المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٣

المهذب البارع في شرح المختصر النافع6%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 584

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 584 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 121637 / تحميل: 6837
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

[الثلث، وان كانت منجرة وكان فيها محاباة أو عطية محضة فقولان: أشبههما انها من الثلث].

قال طاب ثراه: وان كانت منجزة وكان فيها محاباة أو عطية محضة، فقولان: أشبههما انها من الثلث.

أقول: قد مر أن منجزات المريض ماضية من الاصل عند الشيخين في النهاية(١) والمقنعة(٢) والقاضي(٣) وابن ادريس(٤) ومن الثلث عند الصدوق(٥) وأبي علي(٦) والشيخ في المبسوط(٧) وهو ظاهر الخلاف(٨) واختاره المصنف(٩) والعلامة(١٠) .

____________________

(١) النهاية باب الاقرار في المرض والهبة فيه ص ٦١٧ س ٢٠ قال: اقرار المريض جائز على نفسه للاجنبى إلى أن قال: ويكون ما اقربه من اصل المال، وقال في ص ٦٢٠ والهبة في حال المرض صحيحة، والبيع في حال المرض صحيح كصحته في حال الصحة.

(٢) المقنعة: باب الوصية والهبة ص ١٠١ س ٣٣ قال: واذا وهب في مرضه أو تصدق جاز له ذلك في جميع ماله ولم يكن لاحد معارضته في ذلك، والبيع في المرض صحيح كالهبة والصدقة.

(٣) المختلف: في الوصايا، ص ٦٦ س ٢٠ قال: احدها انه يصح من الاصل، اختاره الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج.

(٤) السرائر: باب الوصية، ص ٣٨٦ س ٣١ قال: وعطايا المنجزة صحيحة على الصحيح من المذهب لا تحسب من الثلث بل من أصل المال.

(٥) المقنع: باب الوصايا ص ١٦٥ س ١١ قال: وسئل الصادقعليه‌السلام إلى ان قال: جاز ما وهبت له من ثلثها الخ.

(٦) و(٧) المختلف: في الوصايا، ص ٦٦ س ٢١ قال: وللشيخ قول آخر في المبسوط انها من الثلث، وهو قول ابن الجنيد إلى أن قال: وهو المعتمد.

(٨) المبسوط: كتاب الوصايا، ج ٤ ص ٤٤ س ٢٢ قال: والامراض على ثلاثة أضرب إلى أن قال: فعطاياه تكون من الثلث.

(٩) الخلاف: كتاب الوصايا، مسألة ١٢ قال: وإن كان منجزا مثل العتاق والهبة والمحاباة فلاصحابنا فيه روايتان الخ.

(١٠) لاحظ عبارة المختصر النافع].

١٤١

[أما لاقرار للاجنبي، فان كان متهما على الورثة فهو من الثلث، والا فهو من الاصل. وللوارث من الثلث على التقديرين ومنهم من سوى بين القسمين].

قال طاب ثراه: وأما الاقرار للاجنبي، فان كان متهما على الورثة فهو من الثلث، والا فهو من الاصل، وللوارث من الثلث على التقديرين، ومنهم من سوى بين القسمين.

أقول: إقرار المريض هل يمضى من الاصل أو ينفذ من الثلث كالوصية؟ ابن ادريس على الاول(١) ، وهو لازم لكل من جعل المنجزات من الاصل، ومن قال: انها من الثلث، منهم من قال: ان الاقرار من الاصل لعموم قول: اقرار العاقل(٢) كاطلاق المقنع(٣) وسلار(٤) ، ومنهم من فصل.

والتفصيل في موضعين: الاول: في الفرق بين العين والدين، فالمفيد أمضى الاقرار الاقرار من الاصل في الدين ولم يعتبر التهمة، واعتبرها في العين، فأمضاها مع عدم التهمة من الاصل ومعها من الثلث(٥) ولم يفرق الشيخ(٦) وتلميذه(٧) والصدوق في كتابه بينهما(٨) ،

____________________

(١) السرائر: باب الاقرار في المرض، ص ٣٩١ س ٨ قال: اقرار المريض على نفسه جائز وللاجنبين وللوارث إلى أن قال: ويكون ما اقر به من أصل المال.

(٢) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله اقرار العقلاء على أنفسهم جائز، لاحظ عوالى اللئالى: ج ١ ص ٢٢٣ الحديث ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ الحديث ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ حديث ٥.

(٣) المقنع: باب الوصايا ص ١٦٧ س ٧ قال: فان قال رجل عند موته لفلان أو لفلان لاحدهما عندي ألف درهم الخ.

(٤) المراسم: ذكر الاقرار ص ٢٠١ س ١٦ قال: فاقراره في مرضه كإقراره في صحته.

(٥) المقنعة: باب الاقرار في المرض، ص ١٠٠ س ٣٣ قال: واذا كان على الرجل دين معروف بشهادة قائمة إلى أن قال: كان اقراره ماضيا الخ.

(٦) النهاية: باب الاقرار في المرض ص ٦١٧ س ٢٠ قال: اقرار المريض جائز على نفسه للاجنبي وللوارث الخ.

(٧) و(٨) تقدم آنفا نقل عبارتيهما.

١٤٢

[التاسعة: أرش الجراح ودية النفس يتعلق بهما الديون والوصايا كسائر أموال الميت].

بل اعتبروا التهمة فقيدوه بالثلث معها، ومن الاصل مع عدمها، واختاره المصنف(١) والعلامة(٢) .

الثاني: في الفرق بين الوارث والاجنبي: فابن حمزة اعتبر التهمة وعدمها في حق الوارث، وأطلق القول باللزوم في حق الاجنبي(٣) والشيخ ومن تابعه ممن ذكرنا لم يعتبروا الا التهمة وعدمها(٤) .

كتاب النكاح القسم الاول في الدائم الفصل الاول: في صيغة العقد وأحكامه وآدابه

أما الصيغة: فالايجاب والقبول.

ويشترط النطق بأحد ألفاظ ثلاثة: زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك، والقبول هو الرضا بالايجاب.

____________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف: في الوصايا ص ٦٧ س ٦ قال: والمعتمد الاول.

أي قول الشيخ في النهاية.

(٣) الوسيلة: فصل في بيان الاقرار ص ٢٨٤ س ١ قال: واقرار المريض اذا كان صحيح العقل مثل اقرار الصحيح، الا في حل بعض الورثة لشئ اذا كان متهما الخ.

(٤) النهاية: باب الاقرار في المرض ص ٦١٨ س ٢ قال: فان كان غير موثوق به وكان متهما، طولب المقر له بالبينة الخ.

١٤٣

١٤٤

١٤٥

١٤٦

مقدمات المقدمة الاولى، في تعريفه

وهو في اللغة الوطء(١) .

____________________

(١) قال الازهرى: أصل النكاح في كلام العرب الوطء، وقيل للتزوج نكاح، لانه سبب للوطء المباح، الجوهري: النكاح الوطء، وقد يكون العقد (لسان العرب: ج ٢ ص ٦٢٦).

١٤٧

وفي الشريعة: عقد لفظي مملك للوطء إبتداء، فخرج عقد المعاوضات وشراء الاماء، فإنه يملك الوطء تبعا لملك الرقبة، لاابتداء ولهذا جاز للمحرم، وهو حقيقة شرعية في العقد قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) الآية(١) ومجاز شرعي في الوطء.

قيل: لم يرد في الكتاب العزيز لفظ النكاح بمعنى الوطء الا في قوله (حتى تنكح زوجا غيره)(٢)(٣) لكن بشرط العقد الشرعي ايضا ولا يكفي مطلق الوطء إجماعا.

وبعض الناس قال: إنه حقيقة في الوطء، قال صاحب الصحاح: النكاح الوطء وقد يقال: العقد(٤) ، واذا كان حقيقة لغة كان حقيقة شرعا، لاصالة عدم النقل، وقيل: بالاشتراك لقوله تعالى (ولا تنكحوا مانكح آبائكم)(٥) وهو شامل لكل من العقد والوطء على أظهر القولين.

المقدمة الثانية، في بدء النكاح وأصله

روى الصدوق، باسناده إلى زرارة بن اعين انه سئل أبوعبداللهعليه‌السلام عن خلق حواء إلى أن قال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدمعليه‌السلام من طين وأمر الملائكة فسجدوا له، ألقى عليه السبات(٦) ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع

____________________

(١) الاحزاب: ٤٩.

(٢) البقرة: ٢٣٠.

(٣) وقيل: بل كلاهما (اى العقد والوطء) علم بالكتاب، لان لفظ النكاح يطلق عليها فكانه قيل: حتى يتزوج ويجامعها الزوج، ولان العقد مستفاد بقوله: (زوجا غيره) (مجمع البيان سورة البقرة ص ٣٣٠).

(٤) النكاح: الوطء، وقد يكون العقد (الصحاح: ج ١ ص ٤١٣).

(٥) النساء: ٢٢.

(٦) السبات كغراب النوم (مجمع البحرين لغة سبت).

