المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

المهذب البارع في شرح المختصر النافع9%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51524 / تحميل: 7495
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بين يدي محاوراته مع عثمان

لقد قرأنا في الجزء الثاني من الحلقة الأولى من هذه الموسوعة كثيراً من أخبار ابن عباس في أيام عثمان ، ولمّا كان حال عثمان غير خفيّ في التاريخ ، بالرغم من موضوعات زادت في تشويهه بأكاذيب أموية ، لكنها لم تصنع شيئاً ، فبقيت حال عثمان كما هي معلومة نسباً وحسباً وصحبةً ومصاهرةً وحكومةً وممارسةً وضلوعاً وإنصياعاً لبني أمية ، ما سببّت نقمة الناس عليه ، لأمور صدرت منه ومنهم ما كان ينبغى لمثله في سنّه وشأنه أن تنسب إليه فيؤاخذ عليها حتى أودت بحياته ، فكان كما قال عنه الدكتور طه حسين في كتابه ( الفتنة الكبرى ) :

( فأمّا عثمان فمهما يكن إعتذار أهل السنة والمعتزلة عنه ، فإنّه قد أسرف وترك عمّاله يسرفون في العُنف بالرعية ، ضرباً ونفياً وحبساً ، وهو نفسه قد ضرب أو أمر بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيّ ، فضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق ، وأمر من أخرج عبد الله بن مسعود من مسجد النبيّ إخراجاً عنيفاً ، حتى كسر بعض أضلاعه ).

وقال أيضاً : ( فهذه السياسة العنيفة التي تسلط الخليفة وعماله على أبشار الناس وأشعارهم وعلى أمنهم وحريتهم ليست من سيرة النبيّ ولا من سيرة الشيخين في شيء ).

١٤١

وقال أيضاً : ( والسياسة المالية التي أصطنعها عثمان منذ نهض بالخلافة كلّها موضوع النقمة والإنكار من أكثر الذين عاصروا عثمان ، ومن أكثر الرواة والمؤرخين ).

وقال أيضاً : ( ولو سار عثمان في الأموال العامّة سيرة عمر فلم ينفق المال إلاّ بحقه ، لجنّب نفسه وجنّب المسلمين شراً عظيماً ، ولكان من الممكن أن ينشئ الإسلام للإنسانية نظاماً سياسياً وإجتماعياً صالحاً يجنبّها كثيراً من الإضطراب الذي اضطرت إليه ، والفساد الذي تورطت فيه )(1) .

أقول : وعلى نحو ما مرّ من أقوال طه حسين نجد أقوال آخرين من الباحثين المحدثين ، ولا بدع لو التقت أراؤهم في نقد أفعاله وأختلفت أقوالهم في توجيه سياسته والتي رأوها جميعاً سياسية أموية رعناء جلبت له وللأمة كثيراً من الشر ، وكثرّت عليه أسباب النقمة ، بداية من المسلمين الصحابة في المدينة ، وسرعان ما أستطار شررها إلى بقية الأمصار ، فكثرت وفود الساخطين من العراق ومصر وغيرهما والتقوا بالصحابة فتفاقم الخطب.

وكانت شدّة المحنة والمعاناة عندما فزع الثوار إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشكون حالهم ، فيسارع هو إلى عثمان ناصحاً في محاولات إصلاح بين الطرفين ، لكن عثمان لم يستجب للنصح ، بل وزاد في تعقيد الأمور إتهامه الإمام عليه السلام ما دام كثير من الثوار اتخذوه لجأً ، يرجون إغاثتهم

____________________

(1) الفتنة الكبرى 1 / 190 ـ 198.

١٤٢

من سوء أفعال عثمان وبطانته ، وكلّما دافع الإمام عليه السلام عن عثمان بالحسنى إزداد تصلّب الساخطين ، فآثر الإعتزال ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، غير أنّ عثمان وبتحريض من بني أمية كان يزداد غضباً وحنقاً عليه ، ممّا أضطر العباس بن عبد المطلب ومن بعده ابنه عبد الله حبر الأمة القيام بمحاولات إصلاحية أيضاً ولتهدئة الخواطر ، عسى أن تهدأ الفورة وتسكن الثورة ، ولم تنجح تلك المساعي ، لأنّ عثمان كان إذن شرّ يسمع لما يقوله له مروان وبني أمية.

ومع كثرة الشواهد على المساعي الإصلاحية التي بذلها الإمام عليه السلام وعمه العباس وابنه عبد الله ، كان عثمان يتهمهم في النصح ، مع أنّه لو أنصفهم لوجدهم أحرص الناس عليه وأرعى ذماماً له للقرابة النسبية منه ، وهذا ما سنقرأ بعضاً منه في مواقف العباس وابنه عبد الله بن عباس في إصلاح ذات البين ، لكن عثمان ـ كما قلناـ كان مغلوباً على أمره من قبل بني أمية ، وفي قلوبهم جميعاً من الحقد والشنآن على بني هاشم عموماً وعلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً ، ممّا طغى على لسان عثمان ، فأظهرته فلتات اللسان عن بعض ما يضمره الجنان من الحقد والشنآن ، فيقول للإمام عليه السلام مغاضباً وعاتباً : ( ما ذنبي إليك إذا لم تحبّك قريش وقد قتلت منهم سبعين ترد آنافهم الماء قبل شفاهم ) ، وفي لفظ آخر : ( كأن أعناقهم أباريق فضة ) ، ونحو هذا. ولقد همّ مرّة ـ وربما أكثر ـ بأن ينفي الإمام عليه السلام من المدينة كما صنع مع أبي ذر ، كما ستأتي الإشارة إليه في مواقف العباس الإصلاحية والإستصلاحية.

