التبرك بالصالحين والاخيار

التبرك بالصالحين والاخيار0%

التبرك بالصالحين والاخيار مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 91

التبرك بالصالحين والاخيار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الاستاذ صباح البياتي
تصنيف: الصفحات: 91
المشاهدات: 18577
تحميل: 6610

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 91 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18577 / تحميل: 6610
الحجم الحجم الحجم
التبرك بالصالحين والاخيار

التبرك بالصالحين والاخيار

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النبي(صلى الله عليه وآله) قال:((إنّه لم يكن نبي قبلي إلاّ كان حقاً عليه أن يدل اُمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم...)) (١) .

فهل يناقض النبي(صلى الله عليه وآله) - حاشاه - نفسه ويخفي هذا الأمر الذي فيه فساد الاُمّة دون أن يبيّنه لهم!

أما إنّه لا يجوز الاقتداء بغيره في التبرّك قياساً على عدم جواز الزيادة على أربع نسوة فالقياس باطل - لما تقدم - فالنبي(صلى الله عليه وآله) قد أعلم اُمّته الحكم الشرعي في ذلك، فليس هناك مسلم على وجه الأرض - منذ زمن النبي والى اليوم - إلاّ وهو يعلم حرمة ذلك لغيره(صلى الله عليه وآله)، وهذا أكبر دليل على صحة ما نقول، وتهافت استدلال الشاطبي، فلو كان التبرّك بغير النبي(صلى الله عليه وآله) محرّماً لبيّنه لاُمّته كما بيّن حرمة الزيادة في التزوج على أربع نسوة.

ومن الحجج الاُخرى المتهافتة التي يحتجّ بها الجديع على عدم جواز التبرّك بغير النبي(صلى الله عليه وآله) إدعاؤه بأن ذلك لسد ذريعة الشرك، لأن جواز التبرك بآثار الصالحين يفضي إلى الغلو فيهم وعبادتهم من دون الله، فوجب المنع من ذلك.. وهكذا تبيّن لنا عدم جواز قياس الصالحين على النبي(صلى الله عليه وآله). وعليه فلا يجوز التبرّك بذوات الصالحين أو بآثارهم فضلاً عن غيرهم، وأن تعظيم الشيء والتبرّك به لا يجوز

____________________

١- صحيح مسلم: ٣/١٤٧٢ كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأوّل فالأوّل.

٦١

إلا بدليل شرعي(١) .

أقول: أثبتنا أنه لا ينبغي أن يترك النبي(صلى الله عليه وآله) اُمّته دون أن ينبههم الى خطورة هذا الأمر، لأنه بذلك يكون قد قصّر في أداء رسالته وترك اُمّته تتردى في مهاوي الضلال، وتكون الاُمّة - على مرّ الأزمنة السابقة - قد وقعت في الشرك، وهو أمر لا يجوز عقلاً ولا شرعاً، وكيف يستقيم ذلك مع قوله(صلى الله عليه وآله):((تركتكم على الواضحة)) !

____________________

١- التبرّك أنواعه وأحكامه: ٢٦٨.

٦٢

التبرّك بقبور الصالحين وآثارهم

لم يقتصر عمل المسلمين على التبرّك بقبر النبي(صلى الله عليه وآله) وآثاره من بعد موته، بل كان ديدنهم هو التبرّك بقبور الصحابة والتابعين وصلحاء الاُمّة وآثارهم، والاستشفاء والاستسقاء بها أيضاً، ومن ذلك:

١ - بلال الحبشي:

مؤذن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قبره بدمشق، وفي رأس القبر المبارك تاريخ باسمه(رضي الله عنه)، والدعاء في هذا الموضع المبارك مستجاب، وقد جرّب ذلك كثير من الأولياء وأهل الخير المتبركين بزيارتهم(١) .

٢ - أبو أيوب الأنصاري:

قال الحاكم: يتعاهدون قبره ويزورونه ويستسقون به إذا قحطوا(٢) .

٣ - صهيب الرومي:

قال السمهودي: إنهم جربوا تراب قبر صهيب للحمى.

٤ - حمزة بن عبد المطلب:

نقل السمهودي قول الزركشي: ثمّ استثني في عدم جواز حمل تراب المدينة إلى غيرها - لكونها حرماً - تربة حمزة (رضي الله عنه)، لإطباق

____________________

١- رحلة ابن جبير: ٢٥١.

