المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع0%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

المهذب البارع في شرح المختصر النافع

مؤلف: العلامة جمال الدين ابي العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي
تصنيف:

الصفحات: 553
المشاهدات: 110002
تحميل: 6744


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110002 / تحميل: 6744
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء 4

مؤلف:
العربية

(الثاني) الدم، وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، (الاشبه النجاسة)(١) .

قال طاب ثراه: الدم نجس(٢) وكذا العلقة ولو في البيضة وفي نجاستها تردد.

أقول: العلقة هي النقطة الحمراء في البيضة المستحيلة عن نطفة الديك، فهل هي نجسة أم لا؟ فنقول: لا شك انها دم، وكل دم نجس، وهذا هو الذي يقتضيه اصول المذهب، وتردد المصنف طاب ثراه، ووجه تردده: من انفرادها باسم غير الدم عرفا، فلا يطلق عليها اسم الدم، فلا يكون نجسة، لاصالة الطهارة وحل البيضة، ولا نسلم ان كل الدم نجس، بل المسفوح خاصة، وهذا ليس بمسفوح، فيكون كالدم المتخلف في اللحم.

والاقرب التنجيس كمذهب العلامة(٣) لنجاسة الدم وتحريمه إلا ما استثني، وهذا ليس من المستثنى.

اما نطفة الديك، فان علمت في البيضة نطفة حرمت وكانت نجسة، لكن ذلك غير معلوم غالبا، وقد يوجد في البيض شبه غدد لطاف منفصلات عن الصغار واثخن من البياض منقطة كالغدد، وهذه طاهرة ليست من النطفة، لانا نشاهد ذلك في بيض دجاج لا ديك لها، فلا يحكم بنجاستها، لاصالة الطهارة، وبقاء

____________________

(١)بين الهلالين موجود في النسخة المطبوعة من المختصر النافع، ولا يوجد في النسخ المخطوطة من المهذب.

(٢)كلمة (نجس) ليس في النسخة المطبوعة من المختصر النافع، ولكنها موجودة في النسخ المخطوطة من المهذب.

(٣)القواعد: (المقصد الثالث في النجاسات) ص ٧ س ٢١ قال: والعلقة نجسة وان كانت في البيضة.

وفي التذكرة: ج ١ (الباب الثاني في النجاسات) ص ٧ س ٧ قال: الثالث، العلقة نجسة وان كانت في بيض الدجاج وشبهه لانها دم.

٢٠١

ولووقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرم المرق ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان، ومن الاصحاب من منع من المائع واوجب غسل التوابل، وهو حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة. الحل، إلا ان يدرك فيها النقطة محمرة.

قال طاب ثراه: ولو وقع قليل من دم في وهي تغلي، لم يحرم المرق ولا مافيه اذا ذهب بالغليان، ومن الاصحاب من منع من المائع واوجب غسل التوابل، وهو حسن.

أقول: للاصحاب في المسألة ثلاثة اقوال: (أ) طهره بالغليان اذا كان الدم قليلا، ولو كان كثيرا لم يطهر بالغليان وهو مذهب الشيخ في النهاية(١) وتبعه القاضي ثم استحوط المنع(٢) .

(ب) اطلاق القول بطهارته اذا ذهب بالغليان وان كان كثيرا ذهب اليه المفيد(٣) وتلميذه(٤) .

فالحاصل: ان الحل انما يحصل عند الشيخ بثلاث شرائط: الغليان: وقلة الدم، وعدم ظهوره.

والمفيد لم يشترط القلة.

(ج) نجاسة المرق وتحريمه، لانه ماء قليل، او مضاف نجس، فلا يطهر بالغليان

____________________

(١)النهاية: باب الاطعمة المحظورة والمباحة ص ٥٨٨ قال: فان حصل فيها شئ من الدم وكان قليلا إلى قوله: لان النار تحيل الدم.

(٢)المهذب: ج ٢ باب الاشربة ص ٤٣١ س ١٦ قال: فان وقع فيها دم وكان قليلا جاز اكل ما فيها إلى قوله: والاحوط ان لا يؤكل.

(٣)المقنعة: باب الذبائح والاطعمة ص ٩٠ س ٢ قال: واذا وقع دم في قدر يغلي على النار جاز اكل ما فيها الخ.

(٤)المراسم: ذكر الاطعمة ص ٢١٠ س ٣ ما وقع دم في المرق فاغلي فانه يزول حكم نجاسته ويحل اكله.

٢٠٢

كغيره قاله ابن ادريس(١) واستحسنه المصنف(٢) واختاره العلامة(٣) .

احتج الشيخ: بان النار تحيل الدم، ولان اللحم لا يكاد يعرى منه وقد اجيز اكله بعد الغليان.

وبما رواه سعيد الاعرج عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن قدر فيها جزور ووقع فيها مقدار اوقية من دم، أيوكل؟ فقالعليه‌السلام : نعم لان النار تأكل الدم(٤) .

واحتج المفيد بعموم رواية زكريا بن آدم قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق كثير؟ قال: يهراق المرق، أو يطعمه اهل الذمة، أو الكلاب، واللحم اغسله وكله، وقلت: فان قطر فيه الدم؟ قال: الدم تأكله النار ان شاء الله(٥) .

