بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) 18%

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مؤلف:
الناشر: فاروس
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 207

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 102432 / تحميل: 10389
الحجم الحجم الحجم
بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

مؤلف:
الناشر: فاروس
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الباب الأوّل

في ولادتها وأسمائها وكناها (صلوات الله عليها)

٢١

٢٢

فصل

في ولادتهاعليها‌السلام

وُلدت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) في جمادى الآخرة يوم العشرين منها، سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ (صلوات الله عليه وآله) وكان بعد مبعثه بخمس وستين، كما روي عن الصادقَيْنعليهما‌السلام (١) وكان مبدأ حمل خديجة (رضي الله عنها) بها، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عُرج به إلى السماء، أكل من ثمار الجنّة، رطبها وتفّاحها، فحوّلها الله تعالى ماءً في ظهره، فلمّا هبط إلى الأرض واقَع خديجة، فحملت بفاطمةعليها‌السلام ، ففاطمة حوراء إنسيّة(٢) .

وكلّما اشتاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رائحة الجنّة كان يشمّها، فيجد منها رائحة الجنّة ورائحة شجرة طوبى، وكان يكثر لذلك أيضاً تقبيلها وإن أنكرت عليه بعض نسائه لجهلها بشرف محلّها(٣) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص٧ ح٨. وقد ذكر ذلك أيضاً ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي: ١، ٥٣٠ تحقيق العلاّمة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، دار التعارف، ورواه كثير من المؤرّخين. ولزيادة الاطلاع يراجع كتاب الصحيح من سيرة النبي للعلاّمة السيد جعفر مرتضى.

(٢) البحار: ج٤٣ ص٧ ح٢. كما يراجع كتاب نزهة الأبرار للمحدّث البحراني، وكتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق وروى بهذا المعنى الحافظ الطبري في ذخائر العقبى نقلاً عن عائشة وكذا فعل الملاّ في سيرته. كما أورد ذلك السيد ابن طاووس في الطرائف.

(٣) البحار: ج٤٣ ص٥ ح٤ - ٥، وأيضاً ص٦ح٦. كما يراجع المصدران الآخران السابقان =

٢٣

فإن قلت: إنّ الإسراء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل: كان في سنة اثنين من المبعث وكانت ولادة فاطمةعليها‌السلام بعده بثلاث سنين، فكيف يوافق ذلك؟

قلت: لم يكن معراجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منحصراً في مرّة واحدة، حتى لا يوافق ذلك، بل روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: عرج بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة وعشرين مرّة؛ ما من مرّة إلاّ وقد أوصى الله عزّ وجل فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بالولاية لعلي والأئمّةعليهم‌السلام ، أكثر ممّا أوصاه بالفرائض(١).

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في البحار(٢) : وقيل: بينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب (رحمه الله)، إذ هبط عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيلعليه‌السلام في صورته العظمى، وقد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه: ( يا محمّد، العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً ).

فشقّ ذلك على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان محبّاً لها وبها وامقاً(٣) قال: فأقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين يوماً، يصوم النّهار، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيّامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظنّي أنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى(٤)، ولكنّ ربي عزّ وجلّ أمرني بذلك لينفذ

____________________

= اللذان يذكران أنّ التي أنكرت عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك عائشة. كما يراجع تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم.

(١) البحار ج١٨ ص٣٨٢ ح ٩٦، وأيضاً خصال الصدوق ص٥٦٦. وورد بألفاظ قريبة في كتاب اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراءعليها‌السلام .

(٢) ج١٦ ص٧٨.

(٣) الوامق: المحب.

(٤) أي بغض وعداوة.

٢٤

أمره، فلا تظنّي يا خديجة إلاّ خيراً فإنّ الله عزّ وجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً. فإذا جنّك الليل فأجيفي(١) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإنّي في منزل فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها). فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلّما كان في كمال الأربعين، هبط جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمّد: العلّي الأعلى يُقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهّب لتحيته وتحفته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل وما تحفة ربّ العالمين؟ وما تحيّته؟ قال: لا علم لي. قال: فبينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك، إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغّطى بمنديل سندس - أو قال: إستبرق - فوضعه بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقبل جبرئيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا محمّد، يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام.

فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يفطر، أمرني أن أفتح الباب لمـَن يرد إلى الإفطار، فلمّا كان في تلك الليلة، أقعدني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على باب المنزل وقال: يا ابن أبي طالب إنّه طعام محرّم إلاّ عليَّ قال عليعليه‌السلام : فجلست على الباب وخلا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطعام وكشف الطبق فإذا عذق(٢) من رطب وعنقود من عنب. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه شبعاً وشرب من الماء ريّا ومدّ يده للغسل، فأفاض الماء عليه جبرئيلعليه‌السلام وغسل يده ميكائيلعليه‌السلام وتمندله إسرافيلعليه‌السلام فارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء. ثم قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلّي فأقبل عليه جبرئيل، فقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإنّ الله عزّ وجلّ آلى(٣) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذريّة طيّبة؛ فوثب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى منزل خديجة.

____________________

(١) أجفت الباب: رددته. يقال بالفارسية درب را بروي خود به بند.

(٢) العذق بالكسر عنقود العنب والرطب. يقال بالفارسية ( خوشه ).

(٣) آلى: أي حلف.

٢٥

قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني اللّيل غطّيت رأسي وأسجفت(١) ستري وغلقت بابي وصلّيت وردي(٢) وأطفأت مصباحي وآويت إلى فراشي؛ فلمّا كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرع الباب؛ فناديت: مَن هذا الّذي يقرع حلقة لا يقرعها إلاّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ - قالت خديجة: - فنادى النبّي بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإنّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفتحت الباب ودخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنزل، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة ثم يقوم فيصلّي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي إلى فراشه.

فلمّا كان في تلك الليلة، لم يدع بالإناء ولم يتأهّب للصلاة، غير أنّه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه، وداعبني، ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها؛ فلا والّذي سمك السماء وأنبع الماء، ما تباعد عنّي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أحسست بثقل فاطمةعليها‌السلام في بطني.

أقول: اعتزال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خديجة (رضي الله عنها) أربعين يوماً كان للتأهّب لتحيّة ربّ العالمين وتحفته، والمراد بها فاطمة (صلوات الله عليها). كما أشير إلى ذلك في زيارتها و ( صلَّ على البتول الطاهرة، إلى قوله: فاطمة بنت رسولك، وبضعة لحمه وصميم قلبه وفلذّة كبده والتحيّة منك له والتحفة )(٣) .

وفي هذا الاعتزال دليل على جلالة فاطمة سيّدة النّسوان بما لا يطيق بتحرير بيانه البنان، ولعلّ(٤) تخصيص الرّطب والعنب، لكثرة بركتهما وما

____________________

(١) أسجفت الستر: أرسلته.

(٢) أي صلاتي ودعائي.

(٣) وقد ذكر هذه الزيارة وغيرها الشيخ الطوسي في المصباح، وفي بعضها: ( وصلِّ على البتول الطاهرة وتفاحة الفردوس والخلد ).

