحبها الا أن يشترط على الزارع، وكذا لو زاد السلطان زيادة.

مقدمة

المزارعة والمخابرة إسمان لمعنى واحد، وهو تسليم الارض للعمل ببعض مايخرج منها، واشتقاقها من إلارض.والمخابرة من الخبار بكسر الخاء المعجمة، وهي الارض اللينة، ويسمى الاكار خابرا.

٥٦٥

والمساقاة مفاعلة من السقي، وهو تسليم اصول ثابتة لها ثمرة ينتفع بها مع بقاء الاصل للعمل فيها ببعض ما يخرج منها.ويدل على مشروعيتها الكتاب والسنة والاجماع.أما الكتاب فعموم قوله تعالى " اوفوا بالعقود "(١) .وأما السنة فروى عبدالله بن عمران النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من تمر أو زرع(٢) وروى يعقوب بن شعيب في الصحيح عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن المزارعة؟ فقال: النفقة منك والارض لصاحبها فما أخرج الله من شئ قسم على الشرط، وكذلك قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر، أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها، على أن لهم نصف ما أخرجت، فلما بلغ التمر أمر عبدالله بن رواحة فخرص عليهم النخل، فلما فرغ منه خيرهم، فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا صاعا، فإن شئتم فخذوه وردوا علينا نصف ذلك وان شئتم اخذناه واعطيناكم نصف ذلك، فقالت اليهود بهذا قامت السماوات والارض(٣) وقال الصادقعليه‌السلام : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس(٤) .وأما الاجماع فمن الفرقة المحقة لايختلفون في جوازها، ومنع أبوحنيفة منها.والشافعي والمالك منعا المخابرة، وأجاز المساقاة.واعلم أن المعاملة على الاصل ببعض ما يخرج من نمائه على ثلاثة أضرب:

____________________

(١) المائدة: ١

(٢) صحيح مسلم: ج ٣ كتاب المسافاة(١) باب المسافاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، الحديث(١).

(٣) التهذيب: ج ٧(١٩) باب المزارعة ص ١٩٣ الحديث ٢

(٤) التهذيب: ج ٧(١٩) باب المزارعة ص ١٩٧ قطعة من حديث ١٧

٥٦٦

ولصاحب الارض أن يخرص على الزارع، والزارع بالخيار في القبول، فان قبل كان إستقراره مشروطا بسلامة الزرع.وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة.وتكره إجارة الارض للزراعة بالحنطة أو الشعير، وأن يؤجرها باكثر مما استأجرهما به إلا أن يحدث فيها حدثا، أو يؤجرها بغير الجنس الذي استاجرها به.مزارعة ومساقاة، وقراض، وقد عقد المصنف للاولين كتابا واحدا، وللثالث كتابا ب إنفراده، وقد مر.

قال طاب ثراه: ولصاحب الارض أن يخرص على الزارع، والزارع بالخيار في القبول، فإن قبل كان أستقراره مشروطا بسلامة الزرع.

أقول: قال في الصحاح: الخرص حرز ما على النخل من السرأو الرطب تمرا، والاسم الخرص بالكسر(١) .

وعند الفقهاء: الخرص حرز الثمرة على رؤوس النخل، أو سنبل الزرع تمرا وغلة، وهو نوع من التقبيل والصلح وليس بيعا، قال الشيخ: من زارع الارض على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز لصاحب الارض أن يخرص عليه الغلة، ثمرة كانت أو غيرها، فان رضي المزارع بما خرص أخذها، وكان عليه حصة صاحب الارض، سواء نقص الخرص أو زاد، وكان الباقي له، فإن هلكت الغلة بعد الخرص بآفة سماوية لم يكن عليه للمزارع شئ(٢) وأنكرها ابن ادريس، وقال: الذي ينبغي " تحصيله انه لا تخلو أن يكون قد باع حصته من الغلة أو الثمرة بمقدار في ذمته من الغلة أو الثمرة، أو باعه الحصة بغلة من هذه الارض، فعلى الوجهين معا البيع باطل، لانه

____________________

(١) الصحاح: ج ٣ ص ١٠٣٥ وليس فيه (البسر).

