بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) 0%

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مؤلف:
الناشر: فاروس
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 207

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
الناشر: فاروس
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 97692
تحميل: 9408

توضيحات:

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97692 / تحميل: 9408
الحجم الحجم الحجم
بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

مؤلف:
الناشر: فاروس
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقالك الله العثرة في الدنيا والآخرة، فلمّا وقفت بين يديه، كشف الرداء عن وجهها حتى رآها عليعليه‌السلام ، ثم أخذ يدها فوضعها في يد عليعليه‌السلام وقال: بارك الله لك في ابنة رسول الله، يا علي، نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة، نعم البعل علي، انطلقا إلى منزلكما ولا تُحْدِثا أمراً حتى آتيكما.

قال عليعليه‌السلام : فأخذت بيد فاطمةعليها‌السلام وانطلقت بها حتى جلست في جانب الصفّة، وجلست في جانبها وهي مطرقة إلى الأرض حياءً منّي، وأنا مطرق إلى الأرض حياءً منها.

ثم جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: مَن ها هنا؟

فقلنا: ادخل يا رسول الله، مرحباً بك زائراً وداخلاً، فدخل، فأجلس فاطمة من جانبه، ثم قال: يا فاطمة: إيتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فملأته ماءً ثم أتته به، فأخذ جرعة فتمضمض بها، ثمَّ مجَّها في القعب، ثم صبَّ منها على رأسها، ثم قال: أقبلي، فلّما أقبلت نضح منه بين ثدييها، ثم قال: أدبري، فأدبرت، فنضح منه بين كتفيها، ثم قال: ( اللّهمّ اجعله لك وليّاً وأحبّ الخلق إليَّ، اللّهمّ وهذا أخي وأحبُّ الخلق إليّ اللهم اجعله لك وليّاً وبك حفيّاً، وبارك له في أهله، ثم قال: يا عليُّ ادخل بأهلك بارك الله تعالى لك ورحمة الله وبركاته عليكم أنّه حميد مجيد )(١) .

وفي رواية أخرى، قال عليعليه‌السلام : ومكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك ثلاثاً لا يدخل علينا، فلمّا كان في صبيحة اليوم الرابع، جاءنا ليدخل علينا، فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس الخثعمية، فقال لها: ما يقفك ها هنا وفي الحجرة رجل؟ فقالت: فداك أبي وأُمّي، إنّ الفتاة إذا زُفّت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعاهدها وتوم بحوائجها، فأقمت هاهنا لأقضي حوائج

____________________

(١) أمالي الشيخ: ج١ ص٣٩. البحار: ج٤٣ ص٩٤.

٦١

فاطمةعليها‌السلام ، [ وأقوم بأمرها فتغرغرت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدموع ]، قال: يا أسماء قضى الله لك حوائج الدنيا والآخرة.

قال عليعليه‌السلام : وكان غداة قرّة(١) ، وكنت أنا وفاطمة تحت العباء، فلمّا سمعنا كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأسماء ذهبنا لنقوم، فقال: بحقّي عليكما لا تفترقا حتى أدخل عليكما، فرجعنا إلى حالنا، ودخلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلس عند رأسينا وأدخل رجليه فيما بيننا، وأخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري، وأخذت فاطمةعليها‌السلام رجله اليسرى فضمّتها إلى صدرها، وجعلنا نُدفئ رجليه(٢) من القرِّ حتى إذا دفئنا قال: يا علي، ائتني بكوز من ماء، فأتيته فتفل فيه ثلاثاً وقرأ فيه آيات من كتاب الله، ثم قال: يا علي اشربه واترك فيه قليلاً، ففعلت ذلك، فرشّ باقي الماء على رأسي وصدري، وقال: أذهب الله عنك الرّجس يا أبا الحسن وطهّرك تطهيراً.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إيتني بماءٍ جديد، فأتيته به، ففعل كما فعل، وسلّمه إلى ابنته وقال لها: اشربي واتركي منه قليلاً، ففعلت، فرشّه على رأسها وصدرها وقال: أذهب الله عنك الرجس وطهّرك تطهيراً.