١٤٣

وإلآن إلى قراءة بعضها ، ولنبدأ بما رواه الطبري في تاريخه :

( بسند عن حمران بن أبان ، قال : أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته له ، فقال : مالك تعبدتني ـ ( تبعّدتني ظ )؟ قال : لم أكن قط أحوج إليك مني اليوم. قال ـ العباس ـ : الزم خمساً لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها. قال : وما هي؟ قال : الصبر عن القتل ، والتحبب ، والصفح ، والمدارات ، وكتمان السر )(1) .

ولكن عثمان لم يلتزم بنصيحة العباس ، بل استمر على حاله ، فاتسع الخرق على الراقع ، حتى عجز العباس من رأب الصدع ، مع ما كان فيه من حنكة رأي وجودة تدبير ، حتى قيل له داهية قريش ، ولمّا رأى تسافل الحال ونذر الشر بدت تلوح في الأفق ، فصار يدعو ربّه أن يسبق به أجله قبل وقوع الكارثة التي بدت بوادرها تنذر بشر مستطير فإستجاب له ربّه ، فما كانت إلاّ جمعة حتى لقي ربّه.

أمّا عن مواقفه في نصيحة عثمان في كفّ أذاه عن الإمام عليه السلام وعن الأمّة فهي متعددة ، أذكر بعضها :

فمنها ما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ، قال :

( روى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات ، عن عبد الله بن عباس ، قال : ما سمعت من أبي شيئاً قط في أمر عثمان يلومه فيه ولا يعذره ، ولا سألته عن شيء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه ، فأنا عنده

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 400 ط دار المعارف بمصر.

١٤٤

ليلة ونحن نتعشى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب ، فقال : أئذنوا له ، فدخل فأوسع له على فراشه وأصاب من العشاء معه ، فلمّا رفع قام من كان هناك وثبتّ أنا.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا خال فإنّي قد جئتك أستعذرك من ابن أخيك عليّ سبّني ، وشهر أمري ، وقطع رحمي ، وطعن في ديني ، وإنّي أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب ، إن كان لكم حقّ تزعمون أنّكم غُلبتم عليه فقد تركتموه في يدي مَن فعل ذلك بكم ، وأنا أقرب إليكم رحماً منه ، وما لمت منكم أحداً إلاّ عليّاً ، ولقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله والرحم وأنا أخاف أن لا يتركني فلا أتركه.

قال ابن عباس : فحمد أبي الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا بن أختي فإن كنت لا تحمد عليّاً لنفسك فإنّي لا أحمدك لعليّ ، وما عليّ وحده قال فيك ، بل غيره ، فلو أنّك اتهمت نفسك للناس أتهم الناس أنفسهم لك ، ولو أنّك نزلت ممّا رقيت وأرتقوا ممّا نزلوا فأخذت منهم وأخذوا منك ما كان بذلك بأس.

قال عثمان : فذلك إليك يا خال وأنت بيني وبينهم.

قال : أفأذكر لهم ذلك عنك؟

قال : نعم ، وأنصرف.

فما لبثنا أن قيل : هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب ، قال أبي : أئذنوا له ، فدخل فقام قائماً ولم يجلس وقال : لا تعجل يا خال حتى أوذنك. فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالساً بالباب ينتظره حتى خرج فهو

١٤٥

الذي ثناه عن رأيه الأوّل.

فأقبل عليَّ أبي وقال : يا بني ما إلى هذا من أمره شيء. ثمّ قال : يا بني أملك عليك لسانك حتى ترى ما لابدّ منه. ثمّ رفع يديه فقال : اللّهمّ اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه ، فما مرّت جمعة حتى مات رحمه الله )(1) .

ومنها ما رواه البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، بإسناده عن صهيب مولى العباس ، قال :

( إنّ العباس قال لعثمان : أذكرّك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك ، وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه.

فقال : أوّل ما أجيبك به أنّي قد شفعتك ، إنّ عليّاً لو شاء لم يكن أحد عندي إلاّ دونه ، ولكن أبى إلاّ رأيه. ثم قال لعليّ مثل قوله لعثمان.

فقال عليّ : لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت )(2) .

وهذا رواه ابن عساكر أيضاً في ( تاريخ مدينة دمشق ) ، بسنده عن صهيب مولى العباس ، وجاء في آخر قول الإمام عليه السلام : ( فأمّا أداهن أن لا

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 397.

وهذه الواقعة غير التي سبقتها وان عاصرتها زماناً ففي الاُولى كانت الشكوى في دار عثمان والعباس حاضر عنده. أمّا هذه فهي في دار العباس وعثمان حاضر عنده ، ولا مانع من تعدّدهما إذا عرفنا تخبّط السياسة يومئذ في معالجة مشاكل الناس وأستحواذ مروان على عثمان في تدبير أُموره.

(2) أنساب الأشراف 1 / 498 ـ 499.

١٤٦

يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل )(1) .

وجاء الخبر في ( التعديل والتجريح ) مسنداً عن سهيل مولى العباس يقول : ( أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه ، فأتاه فقال : أفلح الوجه أبا الفضل ، قال : ووجهك يا أمير المؤمنين. قال : عليّ ابن عمك وابن عمتك وصهرك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه. فقال : لو شاء عليّ ما كان دونه أحد ، ثم أرسلني إلى عليّ ، فقال : إنّ عثمان ابن عمك وابن عمتك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول صلى الله عليه وآله وسلم وولي بيعتك ، فقال : لو أمرتني أن أخرج من داري لفعلت )(2) .

