المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114276 / تحميل: 7350
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

١٦١

كتاب الاطعمة والاشربة كتاب الاطعمة (القسم الاول) في حيوان البحر

ولا يؤكل منه الا سمك له فلس، ولو زال عنه كالكنعت.ويؤكل الربيثا، والاربيان، والطمر، والطبراني، والايلامي. ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع، ولا السرطان.

مقدمة

الاصل في معرفة ما يحل اكله: ان المأكول لا يخلو اما ان يكون من الحيوان أو من غيره، وكلاهما يرجع فيه إلى الشرع، فما اباحه فهو حلال وما حرمه فهو حرام، وما لم يكن له في الشرع ذكر وهو من الحيوان حي، فهو حرام، لان ذبح الحيوان محظور إلا بالشرع.وان لم يكن حيا، أو كان من غير الحيوان، فان علم اشتماله على مضرة الجسد كان حراما، وان لم يعلم أو علم النفع كان مباحا، لان الاصل في الاشياء كونها قبل ورود الشرع على الاباحة على المذهب المحقق عند

١٦٢

[الاصوليين(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي(٢) .

ومن قال: بان الاصل فيها الحظر، أو قال بالوقف يلزم التحريم(٣) .

تذنيب

ويلحق بالمحلل في الجملة ما كان مستطابا.

ويحرم ما كان خبيثا، لقوله تعالى: (يسألونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات)(٤) وقال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الامي - إلى قوله - ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث(٥) .

ومن هذا تحريم الابوال، لاستخباثها وان كانت طاهرة، وكذا المشيمة والفرج، فالطيب اذن ما استطابته النفس وكان خاليا عن الضرر كالسمومات، والخبيث ما نفرت منه واستقذرته كالدم والفرث.

والحاصل: ان اسم الطيب تقع على اربعة انحاء].

____________________

(١)و(٣) الحظر او الاباحة في الافعال من المسائل الاصولية المتنازع فيه بين الاصوليين من العامة والخاصة، فلاحظ المستصفى للغزالي: ج ١ ص ٦٣ قال: مسألة ذهب جماعة من المعتزلة إلى ان الافعال قبل ورود الشرع على الاباحة، وقال بعضهم على الحظر الخ. وفي الفصول في الاصول، فصل ينقسم الفعل عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين إلى ما يستقل العقل بادراك حسنه أو قبحه والى ما لا يستقل قال: واما ما لا يستقل العقل بادراك حسنه ولا قبحه، فقد اختلف القائلون إلى قوله: في حكمه قبل ورود الشرع فذهب الاكثرون إلى الاباحة وآخرون إلى الحظر الخ.

(٢)من لا يحضره الفقيه: ج ١(٤٥) باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ص ٢٠٨ الحديث٢٢.

(٤)سورة المائدة / ٤.

(٥)سورة الاعراف / ١٥٧.

١٦٣

[(أ) الحلال: قال تعالى: (كلوا من الطيبات)(١) أي من الحلال.

(ب) الطاهر: قال تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا)(٢) أي طاهرا.

(ج) ما لا اذى فيه، كالزمان الذي لا حر فيه ولا برد، يقال: هذا زمان طيب ومكان طيب.

(د) ما تستطيبه النفس ولا تنفر منه، كقوله تعالى: (يسألونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات)(٣) وليس المراد منه الحلال لعدم الفائدة في الجواب حينئذ لانهم سألوه ان يبين لهم الحلال، فلا تقول في الجواب: الحلال هو الحلال، ولا الطاهر لان الطاهر انما يعرف شرعا وتوقيفا، ولا ما لا اذى فيه، لان المأكول لا يوصف به. فتعين ان يكون المراد ردهم إلى ما يستطيبونه ولا يستخبثونه، فردهم إلى عادتهم وماهو مقرر في نفوسهم وطباعهم.

قال الشيخرحمه‌الله : وهذا قريب غير انه لا يمتنع ان يقال: المراد ما لا اذى فيه من المباح الذي ليس بمحرم، فكانهم لما سألوه عن الحلال، قال: هو ما لا يستحق بتناوله العقاب، وذلك عام في جميع المباحات، سواء علمنا ذلك عقلا او شرعا، قال: ومن اعتبر العرف والعادة ردهم إلى عرف اهل الريف والمكنة وحالة الاختيار، دون اهل البوادي وذوي الاضطرار من جفاة العرب، كما سئل بعضهم عما يأكلون؟ قال: كلما دب ودرج إلا ام حبين(٤) وقال بعضهم: لتهن ام حبين]

____________________

(١)سورة المؤمنون / ٥١.

(٢)سورة النساء / ٤٣.

(٣)سورة المائدة / ٤.

(٤)ام حبين بحاء مهملة مضمومة وباء موحدة مفتوحة مخففة دويبة مثل ابن عرس وسام ابرص. وانما سميت بذلك من الحبن، تقول: فلان به حبن أي مستسقي فشبهت بذلك لكبر بطنها، وقال ابن السكيت: هى اعرض من العظاء‌ة (ذكرها الدميري في مواضع من كتاب حياة الحيوان لاحظ ج ١ باب الحاء المهملة ص ٢٤١ في ام حبين وج ٢ باب العين المهملة ص ٩٨ في العظاء‌ة وغيرهما.

١٦٤

[العافية تأمن ان تطلب وتذبح وتؤكل(١) .

تنبيه

هذا في حالة الاختيار، واما في حالة الضرورة فيباح جميع المحرمات، لقوله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم اليه)(٢) وقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه)(٣) .

ولا يختص التحريم نوعا من المحرمات، بل يباح الميتة والخمر لدفع العطش المؤدى إلى التلف، ويقتصر على سد الرمق.وكذا يجوز لاساغة اللقمة اذا لم يجد سوى الخمر.أما التداوي بالخمر، أو بشئ من المسكرات، أو المحرمات فلا يجوز، فيحل تناول الخمر لطلب السلامة في صورة دفع الهلاك، ولا يجوز لطلب الصحة في دفع الامراض.

لحسنة عمر بن اذينة قال: كتبت إلى الصادقعليه‌السلام أسأله عن رجل يبعث له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة وانما يريد به الدواء، فقال: لا، ولا جرعة، ثم قال: ان الله عزوجل لم يجعل في شئ مما حرم شفاء ولا دواء(٤) ].

____________________

(١)المبسوط: ج ٦ كتاب الاطعمة ص ٢٧٩ س ٧ اقول: بل جل المطالب من اول كتاب الاطعمة مأخوذ من المبسوط فلاحظ.

(٢)سورة الانعام / ١١٩.

(٣)سورة البقرة / ١٧٣.

(٤)الكافي: ج ٦ كتاب الاشربة باب من اضطر إلى الخمر للدواء، او للعطش، او للتقية ص ٤١٣ الحديث ٢.

١٦٥

[وهل يجوز التداوي به للعين؟ منع منه ابن ادريس(١) والشيخ في احد قوليه(٢) واجازه في الآخر(٣) واختاره المصنف(٤) والعلامة(٥) .

احتج الاولون برواية معاوية بن عمار قال: سأل رجل الصادقعليه‌السلام عن دواء عجن بالخمر نكتحل منها، فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : ما جعل الله عزوجل في حرام شفاء(٦) .

وعنهعليه‌السلام : من اكتحل بميل من مسكر كحله الله بميل من نار(٧) .

احتج الآخرون برواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادقعليه‌السلام في رجل اشتكى عينه، فنعت له كحل يعجن بالخمر فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة، فان كان مضطرا فليكتحل به(٨) ].

____________________

(١)السرائر: كتاب الاطعمة والاشربة، ص ٣٧٢ س ٣ قال: فان اضطر اليه للتداوي أو الجوع فلا يجوز له تناوله بحال لا للتداوي للعين ولا لغيرها.