(٤) وردت الروايات في فضلهما وفضل التفاح وأنّه من ثمر الجنّة، وهي موجودة في فروع الكافي =

٢٦

يتولّد منهما من المنافع، فإنّه ليس في الأشجار ما يبلغ نفعهما مع أنّهما خلقتا من فضلة طينة آدمعليه‌السلام ، ولا يبعد أن يكون في ذلك إشارة إلى كثرة نفع هذه النسلة الطاهرة المباركة، وكثرة ذريّتها، وبركاتها، كما قد نومئ إليها إنشاء الله تعالى في محلّها.

وأمّا قول جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الصلاة محرّمة عليك في وقتك ) فالظاهر: أنّها الصلاّة النافلة دون الفريضة، فإنّه كان يقدّمها على الإفطار، والله أعلم بحقيقة الأحوال.

روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في الأمالي بسنده عن المفضل ابن عمر - قال: - قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : كيف كانت ولادة فاطمةعليها‌السلام ؟ فقال: نعم، إن خديجة (رضي الله عنها) لما تزوّج بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هجرتها نسوان مكّة، فلم يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها؛ فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها، وغمّها حذراً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا حملت بفاطمة (سلام الله عليها) كانت فاطمةعليها‌السلام تحدّثها من بطنها، وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً، فسمع خديجة تحدّث فاطمةعليها‌السلام ، فقال لها: يا خديجة لمـَن تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنّها أنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها الأئمّة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النّساء من النّساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

____________________

= وفي الوسائل، وفي المحاسن للبرقي، وغيرها.

٢٧

فاغتمّت خديجةعليها‌السلام لذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة سُمر(١) ، طوال، كأنهنّ من نساء بني هاشم ففزعت منهنّ، لما رأتهنّ، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسل ربّك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمنها وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة.

فلما سقطت إلى الأرض، أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكّة، ولم يبق في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كلّ واحدة منهنّ معها طست من الجنّة، وإبريق من الجنّة وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوتين أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية، ثمّ استنطقتها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: ( أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء، وأنّ بَعلي سيّد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط )، ثم سلّمت عليهن، وسمّت كل واحدة منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمةعليها‌السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقال النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة، مطهّرة، زكيّة، ميمونة، بورك فيها، وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرّ عليها، فكانت فاطمةعليها‌السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر وتنمو في الشهر كما ينمو الصبيّ في السنة(٢) .

____________________

(١) سَمِرَ سُمرَة: كان لونه بين السواد والبياض. أقرب الموارد.

(٢) أمالي الصدوق: ص٧٦ بحار: ج٤٣ ص٢ ح١.

٢٨

فصل

في عدد أسمائها ووجه تسميتها

عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكيّة، والرّاضية، والمرضيّة، والمحدّثة، والزهراء، ثمّ قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيّدي، قال: فطمت من الشرّ، قال ثمّ قال: لولا أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام تزوّجها، لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(١) .

وفي جملة من الروايات: أنّها سُمّيت فاطمة لأنّها: فُطمت وشيعتها من النار، وإنّما فطمت بالعلم، وفطمت من الطمث، وأنّ الخلق فطموا من معرفتها، وأنّ الله فطمها وذرّيّتها من النار مَن لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان برسوله، وأنّ الله فطم مَن أحبّها عن النار(٢) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص١٠ ح١. دلائل الإمامة ص١٠. وورد في أمالي الصدوق، وفي كتاب علل الشرائع أيضاً.

(٢) البحار: ج٤٣ ص١٢ - ١٣ ح٣ - ٤- ٨ - ٩ - ١٨، وأيضاً ص٦٥ ح٥٨، وأيضاً علل الشرائع ج١ ص١٧٨ - ١٧٩. وورد أيضاً في معاني الأخبار للصدوق، وكذا في كتاب عيون أخبار الرضا له أيضاً.

٢٩

ورُوي: أنّ اسم فاطمة شقّ من اسم الله الفاطر، وسمّيت الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حمرة، ولا نفاساً(١) .

وسمّيت الزهراء لأنّها تزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام في النّهار ثلاث مرّات بالنور(٢) .

روي عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت صاحب العسكرعليه‌السلام لم سمّيت فاطمة الزهراء؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام من أوّل النهار كالشمس الضّاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشّمس كالكوكب الدرّي(٣) .

وروي الصدوق عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في حديث، قال: كانت فاطمةعليها‌السلام إذا طلع هلال شهر رمضان يغلب نورها الهلال، ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر(٤) .

وعن الصادقعليه‌السلام ، قال: سمّيت الزهراء، لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوتة حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلّقة بقدرة الجبّار لا علاقة لها من فوقها، فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها، فتلزمها، لها مائة ألف باب على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنّة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّي الزاهر في أفق السماء فيقولون هذه الزهراء فاطمة (صلوات الله عليها)(٥) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص١٥ - ١٦ - ١٩ - ٢٠.

(٢) علل الشرائع: ص١٨٠.

(٣) البحار: ج٤٣ ص١٦، وعلل الشرائع للصدوق، وصاحب العسكر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

(٤) البحار: ج٤٣ ص٥٦، وعلل الشرائع للصدوق.

(٥) البحار: ج٤٣ ص١٦.

٣٠

ورُوي في خبر أيضاً أنّه: لما أراد الله عزّ وجلّ أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها، فسألوا الله سبحانه أن يكشف عنهم، فاستجاب الله تعالى لهم فخلق نور فاطمة الزهراء يومئذٍ كالقنديل، وعلّقه في قرطاء العرش، فزهرت السموات السبع والأرضون السبع فمن أجل ذلك سمّيت الزهراء. فكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه، فقال الله: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبِِّي هذه المرأة، وأبيها وبعلها، وبنيها(١) .

ومن أسمائها أيضاً الحصان، الحرّة، السيّدة، العذراء، الحوراء، مريم الكبرى، والبتول(٢).

ورُوي في معنى البتول، أنّها التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض، وبها سمّيت مريم أم عيسىعليه‌السلام ، وقيل البتل القطع، وسمّيت فاطمة البتول، لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، وقيل لأنّها بتلت عن النظير(٣).

وقال ابن شهرآشوب في المناقب: وصحّ في الأخبار، لفاطمة عشرون اسماً كل اسم يدلّ على فضيلة، ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمةعليها‌السلام (٤) .

____________________

(١) الإرشاد للديلمي: ص٤٠٣، بحار ج٤٣ ص١٧.

(٢) البحار: ج٤٣ ص١٦. وكذا ورد في المناقب لابن شهرآشوب.

(٣) البحار: ج٤٣ ص١٥ - ١٦. وكذا قريباً منه في كتاب علل الشرائع، وكتاب معاني الأخبار للصدوق، وذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، وغيرها، والجزء الأوّل من كتاب النهاية لمجد الدين ابن الأثير الجزري.

(٤) المناقب: ص٣٦٠.

