المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

المهذب البارع في شرح المختصر النافع10%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 553

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114279 / تحميل: 7350
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[قصد المضارة، وهو لزوم السراية فيه، وعدم لزومها مع قصد القربة غير واضح ولا مستقيم(١) .

واجاب العلامة عنه: بان المراد بالاضرار هنا تقويمه قهرا، او منع المالك عن ملكه(٢) .

(الثاني) عتق المعسر

وفيه ثلاثة اقوال.

(أ) استسعاء العبد في نصيب الشريك قاله الصدوق(٣) والسيد(٤) وهو المشهور.

ومستنده رواية محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال: من كان شريكا في عبد أو أمة، قليل او كثير فاعتق حصته، وله سعة، فليشتره من صاحبه فيعتقه كله، وان لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم اعتق منه ما عتق ثم يسعى العبد في حساب مابقى حتى يعتق(٥) .

(ب) استقرار الرق في الباقي قاله الشيخ في المبسوط(٦) ].

____________________

(١) السرائر: كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٥ س ٢٤ فانه بعد نقل كلام الشيخ في النهاية قال: قال محمد بن ادريس: قوله هذا عجيب إلى قوله: وهذا متناقض مخالف لاصول المذهب الخ.

(٢) المختلف: كتاب العتق واحكامه ص ٧٢ س ٨ فانه بعد نقل قول الشيخ وابن ادريس مبسوطا قال: وقول ابن ادريس في الرد على الشيخ ضعيف، لان الشيخ لم يقصد انه اعتق لمجرد الاضرار الخ.

(٣)المقنع: باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٦ س ٩ قال: وان لم يكن له سعة في المال إلى قوله: ثم يسعى العبد.

(٤)الانتصار في مسائل العتق ص ١٦٩ س ١٣ قال: مسألة ومما انفردت به الامامية ان العبد اذا كان بين شريكين إلى قوله: وان كان المعتق معسرا وجب ان يستسعى العبد في باقي ثمنه الخ.

(٥)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه، ص ٢٢١ الحديث ٢٤.

(٦)المبسوط: ج ٦ ص ٥٥ س ١٣ قال: فاما ان كان معسرا فاعتق نصيبه منه اعتق منه ما اعتق ورق الباقي عندنا.

٦١

وإذا اعتق الحامل تحرر الحمل ولو استثنى رقه، لرواية السكوني. وفيه مع ضعف السند اشكال منشأه عدم القصد إلى عتقه.

واما العوارض: فالعمى، والجذام، وتنكيل المولى بعبده.

[ومستنده رواية الحلبي عن الصادقعليه‌السلام في جارية كانت بين اثنين واعتق احدهما نصيبه قال: ان كان موسرا كلف ان يضمن، وان كان معسرا أخدمت بالحصص(١) .

(ج) انه ان كان قصد الاضرار بطل العتق، وان قصد القربة استسعى العبد في فك رقبته، وان امتنع العبد من السعي كان له من نفسه قدر ما اعتق ولمولاه الباقي قاله الشيخ في النهاية(٢) .

ومستنده رواية محمد عن أبي عبداللهعليه‌السلام انه قال: وان عتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له لانه اراد ان يفسد على القوم ملكهم فيرجع على القوم حصصهم(٣) .

واجيب بحمله على قصد الاضرار خاصة دون التقرب، جمعا بين الاحاديث(٤) .

قال طاب ثراه: واذا اعتق الحامل تحرر الحمل ولو استثنى رقه، لرواية السكوني، وفيه مع ضعف السند اشكال، منشاه من عدم القصد إلى عتقه.

أقول: عتق السراية انما يكون في الاشقاص، لا في الاشقاص، فلا يسري]

____________________

(١)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢١٩ الحديث ١٨.

(٢)النهاية باب العتق واحكامه ص ٥٤٢ س ٥ قال: وان لم يكن موسرا إلى قوله: ولمولاه ما بقى.

(٣)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٢١ قطعة من حديث ٣٨.

(٤)قاله الفخر في الايضاح: ج ٣ كتاب العتق ٤٩٦ س ١٩ فلاحظ.

٦٢

[العتق في الحمل إلى امه وبالعكس كما لا يتبعها في البيع قاله ابن ادريس(١) واختاره المصنف(٢) والعلامة(٣) .

وقال الشيخ في النهاية: ينعتق الحمل، وان استثناه من الحرية لم يثبت رقه(٤) وتبعه القاضي(٥) وابن حمزة(٦) وهو ظاهر أبي علي(٧) .

والمستند رواية السكوني عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام في رجل اعتق أمة وهي حبلى فاستثنى مافي بطنها، قال: الامة حرة وما في بطنها حر، لان ما في بطنها منها(٨) قال الشهيد(٩) : وعليها القدماء. ويؤيدها صحيحة الحسن الوشاء عن الرضاعليه‌السلام في جارية دبرت وهي حبلى: ان علم به فهو مدبر والا فهو رق(١٠) ].

____________________

(١)السرائر: كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٧ س ٢٠ قال: والاصل ان لا عتق، وثبوت العبودية في حملها الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)المختلف: كتاب العتق وتوابعه ص ٧٦ س ٣٩ فانه بعد نقل قول الشيخ ومن تبعه ونقل قول ابن ادريس قال: والوجه ما قاله ابن ادريس.

(٤)النهاية: باب العتق واحكامه ص ٥٤٥ س ١٥ قال: واذا اعتق الرجل جارية حبلى من غيره صار ما في بطنها حرا كهيئتها الخ.

(٥)المهذب: ج ٢ كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٦١ س ١٢ قال: واذا اعتق مملوكة له حاملا من غيره كان حملها معتقا فان استثناه من الحرية لم يثبت له رق مع مضي الحرية في امه.

(٦)الوسيلة: كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٣٤٢ س ١٤ قال: وان اعتق امة ذات ولد إلى قوله: وان كانت حاملا سرى اليه.

(٧)المختلف: كتاب العتق وتوابعه ص ٧٦ س ٣٦ فبعد نقل قول الشيخ قال: وهو ظاهر كلام ابن الجنيد.

(٨)من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٥٣) باب الحرية ص ٨٥ الحديث ٨.

(٩)اللمعة: ج ٦ ص ٣٠٧ س ٦ قال: وعتق الحامل لا يتناول الحمل كما لا يتناوله البيع الخ.

(١٠)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦١ الحديث ١٥.

٦٣

والحق الاصحاب الاقعاد، فمتى حصل احد هذه الاسباب فيه، انعتق. وكذا إذا اسلم العبد في دار الحرب سابقا على مولاه. وكذا لو كان العبد وارثا ولا وارث غيره دفعت قيمته على مولاه.

[قال طاب ثراه: والحق الاصحاب الاقعاد.

أقول: انما نسب الالحاق إلى الاصحاب، لاستناده إلى اجماعهم وخلو لفظ الرواية عنه.

روى السكونى عن النوفلى عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اذا عمي او اجذم فلا رق عليه(١) .

وروى ابن محبوب عمن ذكره عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كل عبد مثل به فهو حر(٢) .

ومثله روى ابوبصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قضى امير المؤمنينعليه‌السلام فيمن نكل بمملوكه انه حر سائبة يتوالى إلى من احب(٣) .

والتحقيق: ان العوارض ثمانية.

(أ) الملك للعمودين، ونعني بهما الاباء والاولاد، فمتى حصل الملك لاحدهم، اختياريا كان سبب التملك او قهريا، انعتق المملوك. وكذا ينعتق على الرجل المحرمات عليه.

اما انعتاق الولد: فلقوله تعالى (وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والارض إلا آتي الرحمان عبدا(٤) دلت على منعفات العبودية للولد،]

____________________

(١)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٢ الحديث ٣١ ولفظ الحديث (عن السكويي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا عمى المملوك فلا رق عليه، والعبد اذا جذم فلا رق عليه).

(٢)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٣ الحديث ٣٤.

(٣)التهذيب: ج ٨(١) باب العتق واحكامه ص ٢٢٣ الحديث ٣٥.

(٤)سورة مريم / ٩٢ ٩٣.

٦٤

[وفي الوالد بطريق أولى.

واما المحارم: فلقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)(١) نفى اللوم عن الوطئ بملك اليمين، وهو ممتنع هنا، فلا يكون الملك حاصلا، لان انتفاء اللازم يدل على انتفاء ملزومه. وكذا لا ينعتق على المرأة سوى العمودين، لقيام الدليل الاول فيهما، وعدم تحقق الثاني في غيرهما، والاصل بقاء الملك وعدم العتق.

(ب) عروض الجذام للمملوك.

(ج) عروض البرص عند ابن حمزة(٢) ولم يثبته الباقون.