وأمرني بالخروج من البيت، خلا بابنته وقال: كيف أنت يا بنيّة؟ وكيف رأيت زوجك؟ قالت له: يا أبه، خير زوج، إلاّ أنّه دخل عليَّ نساءً من قريش وقلن لي: زوّجك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فقير لا مال له، فقال لها يا بنيّة ما أبوك بفقير، ولا بعلك بفقير، ولقد عرضت عليَّ خزائن الأرض من الذهب والفضّة، فاخترت ما عند ربّي عزّ وجلّ، يا بنيّة: لو تعلمين ما علم أبوك لسمجت الدنيا في عينيك(٣) ، والله يا بنيّة، ما ألوتك نصحاً(٤) ، إنّ زوّجتك

____________________

(١) يوم قر: أي بارد، القرّ بالضم البرد.

(٢) ادفئه: أي أسخنه من البرد.

(٣) سمج: أي قبح.

(٤) أي ما نقصت النصح لك.

٦٢

أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، يا بنيّة: إنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى الأرض اطلاعة فاختار من أهلها رجلين، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك، يا بنيّة: نِعْمَ الزوج زوجك، لا تعصي له أمراً.

ثم صاح بي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يا عليّ، فقلت: لبّيك يا رسول الله، قال: ادخل بيتك وألطف زوجتك وارفق بها، ( فإنّ فاطمة بضعة منّي، يؤلمني ما يؤلمها، ويسرُّني ما يسرُّها، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما ).

قال عليعليه‌السلام : ( فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّ وجلّ إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فيكشف عنّي الهموم والأحزان ).

قال عليعليه‌السلام : ثمّ قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينصرف، فقالت له فاطمةعليها‌السلام : يا أبه، لا طاقة لي بخدمة البيت، فأخدمني خادماً تخدمني وتعينني على أمر البيت، فقال لها: يا فاطمة، أَوَلاَ تريدين خيراً من الخادم؟ فقال عليعليه‌السلام : قولي بلى: قالت: يا أبه خيراً من الخادم؟ فقال: تسبّحين الله عزّ وجلّ في كل يوم ثلاثاً وثلاثين مرّة، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرّة، وتكبّرينه أربعاً وثلاثين مرّة، فذلك مائة باللسان وألف حسنة في الميزان، يا فاطمة، إنّك إن قلتها في صبيحة كلِّ يوم كفاك الله ما أهمّك من أمر الدنيا والآخرة(١) .

قال في المصباح: في أوّل يوم من ذي الحجّة زوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمةعليها‌السلام من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ورُوي أنّه كان في يوم السادس(٢) .

____________________

(١) كشف الغمّة: ج١ ص٣٦٢. البحار: ج٤٣ ص١٣٢، وروى بعض أجزائه محب الدين الخطيب في ذخائر العقبى عن المسوّر بن مخرَمَة وقال: خرجه الشيخان والترمذي وصحّحه، أو: وقال البخاري عن المسوّر.

(٢) بحار الأنوار: ج٤٣ ص٩٢.

٦٣

٦٤

الباب الثالث

في أخبار السقيفة، وما جرى عليها (صلوات الله عليها) بعد وفاة أبيها

من الظلم والأذى

٦٥

٦٦

فصل

قال الشيخ في تلخيص الشافي، والطبرسي في الاحتجاج، وابن أبي الحديد في شرح النهج، عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري ما ملخّصه: إنّه لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وأخرجوا سعد بن عبادة ليولّوه الخلافة، وكان مريضاً، فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرياسة والخلافة، فأجابوه بأجمعهم، ثم ترادَّوا الكلام فقالوا: [ إن أبت مُهاجرة قريش فقالوا ] نحن المهاجرون وصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأوّلون وعشيرته وأولياؤه فعلام تنازعوننا الأمر من بعده؟ قالت طائفة منهم: فإنّا نقول إذاً: منّا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا أبداً. فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أوّل الوهن.