١٤٨

النقرة التي بين وركيه(١) ، وذلك لكى تكون المرأة تبعا للرجل، فأقبلت تتحرك فانتبه لمتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحى عنه، فلما نظر اليها، نظر إلى خلق حسن شبه صورته غير أنها انثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت؟ قالت: خلق خلقنى الله كماترى، فقال آدمعليه‌السلام عند ذلك: يارب ماهذا الخلق الحسن الذي قد آنسى قربه والنظر اليه؟ فقال الله تبارك وتعالى: ياآدم هذه أمتي حواء، أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعا لامرك؟ فقال: نعم يارب ولك علي بذلك الحمد والشكر مابقيت، فقال له عزوجل: فاخطبها إلى فإنها أمتى، وقد تصلح لك أيضا زوجة، وألقى الله عزوجل عليه الشهوة، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شئ، فقال: يارب فإنى أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال عزوجل: رضاي أن تعلمها معالم ديني، فقال: ذلك لك علي يارب إن شئت ذلك لي، فقال عزوجل، وقد شئت ذلك، وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال لها آدمعليه‌السلام : إلى فأقبلى، فقالت له: بل أنت فأقبل إلى، فأمر الله عزو جل آدم أن يقوم إليها، ولولا ذلك لكان النساء هن يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن على أنفسهن، فهذه قصة حواء صلوات الله عليها(٢) (٣) .

المقدمة الثالثة: في الترغيب في النكاح والحث عليه

قال الله تعالى: (فانكحوا ماطاب لكم من النساء)(٤) وقال تعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من

____________________

(١) النقرة بالضم حفرة صغيرة في الارض، والورك بالفتح والكسر، وككتف فوق الفخذ (مجمع البحرين لغة (نقرة) و (ورك).

(٢) لما كان بين النسخة المعتمدة وبين من لا يحضره الفقيه اختلاف في بعض الكلمات، جعلت الاصل هو الفقيه.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٩٩) باب بدء النكاح واصله ص ٢٣٩ الحديث ١.

(٤) النساء: ٣.

١٤٩

فضله والله واسع عليم)(١) وعدهم سبحانه وتعالى مع أمره بما هو محبوب عندهم من الغناء والسعة، ترغيبا في الاقدام على النكاح، ودفعا لعذر من تعلل بالفقر وخوف الضيق، قال الصادق: عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام يرفعه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله، إن الله تعالى قال: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)(٢) .

وعن هشام بن سالم عن أبي عبدالله قال: جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الحاجة، فقال له: تزوج، فتزوج فوسع عليه(٣) .

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : الحديث الذي يرويه الناس حق إن رجلا إتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه الحاجة، فأمره بالتزويج، ففعل، ثم أتاه فشكى إليه الحاجة، فأمره بالتزويج، حتى أمره ثلاث مرات؟ فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : نعم هو حق، ثم قال: ألرزق مع النساء والعيال(٤) .

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل (وليستعفف الذين لايجدون نكاحا حتى يغنهم الله من فضله)(٥) قال: يتزوجون حتى يغنيهم الله من فضله(٦) (٧) .

____________________

(١) النور: ٣٢.

(٢) الكافي: ج ٥، كتاب النكاح، باب ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣٠ الحديث ٥.

(٣) الكافي: ج ٥، كتاب النكاح، باب ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣٠ الحديث ٢.

(٤) الكافي: ج ٥، كتاب النكاح، باب ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣٠ الحديث ٤.

(٥) النور: ٣٣.

(٦) بيان: هذا التفسير لا يلائم عدم الوجدان الا بتكلف، ويحتمل سقوط لفظة (لا) من اول الحديث، أو نقول: المراد بالتزويج التمتع كما ياتي في باب كراهية المتعة مع الاستغناء (الوافي: ج ٣، ابواب النكاح والحث عليه، ص ١٢).

(٧) الكافي: ج ٥ كتاب النكاح، باب في ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣١ الحديث ٧.

١٥٠

وروى إبن القداح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: جاء رجل إلي أبيعليه‌السلام فقال له: هل لك من زوجة؟ فقال: لا، فقال: إني ماأحب أن الدنيا ومافيها لي وإني أبيت ليلة ليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبي سبعة دنانير، وقال: تزوج بها، ثم قال أبي: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إتخذوا الاهل فانه أرزق لكم(١) .

تنبيه: الناس على ثلاثة أقسام

واذ قد عرفت فضله في الجملة، فاعلم أن الناس فيه على ثلاثة أقسام:

(أ) فمنهم من يتق نفسه إليه ويخاف إن تركه الوقوع في الزنا، فهذا يجب عليه التزويج بلا خلاف بين الامة، واذا فعله كان مؤدبا فرضا، وإذا تركه كان عاصيا في كل آن آن من آنات الترك.

(ب) من يتق نفسه إليه ولا يخاف الوقوع في الزنا، فهذا يستحب له بإجماع الامة.

(ج) من لا تتق نفسه إليه، وهو قسمان.

من لا يمكن حصوله منه كالحصى والعنين الذي لا يرجو زواله، فالافضل لهذا تركه، لعدم حصول الفائدة منه، وتعطيل المرأة عن الاحصان.

ومن يمكن وقوعه منه، وهذا ايضا يستحب له على الجملة.

لكن حصل الخلاف بين الامة في مقام، وهو أن التخلى للعبادة لهذا أفضل، أم التزويج؟

____________________

(١) الكافي: ج ٥ كتاب النكاح، باب كراهة العزبة ص ٣٢٩ الحديث ٦.

١٥١

قال الشيخ في المبسوط: الافضل التخلي للعبادة، لان الله تعالى وصف يحيىعليه‌السلام في معرض مدحه، بكونه حصورا(١) والحصور هو الذي لايشتهى النساء(٢) .

وقد ورد في شرعنا استحبابه، فيحمل على ماإذا لم تتق النفس.

وأجاب المصنف عنه: بان مدح يحيى بذلك في شرعه لايلزمه منه وجوده في شرعنا لاختلاف الشرعين في الاحكام(٣) .

والاكثرون من أصحابنا على أنه أفضل من التخلى للعبادة، وهو اختيار المصنف(٤) والعلامة في كتبه(٥) .

وهو الحق لوجوه:

(أ) دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلا وقولا.

أما الاولى فظاهر من حالهعليه‌السلام ، ولقد ماتعليه‌السلام عن تسع نسوة(٦) .

____________________

(١) اشارة إلى قوله تعالى (وسيدا وحصورا) سورة آل عمران / ٣٩.

(٢) المبسوط: ج ٤، كتاب النكاح ص ١٦٠ س ١٠ قال: والذي لايشتهيه المستحب أن لا يتزوج الخ.

(٣) شرائع الاسلام: كتاب النكاح، في آداب العقد، قال: ويمكن الجواب بان المدح بذلك في شرع غيرنا الخ.

(٤) شرائع الاسلام: كتاب النكاح، في آداب العقد، قال: ومن لم تتق فيه خلاف، المشهور استحبابه الخ.

(٥) القواعد: كتاب النكاح ص ٢ س ٢ قال: والاقرب انه افضل من التخلى للعبادة لمن لم تتق نفسه اليه(٦) عوالى اللئالى: ج ١ ص ١٧٥ الحديث ٢١٢ وقد تعرض له الفقهاء في كتبهم الاستدلاليه عند عدهم خصائص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتاب النكاح، وفي التذكرة: (ج ٢ كتاب النكاح ص ٥٦٧ س ٣٢) قال: فانهعليه‌السلام مات عن تسع الخ.

١٥٢

ولما بشر الله تعالى به عيسىعليه‌السلام قال له في وصفه: واستوص بصاحب الجمل الاحمر والوجه الاقمر، نكاح النساء(١) . ولاتذكر من الاوصاف في معرض التكرمة والتفضيل إلا أوصاف الكمال. وكذا كان شأن الانبياءعليهم‌السلام ، حتى أن سليمانعليه‌السلام كان له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة سرية(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : من أخلاق الانبياء حب النساء(٣) .

وعن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ثلاث من سنن المرسلين، ألعطر، وإحفاء الشعر، وكثرة الطروقة(٤)(٥) .

وأما الثاني فكقولهعليه‌السلام : من أحب سنتى فإن من سنتي التزويج(٦) وكقولهعليه‌السلام : من رغب عن سنتي فليس مني وإن من سنتي النكاح(٧) .

(ب) اشتراك كل من التزويج والتخلى للعبادة، في كون كل منهما طاعة لله

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٨٢ الحديث ٧.

(٢) دعائم الاسلام: ج ٢ ص ١٩٢ الحديث ٦٩٥.

(٣) الكافي: ج ٥، كتاب النكاح، باب حب النساء، ص ٣٢٠ الحديث ١.

(٤) بيان: احفاء الشعر بالمهملة، المبالغة في قصها وازالتها، والطروقة، الزوجة وكل امرأة طروقة زوجها، وكل ناقة طروقة فحلها، كذا في النهاية قال: هى فعوله بمعنى مفعوله (الوافى: كتاب النكاح ص ١٠).

(٥) الكافي: ج ٥، كتاب النكاح، باب حب النساء، ص ٣٢٠ الحديث ٣ وفيه (واخذ الشعر) بدل (احفاء الشعر).

(٦) الكافي: ج ٥ كتاب النكاح، باب كراهة العربة ص ٣٢٩ الحديث ٥ وفيه (من أحب أن يتبع سنتي).