(٢) النهاية: باب المزارعة والمساقاة ص ٤٤٢ س ٢ قال: ومن زارع أرضا الخ

٥٦٧

داخل في المزابنة والمحاقلة، وكلاهما باطلان.وان كان ذلك صلحا لابيعا، فان كان ذلك بغله أو ثمرة في ذمة الاكار الذي هو المزارع، فانه لازم له سواء هلكت الغلة بالافات السماوية أو الارضية.وإن كان ذلك الصلح بغلة من تلك الارض، فهو صلح باطل، لدخوله في باب الغرر، لانه غير مضمون(١) والاصحاب على موافقة الشيخ، والمستند صحيحة محمد وعبيدالله الحلبيين عن الصادقعليه‌السلام (٢) ومثلها ما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب(٣) وقال فخر المحققين طاب ثراه: الخرص لا يملك ولا يضمن(٤) فكأنه نظر إلى ما قاله إبن إدريس، وإلى ماورد من الروايات وفتاوى الاصحاب فلم يبطله رأسا ولم يقل بلزومه، وفائدته عنده اباحة التصرف، فلو زاد كان للمالك ان يرجع بالزيادة، وإن نقص لم يكن على الزارع أن يدفع أكثر من حصته الاصلية، ولا يجب عليه ما اقتضاه الخرص من القدر المعين.والاقرب اللزوم، لانه نوع صلح، فهو عقد، فيجب الوفاء به، وروى محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن الرجل يمضى ما خرص عليه في النخل؟ قال: نعم، قلت: أرأيت ان كان أفضل مما خرص عليه الخارص، أيجزيه ذلك؟ قال: نعم(٥) .وفيه فوائد

(أ) إستقلال من خرص عليه، سواء كان شريكا بالابتياع أو المزارعة،

____________________

(١) السرائر: باب المزارعة ص ٢٦٧ س ٢٣ قال: الذي ينبغي تحصيله الخ.

(٢) التهذيب: ج ٧(١٩) باب المزارعة ص ١٩٣ الحديث ١.

(٣) تقدم آنفا

(٤) الايضاح: ج ٢، في احكام المزارعة ص ٢٨٩ س ١٦ قال: بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس: والاصح انه إباحة فلا يحتاج إلى عقد جديد، أو إباحة الخ.

(٥) لتهذيب: ج ٧(١٩) باب المزارعة، ص ٢٠٥ الحديث ٥١

٥٦٨

بالتصرف من دون أذن شريكه.

(ب) فراغ المقبل الخارص من المعاملة وقرار نفسه على القدر الذي وقع عليه التقبيل.

(ج) ملك المخروص عليه الزيادة إن حصلت، وضمانه النقيصة.

تنبيهان

(أ) إنما يجوز التقبيل بعد بلوغ الزرع وصيرورته سنبلا، لا قبله. وفي الثمرة هل يشترط بلوغها أم يكفي ظهورها؟ الاقرب الاول كما ذكره الشيخ في النهاية(١) على ما حكيناه عنه، ولانه المعروف عند أهل اللغة كما حكيناه عن الجوهرى، ولانه قبل البلوغ ادخل في باب الغرر، فيكون ممنوعا، فعلى هذا يجب الزكاة على من بلغ نصيبه نصابا دون الاخر.

(ب) لو تلف بآفة سماوية كتغيير الاهوية وتأخير المياه، فيسقط عن المتقبل بما قوطع عليه، بخلاف مالو أخذه ظالم، أو كان تلفه بتفريط الزارع في السقي حتى نزل الماء عنه بعد تمكنه، فانه يجب عليه الوفاء بالحصة المضمونة، وله مطالبة الظالم.