وسمع عمر الخبر، فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إليّ، فأرسل إليه أنّي مشتغل. فأرسل عمر ثانياً إليه أن قد حدث أمر لا بدّ لك من حضوره، فخرج إليه فقال: أما علمت أنّ الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة، يريدون أن يولّوا هذا الأمر سعد بن عبادة، وأحسنهم مقالة مَن يقول: منّا أمير ومنكم أمير؟ ففزع أبو بكر أشدّ الفزع وخرجا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح، فجاءوا وفي السقيفة خلق كثير، فقال عمر بن الخطاب: أتيناهم وقد كنت زوّدت كلاماً أردت أن أقوم به فيهم، فلمّا اندفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق فقال لي أبو بكر: رويداً حتّى أتكلّم. ثم انطق بعد بما

٦٧

أحببت، فنطق، فقال عمر: فما شيء كنت أريد أن أقول به إلاّ وقد أتى به، فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

إنّ الله بعث محمّداً رسولاً إلى خلقه، وشهيداً على أُمّته ليعبدوا الله ويوحّدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتّى، يزعمون أنّها لمن عبدها شافعة ولهم نافعة! وإنّما هي من حجر منحوت، وخشب منجور، ثم قرأ:( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ... الآية ) (١) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخصّ الله المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدّة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إيّاه، فهم أوّل مَن عبد الله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول؛ وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم في ذلك الأمر إلاّ ظالم.

وأنتم يا معشر الأنصار، مَن لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلّة أزواجه وأصحابه، وليس بعد المهاجرين الأوّلين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأُمراء وأنتم الوزراء!!! لا نفتئت عليكم(٢) بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور.

فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار، املكوا عليكم أمركم، فإنّ الناس في ظلكم، ولن يجتزئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد إلاّ عن رأيكم، وأنتم أهل العزّة، والمنعة، وأولوا العدد والكثرة، وذوو البأس والنجدة، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم، فإن أبى هؤلاء إلاّ ما سمعتم، فمنّا أمير، ومنهم أمير، فقال: عمر هيهات، لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيّها من غيركم، ولا تمنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوّة

____________________

(١) يونس: ١٨.

(٢) افتأت عليه، إذا تفرّد برأيه دونه في التصرّف. منه ره.

٦٨

منهم، مَن ينازعنا سلطان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن أولياؤه! وعشيرته!

فقال الحباب بن المنذر، يا معشر الأنصار، املكوا أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فان أبوا عليكم، فأجلوهم من هذا البلاد، فأنتم أحق بهذا الأمر منهم، فأنّه بأسيافكم دان الناس بهذا الدّين، أنا جُذَيلُها المحكّك وعُذَيقُها المرجّب، أنا أبو شبل في عريسه الأسد، والله إن شئتم لنعيدها جذعة، فقال عمر: إذن يقتلك الله، فقال: إيّاك يقتل(١).

فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار، إنّكم أوّل مَن نصر فلا تكونوا أوّل مَن بدّل أو غيّر.

فقام بشير بن سعد والد النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار، ألا إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش، وقومه أولى به، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر.

فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيّهما شئتم، فقالا: والله لا نتولّى هذا الأمر عليك، وأنت أفضل المهاجرين، وخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة وهي أفضل الدين!!! ابسط يدك، فلمّا بسط يده ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير عفتك عفاة ( عقتك عقاق خ ) أنفسْتَ على ابن عمك الإمارة(٢).

فقال أسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه: والله لئن لم تبايعوا

____________________

(١) الجذل: عود ينصب للإبل الجرباء تحتك به فتستشفي، والمحكك: الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مملساً. والعذق بالفتح: النخلة، والمرجب: المدعوم بالرجبة وهي خشبة ذات شعبتين وذلك إذا طال وكثر حمله؛ والمعنى: إنّي ذو رأي يستشفى بالاستضاءة به كثيراً في مثل هذه الحادثة، وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة الحمل. وملخّص المراد من هذا الكلام: إنّني الذي يُؤخذ برأيه ( البحار ).