(د) عروض العمى.

(ه‍) تنكيل المولى به خلافا لابن ادريس(٣) .

(و) الاقعاد عند اصحابنا.

(ز) موت قريبه مع عدم وارث سواه.

(ح) اسلام العبد في دار الحرب قبل مولاه، واشترط السيد خروجه قبله(٤) ولم يشترطه الاكثر].

____________________

(١)سورة المؤمنون / ٥ ٦.

(٢)الوسيلة: كتاب العتق والتدبير والمكاتبة، فصل في بيان العتق واحكامه ص ٣٤٠ س ١١ قال: ومن نكل به او برص الخ.

(٣)السرائر: كتاب العتق والتدبير والمكاتبه ص ٣٤٤ س ٢١ قال: ولا يجوز ان يعتق في الكفارة الاعمى والمجذوم والمقعد، لان هؤلاء خرجوا عن الملك بهذه الافات، والعتق لا يكون الا بعد الملك.

(٤)لم نعثر عليه.

٦٥

٦٦

٦٧

٦٨

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد

اما التدبير فلفظه الصريح: انت حر بعد وفاتي، ولابد فيه من النية، ولا حكم لعبارة الصبي، ولا المجنون، ولا السكران، ولا المحرج الذي لا قصد له.

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد

التدبير هو عتق المملوك بعد وفاة سيده، واشتقاقه من الدبر. ولما كان التحرير انما يحصل بعد الوفاة، وهي دبر الحياة، سمى تدبيرا. ويدل على مشروعيته النص والاجماع.

اما الاول: فالسنة المتواترة(١) واما الثاني: فلا خلاف بين الامة فيه.

تذنيبان

(الاول) التدبير قسمان: مطلق كقوله: اذا مت فانت حر، ومقيد كقوله: اذا مت في شهري هذا أو سنتي هذه، او مرضي هذا فانت حر، فان حصل الموت مع الشرط وقع التدبير وإلا فلا].

____________________

(١)الظاهر ان مراد المصنف ب‍ (السنة المتواترة) هي الطريقة المستقيمة والمنهج الدائرة من مبدع الشرع القويم صلوات الله عليه وآله إلى القرون المتطاولة والاعصار القاصية والدانية.

٦٩

وفي اشتراط القربة تردد.

[(الثاني) التدبير هل هو وصية بالعتق، او عتق بصفة؟ قيل: بالاول لان العتق لا يقع معلقا، ولاعتبار خروجه من الثلث، والجواز الرجوع فيه، وقيل: بالثاني لعدم اشتراط القبول فيه، وعدم توقفه بعد الوفات على الاعتاق من الوارث له او الحاكم، فكان عتقا بصفة، وجاز هنا للاجماع، اذ العام يخص بالدليل.

تنبيه

الموصى بعتقه ليس مدبرا وان خرج من الثلث. ويظهر فائدته في مسائل.

(أ) افتقاره إلى الاعتاق بعد الوفاة من الوارث، او الحاكم مع امتناعه، وعدمه في المدبر.

(ب) ثبوت الحرية في المدبر من حين الموت، وفي الموصى بعتقه بعد اعتاقه، فالكسب للعبد من حين الموت في الاول، وبعد الاعتاق في الثاني.

(ج) لو مات المملوك بعد موت سيده قبل الاعتاق في الموصى بعتقه، حكم بموته عبدا، ومؤنة تجهيزه على الوارث، وفي المدبر على بيت المال.

(د) صحة تملكه بالهبة والوصية واستحقاق الوقف والنذر وصحة المعاملة وزوال الحجر بعد الموت في المدبر واضدادها في الموصى به الا بعد الاعتاق.

وانما عقد المصنف الكتاب على الثلاثة، اعني التدبير والمكاتبة والاستيلاد؟ لاشتراكها في شئ واحد، وهو صدور سبب العتق عن المالك في الحال، وتوقع حصول الملك في ثاني الحال، مع جواز ان لا يحصل برجوع السيد في التدبير، او عجز التركة عنه، وحصول عجز العبد في الكتابة، وموت الولد في الاستيلاد.

قال طاب ثراه: وفي اشتراط تردد.

٧٠

ولو حملت المدبرة من مولاها لم يبطل تدبيرها وتنعتق بوفاته من الثلث. ولو حملت من غيره بعد التدبير فالولد مدبر كهيئتها. ولو رجع في تدبيرها لم يصح رجوعه في تدبير الاولاد، وفيه قول آخر ضعيف.

[أقول: اشترط ابن ادريس قصد التقرب في التدبير(١) وهو ظاهر القاضي(٢) هوه مبني على مسألتين: (الاولى) انه عتق.

(الثانية) ان العتق يشترط فيه القربة، ويلزم من هذا المذهب بطلان تدبير الكافر، وقيل: لا يشترط للاصل.

والتحقيق ان نقول: التدبير هل هو وصية بعتق، او هو عتق معلق بالموت؟ فعلى الاول لا يحتاج إلى نيه القربة، وعلى الثاني يحتاج اليها ان قلنا باشتراطها في العتق، قال فخر المحققين: وقال كثير من الاصحاب: انه وصية(٣) .

قال طاب ثراه: ولو رجع المولى في تدبيرها لم يصح رجوعه في تدبير الاولاد، وفيه قول آخر ضعيف.

أقول: يجوز للسيد وطئ الامة المدبرة اجماعا لكمال الملك، وجواز رجوعه فيها،]

____________________

(١)السرائر: باب التدبير ص ٣٥٠ س ٢٤ قال: ويكون القربة إلى الله تعالى هو المقصود به دون سائر الاغراض.

(٢)المهذب: ج ٢ باب التدبير ص ٣٦٥ س ١٠ قال: الشروط التي يصح التدبير معها هي شروط العتق، وقال في باب العتق ص ٣٧٥ س ١١ ويكون متقربا بذلك اليه تعالى.

(٣)الايضاح: كتاب العتق، الفصل الثاني في المباشر ص ٥٤٥ س ١٤ قال: وقد قال كثير من الاصحاب: انه وصية.

٧١

[ولنفوذ تصرفه، ولجواز وطئ المستولدة وحق العتق فيها آكد لتحريم بيعنا بالاجماع، والزام السيد ارش جنايتها على مذهب بعض، وعدم ثبوت ذلك في حق المدبرة، وليس كذلك المكاتبة والفرق بينهما من وجوه:

(أ) انقطاع تصرف المولى عنها، فصارت احق بنفسها.

(ب) ان المكاتبة عقد معاوضة، ولهذا اشترط فيها القبول والعوض، وليسا شرطا في التدبير.

(ج) ان المكاتبة لو وطئت بشبهة، او جنى عليها لكان المهر والارش لها، بخلاف المدبرة والمستولدة.

اذا عرفت هذا فنقول: لو حملت بعد التدبير، فان كان من مولاها لم يبطل تدبيرها، لعدم منافاته التدبير، بل أكد عتقها، فيتم لها من نصيب ولدها بعد عجز الثلث عن قيمتها، وان حملت من غيره بمملوك، اما من عبد بعقد او شبهة، او من حر بزنا، فان الولد يكون مدبرا كهيئتها، لانه يتبع أشرف الطرفين، وللسيد الرجوع في تدبيرها قطعا، وهل له الرجوع في تدبير الولد بعد الرجوع في تدبير الام، لو منفردا عنها؟ فيه قولان: احدهما، لا قاله الشيخ في النهاية(١) والخلاف(٢) وتبعه القاضي(٣) وابن حمزة(٤) ]

____________________

(١)النهاية: باب التدبير ص ٥٥٣ س ٢ قال: وليس للمولى ان ينقض تدبير الاولاد، وانما له نقض تدبير الام فحسب.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب المدبر، مسألة ١٤ قال: اذا دبر امته ثم حملت إلى قوله: وليس له نقض تدبيرهم وانما له نقض تدبير الام إلى قوله: دليلنا اجماع الفرقة الخ.

(٣)المهذب: ج ٢، باب التدبير ص ٣٦٧ س ٢ قال: ولا يجوز له نقض تدبير الاولاد وانما له نقض تدبير الام.

(٤)الوسيلة: فصل في بيان التدبير ص ٣٤٦ س ٩ قال: واذا ابتاع المدبر جارية إلى قوله: ورجع في التدبير صح في المدبر دون ولده.

٧٢

ولو اولد المدبر من مملوكه كان ولده مدبرا. ولو مات الاب قبل المولى لم يبطل تدبير الاولاد وعتقوا بعد موت المولى من ثلثه، ولو قصر سعوا فيما بقي منهم. ولو دبر الحبلى لم يسر إلى ولدها، وفي رواية: ان علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها.

[واختاره المصنف(١) .