(٧) المستدرك: ابواب مقدمات النكاح ص ٥٣١ الحديث ١٥ ولفظ الحديث (من سنتي التزويج فمن رغب عن سنتي فليس مني) ورواه في عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٨٣ الحديث ١٢ كما في المتن.

١٥٣

سبحانه، وخلاص المزوج من خطر قولهعليه‌السلام : أراذل موتاكم العزاب(١) .

وقولهعليه‌السلام : شرار موتاكم العزاب(٢) .

وفي حديث اخر عنهعليه‌السلام : لو رجع العزاب من أمواتكم إلى الدنيا لتزوجوا(٣) ووقوع المتعبد في هذا الخطر.

(ج) فوز المتزوج بمضاعفة الركعة بسبعين من صلاة الاعزب(٤) .

(د) فوز المتزوج بفضيلة القيام على العيال، فعنهعليه‌السلام : من عال بيتا من المسلمين فله الجنة(٥) .

(ه‍) فوزه بالذرية التى يبقى ذكره ويحيى أمره، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا مات المسلم إنقطع عمله إلا من ثلاث، علم ينتفع به بعده، أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له(٦) .

____________________

(١) الكافي ج ٥ كتاب النكاح: باب كراهة العربة ص ٣٢٩ الحديث ٣ وفيه (رذال موتاكم) وفي المستدرك: ابواب مقدمات النكاح ص ٥٣١ نقلا عن ابي الفتوح الرازي في تفسيره (أراذل موتاكم عزابكم) وفيه عن درر اللئالى (اراذل موتاكم العزاب) وفي عوالى اللئالى كما في المتن.

(٢) المستدرك: ابواب مقدمات النكاح ص ٥٣١ الحديث ١ وفيه نقلا عن البحار (شرار امتى عزابها).

وفي عوالي اللئالى: ج ٣ ص ٢٨٣ الحديث ١٤ كما في المتن.

(٣) المستدرك: ابواب مقدمات النكاح، ص ٥٣١ الحديث ١٠ نقلا عن عوالى اللئالي، وفيه (لو خرج العزاب من موتاكم إلى الدنيا).

(٤) اشارة إلى الحديث (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب) الكافي: ج ٥ ص ٣٢٨ باب كراهة العزبة الحديث ١.

(٥) الجامع الصغير للسيوطي: ج ٢ حرف العين المهملة، ولفظ الحديث (من عال أهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه) وفي عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٨٣ الحديث ١٦ كما في المتن.

(٦) سند احمدبن حنبل: ج ٢ ص ٣٧٢ وفيه (اذا مات الانسان) وفي عوالى اللئالى ج ٣ ص ٢٨٣ (اذا مات ابن ادم).

١٥٤

(و) فوزه بذخيرة الولد الصغير إذا مات، فيكون شفيعا له يوم القيامة(١) .

(ز) فوزه بثواب تفريح الاطفال وسرور العيال، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قبل ولده كتب الله له حسنة، ومن فرحه فرحه الله يوم القيامة(٢) .

وقالعليه‌السلام : من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وشبك بين أصابعه السبابة والوسطى، فقيل: يارسول الله وإبنتين؟ قال: وإبنتين، قيل: وواحدة؟ قال: وواحدة(٣) والاعرب على الخيبة من ذلك.

(ح) كونه يسعى في وصل سبب إتصل إليه ممن قبله، والاعرب يسعى في قطع ذلك السبب، وكيف يحسن بالعاقل.

أو تسمح نفسه بقطع سلسلة إتصلت إليه من آدمعليه‌السلام ، ألا ترى: أن المرابط يحرص على بلوغ ولد يقوم مقامه بعده في الرباط، وكذلك المرأ المؤمن ينبغي أن يشتد حرصه وتأسفه على ولده يكون بعده يقوم بأوامر الله سبحانه، قال الصادقعليه‌السلام : ميراث الله من عبده المؤمن إذا مات، ولد يعبده، ثم تلا آية زكريا (فهب لي من لدنك وليا يرثني)(٤)(٥) .

(ط) فوزه بالولد، فهو إن مات قبله كان ذخيرة في الآخرة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة، صبر

____________________

(١) اشارة إلى مافي موت الولد، لاحظ الوسائل: ج ١٥ ص ٩٦ الحديث ١٣ و ١٤).

(٢) الكافي: ج ٦ باب بر الاولاد، ص ٤٩ الحديث ١ وتمام الحديث (ومن علمه القران دعى بالابوين فيكسيان حلتين يضى من نورهما وجوه اهل الجنة.

(٣) مسند أحمد بن حنبل: ج ٣ ص ١٤٨ بتفاوت يسير في بعض الكلمات، وفي الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد ص ٣١١ الحديث ١٢ مثله.

(٤) مريم: ٥ و ٦.

(٥) الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد ص ٣٠٩ الحديث ٢ ولفظه (ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح يستغفر له) وفي الكافي: ج ٦ باب فضل الولد ص ٤ قطعة من حديث ١٢ كما في المتن.

١٥٥

أو لم يصبر(١) (٢) . وإن عاش كان سببا في وصول الرحمة إليه، والتخفيف عنه.

روي أن عيسىعليه‌السلام مر بقبر وهو يعذب، ثم مر به في عام فوجده لايعذب، فقال الحواريون: ياروح الله مررنا بهذا القبر عام أول وهو يعذب، ومررنا به ألان وهو لا يعذب؟ ! فقالعليه‌السلام : إنه كان له ولد صغير فبلغ العام فأصلح طريقا، وآوى يتيما فغفر الله لابيه بما كان منه(٣) .

(ى) فوزه بموافقة محبة الله تعالى وإرادته، وتعلق عنايته ببقاء نوع الانسان، وأن لايخلو العالم من جنس الانس، ولذا حرم قتل النفوس، وحرم اللواط الذي هو سبب ضياع النطف، وتوعد عليهما بالقصاص والحد خزيا في الدنيا وبالنار في الآخرة، وأمر بإطعام الجائعين، وجعل ذلك كفارة لذنوب الخاطئين.

(با) كون الولد عملا برأسه.

روى إبن أبي عمير، عن محمد بن مسلم قال: كنت جالسا عند أبي عبداللهعليه‌السلام إذ دخل يونس بن يعقوب فرأيته يإن، فقال له أبوعبداللهعليه‌السلام : مالى أراك تإن؟ ! فقال: طفل لى ناذيت به الليل أجمع، فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : حدثنى أبي محمد بن على، عن آبائه عن جدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ان جبرئيل نزل عليه ورسول الله وعليعليهما‌السلام يانان، فقال جبرئيل:

____________________

(١) يدل على ان الجزع لايحبط أجر المصيبة، ويمكن حمله على ما اذا لم يقل ولم يفعل ما يسخط الرب، أو على عدم الاختيار (مرآة العقول: ج ١٤ ص ١٧٣).

(٢) الكافي: ج ٣، كتاب الجنائز، باب المصيبة بالولد، ص ٢١٩ الحديث ٨ والحديث مروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

(٣) الكافي: ج ٦، باب فضل الولد ص ٣ الحديث ١٢، وفيه (إن عيسىعليه‌السلام قال: يارب مررت الخ).

١٥٦

ياحبيب الله مالى أراك تان؟ ! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : طفلان لنا تأذينا ببكائهما، فقال جبرئيل: مه يامحمد، فإنه سيبعث لهؤلاء الفوم شيعة إذا بكى أحدهم، فبكاؤه لا اله الا الله إلى أن يأتي عليه سبع سنين، فاذا جاز السبع فبكاؤه إستغفار لوالديه، إلى أن ياتي على الحد، فإذا جاز الحد فما أتى من حسنة فلوالديه، وما أتى من سيئة فلا عليهما(١) (٢) .

وعن حمدان بن عمار قال: كان لى إبن وكان تصيبه الحصاة، فقيل لى: ليس له علاج إلا أن تبطه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت في دم إبنك، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السالم، فوقع صلوات الله عليه (يا أحمد ليس عليك فيما فعلت شئ، إنما التمست الدواء، وكان أجله فيما فعلت)(٣) (٤) .

وعن امير المؤمنينعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي، فقال: كفارة لوالديه(٥) (٦) .

(يب) كون مباشرة أهله عبادة وصدقة.

روى عبدالله بن القداح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) قوله (فبكاؤه) أي يعطى والده ثواب من قال: لا اله الا الله (مرآة العقول: ج ٢١ ص ٩١).

وقوله: (على الحد) اى حد البلوغ والتكليف (فلوالديه) أى من غير أن ينقص من اجره من تلك الحسنة شئ (الوافي باب ٢٠٦ فضل الولد ص ١٩٦).

(٢) الكافي: ج ٦، كتاب العقيقة، باب النوادر، ص ٥٢ الحديث ٥.

(٣) قال الفيروز ابادي: الحصاة: اشتداد البول في المثانة حتي يصير كالحصاة، وقال الجزرى: البط شق الدمل والجراح ونحوهما (مرآة العقول ج ٢١ ص ٩١).

(٤) الكافي: ج ٦ كتاب العقيقة، باب النوادر ص ٥٣ الحديث ٦.