٢- المستدرك: ٣/٥١٨، وابن الجوزي في صفة الصفوة: ١/٤٠٧.

٦٣

الناس على نقلها للتداوي.

ثم قال: حكى البرهان بن فرحون عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن مصال الحاحاني قال: نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهرمزي قال: قال صالح بن عبد الحليم: سمعت عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول: سألت ابن بكون عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرّك، هل يجوز أو يمنع؟ فقال: هو جائز، ومازال الناس يتبرّكون بقبور العلماء والشهداء والصالحين، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان(١) .

٥ - الحسين بن عليّ(عليه السلام):

عقد الشبراوي باباً كبيراً في مشهد رأس الحسين بن علي(عليهما السلام)، وذكر فيه زيارته وشطراً من الكرامات له وإحياء يوم الثلاثاء بزيارته، قال:

والبركات في هذا المشهد مشاهدة مرئية، والنفحات العائدة على زائريه غير خفية، وهي بصحة الدعوى ملية والأعمال بالنية، ولأبي الخطاب بن دحية في ذلك جزء لطيف مؤلف، واستفتي القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك، فقال: هذا مكان شريف وبركته ظاهرة والاعتقاد فيه خير، والسلام.

____________________

١- وفاء الوفا: ١/٦٩.

٦٤

وما أجدر هذا المشهد الشريف والضريح الأنور المنيف بقول القائل:

نفسي الفداء لمشهد أسراره من دونها ستر النبوة مسبكُ

ورواق عزّ فيه أشرف بقعة ظلّت تحار لها العقول وتذهلُ

تفضي لجبهته النواظر هيبة ويرد عنه طرفه المتأمل

حسدت مكانته النجوم فودّ لو أمسى يجاوره السماك الأعزل

وسما علوّاً أن تقبّلَ تربَهُ شفةٌ فأضحى بالجباه يقبّل

٦ - عمر بن عبد العزيز، الخليفة الاُموي - المتوفّى سنة ١٠١ هـ -:

قال الذهبي: قبره بدير سمعان يُزار(١) .

٧ - عليّ بن موسى الرّضا(عليهما السلام):

قال أبو بكر محمد بن المؤمل: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي، مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافدون إلى زيارة علي بن موسى الرضا بطوس. قال: فرأيت من تعظيمه - يعني ابن خزيمة - لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا(٢) .

كما وأخرج الخطيب البغدادي بإسناده عن أحمد بن جعفر ابن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال

____________________

١- تذكرة الحفّاظ: ١/١٢١.

٢- تهذيب التهذيب: ٧/٣٣٩.

٦٥

شيخ الحنابلة في عصره يقول: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب!(١) .

٨ - قال العلاّمة أحمد بن محمد المقري المالكي - المتوفّى سنة ١٠٤١ هـ - في فتح المتعال بصفة النعال، نقلاً عن ولي الدين العراقي، قال: أخبر الحافظ أبو سعيد بن العلا، قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر(٢) . وغيره من الحفّاظ: أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي(صلى الله عليه وآله) وتقبيل منبره، فقال:

لا بأس بذلك!

قال: فأرينا التقي ابن تيمية فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت من أحمد عندي جليل! هذا كلامه أو معنى كلامه. وقال: وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنّه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به(٣) .

وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم فما بالك بمقادير الصحابة! وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما أحسن

____________________

١- تاريخ بغداد: ١/١٢٠.

٢- هو الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل البغدادي - المتوفى سنة ٥٠٥ هـ - قال: ابن الجوزي في المنتظم: ١٨/١٠٣ رقم ٤٢٠١: كان حافظاً متقناً ثقة لا مغمز فيه.

٣- مناقب أحمد لابن الجوزي: ٦٠٩، البداية والنهاية لابن كثير: ١٠/٣٦٥ حوادث سنة ٢٤١ هـ.