٣١

فصل

في كُناها

وأمّا كُناها(١) (صلوات الله عليها): فأُمّ الحسن وأُمّ الحسين، وأُمّ المحسن، وأُمّ الأئمة، وأُمّ أبيها، وأُمّ المؤمنين، وهذه الكنية تكون في زيارتها، وفي المناقب يُقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية.

أقول: الحانية: المشفقة على زوجها وأولادها.

أمّا شفقتها على زوجها، فيكفي في ذلك أنّ ما وصل إليها من الضرب والإهانة وكسر الضلع وأثر السوط على عضدها كالدملج، ممّا يجيء تفصيله إنشاء الله تعالى.

كل ذلك كان في حماية زوجها إلى أن ماتت شهيدة، ومع ذلك لما حضرتها الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا سيّدتي ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقى بعدي، قال لها: لا تبكي فو الله إنّ ذلك لصغير عندي في ذات الله تعالى(٢) .

وروي الشيخ المفيد في الإرشاد، أنّه لما بعث النبي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلى غزوة ذات الرمل التي تسمّى بغزوة ذات السلسلة أيضاً، كانت

____________________

(١) راجع كشف الغمّة للإربلي، والمناقب لابن شهرآشوب.

(٢) البحار: ج٤٣ ص٢١٨.

٣٢

لأمير المؤمنينعليه‌السلام عصابة لا يتعصّب بها حتى يبعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجه شديد، فمضى إلى منزل فاطمةعليها‌السلام ، فالتمس العصابة منها، فقالت: أين تريد وأين بعثك أبي؟ قال إلى وادي الرّمل، فبكت إشفاقاً عليه، فدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي على تلك الحال، فقال لها: ما لك تبكين؟ أتخافين أن يُقتل بعلك؟ كلاّ إنشاء الله، فقال له عليعليه‌السلام : لا تَنْفَسْ عليّ بالجنّة يا رسول الله(١) .

وأمّا شفقتها على أولادها، فيكفي في ذلك، ما رواه الصدوق عن حماد عن الصادقعليه‌السلام قال: لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمةعليها‌السلام ، ان ذلك يبلغها فيشق عليها، قلت يبلغها؟ قال: إي والله(٢) .

وقال صاحب عمدة الطالب في طيّ أحوال بني داود بن موسى الحسني ولبني داود بن موسى حكاية جليلة مشهورة بين النسّابين وغيرهم، مسندة، وهي مذكورة في ديوان ابن عنين: وهي أنّ أبا المحاسن نصر الله بن عنين الدمشقي الشاعر توجّه إلى مكّة، شرّفها الله تعالى، ومعه مال وأقمشة، فخرج عليه بعض بني داود، فأخذوا ما كان معه وسلبوه وجرحوه، فكتب إلى الملك العزيز ابن أيوب صاحب اليمن، وقد كان أخوه الملك الناصر أرسل إليه يطلبه ليقيم بالساحل المفتتح من أيدي الإفرنج، فزهّده ابن عنين في الساحل، ورغّبه في اليمن، وحرّضه على الأشرف الذين فعلوا به ما فعلوا.

أوّل القصيدة:

أعْيَتْ صفات نداك المصقع اللسنا

وجزت في الجود حدَّ الحسن والحسنا

ولا تقل ساحل الإفرنج أفتحه

فما تساوى إذا قايسته عدنا

وإن أردت جهاداً فارق سيفك من

قومٍ أضاعوا فروض الله والسننا

____________________

(١) إرشاد ص٦٠ - ٦١ قولهعليه‌السلام لا تنفس عليّ بالجنة: أي لا تبخل يعني: دعني حتى أقتل في سبيل الله واستشهد.

(٢) الوسائل: ج١٤ ص٣٧٨ باب ٤٠.

٣٣

طهّر بسيفك بيت الله من دنسٍ

ومن خساسة أقوامٍ به وخنا

ولا تقل إنّهم أولاد فاطمةٍ

لو أدركوا آل حربٍ حاربوا الحسنا

قال: فلمّا قال هذه القصيدة، رأى في النوم فاطمة الزهراءعليها‌السلام وهي تطوف بالبيت، فسلّم عليها فلم تجبه، فتضرّع، وتذلّل وسأل عن ذنبه الذي أوجب عدم ردّ سلامه، فأنشدته الزهراءعليها‌السلام :

حاشا بني فاطمةٍ كلّهم

من خسّةٍ تعرض، أو من خنا

وإنّما الأيام، في عذرها

وفعلها السوء أساءت بنا

أئِنْ أسا من ولدي واحدٌ

جعلت كل السبّ عمداً لنا

فتب إلى الله، فمَن يقترف

ذنباً بنا، يغفر له ما جنى

أكرم لعين المصطفى، جدهم

ولا تهن، من آله أعينا

فكلّما نالك منهم، عنا

تلقى به، في الحشر منّا هنا

قال أبو المحاسن نصر الله بن عنين: فانتبهت من منامي فزعاً مرعوباً وقد أكمل الله عافيتي من الجرح والمرض، فكتبت هذه الأبيات، وحفظتها، وتبت إلى تعالى ممّا قلت وقطعت تلك القصيدة:

عذراً إلى، بنت نبيّ الهدى

تصفح عن ذنب مسيءٍ جنا

وتوبة تقبلها، من أخي

مقالة، توقعه في العنا

والله لو قطعني واحد

منهم، بسيف البغي أو بالقنا

لم أر ما يفعله سيّئاً

بل أره في الفعل قد أحسنا(١)

____________________

(١) عمدة الطالب: ص١٣١ - ١٣٣.

٣٤

الباب الثاني

في فضلها وجلالتها، وزهدها وعبادتها، وعلمها ومكارم أخلاقها،

وحبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاها

٣٥

٣٦

فصل

في فضلها وجلالتها

كانت فاطمة (صلوات الله عليها) من أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت، وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير، وافتخر جبرئيل بكونه منهم، وشهد الله لهم بالصدق، ولنا أُمومة الأئمّةعليهم‌السلام وعقب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة، وهي سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين. وكانت أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تحكي شيمتها شيمته، وما تخرم مشيتها مشيته، وكانت إذا دخلت عليه، رحّب بها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به وقبّلت يديه.

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكثر تقبيلها، وكلّما اشتاق إلى رائحة الجنّة يشمّ رائحتها وكان يقول: ( فاطمة بضعة منّي مَن سرّها فقد سرّني، ومَن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّ الناس إليّ )(١) ! إلى غير ذلك ممّا يكشف عن كثرة محبّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها، كندائه إيّاها بـ ( يا حبيبة أبيها ).

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص٢٣ ح١٧. وقد ورد بعبارات متفاوتة لكنّها متواترة المعنى فراجع مستدرك الحاكم ٣/ ١٥٣، والحافظ الطبراني في المعجم الكبير، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة ٥/ ٥٢٢، وذخائر العقبى للطبري، والتذكرة لسبط ابن الجوزي، والإصابة لابن حجر ٤/ ٣٦٦، وغيرها كثير.