(٥) قولهعليه‌السلام (كفارة لوالديه) اقول: هذا لا ينافي العوض الذي قال به المتكلمون للطفل، فان المقصود الاصلي كونه كفارة لهما، والعوض تابع لذلك (مرآة العقول: ج ٢١ ص ٩٠).

(٦) الكافي: ج ٦ كتاب العقيقة، باب النوادر: ص ٥٢ الحديث ١.

١٥٧

لرجل: أصبحت صائما؟ قال: لا، قال: فأطعمت مسكينا؟ قال: لا، قال فارجع إلى أهلك فإنه منك عليهم صدقة(١) .

المقدمة الرابعة، في فوائد النكاح

وهي ست : الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس في القيام بهم، وترويح النفس.

(الفائدة الاولى) الولد

وهو الاصل، وله وضع النكاح، إذ المقصود بقاء النسل وأن لايخلو العالم عن جنس الانس، كيف لا، وهم أشرف المخلوقات.

يدلك على ذلك، مباهاته تعالى بهم الملائكلة لما قالوا: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون)(٢) ثم أسجد الملائكة لآدمعليه‌السلام إعظاما له، وإظهارا لكرامته، ثم قال: (أنبئونى بأسماء هؤلاء قالوا لاعلم لنا)(٣) .

فنطقعليه‌السلام بما علمه ربه مفصلا لتك الاشياء، ومبينا لما خلقت له، وشارحا لاحوالها، ثم جعل من الملائكة حفظة لهم من الشياطين، وخدمة ينزل بأرزاقهم، وتصلح أقواتهم، وكل ذلك يدل على فضل هذا المخلوق الشريف، وعناية خالقه به، قال تعالى (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(٤) وقال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما)(٥) .

ولما اقتضت حكمة البارئ جل جلاله ترتيب المسببات على الاسباب، مع الاستغناء عنها، إذ القدرة الازلية غير قاصرة عن إختراع الاشياء ابتداء من غير توسط حراثة وإزدواج كما خلق عيسى من غير أب، واخترع آدم من تراب،

____________________

(١) الكافي: ج ٥ كتاب النكاح، باب كراهية الرهبانية وترك الباه ص ٤٩٥ الحديث ٢.

(٢) سورة البقرة / ٣٠.

(٣) سورة البقرة / ٣١ ٣٢.

(٤) سورة الاسراء / ٧٠.

(٥) سورة النساء / ٢٩.

١٥٨

والتراب من لا شئ، فقال: (كن) فكان، كما شاء، وأراد بشرا سويا.

ولكن من بديع قدرته وعجائب صنعته، وسعة إحاطته، ولطيف خبره، رتب المسببات على الاسباب، تنبيها للالباب، وكشفا للحجاب عن طريق الرشد والصواب، ودليلا على تفرده بالاستغناء الحقيقي والوجود الازلي قال الصادقعليه‌السلام : (ألى الله أن يجرى الاشياء إلا على الاسباب)(١) (٢) .

قال بعض العلماء: هذا واجب في الحكمة الالهية، ليعرف بذلك أنه لاسبب له، فيكون ذلك لطفا في معرفته تعالى.

ألا ترى إلى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (وبمضادته بين الاشياء عرف أن لا ضد له)(٣) ومثله ماروى عن الصادقعليه‌السلام : (لو لم يكن الشاهد دليلا على الغائب لما كان للخلق طريق إلى اثباته تعالى)(٤) .

وكان في مشاهدة ذلك وما اشتملت عليه من التدبير، حيث خلق الشهوة باعثة، كالموكل بالفحل في إخراج البذر، وبالانثى بالتمكن من الحرث، تلطفا بهما في السياقة إلى إقتناص الولد بسبب الوقاع، كالمتلطف بالطير في بث الحب الذي يشتهيه، ليساق إلى الشبكة، ثم ألقى في قلوبهما من الحنة عليه والرأفة به مايربيانه بها، إظهارا للقدرة واتماما لعجائب الصنعة، وتنبيها على لطيف الحكمة، وتوقيفا على

____________________

(١) أي جرت عادته سبحانه على وفق قانون الحكمة والمصلحة أن يوجد الاشياء بالاسباب، كايجاد زيد من الآباء والمواد والعناصر، وإن كان قادرا على ايجاده من كتم العدم دفعة بدون الاسباب، وكذا علوم اكثر العباد ومعارفهم جعلها منوظة بشرائط وعلل واسباب، كالمعلم، والرسول، والملك، واللوح، والقلم، وان كان يمكنه افاضتها بدونها، وكذا سائرالامور التي تجرى في العالم، (مرآة العقول: ج ٢ ص ٣١٢).

(٢) الكافي: ج ١ باب معرفة الامام والرد اليه، ص ١٨٣ قطعة من حديث ٧.

(٣) نهج البلاغة: (صبحى الصالح) الخطبة ١٨٦ ص ٢٧٣ س ٢.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٨٦ الحديث ٢٨.

١٥٩

دقائق المعرفة، وإيضاحا لسوابغ النعمة ماتوصل إلى التوحيد والمعرفة، ويزرع في القلوب من غزائر الايمان، ويؤنس الصدور من وحشة نزغات الشيطان، بحيث يصير معرفته لخلقه كالعيان، ويذعن لربوبيته الانس والجان، قال عز من قائل: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله قل الحمد لله)(١) .

وفي الوصلة إلى الولد قربة من خمسة أوجه:

(أ) موافقة محبة الله لبقاء نوع الانسان.

(ب) تحصيل محبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تكثير من به المباهات، حيث قال: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الامم يوم القيامة حتى بالسقط(٢) .

وقالعليه‌السلام : والمولود في أمتي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس(٣) .

(ج) طلب التبرك بدعاء الولد، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا مات المؤمن إنقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له(٤) الحديث.

وبالجملة دعاء الولد لابويه مفيد برا كان الولد أو فاجرا، فهو مثاب على دعواته وحسناته، لانه من كسبه، وغير مؤاخذ بسيئاته، فإنه لا تزر وازرة وزر اخرى.

(د) طلب الشفاعة بموت الولد الصغير اذا مات قبله.

روى سليم بن جعفر الجعفري عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل: تزوجها سوداء ولودا، ولا تزوجها حسناء جميلة عاقرا، فإنى مباه بكم الامم يوم القيامة، أو ماعلمت أن الولدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم، يحضنهم إبراهيمعليه‌السلام وتربيهم سارة في جبل فيه مسك وعنبر

____________________

(١) لقمان: ٢٥.

(٢) الجامع الصغير للسيوطى: ج ١ حرف التاء، الحديث ٣٣٦٦.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٨٦ الحديث ٣.

(٤) تقدم آنفا نقلا عن مسند احمد بن حنبل.

١٦٠

وزعفران(١) .

وعنه في حديث: أما علمتم أنى أباهي بكم الامم يوم القيامة حتى بالسقط، بظل محبنطئا(٢) ، (أي ممتلى غيضا وغضبا) على باب الجنة، فيقول الله عزوجل: ادخل الجنة، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي قبلى، فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة إيتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا بفضل رحمتى لك(٣) .

وروى الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذونهم بشجر في الجنة، لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درة، فإذا كان يوم القيامة البسوا وطيبو واهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم وهو قول الله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنابهم ذريتهم)(٤) (٥) (٦) .

وفي خبر آخر: أن الاطفال يجمعون في موقف القيامة عند عرض الخلايق

____________________

(١) الكافي: ج ٥، باب كراهية تزويج العاقر ص ٣٣٤ الحديث ٤ وفيه (سليمان بن جعفر).

(٢) المحبنطى بالحاء والطاء المهملتين وتقديم الباء الموحدة على النون، يهمز ولا يهمز، هو المتغضب الممتلى غيظا المستبطئ للشئ، وقيل: هو الممتنع امتناع طلبة لا امتناع اباء (الوافي: باب ٣ كراهة العروبة والحض على النكاح) ص ١١.

(٣) الكافي: ج ٥ باب فضل الابكار، ص ٣٣٤ قطعة من حديث ١.

(٤) سوره الطور / ٢١.

(٥) أى والحال انهم في دار الدنيا تابعون لآبائهم في الايمان، وعلى النسخة الاخرى والقراء‌ة الاخرى، أي والحال أنا أتبعنا الاولاد بالاباء تفضلا مني عليهم، كذلك تفضلنا عليهم في الآخرة و (الحقنا بهم ذريتهم) لتكون معهم وتقر أعينهم بهم وان لم يكن للاولاد عمل يستحقون به اللحوق، ولكن كان بالتفضل، أو بسبب إيمان الآباء (روضة المتقين ج ٨ ص ٦٣٢).

(٦) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٥٠) باب حال من يموت من اطفال المؤمنين، ص ٣١٦ الحديث ٢.

١٦١

للحساب، فيقال للملائكة: إذهبوا بهؤلاء إلى الجنة، فيقفون على باب الجنة، فيقال بهم: مرحبا بذراري المسلمين، أدخلوا لاحساب عليكم، فيقولون: أين آباؤنا وأمهاتنا؟ فتقول الخزنة: إن آباء‌كم وأمهاتكم ليسوا مثلكم، إنهم كانت لهم ذنوب وسيئات، فهم يجلسون ويطالبون بها، قال: فتصايحون ويضجون على باب الجنة صحية واحدة، فيقول الله سبحانه وتعالى: وهو أعلم، ما هذه الضجة؟ فيقولون أطفال المسلمين قالوا: لاندخل الجنة إلا مع الآباء، فيقول الله تعالى: تخللوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم الجنة(١) .