فرع

يشترط كون الحصة مشاعة، فلو شرط أحدهما قدرا معينا لم يصح.ولو شرط اخراج البذر من الحاصل أولا والباقي بينهما، أطلق المصنف المنع(٢) ونص الشيخ في المبسوط(٣) وجماعة من الاصحا ب كالقاضي وابن ادريس والعلامة في المختلف على

____________________

(١) النهاية: باب المزارعة والمساقاة ص ٤٤٢ س ٢ قال: ومن زارع أرضا على ثلث أو ربع وبلغت الغلة إلى أن قال: ثمرة كانت أو غيرها.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) الظاهر ان المبسوط غلط، والصحيح " النهاية " لا حظ المختلف: في المزارعة ص ١١ س ٢٥ قال: قال الشيخ في النهاية اذا شرط المزارع الخ.

٥٦٩

وأما المساقاة: فهي معاملة على الاصول بحصة من ثمرها، ويلزم المتعاقدين كالاجارة ويصح قبل ظهور الثمرة وبعدها اذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد.ولا بطل بموت أحدهما على الاشبه الا أن يشترط تعيين العامل.وتصح على كل اصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه، ويشترط فيها المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمن فيها غالبا.ويلزم العامل من العمل ما مفيه مستزاد الثمرة، وعلى المالك بناء الجدران، وعمل النواضح، وخراج الارض الا ان يشترط على العامل.ولا بد أن تكون الفائدة مشاعة، فلو اختص بها أحدهما لم تصح.وتملك بالظهور.واذا إختل أحد شروط المساقاة كانت الفائدة للمالك وللعامل الاجرة.ويكره ان يشترط المالك مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة.ويجب الوفاء به لو شرط مالم تتلف الثمرة.جوازه(١) و(٢) و(٣) و(٤) .

قال طاب ثراه: وتصح المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعدها اذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد ولا تبطل بموت أحدهما على الاشبه، الا أن يشترط تعيين العامل.

____________________

(١) النهاية: باب المزارعة والمسافاة، ص ٤٤٠ س ٢ قال: فأن كان شرط المزارع أن يأخذ بذره الخ.

(٢) المهذب: ج ٢ باب المزارعة والمسافاة س ٧ قال: فإن شرط المزارع على صاحب الارض أخذ البذر قبل القسمة الخ.

(٣) السرائر: باب المزارعة ص ٢٦٦ س ٢٤ قال عند نقل قول الشيخ " فان كان شرط المزارع أن يأخذ بذره قبل القسمة ": قال محمد بن دريس: إلى أن قال اذا لم يكن شرط أن يأخذه قبل القسمة الخ.

(٤) المختلف: في المزارة ص ١١ قال بعد نقل قول ابن ادريس: لانه اذا لم يشترط اخراج البذر الخ

٥٧٠

أقول: هنا مسائل: الاولى: محل المساقاة كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه كالنخل والكرم، ولا يجوز على ماليس له أصل كالفجل والجزر.وهل يجوز على مابقي له أصل ينتفع به مرة بعد اخرى، لكنه ضعيف لا ثبات له كالكراث والهند باء وسائر مايجز كالنعناع والسلق؟ قال في الخلاف: نعم(١) والاكثرون على المنع، لانها معاملة، فيقتصر منها على موضع الاجماع.والورق في الحناء والتوت في معنى الثمرة، ومنع في المبسوط من المساقاة على التوت الذكر(٢) ولا يجوز على الباذنجان وان بقي أصله في الارض لضعفه، فالحق بالزرع.

الثانية: تعتبر فيها الاجل المعين الذي يحصل فيه الثمرة قطعا، فلو لم يعين أجلا، أو علم قصور المعين عن حصول الثمرة فيه كانت المعاملة باطلة، وتثبت اجرة المثل.

وقال ابن الجنيد: ولا بأس بمساقاة النخل وماشاكله سنة أو أكثر من ذلك إذا حضرت المدة أو لم يحضر(٣) ، وهو متروك واحتج بصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان والنخل والفاكهة، فيقول: إسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما خرج قال: لا بأس(٤) واجيب بأن نفي البأس لا يستلزم اللزوم.