٦٦

قول مجنون ليلى:

أمرُّ على الديار ديار ليلى اُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار(١)

قال القاضي عياض المالكي في الشفا: وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتنزيل وتردد بها جبرئيل وميكائيل، وعرجت منها الملائكة والروح، وضجّت عرصاتها بالتقديس والتسبيح، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر، وانتشر عنها من دين الله وسنّة نبيّه ما انتشر، مدارس وآيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات، ومناسك الدين ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين ومتبوئ خاتم النبيّين، حيث انفجرت النبوّة، وأين فاض عبابها، ومواطن مهبط الرسالة، وأوّل أرض مسّ جلد المصطفى ترابها، أن تعظم عرصاتها وتنسّم نفحاتها وتقبّل ربوعها وجدرانها(٢) ...

فهذه هي سيرة المسلمين خلفاً عن سلف، وهذه مواقف شيخ الحنابلة الذي يدّعي ابن تيمية وأتباعه أنهم تلاميذه في التبرّك بآثار الصالحين والأولياء، وليس لهم من حجة يحتجّون بها، سوى أن

____________________

١- فتح المتعال: ٣٢٩.

٢- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى: ٢/١٣١.

٦٧

ذلك التبرّك ربّما يقود إلى الشرك وتأليه الشخص المتبرّك به!

التمسّح بالمتبرّك به

أود أخيراً أن اختتم هذا البحث بالإشارة إلى موضوع يثير حوله البعض إشكالات يستهدفون بها تضليل المسلمين وحرفهم عن جادة الصواب بإثارة الشكوك في أنفسهم بغية التمكّن من التلاعب بعقائدهم وسوقهم إلى مقالاتهم التي ظاهرها برّاقة وباطنها جوفاء لا تقنع إنساناً له مسكة من عقل، ألا وهو موضوع المسح والتمسّح بالأشخاص والأشياء المتبرّك بهم.

قال العلياني - بعد أن ساق الكلام في فضل بعض الأمكنة:

فمن سكن في مكة أو المدينة أو الشام ملتمساً لبركات الله عزّ وجلّ في تلك البقاع سواء من زيادة أرزاقها أو دفع الفتن عنها، فقد وفق إلى خير كثير، أما لو تعدى العبد في طلب التبرّك كأن يتمسح بترابها وأحجارها وأشجارها، وكأن يضع تربتها في الماء للاستشفاء بها ونحو ذلك فإنّه مأزور غير مأجور، لأنه سلك في التبرّك مسلكاً لم يفعله رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يفعله الرعيل الأوّل(١)

وقال:وقد كان السلف الصالح ينهون عن تعظيمهم غاية النهي، كأنس والثوري وأحمد، وكان أحمد يقول: من أنا حتى تجيئون

____________________

١- التبرّك المشروع: ٤٢.

٦٨

إليّ! اذهبوا اكتبوا الحديث. وكان إذا سئل عن شيء يقول: سلوا العلماء! وإذا سئل عن شيء من الورع يقول: أنا لا يحل لي أن أتكلم في الورع، لو كان بشر حياً تكلّم في هذا.

وسئل مرّة عن الإخلاص فقال: اذهب إلى الزهّاد، أي شيء نحن حتى تجيء إلينا؟

وجاء إليه رجل فمسح يده على ثيابه ومسح بهما وجهه، فغضب الإمام أحمد وأنكر ذلك أشد الإنكار، وقال: عمّن أخذتم هذا الأمر(١) .

وهنا، أولاً: إن العلياني يفهم الأمور على غير وجهها، لأن عمل اُولئك الأئمة وإنكارهم تبرّك الناس بهم، لم يكن من باب إنكار التبرك نفسه، بل كان من باب التواضع - الذي هو دأب العلماء والصالحين - والإمام أحمد لم يتّهم الشخص الذي تبرّك به - كما يفعل الذين يدّعون أنّهم يأتمّون بهذا الإمام في تكفير المسلمين واتّهامهم بالشرك - لأن هؤلاء العلماء كانوا يعلمون جيداً بأن ذلك ليس من الشرك والضلال، بدليل أنّهم هم أنفسهم كانوا يتبرّكون بغيرهم من العلماء والأئمة الصالحين، بل وحتى التبرّك بقبورهم. كما مرّ بنا في المبحث السابق وفيهم أئمة أهل الحديث.

____________________

١- التبرّك المشروع: ٨٦.

