بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) 0%

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مؤلف:
الناشر: فاروس
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 207

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
الناشر: فاروس
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 97729
تحميل: 9408

توضيحات:

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97729 / تحميل: 9408
الحجم الحجم الحجم
بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

مؤلف:
الناشر: فاروس
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الباب الأوّل

في ولادتها وأسمائها وكناها (صلوات الله عليها)

٢١

٢٢

فصل

في ولادتهاعليها‌السلام

وُلدت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) في جمادى الآخرة يوم العشرين منها، سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ (صلوات الله عليه وآله) وكان بعد مبعثه بخمس وستين، كما روي عن الصادقَيْنعليهما‌السلام (١) وكان مبدأ حمل خديجة (رضي الله عنها) بها، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عُرج به إلى السماء، أكل من ثمار الجنّة، رطبها وتفّاحها، فحوّلها الله تعالى ماءً في ظهره، فلمّا هبط إلى الأرض واقَع خديجة، فحملت بفاطمةعليها‌السلام ، ففاطمة حوراء إنسيّة(٢) .

وكلّما اشتاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رائحة الجنّة كان يشمّها، فيجد منها رائحة الجنّة ورائحة شجرة طوبى، وكان يكثر لذلك أيضاً تقبيلها وإن أنكرت عليه بعض نسائه لجهلها بشرف محلّها(٣) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص٧ ح٨. وقد ذكر ذلك أيضاً ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي: ١، ٥٣٠ تحقيق العلاّمة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، دار التعارف، ورواه كثير من المؤرّخين. ولزيادة الاطلاع يراجع كتاب الصحيح من سيرة النبي للعلاّمة السيد جعفر مرتضى.

(٢) البحار: ج٤٣ ص٧ ح٢. كما يراجع كتاب نزهة الأبرار للمحدّث البحراني، وكتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق وروى بهذا المعنى الحافظ الطبري في ذخائر العقبى نقلاً عن عائشة وكذا فعل الملاّ في سيرته. كما أورد ذلك السيد ابن طاووس في الطرائف.

(٣) البحار: ج٤٣ ص٥ ح٤ - ٥، وأيضاً ص٦ح٦. كما يراجع المصدران الآخران السابقان =

٢٣

فإن قلت: إنّ الإسراء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل: كان في سنة اثنين من المبعث وكانت ولادة فاطمةعليها‌السلام بعده بثلاث سنين، فكيف يوافق ذلك؟

قلت: لم يكن معراجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منحصراً في مرّة واحدة، حتى لا يوافق ذلك، بل روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: عرج بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة وعشرين مرّة؛ ما من مرّة إلاّ وقد أوصى الله عزّ وجل فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بالولاية لعلي والأئمّةعليهم‌السلام ، أكثر ممّا أوصاه بالفرائض(١).

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في البحار(٢) : وقيل: بينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب (رحمه الله)، إذ هبط عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيلعليه‌السلام في صورته العظمى، وقد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه: ( يا محمّد، العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً ).

فشقّ ذلك على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان محبّاً لها وبها وامقاً(٣) قال: فأقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين يوماً، يصوم النّهار، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيّامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظنّي أنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى(٤)، ولكنّ ربي عزّ وجلّ أمرني بذلك لينفذ

____________________

= اللذان يذكران أنّ التي أنكرت عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك عائشة. كما يراجع تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم.

(١) البحار ج١٨ ص٣٨٢ ح ٩٦، وأيضاً خصال الصدوق ص٥٦٦. وورد بألفاظ قريبة في كتاب اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراءعليها‌السلام .

(٢) ج١٦ ص٧٨.

(٣) الوامق: المحب.

(٤) أي بغض وعداوة.

٢٤

أمره، فلا تظنّي يا خديجة إلاّ خيراً فإنّ الله عزّ وجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً. فإذا جنّك الليل فأجيفي(١) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإنّي في منزل فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها). فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلّما كان في كمال الأربعين، هبط جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمّد: العلّي الأعلى يُقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهّب لتحيته وتحفته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل وما تحفة ربّ العالمين؟ وما تحيّته؟ قال: لا علم لي. قال: فبينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك، إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغّطى بمنديل سندس - أو قال: إستبرق - فوضعه بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقبل جبرئيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا محمّد، يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام.

فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يفطر، أمرني أن أفتح الباب لمـَن يرد إلى الإفطار، فلمّا كان في تلك الليلة، أقعدني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على باب المنزل وقال: يا ابن أبي طالب إنّه طعام محرّم إلاّ عليَّ قال عليعليه‌السلام : فجلست على الباب وخلا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطعام وكشف الطبق فإذا عذق(٢) من رطب وعنقود من عنب. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه شبعاً وشرب من الماء ريّا ومدّ يده للغسل، فأفاض الماء عليه جبرئيلعليه‌السلام وغسل يده ميكائيلعليه‌السلام وتمندله إسرافيلعليه‌السلام فارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء. ثم قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلّي فأقبل عليه جبرئيل، فقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإنّ الله عزّ وجلّ آلى(٣) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذريّة طيّبة؛ فوثب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى منزل خديجة.

____________________

(١) أجفت الباب: رددته. يقال بالفارسية درب را بروي خود به بند.

(٢) العذق بالكسر عنقود العنب والرطب. يقال بالفارسية ( خوشه ).

(٣) آلى: أي حلف.

٢٥

قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني اللّيل غطّيت رأسي وأسجفت(١) ستري وغلقت بابي وصلّيت وردي(٢) وأطفأت مصباحي وآويت إلى فراشي؛ فلمّا كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرع الباب؛ فناديت: مَن هذا الّذي يقرع حلقة لا يقرعها إلاّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ - قالت خديجة: - فنادى النبّي بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإنّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفتحت الباب ودخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنزل، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة ثم يقوم فيصلّي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي إلى فراشه.

فلمّا كان في تلك الليلة، لم يدع بالإناء ولم يتأهّب للصلاة، غير أنّه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه، وداعبني، ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها؛ فلا والّذي سمك السماء وأنبع الماء، ما تباعد عنّي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أحسست بثقل فاطمةعليها‌السلام في بطني.

أقول: اعتزال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خديجة (رضي الله عنها) أربعين يوماً كان للتأهّب لتحيّة ربّ العالمين وتحفته، والمراد بها فاطمة (صلوات الله عليها). كما أشير إلى ذلك في زيارتها و ( صلَّ على البتول الطاهرة، إلى قوله: فاطمة بنت رسولك، وبضعة لحمه وصميم قلبه وفلذّة كبده والتحيّة منك له والتحفة )(٣) .

وفي هذا الاعتزال دليل على جلالة فاطمة سيّدة النّسوان بما لا يطيق بتحرير بيانه البنان، ولعلّ(٤) تخصيص الرّطب والعنب، لكثرة بركتهما وما

____________________

(١) أسجفت الستر: أرسلته.

(٢) أي صلاتي ودعائي.

(٣) وقد ذكر هذه الزيارة وغيرها الشيخ الطوسي في المصباح، وفي بعضها: ( وصلِّ على البتول الطاهرة وتفاحة الفردوس والخلد ).

(٤) وردت الروايات في فضلهما وفضل التفاح وأنّه من ثمر الجنّة، وهي موجودة في فروع الكافي =

٢٦

يتولّد منهما من المنافع، فإنّه ليس في الأشجار ما يبلغ نفعهما مع أنّهما خلقتا من فضلة طينة آدمعليه‌السلام ، ولا يبعد أن يكون في ذلك إشارة إلى كثرة نفع هذه النسلة الطاهرة المباركة، وكثرة ذريّتها، وبركاتها، كما قد نومئ إليها إنشاء الله تعالى في محلّها.

وأمّا قول جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الصلاة محرّمة عليك في وقتك ) فالظاهر: أنّها الصلاّة النافلة دون الفريضة، فإنّه كان يقدّمها على الإفطار، والله أعلم بحقيقة الأحوال.

روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في الأمالي بسنده عن المفضل ابن عمر - قال: - قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : كيف كانت ولادة فاطمةعليها‌السلام ؟ فقال: نعم، إن خديجة (رضي الله عنها) لما تزوّج بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هجرتها نسوان مكّة، فلم يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها؛ فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها، وغمّها حذراً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا حملت بفاطمة (سلام الله عليها) كانت فاطمةعليها‌السلام تحدّثها من بطنها، وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً، فسمع خديجة تحدّث فاطمةعليها‌السلام ، فقال لها: يا خديجة لمـَن تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنّها أنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها الأئمّة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النّساء من النّساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

____________________

= وفي الوسائل، وفي المحاسن للبرقي، وغيرها.