(٢)المبسوط: ج ٦ كتاب الاطعمة ص ٢٨٨ س ٨ قال: فان لم يجد إلا خمرا إلى قوله: سواء كان مضطرا إلى الاكل والشرب أو التداري وفي كتاب الخلاف، كتاب الاطعمة، مسألة ٢٧ قال: اذا اضطر إلى شرب الخمر إلى قوله: او التداوي فالظاهر انه لا يستبيحها أصلا الخ.

(٣)النهاية باب الاشربة المحظورة والمباحة ص ٥٩٢ س ٢ قال: فان اضطر إلى ذلك جاز ان يتداوى به للعين.

(٤)الشرائع: ومن اللواحق النظر إلى حال الاضطرار، قال: ويجوز عند الضرورة ان يتداوى بها للعين.

(٥)القواعد: في الاطعمة والاشربة ص ١٦٠ س ١ قال: ويجوز عند الضرورة ان يتداوى به للعين.

(٦)الكافي: ج ٦ كتاب الاشربة، باب من اضطر إلى الخمر للدواء او للعطش، أو للتقية ص ٤١٤ الحديث ٦.

(٧)الكافي: ج ٦ كتاب الاشربة، باب من اضطر إلى الخمر للدواء ص ٤١٤ الحديث ٧.

(٨)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ١١٤ الحديث ٢٢٨.

١٦٦

وفي الجري روايتان: اشهرهما التحريم.وفي الزمار، والمارماهي، والزهو روايتان.؟

أشهرهما: الكراهية.

[وكذا نقول: في المريض اذا تيقن التلف لولا التداوي بها جاز اذا كان لدفع التلف، لا لطلب الصحة، قاله القاضي(١) واختاره العلامة(٢) ومنع الشيخ(٣) وابن ادريس(٤) قال القاضي: والاحوط تركه(٥) .

ولو اضطر إلى بول وخمر يتناول البول، لان الخمر افحش، لاسكاره، ووجوب الحد به. اما التداوي ببول الابل فجائز اجماعا، وفي غيرها من الطاهرة على الاصح.

قال طاب ثراه: وفي الجري روايتان، اشهرهما التحريم، وفي الزمار والمارماهي والزهو روايتان: اشهرهما الكراهية.

أقول: ذهب الشيخ في موضع من النهاية إلى ان المارماهي والزمار والزهو مكروه شديد الكراهية، وان لم يكن محظورا(٦) وتبعه القاضي(٧) ].

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب الاشربة ص ٤٣٣ س ١٦ قال: ومن خاف على نفسه من العطش جاز له ان يشرب من الخمر مقدار ما يمسك رمقه واذا كان في الدواء إلى قوله: والاحوط له تركه.

(٢)المختلف: ج ٢ في الاطعمة والاشربة ص ١٣٥ س ٢٥ قال: والمعتمد جواز شربه عند خوف التلف من العطش والمرض الخ.

(٣)النهاية: باب الاشربة المحظورة ص ٥٩٢ س ٣ قال: ولا يجوز له ان يشربه على حال.

(٤)السرائر: باب الاطعمة والاشربة ص ٣٧٢ س ٤ قال: فتحريمها معلوم من دين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحليلها يحتاج إلى دليل.

(٥)قد مر نقله آنفا.

(٦)النهاية: باب ما يستباح اكله من سائر أجناس الحيوان وما لا يستباح ص ٥٧٦ س ٧ قال: واما المارماهي إلى قوله: وان لم يكن محظورا.

(٧)المهذب: ج ٢ باب الصيد والذبائح ص ٤٣٨ س ١٩ قال: واما المكروه إلى قوله: والمارماهي والزهو والزمار.

١٦٧

[وذهب في الخلاف، وباب الحد من النهاية إلى تحريمها ووجوب القتل على مستحلها(١)(٢) وبالتحريم قال المفيد(٣) وتلميذه(٤) والسيد(٥) وابن ادريس(٦) والصدوق(٧) والقديمان(٨)(٩) قال أبوعلي: ولا يؤكل من السمك الجري والمارماهي والزمار، وما لا قشر له، وما ليس ذنبه مستويا(١٠) واختار المصنف الكراهة فيما عدى الجري والتحريم فيه(١١) واختار العلامة التحريم في الكل(١٢) .

احتج الاولون بصحيحة زرارة عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن الجريث].

____________________

(١)كتاب الخلاف: كتاب الصيد والذبائح مسألة ٣١ قال: فاما غيره مثل المارماهي والزمير إلى قوله: فان جميع ذلك لا يحل اكله بحال.

(٢)النهاية: باب الحد في شرب المسكر والمأكل المحظورة ص ٧١٣ س ١٧ قال: ويغرر آكل الجري والمارماهي إلى قوله: فان استحل شيئا من ذلك وجب عليه القتل.

(٣)المقنعة: باب الصيد والرماية ص ٨٩ س ٣ قال: ويجتنب الجري والزمار والمارماهي.

(٤)المراسم: ذكر الصيد والذبائح ص ٢٠٧ س ٣: والسمك على ضربين الجري والزمير والمارماهي إلى قوله: فالاول كله حرام.

(٥)الانتصار: (مسائل الصيد) ص ١٨٦ قال: مسألة ومما انفردت به الامامية تحريم إلى قوله: الجري والمارماهي والزمار.

(٦)السرائر: باب ما يستباح اكله ص ٣٦٦ س ١٧ قال: وكذلك لا يجوز اكل المارماهي ولا الزمار ولا الزهو بالزاء المعجمة لانه لا قشر له.

(٧)المقنع: باب الصيد والذبائح ص ١٤٢ س ٧ قال: ولا تأكل الجري ولا المارماهي ولا الزمير.

(٨)و(٩) و(١٠) المختلف: ج ٢، الفصل الثاني فيما يباح اكله ص ١٢٥ س ٢٣ و ٢٤ قال: وقال ابن أبي عقيل: وحرام بيع شئ من الجري والمارماهي والزمار، وقال ابن الجنيد: ولا يؤكل من السمك الجري ولا المارماهي والزمار وما لا قشر له وما ليس ذنبه مستويا.

(١١)لاحظ عبارة النافع.

(١٢)المختلف: ج ٢، الفصل الثاني فيما يباح اكله ص ١٢٥ س ٣٩ قال: والحق تحريمه (أي الجري) إلى ان قال: والاولى في الزمار والمارماهي والزهو التحريم الخ.

١٦٨

[فقال: وما الجريث؟ فنعته له، فقال: لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه إلا ان يكون ميتة، إلى اخر الاية(١) ثم قال: لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه، ويكره كل شئ من البحر ليس له قشر مثل الورق، وليس بحرام انما هو مكروه(٢) .ومثلها صحيحة محمد بن مسلم(٣) .وبأصالة الصحة.

احتج المانعون برواية سمرة بن أبي سعيد قال: خرج امير المؤمنين على بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجنا معه نمشي حتى انتهينا إلى موضع اصحاب السمك، فجمعهم، فقال: أتدرون لاي شئ جمعتكم؟ قالوا: لا، قال: لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء، ولا تبيعوه(٤) .

وروى ابن فضال عن غير واحد من اصحابنا عن الصادقعليه‌السلام قال: الجري والمارماهي والطافي حرام في كتاب عليعليه‌السلام (٥) . وبالاحتياط، وبانه قول اكثر علمائنا. والجواب عن روايات الاباحة، حملها على التقية.

تفسير: (الجري): بكسر الجيم والراء المهملة المشددة المكسورة، ويقال: (الجريث): بكسر الجيم والراء المشددة، والياء المثناة من تحت والثاء المثلثة، (والزمار): بكسر]

____________________

(١)سورة الانعام / ١٤٥.