٦٩

ولا ندري بأي دليل يحتج هؤلاء الجهّال على عدم مشروعية التمسح بالمتبرّك به؟ فليس لديهم من حديث ولا أثر يركن إليه ليثبت صحة دعواهم الفارغة، بينما تدلّ كل الآثار على خطل آرائهم.

لقد مرّ بنا فيما سبق أن الصحابة كانوا يمسكون رمانة منبر النبي(صلى الله عليه وآله) بميامنهم ثم يدعون، وأن ابن عمر الصحابي كان يمسح بيده على مكان جلوس النبي(صلى الله عليه وآله) من المنبر ثم يمسح بها وجهه، ومرّ بنا أيضاً أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يمسح على رؤوس أو أجسام الأشخاص ويدعو لهم، مما يدل على خصوصية في المسح، لأن دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) يكفي للإجابة، والروايات التي جاءت تتضمن هذا المعنى كثيرة جداً، نكتفي بالإشارة هنا إلى بعضها من أجل بيان وجه ذلك العمل وأهميته، وأعني المسح.

فعن عائشة: أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يعوّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول:(( اللّهم رب الناس، اذهب البأس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلاّ شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً...)) (١) .

وعنها أيضاً: أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يقول للمريض:(( بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربّنا)) (٢) .

____________________

١- صحيح البخاري: ٧/١٧٢.

٢- المصدر السابق.

٧٠

وقال السمهودي: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح، قال بإصبعه هكذا، ووضع سبابته بالأرض ثم رفعها وقال:(( بسم الله، تربة أرضنا بريق بعضنا يشفي سقيمنا بإذن الله)) (١) .

عن أبي حازم، أنّه قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال يوم الخيبر:((لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله)) . قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلّهم يرجو أن يعطاها، قال فقال:أين علي بن أبي طالب؟ فقال: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال:فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأنّ لم يكن به وجع فأعطاه الراية...(٢) .

إن هذا يوضح بعض الاُمور، منها: أن النبي(صلى الله عليه وآله) لم يكن يكتفي بالدعاء بل كان يمسح على العضو المريض أيضاً إذا كان للاستشفاء ويمسح على الرأس إذا كان للبركة، فلابد إذاً من خصوصية للمسح.

____________________

١- وفاء الوفا: ١/٦٩.

٢- مسند أحمد: ٥/٣٣٣، صحيح البخاري: ٤/٣٠ و ٢٠٧، مجمع الزوائع: ٦/١٥٠، باب غزوة خيبر، كتاب السنة لأبي عاصم: ٥٩٤، السنن الكبرى للنسائي: ٥/٤٦ و ١٠٨، كتاب المناقب، فضائل علي بن أبي طالب، مسند أبي يعلى: ١/٢٩١، المعجم الكبير للطبراني: ٦/١٥٢.

٧١

ومنها أيضاً: إننا وجدنا في الروايات المتقدمة أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يدعو للاستشفاء بالتربة، وفي الأخبار هذه ما يدل أيضاً على أمره بخلط التربة بالريق أيضاً لكي تتحقق البركة والشفاء بإذن الله، ممّا يدل على خصوصية معينة لتربة المدينة المنوّرة في جعلها سبباً للشفاء بإذن الله لما فيها من البركة التي اختصّها الله بها، والآثار النبوية في ذلك كثيرة نذكر منها قوله(صلى الله عليه وآله):

١ -((غبار المدينة شفاء من الجذام)) (١) .

٢ -((غبار المدينة يبرئ الجذام)) .

٣ -((غبار المدينة يطفئ الجذام)) .

٤ -((إنّ في غبارها شفاء من كل داء)) .

٥ -((والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة وإنّها شفاء من الجذام)) (٢) .

أفلا يدلّ ذلك على خصوصية أودعها الله تعالى في بعض الأماكن حتى صارت تربتها وغبارها شفاء من الأسقام المستعصية بإذن الله، وإذا كان خلط هذه التربة بالريق والاستشفاء بها من أمر النبي(صلى الله عليه وآله)، فكيف لا يجوز التبرّك بهذه التربة الشريفة إذاً، وما هي خصوصية الحجر الأسود، وبعض أركان الكعبة، حتى يتهافت المسلمون بالملايين على لمسها إقتداء

____________________

١- كنز العمال: ١٣/٢٠٥، وفاء الوفا: ١/٦٧.