ومنها ما رواه البلاذري وغيره ، واللفظ له قال :

( حدثني عباس بن هشام ، عن أبيه ، عمّن حدثه ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس : إنّ عثمان شكا عليّاً إلى العباس فقال له : يا خال إنّ عليّاً قد قطع رحمي ، وألّب الناس عليَّ ، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيمّ وعدي ، فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه.

قال عبد الله بن العباس : فأطرق أبي طويلاً ، ثم قال : يا بن أخت لئن كنت لا تحمد عليّاً فما نحمدك له ، وأن حقك في القرابة والإمامة للحق الذي لا يُدفع ولا يجحد ، فلو رقيت فيما تطأطأ ، أو تطأطأت فيما رقي ،

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 39 / 264 ط دار الفكر بيروت.

(2) التعديل والتجريح 3 / 1007.

١٤٧

تقاربتهما ، وكان ذلك أوصل وأجمل.

قال : قد صيّرت الأمر عن ذلك إليك ، فقرّب الأمر بيننا.

قال : فلمّا خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه ، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه ، فلمّا رجع ، قال : يا خال أحبّ أن تؤخر النظر في الأمر الذي ألقيت إليك حتى أرى من رأي.

فخرج أبي من عنده ثم التفت إلى فقال : يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شيء ، ثم قال : اللهم أسبق بي الفتن ، ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه ، فما كانت جمعة حتى هلك )(1) .

ويبدو لي تعدّد الوقائع مع تقارب الزمان بينهما ، ففي الرواية الأولى كانت الشكاة في دار العباس وقد أتاه عثمان بنفسه ليلة وأصاب معه من عشائه ثم نفث شكاته ، وفي الرواية الثانية التي رواها البلاذري بسنده عن ابن عباس أنّ التشاكي كان في دار عثمان ، وفي خبر التعديل والتجريح أنّ العباس أرسل مولاه سهيل فاستدعى عثمان إلى بيته ونصحه باستعمال الرفق واللين مع عليّ عليه السلام ، وفي كلّ الروايات قرأنا طرحاً إستصلاحياً يكاد النجاح حليفه ، لكن صراحة استحواذ مروان على عثمان في تخبطه السياسي فلم يدع مجالاً للعباس ولا لغيره أن يصلح بينه وبين الناس لمعالجة المشاكل العالقة يومئذ.

ويبدو لي أنّ العباس يأس من إصلاح ما أفسده بنو أمية من أمر

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 498 ـ 499.

١٤٨

عثمان ، وتوقع المزيد من طوارق الحدثان تجتاح المجتمع الإسلامي في المدينة وغيرها ، ولذلك دعا أن يسبقها أجله ، فمرض فكان العوّاد يعودونه ، فكان آخر نصائحه لعثمان حين دخل عليه في مرضه الذي مات فيه :

( فقال ـ عثمان ـ : أوصني بما ينفعني ( الله ) به.

فقال : إلزم ثلاث خصال خواص تصيب بها ثلاث عوام ، فالخواص : ترك مصانعة الناس في الحق ، وسلامة القلب ، وحفظ اللسان ، تُصب بها سُرور الرعية ، وسلامة الدين ، ورضا الربّ )(1) .

ولشدّة اهتمامه بوحدة كلمة المسلمين وصلاح ذات البين كانت وصاياه لعثمان ، وكذلك كانت وصيته للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً ، وهي آخر وصية صدرت منه ، تكشف عن بُعد نظر في قراءة المستقبل المظلم الذي ستنتصر فيه قوى الشر على وحدة الخير ، ويكون عليّ عليه السلام ضحيتها ، لذلك كانت نظرة العباس تفيض بالألم على ما أصاب بني هاشم من تحديات وإحباطات سابقاً ، مضافاً إلى ما سيلاقونه لاحقاً من عقبات ومعادات من أعدائهم مع خذلان من أنصارهم ، إلاّ من رحم الله فحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقليلٌ ما هم.

كلّ هذا كان عند العباس بثاقب نظره رؤيا العين ، فهو إذ يوصي الإمام عليه السلام بتجنب المواجهة مع عثمان خشية عليه من أن يعصب به كلّ

____________________

(1) أخبار الدولة العباسية / 21.

١٤٩

الإضطغان القرشي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للدماء التي أُريقت في سبيل الإسلام ، من قريش وغيرهم ، والعباس كان يعرف كراهية قريش لبني هاشم منذ عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّت بنا شواهد على ذلك.

والآن إلى قراءة وصيته لابن أخيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

وصية العباس للإمام عليه السلام :

لقد سبق ذكر الوصية عند ذكر وفاة العباس ، إلاّ أنّ ثمة تفاوت وتعقيب وتذنيب اقتضى ذكرها ثانياً.