(٢)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذكاة ص ٥ الحديث ١٥.

(٣)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذكاة ص ٦ الحديث ١٦.

(٤)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذكاة ص ٥ الحديث ١١.

(٥)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذكاة ص ٥ الحديث ١٢.

١٦٩

ولو وجد في جوف سمكة سمكة اخرى، حلت ان كانت مما يؤكل، ولو قذفت الحية سمكة تضطرب، فهي حلال ان لم يتسلخ فلوسها. ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

[الزاء المعجمة، والميم المشددة، والراء المهلمة بعد الالف.

(والكنعت): بالكاف والنون قبل العين المهملة والتاء المثناة من فوق، ويقال: (الكنعد) بالدال المهملة، ضرب من السمك له فلس ضعيف، ويحك بالرمل لحرارته فيذهب منه.

(والربيثا) بالراء المهملة والباء المكسورة المنقطة بواحدة، والياء المثناة من تحت، والثاء المثلثة المفتوحة، والالف المقصورة، ضرب من السمك له فلس لطيف.

(والاربيان) بكسر الهمزة وكسر الباء الموحدة، والتاء المثناة من تحت قبل الالف والنون اخيرا ضرب من السمك بيض كالدود يكون بالبصره (والطمر) بكسر الطاء المهملة والميم الساكنه والراء المهملة، (والطبراني) بالطاء المهملة المفتوحة، والباء المفتوحة الموحدة، والراء المهملة المفتوحة والنون المكسورة بعد الالف، (والابلامي) بكسر الهمزة، وسكون الباء الموحدة واللام المفتوحة والميم المسكورة بعد الالف، (والسلحفاة) بضم السين المهملة واللام والحاء المهملة الساكنة والفاء المفتوحة والهاء بعد الالف.

قال طاب ثراه: ولو وجد في جوف سمكة، سمكة اخرى، حلت ان كانت مما يؤكل. ولو قذفت الحية سمكة تضطرب، فهي حلال ان لم يتسلخ فلوسها.

مسئلتان (الاولى) اذا شق جوف سمكة فوجد فيها اخرى

قال في النهاية: حلت اذا كانت من جنس ما يحل اكلها ولم تتسلخ، ولا يحل لو تسلخت(١) وقال الفقيه:]

____________________

(١)النهاية: باب ما يستباح اكله من سائر اجناس الحيوان وما لا يستباح ص ٥٧٦ س ١٣ قال: جاز اكلها إلى قوله: وان كانت قد تسلخت لم يجز اكلها على حال.

١٧٠

والمفيد حلت ان كانت ذات فلوس وان لم يكن لها فلوس لم يؤكل(١) (٢) ولم يشترطا عدم التسلخ.

ومنع ابن ادريس من اكلها الا اذا خرجت حية(٣) .

احتج الشيخ بما رواه السكوني بالموثق عن الصادقعليه‌السلام : ان عليا سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة اخرى قال: كلهما جميعا(٤) .

ومثلها رواية ابان عن بعض اصحابه عن الصادقعليه‌السلام قال: تؤكلان جميعا(٥) .

وبالاستصحاب الدال على بقاء الحياة واستمرارها إلى حين اخراجها، قال المصنف في الشرائع: وبهذا روايتان طريق احدهما السكوني، والاخرى مرسلة، ومن المتأخرين من منع، استنادا إلى عدم اليقين بخروجها من الماء حية وربما كانت الرواية ارجح، استصحابا لحال الحياة(٦) .

وكذا العلامة في المختلف مال إلى ترجيح الرواية، قال: وقول الشيخ ليس بعيدا من الصواب لعموم قوله تعالى: (واحل لكم صيد البحر وطعامه)(٧) ثم اورد

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الصيد وتوابعه ص ١٢٦ س ٦ قال: وقال الشيخ علي بن بابوية: إلى قوله: وان لم يكن لها فلوس لم يؤكل.

(٢)المقنعة: باب الصيد والرماية ص ٨٩ س ٤ قال: وان صيدت سمكة إلى قوله: وان لم تكن ذات فلوس لم تؤكل.

(٣)السرائر: باب ما يستباح اكله ص ٣٦٦ س ٢٦ قال: والذي يقتضيه المذهب انه ان كانت الموجودة حية فانها يؤكل.

(٤)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذبائح ص ٨ الحديث ٢٥.

(٥)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذبائح ص ٨ الحديث ٢٦.

(٦)الشرائع: كتاب الاطعمة والاشربة، في حيوان البحر قال: وبهذا روايتان الخ.

(٧)سورة المائدة / ٩٦.

١٧١

الروايتين واختار ما اختاره ابن ادريس اخيرا، قال: لعدم تيقن الاخراج من الماء حية مع انه مناط التحليل(١) .

احتج ابن ادريس بان الشرط في اباحته ذكاته باخراجه من الماء حيا، وهذا الشرط غير معلوم، فلا يباح اكلها(٢) واختاره فخر المحققين لان وجود المشروط بدون الشرط محال والا لم يكن الشرط شرطا هذا خلف(٣) .

والحاصل: أن منشأ الخلاف أن شرط حل السمك أخذه حيا، ولا شك أن هذه السمكة أحلتها الحياة وقتا ما، والاصل البقاء إلى الاخذ، فيكون شرط التذكية موجود، لانتفاء العلم بالمانع. ومن حيث أن الشرط هو حياتها حالة الاخذ، وهو مجهول، ومع الجهل بالشرط يستحيل الجزم بالمشروط.

(الثانية) لو قذفت الحية سمكة

قال في النهاية: حلت ان لم تتسلخ(٤) وحرمها ابن ادريس(٥) الا ان تقذفها والسمكة تضطرب، قال المصنف في الشرائع:

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الصيد وتوابعه ص ١٢٦ س ٨ قال: وقول الشيخ ليس بعيدا من الصواب إلى قوله: مع انه مناط التحليل.

(٢)السرائر: باب ما يستباح اكله ص ٣٦٦ س ٢٩ قال: والاولى ان يقال: ان كانت السمكة الموجودة في جوف الحية حية فانها تؤكل الخ وقال في المختلف ص ١٢٦ س ٧: ومنع ابن ادريس اكل المخرجة من جوف السمكة أو الحية الا اذا خرجت حية الخ ومن هنا يظهر ان فتواه خروج السمكة حية سواء كان من جوف السمكة أو الحية.

(٣)الايضاح: ج ٤ في الاطعمة والاشربة ص ١٤٤ س ١٨ قال: والاقوى عندي قول ابن ادريس، لان وجود الشرط الخ.

(٤)النهاية: باب ما يستباح اكله من سائر اجناس الحيوان وما لا يستباح ص ٥٧٦ س ١٤ قال: فان كانت على هيئتها لم تتسلخ لم يكن باس باكلها.

(٥)تقدم تحت رقم(٣).

١٧٢

ولو اختلط الحي منهما بالميت حل والاجتناب احوط. ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة. وبيض السمك المحرم مثله، ولو اشتبه أكل منه الخشن، لا الاملس. وينبغي اعتبار اخذها باليد لتحقق الذكاة(١) واختاره العلامة(٢) وفخر المحققين(٣) .

احتج الشيخ بما رواه صالح بن اعين عن الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثم طرحتها وهي حية تضطرب: آكلها؟ فقال: ان كان فلوسها قد تسلخت فلا تأكلها وان لم يكن تسلخت فكلها(٤) . واجيب بالقول بموجبها، وليس فيها دلالة على مطلوب الشيخ، فانها نطقت بكونها القتها وهي حية ولم يذكر فيها اخراجها ميتة، ولا الاعم الشامل للقسمين، كالاخراج في الجملة، بل قيدت اخراجها حية تضطرب. وهل يشترط امساكها بعد ذلك باليد، أو الآلة، أو موته خارج الماء في الجملة؟ وقد تقدم البحث فيه.