وحمل العلامة الدم على ماليس بنجس كدم السمك، ومنع صحة السند، قال: سعيد الاعرج لا اعرف حاله، والاحتجاج به يتوقف على معرفة عدالته وفي طريق الثانية محمد بن موسى(٦) فان كان هو ابن عيسى أبوجعفر السمان، كان ابن

____________________

(١)السرائر: كتاب الاطعمة والاشربة ص ٣٧٠ س ٢٧ فانه بعد ما افتى بالاراقة بوقوع الخمر في القدر قال: فان حصل فيها شئ من الدم فكذلك سواء كان الدم قليلا او كثيرا.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)المختلف: ج ٢ ص ١٣٣ الفصل الخامس في الاطعمة والاشربة س ١٤ قال: والمعتمد انه لا يحل اكل اللحم والتوابل حتى يغسل.

(٤)الكافي: ج ٦ كتاب الذبائح باب الدم يقع في القدر ص ٢٣٥ الحديث ١.

(٥)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة ص ١١٩ قطعة من حديث ٢٤٧.

(٦)سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن موسى، عن الحسن بن المبارك عن زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام الخ).

٢٠٣

(الثالث) كل مائع لاقته نجاسة فقد نجس: كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، اشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته امره بغسل يده، وهي متروكة.ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا القي ما يكتنف النجاسة وحل ماعداه.ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.ولا يحل ما يقطع من اليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها.وما يموت فيه ماله نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

الوليد يقول: انه يضع الحديث(١) فيسقط الاستدلال بالخبرين(٢) .

قال طاب ثراه: وفي الذمي روايتان اشهرهما: النجاسة.

وفي رواية اذا اراد مواكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

أقول: الرواية اشارة إلى مارواه الشيخ (في الصحيح) عن عيص بن القاسم عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن مؤاكلة اليهودي والنصراني؟ قال: اذا توضأ فلا بأس(٣) .

____________________

(١)تنقيح المقال (رجال مامقاني) ج ٣ باب محمد ص ١٩٣ تحت رقم ١١٤١٧ قال: وقال النجاشي: ضعفه القميون بالغلو، وكان ابن الوليد قول: انه كان يضع الحديث والله اعلم.

(٢)المختلف: الفصل الخامس في الاطعمة والاشربة ص ١٣٣ ص ٢١ فانه بعد تضعيف الحديثين قال: فسقط الاستدلال بالخبرين.

(٣)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة ص ٨٨ الحديث ١٠٨ ولفظ الحديث (قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن مواكلة اليهودي والنصراني فقال: لابأس إذا كان من طعامك، وسألته عن مواكلة المجوسي فقال: اذا توضأ فلا بأس).

٢٠٤

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية(١) .

ومنع المفيد(٢) والقاضي(٣) والمرتضى(٤) وابن ادريس(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة(٧) وحملها العلامة في القواعد على تعدد الاواني(٨) وفي المختلف على ما لا تنفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة، والثمار كذلك والحبوب(٩) قلت: وكذا لو كانت الفواكه رطبة واكل مما يليه كالرطب، وكذا غير الفواكه مما هو رطب وله حالة جمود لا يحصل منها سريان الانفعال كالجبن والسمك الطري واكل كل وحد من جانبه.وفائدة الامر بغسل اليد زوال القذر منها، أو ازالة تنفر النفس.

احتج المانعون: بانهم انجاس فينفعل ما باشروه برطوبة من الاطعمة.

____________________

(١)النهاية: باب الاطعمة المحظورة والمباحة ص ٥٨٩ س ٢٠ قال: ويكره ان يدعو الانسان احدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، فان دعاه فليامره بغسل يديه ثم يأكل معه ان شاء.

(٢)المقنعة: باب الذبائح والاطعمة ص ٨٩ س ٣٤ قال: ولا يجوز سوء مواكلة المجوس الخ.

(٣)الانتصار: (في الذبائح) ص ١٩٣ س ٣ قال: مسألة، ومما انفردت به الامامية ان كل طعام عالجه الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم إلى قوله: فهو حرام لا يجوز اكله الخ والى هذا اشار في المختلف ج ٢ ص ١٣٤ س ١٣ بقوله: قال السيد المرتضى: مما انفردت به الامامية الخ.

(٤)المهذب: ج ٢ كتاب الاطعمة والاشربة ص ٤٢٩ س ١٠ قال: فاما المحرم إلى قوله: ومؤاكلة الطعام مع الكفار، وكل طعام مائع باشره كافر الخ.

(٥)السرائر: كتاب الاطعمة والاشربة ص ٣٧١ س ٦ قال: ولا يجوز مؤاكلة الكافر الخ.

(٦)لاحظ عبارة النافع.

(٧)و(٩) المختلف: ج ٢ ص ١٣٤ س ١٥ قال: والمعتمد ما قاله ابن ادريس، إلى ان قال بعد نقل احتجاج الشيخ: والجواب الحمل على مااذا كان الطعام مما لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة والثمار كذلك والحبوب.

(٨)القواعد: ج ٢، المطلب الخامس المائعات ص ١٥٨ س ٢١ قال بعد نقل الحديث: وهي محمولة على الاجسام الجامدة، أو مع اختلاف الاواني.