٢٧

فاغتمّت خديجةعليها‌السلام لذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة سُمر(١) ، طوال، كأنهنّ من نساء بني هاشم ففزعت منهنّ، لما رأتهنّ، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسل ربّك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمنها وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة.

فلما سقطت إلى الأرض، أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكّة، ولم يبق في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كلّ واحدة منهنّ معها طست من الجنّة، وإبريق من الجنّة وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوتين أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية، ثمّ استنطقتها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: ( أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء، وأنّ بَعلي سيّد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط )، ثم سلّمت عليهن، وسمّت كل واحدة منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمةعليها‌السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقال النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة، مطهّرة، زكيّة، ميمونة، بورك فيها، وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرّ عليها، فكانت فاطمةعليها‌السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر وتنمو في الشهر كما ينمو الصبيّ في السنة(٢) .

____________________

(١) سَمِرَ سُمرَة: كان لونه بين السواد والبياض. أقرب الموارد.

(٢) أمالي الصدوق: ص٧٦ بحار: ج٤٣ ص٢ ح١.

٢٨

فصل

في عدد أسمائها ووجه تسميتها

عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكيّة، والرّاضية، والمرضيّة، والمحدّثة، والزهراء، ثمّ قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيّدي، قال: فطمت من الشرّ، قال ثمّ قال: لولا أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام تزوّجها، لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(١) .

وفي جملة من الروايات: أنّها سُمّيت فاطمة لأنّها: فُطمت وشيعتها من النار، وإنّما فطمت بالعلم، وفطمت من الطمث، وأنّ الخلق فطموا من معرفتها، وأنّ الله فطمها وذرّيّتها من النار مَن لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان برسوله، وأنّ الله فطم مَن أحبّها عن النار(٢) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص١٠ ح١. دلائل الإمامة ص١٠. وورد في أمالي الصدوق، وفي كتاب علل الشرائع أيضاً.

(٢) البحار: ج٤٣ ص١٢ - ١٣ ح٣ - ٤- ٨ - ٩ - ١٨، وأيضاً ص٦٥ ح٥٨، وأيضاً علل الشرائع ج١ ص١٧٨ - ١٧٩. وورد أيضاً في معاني الأخبار للصدوق، وكذا في كتاب عيون أخبار الرضا له أيضاً.

٢٩

ورُوي: أنّ اسم فاطمة شقّ من اسم الله الفاطر، وسمّيت الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حمرة، ولا نفاساً(١) .

وسمّيت الزهراء لأنّها تزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام في النّهار ثلاث مرّات بالنور(٢) .

روي عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت صاحب العسكرعليه‌السلام لم سمّيت فاطمة الزهراء؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام من أوّل النهار كالشمس الضّاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشّمس كالكوكب الدرّي(٣) .

وروي الصدوق عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في حديث، قال: كانت فاطمةعليها‌السلام إذا طلع هلال شهر رمضان يغلب نورها الهلال، ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر(٤) .

وعن الصادقعليه‌السلام ، قال: سمّيت الزهراء، لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوتة حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلّقة بقدرة الجبّار لا علاقة لها من فوقها، فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها، فتلزمها، لها مائة ألف باب على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنّة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّي الزاهر في أفق السماء فيقولون هذه الزهراء فاطمة (صلوات الله عليها)(٥) .

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص١٥ - ١٦ - ١٩ - ٢٠.

(٢) علل الشرائع: ص١٨٠.

(٣) البحار: ج٤٣ ص١٦، وعلل الشرائع للصدوق، وصاحب العسكر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

(٤) البحار: ج٤٣ ص٥٦، وعلل الشرائع للصدوق.

(٥) البحار: ج٤٣ ص١٦.

٣٠

ورُوي في خبر أيضاً أنّه: لما أراد الله عزّ وجلّ أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها، فسألوا الله سبحانه أن يكشف عنهم، فاستجاب الله تعالى لهم فخلق نور فاطمة الزهراء يومئذٍ كالقنديل، وعلّقه في قرطاء العرش، فزهرت السموات السبع والأرضون السبع فمن أجل ذلك سمّيت الزهراء. فكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه، فقال الله: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبِِّي هذه المرأة، وأبيها وبعلها، وبنيها(١) .

ومن أسمائها أيضاً الحصان، الحرّة، السيّدة، العذراء، الحوراء، مريم الكبرى، والبتول(٢).