ومن جملة المعاني التي فسر بها قوله تعالى (فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لانفسكم)(٢) تقديم الاطفال (ه‍) كونه سببا لذكر الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مايمنع المؤمن أن يتخذ أهلا، لعل الله يرزقه نسمة يثقل الارض ب‍ (لا اله إلا الله)(٣) .

وقال يوسف لاخيه: كيف استطعت أن تتزوج النساء بعدي؟ ! فقال: إن أبي أمرنى وقال: إن استطعت أن يكون لك ذرية تثقل الارض بالتسبيح، فافعل(٤) .

أما الاول من الوجوه، وهو (موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لبقاء نوع الانسان) فهو أدق الوجوه، وأبعدها عن أفهام العوام، وأقواها عند ذوى البصائر والافهام، وأرباب الفكر في عجائب صنعة العلام، لان الله سبحانه خلق الزوجين الذكر والانثى، وخلق النطفة، وهيأ لها في الانثيين عروقا ومجاري، وخلق الرحم

____________________

(١) المستدرك: (الطبعة الحديثة) ج ٢ باب استحباب احتساب موت الاولاد، ص ٣٨٩ الحديث ٩ نقلا عن البحار.

(٢) سورة البقرد / ٢٢٣.

(٣) من لايحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب فضل التزويج ص ٢٤١ الحديث ١.

(٤) الكافي: ج ٥، باب كراهة الغربة، ص ٣٢٩ الحديث ٤.

١٦٢

قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضى الشهوة على كل من الذكر والانثى.

فهذه الافعال تشهد بلسان ذلق في الاعراب عن مراد خالقها وبانيها، وينادي أرباب الآلباب بتعريف ماأعدت له، فالتارك للنكاح المتعلل نبوع ما، من الاعذار، داحض الحجة، محجوج القول، خاسر الصفقة، وإنما مثله في ذلك كالسيد إذا أسلم إلى عبده البذر وآلات الحرث، وهيأ له ارضا للحراثة، وكان العبد قادرا على الحراثة، ووكل به من يتقاضاه، فانه إن ترك ما امر به، وتكاسل، وعطل آلة الحرث، وترك البذر ضائعا حتى فسد، ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة، كان مستحقا للغضب والعقوبة من سيده.

هذا لو لم يصرح سبحانه وتعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمراد، حيث يقول: مامن شئ أحب إلى الله عزوجل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح، وما من شئ أبغض إلى الله عزوجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقة، يعني الطلاق(١) .

وقالعليه‌السلام : تناكحوا تناسلوا(٢) .

ولهذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تزوجوا سوداء ولودا، ولا تزوجها حسناء عاقرا(٣) .

وقالعليه‌السلام : حصير ملفوف في زاوية البيت خير من إمرأة لاتلد(٤) .

____________________

(١) الكافي: ج ٥، باب في الحض على النكاح، ص ٣٢٨ قطعة من حديث ١.

(٢) المستدرك: ج ٢ كتاب النكاح ص ٣٥١ الحديث ١٧ نقلا عن عوالى اللئالى، وتمامه (أباهي بكم الامم يوم القيامة).

(٣) الكافي: ج ٥، باب كراهية تزويج العاقر، ص ٣٣٤ قطعة من حديث ٤.

(٤) التذكرة: ج ص ٥٦٩ رواه في المقدمة السادسة من مقدمات النكاح نقلا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورواه في كنز العمال: ج ١٦ حرف النون، الحديث ٤٥٥٨٩ ولفظه (عن ابن عمر، ان عمر تزوج امرأة فاصابها شمطاء وقال: حصير في بيت خير من امرأة لاتلد) وفي الفقيه: ج ٣(١٧٨) باب النوادر ص ٣٥٨ س ١٨ ولفظه (ولحصير في ناحية البيت الخ).

١٦٣

وكل ذلك يدل على أن المقصود من النكاح إنما هو الولد وبقاء النسل، فالناكح ساع في إتمام ماأحب الله إتمامه، والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه، وقاطع نسلا أدام الله وجوده من آدمعليه‌السلام إليه عقبا بعد عقب حتى انتهى إليه، وختم الوجود المستدام على نفسه، فمات أبتر لا عقب له ولا ذكر.

أما الوجه الثانى والثالث: أعني تكثير الامة وطلب التبرك بدعاء الولد، فمعلوم مما قدمناه من الاحاديث، وفي معناها كثيرة لا حاجة بنا إلى إيراده كيلا يطول الكتاب.

وأما الرابع: وهو أن يموت الولد الصغير فيكون شفيعا له، فظاهر من نصوصهعليه‌السلام وهي كثيرة قدمنا منها ما يكفي الاستشهاد.

ومثله قولهعليه‌السلام : إعلموا أن احدكم يلقى سقطه محبنطئا على باب الجنة، حتى اذا رآه أخذ بيده حتى يدخله الجنة، وإن ولد أحدكم إذا مات اوجر فيه، وإن بقي له، إستغفر له بعد موته(١) .

وعنهعليه‌السلام : من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته وآبائهم، قيل: يارسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واثنان؟ قال: واثنان(٢) .

(الفائدة الثانية) التحصين عن الشيطان، وكسر الشوقان، و...

دفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج

وإليه الاشارة بقوله: (من تزوج فقد أحرز نصف

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد ص ٣١١ الحديث ١٥.

(٢) ثواب الاعمال: ثواب من قدم اولادا بحتسبهم عند الله ص ٢٣٣، الحديث ٣ إلى قوله (بفضل رحمته) وفي المستدرك كتاب الطهارة باب ٦٠ من ابواب الدفن، حديث ٦ وفيه (فقيل: يا رسول الله واثنان؟ قال: واثنان).

١٦٤

دينه فليتق الله في النصف الباقي(١) .

وقالعليه‌السلام : معاشر الشباب من استطاع منكم الباء‌ة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فان الصوم له وجاء(٢) .

والوجاء رض الخصيتين.

وكسر الشهوة أمر مهم في نظر الشرع، فإن الشهوة إن لم يغلبها قاهر الدين والحياء، أوقعت في المحرم، وإن قهرها فغايته قهر الظاهر، أما القلب فلا سبيل عليه، فربما يشوش عليه عبادته، حتى ربما توسوس في الصلاة، فيخطر في خاطره مالو أظهره بين يدى مخلوق مثله، لا استحيا منه، وقلبه بالنسبة إلى البارى تعالى كظاهره بالنسبة إلى المخلوق، فلا يكاد يسلم قلبه من وجود الشهوة.

ولهذا روى أن بعض الصحابة كان يفطر عليه قبل الاكل.

وقال ابن عباس: لايتم نسك الناسك حتى يتزوج(٣) .

فقال بعضهم: لا يفرق قلبه عن شهوة النكاح إلا بالتزويج، ولا يتم النسك إلا بفراغ القلب.

والظاهر أن مراده: لايكمل نسك الناسك حتى يتزوج، لان التزوج أفضل السنن، ولا يكون نسك الناسك كاملا مع إهماله أعظم السنن.

وعن علي صلوات الله وسلامه عليه، لم يكن أحد من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوج إلا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كمل دينه(٤) .

فالزوجة على التحقيق، قوة وسبب لطهارة النفس، ولذلك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) من لايحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب فضل التزويج ص ٢٤١ الحديث ٣ و ٤).

(٢) صحيح مسلم: كتاب النكاح(١) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه، الحديث ٣.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٩٠ الحديث ٤٥.

(٤) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ١ ذكر الرغائب في النكاح، ص ١٩٠ الحديث ٦٨٧.

١٦٥

كل من وقع نظره إلى امرأة فتاقت نفسه اليها أن يجامع أهله(١) . ولان ذلك يدفع الوسواس.

وعن عليعليه‌السلام : إذا نظر أحدكم إلى إمرأة فليلمس أهله، فإنما هى إمرأة كإمراة(٢) .

وروى مسمع عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله، فإن الذي معها مثل الذي مع تلك، فقام رجل وقال يا رسول الله: فان لم يكن له أهل فما يصنع؟ قال: فليرفع بصره إلى السماء وليراقبه، وليسأله من فضله(٣)(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : من نظر إلى إمرأة فرفع بصره إلى السماء، وغمض بصره، لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين(٥) .

وفي خبر اخر: لم يرتد إليه بصره حتى يعقبه الله إيمانا يجد طعمه(٦) .

(الفائدة الثالثة) تدبير المنزل

وفي التزويج تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس، والفرش، وتنظيف الاواني، وتهيئة أسباب المعيشة، فإن الانسان لو لم يكن له شهوة الوقاع، لتعذر أو تعسر عليه العيش في منزله وحده، إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرغ للعلم

____________________

(١) سيأتي عن قريب.

(٢) نهج البلاغة: القسم الثاني في غريب كلامه المحتاج إلى التفسير، تحت الرقم ٤٢٠ وفيه فليلامس أهله).