(٢) والله ما اضطرّك إلى هذا الأمر إلاّ الحسد لابن عمّك. خ ابن أبي الحديد.

٦٩

ليكوننّ للخزرج عليكم الفضيلة أبداً، فقاموا، فبايعوا أبا بكر، فانكسر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزّحمة وهو بينهم على فراشه مريض، فقال: قتلتموني، قال عمر: اقتلوا سعداً قتله الله، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يا ابن صهّاك، الجبان في الحروب الفرّار، الليث في الملأ والأمن، لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة(١) .

فقال أبو بكر: مهلاً يا عمر، فإن الرفق أبلغ وأفضل، فقال سعد: يا ابن صهّاك، وكانت جدّة عمر حبشية، أما والله لو أنّ لي قوّة على النهوض لسمعتما منّي في سككها زئيراً يزعجك وأصحابك منها، ولألحقتكما بقوم كنتم فيهم أذناباً أذلاّء تابعين غير متبوعين، لقد اجترأتما، يا آل الخزرج احملوني من مكان الفتنة.

فحملوه فأدخلوه منزله، فلمّا كان بعد ذلك، بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع، فقال: والله حتّى أرميكم بكل سهم في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما أقلت يدي، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي وأيم الله لو اجتمع الجنّ والإنس عليّ ما بايعتكما أيّها العاصيان ( الغاصبان خ ) حتى أعرض على ربّي وأعلم ما حسابي. فلمّا جاءهم كلامه، قال عمر: لا بدّ من بيعته.

فقال بشير بن سعد: إنّه قد أبى ولجّ، وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس، فاتركوه وليس تركه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعداً، وكان سعد لا يصلّي بصلاتهم، ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم، فلم يزل كذلك في ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر، ثم ولى عمر فكان كذلك، فخشي سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام

____________________

(١) الواضحة: الأسنان التي تبدو عند الضحك.

٧٠

فمات بحوران(١) في ولاية عمر ولم يبايع أحداً، وكان سبب موته أن رُمي بسهم في الليل فقتله، وزعم أنّ الجنّ رموه(٢) .

وعن أبي عبد البر وابن حجر العسقلاني، أنّهما قالا: إنّ سعداً لم يبلغ أحداً من أبي بكر وعمر ولم يقدروا على إلزامه كإلزامهم لغيره لكثرة أقوامه من الخزرج فاحترزوا على فتنتهم، ولَمّا وصل حكومة أهل الإسلام إلى عمر، مرّ ذات يوم سعد على سوق المدينة فوقع عليه نظر عمر وقال له: ادخل يا سعد في بيعتنا أو اخرج من هذا البلد.

فقال سعد: حرام عليّ أن أكون في بلد أنت أميره، ثم خرج من المدينة إلى الشام، وكانت له قبيلة كثيرة في نواحي دمشق، كان يعيش في كل أُسبوع عند طائفة منهم، ففي تلك الأيام كان يذهب يوماً من قرية إلى أخرى، فرموه من وراء بستان كان على طريقه بسهم فقُتل. انتهى.

وعن البلاذري: إنّ عمر بن الخطاب أشار إلى خالد بن الوليد ومحمّد بن مسلمة الأنصاري بقتله، فرماه كلّ منهم بسهم فقتل، ثم أوقعوا في أوهام الناس أنّ الجن قتلوه، ووضعوا هذا الشعر على لسانهم:

قد قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عبادة

فرميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

وروى ابن أبي الحديد، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز، بإسناده عن القسم بن محمّد قال: لما توفّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اجتمعت الأنصار إلى سعد ابن عبادة فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فقال الحباب بن المنذر: منّا أمير ومنكم أمير، أنا والله لأتنفس هذا الأمر عليكم أيّها الرّهط، ولكنّا نساف ( نخاف خ ) أن يليه بعدكم مَن قتلنا أبناءَهم وآباءهم وإخوانهم. الخبر.

____________________

(١) حوران بالفتح: كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة.