٢- كنز العمال: ١٣/٢٠٥، وفاء الوفاء: ١/٦٧.

٧٢

بالنبي الكريم(صلى الله عليه وآله)، أوَ لا يكفي زيارة البيت دون لمس شيء منه إن كان ادعاء هؤلاء صحيحاً؟!

أوَليس معنى كل هذا أن لبعض الأماكن قدسية خاصة أودعها الله فيها، وأن البركة في تربتها وغبارها، فَلِمَ لا يجوز التمسّح بها وتقبيلها طلباً للبركة إذاً؟!

فيتبيّن من كل ذلك أن التبرك أمر قد أقرّه الشارع العظيم، وعمل به الأنبياء(عليهم السلام) ومنهم نبيّنا (عليه وعلى آله الصلاة والسلام)، ولم يأتنا أثر يثبت أن الله سبحانه وتعالى أو نبيّه(صلى الله عليه وآله) قد نهيا عن شيء من ذلك قط، فالمسلمون إذاً ظلّت سيرتهم منذ عهد النبي(صلى الله عليه وآله)على التبرّك به حياً، وبآثاره ميتاً، وتبرّك الصحابة بعضهم ببعض، وصلّوا في الأماكن التي صلّى فيها النبي(صلى الله عليه وآله) طلباً لبركتها، وظلّ ذلك دأب المسلمين جيلاً بعد جيل، يتلقون فيوضات البركات الإلهية دون أن يخامر عقائدهم شرك ولا ضلال، ودون أن يعمد أحدهم إلى تأليه شخص أو شيء متبرّك به، بل ظلّوا على مرّ القرون موحدين لله سبحانه وتعالى، معتقدين بأنه وحده القادر على كل شيء، وعلى إنزال البركات، وأنّ تبرّكهم بمخلوقاته ليس إلاّ من باب الحب لله والحب لمن يحبّهم ويحبّونه، ولا شيء غير ذلك ممّا يدّعيه الجهّال.

٧٣

التبرّك عند أهل البيت(عليهم السلام)

بعد أن أثبتنا في المباحث المتقدّمة، مشروعية التبرك عند جميع طوائف المسلمين، وإقرار النبي(صلى الله عليه وآله) له، وأبطلنا حجج القائلين بأن التبرك مختصّ بالنبي(صلى الله عليه وآله)، منتف عن غيره من هذه الاُمّة، وأثبتنا أن دأب الصحابة والتابعين الأخيار كان الاستمرار على هذا النهج في التبرك بآثار النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) وحتى بالصالحين من هذه الاُمّة.

لابد أن نورد بعض الأخبار حول التبرك عند أهل بيت النبوة(عليهم السلام) وحثّهم عليه وترغيبهم فيه:

تبركهم بقبر النبيّ(صلى الله عليه وآله)

١ - لما حانت وفاة الإمام الحسن بن علي(عليهما السلام)، أوصى إلى أخيه الحسين(عليه السلام)، فكان ممّا أوصاه به، أنّه قال:((فإذا قضيت نحبي فغمّضني وغسّلني وكفّني وأدخلني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)لأجدد به عهداً، ثم ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة (بنت أسد) رضي الله عنها فادفنّي هناك)) (١) .

____________________

١- بحار الأنوار: ٤٤ / ١٥٦.

٧٤

٢ - عن محمد بن مسعود، قال: رأيت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) انتهى إلى قبر النبي(صلى الله عليه وآله)، فوضع يده عليه(١) .

٣ - عن ابن فضال، قال: رأيت أبا الحسن(عليه السلام) وهو يريد أن يودع للخروج إلى العمرة، فأتى القبر من موضع رأس رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بعد المغرب، فسلّم على النبي(صلى الله عليه وآله)، ولزق بالقبر(٢) .

٤ - لمّا عزم الإمام الحسين(عليه السلام) الخروج من مكة - بعد موت معاوية - خرج من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدّه(صلى الله عليه وآله)، فقال:((السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك)) ، ثم جعل يبكي عند القبر، حتى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فأغفى(٣) ...