ولعل وجهه: انه انما يرجع فيما دبره، وتدبيره الاولاد حصل بالسراية لا باختياره، فلا يملك الرجوع.

احتج في الخلاف باجماع الفرقة.

والاخر الجواز: قاله ابن دريس(٢) واختاره العلامة(٣) وفخر المحققين(٤) لان التدبير وصية، وكل وصية يصح الرجوع فيها، او لان الولد مدبر، وكل مدبر يصح الرجوع فيه.

قال طاب ثراه: ولو دبر الحبلى لم يسر إلى ولدها، وفي رواية ان علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها.

أقول: للاصحاب هنا ثلاثة اقوال.

(الاول) عدم سريان التدبير إلى الحمل مطلقا، أي سواء علم به ام لا وهو قول]

____________________

(١)لاحظ عبارة النافع.

(٢)السرائر: باب التدبير، ص ٣٥١ س ٦ قال: وقد روي انه ليس للمولى ان ينقض تدبير الاولاد إلى قوله: والذي يقتضيه مذهبنا خلاف ذلك.

(٣)القواعد: ج ٢ في التدبير، الفصل الثالث في المحل ص ١١٠ س ٢٢ قال: فأن رجع المولى في تدبير الام، قيل: لم يكن له الرجوع في تدبير الولد، وليس بمعتمد.

(٤)الايضاح: ج ٣ في التدبير ص ٥٤٨ س ١٨ فانه بعد نقل الاقوال قال: والاقوى عندي اختيار المصنف.

٧٣

[الشيخ في الكتابين(١)(٢) واختاره ابن ادريس(٣) والمصنف(٤) والعلامة(٥) .

(الثاني) السريان مطلقا وهو قول القاضي(٦) .

(الثالث) السريان مع العلم به وعدمه مع الجهل وهو قول الشيخ في النهاية(٧) وابن حمزة(٨) وظاهر أبي علي(٩) واحد قولي القاضي(١٠) .

احتج الاولون: بموثقة عثمان بن عيسى الكلابي عن الكاظمعليه‌السلام قال:]

____________________

(١)المبسوط: ج ٦ فصل في تدبير الحمل ص ١٧٨ س ٥ قال: وقد بينا ان عندنا في الطرفين على حد واحد لا تييعها ولا تبعه.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب المدبر مسألة ١٥ قال: اذا دبرها وهي حامل بمملوك لم يدخل الولد في التدبير.

(٣)السرائر: باب التدبير، ص ٣٥١ س ٣ قال: والذي يقتضيه مذهبنا ان ما في بطنها لا يكون مدبرا مثلها الخ.

(٤)لاحظ عبارة النافع.

(٥)القواعد: ج ٢، الفصل الثالث في المحل ص ١١٠ س ٢٥ قال: ولودبر الحامل لم يكن تدبيرا للحمل علم به على رأي.

(٦)المختلف: في احكام التدبير، ص ٨٤ س ٢٧ قال: فان حملت بعد التدبير وولدت أولادا كان اولادها بمنزلتها مدبرا إلى قوله: وتبعه ابن البراج.

(٧)النهاية: باب التدبير ص ٥٥٢ س ١٥ قال: واذا دبر الرجل جارية وهي حبلى فان علم بذلك كان مافي بطها مدبرا الخ.

(٨)الوسيلة: فصل في بيان التدبير ص ٣٤٦ س ١٤ قال: وان دبر امة حاملا وعرف ذلك، كان الولد مدبرا، وان لم يعرف لم يكن.

(٩)المختلف: في احكام التدبير ص ٨٤ س ٢٨ قال: وقال ابن الجنيد: لو دبرها وهو لا يعلم انها حامل ولم يذكر تدبير مافي بطنها لم يتعدها التدبير.

(١٠)المهذب: ج ٢ باب التدبير ص ٣٦٧ س ١٣ قال: واذا دبر امته وهو لا يعلم انها حامل إلى قوله: كان التدبير لهما الخ.

٧٤

ويعتبر في المدبر جواز التصرف والاختيار والقصد. وفي صحته من الكافر تردد، اشبهه الجواز.

[ان كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم يذكر مافي بطنها فالجارية مدبرة والولد رق، وان كان انما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير امه(١) .

احتج القاضي: بانه كالجزء، منها، فيتبعها في التدبير كما في العتق والبيع، والاصل ممنوع.

احتج الشيخ برواية الحسن بن علي الوشاء عن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن رجل دبر جاريته وهي حبلى، فقال: ان كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وان كان لا يعلم فما في بطنها رق(٢) وحملها العلامة على تدبير مع الام(٣) .

قال طاب ثراه: وفي صحته من الكافر تردد اشبهه الجواز.

أقول: هنا ثلاثة مذاهب.

(أ) الصحة مطلقا، وهو مذهب الشيخ(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة في المختلف(٦) .

(ب) البطلان مطلقا مذهب ابن ادريس(٧) ].

____________________

(١)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٠ قطعة من حديث ١٠.

(٢)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٠ الحديث ٩.

(٣)المختلف: الفصل الثالث في التدبير، ص ٨٥ س ٥ فانه بعد نقل الحديث قال: والجواب الحمل على ما اذا دبر الحمل مع الام.

(٤)المبسوط: ج ٦ فصل في تدبير المشركين غير المرتدين ص ١٨٢ س ١٣ قال: تدبير الكفار جائز ذميا كان السيد لو حربيا الخ.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)المختلف: الفصل الثالث في التدبير ص ٨٧ س ١ فانه بعد نقل قول الشيخ قال: والمعتمد ما قاله الشيخ.

(٧)السرائر: باب التدبير ص ٣٥٠ س ٢٤ فانه بعد اشتراط القربة في التدبير قال: فعلى هذا تدبير الكافر غير جائز.

٧٥

والتدبير وصية يرجع فيه المولى متى شاء، فلو رجع قولا صح قطعا، او مالو باعه او وهبه فقولان: احدهما: يبطل به التدبير وهو الاشبه، والاخر: لا يبطل ويمضى البيع في خدمته، وكذا الهبة.

[(ج) صحة تدبير الذمي دون الحربي مذهب بعض الاصحاب(١) .

قال طاب ثراه: والتدبير وصية يرجع فيه المولى متى شاء، ولو رجع قولا صح قطعا، اما لو باعه لو وهبه فقولان: احدهما يبطل به التدبير، وهو الاشبه، والاخر لا يبطل ويمضى البيع في خدمته، وكذا الهبة.

أقول: التدبير يقبل الدفع اجماعا، ولما روى جابر ان رجلا اعتق مملوكا له عن دبر، فاحتاج فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يشتريه مني، فباعه من نعيم بن عبدالله بثمانمائة دراهم، فدفعها إليه، وقالعليه‌السلام : انت احوج منه(٢) وعجز الكلام يدل على انه يبطل، والا لما كان يحتاج إلى بيان وجه الترجيح لانه لا يقع التدبير في حياة المولى، وان لم يبعه.

وينحصر رافعه في امرين القول والفعل.

اما الاول: فكقوله: رجعت من التدبير، او ابطلته، او رفعته، او فسخته، او نقضته، او ازلته وهو اجماعي.

واما الفعل فامور (الاول) الهبة، فاذا وهبه بطل وان لم يقبض المتهب، لان اللفظ الدال عليها]

____________________

(١)الايضاح: ج ٣ في التدبير ص ٥٤٥ س ٢١ قال: وثالثها يصح تدبير الذمي دون الحربي.

(٢)صحيح مسلم: ج ٣ كتاب الايمان ص ١٢٨٩(١٣) باب جواز بيع المدبر الحديث ٥٨ و ٥٩ وفي سنن أبي داود ج ٤ كتاب العتق (باب في بيع المدبر) ص ٢٧ الحديث ٣٩٥٥ و ٣٩٥٦ و ٣٩٥٧ وفي اخره (ثم قال: ان كان احدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فان كان فيها فضل فعلى عياله، فان كان فيها فضل فعلى ذى قرابته، او قال: في ذى رحمه، فان كان فضلا فهاهنا وهاهنا).

٧٦

[دال على الرجوع، وارادة الشئ يستلزم كراهة ضده، وسبب وجود الضد سبب بطلان الضد الاخر والا لزم اجتماع الضدين وهو اختيار الشيخ في الكتابين(١) (٢) وصرح ابن حمزة ببطلان الهبة مالم يتقدم الرجوع في التدبير لفظا(٣) .

(الثاني) العتق فيصح ويكون رجوعا، لانه اما وصية بالعتق، او تعليق له، وكل وصية بالعتق وتعليق له يبطل بتنجيزه.