(٢) شرح ابن أبي الحديد: ج٦ ص٥ - ١١. الاحتجاج للطبرسي: ج١ ص٨٩ - ١١٢. كما أورد فصولاً من ذلك في تاريخ الطبري: ٣ / ٢٠٨، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ١ / ٥ وما بعدها.

٧١

قال ابن أبي الحديد: قرأت هذا الخبر على أبي جعفر يحيى بن محمّد العلوي، قال لقد صدقت فراسة الحباب بن المنذر، فإنّ الذي خفه وقع يوم الحرّة، وأخذ من الأنصار ثار المشركين يوم بدر.

ثم قال لي (رحمه الله): ومن هذا خاف أيضاً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذريّته وأهله، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وَتَر الناس، وعلم أنّه إن مات وترك ابنته وولدها سوقة ورعية تحت أيدي الولاة، كانوا بعرَض خطر عظيم، فما زال يقرّر لابن عمه قاعدة الأمر بعده حفظاً لدمه ولدم أهل بيته، فإنّهم إذا كانوا ولاة الأمر، كانت دماؤهم أقرب إلى الصيانة والعصمة مما إذا كانوا سوقة تحت يد والٍ من غيرهم، فلم يساعده القضاء والقدر، وكان من الأمر ما كان، ثم أفضى أمر ذريته فيما بعد إلى ما علمت ...(١).

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد: ج٢ ص٥٣.

٧٢

فصل

في طرف ممّا جرى في السقيفة

قال شيخنا المفيد في الإرشاد: واغتنم القوم الفرصة لشغل علي بن أبي طالبعليه‌السلام برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتبادروا إلى ولاية الأمر، واتفق لأبي بكر ما اتفق لاختلاف الأنصار فيما بينهم، وكراهية الطلقاء والمؤلّفة قلوبهم من تأخّر الأمر حتّى يفرغ ( فرغ خ م ) بنو هاشم فيستقر الأمر مقرّه، فيبايعوا أبا بكر لحضوره المكان، وكانت أسباب معروفة تيسّر للقوم منها ما راموه، وليس هذا الكتاب موضع ذكرها، فنشرح القول فيها على التفصيل.

وقد جاءت الرّواية: أنّه لَمّا تمّ لأبي بكر ما تمّ وبايعه مَن بايع، جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يسوّي قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمسحاة في يده، فقال له: إنّ القوم قد بايعوا أبا بكر، ووقعت الخذلة للأنصار لاختلافهم، وبدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفاً من إدراككم الأمر، فوضععليه‌السلام طرف المسحاة على الأرض ويده عليها، ثم قال:

( بسم الله الرحمن الرحيم الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ... إلى قوله تعالىمَا يَحْكُمُونَ ) (١) ، وقد كان جاء أبو سفيان إلى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) سورة العنكبوت آية: ١ - ٢- ٣- ٤.

٧٣

وعليعليه‌السلام والعباس متوافران على النظر في أمره فنادى:

بني هاشم: لا تطمعوا الناس فيكم

ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلاّ فيكم وإليكم

وليس لها إلاّ أبو حسنٍ علي

أبا حسنٍ فاشدد بها كفّ حازمٍ

فإنّك بالأمر الذي ترتجي ملي

ثم نادى بأعلى صوته: يا بني هاشم، يا بني عبد مناف، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل ابن الرذل! أما والله لو شئتم لأملأنّها عليهم خيلاً ورجالاً، فناداه أمير المؤمنينعليه‌السلام : ارجع يا أبا سفيان، فو الله ما تريد الله بما تقول، وما زلت تكيد الإسلام وأهله، ونحن مشاغيل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى كل امرئٍ ما اكتسب وهو ولي ما احتقب(١) .

فانصرف أبو سفيان إلى المسجد، فوجد بني أُميّة مجتمعين فيه، فحرّضهم على الأمر ولم ينهضوا له، وكانت فتنة عمت، وبلية شملت، وأسباب سوء اتفقت، تمكّن بها الشيطان وتعاون فيها أهل الإفك والعدوان، فتخاذل في إنكارها أهل الإيمان، وكان ذلك تأويل قول الله عزّ وجلّ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خاصَّةً ) (٢) (٣) .