____________________

(١) الخلاف: كتاب المساقاة مسألة ٣ قال: وزاد ابويوسف فقال: تجوز المسافاة على البقل الذي يجز جزة بعد جزة وكذلك نقول.

(٢) المبسوط: ج ٣ كتاب المساقاة ص ٢٠٧ س ١٠ قال: وكل مالا ثمرة له من الشجر كالتوت الذكر والخلاف فلا يجوز مساقاته.

(٣) المختلف: في المساقاة ص ١٤ س ٢٨ قال: ابن الجنيد: ولا بأس بمساقاة النخل وما شاكله سنة اكثر الخ.

(٤) الفروغ: ج ٥ كتاب المعيشة، باب مشاركة الذمي وغيره في المزارعة والشروط بينهما ص ٢٦٨ قطعة من حديث ٢

٥٧١

الثالثة: تصح المساقاة قبل ظهور الثمرة قطعا، وهل تصح بعد ظهورها؟ قيل: لا، وهو ضعيف على إطلاقه، والمشهور الجواز اذا بقي للعامل مافيه مستزاد للثمرة وصلاحها.

تنبيه

ولا يشترط كون الزيادة بالسقي، بل أعم، وان انتفى السقي بالكلية.

فان قيل: المساقاة مفاعلة من السقي، فلابد من تحقيقه.

قلنا: قد يكون النخل مستغنيا عن السقي ولا يحتاج اليه، فيلزم من اشتراطه بطلان المساقاة على مثل ذلك، فيفوت المصلحة الناشئة من المشروعية، والاذن في المساقاة عام، وانما اشتق له المساقاة، لانه الغالب في احتياج المعاملين اليه، خصوصا أهل الحجاز لانهم يسقون الماء من الآبار، ولنوضح ذلك في مسائل:

(أ) قال القاضي: اذا دفع انسان إلى غيره نخلا معاملة على أن يلقحه فما خرج كان بينهما نصفين، ولم يشترط صاحب الارض على العامل من العمل أو الحفظ شيئا غير ذلك، نظر فإن كان النخل يحتاج إلى السقي والحفظ، كانت المعاملة فاسدة، فإن لقحه العامل كان له اجرة مثله وقيمة مالقحه به، وإن كان لايحتاج إلى حفظ ولا سقي ولا عمل غير التلقيح كانت المعاملة جائزة(١) ولم يفرق العلامة بين الامرين وأجاز المساقاة مطلقا واكتفى بالتلقيح(٢) .

(ب) قال القاضي: فإن كان إذا سقى كان أجود للثمرة، إلا أن تركه ليس يضره كانت المعاملة أيضا جائزة، وإن كان ترك السقي يضره وينقصه ويفسد

____________________

(١) المهذب ج ١ كتاب المساقاة ص ٢٤ س ٧ قال: واذا دفع إنسان إلى غيره الخ.

(٢) المختلف: في المساقاة ص ١٥ س ١٦ قال بعد نقل قول القاضي: والوجه التسودية بين الامرين عملا بالشرط

٥٧٢

بعضه ولا يفسد جميعه كانت المعاملة فاسدة(١) قال العلامة: والوجه عندي الصحة(٢) .

(ج) قال: ولو كان ترك إشتراط التلقيح عليه واشتر ماعداه، لما جاز، لان تركه مضرة، وقد بقي بعض العمل على صاحب النخل، وهكذا كل عمل لا يصلح النخل الا به ولم يشترطه على العامل(٣) قال العلامة: والوجه الجواز لما بينا من جواز اشتراط بعض العمل على المالك(٤) .