(الثالث) الوقف يبطل تدبيره وان لم ينقضه لفظا، وهو قول الشيخ في الكتابين(٤) (٥) وابطل ابن حمزة الوقف قبل الرجوع باللفظ(٦) .

(الرابع) الوصية به فتصح ويبطل التدبير، والخلاف فيه مع ابن حمزة ومن قال بمقالته(٧) .

(الخامس) البيع فيصح في الرقبة ويبطل التدبير عند الشيخ في الكتابين(٨) (٩) ]

____________________

(١)المبسوط: ج ٦ فصل في الرجوع في التدبير ص ١٧١ س ١٥ قال: فان دبره ثم وهبه واقبضه كان رجوعا، وان لم يقبضه قال قوم إلى قوله: والاول اقول عندنا.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب المدبر مسألة ٦ قال: اذا دبره ثم وهبه كان رجوعا في التدبير سواء اقبضه او لم يقبضه.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان التدبير ص ٣٤٦ س ٤ قال: وليس التصرف فيه بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك رجوعا، فاذا اراد ذلك رجع ثم باع، او فعل ماشاء.

(٤)المبسوط: ج ٦ فصل في الرجوع في التدبير ص ١٧١ س ٣ قال: اذا دبر عبده كان له الرجوع بييع او هبة او اقباض او وقف.

(٥)كتاب الخلاف: كتاب المدبر مسألة ٤ قال: دليلنا إلى قوله: فاما بيعه وهبته ووقفه فلا خلاف في ذلك انه ينتقض التدبير.

(٦)و(٧) تقدم مختاره آنقا.

(٨)تقدم آنفا من المبسوط في قوله: (ببيع).

(٩)تقدم آنفا من كتاب الخلاف في قوله: (فاما بيعه).

٧٧

واختاره ابن ادريس(١) والمصنف(٢) والعلامة(٣) .والخلاف هنا في مقامين.

(أ) هل يصح بيعه ام لا؟ قيل: لا الا بعد رجوعه، قال الحسن والصدوق: ليس له بيعه الا ان يشترط على المشتري عتقه عند موته، فاذا اعتقه فالولاء لمن اعتق(٤) (٥) وقال في النهاية: ومتى اراد المدبر بيعه من غير ان ينقض تدبيره لم يجز له ذلك الا ان يعلم المبتاع انه يبعه خدمته، وانه متى مات هو، كان حرا لا سبيل له عليه(٦) .

(ب) على القول بالصحة، هل يرفع التدبير؟ قال المفيد: لا، بل متى مات البائع صار حرا لا سبيل عليه(٧) .

وبه قال الشيخ في النهاية(٨) وقال ابن ادريس: يرفع التدبير(٩) واختاره]

____________________

(١)السرائر: باب التدبير ص ٣٥٠ س ٢٥ قال: يجوز الرجوع فيه إلى قوله: يجوز بيعه في دين وغير دين الخ.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)المختلف: في التدبير ص ٨٣ س ٦ قال: والمعتمد جواز بيعه ومع البيع يبطل التدبير(٤) المختلف: في التدبير ص ٨٣ س ٢٢ قال: وقال ابن أبي عقيل: وليس للمدبر ان يبيع الا ان يشترط على المشتري الخ.

(٥)المقنع: باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ١٥٧ س ١٣ قال: واذا اعتق الرجل غلامه او جاريته عن دبر منه إلى قوله: فليس له ان يبيعه الا ان يشترط على الذي يبيعه اياه ان يعتقه عند موته.

(٦)النهاية: باب التدبير ص ٥٥٢ س ١٢ قال: ومتى اراد المدبر إلى اخر ما في المتن.

(٧)المقنعة: باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٨٥ س ٢٩ قال: التدبير إلى قوله: ولمالك العبد ان يبيعه بعد التدبير له غير انه متى مات البائع الخ.

(٨)تقدم نقل كلامه في المتن.

(٩)السرائر: باب التدبير ص ٣٥٠ س ٣٦ فانه بعد نقل قول الشيخ في النهاية والخلاف قال: بل شروعه في بيعه يقتضي الرجوع عن التدبير الخ.

٧٨

[المصنف(١) والعلامة(٢) وفخر المحققين(٣) .

احتجوا بان التدبير وصية، وكل وصية يبطل باخراج الموصى به عن ملك الموصي في حياته وكل بيع مخرج للملك تلك ثلاث مقدمات، والاوليتان اجماعيتان، والثالثة ظاهرة من مفهوم البيع وحده، اذ هو انتقال عين من شخص إلى غيره.

ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام وقد سئل عن رجل دبر مملوكا ثم احتاج الثى ثمنه، فقال: هو مملوكه ان شاء باعه، وان شاء اعتقه، وان شاء امسكه حتى يموت، واذا مات السيد فهو حر من ثلثه(٤) .

وجه الاستدلال بهذا الخبر من ثلاثة اوجه:

(أ) انه شرط التدبير بامساكه حتى يموت وبموته يتحرر، لانه اتى بلفظ (ان) في قوله (ان شاء) وهي حرف شرط.

(ب) انه اتى بلفظ (اذا مات) وهي ايضا شرطية.

(ج) قوله: (فهو حر من ثلثه) يدل على انه على تقدير عدم البيع(٥) ، لانه على زعم الشيخ اذا اخذ الثمن لم يعتبر قيمة المدبر من الثلث، لانه اخذ عوضه، ولا تفويت فيه على الورثة.

احتج الشيخ بصحيحة محمد بن مسلم عن احدهماعليهما‌السلام في رجل اعتق غلامه أو جاريته عن دبر منه، ثم يحتاج إلى ثمنه أيبيعه؟ قال: لا، الا ان يشترط على]

____________________

(١)لاحظ عبارة النافع.

(٢)القواعد: ج ٢ في احكام التدبير ص ١١١ س ٨ قال: ويجوز الرجوع في التدبير قولا وفعلا، فلو وهب قوله: بطل التدبير.

(٣)الاحتجاج من الفخر، لاحظ الايضاح: ج ٣ في احكام التدبير ص ٥٥١ س ١ قال: التدبير وصية الخ.

(٤)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٥٩ الحديث ٦.

(٥)في "ل ": يدل على عدم العتق على تقدير البيع.

٧٩

[الذي يبيعه اياه ان يعتقه عند موته(١) .

ومثلها صحيحة الحلبي(٢) وروايتي أبي بصير(٣) والقاسم بن محمد عن الصادقعليه‌السلام (٤) ورواية السكوني أيضا(٥) .

قال في التهذيب: يحمل الاخبار الدالة على جواز بيعه، وانه بمنزلة الوصية على تقدير نقض التدبير، كما له ان ينقض الوصية، فيعود المدبر إلى محض الرق، والاخبار الدالة على المنع من بيعه، على سبيع رقبته، بل يبيع خدمته اذا لم يرجع(٦) .

قال العلامة: وهذا ليس بجيد، لان التدبير وصية، وهي يبطل بالخروج عن ملكه، وبيع المناقع لا يصح لعدم كونها اعيانا وعدم العلم بها وبمقدارها، بل الوجه في الجمع: ان يحمل المنع من بيع المدبر على ما اذا كان التدبير واجبا فهذا لا يجوز بيعه، لما فيه من مخالفة النذر، ويحمل بيع الخدمة على الاجارة، فانها في الحقيقة بيع المنافع مدة معينة، ويريد ببيع الخدمة مدة حياته: ان له ان يوجره مدة معينة، فاذا انقضت المدة جاز ان يوجره اخرى هكذا، اي مدة حياته(٧) .

تفريع عد ظهر مما تلونا من الاقوال عدم بطلان التدبير عند الشيخ بالخروج عن الملك مالم يتقدم الرجوع باللفظ، فيتفرع على ذلك فروع].

____________________

(١)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٣ الحديث ٢٢.

(٢)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٣ الحديث ٢٣.

(٣)التهذيب: ٨(٢) باب التدبير ٢٦٣ الحديث ٢٥.

(٤)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٤ الحديث ٢٦.

(٥)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٠ الحديث ٨.

(٦)التهذيب: ج ٨(٢) باب التدبير ص ٢٦٣ س ٣ قاله بعد نقل حديث ٢١.

(٧)المختلف: ج ٢ في احكام التدبير ص ٨٤ س ٢٢ فانه بعد نقل قول الشيخ، قال: وهذا الذي ذكره الشيخ ليس بجيد لما بيناه من ان التدبير وصية الخ.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

إنّ كلمة (الرحمة) التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع ، ويدخل ضمنه كل خير وبركة وسعادة ، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر ، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته.