قال ابن أبي الحديد : ( قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ ، قال : نقلت من خط الصولي : قال الجاحظ : إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالب عليه السلام في علته التي مات فيها ، فقال : أي بُنيّ إنّي مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه وأشير عليك به ، ولكن العِرق نبوض ، والرحم عروض ، وإذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد ، إنّ هذا الرجل ـ يعني عثمان ـ قد جاءني مراراً بحديثك ، وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك ، ولم أجد عليك إلاّ مثل ما أجد منك عليه ، ولا رأيت منه لك إلاّ مثل ما أجد منك له ، ولست تؤتى من قلّة علم ولكن من قلّة قبول ، ومع هذا كلّه فالرأي الذي أودّعك به أن تمسك عنه لسانك ويدك ، وهمزك وغمزك ، فإنّه لا يبدؤك ما لم تبدؤه ، ولا يجيبك عما لم يبلغه ،

١٥٠

وأنت المتجني وهو المتأني ، وأنت العائب وهو الصامت ، فإن قلت : كيف هذا وقد جلس مجلساً أنا به أحق ، فقد قاربت ولكن ذاك بما كسبت يداك ، ونكص عنه عقباك ، لأنّك بالأمس الأدنى هرولتَ إليهم ، تظن أنّهم يُحلّون جيدك ويُختمّون أصبعك ، ويطأون عقبك ، ويرون الرشد بك ، ويقولون لا بد لنا منك ، ولا معدل لنا عنك ، وكان هذا من هفواتك الكُبر ، وهناتك التي ليس لك منها عذر ، والآن بعد ما ثللت عرشك بيدك ، ونبذت رأي عمك في البيداء ، يتدهده(1) في السافياء(2) ، خذ بأحزم ممّا يتوضح به وجه الأمر ، لا تشارّ هذا الرجل ولا تماره ، ولا يبلغه عنك ما يحنقه عليك ، فإنّه إن كاشفك أصاب أنصاراً ، وإن كاشفته لم تر إلا ضِراراً ، ولم تستلج إلاّ عثاراً ، واعرف مَن هو بالشام له ، وَمَن ههنا حوله ، ومن يطيع أمره ويمتثل قوله ، ولا تغترر بناس يطيفون بك ، ويدّعون الحنوّ عليك والحبّ لك ، فإنّهم بين مولى جاهل ، وصاحب متمنّ ، وجليس يرعى العين ويبتدر المحضر ، ولو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك ، ولكن هذا حديث يوم مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فات ، ثم حرم الكلام فيه حين مات ، فعليك الآن بالعزوف عن شيء عرضك له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يتم ، وتصدّيت له مرّة بعد مرّة فلم يستقم ، ومن ساور الدهر غُلِب ، ومن حرص على ممنوع تعب ، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك ، وبعثته على متابعتك ، وأوجرته محبتك ، ووجدت عنده من ذلك ظني به لك ، لا

____________________

(1) يتدهده : يتدحرج.

(2) السافياء : الريح التي تحمل التراب.

١٥١

توتر قوسك إلاّ بعد الثقة بها ، وإذا أعجبتك فأنظر إلى سيتها ، ثم لا تفوّق إلاّ بعد العلم ، ولا تغرق في النزع إلاّ لتصيب ، وأنظر لا تطرف يمينك عينَك ، ولا تجنِ شمالك شينك ، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف(1) ، وقم إذا بدا لك )(2) .

تعقيب ابن أبي الحديد على الوصية :

قال ابن أبي الحديد بعد ذكره الوصية المتقدمة : ( قلت : الناس يستحسنون رأي العباس لعليّ عليه السلام في أن لا يدخل في أصحاب الشورى ، وأمّا أنّا فانّي أستحسنه إن قصد به معنى ، ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر ، وذلك لأنّه إن أجري بهذا الرأي إلى ترفّعه عليهم وعلوّ قدره عن أن يكون مماثلاً لهم ، أو أجري به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية ، فكلّ هذا رأي حسن وصوابه ، وإن كان منزعه في ذلك إلى أنّك إن تركت الدخول معهم وانفردت بنفسك في دارك أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك فإنّهم يطلبونك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولّوك الخلافة ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن ،

____________________

(1) هي قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً _ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً _ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً _ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف / 107 ـ 110.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 282 ط مصر الاُولى.

١٥٢

لأنّه لو فعل لولّوا عثمان أو واحداً منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة إليه عليه السلام ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرّة أعينهم ، وواقعاً بإيثارهم ، فإنّ قريشاً كلّها كانت تبغضه أشد البغض ، ولو عمّر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل كالزهد فيها تارة ، والمناشدة بفضائله تارة ، وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلاً إلى بيوت الأنصار ، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلّفه في بيته واظهار أنّه قد عكف على جمع القرآن ، وبسائر أنواع الحيل فيها لم تحصل له إلاّ بتجريد السيف كما فعله في آخر الأمر.

ولست ألوم العرب لا سيما قريشاً في بغضها له وانحرافها عنه ، فإنّه وترها وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذتها ، ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم ، وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهد اليوم عياناً ، والناس كالناس الأول ، والطبائع واحدة ، فأحسب أنّك كنت من سنتين أو ثلاث جاهلياً أو من بعض الروم وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت ، أكان اسلامك يُذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ، كلا إنّ ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحاً والعقيدة محققة لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والإنتصار ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه.

١٥٣

واعلم أنّ كلّ دم أراقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيف عليّ عليه السلام وبسيف غيره ، فإنّ العرب بعد وفاته عليه السلام عصبت تلك الدماء بعليّ بن أبي طالب عليه السلام وحده ، لأنّه لم يكن في رهطه مَن يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلاّ بعليّ وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله. لمّا قتل قوم من بني تميم أخاً لعمرو بن هند ، قال بعض أعدائه يحرض عمراً عليهم :

من مبلغ عمراً بأن المرء لم يخلق صُباره

وحوادث الأيام لايبقى لها إلاّ لحجاره

ها إنّ عجزة أمه بالسفح أسفل من أواره

تسفي الرياح خلال كشيحه وقد سلبوا أزاره

فاقتل زرارة لا أرى في القوم أمثل من زرارة

أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم ، ولم يكن قاتلاً أخا الملك ولا حاضراً قتله. ومن نظر في أيام العرب ووقائعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه )(1) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 283 ط الأولى بمصر.