٣٧

كما روى الطبري الإمامي عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام ، عن فاطمةعليها‌السلام قالت: قال رسول الله: يا حبيبة أبيها كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر(١) . وليعلم أنّه قد حقق في محله أن محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبائهم ليست من جهة الدّواعي النفسانية والشهوات البشرية، بل تجردوا عن جميع ذلك، وأخلصوا حبهم وإرادتهم لله، فهم ما يحبون سوى الله تعالى، وحبّهم لغيره تعالى، إنّما يرجع إلى حبّهم له؛ ولذا لم يحب يعقوبعليه‌السلام من سائر أولاده مثل ما أحب يوسفعليه‌السلام ، وهم لجهلهم بسبب حبّه نسبوه إلى الضلال وقالوا: نحن عصبة ونحن أحق بأن نكون محبوبين له، لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أمور الدنيا، ففرط حبه ليوسف إنّما كان لحبّ الله تعالى له واصطفائه إياه، ومحبوب المحبوب محبوب.

روى الشيخ الكليني عطّر الله مرقده عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثانيعليه‌السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: ( يا محمّد، إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيته، ثم خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة (صلوات الله عليهم) فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون [ ويحرّمون ما يشاؤون ] ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثم قال: يا محمد هذه الدّيانة مَن تقدّمها مرق، ومَن تخلّف عنها محق، ومَن لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد )(٢) .

أقول: فظهر من هذا الحديث الشريف، أنّ فاطمة (صلوات الله عليها) ممّن فوض الله تعالى أمور جميع الأشياء إليهم، فهي تحلّ ما تشاء وتحرّم ما تشاء.

____________________

(١) دلائل الإمامة: ص٣.

(٢) الكافي ج١ ص٤٤١ ح٥، البحار ج٢٥ ص٣٤٠.

٣٨

وورد في الروايات الكثيرة عن الأئمّةعليهم‌السلام ( أنّ عندهم مصحف فاطمة (صلوات الله عليها) ).

ففي الصافي عن بصائر الدرجات، قال: وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنّه كلام من كلام الله أنزله عليها، إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

وعن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت: جُعلت فداك، إنّي أريد أن أسئلك عن مسئلة [ جعلت فداك ليس ] ها هنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد سل عمّا بدا لك، قال: قلت جُعلت فداك، إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، علّم عليّاًعليه‌السلام باباً يفتح له ألف باب!

قال: فقال: يا أبا محمد: ( علّم والله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام ألف باب، يفتح له من كل باب ألف باب ) قال: فقلت له هذا والله العلم! قال: فنكث ساعة في الأرض، ثم قال: إنّه لعلم وما هو بذلك، قال: ثم يا أبا محمد، وإنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة، قال: قلت: جُعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإملائه من فلق فيه(٢) ، وخطّ عليعليه‌السلام بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ وقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت جُعلت فداك إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت، قال فغمزني بيده إليّ، وقال: حتى أرش هذا، كأنّه مغضب، قال: قلت: جُعلت فداك هذا والله العلم! قال: إنّه لعلم وليس بذلك.

____________________

(١) بصائر الدرجات: ص١٥٦ ح١٤، ورد ضمن حديث صحيح في باب مولد الزهراءعليها‌السلام في المجلّد الأوّل من أُصول الكافي للكليني ج٨، وكذلك ضمن الحديث الأوّل من نفس الباب وهو حديث صحيح أيضاً.

(٢) أي شقّ فيه.

٣٩

ثم قال: وإنّ عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر، قال: قلت وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم أحمر، فيه علم النبيّين والوصييّن، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إنّ هذا هو العلم، قال: إنّه لعلم وليس بذلك.

ثم سكت ساعة، ثم قال: ( وإنّ عندنا لمصحف فاطمةعليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمةعليها‌السلام ) قال: قلت: وما مصحف فاطمةعليها‌السلام ؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد،[ إنّما شيء أملاه الله وأوحى إليها ] قال: قلت: هذا والله العلم! قال: إنّه لعلم وما هو بذلك.

ثم سكت ساعة، ثم قال: ( إنّ عندنا لعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ) قال: قلت: جُعلت فداك، هذا والله هو العلم! قال: إنّه لعلم وليس بذلك. قال: قلت: جُعلت فداك، فأيّ شيء هو العلم؟ قال: ( ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة )(١) .

وفي جملة من الروايات، أنّها سلام الله عليها إحدى الركبان الأربعة يوم القيامة، تركب ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العضباء(٢) .

روى ابن شهرآشوب، أنّه لما حضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة، قالت النّاقة: لمـَن توصي بي بعدك؟ قال: يا عضباء، بارك الله فيك، أنت لابنتي فاطمة (صلوات الله عليها)، تركبك في الدنيا والآخرة. فلمّا قُبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتت إلى فاطمةعليها‌السلام ليلاً فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله، قد حان فراقي الدنيا، والله ما تهنّأت بعلف ولا شراب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وماتت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أيام(٣) .

____________________

(١) بصائر الدرجات: ص١٥٢ الكافي: ج١ ص٢٣٩. والحديث صحيح.

(٢) خصال الصدوق (ره): ص١٨٦.

(٣) المناقب: ج١ ص٩٨.

٤٠

وعن تفسير فرات بن إبراهيم، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم على فاطمةعليها‌السلام وهي حزينة، فقال لها: وساق الحديث في أحوال القيامة، إلى أن قال: فإذا بلغت باب الجنّة تلقّتك اثنا عشر ألف حوراء لم يتلقّين أحداً قبلك ولا يتلقّين أحداً بعدك بأيديهم حراب من نور، على نجائب من نور حائلها ( جلّها خ ل ) من الذهب الأصفر والياقوت الأحمر، أزمّتها من لؤلؤ رطب، على كل نجيب أبرقة من سندس منضود، فإذا دخلت الجنّة تباشر بها أهلها، ووضع لشيعتك موائد من جوهر على عمد من نور، فيأكلون منها والناس في الحساب وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، وإذا استقرّ أولياء الله في الجنّة زارك آدم، ومن دونه من النبييّن. الخبر(١) .

ورُوي عنها (سلام الله عليها)، قالت: لما نزلت( لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ) ، هِبْتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أقول له يا أبه، فكنت أقول يا رسول الله، فأعرض عنّي مرّة أو ثنتين أو ثلاثاً ثم أقبل عَليّ، فقال: يا فاطمة، إنّها لم تنزل فيك، ولا في أهلك، ولا نسلك، وأنت منّي وأنا منك، إنّما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي يا أبه، فإنّها أحيى للقلب، وأرضى للرب(٢) .

وعن مصباح الأنوار، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن فاطمة (سلام الله عليها) قالت: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن صلّى عليك غفر الله تعالى له، وألحقه بي حيث كنت من الجنّة )(٣) .

الكليني، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد فاطمةعليها‌السلام ، وأنا معه، فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: ( السلام عليكم ) فقالت فاطمةعليها‌السلام : عليك

____________________

(١) تفسير فرات: ص١٧٢ - ١٧١.

(٢) تفسير نور الثقلين: ج٣ ص٦٢٩، البرهان: ج٣ ص١٥٤.

(٣) بحار الأنوار: ج٤٣ ص٥٥.