٢٠٥

(الرابع) ابوال ما لا يؤكل لحمه.وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، الا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس) البان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة.ويكره ما كان الحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

وبما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسىعليه‌السلام قال: سألته عن مواكلة المجوسي في قصعة واحدة، وارقد معه على فراش واحد، واصافحة، فقال: لا(١) .

ومثلها رواية هارون بن خارجة حيث سأل الصادقعليه‌السلام فقال: اني اخالط المجوس، فأكل من طعامهم؟ فقال: لا(٢) .

قال طاب ثراه: وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم الا ابوال الابل، والتحليل اشبه.

أقول: اما أبوال الابل للاستشفاء فجائز بالاجماع.

فهنا قيدان: كونها من الابل، والاحتياج اليه، فلا يحل تناولها لغير ضرورة.

واما ابوال غيرها، أو ابوالها لغير ضرورة فهل يجوز شربه أم لا؟ منع المصنف في كتاب الاطعمة من الشرائع(٣) لاستخباثها، واباحها في كتاب التجارة(٤) وفي الموضعين من النافع(٥) (٦) لمكان طهارتها.

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٧ الحديث ١٠١.

(٢)التهذيب، ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٧ الحديث ١٠٢.

(٣)الشرائع: كتاب الاطعمة والاشربة، الرابع الاعيان النجسة، قال: وقيل: يحل الجميع لمكان طهارته، والاشبه التحريم لمكان استخباثها.

(٤)الشرائع: كتاب التجارة، الاول الاعيان النجسة قال: وربما قيل بتحريم الابوال كلها الا بول الابل، والاول (أي اختصاص المنع ببول ما لا يؤكل لحمه) اشبه.

(٥)المختصر النافع: كتاب التجارة (الاول) الاعيان النجسة، قال: والابوال مما لا يؤكل لحمه.

(٦)لاحظ عبارة النافع في المتن.

٢٠٦

فالحاصل: ان علة التحريم هل هو الخبث؟ او المبيح للحل الطهارة؟ مع قطع النظر عن الاستخباث.

فمن قال بالاول قال بتحريمها، وهو اختيار ابن حمزة(١) وأحد قولي المصنف(٢) ومذهب العلامة(٣) .

ومن قال بالثاني اجاز شرب جميع الابوال من المأكول لضرورة وغيرها، وهو قول السيد(٤) وأبي علي(٥) وابن ادريس(٦) قال: وقول الشيخ في النهاية: ولا بأس بان يستشفى بأبوال الابل(٧) ليس دليلا على ان غيرها لا يجوز الاستشفاء به ولا يجوز شربه، لانا بلا خلاف بينا: ان ابوال ما يؤكل لحمه طاهرة غير نجسة(٨) .

وفيه منع لانا لا نسلم كون التحريم تابعا للتنجيس، بل الاستخباث كما في محرمات الذبيحة، وللآية(٩) وقد تقدم البحث في هذه في باب المكاسب.

____________________

(١)الوسيلة: فصل في بيان أحكام الاشربة ص ٣٦٤ س ١٥ قال: ولا يجوز شرب دماء الحيوانات ولا ابوالها مختارا إلا بول الابل للاستشفاء.

(٢)تقدم نقله عن الشرائع تحت رقم(١).

(٣)المختلف: ج ٢ في الاطعمة والاشربة ص ١٣٤ س ٣٣ فانه بعد قول ابن حمزة في الوسيلة قال: وهو المعتمد، لنا، انها مستخبثة الخ.

(٤)الانتصار: مسائل الاشربة ص ٢٠١ قال: (مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به القول بتحليل شرب ابوال الابل وكل ما اكل لحمه من البهائم.

(٥)المختلف: ج ٢ في الاطعمة والاشربة ص ١٣٤ س ٣٠ قال: وقال ابن الجنيد: ولا بأس بشرب بول ما اكل لحمه.

(٦)و(٧) و(٨) السرائر: كتاب الاطعمة والاشربة ص ٣٧١ س ٣٢ في الهامش قال: ولا بأس بشرب ابوال الابل، وكل ما اكل لحمه من البهائم، ثم قال: وقال شيخنا في نهايته: ولا بأس بان يستشفى بأبوال الابل ولم يذكر غيرها، وليس ذكره لها دليلا على ان غيرها لا يجوز الخ وكلام الشيخ في النهاية في باب الاطعمة المحظورة والمباحة ص ٥٩٠ س ١٦ قال: ولا بأس بان يستشفى بابوال الابل.

(٩)قال تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) سورة الاعراف / ١٥٧.

٢٠٧

(القسم الثالث)، في اللواحق، وهي سبع.

(الاولى) شعر الخنزير نجس سواء اخذ من حي او ميت على الاظهر، فان اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده. ويجوز الاستقاء بجلود الميتة، ولا يصلى بمائها (ولا يشرب).

قال طاب ثراه: شعر الخنزير نجس سواء اخذ من حي أو من ميت على الاظهر، فان اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده، ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها ولا يشرب.

أقول: هنا ثلاث مسائل.

(الاولى) شعر الخنزير هل هو نجس أم لا؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول، والثاني مذهب السيد(١) لانه لا تحله الحياة، وقد تقدم هذا البحث في كتاب الصلاة.