قال طاب ثراه: ولو اختلط الحي منهما بالميث حل والاجتناب احوط.

أقول: اذا نصب في الحظيرة، وهو الماء المحصور بمسناة أو ما اشبهها، أو البركة شبكة وخرج فيها سمك فان كان حيا حل قطعا، وان كان ميتا حرم، لانه مات فيما فيه حياته.

____________________

(١)الشرائع: في حيوان البحر قال: ولو اعتبر مع ذلك اخذها حية ليتحقق الذكاة كان حسنا.

(٢)القوعد: ج ٢ (الاول) ص ١٥٦ س ٣ قال: والوجه التحريم الا ان ياخذها حيا.

(٣)الايضاح: ج ٤ ص ١٤٥ س ٨ قال: والاصح اختيار المصنف هنا وهو التحريم.

(٤)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذكاة ص ٨ الحديث ٢٧ والحديث عن صالح بن اعين عن الوشاء.

١٧٣

وان اختلط الحي فيها بالميت، هل يجب اجتناب الجميع، أو يحل الجميع؟ قيل فيه قولان: (الحل) لخمسة أوجه.

(أ) الاصل، فان مقتضاه الاباحة.

(ب) عموم قوله تعالى: احل لكم صيد البحر وطعامه(١) .

(ج) قولهعليه‌السلام : لا يحرم الحرام الحلال(٢) .

(د) رواية حماد بن عثمان عن الحلبي قال: سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان تدخل فيها الحيتان، فيموت فيها بعضها قال: لا بأس به، ان تلك الحظيرة انما جعلت ليصطاد فيها(٣) .

ومثله رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعت أبي يقول: اذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما اصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال(٤) .

____________________

(١)سورة المائدة / ٩٦.

(٢)التهذيب: ج ٧(٢٥) باب من احل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ص ٢٨٣ الحديث ٣٤ وج ٧، ايضا(٢٨) باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في نكاحها.

وفيه نقل الحديث بعبارات شتى، لاحظ ص ٣٢٨ الحديث ٨ وفيه: (ان الحرام لا يفسد الحلال) وحديث ٩ وفيه: (ان الحرام لا يحرم الحلال) وص ٣٢٩ الحديث ١٢ وفيه: (ان الحرام لا يفسد الحلال) وحديث ١٣ وفيه (ما حرم حرام حلالا قط) وص ٣٣٠ الحديث ١٦ وفيه (لا يحرم الحلال الحرام) وحديث ١٧ وفيه ما حرم حرام قط حلالا) إلى غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع.

ومن طريق العامة.

سنن ابن ماجة ج ١ كتاب النكاح ص ٦٤٩(٦٣) باب لا يحرم الحرام الحلال، الحديث ٢٠١٥.

ولاحظ عوالي اللئالي: ج ٢ ص ٢٧٢ الحديث ٣١ وج ٣ ص ٣٣٠ الحديث ٢٠٩ وأيضا ص ٤٦٥ الحديث ١٣.

(٣)الكافي: ج ٦ باب صيد السمك ص ٢١٧ قطعة من حديث ٩.

(٤)الكافي: ج ٦ باب صيد السمك ص ٢١٨ قطعة من حديث ١٥.

١٧٤

(ه‍) رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كل شئ يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام بعينه، فتدعه(١) .

وهو اختيار الشيخ في النهاية(٢) . والآخر التحريم، لوجوه.

(أ) الاصل تحريم الحيوان حتى يعلم ذكاته، والعلم مفقود هنا.

(ب) الاحتياط.

(ج) قولهعليه‌السلام : ما اجتمع الحلال والحرام الا وغلب الحرام الحلال(٣) .

وهو اختيار ابن ادريس(٤) وظاهر المصنف هنا(٥) وفي الشرائع(٦) .

فروع

(الاول) لو صيد فاعيد في الماء فمات فيه، كان طافيا وحرم اكله، وان كان في الآلة كما يجعل في الزناق(٧) لانه مات فيما فيه حياته.

____________________

(١)من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٩٦) باب الصيد والذبائح ص ٢١٦ الحديث ٩٢ وفي التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٧٩ الحديث ٧٢.

(٢)النهاية: باب الصيد وأحكامه ص ٥٧٨ س ١٣ قال: واذا نصب الانسان شبكة في الماء إلى قوله: جاز اكل جميعه وان كان يغلب على ظنه ان بعضه مات في الماء.

(٣)السنن الكبرى للبيهقي: ج ٧ باب الزنا لا يحرم الحلال ص ١٦٩ س ١٧ والحديث عن ابن مسعود، ولاحظ أيضا عوالي اللئالي: ج ٢ ص ١٣٢ الحديث ٣٥٨ وج ٣ ص ٤٦٦ الحديث ١٧.

(٤)السرائر: كتاب الصيد والذبائح ص ٣٦٤ س ٢٣ قال: وتحرير ذلك ان الانسان متى نصب شبكة ووقع فيها السمك واخذ منها ماهو حي فانه حلاله، وان اخذه وهو ميت فلا يجوز أكله بحال.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)الشرائع: في حيوان البحر، قال: ولا يؤكل الطافي إلى قوله: وكذا ما يموت في شبكة الصائد في الماء او في حظيرته.

(٧)الزنقة: السكة الضيقة، والزناق من الحلى المنخنقة (الصحاح لغة زنق).

١٧٥

(القسم الثاني): في البهائم

ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر، وكراهية البغل اشد. ويحرم الجلال منها على الاصح، وهو ما يأكل عذرة الانسان محضا. ويحل مع الاستبراء، بان يربط ويطعم العلف، وفي كمية اختلاف محصله: استبراء الناقة باربعين يوما، والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

(الثاني) لو ضرب السمكة وهي في الماء بآلة كالفالة(١) ، أو صيرها غير مستقرة الحياة في الماء، لم يحل، وكذا لو اخرج منها على الآلة قطعة، كانت حراما.

(الثالث) لو اخرج السمكة حية والقاها في قدر مملوة من الماء وهي تغلي على النار فماتت فيها حرمت، لانها ماتت في الماء.

(الرابع) لو القاها وهي حية في حب من الخل أو غيره من المائعات غير الماء كالزيت حتى ماتت فيه، لم يحرم، لانه ليس بماء ولا يعيش فيه، فلم تمت فيما فيه حياتها.

(الخامس) لو قطع منها قطعة بعد خروجها ثم وقعت في الماء وهي مستقرة الحياة، كان ما قطعه منها حلالا، لانه اخذ منها بعد الحكم بتذكيتها.

(السادس) هل يجوز اكله حيا؟ الاقرب ذلك، لكنه يحرم من حيث الضرر لانه يسرع السل.

قال طاب ثراه: ويحرم الجلال منها على الاصح إلى آخره.

أقول: البحث هنا يقع في ثلاث مقامات.

(المقام الاول) في تحريم الجلال

وهو المشهور بين الاصحاب قاله

____________________

(١)آلة على شكل الرمح لها رأس محدد، تستعمل في صيد السمك.

١٧٦

الخمسة(١) (٢) (٣) (٤) (٥) والتقي(٦) وابن حمزة(٧) والقاضي(٨) وابن ادريس(٩) والمصنف(١٠) والعلامة(١١) .

وقال أبو علي: انه مكروه اكله وشرب لبنه والركوب عليه(١٢) .

(المقام الثاني) ما به يحصل الجلل

وهو ان تغتذي عذرة الانسان محضا دون غيرها

____________________

(١)النهاية: باب ما يستباح اكله من سائر اجناس الحيوان وما لا يستباح ص ٥٧٤ س ٨ قال: فاما حيوان الحضر إلى قوله: إلا ما كان منه جلالا.