____________________

(١) احتقب: اكتسب.

(٢) الأنفال آية: ٢٥.

(٣) الإرشاد: ص١٠١. كما يراجع تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٨٤.

٧٤

فصل

قال الشيخ الإمام الفاضل العالم الأجل الأقدم عبيد الله بن عبد الله الأسد آبادي (رحمه الله) في كتاب المقنع في الإمامة:

فصل، فيه طرف ممّا جرى في أمر السقيفة ليعلم أيضاً كيف بني القوم أمرهم على دفع وليّ الأمر وصاحب الحق عن حقّه.

أجمع أصحاب السير، أنّه لَمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اشتغل أمير المؤمنينعليه‌السلام بغسله وتجهيزه، وكان المهاجرون والأنصار وغيرهم من قريش ينتظرون ما يكون من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فتصوّر لهم إبليس لعنه الله في صورة المغيرة بن شعبة أعور ثقيف، وقال لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: ما يكون من بني هاشم، فقال لهم: امضوا ووسّعوها في قريش تتسع، فو الله لئن وقفتم إلى فراغهم لتصيرنّ فيهم وتصير قيصرانيّة وكسرويّة، هذا وقد كان نفر من قريش من قبل ذلك، كتبوا صحيفة بيعتهم [ بينهم خ ] وأودعوها أبا عبيد ابن الجراح، وضمّنوها بأنّه إن قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قتل؛ عدل بالإمامة عن بني هاشم حتّى لا تجمع لهم النبوّة والخلافة.

ثم جاء إبليس (لعنه الله)، وحثّهم وزيّن لهم ما أتوه، فنهضوا إلى سقيفة بني ساعدة، وساق كلامه إلى أن قال: وأنا أشرح بمشيئة الله تعالى وعونه طرفاً ممّا جرى في السقيفة لا بدّ منه ولا غنى عنه، حتّى يعلم كيف استهانوا بالدين، وكيف خُولف صاحب الشرع (صلوات الله عليه وآله).

٧٥

أخبرني أبو الحسن ابن زنجي اللغوي البصري بها في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة عن أبي عبد الله النمري، عن ابن دريد الأزدي، وأخبرني أبو الحسن علي بن المظفّر العلاّمة البندينجيني(١) بها، عن أبي أحمد بن عبيد الله بن سعيد العسكري، عن ابن دريد الأزدي، عن أبي حاتم السجستاني، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، أنّه قال: قال أبو ذؤيب الهذلي:

بلغنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليل، فأوجسنا ذلك خيفة وأشعرنا جزعاً وغمّاً، فبت بليلة ثابتة النجوم طويلة الأناء، لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها، فصرت أقاسي طولها ولا أفارق غولها، حتّى إذا كان دون المسفر وقرب السحر، هتف هاتف، فقال:

خطْبٌ جليلٌ فتّ في الإسلامِ

بين النخيل ومعقد الأصنامِ

قُبض النبيُّ محمّدٌ، فعيوننا

تذري الدموع عليه بالأسجامِ(٢)

قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي مذعوراً، فنظرت إلى السماء فلم أر إلاّ سعداً الذابح(٣) فتفألت، وقلت: ذبحاً وقتلاً يقع في العرب، فعلمت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قُبض، أو هو مقبوض في علّته تلك، فركبت ناقتي وسرت حتّى إذا أصبحت، طلبت شيئاً ازجر عليه فعنّ لي شيهم(٤) قد لزم على صل(٥) وهو يتلوى والشيهم يقضمه حتّى أكله، فتفألت ذلك شيئاً همّاً، وقلت: تلّوي الصلّ انفتال الناس عن الحق إلى القائم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تأوّلت قضم الشيهم قضمه الأمر وضمّه إليه، فحثثت راحلتي حتّى قدمت المدينة ولأهلها

____________________

(١) البندينجين بلدة مشهورة في طرف النهروان من ناحية الجبل بين أعمال بغداد.