ورُوي في معنى البتول، أنّها التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض، وبها سمّيت مريم أم عيسىعليه‌السلام ، وقيل البتل القطع، وسمّيت فاطمة البتول، لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، وقيل لأنّها بتلت عن النظير(٣).

وقال ابن شهرآشوب في المناقب: وصحّ في الأخبار، لفاطمة عشرون اسماً كل اسم يدلّ على فضيلة، ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمةعليها‌السلام (٤) .

____________________

(١) الإرشاد للديلمي: ص٤٠٣، بحار ج٤٣ ص١٧.

(٢) البحار: ج٤٣ ص١٦. وكذا ورد في المناقب لابن شهرآشوب.

(٣) البحار: ج٤٣ ص١٥ - ١٦. وكذا قريباً منه في كتاب علل الشرائع، وكتاب معاني الأخبار للصدوق، وذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، وغيرها، والجزء الأوّل من كتاب النهاية لمجد الدين ابن الأثير الجزري.

(٤) المناقب: ص٣٦٠.

٣١

فصل

في كُناها

وأمّا كُناها(١) (صلوات الله عليها): فأُمّ الحسن وأُمّ الحسين، وأُمّ المحسن، وأُمّ الأئمة، وأُمّ أبيها، وأُمّ المؤمنين، وهذه الكنية تكون في زيارتها، وفي المناقب يُقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية.

أقول: الحانية: المشفقة على زوجها وأولادها.

أمّا شفقتها على زوجها، فيكفي في ذلك أنّ ما وصل إليها من الضرب والإهانة وكسر الضلع وأثر السوط على عضدها كالدملج، ممّا يجيء تفصيله إنشاء الله تعالى.

كل ذلك كان في حماية زوجها إلى أن ماتت شهيدة، ومع ذلك لما حضرتها الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا سيّدتي ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقى بعدي، قال لها: لا تبكي فو الله إنّ ذلك لصغير عندي في ذات الله تعالى(٢) .

وروي الشيخ المفيد في الإرشاد، أنّه لما بعث النبي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلى غزوة ذات الرمل التي تسمّى بغزوة ذات السلسلة أيضاً، كانت

____________________

(١) راجع كشف الغمّة للإربلي، والمناقب لابن شهرآشوب.

(٢) البحار: ج٤٣ ص٢١٨.

٣٢

لأمير المؤمنينعليه‌السلام عصابة لا يتعصّب بها حتى يبعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجه شديد، فمضى إلى منزل فاطمةعليها‌السلام ، فالتمس العصابة منها، فقالت: أين تريد وأين بعثك أبي؟ قال إلى وادي الرّمل، فبكت إشفاقاً عليه، فدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي على تلك الحال، فقال لها: ما لك تبكين؟ أتخافين أن يُقتل بعلك؟ كلاّ إنشاء الله، فقال له عليعليه‌السلام : لا تَنْفَسْ عليّ بالجنّة يا رسول الله(١) .

وأمّا شفقتها على أولادها، فيكفي في ذلك، ما رواه الصدوق عن حماد عن الصادقعليه‌السلام قال: لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمةعليها‌السلام ، ان ذلك يبلغها فيشق عليها، قلت يبلغها؟ قال: إي والله(٢) .

وقال صاحب عمدة الطالب في طيّ أحوال بني داود بن موسى الحسني ولبني داود بن موسى حكاية جليلة مشهورة بين النسّابين وغيرهم، مسندة، وهي مذكورة في ديوان ابن عنين: وهي أنّ أبا المحاسن نصر الله بن عنين الدمشقي الشاعر توجّه إلى مكّة، شرّفها الله تعالى، ومعه مال وأقمشة، فخرج عليه بعض بني داود، فأخذوا ما كان معه وسلبوه وجرحوه، فكتب إلى الملك العزيز ابن أيوب صاحب اليمن، وقد كان أخوه الملك الناصر أرسل إليه يطلبه ليقيم بالساحل المفتتح من أيدي الإفرنج، فزهّده ابن عنين في الساحل، ورغّبه في اليمن، وحرّضه على الأشرف الذين فعلوا به ما فعلوا.

أوّل القصيدة:

أعْيَتْ صفات نداك المصقع اللسنا

وجزت في الجود حدَّ الحسن والحسنا

ولا تقل ساحل الإفرنج أفتحه

فما تساوى إذا قايسته عدنا

وإن أردت جهاداً فارق سيفك من

قومٍ أضاعوا فروض الله والسننا

____________________

(١) إرشاد ص٦٠ - ٦١ قولهعليه‌السلام لا تنفس عليّ بالجنة: أي لا تبخل يعني: دعني حتى أقتل في سبيل الله واستشهد.