(٣) قوله (فليراقبه) أي فيتذكر عذاب الله تعالى واطلاعه على أحواله ليصير سببا للاحتراز عن الحرام، ويحتمل أن يكون المراد التضرع والمسألة، فيكون ما بعده تفسيرا له، والنظر إلى السماء إما للتوجه بالدعاء، أو لرفع النظر عن المرأة (مرآة العقول ج ٢٠ ص ٣٠٢).

(٤) الكافي: ج ٥، باب أن النساء أشباه ص ٤٩٤ الحديث ٢.

(٥) و(٦) من لايحضره الفقيه: ج ٣، باب النوادر في النكاح، ص ٣٠٤ الحديث ٤١ ٤٢.

١٦٦

والعمل. فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين، وإحتيال هذه الاسباب شواغل ومشوشات للقلب، ومنغصات للعيش.

وجاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : خمسة من السعادة، وعد منها الزوجة الصالحة(١) .

وجاء إليه رجل وقال: يارسول الله، إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموما، قالت: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك، فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك، فزادك الله هما، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان لله عمالا، وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد(٢) .

وهي مع هذه الفائدة العاجلة، من الفوائد الآجلة المؤذنة بتضاعف الحسنات مالايوجد في غيره من أصناف الطاعات والعبادات.

وكان عثمان بن مظعونرضي‌الله‌عنه من زهاد الصحابة وأعيانها، حتى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين وقبله مرارا، ونزل إلى قبره وألحده بيده، ثم سوى قبره بيده، فجاء يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يارسول الله قد غلبنى حديث النفس، ولم احدث شيئا حتى أستأمرك؟ قال: بم حدثتك نفسك ياعثمان؟ قال: هممت أن أسيح في الارض، قال: فلا تسح فيها، فإن سياحة امتي في المساجد، قال: وهممت أن احرم اللحم على نفسي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تفعل فإنى أشتهيه وآكله، ولو

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ١٢ ذكر من يستحب ان ينكح ص ١٩٥ الحديث ٧٠٦ وتمام الحديث (والبنون الابرار، والخلطاء الصالحون، ورزق المرء في بلده، والحب لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١١٠) باب مايستحب ويحمد من اخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٦ الحديث ٨.

١٦٧

سألت الله أن يطعمنيه كل يوم، لفعل، فقال: وهممت ان أحب(١) نفسي؟ قال: ياعثمان من فعل ذلك فليس منا، أعنى بنفسه أحد(٢) لاتفعل إن وجاء امتي الصيام، قال: وهممت أن أحرم خولة على نفسي؟ (يعنى إمرأته) قال: لاتفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة وحضرتهما الملائكة، فإن إغتسلا لم يمر الماء على شعرة من كل واحد منهما إلا كتب الله لهما حسنة ومحا عنهما سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عزوجل لملائكته: انظروا إلى عبدى هذين اغتسلا في هذه الليلة الباردة علما منهما اني ربهما، اشهدكم أني قد غفرت لهما، فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولد، كان لهما وصيفا في الجنة، ثم ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده على صدر عثمان، وقال: يا عثمان، لاترغب عن سنتى فإن من رغب عن سنتى عرضت له الملائكة يوم القيامة فصرفت وجهه عن حوضي(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أقبل الرجل المؤمن على امرأته المؤمنة، إكتنفه ملكان، وكان كالشهار سيفه في سبيل الله، فاذا فرغ منها تحاتت عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر(٤) ، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب، فقالت إمرأة: بأبي انت وامي يارسول الله، هذا للرجال فما للسناء؟ قال: هي اذا حملت كتب الله لها أجر الصائم القائم، فاذا أخذها الطلق لم يدر مالها من الاجر الا الله تعالى، فاذا

____________________

(١) الجب قطع الذكر، أوما لا يبقى منه قدر الحشفة، ومنه خصى مجبوب، مقطوع (مجمع البحرين لغة جب).

(٢) وفي المصدر (قال: يا عثمان ليس منا من فعل ذلك بنفسه ولا بأحد إن وجأ الخ).

(٣) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ١ ذكر الرغائب في النكاح ص ١٩٠ الحديث ٦٨٨.

(٤) وزاد في المصدر (أوان سقوطه).

١٦٨

وضعت كتب الله لها بكل مصة (يعنى من الرضاع) حسنة، ومحا عنها سيئة.

وقال: النفساء اذا ماتت من نفاسها، فجاء‌ت(١) يوم القيامة بغير حساب، لانها تموت بغمها(٢) .

(الفائدة الرابعة) كثرة العشيرة

وهو أمر مطلوب في نظر العقلاء، ألا تنظر إلى قوله تعالى حاكيا عن إبراهيمعليه‌السلام (رب هب لي حكما والحقنى بالصالحين واجعل لى لسان صدق في الآخرين(٣)(٤) وقال تعالى (وجعلها كلمة باقية في عقبه)(٥) وقال موسى: (واجعل لي وزيرا من أهلي)(٦) وقال زكريا: (رب هب لي من لدنك وليا يرثني)(٧) وقال: (هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)(٨) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : خمسة من السعادة، الزوجة الصالحة، والبنون الابرار، والخلطاء الصالحون، ورزق المرء في بلده، والحب لآل محمد(٩) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (تزوجوا فإنى مكاثر بكم الامم غدا في القيامة(١٠) وخير النساء الولود الودود(١١) ولا تنكحوا الحمقاء فإن في صحبتها بلاء، وولدها

____________________

(١) في المصدر (قامت يوم القيامة).

(٢) دعائم الاسلام: ج ٢، فصل ١ ذكر الرغائب في النكاح ص ١٩١ الحديث ٦٩٠.

(٣) سورة الشعراء / ٨٣ ٨٤.

(٤) قيل: ان معناه: واجعل لي ولد صدق في آخر الامم يدعوا إلى الله ويقوم بالحق، وهو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (مجمع البيان): ج ٧ ص ١٩٤.

(٥) الزخرف: ٢٨.

(٦) طه: ٢٩.

(٧) مريم ٥.

(٨) آل عمران: ٣٨.

(٩) تقدم آنفا.

(١٠) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب فضل التزويج، ص ٢٤٢ قطعة من حديث ٦.

(١١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب ما يستحب ويحمدمن أخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٦ قطعة من حديث ٦ وفيه (ان من خير نساء‌كم الخ).

١٦٩

ضياع(١) .

وروى محمد بن سنان عن بعض رجاله قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : خير نساء‌كم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ، ألتي إن انفقت، أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمال الله، وعامل الله لا يخيب ولا يندم(٢) .

(الفائدة الخامسة) مجاهدة النفس ورياضتها

في القيام بحق العيال، والصبر على أخلاق النساء، وإحتمال الاذى منهن، والسعي في إصلاحهن، والاجتهاد في كسب الحلال، والقيام بتربية الاولاد.

كل هذه الاعمال عظيمة الفضل. وإذا كانت الراحة من الدنيا مستحيلة، وكانت هي دار الفناء على ما ورد به الاثر عن الصادقينعليهم‌السلام ، وكذا ماروي أن المعونة تنزل على قدر المؤنة(٣) .

فأحق ما صرف العنان اليه (ظ)، الاهتمام في إقامة سنن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع ما فيه من طيبته العيش العاجل، والتكثير بالعشيرة والاولاد والفضل العظيم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من غال بيتا من المسلمين فله الجنة(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من بات كالا في طلب الحلال غفر له(٥) .

____________________

(١) الكافي: ج ٥ باب كراهية تزويج الحمقاء والمجنونة ص ٣٥٤ الحديث ١ والحديث عن امير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) الكافي: ج ٥، باب خير النساء، ص ٣٢٥ الحديث ٦.

(٣) نهج البلاغة: (شرح محمد عبده) ج ٢ ص ١١٨ تحت الرقم ١٣٩.

(٤) الجامع الصغير للسيوطى: حرف العين المهملة، ولفظ الحديث (من عال اهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه).

(٥) الوسائل: ج ١٢، كتاب التجارة، باب ٤ من ابواب مقدماتها، حديث ١٦ نقلا عن الامالي، ولفظ الحديث (من بات كالا في طلب الحلال بات مغفورا له).

١٧٠

وقالعليه‌السلام : من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يارسول الله وإثنتين؟ فقال وإثنتين، فقيل يارسول الله فواحدة؟ قال: وواحدة(١)(٢) .

وروى حمزة بن حمران باسناده قال: أتى رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنده رجل، فأخبره بمولود له، فتغير لون الرجل، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مالك؟ قال: خير، قال: قل: قال: خرجت والمرأة تمخض، فاخبرت أنها ولدت جارية، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الارض تقلها، والسماء تظلها، والله يرزقها، وهي ريحانة تشمها، ثم أقبل على أصحابه، فقال: من كانت له إبنة واحدة، فهو مقروح، ومن كانت له إبنتان، فياغوثاه بالله، ومن كانت له ثلاثة، وضع عنه الجهاد وكل مكروه، ومن كانت له أربع، فياعباد الله أعينوه، ياعباد الله أقرضوه، ياعباد الله إرحموه(٣)(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : من عال إبنتين، أو اختين، أو عمتين، أو خالتين، حجبتاه من النار(٥) .