(د) وقال: لورهن نخلا فلما قبضه المرتهن قال له الراهن: إسقه واحفظه ولقحه، فما خرج فهو بيننا نصفان، ففعل ذلك، كان الخارج لصاحب النخل والمعاملة فاسدة، وكان للمرتهن اجرة مثله في التلقيح والسقي دون الحفظ، لان ذلك يلزمه في حق كونه مرتهنا، والجواز كما لو عامل غيره باذن المرتهن(٥) وهو اختيار العلامة(٦) .

(ه‍) قال الشيخ: اذا ساقاه بالنصف على ان يعمل معه رب المال، فالمساقاة باطلة، لان موضوع المساقاة على

____________________

(١) المهذب: ج ٢ كتاب المساقاة ص ٢٤ س ١٢ قال: فان كان اذا سقى الخ.

(٢) المختلف: في المساقاة ص ١٥ س ١٩ قال بعد نقل قول القاضي: والوجه عندي الصحة على ما تقدم

(٣) المهذب: ج ٢ كتاب المساقاة ص ٢٤ س ١٤ قال: ولو كان ترك اشتراط التلقيح عليه الخ

(٤) المختلف: في المساقاة ص ١٥ س ٢٠ قال بعد نقل قول القاضي: والوجه الجواز الخ

(٥) المهذب: ج ٢ كتاب المساقاة ص ٢٥ س ١١ قال: واذا رهن انسان عند غيره ارضا ونخلا بدين له عليه الخ

(٦) المختلف: في المساقاة ص ١٥ س ٢٤ قال: والحق صحة هذه المعاملة كما لو عامل غيره بإذن المرتهن.

٥٧٣

أن من رب المال المال، ومن العامل العمل، كالقراض، فاذا اشترط على رب المال العمل بطل كالقراض(١) واختار المصنف الجواز(٢) قال العلامة: والوجه عندي صحة ذلك، لان الشيخ سوغ أن يشترط العامل على المالك على أن يعمل معه غلامه، وأن يكون على المالك بعض العمل لانه لا مانع من ذلك، وهذا نفس ذلك(٣) .

(و) لو شرط العامل خروج اجرة اجراء الذين يستعان بهم كالناطور(٤) والصاعور(٥) من الثمرة، قال في المبسوط: بطل العقد، لان المساقاة موضوعة على أن من رب المال، المال، ومن العامل العمل، واذا شرط أن يكون اجرة الاجراء من الثمرة كان على رب المال، المال والعمل معا، وهذا لا يجوز(٦) وبالجواز قال المصنف(٧) والعلامة(٨) اذا بقي للعامل عمل.والحاصل أنه متى بقي للعامل عمل ينتفع به الثمرة، ولو في ابقائها وحفظها، كان المساقاة جائزة، فعلى هذا لو صار رطبا تاما، وهي مفتقرة إلى الجذاذ والتشميس والكيس في الظروف، جازت المساقاة عليها، لان الضرورة المسوغة للمشروعية، هي المحوجة إلى العامل، وكما

____________________

(١) المبسوط: ج ٣ كتاب المساقاة، ص ٢١١ س ١٥ قال: واذا ساقاه بالنصف على ان يعمل رب المال معه الخ

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف: في المساقاة ص س ١٠ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط: والوجه عندي صحة ذلك الخ

(٤) الناظر والناطور حافظ الكرم والنخل أعجمي قاله في القاموس مجمع البحرين لغة نظر

(٥) لم نعثر عليها في مظانها

(٦) المبسوط: ج ٣ كتاب المساقاة ص ٢١٧ س ٢١ قال: اذا ساقاه على أن أجرة الاجراء الذين يعلمون الخ

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) المختلف: في المساقاة ص ١٤ س ٢٨ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط: والاقوى عندي الجواز اذا بقي للعامل الخ

٥٧٤

يتحقق قبل الظهور يتحقق بعده، بل ربما كانت الحاجة أمس، لان المالك قد لا يتمكن من مباشرتها، وفي تركها فساد لها، وقد يتعذر الاجارة والجعالة، والمساقاة أتم منهما وأقوى في خرص العامل على الحفظ والعمل، فيشرع ذلك تحصيلا للمصلحة الخالية عن معارضة مفسدة يمنع من المشروعية.