(٢) الوسائل: ج١٤ ص٣٧٨ باب ٤٠.

٣٣

طهّر بسيفك بيت الله من دنسٍ

ومن خساسة أقوامٍ به وخنا

ولا تقل إنّهم أولاد فاطمةٍ

لو أدركوا آل حربٍ حاربوا الحسنا

قال: فلمّا قال هذه القصيدة، رأى في النوم فاطمة الزهراءعليها‌السلام وهي تطوف بالبيت، فسلّم عليها فلم تجبه، فتضرّع، وتذلّل وسأل عن ذنبه الذي أوجب عدم ردّ سلامه، فأنشدته الزهراءعليها‌السلام :

حاشا بني فاطمةٍ كلّهم

من خسّةٍ تعرض، أو من خنا

وإنّما الأيام، في عذرها

وفعلها السوء أساءت بنا

أئِنْ أسا من ولدي واحدٌ

جعلت كل السبّ عمداً لنا

فتب إلى الله، فمَن يقترف

ذنباً بنا، يغفر له ما جنى

أكرم لعين المصطفى، جدهم

ولا تهن، من آله أعينا

فكلّما نالك منهم، عنا

تلقى به، في الحشر منّا هنا

قال أبو المحاسن نصر الله بن عنين: فانتبهت من منامي فزعاً مرعوباً وقد أكمل الله عافيتي من الجرح والمرض، فكتبت هذه الأبيات، وحفظتها، وتبت إلى تعالى ممّا قلت وقطعت تلك القصيدة:

عذراً إلى، بنت نبيّ الهدى

تصفح عن ذنب مسيءٍ جنا

وتوبة تقبلها، من أخي

مقالة، توقعه في العنا

والله لو قطعني واحد

منهم، بسيف البغي أو بالقنا

لم أر ما يفعله سيّئاً

بل أره في الفعل قد أحسنا(١)

____________________

(١) عمدة الطالب: ص١٣١ - ١٣٣.

٣٤

الباب الثاني

في فضلها وجلالتها، وزهدها وعبادتها، وعلمها ومكارم أخلاقها،

وحبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاها

٣٥

٣٦

فصل

في فضلها وجلالتها

كانت فاطمة (صلوات الله عليها) من أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت، وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير، وافتخر جبرئيل بكونه منهم، وشهد الله لهم بالصدق، ولنا أُمومة الأئمّةعليهم‌السلام وعقب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة، وهي سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين. وكانت أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تحكي شيمتها شيمته، وما تخرم مشيتها مشيته، وكانت إذا دخلت عليه، رحّب بها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به وقبّلت يديه.

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكثر تقبيلها، وكلّما اشتاق إلى رائحة الجنّة يشمّ رائحتها وكان يقول: ( فاطمة بضعة منّي مَن سرّها فقد سرّني، ومَن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّ الناس إليّ )(١) ! إلى غير ذلك ممّا يكشف عن كثرة محبّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها، كندائه إيّاها بـ ( يا حبيبة أبيها ).

____________________

(١) البحار: ج٤٣ ص٢٣ ح١٧. وقد ورد بعبارات متفاوتة لكنّها متواترة المعنى فراجع مستدرك الحاكم ٣/ ١٥٣، والحافظ الطبراني في المعجم الكبير، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة ٥/ ٥٢٢، وذخائر العقبى للطبري، والتذكرة لسبط ابن الجوزي، والإصابة لابن حجر ٤/ ٣٦٦، وغيرها كثير.

٣٧

كما روى الطبري الإمامي عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام ، عن فاطمةعليها‌السلام قالت: قال رسول الله: يا حبيبة أبيها كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر(١) . وليعلم أنّه قد حقق في محله أن محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبائهم ليست من جهة الدّواعي النفسانية والشهوات البشرية، بل تجردوا عن جميع ذلك، وأخلصوا حبهم وإرادتهم لله، فهم ما يحبون سوى الله تعالى، وحبّهم لغيره تعالى، إنّما يرجع إلى حبّهم له؛ ولذا لم يحب يعقوبعليه‌السلام من سائر أولاده مثل ما أحب يوسفعليه‌السلام ، وهم لجهلهم بسبب حبّه نسبوه إلى الضلال وقالوا: نحن عصبة ونحن أحق بأن نكون محبوبين له، لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أمور الدنيا، ففرط حبه ليوسف إنّما كان لحبّ الله تعالى له واصطفائه إياه، ومحبوب المحبوب محبوب.