(٢) سجم الدمع: سال قليلاً أو كثيراً.

(٣) سعد الذابح: هما كوكبان نيّران بينهما قدر ذراع وفي نحر أحدهما نجم صغير لقربه منه كأنه يذبحه وهو من منازل القمر: منه ره.

(٤) الشيهم: الأرنب الكبير.

(٥) الصلّ: حيّة صفراء دقيقة.

٧٦

ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام.

فقلت: مه؟ فقيل: قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجئت إلى المسجد فوجدته خالياً، وأتيت بيت رسول الله فأصبت بابه مرتجاً. وقيل: هو مسجّى وقد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟!! فقيل هم في سقيفة بني ساعدة صاروا إلى الأنصار، فجئت إلى السقيفة، فأصبت أبا بكر وعمر والمغيرة بن شعبة وأبا عبيدة الجرّاح وجماعة من قريش، ورأيت الأنصار فيهم سعد بن دلهم(١) ومعه شعراؤهم وإمامهم حسّان بن ثابت، فأويت إلى قريش، وتكلّمت الأنصار، فأطالوا، ولم يأتوا بالصواب، ثم بايع الناس أبا بكر في كلامٍ طويل.

قال: ثم انصرف أبو ذؤيب إلى باديته ومات في أيام عثمان بن عفان.

وبهذا الإسناد أن النابغة الجعدي خرج من منزله وسأل عن حال الناس، فلقيه عمران بن الحصين، وقيس بن صرمة وقد عادا من السقيفة، فقال: ما وراكما؟ فقال عمران بن الحصين:

إن كنت أدري فعليَّ بدنة

من كثرة التخليط أنّي مَن أنا

قال قيس بن صرمة:

أصبحت الأُمّة في أمرٍ عجب

والملك فيهم قد غدا لمـَن غلب

قد قلت قولاً صادقاً غير كذب

إنّ غداً يهلك أعلام العرب

فقال النابغة: فما فعل أبو حسن عليعليه‌السلام ؟ فقيل: مشغول بتجهيز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال:

قولا لأصلع هاشمٍ إن أنتما

لاقيتماه لقد حللت أرومها

وإذا قريش بالفخار تساجلت

كنت الجدير به، وكنت زعيمها

____________________

(١) سعد بن عبادة خ ل.

٧٧

وعليك سلّمت الغداة بإمرة

للمؤمنين فما رعت تسليمها

نكثت بنو تيم بن مُرّة عهدها

فتبوّأت نيرانها وجحيمها

وتخاصمت يوم السقيفة والّذي

فيه الخصام غداً يكون خصيمها

وفي هذا اليوم قال النعمان بن زيد، صاحب راية الأنصار، يبكي على الإسلام وعلى خلافهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يا ناعي الإسلام قم وانعه

قد مات عرف وأتى منكرُ

مثل عليٍّ مَن خفى أمره

عليهم، والشمس لا تسترُ

وليس يُطوى علمٌ باهرٌ

سامٍ يد الله له ينشرُ

حتّى يزيلوا صدع ملمومة

والصدع في الصخرة لا يجبرُ

كبش قريشٍ في وغا حربها

فاروقها صدّيقها الأكبرُ

وكاشف الكرب إذا خطبه

أعيى على واردها المصدرُ

كبّر لله وصلّى وما

صلّى ذوو العيث ولا كبّروا

تدبيرهم أدّى إلى ما أتوا

تبّاً لهم يا بئس ما دبّروا

وقال العباس بن عبد المطلب:

عجبت لقومٍ أَمّروا غير هاشمٍ

على هاشمٍ رهط النبيّ محمّدِ

وليس بأكفاءٍ لهم في عظيمةٍ

ولا نظراء في فعالٍ وسؤددِ

وقال عتبة بن أبي سفيان بن عبد المطلب:

وكان وليّ الأمر من بعد أحمدٍ

عليّ وفي كل المواطن صاحبه

وصيّ رسول الله حقّاً وعنهم(١)

وأوّل مَن صلّى ومَن لان جانبه

وقال عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب:

تولّت بنو تيمٍ على هاشمٍ ظلما

وذادوا عليّاً عن إمارته قدما

____________________

(١) وصهره خ ل.