(الثانية) شعر الخنزير هل يجوز استعماله مع الاختيار؟ منع منه الشيخ في النهاية إلا مع الضرورة، فيستعمل ما لا دسم فيه ثم يغسل يده عند حضور الصلاة(٢) ، وهو اختيار المصنف في كتابيه(٣) (٤) وهو مذهب ابن ادريس رضوان الله عليه، حيث قال: شعر الخنزير لا يجوز للانسان استعماله مع الاختيار على

____________________

(١)الناصريات (في الجوامع الفقهية) مسألة ١٩ قال: شعر الميتة طاهر وكذلك شعر الكلب والخنزير، هذا صحيح وهو مذهب اصحابنا إلى ان قال: فان الشعر لا حياة فيه.

(٢)النهاية: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة، ص ٥٨٧ س ٦ قال: وكذلك شعر الخنزير لا يجوز له ان يستعمله مع الاختيار فان اضطر إلى استعماله فاليستعمل منه مالم يكن بقي فيه دسم ويغسل يده عند حضور الصلاة.

(٣)الشرائع: كتاب الاطعمة والاشربة، القسم السادس في اللواحق (الاولى) قال: لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا الخ.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

٢٠٨

الصحيح من أقوال أصحابنا وان كان قد ذهب قوم منهم إلى جواز استعماله وتسمك بانه لا تحله الحياة الا ان اخبارنا متواترة عن الائمة الاطهار بتحريمه، والاحتياط يقتضي ذلك، فان اضطر إلى استعماله فليستعمل منه مالم يكن فيه دسم، بان يتركه في فخار ويجعله في النار، فاذا ذهب دسمه استعمله عند الضرورة والحاجة اليه، ويغسل يده عند حضور الصلاة على ما وردت به الاخبار بذلك(١) ، وهو موافق لما افتى به شيخنارحمه‌الله ، وجزم به المصنف(٢) والعلامة في القواعد(٣) .

ويلزم السيد جواز استعماله لمكان طهارته وهو مذهب العلامة في المختلف لاصالة الاباحة، ونجاسته لا تعارض الانتفاع به، لما فيه من المنفعة العاجلة الخالية من ضرر عاجل أو آجل، فيكون سائغا عملا بالاصل السالم عن معارضته دليل عقلي أو نقلي في ذلك(٤) .

وبما رواه سليمان الاسكاف عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن شعر الخنزير يخزز به(٥) ، قال: لا بأس به ولكن يغسل يده اذا اراد ان يصلي(٦) . وحمله الشيخ على حالة الضرورة.

ولما رواه عن برد الاسكاف عن الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك اني رجل خزاز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخزز به قال: خذ منه وبره

____________________

(١)السرائر: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٣٧٠ س ٣ قال: وكذلك شعر الخنزير لا يجوز للانسان استعماله الخ.

(٢)تقدم آنفا.

(٣)القواعد: ج ٢ في الاطعمة والاشربة ص ١٥٩ س ٦ قال: ويحرم استعمال شعر الخنزير الخ.

(٤)المختلف: ج ٢، الفصل الرابع فيما يحل من الميتة وما يحرم من الذبيحة ص ١٣٢ س ١٦ قال: والمعتمد جواز استعماله مطلقا الخ.

(٥)الخزازون قوم يعملون الخز (مجمع البحرين لغة خزز).

(٦)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٥ الحديث ٩٢.

٢٠٩

واجعلها في فخارة، ثم اوقد تحته حتى يذهب دسمه ثم اعمل به(١) .

(الثالثة) هل يجوز الاستقاء بجلود الميتة؟ قال الشيخ في النهاية: نعم لغير الوضوء والصلاة والشرب، وتجنبه افضل(٢) وبه قال المصنف في كتابيه(٣) (٤) والعلامة في القواعد جزما(٥) وجعله ابن ادريس رواية(٦) ومنع القاضي(٧) وابن حمزة(٨) والعلامة في المختلف(٩) .

وهو المعتمد لعموم قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة)(١٠) والاصل عدم التخصيص، فيحرم جميع انواع الانتفاع.

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ٨٤ الحديث ٩٠.

(٢)النهاية: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٥٨٧ س ٨ قال: ويجوز ان يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير الوضوء الخ.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)الشرائع: كتاب الاطعمة والاشربة، في اللواحق، قال: ويجوز الاستسقاء بجلود الميتة إلى قوله: وترك الاستسقاء افضل.

(٥)القواعد: ج ٢ في الاطعمة والاشربة ص ١٥٩ س ٦ قال: ويجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الطهارة وتركه افضل.

(٦)السرائر: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٣٧٠ س ٦ قال: وروي انه يجوز ان تستعمل من جلود الميتة دلو الخ.

(٧)المهذب: ج ٢ باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها ومن الميتة ص ٤٤٢ س ١٤ قال: فان كان ميتة لم يجز استعماله على وجه من الوجوه.

(٨)الوسيلة: فصل في بيان ما يحرم من الذبيحة ويحل من الميتة وحكم الجلود ص ٣٦٢ س ١١ قال: جلود الميتة، ولا يجوز استعمالها الخ.

(٩)المختلف: ج ٢، الفصل الرابع فيما يحل من الميتة وما يحرم من الذبيحة ص ١٣٢ س ٢٦ فانه بعد نقل قول ابن البراج بالمنع قال: وهو الاقرب.