وقالعليه‌السلام : إذا صار للرجل إبنة بعث الله عزوجل إليها ملكا، فأمر

____________________

(١) يحتمل ان يكون ذكر الثلاث اولا للفرد الكامل من وجوب الجنة، ويحتمل بتجدد الوحى، فيكون كالنسخ (مرآة العقول: ج ٢١ ص ١٤).

(٢) الكافي: ج ٦، باب فضل البنات، ص ٦ الحديث ١٠.

(٣) (تقلها) أي تحملها، (تطلها) أي ألقت ظلها عليها، أي ليس مؤنتها عليك، بل الله تعالى جعل الارض والسماء كافلتين لرزقها.

(مقروح) أي مجروح، (أو مقدوح) أي حمله ثقيل (روضة المتقين: ج ٨ ص ٥٩٤).

(٤) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد، ص ٣١٠ الحديث ١١.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد، ص ٣١١ الحديث ١٣.

١٧١

جناحه على راسها وصدرها، وقال: ضعيفة خلقت من ضعيف، المنفق عليها معان(١) .

(الفائدة السادسة) ترويح النفس وإيناسها

بالمجالسة والنظر والملاعبة، وفي ذلك راحة للقلب، وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول، وهى عن الحق نفور، لانه على خلاف طبعها، فإذا كلفت المداومة بالاكراه على ما يخالفها حجت وماتت.

قال امير المؤمنينعليه‌السلام : إن للقلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها، على النوافل واذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض(٢)(٣) فإن القلب إذا اكره عمى(٤) . واذا روحت باللذات في بعض الاوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب، قال تعالى (وجعل منها زوجها ليسكن اليها)(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ماتلذذ الناس في الدنيا ولا في الجنة بشئ أشهى عندهم من النساء، لا طعام ولا شراب(٦) .

وعنهعليه‌السلام : ثلاثة للمؤمن فيها راحة، دار واسعة توارى عورته وسوء حاله من الناس، وإمرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا، وإبنة تخرجها إما بموت أو تزوج(٧) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد، ص ٣١١ الحديث ١٤.

(٢) نهج البلاغة: باب المختار من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام ج ٢ ص ١٦٦ (عبده)، تحت الرقم ٣١٢.

(٣) اقبال القلوب رغبتها في العمل، وادبارها مللها عنه (من شرح محمد عبده).

(٤) تلك الجملة ليست في هذه الحكمة، بل من حكمة أخرى، لاحظ الرقم ١٩٣.

(٥) الاعراف: ١٨٩.

(٦) الكافي: ج ٥، باب حب النساء ص ٣٢١ قطعة من حديث ١٠ وفيه (وان اهل الجنة مايتلذذون آه).

(٧) الكافي: ج ٥، باب من وفق له الزوجة الصالحة، ص ٣٢٧ الحديث ٦.

١٧٢

وعن عليعليه‌السلام روحوا القلوب فإنها إذا اكرهت عميت(١) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث، تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم(٢) .

وعنهعليه‌السلام : وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات، ساعة يناجي ربه فيها، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها لمطعمه ومشربه، وهذه عون على تلك الساعتين(٣) .

وقالعليه‌السلام : لكل عامل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى(٤) .

والشرة بالشين المعجمة والراء المهملة المشددة، الجد والمكايدة بجدة وقوة، وذلك في إبتداء الارادة، والفترة الوقوف للاستراحة.

وقالعليه‌السلام : حبب إلي من دنياكم هذه، الثلاث، الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة(٥) .

وقال بعض العلماء: وذلك لترويح القلب، ويعرف ذلك من جرب اتعاب نفسه في الافكار والاذكار، وصنوف الاعمال. ولعمرى في الشهوة حكمة سوى مايبعث عليه من الفوائد التى عددناها، وهو ما في قضائها من اللذة التى لايوازيها لذة لودامت، فهى مشبهة على اللذات الموعودة في

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٩٦ الحديث ٧٠.

(٢) من لايحضره الفقيه: ج ٢(٦٧) باب ماجاء في السفر إلى الحج وغيره من الطاعات ص ١٧٣ الحديث ١.

(٣) الوسائل: ج ١١ كتاب الجهاد، الباب ٩٦ من ابواب جهاد النفس، قطعة من حديث ٤.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٩٦ الحديث ٧٣.

(٥) كتاب الخصال: باب الثلاثة، ص ١٦٥ الحديث ٢١٧ ولاحط ماعلق عليه في المصدر.

١٧٣

الجنان، إذا الترغيب في لذة لم يحركها ذواق، لا ينتفع، فلو رغب العنين في لذة الجماع والصبى في لذة الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب، لعدم شعورهما باللذتين، فأحد فوائد لذات الدنيا، الرغبة في دوامها في الجنة، ليكون باعثا على عبادة الله، فانظر إلى الحكمة، ثم إلى الرحمة، ثم إلى التعبية الالهية، كيف عينت تحت شهوة واحدة، حياتان، حياة ظاهرة وحياة باطنة، فالظاهرة حياة المرء ببقاء نسله، فإنه نوع من دوام الوجود، والحياة الباطنة هي حياة الآخرة، فإن هذه اللذة الناقصة بسبب الانصرام والتفصى، تحرك رغبة في الكاملة ذات الدوام، فيستحث على العبادة الموصلة إليها، فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها بعد المواظبة على ما توصله إلى نعيم الجنان، وما من ذرة من ذرات بدن الانسان ظاهرا وباطنا، بل من ذرات ملكوت السماوات والارضين، إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ماتحار فيه العقول.

المقدمة الخامسة في خطب النكاح

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: ألنكاح بغير خطبة كاليد الجذماء(١) .

وعن علي بن الحسينعليهما‌السلام : إذا حمد الله فقد خطب(٢) .

وروى معاوية بن حكيم قال: خطب الرضاعليه‌السلام بهذه الخطبة: (ألحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه، وافتتح بالحمد كتابه، وجعل الحمد أول جزاء محل نعمته(٣) واخر دعوى أهل جنته، وأشهد أن لااله إلا الله وحده

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ٣ ذكر اختطاب النساء، ص ٢٠٣ ذيل حديث ٧٤٣(٢) الكافي: ج ٥ باب التزويج بغير خطبة ص ٣٦٨ ذيل حديث ٢.

(٣) قوله (محل نعمته) الظاهران يكون مصدرا ميميا بمعنى النزول، أى جعله أول جزاء من العباد لنعمه، ثم بعد ذلك ماأمرهم به من الطاعات، ويحتمل أن يكون المراد به أن ماحمد به تعالى نفسه جعله جزاء لنعم العباد، لعلمه بعجزهم عما يستحقه تعالى من ذلك، كما ورد في بعض الاخبار، وقال الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان.

(ودعواهم فيها) أي دعاء المؤمنين وذكرهم في الجنة أن يقولوا (سبحانك اللهم) يقولون ذلك لا على وجه العبادة، بل يتلذذون بالتسبيح، وقيل: إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه (قالوا سبحانك اللهم) فيأتيهم الطير ويقع مشويا بين أيديهم، وإذا قضوا منه الشهوة، قالوا: (الحمد لله رب العالمين) فيطير الطير حيا كما كان، (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشئ، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ماذكروه.

١٧٤

لاشريك له، شهادة اخلصها له وأدخرها عنده، وصلى الله على محمد خاتم النبوة وخير البرية وعلى آله آل الرحمة(١) وشجرة النعمة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة والحمد لله الذي كان في علمه السابق، وكتابه الناطق، وبيانه الصادق، أن أحق الاسباب بالصلة والاثرة وأولى الامور بالرغبة فيه، سبب أوجب سببا(٢) وأمر أعقب غنى، فقال عزوجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا)(٣) وقال: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)(٤) ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة، ولا سنة متبعة، ولا أثر مستفيض، لكان فيما جعل الله من بر القريب(٥) وتقريب البعيد، وتأليف القلوب، وتشبيك الحقوق(٦)

____________________

(١) (آل الرحمة) أى أهل رحمة الله الكاملة الجامعة ومستحقها، أوهم رحمة الله والشفقة عليهم.

وقال الفيروزابادي: رجل يستأثر على أصحابه، أي يختار لنفسه أشياء حسنة، والاسم: الاثرة محركة، والاثرة بالضم والكسر (مرآة العقول: ج ٢٠ ص ٩٦).

(٢) قوله: (اوجب سببا) أي من الالفة والانساب والمعونات، وفي بعض النسخ (نسبا) وهو الاظهر، فيكون اشارة إلى الآية الاولى، كما أن ما بعدها إشارة إلى الآية الثانية.

(٣) الفرقان: ٥٦.

(٤) النور: ٣٢.

(٥) قوله (من بر القريب) أي إذا كانت المواصلة مع الاقرباء.