٥ - عن الرضا(عليه السلام)، قال:(( لما أردت الخروج من المدينة إلى خراسان، جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى أسمع بكاءهم، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت لهم: إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً، ثم أخذت أبا جعفر فأدخلته المسجد ووضعت يده على حافة القبر وألصقته به، واستحفظته برسول الله(صلى الله عليه وآله))) (٤) .

____________________

١- بحار الأنوار: ١٠٠/١٥٤.

٢- المصدر السابق: ١٥٧.

٣- بحار الأنوار: ٤٤/٣٢٨، الفتوح لابن أعثم: ٥/٢٦.

٤- الأنوار البهيّة: ١١٠.

٧٥

تبرّكهم بآثار بعضهم (عليهم السلام)

١ - عن سليمان بن خالد ومحمّد بن مسلم قالا: مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا إلى أبي عبد الله(عليه السلام) فجلسنا إليه وسألنا عن أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال:((إذا خرجتم فجزيتم الثويّة والقائم وصرتم من النجف على غلوة أو غلوتين، رأيتم ذكوات بيضاً بينها قبر قد جرفه السيل، ذاك قبر أمير المؤمنين(عليه السلام))) . قال: فغدونا من غد فجزنا الثويّة والقائم، وإذا ذكوات بيض فجئناها، فإذا القبر كما وصف قد جرفه السيل، فنزلنا فسلّمنا وصلّينا عنده ثم انصرفنا، فلمّا كان من الغد غدونا إلى أبي عبد الله(عليه السلام) فوصفنا له فقال:((أصبتم، أصاب الله بكم الرشاد)) (١) .

٢ - عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله(عليه السلام)، فمرّ بظهر قبر فنزل فصلّى ركعتين، ثم تقدم قليلاً فصلّى ركعتين، ثم سار قليلاً فنزل فصلّى ركعتين، ثم قال:((هذا موضع قبر أمير المؤمنين(عليه السلام))) ، قلت: جعلت فداك، فما الموضعين اللذين صلّيت فيهما؟ قال:(( موضع رأس الحسين(عليه السلام)، وموضع منبر القائم)) (٢) .

٣ - كان أهل البيت(عليهم السلام) يتبركون بحجر في بيت فاطمة(عليها السلام)، وعن علي بن موسى الرضا(عليه السلام) قال:((أنّه ولدت فاطمة(عليها السلام) الحسن والحسين على

____________________

١- بحار الأنوار: ١٠٠ / ٢٣٧.

٢- المصدر السابق: ١٠٠/٢٤١.

٧٦

ذلك الحجر، أو كانت فاطمة تصلّي إليها)) (١) .

التبرّك والاستشفاء بتربة الحسين(عليه السلام)

١ - عن أبي اليسع، قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع عن الغسل إذا أتى قبر الحسين(عليه السلام)، قال: أجعله قبلة إذا صلّيت؟ قال:((تنح هكذا ناحية)) . قال: آخذ من طين قبره ويكون عندي أطلب بركته؟ قال:(( نعم)) ، أو قال:((لا بأس بذلك)) (٢) .

٢ - عن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين(عليه السلام) فينتفع به ويأخذه غيره فلا يتنفع به، فقال:((لا والله، لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلاّ نفعه به)) (٣) .

٣ - عن الصادق(عليه السلام):((إن الله جعل تربة الحسين(عليه السلام) شفاءً من كل داء، وأماناً من كل خوف، فإذا أخذها أحدكم فليقبّلها وليضعها على عينه وليمرّها على جسده)) (٤) .

٤ - عن اليقطيني، قال: بعث إليّ أبو الحسن الرضا(عليه السلام) رزم ثياب وغلماناً - إلى أن قال -، فلمّا أردت أن اعتبئ الثياب رأيت في أضعاف الثياب طيناً، فقلت للرسول ما هذا؟ فقال: ليس توجّه بمتاع إلاّ جعل فيه طيناً من قبر الحسين(عليه السلام)، ثم قال الرسول:

____________________

١- وفاء الوفا للسمهودي: ١/٥٧٢.

٢- بحار الأنوار: ٨٣/٣٢٠.

٣- بحار الأنوار ١٠١/١١٩، الوسائل: ١٠/٤٠٩.

٤ - المصدر السابق.

٧٧

قال أبو الحسن(عليه السلام):((هو أمان بإذن الله)) (١) .