(١٠)سورة المائدة / ٣.

٢١٠

(الثانية) اذا وجد لحم واشتبه، القي في النار، فان انقبض فهو ذكي، وان انبسط فهو فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة، اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل المية (على الاصح)(١) .

ولما رواه الشيخ في المبسوط عن عبدالله بن الحكم قال: اتانا كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه: ان لا ينتفع بالميتة باهاب ولا عصب(٢) .

احتج المسوغون: بالاصل، وهو ممنوع، لوجوب مخالفته عند الدليل، وقد بيناه.

فرع

قال الصدوق في المقنع: لا بأس ان يجعل جلد الخنزير دلوا يسقى به الماء(٣) .

وفيه منع لعدم وقوع الذكاة عليه، فهو كجلد الميتة، وقد مر البحث فيه.

قال طاب ثراه: اذا وجد لحم واشتبه القي في النار، فان انقبض فهو ذكي، وان انبسط فهو ميت.

ولو اختلط الذكي بالميتة، اجتنبا. وفي رواية الحلبي يباع ممن يستحل الميتة.

أقول: هنا مسألتان.

(الاولى) اذا وجد لحم فاشتبه فلا يعلم اذكي أم ميت، ما الحكم فيه؟ قال

____________________

(١)هكذا في النسخ المطبوعة التي عندنا من المختصر النافع، وفي النسخ المخطوطة من النافع ومن المهذب ليست كلمة (على الاصح) فيها.

(٢)لم اظفر عليه في المبسوط والحديث في سنن ابن ماجة: ج ٢(٢٦) باب من قال: لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب ص ١١٩٤ الحديث ٣٦١٣ وفيه (عن عبدالله بن عكيم).

(٣)المقنع: باب الصيد والذبائح ص ١٤١ س ٩ قال: واياك ان تجعل جلد الخنزير دلوا تستقي به الماء. وهذا كما ترى على خلاف مقصود المصنف، ولكن في المختلف: ج ٢ ص ١٣٢ س ٢٨ قال:

تذنيب: قال الصدوق في المقنع: ولا بأس ان يجعل جلد الخنزير دلوا الخ.

٢١١

الشيخ في النهاية: يطرح في النار فان انقبض فهو ذكي، وان انبسط فهو ميت(١) واختاره المصنف هنا(٢) وجعله في الشرائع قولا(٣) ومنع العلامة في القواعد واوجب اجتنابه، وحكىاعتباره بالنار قولا(٤) واختاره فخر المحققين(٥) .

احتج الشيخ بما رواه شعيب عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما، لم يدر أذكي هو أم ميت قال: يطرحه فكلما انقبض فهو ذكي وكلما انبسط فهو ميتة(٦) .

احتج المانعون: بالاحتياط، وبتحريم اللحم والصيد إلا مع تعين التذكية، وهو مفقود هنا.

(الثانية) اذا اختلط الذكي بالميت ولم يكن هناك طريق إلى تميزه لم يحل اكل شئ منه، وبيع على مستحل الميتة، قاله الشيخ في النهاية(٧) وتبعه العلامة في

____________________

(١)النهاية: باب الصيد واحكامه ص ٥٨٢ س ٢ قال: واذا وجد لحما لا يعلم اذكي هو أم ميت فليطرحه على النار الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)الشرائع: كتاب الاطعمة والاشربة، القسم السادس في اللواحق قال: (الثانية) اذا وجد لحم إلى قوله: قيل يطرح في النار الخ.

(٤)القواعد: ج ٢، في الاطعمة والاشربة، المطلب الخامس في المائعات ص ١٥٩ س ٨ قال: ولو وحد لحم مطروح لا يعلم ذكاته اجتنب، وقيل: يطرح في النار.

(٥)الايضاح: ج ٤ في الاطعمة والاشربة (في المائعات) ص ١٦١ س ١٨ قا: والاصح عندي التحريم ولا اعتبار بالنار.

(٦)الكافي: ج ٦ كتاب الاطعمة، باب اختلاط الميتة بالذكي، باب اخر منه ص ٢٦١ الحديث ١.

(٧)النهاية: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٥٨٦ س ١ قال: واذا اختلط اللحم الذكي بالميتة إلى قوله: وبيع على مستحلي الميتة.

٢١٢

المختلف(١) ومنع ابن حمزة(٢) والقاضي(٣) وابن ادريس(٤) وأوجبوا اجتناب الجميع، وهو اختيار المصنف(٥) .

احتج الاولون بصحيحة الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال: سمعته يقول: اذا اختلط الذكي باعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه(٦) .

قال العلامة: وهذا ليس في الحقيقة بيع، بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه، فكان سائغا ثم اورد الرواية(٧) .

احتج الاخرون: بوجوب تغليب الحرمة مع اجتماعها بالمباح، كوجوب اجتناب الزوجة مع اشتباهها بالاجنبية.

ولقولهعليه‌السلام : ما اجتمع الحلال والحرام وغلب الحرام(٨) .

ولان أكله حرام فثمنه كذلك، ولما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله اذا

____________________

(١)المختلف: ج ٢ (الفصل الرابع فيما يحل من الميتة وما يحرم من الذبيحة) ص ١٣١ س ٢٨ قال: والوجه ما قاله الشيخ (لنا) انه في الحقيقة ليس بيعا، بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا.