١٥٤

محاورات ابن عباس مع عثمان

بين يدي المحاورة الأولى :

نذكر ما روى الواقدي في كتاب ( الشورى ) عن ابن عباس رحمه الله قال :

( شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه السلام يوماً فقال له في بعض ما قاله : نشدتك الله أن تفتح للفرقة باباً ، فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقاً وابن الخطاب طاعتك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولستُ بدون واحد منهما ، وأنا أمسّ بك رحماً وأقرب إليك صهراً ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك ، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جَداً فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة ، وإن كانا أحسنا فيما وليّا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما.

فقال عليّ عليه السلام : أمّا الفرقة ، فمعاذ الله أن أفتح لها باباً وأسهّل إليها سبيلاً ، ولكني أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلى رشدك.

وأمّا عتيق وابن الخطاب ، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين. فأمّا أن لا يكون حقي بل المسلمون فيه شرع ، فقد أصاب السهم الثغرة ،

١٥٥

وأمّا أن يكون حقي دونهم ، فقد تركته لهم طبت به نفساً ، ونفضت يدي عنه استصلاحاً.

وأمّا التسوية بينك وبينهما ، فلست كأحدهما ، إنّهما وليا هذا الأمر فطلقا أنفسهما وأهلهما عنه ، وعُمتَ فيه وقومك عوم السابح في اللجة ، فارجع إلى الله أبا عمرو وأنظر هل بقي من عمرك إلاّ كظمء الحمار ، فحتى متى وإلى متى؟ ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان أثمه مشتركاً بينه وبينك.

قال ابن عباس : فقال عثمان : لك العتبى ، وافعل وأعزل من عمالي كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون.

ثمّ أفترقا ، فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك ، وقال : يجتريء عليك الناس فلا تعزل أحداً منهم )(1) .

المحاورة الثانية :

روى الزبير بن بكار في كتاب ( الموفقيات ) بسنده عن ابن عباس S قال : ( صليت العصر يوماً ثمّ خرجت ، فإذا أنا بعثمان في أيام خلافته في بعض أزقة المدينة وحده ، فأتيته إجلالاً وتوقيراً لمكانه ، فقال لي : هل رأيت عليّاً؟

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 398 ط مصر الأولى.

١٥٦

قلت : خلّفته في المسجد ، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله.

قال : أمّا منزله فليس فيه ، فابغه لنا في المسجد ، فتوجهنا إلى المسجد ، وإذا عليّ عليه السلام يخرج منه.

ـ قال ابن عباس : وقد كنت أمس ذلك اليوم عند عليّ فذكر عثمان وتجرّمه عليه ، وقال : أما والله يا بن عباس إنّ من دوائه لقطع كلامه وترك لقائه. فقلت له : يرحمك الله كيف لك بهذا ، فإن تركته ثمّ أرسل إليك فما أنت صانع؟ قال : أعتلّ وأعتلّ فمن يضرّني؟ قال : لا أحدـ

قال ابن عباس : فلمّا تراءينا له وهو خارج من المسجد ظهر منه من الالتفات والطلب للإنصراف ما أستبان لعثمان ، فنظر إليّ عثمان ، وقال : يا ابن عباس أما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا؟

فقلت : ولِمَ وحقك ألزم وهو بالفضل أعلم.

فلمّا تقاربا رماه عثمان بالسلام فردّ عليه. فقال عثمان : إن تدخل فإياك أردنا ، وإن تمض فإياك طلبنا. فقال عليّ : أيّ ذلك أحببت. قال : تدخل ، فدخلا وأخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها وجلس قبالتها ، فجلس عثمان إلى جانبه ، فنكصت عنهما ، فدعواني جميعاً فأتيتهما.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه وصلّى على رسوله ، ثمّ قال : أمّا بعد يا ابنّي خاليّ وابنيّ عمّي فإذ جمعتكما في النداء فأستجمعكما في الشكاية على رضائي عن أحدكما ووجدي على الآخر ، إنّي أستعذركما من أنفسكما وأسألكما فياتكما وأستوهبكما رجعتكما ، فوالله لو غالبني الناس

١٥٧

ما أنتصرت إلاّ بكما ، ولو تهضّموني ما تعززت إلاّ بعزّكما ، ولقد طال هذا الأمر بيننا حتى تخوّفت أن يجوز قدره ويعظم الخطر فيه. ولقد هاجني العدو عليكما وأغراني بكما ، فمنعني الله والرحم ممّا أراد ، وقد خلونا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جانب قبره ، وقد أحببت أن تظهرا لي رأيكما وما تنطويان لي عليه وتصدقا ، فإنّ الصدق أنجى وأسلم ، وأستغفر الله لي ولكما.

قال ابن عباس : فأطرق عليّ عليه السلام وأطرقت معه طويلاً. أمّا أنا فأجللته أن أتكلّم قبله ، وأمّا هو فأراد أن أجيب عنّي وعنه ؛ ثمّ قلت له : أتتكلم أم أتكلم أنا عنك؟ قال : بل تكلم عني وعنك.

فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصلّيت على رسوله ، ثمّ قلت : أمّا بعد يا ابن عمنا وعمتنا ، فقد سمعنا كلامك لنا وخلطك في الشكاية بيننا على رضاك ـ زعمت ـ عن أحدنا ووجدك على الآخر ، وسنفعل في ذلك فنذمّك ونحمدك ، اقتداء منك بفعلك فينا ، فإنا نذمّ مثل تهمتك إيانا على ما اتهمتنا عليه بلا ثقة إلاّ ظنّاً ، ونحمد منك غير ذلك من مخالفتك عشيرتك ، ثمّ نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا ، ونستوهبك فياتك استيهابك إيانا فيأتنا ، ونسألك رجعتك مسألتك إيانا رجعتنا ، فإنّا معاً أيّما حمدت وذممت منّا كمثلك في أمر نفسك ، ليس بيننا فرق ولا إختلاف ، بل كلانا شريك صاحبه في رأيه وقوله ، فوالله ما تعلمنا غير معذّرين فيما بيننا وبينك ، ولا تعرفنا غير قانتين عليك ولا تجدنا غير راجعين إليك ،

١٥٨

فنحن نسألك من نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا.

وأمّا قولك : لو غالبني الناس ما أنتصرت إلاّ بكما ، أو تهضّموني ما تعزّزت إلاّ بعزّكما ، فأين بنا وبك عن ذلك ونحن وأنت كما قال أخو كنانة :

بدا بحتر ما رام نال وإن يرم

نخض دونه غمرا من الغر رائمه

لنا ولهم منا ومنهم على العدى

مراتب عزّ مصعدات سلالمه

وأمّا قولك في هيج العدو إياك وإغرائه لك بنا ، فوالله ما أتاك العدو من ذلك شيئاً إلاّ وقد أتانا بأعظم منه ، فمنعناه ما أراد ما منعك من مراقبة الله والرحم ، وما أبقيت أنت ونحن إلاّ على أدياننا وأعراضنا ومروآتنا ، ولقد لعمري طال بنا وبك هذا الأمر حتى تخوّفنا منه على أنفسنا وراقبنا منه ما راقبت.

وأمّا مساءلتك إيانا عن رأينا فيك وما ننطوي عليه لك ، فإنّا نخبرك أنّ ذلك إلى ما تحبّ لا يعلم واحد منّا من صاحبه إلاّ ذلك ، ولا يقبل منه غيره ، وكلانا ضامن على صاحبه ذلك وكفيل به ، وقد برّأت أحدنا وزكّيته وأنطقت الآخر وأسكته ، وليس السقيم منّا ممّا كرهت بأنطق من البري فيما ذكرت ، ولا البري منّا ممّا سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت ، فإمّا جمعتنا في الرضا وإمّا جمعتنا في السخط ، لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع ، فقد أعلمناك رأينا وأظهرنا لك ذات أنفسنا

١٥٩

وصدقناك ، والصدق ـ كما ذكرت ـ أنجى وأسلم ، فأجب إلى ما دعوت إليه ، وأجلل عن النقص والغدر مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره ، وأصدق تنج وتسلم ، ونستغفر الله لنا ولك.

قال ابن عباس : فنظر إليّ عليّ عليه السلام نظر هيبة ، وقال : دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه. فوالله لو ظهرت له قلوبنا وبدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بإذنه ما زال متجرّماً منتقماً ، والله ما أنا ملقى على وضمة ، وإنّي لمانع ما وراء ظهري ، وانّ هذا الكلام لمخالفة منه وسوء عشرة.

فقال عثمان : مهلاً أبا حسن فوالله إنّك لتعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفني بغير ذلك يوم يقول وأنت عنده : إنّ من أصحابي لقوماً سالمين لهم وانّ عثمان لمنهم ، إنّه لأحسنهم بهم ظنّاً ، وأنصحهم لهم حبّاً.

فقال عليّ عليه السلام : فصدّق قوله صلى الله عليه وآله وسلم بفعلك ، وخالف ما أنت الآن عليه ، فقد قيل لك ما سمعت وهو كاف إن قبلت.

قال عثمان : تثق يا أبا الحسن؟

قال : نعم أثق ولا أظنك فاعلاً.

قال عثمان : قد وثقت وأنت ممن لا يخفر صاحبه ولا يكذّب لقيله.

قال ابن عباس : فأخذت بأيديهما حتى تصافحا وتصالحا وتمازحا ، ونهضت عنهما فتشاورا وتآمرا وتذاكرا ، ثمّ افترقا ، فوالله ما مرّت ثالثة حتى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

خربة وبيده سكين متلطخ بالدم، فإذا رجل مذبوح متشحط في دمه، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام ما تقول يا غلام؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقيدوه، فلما ذهبوا به ليقتلوه اقبل رجل مسرعا فقال: لا تعجلوا وردوه إلى امير المؤمنينعليه‌السلام فردوه، فقال: والله يا أميرالمؤمنين ما هذا قتل صاحبه، انا قتلته، فقال امير المؤمنينعليه‌السلام للاول: ما حملك على الاقرار على نفسك؟ فقال: يا أميرالمؤمنين وما كنت أستطيع أن اقول، وقد شهد علي أمثال هؤلاء الرجال، وأخذوني وبيدي سكين ملطخ بالدم، والرجل متشحط في دمه، وانا قائم عليه، وخفت الضرب، فاقررت، وانا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة، فاخذني البول، فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط في دمه، فقمت متعجبا، فدخل علي هؤلاء فاخذوني، فقال: اميرالمؤمنينعليه‌السلام : خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسنعليه‌السلام ، وقولوا له: ما الحكم فيهما؟ فذهبوا إلى الحسنعليه‌السلام وقصوا عليه قصتهما، فقال الحسنعليه‌السلام : قولوا لاميرالمؤمنينعليه‌السلام : ان هذا ان كان ذبح ذلك فقد أحيا هذا، وقد قال الله تعالى (ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا)(١) فخلى عنهما واخرج دية المذبوح من بيت المال(٢) .