٤١

السلام يا رسول الله قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله، قال: أدخل أنا ومَن معي؟ فقالت: يا رسول الله ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنّعي به رأسك، ففعلت، ثم قال: السلام عليكم، فقالت: وعليك السلام يا رسول الله قال: أدخل؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: أنا ومَن معي؟ قالت: أنت ومَن معك، قال جابر: فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخلت أنا، وإذا وجه فاطمةعليها‌السلام أصفر، كأنّه بطن جرادة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله، الجوع، فقال: ( اللّهمّ مشبع الجوعة، ودافع الضيعة، أشبع فاطمة بنت محمد الخ )(١) .

وعن أبي سعيد الخدري، قال: أصبح علي بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم ساغباً، فقال: يا فاطمة، هل عندك شيء تغذينيه؟ قالت: لا والذّي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابنيّ هذين الحسن والحسين، فقال عليعليه‌السلام يا فاطمة ألا كنت أعلمتني، فأبغيكم شيئاً، فقالت يا أبا الحسن: إنّي لأستحي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه(٢) .

وعن قرب الإسناد، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليه‌السلام قال: تقاضى علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الخدمة، فقضىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فاطمةعليها‌السلام بخدمة ما دون الباب، وقضى على عليعليه‌السلام بما خلفه، قال: فقالت فاطمة (صلوات الله عليها): فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ الله بإكفائي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحمّل رقاب الرجال(٣) .

____________________

(١) الكافي: ج٥ ص٥٣٨ كتاب النكاح باب الدخول على النساء: ح٥. وبمعناه روى العلاّمة الدولابي في كتاب الكنى والأسماء: ٢/ ١٢٢، عن عمران بن الحصين.

(٢) البحار: ج٤٣ ص٥٩ نقلاً عن تفسير فرات.

(٣) قرب الإسناد: ص٢٥.

٤٢

عن الخرائج روي أنّ سلمان (رضي الله عنه)، قال: كانت فاطمةعليها‌السلام جالسة قدّامها رحى، تطحن بها الشعير وعلى عمود الرّحى دم سائل، والحسينعليه‌السلام في ناحية الدّار، يتضوّر من الجوع، فقلت: يا بنت رسول الله، دبرت كفّاك وهذه فضّة، فقالتعليها‌السلام : أوصاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تكون الخدمة لها يوماً فكان أمس يوم خدمتها، قال سلمان: قلت إنّي مولى عتاقه، إمّا أنا أطحن الشعير، أو أُسكت الحسينعليه‌السلام لك؟ فقالت: أنا بتسكينه أرفق، وأنت تطحن الشعير، فطحنت شيئاً من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت وصلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا فرغت، قلت لعليعليه‌السلام ما رأيت، فبكى وخرج، ثم عاد، فتبّسم، فسأله عن ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: دخلت على فاطمة، وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها وقدّامها رحى تدور من غير يد، فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال ( يا علي، أما علمت أنّ لله ملائكة سيّارة في الأرض يخدمون محمّداً وآل محمّد إلى أن تقوم الساعة )(١) .

وروي أنّه دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عليعليه‌السلام ، فوجده هو وفاطمةعليها‌السلام يطحنان في الجاروس، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيكّما أعيى؟ فقال عليعليه‌السلام : فاطمة يا رسول الله، فقال لها: قومي يا بنيّة، فقامت وجلس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضعها مع عليعليه‌السلام فواساه في الطحن(٢) .

وعن بعض كتب المناقب، عن جابر بن عبد الله: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شقّ ذلك عليه، وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهنّ شيئاً، فأتى فاطمةعليها‌السلام فقال: يا بنية هل عندك شيء آكله فإنّي جائع؟ فقالت: لا والله بأبي أنت وأُمّي. فلمّا خرج من عندها بعثت إليها

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص٢٨ الخرائج: ج٢ ص٥٣٠. ورُوي هذا الحديث الطبري في ذخائر العقبى، عن أنس، عن بلال مؤذِّن الرسول فراجع: ص٥١ منه.

(٢) البحار: ج٤٣ ص٥٠.

٤٣

جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة لها، وغطّت عليها وقالت: لأؤثرنّ بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نفسي ومَن عندي. وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع إليها فقالت: بأبي أنت وأُمّي قد أتانا الله بشيء فخبّأته، قال: هلمّي، فأتته، فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليه بهتت، فعرفت أنّها كرامة من الله عزّ وجل، فحمدت الله، وصلّت على نبيّه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين لك هذا يا بنيّة؟ فقالت: هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. فحمد الله عزّ وجلّ وقال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيّدة نساء العالمين في نساء بني إسرائيل في وقتهم، فإنّها كانت إذا رزقها الله تعالى فسئلت عنه قالت: هو من عند الله إنّ الله يرزق مَن يشاء بغير حساب.

فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليعليه‌السلام ، ثم أكل رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وجميع أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته جميعاً وشبعوا، وبقيت الجفنة كما هي، قالت فاطمةعليها‌السلام : فأوسعت منها على جميع جيراني، وجعل الله فيها البركة والخير كما فعل الله بمريم(١) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص٢٧ ص٦٨. وروى جزءاً منه مع اختلاف في ألفاظه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ص٤٦.

٤٤

فصل

في كثرة عبادتها

قال الحسن البصري: ما كان في هذه الأُمّة أعبد من فاطمةعليها‌السلام كانت تقوم حتّى تورّم قدماها(١) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: أيّ شيء خير للمرأة؟ قالت: ( أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل ) فضمّها إليه وقال: ذريّة بعضها من بعض(٢) .

وقال الحسن بن عليعليه‌السلام : رأيت أُمّي فاطمةعليها‌السلام قامت في محرابها ليلة جُمُعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ، الجار ثم الدار(٣) .

وروى الصدوق عن فاطمة (صلوات الله عليها) قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عزّ وجلّ فيها خيراً إلاّ أعطاه إيّاه، قالت: فقلت يا رسول الله أيّة ساعة هي؟ قال: إذا تدلى نصف

____________________

(١) المناقب: ج٣ ص٣٤١. وقد روى بمعناه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء: ٢/ ٤٠ عن أنس. وراجع أيضاً في الحديث الأوّل كتاب ربيع الأبرار للزمخشري.

(٢) المصدر السابق.

(٣) علل الشرايع: ج١ ص١٨٢، البحار: ج٤٣ ص٨٢.

٤٥

عين الشمس للغروب، قال: فكانت فاطمةعليها‌السلام تقول لغلامها: اصعد على الضراب، فإذا رأيت نصف عين الشمس تدلى للغروب فأعلمني حتّى أدعو(١) .

وروي أنّها (سلام الله عليها)، كانت إذا قامت في محرابها، زهر نورها لأهل السمّاء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض(٢) .

وروي الصدوق (رحمه الله)، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال لرجل من بني سعد: ألا أحدِّثك عنّي وعن فاطمة، إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله إليه، وأنّها استقت بالقربة حتّى أثَّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبّرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد.

فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حر [ ضرّ - خ ] ما أنت فيه من هذا العمل، فأتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدت عنده حداثاً فاستحت فانصرفت. قال: فعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها جاءت لحاجة،قال: فغدا علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن في لفاعنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثمّ قال: السلام عليكم، فسكتنا، ثمّ قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك، يسلّم ثلاثاً فإن أذن له وإلاّ انصرف، فقلت: وعليك السلام يا رسول الله، ادخل، فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا، فقال: يا فاطمة: ما كانت حاجتك أمس عند محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالعليه‌السلام : فخشيت إن لم تجبه أن يقوم، قال فأخرجت رأسي، فقلت: أنا والله أُخبرك يا رسول الله، إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت

____________________

(١) وسائل الشيعة: ج٣ أبواب صلاة الجمعة وآدابها: ص٦٩. الضراب: الجبل الصغير، ولعلّ المراد هنا المكان المرتفع منه.

(٢) علل الشرايع: ص١٨٠. كما أورده (رضوان الله عليه) في كتاب معاني الأخبار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٤٦

ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك حر [ ضرّ - خ - البحار ] ما أنت فيه من هذا العمل.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين، قال: فأخرجتعليها‌السلام رأسها، فقالت: رضيت عن الله ورسوله، ثلاث دفعات(١) .

المناقب، عن كتاب الشيرازي، أنّهاعليها‌السلام لما ذكرت حالها وسألت جارية، بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إنّ في المسجد أربعمائة رجل، ما لهم طعام ولا ثياب، ولولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت، يا فاطمة، إنّي لا أريد أن ينفك عنك أجرك إلى الجارية الخ(٢) .

تفسير الثعلبي، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وتفسير القشيري، عن جابر الأنصاري، أنّه رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمةعليها‌السلام وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة. فقالت: ( يا رسول الله: الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه )(٣) .

____________________

(١) علل الشرايع: ص٣٦٦، البحار: ج٤٣ ص٨٢، كما رواه الحافظ أبو داود السجستاني في كتاب السنن: ٢/ ٢٠٦، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء، وغيرهم، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه. مجلت يدها: أي ثخن جلدها من العمل. دكن الثوب إذا اتّسخ واغبرّ لونه. اللفاع: ثوب يجلّلُ به الجسد. حُدّاثاً أي جماعة يتحدّثون. ولم يَعْدُ أن جلس: أي لم يتجاوز عن الجلوس. وكذلك رواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ص٥٠. وقال بعده: خرّجه أبو داود.

(٢) المناقب: ج٣ ص٣٤٢، ورواه أيضاً العلاّمة شهاب الدين النوري في نهاية الأرب: ٥/ ٢٦٠، والعلاّمة الزبيدي الحنفي في إتحاف السادة المتّقين، والعلاّمة ابن حمزة في البيان والتعريف: ص١٠١. طبع حلب، مع اختلاف يسير في ألفاظه.

(٣) المصدر السابق.

٤٧

فصل

في فضل فضّة خادمتها

أبو القاسم القشيري في كتابه، قال بعضهم: انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة، فقلت لها: مَن أنت؟ فقالت:( وقل سلام فسوف يعلمون ) (١) ، فسلّمت عليها، فقلت: ما تصنعين ها هنا؟ قالت:( مَن يهدي الله فما له من مضلّ ) (٢) ، فقلت: أمن الجن أنت أم من الإنس؟ قالت: ( يا بني آدم خذوا زينتكم ) (٣) ، فقلت: من أين أقبلت؟ قالت:( ينادَوْنَ من مكانٍ بعيد ) (٤) ، فقلت: أين تقصدين؟ قالت:( ولله على الناس حج البيت ) (٥) ، فقلت: متى انقطعت؟ قالت: ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) (٦) ، فقلت: أتشتهين طعاماً؟ فقالت: ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) (٧) ، فأطعمتها.

____________________

(١) الزخرف: ٨٩.

(٢) الزمر: ٣٧.

(٣) الأعراف: ٣١.

(٤) فصّلت: ٤٤.

(٥) آل عمران: ٩٧.

(٦) ق: ٣٨.

(٧) الأنبياء: ٨.

٤٨

ثم قلت: هرولي وتعجّلي، فقالت:( لا يكلّف الله نفساً إلاّ وُسْعَها ) (١) فقلت: أردفك؟ فقالت: ( لو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللهُ لَفَسَدَتَا ) (٢) ، فنزلت فأركبتها، فقالت:( سبحان الّذي سخّر لنا هذا ) (٣) ، فلما أدركنا القافلة، قلت: ألك أحد فيها؟ قالت:( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض ) (٤) ،( وما محمّد إلاّ رسول ) (٥) ،( يا يحيى خذ الكتاب ) (٦) ،( يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ ) (٧) ، فصحت بهذه الأسماء، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها، فقلت: مَن هؤلاء منك؟ قالت:( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) (٨) ، فلمّا أتوها، قالت( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) (٩) ، فكافؤني بأشياء، فقالت: ( والله يضاعف لمـَن يشاء ) (١٠) ، فزادوا عليّ، فسألتهم عنها؟ فقالوا هذه أُمنّا فضّة جارية الزهراءعليها‌السلام ، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن(١١) .

____________________

(١) البقرة: ٢٨٦.

(٢) الأنبياء: ٢٢.

(٣) الزخرف: ١٣.

(٤) ص: ٢٦.

(٥) آل عمران: ١٤٤.

(٦) مريم: ١٢.

(٧) طه: ١١ و ١٤.

(٨) الكهف: ٤٦.

(٩) القصص: ٢٦.

(١٠) البقرة: ٢٦١.

(١١) المناقب: ج٣ ص٣٤٣.

٤٩

فصل

في فضيلتها وفضيلة شيعتها

روى الشيخ الأجلّ عماد الدين، أبو جعفر محمد بن أبي القاسم ابن محمد بن علي الطبري في بشارة المصطفى بإسناده عن همام أبي علي، قال: قلت لكعب الحبر: ما تقول في هذه الشيعة، شيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ قال يا همام: إنّي لأجد صفتهم في كتاب الله المنزل، إنّهم حزب الله، وأنصار دينه، وشيعة وليّه، وهم خاصّة الله من عباده، ونجباؤه من خلقه. اصطفاهم لدينه، وخلقهم لجنّته، مسكنهم الجنّة إلى الفردوس الأعلى في خيام الدر، وغرف ( غرفهم خ م ) اللؤلؤ وهم في المقرّبين الأبرار، يشربون من الرّحيق المختوم، وتلك عين يقال لها تسنيم، لا يشرب منها غيرهم، وإنّ تسنيماً(١) عين وهبها الله لفاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، تخرج من تحت قائمة قبّتها على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك، ثم تسيل، فيشرب منها شيعتها وأحباؤها، وإنّ لقبّتها أربع قوائم، قائمة من لؤلؤ بيضاء تخرج من تحتها عين، [ تسيل في سبل أهل الجنّة يقال لها السلسبيل وقائمة من دُرّة صفراء تخرج من تحتها عين ] يقال لها طهور، [ وهي التي قال الله تعالى في كتابه:( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) (٢) ] وقائمة من زمرّدة

____________________

(١) فإنّ التسنيم: خ م.