(٢)الوسيلة: فصل في بيان ما يحرم من الذبيحة ويحل من الميتة ص ٣٦٢ س ٤ قال: وان اختلط لحم الميتة بالمذكى ولم يتميز لم يؤكل وبيع على مستحليه.

ولا يخفى ان هذا على خلاف مطلوب المصنف أدل، ولعل ذلك من قلم النساخ والصحيح (وتبعه العلامة وابن حمزة).

(٣)المهذب: ج ٢ باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها ومن الميتة ص ٤٤١ س ١٤ قال: وإذا اختلط لحم ذكي بميتة إلى قوله: لم يحل اكل شئ منه الخ.

(٤)السرائر: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٣٦٩ س ٢٧ قال: واذا اختلط اللحم المذكى بلحم الميتة إلى قوله: لم يحل اكل شئ منه ولا يجوز بيعه.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)الكافي: ج ٦ باب اختلاط الميتة بالذكي ص ٢٦٠ الحديث ٢.

(٧)تقدم آنفا تحت رقم ٢.

(٨)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٦٦ الحديث ١٧ ولاحظ ما علق عليه.

٢١٣

حرم شيئا حرم ثمنه(١) .

ومثله قولهعليه‌السلام : لعن الله اليهود حرمت عليهم الميتة، فباعوها واستحلوا اثمانها(٢) .

واستحسن العلامة في القواعد الاول اذا قصد بيع الذكي حسب(٣) فعلى هذا يشترط ان يكون معلوما عند البائع، لان بيع المجهول غير جائز.

قال فخر المحققين: الضمير في قولهعليه‌السلام (باعه ممن يستحل الميتة) راجع إلى الذكي، بان يعلم وزنه، ولا يعلم عينه: ويكون الآخر تابعا ولا حظ له في الثمن، كالآبق، قال: وفي الكل نظر، والاصح التحريم، ولا اعتبار بالنار هذا اخر كلامه في الايضاح(٤) .

فان قلت: كيف حكم الشيخ في النهاية بوجوب الاجتناب مع الاختلاط(٥) واجاز بيعه على مستحل الميتة وجعل الانقباض والانبساط امارة صالحة للتمييز بين الذكي والميت، فأي فرق بين الحالتين؟ فهلا اعتبر الانقباض والانبساط في المختلط واكل المتيقن والقى المنبسط، وتفصى من البيع على المستحل.

فالجواب الفارق بين الصورتين موجود، لان في الاختلاط تيقن وجود ميت

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٢ الحديث ٤٨ ولاحظ ما علق عليه.

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٢ الحديث ٤٩ ولاحظ ماعلق عليه.

(٣)قال في الايضاح: ج ٤ ص ١٦١ س ١٥ في شرح قول العلامة (ولو وجد لحم مطروح الخ) ما لفظه (واما جواز البيع ثمة، فلانه يعلم وجود ذكي ويقصد بيعه، وقول الصادقعليه‌السلام : اذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة، الضمير فيه راجع إلى الذكي بان يعلم وزنه ولا يعلم عينه، ويكون الآخر تابعا لاحظ له في الثمن).

(٤)الايضاح: ج ٤ في المائعات، ص ١٦١ س ١٧ قال: والضمير فيه الخ.

(٥)النهاية: باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ص ٥٨٦ س ١ قال: واذا اختلط اللحم الذكي بالميتة الخ وقد تقدم ايضا.

٢١٤

(الثالثة) لا يأكل الانسان من مال غيره الا باذنه، وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الاية اذا لم يعلم الكراهية. وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل. وفي ثمرة الزرع والشجر تردد، ولا يقصد، ولا يحمل.

(الرابعة) من شرب خمرا او شيئا نجسا فبصاقه طاهر مالم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامس) اذا باع ذمي خمرا ثم اسلم فله قبض ثمنها. وذكي، واشتبه المحرم يقينا بالمحلل يقينا، فوجب اجتنابهما، كالانائين، والزوجتين، واما المجهول فلم يعلم حاله انه ميت، فاعتبره بما جعله الشارع صالحا لتميزه.

قال طاب ثراه: وقد رخص مع عدم الاذن، في الاكل من بيوت من تضمنته الآية، وكذا ما يمر به الانسان من ثمرة النخل، وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

أقول: الاصل تحريم التصرف في مال الغير الا مع صريح الاذن، لقوله تعالى (ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام)(١) وقولهعليه‌السلام : المسلم اخو المسلم لا يحل له ماله الا عن طيب نفس منه(٢) وقولهعليه‌السلام : مال المسلم ودمه حرام(٣) .

وقد اخرج النص من هذا الاصل العام، وجوها.

(الاول) الاكل من بيت من تضمنته الآية، يعنى قوله تعالى (ولا على أنفسكم

____________________

(١)سورة النساء / ٢٩.

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ١ ولاحظ ما علق عليه.

(٣)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٢ ولم اظفر عليه في غيره، نعم بمضمونه روايات، لاحظ سنن ابن ماجة: ج ٢: كتاب الفتن(٢) باب حرمة دم المؤمن وماله ص ١٢٩٨ الحديث ٣٩٣٣ قال: كل المسلم على المسلم حرام دمع وماله وعرضه.