(٢)المقنعة: باب تطهيير الثياب وغيرها من النجاسات ص ١٠ س ١٦ قال: ويغسل الثوب ايضا من عرق الابل الجلالة اذا اصابه كما يغسل من سائر النجاسات.

(٣)المقنع: باب الصيد والذبائح ص ١٤١ س ١٦ قال في نقل حديث: وقال لا تشرب من لبن الابل الجلالة وان اصابك شئ من عرقها فاغسله.

(٤)المختلف: ج ٢، الفصل الثاني فيما يباح اكله من الحيوان ص ١٢٤ س ٣٢ قال: وقال الصدوق في المقنع تربط البقرة الخ ولا يوجد ما نقله في المقنع، ولاحظ ما علق على المقنع ص ١٤١ تحت رقم٦.

(٥)لم أضفر على فتوى علي بن بابويهرحمه‌الله .

(٦)الكافي: في بيان ما يحرم اكله ص ٢٧٧ س ١٨ قال: أو جلالة الغائط الخ.

(٧)الوسلية: في بيان أحكام حيوان الحضر ص ٣٥٩ س ١٤ قال: احدهما عرض له شئ يحرم لحمه إلى ان قال: فما يمكن ازالته ان يكون جميع غذائه عذرة الانسان الخ.

(٨)المهذب: ج ٢ كتاب الاطعمة والاشربة، باب اقسام الاطعمة والاشربة ص ٤٢٧ س ١١ قال: ومن ذلك ما كان جلالا إلى ولاحظ ما علق عليه.

(٩)السرائر: باب ما يستباح اكله ص ٣٦٥ س ٣٧ قال: واما حيوان الحضر إلى قوله: إلا ما كان منها جلالا.

(١٠)لاحظ عبارة النافع.

(١١)القواعد: ج ٢ ص ١٥٦ س ٢٥ قال: (فائدة) المحلل من الحيوان قد يعرض له التحريم، الاول الجلل إلى اخره.

(١٢)المختلف: ج ٢، الفصل الثاني فيما يباح اكله من الحيوان وما يحرم ص ١٢٤ س ٣٥ قال: وقال ابن الجنيد: والجلال من سائر الحيوان مكروه اكله الخ.

١٧٧

من المحرمات.

وقال التقي: ما ادمن شرب النجاسات حرم، حتى يستبرء عشرا وجلالة الغائط حتى يحبس الابل والبقر اربعين يوما، والشاه سبعة ايام، والبط والدجاج خمسة، وجلالة ما عدى العذرة من النجاسات حتى يحبس الانعام سبعا والطير يوما وليلة(١) .

فحاصل هذا القول يعطي: ان الجلل عنده ثلاثة اقسام. جلال الغائط، واستبراؤه على نحو ما ذكره الاصحاب. وجلال غير الغائط، فان كان شربا - بشرط الادمان، ويرجع فيه إلى العرف - فاستبراؤه بعشر، ولم يفصل بين اصناف الحيوان كما فصل في الناقة والبقرة والشاة. وان كان غير شرب بل أكلا، فيكون بحبس الانعام سبعا من غير تفاوت بين انواعها، وان كان طيرا فيوم وليلة من غير تفصيل بين انواعه. والمشهور اختصاص الجلل بعذرة الانسان. نعم لو شرب الحيوان بولا ثم ذبح على الاثر غسل ما في جوفه.

ولو كان خمرا حرم مافي جوفها واكل اللحم بعد غسله، وقال ابن ادريس: لا يحرم ذلك بل يكره، لاصالة الاباحة(٢) والباقون على التحريم(٣) .

والمستند موثقة زيد الشحام عن الصادقعليه‌السلام انه قال: في شاة شربت خمرا

____________________

(١)الكافي: فصل في بيان ما يحرم اكله ص ٢٧٧ س ١٧ قال: وما أدمن شرب النجاسات الخ.

(٢)السرائر: باب ما يستباح اكله، ص ٣٦٦ س ٣ قال: وقد روى انه اذا شرب خمرا، إلى قوله: والاصل الاباحة.

(٣)لاحظ النهاية: باب ما يستباح اكله ص ٥٧٥ س ١ قال: واذا شرب خمرا ثم ذبح جاز اكل لحمه بعد ان يغسل بالماء ولا يجوز اكل شئ مما في بطنه.

وفي القواعد: ج ٢ ص ١٥٧ س ٧ قال: ولو شرب مرا لم يحرم لحمه، بل يغسل ويؤكل ولا يؤكل ما في خوفه.

وفي الشرائع (في البهائم) قال: ولو شرب خمرا لم يحرم لحمه، بل يغسل ويؤكل ولا يؤكل ما في جوفه.

١٧٨

حتى سكرت ثم ذبحت على تلك الحال: لا يؤكل ما في بطنها(١) .

تنبيه

قد نبهنا ان الجلال هو الذي يتغذى العذرة محضا، ولكن كم القدر الذي يصير به الحيوان جلالا؟ هل هو ايام متعددة، أو يوم واحد، أو أكلة واحدة؟ فنقول: نصوص الروايات خالية من هذا التحديد، وكذلك كتب الاصحاب.

نعم ذكر الشيخ في كتابي الفروع: ان الجلالة هي التي تكون اكثر علفها العذرة(٢)(٣) .

وهذا يشمل ما لو اعتدت في اليوم الواحد مرات متعددة، وهي تخلط من هذا ومن هذا وتكون العذرة اكثر، وهذا انما يتمشى على القول بكراهية الجلال، اما على القول بالتحريم، فلا يتحقق إلا اذا كان علفها العذرة محضا، نص عليه الاصحاب(٤) .

وروي عن سعد بن سعد الاشعري عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن اكل لحوم الدجاج في الدساكر(٥) وهم لا يمنعونها عن شئ، تمر على

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(١) باب الصيد والذكاة ص ٤٣ الحديث ١٨١.

(٢)المبسوط: ج ٦ كتاب الاطعمة ص ٢٨٢ س ٣ قال: الجلالة، البهيمة التي تأكل العذرة إلى قوله: فان كان هذا اكثر علفها الخ.

(٣)كتاب الخلاف: كتاب الاطعمة، مسألة ١٦ قال: الجلالة عبارة عن البهيمة التي تاكل العذرة، إلى قوله: فان كان هذا اكثر علفها الخ.

(٤)لاحظ السرائر: باب ما يستباح اكله ص ٣٦٦ س ١ قال: الجلال هو ان يكون غذاؤة اجمع عذرة الانسان لا يخلطها بغيرها، وفي المختلف: ج ٢ ص ١٢٧ س ١٧ قال: المشهور عند علمائنا الجلال من الدواب هو الذي يأكل عذرة الانسان، فان لم يخلطها بغيرها حرم الخ.

(٥)الدسكرة بناء على هيئة القصر: فيه منازل وبيوت الخدم والحشم، وليست بقرية محضة (مجمع البحرين لغة دسكر).

١٧٩

العذرة مخلى عنها، واكل بيضهن؟ فقال: لا بأس به(١) .

وحملها الشيخ على الخلط(٢) .

واستشهد على هذا الحمل بما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن الخشاب، عن علي بن اسباط عمن روى في الجلالات، لا بأس بأكلهن اذا كن يخلطن(٣) .

قال المصنف قدس الله روحه: وحيث لا تقدير في ذلك فالذي ينقلب ان يخلو من العلف الطاهر ويصير ما يتناوله من العذرة طالبا لالات الغذاء بحيث يتحقق استحالة القذر الذي يتناوله إلى شبه الاعضاء، اذ لا يتحقق التمحض في الغذاء الا على هذا الوجه(٤) .

(المقام الثالث) ما يزول به حكم الجلل

وهو الاستبراء، ويختلف باختلاف الحيوان. فلنذكر اقسامه.

الاول : الناقة

واستبرائها باربعين يوما، وهو اجماع.