ولا شك أنّ وعد الله للمؤمنين قطعي ويقيني لأنّ الله قادر وحكيم ، ولا يمكن للحكيم أن يعد بدون سبب ، وليس الله القادر بعاجز عن الوفاء بوعده حين وعد( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

الآية الثّانية شرحت جانبا من هذه الرحمة الإلهية الواسعة التي تعم المؤمنين في بعديها المادي والمعنوي. فهي أوّلا تقول :( وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) ، ومن خصائص هذه النعمة الكبيرة أنّها لا زوال لها ولا فناء ، بل الخلود الأبدي ، لذا فإن المؤمنين والمؤمنات سيكونون( خالِدِينَ فِيها ) .

ومن المواهب الإلهية الأخرى التي سوف ينعمون بها هي المساكن الجميلة ، والمنازل المرفهة التي أعدها الله لهم وسط الجنان( وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) .

(عدن) في اللغة تعني الإقامة والبقاء في مكان ما ، ولهذا يطلق على المكان الذي توجد فيه مواد خاصّة اصطلاح (معدن) ، وعلى هذا المعنى فإنّ هناك شبها بين الخلود وعدن ، لكن لما أشارت الجملة السابقة إلى مسألة الخلود ، يفهم من هذه الجملة أن جنات عدن محل خاص في الجنّة يمتاز على سائر حدائق الجنّة.

لقد وردت هذه الموهبة الإلهية بأشكال وتفسيرات مختلفة في الرّوايات وكلمات المفسّرين ، فنطالع في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عدن دار الله التي لم ترها عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النّبيين ، والصدّيقين ، والشّهداء»(1) .

وفي كتاب الخصال نقل عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنتي التي واعدني الله ربّي ، جنات عدن فليوال علي بن أبي

__________________

(1) مجمع البيان ، ذيل الآية.

١٢١

طالبعليه‌السلام وذريتهعليهم‌السلام من بعده».(1) ويتّضح من هذا الحديث أن جنات عدن حدائق خاصّة في الجنّة سيستقر فيها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجماعة من خلّص أصحابه وأتباعه. وهذا المضمون قد ورد في حديث آخر عن عليعليه‌السلام ، ويدل على أن جنات عدن مقر إقامة نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بعد ذلك تشير الآية إلى الجزاء المعنوي المعد لهؤلاء ، وهو رضى الله تعالى عنهم المختص بالمؤمنين الحقيقيين ، وهو أهم وأعظم جزاء ، ويفوق كل النعم والعطايا الأخرى( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) .

إنّ اللذة المعنوية والإحساس الروحي الذي يحس ويلتذ به الإنسان عند شعوره برضى الله سبحانه وتعالى عنه لا يمكن أن يصفه أي بشر ، وعلى قول بعض المفسّرين فإنّ نسمة ولحظة من هذه اللذة الروحية تفوق نعم الجنّة كلها ومواهبها المختلفة والمتنوعة واللامتناهية.

من الطبيعي أنّنا لا نستطيع أن نجسم ونرسم صورة في أفكارنا عن أي نعمة من نعم الحياة الأخرى ونحن في قفص الحياة الدنيا وحياتها المحدودة ، فكيف سنصل إلى إدراك هذه النعمة المعنوية والروحية الكبرى؟!

نعم ، يمكن إيجاد تصور ضعيف عن الاختلافات المادية والمعنوية التي نعيشها في هذه الدنيا ، فمثلا يمكن إدراك الاختلاف في اللذة بين اللقاء بصديق عزيز جدا بعد فراق طويل ولذّة الإحساس الروحي الخاص الذي يعتري الإنسان عند إدراكه أو حلّه لمسألة علمية معقدة صرف في تحصيلها والوصول إلى دقائقها الشهور ، بل السنين ، أو الانشداد الروحي الذي يبعث على النشاط والجد في لحظات خلوص العبادة ، أو النشوة عند توجه القلب وحضوره في مناجاة تمتزج بهذا الحضور ، وبين اللذة التي نحس بها من تناول طعام لذيذ وأمثالها من اللذائذ ، ومن الطبيعي أن هذه اللذائذ المادية لا يمكن مقارنتها باللذائذ المعنوية ، ولا يمكن

__________________

(1) كتاب الخصال ، على ما نقل في نور الثقلين ، ج 2 ، ص 241.

١٢٢

أن تصل إلى مصافها.

من هنا يتّضح التصور الخاطئ لمن يقول بأن القرآن الكريم عند ما يتحدث عن الجزاء والعطاء الإلهي الذي سيناله المؤمنون الصالحون يؤكّد على النعم المادية ، ولا يتطرق إلى النواحي المعنوية ، لأن الجملة أعلاه ـ أي : رضوان من الله أكبر ـ ذكرت أن رضوان الله أكبر من كل النعم ، خاصّة وأنّها وردت بصيغة النكرة ، وهي تدل على أن قسما من رضوان الله أفضل من كل النعم المادية الموجودة في الجنّة ، وهذا يبيّن القيمة السامية لهذا العطاء المعنوي.

إن الدليل على أفضلية الجزاء المعنوي واضح أيضا ، لأنّ الروح في الواقع بمثابة (الجوهر) والجسم بمكان (الصدف) ، فالروح كالآمر والقائد ، والجسم كالجندي المطيع والمنفذ ، فالتكامل الروحي هو الهدف ، والجسم وسيلة ولهذا السبب فإن إشعاعات الروح وآفاقها أوسع من الجسم واللذائذ الروحية لا يمكن قياسها ومقارنتها باللذائذ المادية والجسمية ، كما أن الآلام الروحية أشدّ ألما من الآلام الجسمية.

وفي نهاية أشارت الآية إلى جميع هذه النّعم المادية والمعنوية ، وعبرت عنها بأنّ( ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

* * *

١٢٣

الآية

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) )

التّفسير

جهاد الكفار والمنافقين :

وأخيرا ، صدر القرار الإلهي للنّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجوب جهاد الكفار والمنافقين بكل قوّة وحزم( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) ولا تأخذك بهم رأفة ورحمة ، بل شدد( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) . وهذا العقاب هو العقاب الدنيوي ، أمّا في الآخرة فإن محلهم( وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .

إن طريقة جهاد الكفار واضحة ومعلومة ، فإنّ جهادهم يعني التوسل بكل الطرق والوسائل في سبيل القضاء عليهم ، وبالذات الجهاد المسلح والعمل العسكري ، لكن البحث في أسلوب جهاد المنافقين ، فمن المسلم أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجاهدهم عسكريا ولم يقابلهم بحد السيف ، لأنّ المنافق هو الذي أظهر الإسلام ، فهو يتمتع بكل حقوق المسلمين وحماية القانون الإسلامي بالرغم من أنّه يسعى لهدم الإسلام في الباطن فكم من الأفراد لا حظّ لهم من الإيمان ، ولا يؤمنون حقيقة بالإسلام ، غير أنّنا لا نستطيع أن نعاملهم معاملة غير المسلمين.

اذن ، فالمستفاد من الرّوايات وأقوال المفسّرين هو أنّ المقصود من جهاد

١٢٤

المنافقين هو الاشكال والطرق الأخرى للجهاد غير الجهاد الحربي والعسكري ، كالذم والتوبيخ والتهديد والفضيحة ، وربّما تشير جملة( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) إلى هذا المعنى.

ويحتمل في تفسير هذه الآية : أنّ المنافقين يتمتعون بأحكام الإسلام وحقوقه وحمايته ما دامت أسرارهم مجهولة ، ولم يتّضح وضعهم على حقيقته ، أمّا إذا تبيّن وضعهم وانكشفت خبيئة أسرارهم فسوف يحكمون بأنّهم كفار حربيون ، وفي هذه الحالة يمكن جهادهم حتى بالسيف.

لكن الذي يضعف هذا الاحتمال أنّ إطلاق كلمة المنافقين على هؤلاء لا يصح في مثل هذه الحالة ، بل إنّهم يعتبرون من جملة الكفار الحربيين ، لأنّ المنافق ـ كما قلنا سابقا ـ هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر.

* * *

١٢٥

الآية

( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) )

سبب النّزول

ذكرت في سبب نزول هذه الآيات أقوال وآراء مختلفة ، وكلّها تتفق على أن بعض المنافقين قد تحدثوا بأحاديث سيئة وغير مقبولة حول الإسلام والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد أن فشا أمرهم وانتشرت أسرارهم أقسموا كذبا بأنّهم لم يتفوهوا بشيء ، وكذلك فإنّهم قد دبروا مؤامرة ضد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنّها قد أحبطت.