(٦) قوله (وتشبيك الحقوق) اى تحصل به أنواع الحقوق من الطرفين، من حق الزوجية، والوالدية، والمولودية وغير ذلك، ورعاية كل واحد منها موجبة لتحصيل المثوبات، وفي كل منها منافع نيوية وآخرويه

١٧٥

وتكثير العدد، وتوفير الولد، لنوائب الدهر، وحوادث الامور مايرغب في دونه(١) العاقل اللبيت، ويسارع إليه الموفق المصيب، ويحرص عليه الاديب الاريب، فأولى الناس بالله(٢) من اتبع أمره، وأنفذ حكمه، وأمضى قضاء‌ه، ورجى جزاء‌ه.

وفلان بن فلان من قد عرفتم حاله وجلاله، دعاه رضا نفسه، وأتاكم إيثارا لكم وإختيارا لخطبة(٣) فلانة بنت فلان كريمتكم(٤) وبذل لها من الصداق كذا وكذا، فتلقوه بالاجابة، وأجيبوه بالرغبة، واستخيروا الله في اموركم، يعزم لكم(٥) على رشدكم إن شاء الله، نسأل الله أن يلحم(٦) مابينكم بالبر والتقوى، ويؤلفه بالمحبة والهوى، ويختمه بالموافقة والرضا، إنه سميع الدعاء لطيف لما يشاء(٧) .

محمد بن يعقوب: يرفعه إلى عبدالرحمان بن كثير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوج خديجة بنت خويلد، أقبل أبوطالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة(٨) ، فابتدأ أبوطالب بالكلام فقال: ألحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا

____________________

(١) قوله (في دونه) أي الاقل منه، والاريب: العاقل، ذكره الجوهري.

(٢) قوله (فأولى الناس بالله) أى بفضله ورحمته.

(٣) قوله (واختيارا لخطبة) قال في القاموس: خطب المرأة خطبا وخطبة وخطيبى بكسرهما، واختطبها وهى خطبة وخطبته وخطيباه وخطيبة، وهو خطبها بكسرهن ويضم الثاني.

(٤) قوله (كريمتكم) اى من يكرم عليكم.

(٥) قوله (يعزم لكم) اى يقدر لكم ماهو خيره لكم.

(٦) قوله (أن يلحم) قال الفيروز آبادي: لحم الصائغ الفضة، كنصر، لامسها، والتحم الجرح للبرء: إلتأم، ويقال: وألحم مااسديت اى تمم مابديت (مقتبسات من مرآة العقول: ج ٢٠ ص ٩٦ ٩٨).

(٧) الكافي: باب خطب النكاح ص ٣٧٣ الحديث ٧.

(٨) قوله (عم خديجة) المشهور أنه ابن عمها، قال الفيروز آبادي: ورقة بن نوفل اسد بن عبدالعزى، وهو ابن عم خديجة، اختلف في اسلامها، وقال: الزرع: الولد.

١٧٦

من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وانزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخى هذا يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممن لايوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولايقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلا في المال، فإن المال رفد جار(١) وظل زائل، وله في خديجة رغبة، ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر على في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله، ورب هذا البيت حظ عظيم(٢) ودين شائع ورأي كامل، ثم سكت أبوطالب وتكلم عمها، وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين، فقالت خديجة مبتدئة: ياعماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود، فلست أولى بى من نفسي(٣) قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر علي في مالي، فأمر عمك فلينحر ناقة فليؤلم بها وأدخل على أهلك، قال أبوطالب: إشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها، فقال بعض قريش: يا عجباه المهر على النساء للرجال، فغضب أبوطالب غضبا شديدا، وقام على قدميه، وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه، فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلا الاثمان وأعظم المهر،

____________________

(١) قوله (رفد جار) أي يجريه الله تعالى على عباده بقدر الضرورة والمصلحة، وفي الفقيه وغيره (رزق حائل) اى متغير، وهو اظهر.

(٢) قوله (حظ) أي من الخير والكمال، وفي الفقيه (خطر) وفي القاموس البهر بالضم إنقطاع النفس من الاعياء، وقال: القس بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسيس.

(٣) قولهارضي‌الله‌عنه ا (وإن كنت أولى) أى إن كنت أولى بنفسى منى في الشهود، أى محضر الناس عرفا، فلست أولى بي واقعا، أو إن كنت أولى في الحضور والتظلم بمحضر الناس، فلست أولى في أصل الرضا والاختيار، أو إن كنت قادرا على إهلاكى لكننى أولى بما اختار لنفسى، والحاصل: أنى أمكنك في إهلاكى ولا أمكنك في ترك هذا الامر، والاوسط اظهر.

(مرآة العقول: ج ٢٠ ص ٩٨ و ٩٩).

١٧٧

وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي، ونحر أبوطالب ناقة، ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأهله(١) .

المقدمة السادسة، في النساء

ومنهن من رغب في نكاحه، ومنهن من رغب عنه فهنا قسمان: (الاول) المرغب فيه: روى يحيى بن عمران عن الصادقعليه‌السلام قال: الشجاعة لاهل خراسان، والباه في أهل بربر، والسخاء والحسد في العرب، فتخيروا لنطفكم(٢) . وينقسم إلى ضروب:

(أ) المقصود للاولاد والذرية.

روى إسماعيل بن عبدالخالق، عن حمدويه قال: شكوت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قلة ولدي، وأنه لا ولدي؟ فقال لي: إذا أتيت العراق، فتزوج إمرأة، ولا عليك أن تكون سواء قلت: جعلت فداك مالسواء؟ قال: المرأة فيها قبح، فإنهن أكثر أولادا(٣) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إن المرأة إذا كانت سوداء ولودا، أحب إلي من الحسناء العاقر(٤) .

(ب) المقصود للشهوة، فمنهن البربريات، ومنها البيض.

روى بكر بن صالح عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام : من

____________________

(١) الكافي: ج ٥ باب خطب النكاح ص ٣٧٤ الحديث ٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٤) باب النوادر ص ٣٠٣ الحديث ٣٣.

(٣) الكافي: ج ٥، باب كراهية تزويج العاقر، ص ٣٣٣ الحديث ٣.

(٤) الفقيه: ج ٣(١١١) باب المذموم من اخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٨ الحديث ٩.

١٧٨

سعادة الرجل أن يكشف الثوب عن إمرأة بيضاء(١) . وفهن السمراء، إذا كانت عيناء عجزاء.

روى مالك بن أشيم عن بعض أصحابه عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : تزوجها عيناء سمراء مربوعة عجزاء، فإن كرهتها فعلي الصداق(٢) .

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد نكاح إمرأة، بعث إليها من ينظرها، وقال لها: شمي ليتها(٣) فان طاب ليتها طاب عرفها، وانظرى إلى كعبها، فان درم كعبها عظم كعثبها(٤) (٥) .

(ج) المقصودة لليمن والرزق، وهن الزرق.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تزوجوا الزرق، فإن فيهن اليمن(٦) .

(د) المقصودة لازالة البلغم.

قال الصادقعليه‌السلام : المرأة الجميلة تقطع البلغم(٧) .

(ه‍) المقصودة للنجابة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لاخيل أنقى من الدهم، ولا إمرأة كإبنة

____________________

(١) الكافي: ج ٥ باب مايستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٥ الحديث ٧.

(٢) الكافي: ج ٥ باب مايستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٥ الحديث ٨.

(٣) و(٤) قال في الفقيه: (الليت) صفحة العنق، و (العرف) الريح الطيبة، وقولهعليه‌السلام (درم كعبها) آي كثر لحم. كعبها، ويقال: (امرأة درماء) اذا كانت كثيرة لحم القدم والكعب، و (الكعبث) الفرج (الوافي كتاب النكاح ص ١٤).

(٥) الفقيه: ج ٣(١١٠) باب ما يستحب ويحمد من اخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٥ الحديث ٢.

(٦) الكافي: ج ٥ باب مايستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٥ الحديث ٦.

(٧) الكافي: ج ٥ باب نادر ص ٣٣٦ الحديث ١.

١٧٩

العم(١) .

وروى عبدالله بن المغيرة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سمعته يقول: عليكم بذوات الاوراك فإنهن أنجب(٢) .

(القسم الثاني) المرغب عنه: ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجملة عن نكاح يريد به غير وجه الله والعفة، ونهى عن النكاح للرياء والسمعة، وعن التزويج للمال والجمال.

وروى هشام بن الحكم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها، وكل إلى ذلك، وإن تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال(٣) .

وروى إسحاق بن عمار عنهعليه‌السلام : من تزوج إمرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال(٤) .

وقال سيد العابدين: من تزوج لله عزوجل ولصلة الرحم توجه الله بتاج الملك(٥) .

وينقسمن إلى ضروب:

(أ) العقيم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : حصير ملفوف في زاوية البيت خير من إمرأة

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ٢، فصل ١٢ ذكر من يستحب أن ينكح ومن يرغب عن نكاحه ص ١٩٥ الحديث ٧١١.

(٢) الكافي: ج ٥ باب ما يستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٤ الحديث ١.

(٣) الكافي: ج ٥ باب فضل من تزوج ذات دين وكراهة من تزوج للمال ص ٣٣٣ الحديث ٣.

(٤) الكافي: ج ٥ باب فصل من تزوج ذات دين وكراهة من تزوج للمال ص ٣٣٣ الحديث ٢.

(٥) الفقيه: ج ٣(١٠٦) باب من تزوج لله عزوجل ولصلة الرحم ص ٢٤٣ الحديث ١.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584