الرابعة: قال الشيخ: على العامل كلما فيه المستزاد، كاللقاط واصلاح موضع التشميس ونقل الثمرة اليه، والجذاذ وحفظها في رؤوس النخل وغيره حتى يقسم(١) وعليه الاكثر، وقال ابوعلي: وكل حال يصلح بها الثمرة والزرع فعلى الساقي عملها إلى أن تبلغ الثمرة، والزرع إلى حال يؤمن عليها من الفساد، فاذا بلغت صار شريكا ولم يجب عليه من العمل شئ إلا بقسطه إلا أن يشترط عليه(٢) .

الخامسة: لايبطل هذا العقد بموت أحدهما، لانه من العقود اللازمة، بل يقوم وارث كل منهما مقامه، كالاجارة.ومن قال ببطلانه في الاجارة أبطل به هنا، ومن، لا، فلا، نعم لو عين المالك العامل ومات، بطلت المساقاة، لان العقد لم يتناول غيره.

السادسة: يكره أن يشترط المالك على العامل مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة، لجواز أن يكون الخارج من الثمرة بقدر المشروط أو أقل، فيكون عمله ضايعا، ويصح الشرط لكنه مراعى كالتقبيل، فاذا تلفت الثمرة، بطل الشرط، ولم يجب الوفاء، وكذا لو لم يتفق الاطلاع في المدة المشروطة لم يجب الوفاء بالمال.

____________________

(١) المبسوط: ج ٣ تاب المساقاة، ص ٢٠٩ س ١٩ قال كلما كان مستزادا في الثمره كان على العامل إلى قوله: حتى يقسم، ولا يخفى أن المصنفقدس‌سره اختصر كلام الشيخ فلا حظ.

(٢) المختلف: في المساقاة ص ١٤ س ٣٥ قال: وقال ابن الجنيد وكل حال يصلح به ا الثمرة الخ والحمدلله رب العالمين كما هو أهله ومستحقه، حمدا يضاهي حمد ملائكته المقربين واهل السماوات والارضين وصلى الله على سيدنا محمدو آله الامجدين الطيبين الطاهرين إلى يوم الدين قد فرغت منه عشية يوم الخميس في السادس والعشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة ١٤٠٩ ه‍.ق

٥٧٥

الفهرس

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء الثاني تأليف: العلامة جمال الدين ابي العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي ٧٥٧ - ٨٤١ ه تحقيق: الحجة الشيخ مجتبى العراقي ١