٥ - سأل رجل أبا عبد الله(عليه السلام)، قال: آخذ من طين قبر الحسين يكون عندي أطلب بركتة؟ قال:((لا بأس بذلك)) (٢) .

٦ - إن الصادق(عليه السلام) مرض فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيراً يدعو عند قبر الحسين(عليه السلام)، فوجدوا رجلاً فقالوا له ذلك، فقال: أنا أمضي، ولكن الحسين إمام مفترض الطاعة، وهو إمام مفترض الطاعة! فرجعوا إلى الصادق(عليه السلام) وأخبروه، فقال:((هو كما قال، ولكن ما عرف أن لله بقاعاً يستجاب فيها الدعاء، فتلك البقعة من تلك البقاع)) (٣) .

٧ - عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال:((ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسّده بالتراب، أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين(عليه السلام) ولا يضعها تحت رأسه)) (٤) .

٨ - كان لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، فكان إذا حضرت الصلاة صبّه على سجادة وسجد عليه، ثم قال:((السجود على تربة الحسين(عليه السلام) يخرق

____________________

١- الاستبصار ٣:٢٧٩.

٢- الوسائل: ١٠/٤١٥، البحار: ١٠١/١٢٥.

٣- الوسائل: ١٠/٤٢١ - ٤٢٢.

٤- بحار الأنوار: ١٠١/١٣٦.

٧٨

الحجب السبع)) (١) .

٩ - عن الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام)، قال:((إن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت(عليها السلام) تديرها بيدها، تكبّر وتسبّح، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعملت تربته وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلمّا قتل الحسين (صلوات الله عليه)، عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته لما فيه من الفضل والمزية)) (٢) .

١٠ - سُئل أبا عبد الله(عليه السلام) عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة وقبر الحسين(عليه السلام)، والتفاضل بينهما، فقال(عليه السلام):((السبحة التي هي من طين قبر الحسين(عليه السلام) تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح)) (٣) .

١١ - عن الصادق(عليه السلام):((من أدار الحجير من تربة الحسين(عليه السلام) فاستغفر مرة واحدة كتب الله له سبعين مرة، وإن مسك السبحة ولم يسبّح بها، ففي كل حبة منها سبع مرات)) (٤) .

١٢ - عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد(عليهما السلام) يقولان:((إن الله عوّض الحسين(عليه السلام) من قتله أن الإمامة في ذريته

____________________

١- بحار الأنوار: ١٠١/١٣٥.

٢- بحار الأنوار: ١٠١/١٣٣.

٣- المصدر السابق.

٤- المصدر السابق: ١٠١/١٣٦.

٧٩

والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره)) (١) .

١٣ - عن ابن عباس، عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه أخبره بقتل الحسين(عليه السلام)إلى أن قال:((ألا وإن الإجابة تحت قبّته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده)) (٢) .

١٤ - عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّي رجل كثير العلل والأمراض وما تركت دواء إلاّ تداويت به، فقال لي:((أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي(عليهما السلام)، فإنّ فيه شفاء من كل داء، وأمناً من كل خوف، فإذا أخذته فقل هذا الكلام (اللهمّ إنّي أسألك بحق هذه الطينة، وبحق الملك الذي أخذها، وبحق النبي الذي قبضها، وبحق الوصي الذي حلّ فيها، صلّ على محمّد وآل محمد وأهل بيته، وافعل بي كذا وكذا))) (٣) .

١٥ - عن محمّد بن مسلم: أنه كان مريضاً، فبعث إليه أبو عبد الله(عليه السلام) بشراب فشربه، فكأنّما نشط من عقال، فدخل عليه فقال:(( كيف وجدت الشراب)) ؟ فقال: لقد كنت آيساً من نفسي فشربته فأقبلت إليك فكأنّما نشطت من عقال. فقال:(( يا محمد، إن الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور آبائي، وهو أفضل ما نستشفي به فلا تعدل به، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى منه كل خير)) (٤) .

____________________

١- الوسائل: ١٠/٣٢٩.

٢- الوسائل: ١٠/٣٥٢، كفاية الأثر للخزاز: ٢٩٠.

٣- بحار الأنوار: ١٠١/١١٨.

٤- بحار الأنوار: ١٠١/١١٨.

٨٠