ومن جملتها : أنّ أحد المنافقين ـ واسمه جلاس ـ سمع بعضا من خطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّام غزوة تبوك ، وأنكرها بشدّة وكذبها ، وبعد رجوع المسلمين إلى المدينة حضر رجل يقال له : عامر بن قيس ـ كان قد سمع جلاس ـ عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبلغه كلام جلاس ، فلما حضر جلاس وسأله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك أنكر ، فأمرهما

١٢٦

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقسما بالله ـ في المسجد عند المنبر ـ أنّهما لا يكذبان ، فاقتربا من المنبر في المسجد وأقسما ، إلّا أن عامرا دعا بعد القسم وقال : اللهم أنزل على نبيّك آية تعرّف الصادق ، فأمّن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون على دعائه. فنزل جبرئيل بهذه الآية ، فلمّا بلغ قوله تعالى :( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ ) قال جلاس : يا رسول الله ، إنّ الله اقترح عليّ التوبة ، وإنّي قد ندمت على ما كان منّي ، وأتوب منه ، فقبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توبته.

وكما أشرنا سابقا فقد ذكر أن جماعة من المنافقين صمموا على قتل النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريق عودته من غزوة تبوك ، فلمّا وصل إلى العقبة نفروا بعيره ليسقط في الوادي، إلّا أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أطلع بنور الوحي على هذه النّية الخبيثة ، فرد كيدهم في نحورهم وأبطل مكرهم. وكان زمام الناقة بيد عمار يقودها ، وكان حذيفة يسوقها لتكون الناقة في مأمن تام ، وأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين أن يسلكوا طريقا آخر حتى لا يخفي المنافقون أنفسهم بين المسلمين وينفّذوا خطتهم.

ولما وصل إلى سمع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقع أقدام هؤلاء أو حوافر خيولهم أمر بعض أصحابه أن يدفعوهم ويبعدوهم ، وكان عدد هؤلاء المنافقين اثني عشر أو خمسة عشر رجلا ، وكان بعضهم قد أخفى وجهه ، فلمّا رأوا أن الوضع لا يساعدهم على تنفيذ ما اتفقوا تواروا عن الأنظار ، إلّا أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفهم وذكر أسماءهم واحدا واحدا لبعض أصحابه(1) .

لكن الآية ـ كما سنرى ـ تشير إلى خطتين وبرنامجين للمنافقين : إحداهما : أقوال هؤلاء السيئة. والأخرى : المؤامرة والخطة التي أحبطت ، وعلى هذا الأساس فإنا نعتقد أن كلا سببي النزول صحيحان معا.

__________________

(1) ما ذكرناه اقتباس من تفسير مجمع البيان والمنار وروح المعاني وتفاسير أخر.

١٢٧

التّفسير

مؤامرة خطرة :

إنّ ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة واضح جدّا ، لأنّ الكلام كان يدور حول المنافقين ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآية تزيح الستار عن عمل آخر من أعمال المنافقين ، وهو أن هؤلاء عند ما رأوا أن أمرهم قد انكشف ، أنكروا ما نسب إليهم بل أقسموا باليمين الكاذبة على مدّعاهم.

في البداية تذكر الآية أن هؤلاء المنافقين لا يرتدعون عن اليمين الكاذبة في تأييد إنكارهم ، ولدفع التهمة فإنّهم( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ) في الوقت الذي يعلمون أنّهم ارتكبوا ما نسب إليهم من الكفر( وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) وعلى هذا فإنّهم قد اختاروا طريق الكفر بعد إعلانهم الإسلام( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) ومن البديهي أن هؤلاء لم يكونوا مسلمين منذ البداية ، بل إنّهم أظهروا الإسلام فقط ، وعلى هذا فإنّهم بإظهارهم الكفر قد هتكوا ومزّقوا حتى هذا الحجاب المزيف الذي كانوا يتسترون به.

وفوق كل ذلك فقد صمّموا على أمر خطير لم يوفقوا لتحقيقه( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى تلك المؤامرة لقتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة العقبة ، والتي مرّ ذكرها آنفا ، أو أنّه إشارة إلى كل أعمال المنافقين التي يسعون من خلالها إلى تحطيم المجتمع الإسلامي وبثّ بذور الفرقة والفساد والنفاق بين أوساطه ، لكنّهم لن يصلوا إلى أهدافهم مطلقا.

ممّا يستحق الانتباه أن يقظة المسلمين تجاه الحوادث المختلفة كانت سببا في معرفة المنافقين وكشفهم ، فقد كان المسلمون ـ دائما ـ يرصدون هؤلاء ، فإذا سمعوا منهم كلاما منافيا فإنّهم يخبرون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به من أجل منعهم وتلقي الأوامر فيما يجب عمله تجاه هؤلاء. إنّ هذا الوعي والعمل المضاد المؤيّد بنزول الآيات أدى إلى فضح المنافقين وإحباط مؤامراتهم وخططهم الخبيثة.

١٢٨

الجملة الأخرى تبيّن واقع المنافقين القبيح ونكرانهم للجميل فتقول الآية : إنّ هؤلاء لم يروا من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي خلاف أو أذى ، ولم يتضرروا بأي شيء نتيجة للتشريع الإسلامي، بل على العكس ، فإنّهم قد تمتعوا في ظل حكم الإسلام بمختلف النعم المادية والمعنوية( وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1) وهذه قمة اللؤم.

ولا شك أنّ إغناءهم وتأمين حاجاتهم في ظل رحمة الله وفضله وكذلك بجهود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستحق أن ينقم من جرائه هؤلاء المنافقون ، بل إنّ حقّه الشكر والثناء ، إلّا أنّ هؤلاء اللؤماء المنكرين للجميل والمنحرفي السيرة والسلوك قابلوا الإحسان بالإساءة.

ومثل هذا التعبير الجميل يستعمل كثيرا في المحادثات والمقالات ، فمثلا نقول للذي أنعمنا عليه سنين طويلة وقابل إحساننا بالخيانة : إنّ ذنبنا وتقصيرنا الوحيد أنّنا آويناك ودافعنا عنك وقدّمنا لك منتهى المحبّة على طبق الإخلاص.

غير أنّ القرآن ـ كعادته ـ رغم هذه الأعمال لم يغلق الأبواب بوجه هؤلاء ، بل فتح باب التوبة والرجوع إلى الحق على مصراعيه إن أرادوا ذلك ، فقال :( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ ) . وهذه علامة واقعية الإسلام واهتمامه بمسألة التربية ، ومعارضته لاستخدام الشدّة في غير محلّها وهكذا فتح باب التوبة حتى بوجه المنافقين الذين طالما كادوا للإسلام وتآمروا على نبيّه وحاكوا الدسائس والتهم ضده ، بل إنّه دعاهم إلى التوبة أيضا.

هذه في الحقيقة هي الصورة الواقعية للإسلام ، فما أظلم هؤلاء الذين يرمون

__________________

(1) ممّا يستحق الانتباه أن الجملة أعلاه بالرغم من أنّها تتحدث عن فضل الله ورسوله ، إلّا أن الضمير في( مِنْ فَضْلِهِ ) جاء مفردا لا مثنى ، والسبب في ذلك هو ما ذكرناه قبل عدة آيات من أن أمثال هذه التعبيرات لأجل إثبات حقيقة التوحيد ، وأن كل الأعمال بيد الله سبحانه ، وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ما عمل عملا فهو بأمر الله سبحانه ، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه.

١٢٩

الإلام بأنّه دين القوة والإرهاب والخشونة

هل توجد في عالمنا المعاصر دولة مستعدة لمعاملة من يسعى لإسقاطها وتحطيمها كما رأينا في تعامل الإسلام السامي مع مناوئيه ، مهما ادّعت أنّها من أنصار المحبة والسلام؟! وكما مرّ علينا في سبب نزول الآية ، فإنّ أحد رؤوس النفاق والمخططين له لما سمع هذا الكلام تاب ممّا عمل ، وقبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توبته.

وفي نفس الوقت ومن أجل أن لا يتصور هؤلاء أن هذا التسامح الإسلامي صادر من منطق الضعف ، حذّرهم بأنّهم إن استمروا في غيهم وتنكّروا لتوبتهم ، فإنّ العذاب الشديد سينالهم في الدّارين( وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) وإذا كانوا يظنون أنّ أحدا يستطيع أن يمدّ لهم يد العون مقابل العذاب ا لإلهي فإنّهم في خطأ كبير ، فإنّ العذاب إذا نزل بهم فساء صباح المنذرين :( وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) .

من الواضح بديهة أنّ عذاب هؤلاء في الآخرة معلوم ، وهو نار جهنم ، أمّا عذابهم في الدنيا فهو فضيحتهم ومهانتهم وتعاستهم وأمثال ذلك.