كتاب الصوم ٥

الفصل الاول: الامناء عقيب النظر المتكرر ٣٩

الفصل الثاني: الملاعبة والملامسة ٤٣

الفصل الثالث: التسمع ٤٤

الفصل الرابع: في أقسامه ٥٣

الفصل الخامس في اللواحق ٨١

كتاب الاعتكاف والنظر في شروطه، وأقسامه، وأحكامه ٩٣

فرع: هل يجوز للمعتكف الصعود إلى سطح المسجد؟ ١٠٠

كتاب الحج والنظر في المقدمات والمقاصد المقدمة الاولى ١١٧

المقدمة الثانية ١١٩

القول في النيابة ١٣٢

مسائل ١٣٨

المقدمة الثالثة ١٤٤

تذنيب: آخر وقت العمرة المتمتع بها ١٤٩

تنبيه: التطوع بالطواف ١٥٥

المقدمة الرابعة ١٥٧

المقصد الاول(١) في أفعال الحج ١٦٠

٥٧٦

القول في الاحرام والنظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه ١٦١

تنبيه: ما هو الطيب؟ ١٧٥

القول في الوقوف بعرفات والنظر في المقدمة والكيفية واللواحق ١٨٧

القول في الوقوف بالمشعر والنظر في مقدمته وكيفيته واحقه ١٩١

القول في مناسك منى يوم النحر ١٩٤

القول في الطواف والنظر في مقدمته وكيفيته وأحكامه ٢٠٤

القول في السعي والنظر في مقدمته، وكيفيته وأحكامه ٢١٢

القول في أحكام منى ٢١٥

تنبيه: الكفارة عن الليلة الثالثة ٢١٨

المقصد الثاني في العمرة ٢٢٢

المقصد الثالث في اللواحق ٢٢٥

تذنيب: خروج الصيد عن ملك المحل بدخوله الحرم ٢٧٤

مسائل ثلاث ٢٨٩

كتاب الجهاد والنظر في أمور ثلاثة: الاول: من بجب عليه ٢٩٢

النظر الثاني: فيمن يجب جهادهم وهم ثلاثة: (الاول) البغاة ٣٠٠

(الثاني) أهل الكتاب والبحث فيمن تؤخذ الجزية منه وكميتها وشرايط الذمة ٣٠٢

مسألتان ٣٠٨

الثالث: من ليس لهم كتاب ٣١٠

النظر الثالث في التوابع وهي أربعة: (الاول) في قسمة الفيء ٣١٤

(الثاني) في الاسارى ٣١٧

(الثالث) في أحكام الارضين ٣٢٠

الرابع: الامر بالمعروف والنهى عن المنكر مقدمة ٣٢١

كتاب التجارة الفصل الاول: فيما يكتسب به والمحرم منه ٣٣٣

تذنيب: عدم التكبر عن طلب الرزق ٣٣٩

٥٧٧

تنبيه: طلب الرزق بالتجارة أولى ٣٤٢

فرعان: كلب الماء و كلب البحر ٣٤٩

مسائل ست ٣٥٢

الفصل الثاني: في البيع وآدابه ٣٥٥

الفصل الثالث: في الخيار والنظر في أقسامه وأحكامه ٣٧٢

تنبيه: المواضع التي لا يسقط الرد فيها ٣٧٨

الفصل الرابع: في لواحق البيع وهي خمسة: الاول: النقد والنسيئة ٣٨٥

مسألتان ٣٩٠

الثاني: فيما يدخل في المبيع فرع: لوتلف المتاع في يد الدلال ٣٩٤

الثالث: في القبض ٣٩٨

الرابع: في الشروط ٤٠٠

تتمة ٤٠٨

الخامس: في العيوب ٤١٢

الفصل الخامس: في الربا ٤١٩

مسائل ٤٣٣

الفصل السادس: في بيع الثمار ٤٣٥

فروع ٤٤٢

الفصل السابع: في بيع الحيوان ٤٤٦

الفصل الثامن: في السلف ٤٧١

(النظر الاول) في شروط السلف ٤٧٢

(النظر الثاني) في أحكام السلف ٤٧٥

فرع: لو قلنا بالصحة وطرء الفسخ ٤٧٦

فرع: المبيع في ذمة المديون في عهدة البائع ٤٧٧

(النظر الثالث) في لواحق السلف وهي قسمان: القسم الاول: في دين المملوك ٤٧٩

٥٧٨

(القسم الثاني) في القرض ٤٨٢

(خاتمة) فرع: لو تعذر القبض من المديون ٤٨٧

كتاب الرهن وأركانه أربعة: الاول: في الرهن ٤٨٩

الثاني: في الحق الثالث: في الراهن ٤٩٢

الرابع: في المرتهن ٤٩٥

كتاب الحجر ٥١١

كتاب الضمان ٥١٨

أقسام الضمان ثلاثة: ٥١٩

(القسم الاول) ضمان المال ٥٢١

(القسم الثاني) الحوالة ٥٢٨

(القسم الثالث) الكفالة ٥٣٠

كتاب الصلح ٥٣٥

كتاب الشركة ٥٤٣

كتاب المضاربة ٥٥٤

تتمة ٥٥٧

كتاب المزارعة والمساقاة ٥٦٥

الفهرس ٥٧٦

٥٧٩