روى الشيخ الكليني عطّر الله مرقده عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثانيعليه‌السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: ( يا محمّد، إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيته، ثم خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة (صلوات الله عليهم) فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون [ ويحرّمون ما يشاؤون ] ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثم قال: يا محمد هذه الدّيانة مَن تقدّمها مرق، ومَن تخلّف عنها محق، ومَن لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد )(٢) .

أقول: فظهر من هذا الحديث الشريف، أنّ فاطمة (صلوات الله عليها) ممّن فوض الله تعالى أمور جميع الأشياء إليهم، فهي تحلّ ما تشاء وتحرّم ما تشاء.

____________________

(١) دلائل الإمامة: ص٣.

(٢) الكافي ج١ ص٤٤١ ح٥، البحار ج٢٥ ص٣٤٠.

٣٨

وورد في الروايات الكثيرة عن الأئمّةعليهم‌السلام ( أنّ عندهم مصحف فاطمة (صلوات الله عليها) ).

ففي الصافي عن بصائر الدرجات، قال: وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنّه كلام من كلام الله أنزله عليها، إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

وعن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت: جُعلت فداك، إنّي أريد أن أسئلك عن مسئلة [ جعلت فداك ليس ] ها هنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد سل عمّا بدا لك، قال: قلت جُعلت فداك، إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، علّم عليّاًعليه‌السلام باباً يفتح له ألف باب!

قال: فقال: يا أبا محمد: ( علّم والله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام ألف باب، يفتح له من كل باب ألف باب ) قال: فقلت له هذا والله العلم! قال: فنكث ساعة في الأرض، ثم قال: إنّه لعلم وما هو بذلك، قال: ثم يا أبا محمد، وإنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة، قال: قلت: جُعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإملائه من فلق فيه(٢) ، وخطّ عليعليه‌السلام بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ وقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت جُعلت فداك إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت، قال فغمزني بيده إليّ، وقال: حتى أرش هذا، كأنّه مغضب، قال: قلت: جُعلت فداك هذا والله العلم! قال: إنّه لعلم وليس بذلك.

____________________

(١) بصائر الدرجات: ص١٥٦ ح١٤، ورد ضمن حديث صحيح في باب مولد الزهراءعليها‌السلام في المجلّد الأوّل من أُصول الكافي للكليني ج٨، وكذلك ضمن الحديث الأوّل من نفس الباب وهو حديث صحيح أيضاً.

(٢) أي شقّ فيه.

٣٩

ثم قال: وإنّ عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر، قال: قلت وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم أحمر، فيه علم النبيّين والوصييّن، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إنّ هذا هو العلم، قال: إنّه لعلم وليس بذلك.

ثم سكت ساعة، ثم قال: ( وإنّ عندنا لمصحف فاطمةعليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمةعليها‌السلام ) قال: قلت: وما مصحف فاطمةعليها‌السلام ؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد،[ إنّما شيء أملاه الله وأوحى إليها ] قال: قلت: هذا والله العلم! قال: إنّه لعلم وما هو بذلك.

ثم سكت ساعة، ثم قال: ( إنّ عندنا لعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ) قال: قلت: جُعلت فداك، هذا والله هو العلم! قال: إنّه لعلم وليس بذلك. قال: قلت: جُعلت فداك، فأيّ شيء هو العلم؟ قال: ( ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة )(١) .

وفي جملة من الروايات، أنّها سلام الله عليها إحدى الركبان الأربعة يوم القيامة، تركب ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العضباء(٢) .

روى ابن شهرآشوب، أنّه لما حضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة، قالت النّاقة: لمـَن توصي بي بعدك؟ قال: يا عضباء، بارك الله فيك، أنت لابنتي فاطمة (صلوات الله عليها)، تركبك في الدنيا والآخرة. فلمّا قُبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتت إلى فاطمةعليها‌السلام ليلاً فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله، قد حان فراقي الدنيا، والله ما تهنّأت بعلف ولا شراب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وماتت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أيام(٣) .

____________________

(١) بصائر الدرجات: ص١٥٢ الكافي: ج١ ص٢٣٩. والحديث صحيح.

(٢) خصال الصدوق (ره): ص١٨٦.

(٣) المناقب: ج١ ص٩٨.

٤٠