الثاني البقرة

وفيه ثلاثة اقوال:

(أ) اربعون قاله الشيخ في المبسوط(٥) وتبعه التقي(٦) .

____________________

(١) و (٢) التهذيب: ج ٩ (١) باب الصيد والذكاة ص ٤٦ الحديث ١٩٣ ولاحظ ذيله من الحمل على الخلط.

(٣) التهذيب: ج ٩ (١) باب الصيد والذكاة ص ٤٧ الحديث ١٩٥.

(٤) نكت النهاية (في الجوامع الفقهية) كتاب الصيد والذبائح ص ٤٣٥ س ٢٨ وفيه: (ويصير ما يتناوله من الذرة ماليا الات الغذاء) وكتب فوق كلمة (ماليا) كلمة (كذا) والظاهر ان الصواب ما اثبتناه والله يعلم.

(٥)المبسوط: ج ٦ كتاب الاطعمة ص ٢٨٢ س ٦ قال: فان كان بدنة أو بقرة اربعين يوما.

(٦)الكافي: فصل في بيان ما يحرم اكله ص ٢٧٧ س ١٨ قال: متى تحبس الابل والبقر اربعين يوما

١٨٠

١٨١

وأنّ أيام الخلاف والاقتتال قد انتهت، فها هو المأمون يستعدّ لإرجاع الحقّ إلى أصحابه، وها هو صاحب الحقّ قد أقبل، وستغدو الأيام رخيّةً سهلةً، لكنّهم كانوا واهمين، فالإمامعليه‌السلام يعرف حقّ المعرفة أنّ المأمون غير جادٍّ في عرضه، وأنّه يتظاهر بالرّغبة في التّنازل عن الحكم لأمر في نفسه، وإذا تجاوزنا المأمون إلى بطانته وأجهزته حوله، لرأينا أنّهم أحرص على الملك والجاه والدنيا، لذا فقد رفض الإمام عرض المأمون، فما كان من المأمون إلاّ أن عرض عليه ولاية العهد بعده، والعرض الجديد لم يكن حبّاً بالإمام، وميلاً إلى الحقّ، بل هو تغطية لمآرب أخرى، فالمأمون يرمي من ورائه للحصول على شرعيّةٍ لحكمه، كما يرمي إلى إسكات الثّائرين عليه، ومرّةً ثانيةً يرفض الإمام عرضه، فيلحّ المأمون ويهدّد، ويمعن في تهديداته حتى التلويح بالقتل، بل التصريح به، ويروى أنّ المأمون قال للإمام حين رأى امتناعه عن القبول بما يعرضه عليه: إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبا لله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك.

١٨٢

١٨٣

كان الإمامعليه‌السلام يتوقّع كلّ هذا، كان يعرفه حين دخل مسجد جدّه الرسول في المدينة يودّعه، ويقول وهو يبكي: إنّي أخرج من جوار جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأموت في غربةٍ. كان يدرك ذلك وهو في طريقه من المدينة إلى خراسان مغلوباً على أمره.

وأخيراً فلم يجد أمام إلحاح المأمون وتشدّده بدّاً من القبول، إنّما بشروط لا مناص منها، فقال للمأمون: أنا أقبل ذلك على أن لا أولّي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنّةً، وأكون في الأمر من بعيدٍ مشيراً.

رضي المأمون، وتمّت البيعة للإمام بولاية العهد، بحضور الوزراء والقادة والأعيان، وحشدٍ كبير من الناس. ووزّع المأمون الأموال والهدايا عليهم، وتزاحم الشعراء على تقديم مدائحهم.

وبهذه المناسبة ضرب المأمون الدراهم وطبع عليها اسم الرضاعليه‌السلام . وصار الخطباء يفتتحون خطبهم بالدعاء للمأمون والرضاعليه‌السلام .

١٨٤

وفي خراسان عقد الإمام مجالس المناظرة مع العلماء والأطبّاء وغيرهم، فكان علمه وسعة اطّلاعه مبعثاً لعجبهم، وكان المأمون يحضر بعض هذه المجالس، ولا يستطيع أن يخفي غيظه وحسده لمكانة الإمام، رغم ادّعائه تشجيع العلوم والأبحاث، وكان الإمام حين يرى منه ذلك، يختصر أحاديثه ويوجزها ما أمكنه، خاصّةً وأنّه أدرك أنّ الموكلين بأموره وقضاء حوائجه كانوا في الحقيقة عيوناً للمأمون عليه، فكانعليه‌السلام يتلوّى من الألم، ويتمنّى لنفسه الموت ليتخلّص من حياةٍ تحيط بها المكاره، وكان يقول: اللهم إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت فعجّله لي الساعة.

صلاة لم تتمّ

لمّا حضر عيد الفطر في السنة التي عقد فيها المأمون ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ، أرسل إليه بالركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم، فبعث إليه الإمام الرضا: لقد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر (يعني قبوله لولاية العهد(، فأعفني من الصلاة بالناس. فألحّ عليه المأمون وقال له: أريد بذلك أن تطمئنّ إليك قلوب الناس، ويعرفوا فضلك. فأجابه الإمام إلى طلبه على شرط أن يخرج إلى الصلاة كما كان يخرج إليها

١٨٥

رسول الله وأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب من بعده، فقال له المأمون: اخرج كيف شئت. ثمّ أمر القوّاد والحجّاب والناس أن يبكّروا إلى باب الرضاعليه‌السلام ، ليرافقوه إلى الصلاة.

وصباح العيد وقف الناس في الطّرقات وعلى السطوح ينتظرون خروجه، ووقف الجند والقادة على بابه وقد تزيّنوا وركبوا خيولهم. قام الإمام فاغتسل ولبس ثيابه، وتعمّم بعمامةٍ بيضاء من قطن، فألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه، ومسّ شيئاً من الطيب، وقال لمن معه: افعلوا مثل ما فعلت، فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمّر سراويله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: الله اكبر، فكبّر معه الناس، ولما رآه القادة والجند على تلك الصّورة، ترجّلوا عن خيولهم، ونزعوا أحذيتهم من أرجلهم، ومشوا خلفه حفاةً، ثم كبّر الرضاعليه‌السلام ، وكبّر معه الناس، وارتفعت أصواتهم بالتكبير حتى سمعت من كلّ الجهات، وضجت المدينة بالمكبّرين، وخرج الناس من منازلهم، وازدحمت بهم الشوارع والطرقات بشكلٍ لم تشهده (مرو) من قبل، وصدق فيه قول الشاعر:

ذكروا بطلعتك النبيّ فهلّلوا *** لمّا طلعت من الصّفوف وكبّروا

١٨٦

حتى انتهيت إلى المصلّى لابساً

نور الهدى يبدو عليك ويظهر

ومشيت مشية خاشعٍ متواضعٍ

لله لا يزهو ولا يتكبّر

ولو أنّ مشتاقاً تكلّف فوق ما

في وسعه لسعى إليك المنبر

كان المأمون يريده أن يخرج للصلاة كما يخرج الملوك، تحفّ بهم الزّينات ومعالم العظمة، ويستغلّون المناسبة لعرض قوّتهم وهيبتهم في النفوس، بينما يرى الإمام أنّ للمناسبة قداستها الروحيّة، ترفع فيها آيات الخضوع والعبوديّة لله تعالى، وترتفع الأصوات بحمده والتكبير له، وشتّان بين ما أراد المأمون وما فعله الإمام ، فما كان من المأمون إلاّ أن بعث إليه يقول:

لقد كلّفناك شططاً (أي زيادةً عن الحدّ( وأتعبناك يابن رسول الله، ولسنا نحبّ لك إلاّ الراحة، فارجع، وليصلّ بالناس من كان يصلي بهم.