٢١٥

أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آباء‌كم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا)(١) يعنى مجتمعين ومنفردين.

وقوله: (او ما ملكتم مفاتحه او صديقكم) المراد به بيت العبد، لان ماله ملك سيده، وقيل: مايجده الانسان في داره ولم يعلم به.

وشرط الاصحاب: علم انتفاء الكراهية، فلا يحل مع تيقنها، وإن لا يحمل معه.

ونقل ابن ادريس عن بعض اصحابنا: انه لا يأكل الا ما يخشى عليه الفساد(٢) ولا يشترط الاذن في الدخول إلى البيت، ويكفي البناء على الظاهر من حسن ظنه به، ولا يشترط اذنه مطلقا.

(الثاني) المال المشترك كالشجرة والزرع والمباطخ(٣) فان لكل واحد من الشركاء، الاكل بدون اذن الشريك لقوله تعالى: (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم")(٤) مع عدم علم الكراهة ايضا، ولا يدخل هذا في الصديق المذكور في الآية، لانه قد لا يكون صديقا.

(الثالث) ما يمر به الانسان من ثمرة النخل وغيرها، وقد تقدم البحث فيه.

(الرابع) الشرب والوضوء والغسل من ماء الدالية والدولاب(٥) ، عملا بشاهد

____________________

(١)سورة النور / ٦١.

(٢)السرائر: كتاب الاطعمة والاشربة ص ٣٧١ س ٢٧ قال: وذهب بعض اصحابنا الخ.

(٣)المبطخة: المكان ينبت فيه الطيخ بكثرة، وفي الاساس: رايته يدور بين المطابخ والمباطخ ج مباطخ (المعجم الوسيط ج ١، لغة بطخ).

(٤)سورة النساء / ٢٩.

(٥)الدالية: الدلو ونحوها.

خشبة تصنع على هيئة الصليب تثبت برأس الدلو ثم يشد بها طرف حبل وطرفه الآخر يخذع قائم على رأس البئر يستقى بها، والناعورة يديرها الماء او الحيوان (الساقية) والارض

٢١٦

(السادسة) الخمر تحل اذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج. ولا تحل لو القي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو القي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم تحل حتى يصير ذلك الخمر خلا، وهو متروك.

(السابعة) لا يحرم الربويات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر. ويكره الاسلاف في العصير، وان يستأمن على طنجه من يستحله قبل ان يذهب ثلثاه. والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت. الحال، ولو علم الكراهة حرم.

قال طاب ثراه: وقيل: لو القي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا، وهو متروك.

أقول: توضيح المسألة: ان نفرض إنائان في أحدهما خل وفي الاخر خمر، فوقع من اناء الخمر في الخل، فالاصل أن الخل حرم لنجاسته بملاقاة الخمر، وفرضنا تخلل الخمر الصرف الباقي في انائه، فانه يحل قطعا للاجماع على حل الخمر بانقلابه. وهل يطهر الخل الذي وقع فيه الخمر؟ لنا فيه ثلاثة اقوال.

(الاول) طهارته مع انقلاب باقية الصرف كما صورناه، وهو مذهب الشيخ في النهاية(١) والتهذيب(٢) واستقربه العلامة في المختلف(٣) لان انقلاب الخمر إلى

____________________

تسقى بالدلو (المعجم الوسيط ج ١ لغة دلو) والدولاب الالة التي تديرها الدابة ليستقى بها (المعجم لوسيط ج ١ لغة دول).

(١)النهاية: باب الاشربة المحظورة والمباحة ص ٥٩٢ س ٢٠ قال: واذا وقع شئ من الخمر في الخل لم يجز استعماله الا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا.

(٢)التهذيب: ج ٩(٢) باب الذبائح والاطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه ص ١١٨ الحديث ٢٤٤ ولاحظ الحديث ٤٤٥ وذيله.

(٣)المختلف: ج ٢ (الفصل الخامس في الاطعمة والاشربة) ص ١٣٧ س ٤ فانه بعد نقل قول الشيخ

٢١٧

الخل يدل على تمامية استعداد انقلاب ذلك الخمر إلى الخل والمزاج واحد، بل استعداد الملقى في الخل لصيرورته خلا، أتم، ولكن لا يلعم لامتزاجه بغيره، فاذا انقلب الاصل المأخوذ منه علم انقلابه ايضا، ونجاسة الخل تابعة للخمرية، وقد زالت، فيزول النجاسة كما في الخمر اذا انقلب.

(الثاني) يكفي في حل الخل ان يمضي عليه وقت تنتقل في مثله العين من التحليل إلى التحريم، او من التحريم إلى التحليل، وهو قول أبي علي(١) .

(الثالث) بقاؤه على التحريم قاله ابن ادريس(٢) والمصنف(٣) والعلامة في اكثر كتبه(٤) وهو ظاهر السيد(٥) لنجاسة الخل بملاقاة الخمر، وليس حال ينقلب اليها، ولا يتعدى طهارة ذلك الخمر المنفرد اليه، لاصالة بقاء الحرمة إلى تيقن سبب الحل، ولا يقين هنا.

ولان قليل الخمر لو القي في الماء لم يحل بانقلاب الباقي من

____________________

قال: واعلم ان قول الشيخ ليس بعيدا الخ.