فقد استفيد من هذا الحديث فوائد: (أ) الاكتفاء بالمرة الواحد في الاقرار بالقتل. (ب) سقوط القصاص عن المقر مع رجوع الاول. (ج) وجوب الدية من بيت المال.

____________________

(١)النساء / ٩٣.

(٢)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٣ الحديث ١٩.

[*]

٢٠١

[أما البينة: فهي شاهدان عدلان، ولا يثبت بشاهد ويمين، ولا بشاهد وامرأتين، ويثبت بذلك ما يوجب الدية، كالخطاء، ودية الهاشمة، والمنقلة، والجائفة، وكسر العظام. ولو شهد اثنان ان القاتل زيد، واخران ان القاتل عمرو، قال الشيخ في النهاية: يسقط القصاص ووجبت الدية نصفين. ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين.] والحق: ان هذه قضية في واقعة، وقضايا الوقائع لا يجب تعديها إلى نظائرها، لجواز اطلاعهعليه‌السلام على ما يوجب ذلك الحكم في تلك الواقعة، فالآن لو وقعت مثل هذه القضية، لم يجز للفقيه ان يحكم بمثل هذا الحكم، لجواز التواطئ من المقرين على قتل المسلم، واسقاط القصاص والدية بحيلة الاقرارين، بل الحكم فيهما تخير الولي وتصديق أيهما شاء، لان رجوع المقر غير مقبول.

قال طاب ثراه: ولو شهد اثنان: ان القاتل زيد، وآخران: ان القاتل عمرو، قال الشيخ في النهاية: سقط القصاص ووجبت الدية نصفين ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين. أقول: حكم الشيخ في النهاية بسقوط القود في العمد، وبوجوب الدية عليهما نصفين. وكذا في شبيه العمد، وبوجوبها على العاقلتين في الخطأ(١) وتبعه

____________________

(١)النهاية، باب البينات على القتل ص ٧٤٢ س ١٨ قال: ومتى شهد نفسان على رجل بالقتل، وشهد اخران على غير ذلك الشخص إلى قوله: وان كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما نصفين.

[*]

٢٠٢

القاضي(١) وهو مذهب المفيد(٢) واختاره العلامة(٣) .

وقال ابن ادريس: يتخير الولي في تصديق احدى البينتين وتكذيب الاخرى، ولا يسقط القود لوجهين.

(أ) قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا)(٤) . (ب) لو شهدت البينة على واحد بقتله عمدا، وأقربه آخر، تخير الولي في قتل أيهما شاء اجماعا، فكذا هنا، لتساوي البينة والاقرار في اثبات الحقوق الشرعية(٥) .

احتج الاولون على سقوط القود بثلاثة اوجه. (أ) تعارض البينتين اوجب سقوطهما، لا ستحالة العمل بهما، لتضادهما، وباحداهما، لانه ترجيح بلا مرجح، فتعين تساقطهما. (ب) ان القود منوط باليقين، لان اراقة الدم من دم ما لا يعلم ثبوت سبب وجوبه فيه، ولا يظن، غير جائز، وهو هنا كذلك، لعدم مرجح في احدى البينتين. (ج) ان الحد يسقط بالشبهة، والدم أعظم خطرا، فسقوطه مع الشبهة اولى.

وعلى ايجاب الدية بينهما: بان البينتين لو سقطتا، لزم احدى محالات ثلاثة

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠٢ س ٧ قال: واذا كان القتل عمدا وشهد شاهدان إلى قوله: كانت الدية فيه على عاقلتهما نصفين.

(٢)المقنعة: باب البينات على القتل ص ١١٥ س ٣ قال: وان تكافأت البينات إلى قوله: وكان دية المقتول على النفسين بالسوية.

(٣)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ٢٥ قال بعد نقل الاقوال: والوجه ما افتى به الشيخان.

(٤)الاسراء / ٣٣.

(٥)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٣٦ قال بعد نقل قول الشيخ: والذي يقتضيه اصول المذهب، ان اولياء المقتول بالخيار إلى قوله: لان الاقرار كالبينة، والبينة كالاقرار في ثبوت الحقوق الشرعية.

[*]

٢٠٣

اما طلي دم المسلم. او ايجاب شئ بغير سبب. او الترجيح بلا مرجح.

وبيان الملازمة: انه ان لم يجب لهذا الدم عوض لزم الامر الاول. والا فان وجب على غيرهما لزم الامر الثاني. وان وجب على احدهما بعينه لزم الامر الثالث. فبقي: اما على احدهما لا بعينه، او عليهما. والثاني: المطلوب. والاول ان لم نوجبه على أحدهما، فهو الامر الاول، والا فهو عليهما.

فان قيل: لا وجه لا شتراكهما في الدية، لان البينة عليهما بخلاف ذلك، فان بينة كل واحد منهما تشهد عليه بالقتل منفردا، فقسمة الدية خلاف ما شهدت به البينات، ولا يعلم سببه، اذ هو الاجتماع، وهو غير معلوم من البينتين. قلنا: نمنع عدم علم الاجتماع، اذ كل واحدة من البينتين اثبتت لواحد عليته في القتل، فالتعارض انما هو في كونها منفردة، فهو امر سلبي، فلا يقبل كرد شهادة النفى.