فرجع الإمامعليه‌السلام ، لأنّ هذا هو ما يتمنّاه.

أموت في غربةٍ

منذ ذلك اليوم، وقد رأى المأمون تجاوب الناس مع الإمام، وكيف كان توجّههم إليه عميقاً، أحسّ بالمرارة تغلي في أحشائه، وتذكّر أيام أبيه هارون الرّشيد مع الإمام

١٨٧

الكاظمعليه‌السلام ، وكان يرى حفاوة الرشيد البالغة بالإمام، وإكرامه له، وهو (أي المأمون( لا يعرفه، فسأل أباه قائلاً: من هذا الرجل الذي عظّمته وقمت من مجلسك لأجله، وجلست بين يديه؟ قال الرشيد: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده. فقال المأمون: أليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حقّ، والله يا بنيّ إنّه لأحقّ بمقام رسول الله منّي ومن الخلق أجمعين، فقال له المأمون: إذا كنت تعرف ذلك فتنحّ عن الملك وسلّمه لأصحابه، فقال: يا بنيّ إنّ الملك عقيم، والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك.

تذكّر المأمون هذه الواقعة مع أبيه، ولا يزال صدى العبارة الأخيرة يرنّ في مسامعه: والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك.

وما له يسلّط على هذا الملك رجلاً يلتفّ الناس حوله إذا حضر، وتهفو إليه قلوبهم إن غاب، يجلّونه ويقدّرونه؟ أليس أبوه الذي قال: إنّ الملك عقيم؟ أليس بالأمس القريب قتل أخاه وعشرات الألوف من الناس في سبيل هذا الملك؟

١٨٨

تذكّر كلّ هذا وصمّم أمراً، صمّم أن يريح نفسه من هذا الهمّ الذي جلبه على نفسه بيديه، وقرّر أن يتخلّص من الإمام.

ولم يطل الأمر كثيراً، وكان قد مضى على الإمام في ولاية العهد ما يقرب من سنتين، حين استشهد مسموماً، واتّهم المأمون بقتله، لكنّه أنكر التّهمة، وأظهر عليه الأسى والحزن. وكان استشهاده سنة ٢٠٣ للهجرة بطوس، ودفن في مشهد. ويختلف الناس لزيارة قبره من جميع أنحاء العالم. ويروى عنه أنّه قال: من زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة.

عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام.

١٨٩

الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

الاسم: الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

اسم الأب: الإمام علي الرضاعليه‌السلام

اسم الأم: خيزران

تاريخ الولادة: ١٠ رجب سنة ١٩٥ للهجرة

محل الولادة: المدينة

تاريخ الاستشهاد: ٦ ذي الحجة سنة ٢٢٠ للهجرة

محل الاستشهاد: الكاظمية

محل الدفن: الكاظمية

المواجهة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

في يوم دافئ، وأشعّة الشمس تتسلّل برفق عبر أزقّة مدينة بغداد، وتبدأ انتشارها فوق السّهول المترامية الأطراف حولها، خرج المأمون العباسي مع نفر من حاشيته للصيد، وقد امتطوا جيادهم يسابقون بها الريح، مصطحبين صقورهم وكلابهم، قاصدين السّهول الممتدّة حول المدينة.

بغداد في تلك الأيام كانت مدينةً كبيرةً جداً، تحيط بها مزارع البرتقال وكروم العنب وأشجار النّخيل، يزيّنها العشب الأخضر والورود.

كان الموكب يجتاز شوارع العاصمة، مثيراً الرعب والذّعر في قلوب الناس. وفي أحد الشوارع صادف مجموعةً من الصبية يلعبون ويتراكضون، وما إن شعر الصبيّة باقتراب خيل الحاكم حتى هربوا في كلّ

١٩٠

اتّجاهٍ؛ وتلك كانت صورة الحكّام المرعبة، فقد ترك أسلاف المأمون كالرّشيد والمنصور وهشامٍ والحجاج بصمات البطش والإرهاب في النفوس.

خلت الساحة من الأطفال، عدا طفل منهم، انتصب شامخاً أمام الموكب غير آبهٍ به، ممّا أثار دهشة المأمون، فأمر بإحضار الصبيّ إليه، وخاطبه قائلاً: لماذا لم تهرب مع الصبية الآخرين؟ قال الصبيّ: مالي ذنب فأفرّ منه، ولا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك، فسر حيث شئت.

قال المأمون متعجّباً من جرأة الغلام: من تكون أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

قال المأمون: ما تعرف من العلوم؟

قال: سلني عن أخبار السّماوات.

(لقد سأل المأمون الغلام الصغير عمّا يعرفه من العلوم، والعلوم لا يعرفها إلاّ من درسها، وقضى السنين في تعلّمها، فكيف يسأل عنها غلاماً صغيراً؟

والجواب أنّ المأمون يعلم ذلك، لكنّه بعد أن

١٩١

عرف أنّ الغلام هو ابن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأنّه فرع من الشجرة المباركة، شجرة أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين يتوارثون العلوم والمعارف، كلاّ عمّن سبقه، سأله هذا السؤال الطبيعيّ).

ترك المأمون الإمام مبتعداً نحو السّهول، وهو غارق في التفكير بأمر هذا الغلام، ومضى النهار إلا أقلّه، والمأمون لا يجد صيداً، فأطلق أحد صقوره يبحث عن طريدة؛ حلّق الصّقر عالياً وغاب عن الأنظار ساعةً، عاد بعدها وهو يحمل حيّةً بين مخالبه، وألقاها أمام المأمون، أمر المأمون بوضع الحيّة في صندوق وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الغلام في هذا اليوم، وعلى يديّ. ثمّ عاد أدراجه نحو بغداد.

وفي طريق عودته، التقى بالصبيّة أنفسهم وابن الرضا بينهم، فاقترب منه قائلاً (وكأنّما يتابع معه حديث الصباح):

وما عندك من أخبار السماوات؟

أجاب الإمام قائلاً: حدثني أبي عن آبائه، عن النبيّ، عن جبرائيل، عن ربّ العالمين أنّه قال: بين السماء والهواء عجاج (والعجاج هو الغبار أو الدخان)

١٩٢

يتلاطم به الأمواج. فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور (لونها مبقّع بالبياض والسواد(، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، ليمتحنوا به العلماء.

فقال المأمون: صدقت، وصدق أبوك، وصدق جدّك، وصدق ربّك.

كان هذا هو اللّقاء الأول بين الإمام والمأمون، وتوالت اللّقاءات، وتعرّف المأمون أكثر وأكثر على مناقب الإمام العالية، وضلوعه بالعلم والمعرفة، وصمّم أن يزوّجه ابنته.

اعتراض العباسيين

كان المأمون يرمي من تزويج ابنته من الإمام الجوادعليه‌السلام ، إلى اكتساب رضى السادة العلويين، وإزالة ذكرى الموت المفاجئ للإمام الرضاعليه‌السلام من الخواطر، مدّعياً الصفاء معهم، كما يرمي من جهة ثانية إلى أن يكون الإمام الجواد على مقربةٍ منه، ليتمكّن من مراقبته بواسطة عيونه وجواسيسه، ومعرفة تحرّكاته واتّصالاته، وقد سبق للمأمون أن اتّبع الأسلوب نفسه مع الإمام الرضاعليه‌السلام .

ولمّا علم العباسيون بالأمر، ثقل عليهم

١٩٣

واستكبروه، وخافوا أن ينتهي الأمر مع الجواد إلى ما انتهى إليه مع أبيه الرضا، فيفوز بولاية عهد المأمون.