(١)المختلف: ج ٢ (الفصل الخامس في الاطعمة والاشربة) ص ١٣٧ س ٧ قال: وقد نبه شيخنا ابوعلي بن الجنيد فقال: إلى ان قال: فانه يحرم عليه شربه في الوقت مالم يمض عليه وقت تنتقل في مثله العين من التحليل إلى التحريم الخ.

(٢)السرائر: باب الاشربة المحظورة ص ٣٧٣ س ٢٨ فانه بعد نقل قول النهاية قال: والذي يقتضيه اصول المذهب ترك العمل بهذه الرواية.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)التحرير: ج ٢ كتاب الاطعمة والاشربة في المائعات ص ١٦١ س ١٩ قال: ولو القي في الخمر خل او العكس لم يحل ولم تطهر الخ والقواعد: ج ٢ (المائعات) ص ١٥٨ س ٢٣ قال: (تتمة) لو القي الخمر في الخل، او بالعكس لم يطهر الخمر فكان الخل نجسا الخ.

(٥)الانتصار: مسائل الاشربة ص ٢٠٠ س ١٦ قال: (مسألة) وعند الامامية اذا انقلبت الخمر خلا بنفسها او بفعل ادمي إلى قوله: وابوحنيفة يوافق الامامية فيما حكيناه الا انه يزيد عليهم، وبعد نقل مذهب أبي حنيفة قال: وعند الامامية ان ذلك لا يجوز، ومتى لم ينقلب الخمر إلى الخل لم يحل الخ.

٢١٨

الخمر. وكذا لو القي على الخمر مايغلب عليها من المائعات والجامدات حتى لا يبقى للخمر طعم ولا رائحة أصلا، فما الفرق بين غلبة الخل على الخمر في تحليلها وبين غلبة الماء وغيره عليها؟ ! فان قالوا: الفرق أن الخمر ينقلب إلى الخل ولا ينقلب إلى غيره، قلنا: كلامنا فيها على الانقلاب، والخمر اذا ألقيت في الخل الكثير فما انقلبت في الحال، بل عينها باقية في الماء، فما الفرق؟ ! وفي المسألة قول رابع لابي حنيفة: اذا كان الخل زائدا على الخمر بحيث لا يوجد طعم الخمر اصلا، فانه يحل بذلك. فروع:

(أ) الخمر تطهر بانقلابها خلا اجماعا، وتطهر انائها، سواء كان تاما او ناقصا، وان كان نقيصته بعد تمامه بالاخذ منه، أو تنشرت الاناء، أو نقصه بالسمائم، او غير ذلك. ولا يجب ثقب الاناء واستخراجه من جانبه او اسفله كما يتوهمه من لا تحصيل له. ويشترط في طهرها بالانقلاب ان تكون نجاستها بسبب التخمير لزواله بالانقلاب، فلو لاقتها قبل انقلابها نجاسة كمباشرة كافر او غير ذلك، لم يحل بالانقلاب.

(ب) لا كراهة في استعمال هذا الخل اذا كان الانقلاب لا عن علاج، ويكره لو كان معه، وتطهر الاجسام الواقعة فيه للعلاج او لغيره، وان كنا قد حكمنا بنجاستها قبل الانقلاب كما يطهر الدن، لان النجاسة لمكان الخمرية وقد زالت.

(ج) العصير اذا غلا حرم. ومعنى الغليان ان يصير اسفله اعلاه، ولا فرق بين حصول ذلك من نفسه او بتسخين من نار او شمس. ولا يشترط ان تقذف بالزبد، ولا صيرورته مسكرا.

٢١٩

[وهذا الحكم يختص بعصير العنب دون التمر على الاصح، وكذا الزبيب الا ان يسكر أو يضاف اليه من الحوائج ما يصيره فقاعا.

(د) يعرض التحليل لهذا العصير باحد الامرين: انقلابه إلى الخل، او ذهاب ثلثيه، فيصر دبسا، ولا يشترط ذهاب الثلثين بالغليان، بل يكفي ذهاب الثلثين كيف كان، سواء كان بالشمس او النار او السمائم، للعموم.

(ه‍) اذا غلا في قدر الطبخ حكم بنجاسه ونجاسة القدر والمشواط، فاذا ذهب الثلثان طهر الجميع.

وكذا يطهر اعالي القدر الذي كان الزبد يقذف اليه بالغليان. وكذا تطهر يد المعالج. والحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا وصلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين.

كتاب الغصب والنظر في امور: (الاول)

الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

مقدمة

الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

وقيل: هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير بغير حق. والثاني أعم من الاول احق.

ويتفرع على القولين: ما لو كان لانسان عند الصباغ ثوب، فرد عليه غيره غلطا، ثم علم به فهو غاصب على الثاني دون الاول. وكذا لو خرج الانسان من جامع، أو من مزار، فوجد نعالا مختلطة، فجعل يرفع منها بعضها ويضع منها بعضا ليعلم حفه لم يكن غاصبا فيما أثبت يده عليه، لانه ليس ظالما في ذلك، ولا متعديا، ولا كان وضع اليد عليها بنية الاستيلاء، بل لتميز خفه وهو لا يتم الا بذلك، ويكون غاصبا

٢٢٠