* * *

١٣٠

الآيات

( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) )

سبب النّزول

المعروف بين المفسّرين أنّ هذه الآيات نزلت في رجل من الأنصار يدي ثعلبة بن حاطب ، وكان رجلا فقيرا يختلف إلى المسجد دائما ، وكان يصر على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو له بأن يرزقه الله مالا وفيرا ، فقال له النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه» أو ليس الأولى لك أن تتأسى بنبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتحيا حياة بسيطة وتقنع بها؟ لكن ثعلبة لم يكف ولم يصرف النظر عن أمله ، وأخيرا قال للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والّذي بعثك بالحق نبيّا ، لئن رزقني الله لأعطين كل الحقوق وأؤدي كل الواجبات ، فدعا له النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلم يمض زمان ـ وعلى رواية ـ حتى توفي ابن عم له ، وكان غنيّا جدّا ،

١٣١

فوصلت إليه ثروة عظيمة ، وعلى رواية أخرى أنّه اشترى غنما ، فلم تزل تتوالد حتى أصبح حفظها ورعايتها في المدينة أمرا غير ممكن ، فاضطر أن يخرج إلى أطراف المدينة ، فألهته أمواله عن حضور الجماعة ، بل وحتى الجمعة.

وبعد مدّة أرسل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاملا إلى ثعلبة ليأخذ الزكاة منه ، غير أن هذا الرجل البخيل الذي عاش لتوّه حياة الرفاه امتنع من أداء حقوق الله تعالى ، ولم يكتف بذلك ، بل اعترض على حكم الزّكاة وقال : إنّ حكم الزكاة كالجزية ، أي أنّنا أسلمنا حتى لا نؤدي الجزية ، فإذا وجبت علينا الزكاة فأي فرق بيننا وبين غير المسلمين؟

قال هذا في الوقت الذي لم يفهم معنى الجزية ولا معنى الزكاة ، أو أنّه فهمه ، إلّا أن حبّ الدنيا وتعلقه بها لم يسمح له ببيان الحقيقة وإظهار الحق ، فلمّا بلغ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله قال : «يا ويح ثعلبة! يا ويح ثعلبة» ، فنزلت هذه الآيات.

وقد ذكرت أسباب أخر لنزول هذه الآيات تشابه قصّة ثعلبة مع اختلاف يسير.

ويفهم من أسباب النزول المذكورة ومن مضمون الآيات أنّ هذا الشخص ـ أو الأشخاص المذكورين ـ لم يكونوا من المنافقين في بداية الأمر ، لكنّهم لهذه الأعمال ساروا في ركابهم.

التّفسير

المنافقون وقلّة الاستيعاب :

هذه الآيات في الحقيقة تضع إصبعها على صفة أخرى من صفات المنافقين السيّئة ، وهي أنّ هؤلاء إذا مسّهم البؤس والفقر والمسكنة عزفوا على وتر الإسلام بشكل لا يصدق معه أحد أنّ هؤلاء يمكن أن يكونوا يوما من جملة المنافقين ، بل ربّما ذمّوا ولاموا الذين يمتلكون الثروات والقدرات الواسعة على عدم استثمارها في خدمة المحرومين ومساعدة المحتاجين!

١٣٢

إلّا أنّ هؤلاء أنفسهم ، إذا تحسّن وضعهم المادي فإنّهم سينسون كل عهودهم ومواثيقهم مع الله والناس ، ويغرقون في حبّ الدنيا ، وربّما تغيّرت كل معالم شخصياتهم ، ويبدؤون بالتفكير بصورة أخرى وبمنظار مختلف تماما ، وهكذا يؤدي ضعف النفس هذا إلى حبّ الدنيا والبخل وعدم الإنفاق وبالتالي يكرّس روح النفاق فيهم بشكل يوصد أمامهم أبواب الرجوع إلى الحق.

فالآية الأولى تتحدث عن بعض المنافقين الذين عاهدون الله على البذل والعطاء لخدمة عباده إذا ما أعطاهم الله المال الوفير( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

إلّا أنّهم يؤكّدون هذه الكلمات والوعود ما دامت أيديهم خالية من الأموال( فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) غير أن عملهم هذا ومخالفتهم للعهود التي قطعوها على أنفسهم بذرت روح النفاق في قلوبهم وسيبقى إلى يوم القيامة متمكنا منهم( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) وإنّما استحقوا هذه العاقبة السيئة غير المحمودة( بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) .

وفي النهاية وبّخت الآية هؤلاء النفر ولامتهم على النوايا السيئة التي يضمرونها ، وعلى انحرافهم عن الصراط المستقيم ، واستفهمت بأنّهم( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) .

* * *

ملاحظات

وهنا يجب الانتباه إلى عدّة ملاحظات :

1 ـ يمكن أن نرى بوضوح تام من خلال جملة( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ ) أنّ النسبة والعلاقة بين الكثير من الذنوب والصفات السيئة ، بل وحتى بين الكفر

١٣٣

والنفاق ، هي نسبة وعلاقة العلة والمعلول ، لأنّ الجملة الآنفة الذكر تبيّن وتقول بصراحة : إنّ سبب النفاق الذي نبت في قلوبهم وحرفهم عن الجادة هو بخلهم ونقضهم لعهودهم ، وكذلك الذنوب والمخالفات الأخرى التي ارتكبوها ، ولهذا فإنّنا نقرأ في بعض العبارات أن الكبائر في بعض الأحيان تكون سببا في أن يموت الإنسان وهو غير مؤمن ، إذ ينسلخ منه روح الإيمان بسببها.

2 ـ إنّ المقصود من( يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) والذي يعود ضميره إلى الله سبحانه وتعالى هو يوم القيامة ، لأن تعبير( لِقاءَ رَبِّهِ ) وأمثاله في القرآن يستعمل عادة في موضوع القيامة. صحيح أن فترة العمل ـ التي هي الحياة الدنيا ـ تنتهي بموت الإنسان ، وبموته يغلق ملف أعماله الصالحة والطالحة ، إلّا أن آثار تلك الأعمال تبقى تؤثر في روح الإنسان إلى يوم القيامة.

وقد احتمل جماعة أنّ ضمير (يلقونه) يعود إلى البخل ، فيكون المعنى : حتى يلاقوا جزاء بخلهم وعقابه. ويحتمل كذلك أن يكون المراد من لقاء الله : لحظة الموت. إلّا أن جميع هذه خلاف ظاهر الآية ، والظاهر ما قلناه.

ولنا بحث في أنّه ما هو المقصود من لقاء الله في ذيل الآية (64) من سورة البقرة.

3 ـ ويستفاد أيضا ـ من الآيات أعلاه ـ أنّ نقض العهود والكذب من صفات المنافقين ، فهؤلاء سحقوا جميع العهود المؤكدة مع ربّهم ولم يعيروها أية أهمية ، فإنّهم يكذبون حتى على ربّهم ، والحديث المعروف المنقول عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد هذه الحقيقة ، حيث

يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للمنافق ثلاث علامات : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان»(1) .

ومن الملفت للنظر وجود هذه العلامات الثلاث مجتمعة في القصّة المذكورة ـ قصّة ثعلبة ـ فإنّه كذب ، وأخلف وعده ، وخان أمانة الله ، وهي الأموال التي رزقه الله

__________________

(1) مجمع البيان ، ذيل الآية.

١٣٤

إيّاها ، وهي في الحقيقة أمانة الله عنده.

وقد ورد الحديث المذكور في الكافي بصورة أشد تأكيدا عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول : «ثلاث من كن فيه كان منافقا ، وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف»(1) .

نذكر هنا أن من الممكن أن تصدر الذنوب المذكورة من المؤمنين ، إلّا أنّها نادرة ، أمّا استمرار صدورها فهو علامة روح النفاق في ذلك الشخص.

4 ـ وهنا ملاحظة أخرى ينبغي أن ننبه عليها ، وهي أن ما قرأناه في هذه الآيات ليس بحثا تاريخيا مختصا بحقبة مضت من الزمان ، بل هو بيان واقع أخلاقي واجتماعي يوجد في كل عصر وزمان ، وفي كل مجتمع ـ بدون استثناء ـ توجد نماذج كثيرة تمثل هذا الواقع.

إذا لا حظنا واقعنا الذي نعيشه ودققنا فيه ـ وربّما إذا نظرنا إلى أنفسنا ـ فسنكتشف نماذج من أعمال ثعلبة بن حاطب ، وطريقة تفكيره في صور متعددة وأشخاص مختلفين ، فإنّ الكثيرين في الأوضاع العادية أو عند إعسارهم وفقرهم يكونون من المؤمنين المتحرقين على دينهم والثابتين على عهدهم حيث يحضرون في الحلقات الدينية ، وينضوون تحت كل لواء يدعو إلى الإصلاح وإنقاذ المجتمع ، ويضمون أصواتهم إلى كل مناد الحق والعدالة ، ولا يألون جهدا في سبيل أعمال الخير ، ويصرخون ويقفون بوجه كل فساد.