٧٨

ولم يحفظوا قربى نبيٍّ قريبه

ولم ينفسوا فيمَن تولاّهم علما

وقال عبدة بن الصامت يوم السقيفة:

ما للرجال أخّروا عليّا

عن رتبة كان لها مرضيّا

أليس كان دونهم وصيّا ( في أبيات )

وقال عبد الرّحمان بن حنبل حليف بني جمح:

لعمري لئن بايعتم ذا حفيظةٍ

على الدين معروف العفاف موفّقا

عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجد

صدوقاً وللجبّار قدماً مصدّقا

أبا حسن فارضوا به وتبايعوا

فليس كمَن فيه لذي العيب مرتقى

عليّاً وصيّ المصطفى ووزيره

وأوّل مَن صلّى لذي العرش واتقى

رجعتم إلى نهج الهدى بعد زيغكم

وجمعتم من شمله ما تمزّقا

وكان أمير المؤمنين بن فاطمٍ

بكم إن عرى خطبٌ أبَرَّ وأرفقا

وقال زفر بن الحارث بن حذيفة الأنصاري:

فحوطوا عليّاً وانصروه فإنّه

وصيّ وفي الإسلام أوّل أوّل

فإن تخذلوه والحوادث جمّة

فليس لكم في الأرض من متحوّل

وقال أبو سفيان صخر بن حرب بن أميّة يوم السقيفة:

بني هاشم ما بال ميراث أحمدٍ

تنقّل عنكم في لقيط وحابل(١)

أعبد منافٍ كيف ترضون ما أرى

وفيكم صدور المرهفات الأواصلِ

فدى لكم أُمّي اثبتوا وثقوا بنا

وبالنصر منّا قبل فوت المخاتلِ

متى كانت الأحساب تغدوا ببالكم

متى قُرنت تيمٌ بكم في المحافلِ

يحاذي بها تيمٌ عديّاً وأنتمُ

أحق وأولى بالأمور الأوائلِ

وقال أيضاً:

____________________

(١) خمل - خ.

٧٩

وأضحت قريش بعد عزٍّ ومنعةٍ

خضوعاً لتيم لا بضرب القواضبِ

فيا لهف نفسي للذي ظفرت به

وما زال فيها فائزٌ بالرغائبِ

وقال أيضاً:

بني هاشمٍ لا تطمعوا الناس فيكم

ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلاّ فيكم وإليكم

وليس لها إلا أبو حسنٍ علي

أبا حسنٍ فاشدد بها كفّ حازمٍ

فإنّك بالأمر الذي ترتجي ملي

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين (رضي الله عنه) يوم السقيفة:

ما كنت أحسب هذا الأمر منتقلاً

عن هاشمٍ، ثم منها، عن أبي حسنِ

أليس أوّل مَن صلّى بقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسننِ

وآخر الناس عهداً بالنبي ومَن

جبريل عوناً له في الغسل والكفنِ

ماذا الذي ردّكم عنه فنعرفه

ها إنّ بيعتكم من أغبن الغبنِ

وقد نُسبت هذه الأبيات إلى عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.

ولخزيمة أيضاً يخاطب عائشة بنت أبي بكر:

أعائش خلّي عن عليٍّ، وعتبه

بما ليس فيه إنّما أنت والدة

وصيُّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهدة

وقال النعمان ابن عجلان الأنصاري في يوم السقيفة ويعرّض بعمرو ابن العاص:

وقلتم حرامٌ نصب سعدٍ ونصبكم

عتيق بن عمرو كان خلا أبا بكر

فأهل أبا بكر لها خير قائم

وإنّ عليّاً كان أجدر بالأمر

فكان هواناً في عليٍّ وإنّه

لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

قال: لما استوثق الأمر لأبي بكر، ونزل من السقيفة على الصفة التي نزلها، تكلّم عمرو بن العاص في الأنصار، قادحاً فيهم، وواضعاً منهم،

٨٠