(٢) الإنسان: ٢١.

٥٠

خضراء تخرج من تحتها عينان نضّاختان من خمر وعسل، فكل عين منها تسيل إلى أسفل الجنان، إلاّ التّسنيم فإنّها تسيل إلى عليّين، فيشرب منها خاصة أهل الجنذة وهم شيعة عليعليه‌السلام وأحبّاؤه، وتلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه:( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ - إلى قوله -المقرّبون ) (١) ، فهنيئاً لهم، ثمّ قال كعب: والله لا يحبّهم إلاّ مَن أخذ الله عزّ وجلّ منه الميثاق.

ثمّ قال المصنِّف (قدّس الله روحه): قال محمد بن أبي القاسم: لَحَريّ أن تكتب الشيعة هذا الخبر بالذهب لإنمائه(٢) ، وتحفظه وتعمل بما فيه بما تدرك به هذه الدرجات العظيمة، لا سيّما رواية روتها العامّة فتكون أبلغ في الحجّة، وأوضح في الصحّة، رزقنا الله العلم والعمل بما أدّوا إلينا الهداة الأئمّةعليهم‌السلام ( نقلته من البحار )(٣) .

وفيه أيضاً عن كنز، بإسناده عن أبي ذر (رضي الله عنه)، قال رأيت سلمان وبلالاً يقبلان إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ انكبّ سلمان على قدم رسول الله يقبّلها، فزجره النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ثم قال له: يا سلمان لا تصنع بي ما تصنع الأعاجم بملوكها، أنا عبد من عبيد الله، آكل كما يأكل العبد، وأقعد كما يقعد العبد، فقال له سلمان: يا مولاي سألتك بالله إلاّ أخبرتني بفضل فاطمة يوم القيامة؟ قال: فأقبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضاحكاً مستبشراً، ثم قال: ( والذي نفسي بيده، إنّها الجارية التي تجوز في عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية الله، وعيناها من نور الله ) إلى أن قال: جبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن شمالها، وعليّ أمامها، والحسن والحسين وراءها، والله يكلأها ويحفظها فيجوزون في عرصة القيامة فإذا النداء من قِبل الله جلّ جلاله: معاشر الخلايق، غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم، هذه فاطمة بنت محمّد نبيّكم، زوجة علي

____________________

(١) المطففين: ٢٥ - ٢٦ - ٢٧ - ٢٨.

(٢) لإيمانهم خ م.

(٣) بشارة المصطفى: ص٥٠.

٥١

إمامكم، أُمّ الحسن والحسين، فتجوز الصراط، وعليها ريطتان بيضاوان، فإذا دخلت الجنّة ونظرت إلى ما أعدّ الله لها من الكرامة، قرأت:( بسم الله الرّحمن الرّحيم * وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) (١) ، قال: فيوحي الله عزّ وجلّ إليها: يا فاطمة سليني أعطك وتمنّي عليّ أرضك.

فتقول: إلهي أنت المنى وفوق المنى، أسألك أن لا تعذّب محبّي ومحبّي عترتي بالنار، فيوحي الله إليها: ( يا فاطمة، وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني، لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام، أن لا أعذّب محبّيك ومحبّي عترتك بالنار )(٢) .

____________________

(١) فاطر: ٣٤ - ٣٥.

(٢) تفسير البرهان: ج٣ ص٣٦٥، وقد روى بعض فقراته محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ص٤٨.

٥٢

فصل

في زهدهاعليها‌السلام

السيد ابن طاووس من كتاب زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي جعفر أحمد القمّي، أنّه لَمّا نزلت هذه الآية على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) (١) بكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكاءً شديداً وبكت صحابته لبكائه، ولم يدروا ما نزل به جبرئيل ولم يستطع أحد من صحابته أن يكلّمه، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذا رأى فاطمةعليها‌السلام فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه وتقول:( وما عند الله خير وأبقى ) (٢) فسلّم عليها، وأخبرها بخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكائه، فنهضت والتفّت بشملة لها خَلِقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلمّا خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة وبكى وقال: وا حزناه، إنّ بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً! فلمّا دخلت فاطمةعليها‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: يا رسول الله: إنّ سلمان تعجّب من لباسي، فو الّذي بعثك بالحق، مالي وعليعليه‌السلام منذ خمس سنين إلاّ

____________________

(١) الحجر: ٤٣ - ٤٤.

(٢) القصص: ٦٠.

٥٣

مسك كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، وإنّ مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا سلمان، إنّ ابنتي لفي الخيل السوابق.

ثم قالت: يا أبتاه فديتك، ما الذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدّمتين، قال: فسقطت فاطمةعليها‌السلام على وجهها وهي تقول: ( الويل ثم الويل لمن دخل النار )، فسمع سلمان، فقال: يا ليتني كنت كبشاً لأهلي، فأكلوا لحمي ومزّقوا جلدي، ولم أسمع بذكر النّار، وقال أبو ذر: يا ليت أمّي كانت عاقراً ولم تلدني ولم أسمع بذكر النار، وقال المقداد: يا ليتني كنت طائراً في القفار، ولم يكن عليَّ حساب ولا عقاب ولم أسمع بذكر النار، وقال عليعليه‌السلام : يا ليت السّباع مزّقت لحمي، وليت أُمّي لم تلدني ولم أسمع بذكر النار.

ثم وضع يده على رأسه وجعل يبكي ويقول: وا بعد سفراه، وا قلة زاداه في سفر القيامة، يذهبون في النّار ويتخطّفون، مرضى لا يعاد سقيمهم، وجرحى لا يداوى جريحهم، وأسرى لا يفكّ أسرهم، من النار يأكلون، ومنها يشربون، وبين أطباقها يتقلبون، وبعد لبس القطن مقطّعات النار يلبسون، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرنون(١) .

كشف الغمّة من مسند أحمد بن حنبل، عن ثوبان مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمةعليها‌السلام ، وأوّل مَن يدخل عليه إذا قدم فاطمةعليها‌السلام ، قال: فقدم من غزاة فأتاها، فإذا هو بمسح على بابها، ورأى على الحسن والحسينعليهما‌السلام قُلبين من فضّة(٢) ، فرجع ولم يدخل عليها، فلمّا رأت ذلك، ظنّت أنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأى، فهتكت الستر ونزعت القُلبين من الصبيّين فقطعتهما، فبكى الصبيّان

____________________

(١) البحار: ج٣ ص٨٧. تفسير البرهان: ج٢ ص٣٦٤.

(٢) القُلب بالضم: السوار.

٥٤

فقسّمته بينهما، فانطلقا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما يبكيان، فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهما، وقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان - أهل بيت بالمدينة - واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج ( فإنّ هؤلاء أهل بيتي ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في حياتهم الدنيا )(١).