أمّا إذا فتحت أمامهم أبواب الدنيا ونالوا بعض العناوين والمراكز القيادية أو تسلطوا على رقاب الناس ، فستتغير صورهم وسلوكهم ، والأدهى من كل ذلك أن تتبدل ماهيتهم ، وعندئذ سيخمد لهيب عشقهم لله ، ويهدأ ذلك الهيجان والتحرق على دين الله ، وتفتقدهم تلك الحلقات والجلسات الدينية ، فلا يساهمون في أية خطة إصلاحية ولا يسعون من أجل ذلك الحق ، ولا تثبت لهم قدم في مواجهة

__________________

(1) سفينة البحار ، ج 2 ، ص 607.

١٣٥

الباطل.

هؤلاء وقبل أن يصلوا الى مآربهم لم يكن لهم محل من الإعراب ، أو أثر في المجتمع ، لذا سيعاهدون الله وعباده بألف عهد وميثاق بأنّهم إن تمكنوا من الأمر ، أو امتلأت أياديهم من القدرات والأموال فسيفعلون كذا وكذا ، ويتوسلون للوصول الى أهدافهم بطرح آلاف الإشكالات والانتقادات فى حق المتصدين ويتهمونهم بعدم معرفتهم بإدارة الأمور ، وعدم إحاطتهم بوظائفهم وواجباتهم ، أمّا إذا وصلوا الى ما يرومونه وتمكنوا من الأمر ، فسينسون كل تلك الوعود والعهود ويتنكرون لها ، وستتبخر كل تلك الإيرادات والانتقادات وتذوب كما يذوب الجليد في حرارة الصيف.

نعم ، إنّ ضعف النفس هذا واحدة من العلامات البارزة والواضحة للمنافقين ، وهل النفاق إلّا كون صاحبه ذا وجهين ، وبتعبير آخر : هل هو إلّا ازدواج الشخصية؟ إن سيرة هكذا أفراد وتأريخهم نموذج للشخصية المزدوجة ، لأن الإنسان الأصيل ذو الشخصية المتينة لا يكون مزدوج الشخصية.

ولا شك أنّ للنفاق درجات مختلفة ، كالإيمان ، تماما ، فالبعض قد ترسخت فيهم هذه الخصلة الخبيثة الى درجة اقتلعت كل زهور الإيمان بالله من قلوبهم ، ولم تبق لها أثرا ، بالرغم من أنّهم ألصقوا أنفسهم بالمؤمنين وادعوا أنّهم منهم.

لكن البعض الآخر مع أنّهم يملكون إيمانا ضعيفا ، وهم مسلمون بالفعل ، إلّا أنّهم يرتكبون أعمالا تتفق مع سلوك المنافقين ، وتفوح منها رائحة الازدواجية ، فهؤلاء ديدنهم الكذب ، إلّا أن ظاهرهم الصدق والصلاح ، ومثل هؤلاء يصدق عليهم أيضا أنّهم منافقون وذوو وجهين.

أليس الذي عرف بالأمانة لظاهره الصالح ، واستطاع بذلك أن يكسب ثقة واطمئنان الناس فأودعوه أماناتهم ، إلّا أنّه يخونهم في أماناتهم ، هو في واقع الحال مزدوج الشخصية؟

١٣٦

وكذلك الذين يقطعون العهود والمواثيق ، لكنّهم لا يفون بها مطلقا ، ألا يعتبر عملهم عمل المنافقين؟

إن من أكبر الأمراض الاجتماعية ، ومن أهم عوامل تخلف المجتمع وجود أمثال هؤلاء المنافقين في المجتمعات البشرية ونحن نستطيع أن نحصي الكثير منهم في مجتمعاتنا الاسلامية إذا كنّا واقعيين ولم نكذب على أنفسنا. والعجب أنّنا رغم كل هذه العيوب والمخازي والبعد عن روح التعليمات والقوانين الإسلامية ، فإننا نحمّل الإسلام تبعة تخلفنا عن الركب الحضاري الأصيل!

* * *

١٣٧

الآيتان

( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) )

سبب النّزول

وردت عدّة روايات في سبب نزول هذه الآيات في كتب التّفسير والحديث ، يستفاد من مجموعها أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد صمّم على إعداد جيش المسلمين لمقابلة العدو ـ وربّما كان ذلك في غزوة تبوك ـ وكان محتاجا لمعونة الناس في هذا الأمر ، فلما أخبرهم بذلك سارع الأغنياء إلى بذل الكثير من أموالهم ، سواء كان هذا البذل من باب الزكاة أو الإنفاق ، ووضعوا هذه الأموال تحت تصرف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمّا الفقراء ، كأبي عقيل الأنصاري أو سالم بن عمير الأنصاري ، لما لم يجدوا ما ينفقونه لمساعدة جنود الإسلام ، فقد عمدوا إلى مضاعفة عملهم ، واستقاء الماء

١٣٨

ليلا ، فحصلوا على صاعين من التمر ، فادخروا منه صاعا لمعيشتهم ومعيشة أهليهم ، وأتوا بالآخر إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقدموه ، وشاركوا بهذا الشيء اليسير ـ الذي لا قيمة له ظاهرا ـ في هذا المشروع الإسلامي الكبير.

غير أنّ المنافقين الذين لا همّ لهم إلّا تتبع ما يمكن التشهير به بدلا من التفكير بالمساهمة الجدية فإنّهم عابوا كلا الفريقين ، أمّا الأغنياء فاتهموهم بأنّهم إنّما ينفقون رياء وسمعة، وأمّا الفقراء الذين لا يستطيعون إلّا جهدهم ، والذين قدموا اليسير وهو عند الله كثير ، فإنهم سخروا منهم بأن جيش الإسلام هل يحتاج إلى هذا المقدار اليسير؟ فنزلت هذه الآيات ، وهددتهم تهديدا شديدا وحذرتهم من عذاب الله.

التّفسير

خبث المنافقين :

في هذه الآيات إشارة إلى صفة أخرى من الصفات العامّة للمنافقين ، وهي أنّهم أشخاص لجوجون معاندون وهمهم التماس نقاط ضعف في أعمال الآخرين واحتقار كل عمل مفيد يخدم المجتمع ومحاولة إجهاضه بأساليب شيطانية خبيثة من أجل صرف الناس عن عمل الخير وبذلك يزرعون بذور النفاق وسوء ظن في أذهان المجتمع ، وبالتالي إيقاف عجلة الإبداع وتطور المجتمع وخمول الناس وموت الفكر الخلّاق.

لكن القرآن المجيد ذم هذه الطريقة غير الإنسانية التي يتبعها هؤلاء ، وعرّفها للمسلمين لكي لا يقعوا في حبائل مكر المنافقين ومن ناحية أخرى أراد أن يفهم المنافقون أن سهمهم لا يصيب الهدف في المجتمع الإسلامي.

ففي البداية يقول : إنّ هؤلاء( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ

١٣٩

أَلِيمٌ ) .

«يلمزون» مأخوذة من مادة (لمز) بمعنى تتبع العيوب والعثرات ، و «المطوّعين» مأخوذة من مادة (طوع) على وزن (موج) بمعنى الطاعة ، لكن هذه الكلمة تطلق عادة على الأفراد الذين دأبهم عمل الخيرات ، وهم يعملون بالمستحبات علاوة على الواجبات.

ويستفاد من الآية أعلاه أنّ المنافقين كانوا يعيبون جماعة ، ويسخرون من الأخرى ، ومن المعلوم أن السخرية كانت تنال الذين يقدمون الشيء القليل ، والذين لا يجدون غيره ليبذلوه في سبيل الإسلام ، وعلى هذا لا بدّ أن يكون لمزهم وطعنهم مرتبطا بأولئك الذين قدموا الأموال الطائلة في سبيل خدمة الإسلام العزيز ، فكانوا يرمون الأغنياء بالرياء ، ويسخرون من الفقراء لقلّة ما يقدمونه.

ونلاحظ في الآية التي تليها تأكيدا أشد على مجازاة هؤلاء المنافقين ، وتذكر آخر تهديد بتوجيه الكلام وتحويله من الغيبة إلى الخطاب ، والمخاطب هذه المرّة هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت :( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) .

وإنّما لن يغفر الله لهم لأنّهم قد أنكروا الله ورسالة رسوله ، واختاروا طريق الكفر ، وهذا الإختيار هو الذي أرداهم في هاوية النفاق وعواقبه المشؤومة( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) . ومن الواضح أن هداية الله تشمل السائرون في طريق الحق وطلب الحقيقة ، أمّا الفساق والمجرمون والمنافقون فإنّ الآية تقول :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) .

* * *

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553