اجتمع نفر منهم إلى المأمون قائلين: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تصرف النظر عن هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا؛ فإنّا نخاف أن تخرج عنّا أمراً قد ملكناه، وتنزع عنّا عزّاً قد ألبسناه، فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم آل عليّ قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك معهم، وقد كنّا في وهلةٍ (فزع( من عملك مع الرضا ما عملت، حتّى كفانا الله ألمهمّ من ذلك، فالله الله أن تردّنا إلى غم انحسر عنّا (زال عنا(، فاصرف رأيك عن ابن الرضا، واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لها دون غيرهم.

فأجابهم المأمون: أمّا ما كان بينكم وبين آل أبي طالب، فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم. وأمّا ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعاً للرّحم، وأعوذ بالله من ذلك وأمّا أبوجعفرٍ محمد (الجواد( بن عليّ فقد اخترته لتبريزه (تفوّقه( على كافّة أهل الفضل في العلم، مع صغر سنّه.. وأنا

١٩٤

١٩٥

أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، ليعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: أتزوّج ابنتك وقرّة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله، ولم يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضه من سننه؟ فأمهله ليتأدّب ويقرأ القرآن ويتفقّه في الدين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم، إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّه لأفقه منكم وإن شئتم فامتحنوه، فإن كان كما وصفتم قبلت منكم

فقالوا: لقد رضينا لك ولأنفسنا بامتحانه؛ فخلّ بيننا وبينه، لنعيّن من يسأله بحضرتك عن شيءٍ من فقه الشريعة، فإن أصاب الجواب لم يكن لنا اعتراض، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا أمره.

قبل المأمون، وعيّن لهم يوماً لذلك.

ثم اجتمع رأيهم على يحيى بن أكثم ، قاضي القضاة يومذاك، على أن يسأل الإمام مسألة لا يعرف الجواب عنها، ووعدوه بأموالٍ وفيرةٍ إن هو استطاع ذلك.

مجلس الامتحان

وفي اليوم الذي عيّنه المأمون، حضر الإمام وقاضي القضاة والمأمون، كما حضر كبار العباسييّن، وأعيان الدولة، وجلس الناس على مراتبهم، بينما أجلس المأمون الإمام الجواد إلى جانبه.

من الجدير بالذكر أنّ تلك المجالس الفخمة التي كان العباسيون يقيمونها من وقت إلى آخر، لم تكن بالنسبة إليهم إلاّ مجالس ترفٍ ولهوٍ، ولم تكن تعقد بناءً على التعاليم الإسلامية التي تراعي أصول التساوي بين الناس، ولم يسيروا فيها على خطى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخطى الإمام عليّعليه‌السلام ، في جعلها مجالس للمذاكرة في تعاليم الإسلام وأحكامه، ممّا يعود بالفائدة على الجميع، بل كانت مجالس للمناظرة والمبارزة الكلاميّة وإلقاء الأشعار والخطب. فحضور الإمام في هذا المجلس لم يكن حضور مشارك أو حتى ضيفٍ، بل كان - في الواقع - حضوراً قهريّاً إجبارياً لا يستطيع منه فكاكاً على أيّ حالٍ، فقد جلس الإمام في مكانٍ فخمٍ مزيّن إلى جانب المأمون، كما جلس النبيّ يوسف

١٩٦

- من قبل - إلى جانب فرعون مصر. وفي قصص الأنبياء دروس للناس، تبيّن لهم الحقائق الكامنة وراء الأحداث التاريخية المختلفة باختلاف الأزمان، فها هو يوسف النبي، يجلس إلى جوار فرعون مصر ويدير له شؤون دولته، وفي يوم آخر، يقوم نبيّ آخر هو موسىعليه‌السلام ، ضدّ فرعون آخر، فيهزمه ويقضي عليه. ولكنّ الكثرين لا يفكّرون في أحداث التاريخ، ويعجزون عن فهمها وإدراك مغزاها. تقول الآية الشريفة:

( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسّائلين ) .

ساد المجلس صمت مطبق، والكلّ يتطلّع إلى رؤية الإمام الجواد، هذا القادم الجديد إلى بغداد، والذي لم تقع عليه أعين الناس من قبل، ورؤية مقدرته، وهو ابن تسع سنين، في مواجهة قاضي قضاة بغداد، ويتساءلون: هل في مقدور حفيد رسول الله أن يصمد أمام أسئلة هذا العالم الكبير؟

قطع القاضي يحيى بن أكثم حبل الصمت، والتفت إلى المأمون قائلاً:

أيأذن لي أميرالمؤمنين بأن أوجّه سؤالاً إلى أبي

١٩٧

جعفر بن الرّضا؟

أجاب المأمون: عليك أن تأخذ الإذن منه.

التفت يحيى بن أكثم إلى الإمام الجواد قائلاً:

(أتأذن لي - جعلت فذاك - في مسألة؟ فقال له أبو جعفر: سل إن شئت. قال يحيى: ماذا تقول في محرم قتل صيداً؟ أجاب الإمام:

قتله في حلّ أوحرم؟ عالماً كان المحرم أم جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان أم عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعل أم نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد في أوكاره أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله، أو بالحجّ كان محرماً؟

فتحيّر يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف أهل المجلس أمره).

لم يكن يحيى بن أكثم قد سمع - حتى يومه ذاك - بأكثر من وجه واحدٍ للمحرم الذي يقتل صيداً، ولم يعرف لذلك سوى حكم واحدٍ، ويفاجأ الآن بأنّ سؤالاً قصيراً واحداً يحتاج - في الإجابة عليه - إلى كلّ

١٩٨

ذلك التفصيل الكبير.

تحيّر يحيى بن أكثم، وتحيّر معه كلّ من حضر المجلس، وأدركوا بأنّ الإمام الجوادعليه‌السلام بحر من العلم والمعرفة؛ فقد أعطاهم - على صغر سنه - درساً في الأحكام، وهو أنّ الحكم في كلّ مسألةٍ يختلف باختلاف ظروفها وملابساتها.

ويروى أنّ المأمون طلب من الإمام أن يسأل يحيى بن أكثم كما سأله، فأجابه الإمام إلى طلبه، وسأل القاضي سؤالاً لم يعرف الإجابة عليه، وقال: والله لا أهتدي لجوابك، ولا أعرف الوجه في ذلك، فإن رأيت أن تفيدنا. فاستجاب الإمام إلى رغبته، وأعطاه جواب المسألة.

عند ذاك، أقبل المأمون على من حضره من أهل بيته قائلاً: ويحكم، إنّ أهل هذا البيت خصّوا من بين الخلق بما ترون من الفضل، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين. وقبل الإسلام منه، ولم يدع أحداً في سنه غيره؟ أفلا تعلمون الآن ما خصّ

١٩٩

الله به هؤلاء القوم، وأنّهم ذريّة بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟ فقالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين، إنّ ما تراه هو الصّواب.

زواج سياسيّ

سرّ المأمون لخروجه من المراهنة منتصراً، ورأى أن يستغلّ الفرصة المتاحة، فالتفت نحو الإمام قائلاً:

يا بقيّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد علمت فضلك ومنزلتك، واخترتك زوجاً لابنتي (أمّ الفضل)، وإنّي - رغم معارضة الكثيرين لهذا الزّواج - أطلب منك القبول.

تردّد الإمام؛ فهو يعرف تماماً ما يرمي إليه المأمون من هذه المصاهرة، ويدرك الأهداف التي تكمن وراءها، فهي ليست في الواقع إلاّ زواجاً سياسيّاً، يحقّق للمأمون أغراضه في تهدئة وإرضاء العلويّين وفي جعل الإمام الجواد قريباً منه وتحت مراقبته.

شعر الإمام بالضيق، لكنّه كان يدرك حرج الموقف، فهو لا يستطيع أن يرفض طلب المأمون أمام هذا الجمع الكبير من أعيان بغداد، ورجالات الدولة وقوّادها، ففي الرّفض إهانة عظيمة للمأمون، والله

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553