روى الشيخ الجليل أبو جعفر بن جرير الطبري في الدلائل بإسناده إلى ابن مسعود، أنّه جاء إلى فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندك شيئاً تطرفينيه؟ فقالت (سلام الله عليها): يا جارية هات ( هاتي ظ ) تلك الجريدة، فطلبتها فلم تجدها، فقالت (سلام الله عليها): ويحكِ اطلبيها فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً، فطلبتها فإذا هي قد قمّمتها في قمامتها(٢) فإذا فيها:

قال محمّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من المؤمنين مَن لم يأمن جاره بوائقة، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت، إنّ الله تعالى يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف، ويبغض الفاحش البذّاء السئّال الملحف، إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإنّ الفحش من البذاء والبذاء في النار(٣) .

____________________

(١) البحار: ج٣٤ ص٨٩، وأورده محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ص٥١ - ٥٢ وقال: خرجه أحمد. والعصب: سن دابة بحرية تسمّى فرس فرعون ويكون أبيض.

(٢) القمامة: كناسة الدار وأشباهها.

(٣) دلائل الإمامة: ص١.

٥٥

فصل

روى الشيخ الصدوق عن ابن عباس، في خبر طويل في إخبار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بظلم أهل البيت، فمّما أخبر به أن قال: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الأنسيّة، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله، زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته: ( يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي، قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها إلى عبادتي، أشهدكم أنّي قد أمنت شيعتها من النار ).

أقول: ثم قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإنّي لَمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذّل بيتها، وانتهكت حرمتها وغصب حقّها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمّداه فلا تُجاب، وتستغيث فلا تُغاث، فلا تزال بعدي محزونة، مكروبة، باكية، تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة، وتتذكّر فراقي أُخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الّذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدتُ بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: ( يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهرّك

٥٦

واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ).

ثم يبتدي بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك: يا رب إنّي قد سئمت الحياة وتبرّمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي، فيلحقها الله عزّ وجلّ بي، فتكون أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي، فتُقْدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة، مغصوبة، مقتولة فأقول عند ذلك: ( اللّهمّ العن مَن ظلمها، وعاقب مَن غصبها، وأذلّ مَن أذلّها، وخلّد في نارك مَن ضرب جنينها حتّى ألقت ولدها ) فتقول الملائكة عند ذلك آمين(١) .

____________________

(١) الأمالي للصدوق: ص١١٣. كما رواه الديلمي في إرشاد القلوب، والمجلسي في البحار، والجويني في فرائد السمطين: ٢ / ٣٤ - ٣٥.

٥٧

فصل

حديث تزويج فاطمة لعليٍّعليه‌السلام

في البحار عن أمالي الشيخ بسنده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لَمّا زوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمةعليها‌السلام عليّاًعليه‌السلام دخل عليها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك، فو الله لو كان في أهل بيتي خير منه زوّجتك، وما أنا زوّجتك، ولكنّ الله زوّجك وأصدق عنك الخمس ما دامت السموات والأرض.

قال عليعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم فبع الدِّرع، فقمت فبعته وأخذت الثّمن ودخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسكبت الدًّراهم في حجره، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته، ثم قبض قبضة ودعا بلالاً فأعطاه فقال: ابتع لفاطمة طيباً، ثم قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الدَّراهم بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، وأردفه بعمّار بن ياسر وبعدَّة من أصحابه.

فحضروا السوق، فكانوا يعترضون الشيء ممّا يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه، قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبريّة، وسرير مزمَّل(١)

____________________

(١) مزمّل أي ملفوف، والشريط خوص مفتول يشرط به السرير، والخيش: ثياب في نسجها رقّة وخيوطها غلاظ. قوله: من جزّ الغنم أي من الصوف الذي جزّ من الغنم.

٥٨

بشريط، وفراشين من خيش مصر، حشو أحدهما ليف وحشو الأخر من جز الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها أذخر، وستر من صوف، وحصير هجري(١) ورحىّ لليد، ومِخْضَب(٢) من نحاس، وسقاء من أدم، وقعب(٣) للبن، وشنّ للماء، ومطهرة مزفَّتة، وجرة خضراء، وكيزان خزف، حتّى إذا استكمل الشراء، حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين كانوا معه الباقي، فلمّا عرض المتاع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل يقلّبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت.

قال عليعليه‌السلام : فأقمت بعد ذلك شهراً أُصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرجع إلى منزلي ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمةعليها‌السلام ، ثم قلن أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألاَ نطلب لك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخول فاطمةعليه‌السلام عليك؟ فقلت: افعلن، فدخلن عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت أم أيمن: يا رسول الله، لو أن خديجة باقية لقرَّت عينها بزفاف فاطمة، وإنّ عليّاً يريد أهله، فقرَّ عين فاطمة ببعلها واجمع شملها، وقرَّ عيوننا بذلك، فقال: ما بال عليّ لا يطلب منّي زوجته، فقد كنّا نتوقّع ذلك منه، قال عليعليه‌السلام : فقلت الحياء يمنعني يا رسول الله.

فالتفت إلى النّساء فقال: مَن ها هنا، فقالت أُمّ سلمة: أنا أمُّ سلمة: وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هيّئن لابنتي وابن عمّي في حُجري بيتاً، فقالت أُمّ سلمة: في أي حجرة يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في حجرتك، وأمر نساءه أن يزيَّن ويصلحن من شأنها.

قالت أُمّ سلمة: فسألت فاطمة، هل عندك طيب ادّخرتيه لنفسك؟ قالت: نعم. فأتت بقارورة فسكبت منها في راحتي، فشممت منها رائحة ما

____________________

(١) هَجَر محرّكة: بلدة باليمن، وقرية كانت قرب المدينة راجع هامش البحار.

(٢) المخصب كمنبر: المركن.

(٣) القعب: قدح من خشب.

٥٩

شممت مثلها قطّ، فقلت: ما هذا؟ فقالت: كان يدخل دحية الكلبي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول لي: يا فاطمة: هات الوسادة فاطرحيها لعمّك، فأطرح له الوسادة فيجلس عليها، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه، فسأل عليّعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك؟ فقال هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل.

قال عليعليه‌السلام : ثمّ قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثم قال: من عندنا اللّحم والخبز، وعليك التمر والسّمن، فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذراعه وجعل يشدخ(١) التّمر في السّمن حتّى اتّخذه حيساً(٢) ، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذُبح وخُبزَ لنا خبز كثير.

ثم قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادع مُن أحببت، فأتيت المسجد وهو مشحن بالصّحابة، فحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثمّ صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالاً فاستحييت من كثرة الناس وقلّة الطعام، فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تداخلني، فقال: يا عليُّ، إنّي سأدعو الله بالبركة.

قال عليعليه‌السلام : فأكل القوم عن آخرهم طعامي، وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ولم ينقص من الطعام شيء.

ثم دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصّحاف فمُلِئَت، ووجّه بها إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال: هذا لفاطمة وبعلها، حتى إذا انصرفت الشمس للغروب، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أُمّ سلمة، هلمّي فاطمة، فانطلقت فأتت بها وهي تسحب أذيالها، وقد تصبّبت عرقاً حياءً من

____________________

(١) الشدخ: كسر الشيء.

(٢) الحيس: هو تمر يخلط بسمن وأقط. وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207