وحاصله: ان كل واحد من البينتين تشهد لشيئين منطوقا، وهو اثبات القتل على من شهدت عليه به، ويلزمه عدم الشركة، والاخير شهادة النفي، فلا يقبل فيه، ويقبل في الاول لعدم المانع. فالظن حاصل بكون كل واحد منهما قاتلا، ولا يجب اكثر من دية واحدة، فيقسم عليهما.

فرع

لو ادعى الاولياء القتل على احدهما، كان لهم قتله لقيام البينة بالدعوى،

٢٠٤

[ولو شهدا بانه قتله عمدا، فأقر اخر: انه هو القاتل دون المشهود عليه، ففي رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام للولي قتل المقر، ثم لا سبيل على المشهود، عليه، وله قتل المشهود عليه ويرد المقر على اولياء المشهود عليه نصف الدية، وله قتلهما ويرد على اولياء المشهود عليه خاصة نصف الدية. وفي قتلهما اشكال، لانتفاء العلم بالشركة، وكذا في الزامهما بالدية نصفين، لكن الرواية من المشاهير.] واهدرت البينة الاخرى فلا يكون لهم على الاخر سبيل. وانما المباحث المذكورة في الكتاب على تقدير أن يقولوا: لا نعلم.

قال طاب ثراه: ولو شهدا أنه قتله عمدا، واقر آخر: انه هو القاتل دون المشهود عليه، ففي رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام للولي قتل المقر إلى قوله: لكن الرواية من المشاهير.

أقول: روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن رجل قتل، فحمل إلى الوالي وجاء قوم فشهدوا عليه انه قتله عمدا، فدفع الوالي القاتل إلى اولياء المقتول ليقادوا به، فلم يبر حوا حتى اتاهم رجل فاقر عند الوالي انه قتل صاحبهم عمدا، وان هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبهم، فلا تقتلوه وخذوني بدمه، قال: فقال ابوجعفرعليه‌السلام : ان اراد اولياء المقتول ان يقتلوا الذي اقر على نفسه، فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الاخر، ولا سبيل لورثة الذي اقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، فان ارادوا ان يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الذي اقر، ثم ليؤدي الذي اقر على نفسه إلى الذي شهد عليه نصف الدية، قلت: ارأيت ان ارادوا ان يقتلوهما جميعا؟ قال: ذلك لهم، وعليهم ان يؤدوا إلى اولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصة دون صاحبه، ثم يقتلوهما به، قلت: فان

٢٠٥

ارادوا ان ياخذوا الدية؟ قال: فقال: الدية بينهما نصفان، لان احدهما أقر، والاخر شهد عليه، قلت: فكيف جعل لاولياء الذي شهد عليه على الذي أقربه نصف الدية حين قتل، ولم يجعل لاولياء الذي أقر على اولياء الذي شهد عليه ولم يقر؟ قال: فقال: لان الذي أشهد عليه ليس مثل الذي اقر، الذي شهد عليه لم يقر، ولم يبرأ صاحبه، والاخر أقر وأبرأ صاحبه مالم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر، ولم يبرأ صاحبه(١) . واعلم ان الشيخ في النهاية عمل بهذه الرواية(٢) وتبعه القاضي(٣) وهو مذهب التقي(٤) وأبي علي(٥) . قال ابن ادريس: ولي في قتلهما جميعا نظر، ثم استقر رأيه في آخر البحث على تخيير الولي كالبينتين(٦) واختاره العلامة(٧) .

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٢ الحديث ١٨.

(٢)النهاية باب البينات على القتل وعلى قطع الاعضاء ص ٧٤٣ س ١٤ قال: ومتى أتهم رجل بانه قتل نفسا، فأقر إلى قوله: وهذه قضية الحسن بن عليعليهما‌السلام في حياة ابيهعليه‌السلام .

(٣)المهذب ج ٢ باب البينات على القتل والقسامة ص ٥٠٢ س ١٢ قال: واذا أتهم رجل بانه قتل رجلا واقر هو بذلك إلى قوله: ودفعت الدية إلى اولياء الدم من بيت المال.

(٤)الكافي، القصاص، ص ٣٨٧ س ٣ قال: واذا قامت البينة على قاتل، واقر اخر بذلك القتل وبرأ المشهور عليه الخ.

(٥)المختلف ج ٢ فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ٣٨ قال: وقال ابن الجنيد: ولو قامت بينة بقتل عمد فاقر غيره الخ.

(٦)السرائر باب البينات على القتل وقطع الاعضاء ص ٤٢٢ س ٨ قال بعد تقرير المسالة: هكذا اورده شيخنا ابوجعفر في نهايته ولي في قتلهما نظر، إلى قوله بعد اسطر: والاولى عندي: ان يرد الاولياء اذا قتلوهما معا الخ(٧) المختلف ج ٢ فيما يثبت به القتل ص(٢٣٨) س ٩ قال بعد نقل قول ابن ادريس برمته: وقول ابن ادريس لا بأس به.

[*]

٢٠٦

وهذه الرواية من الصحاح ومن المشاهير بين الاصحاب، لكنها مشتملة على مخالفة الاصول المقررة من وجهين. (الاول) جواز قتلهما، ولا موجب له، لان كل واحد من البينة والاقرار يقتضي الانفراد وعدم الاشتراك، قال فخر المحققين: فالاشتراك قوله بلا دليل، فيكون خطأ(١) . (الثاني) تضمنها استيفاء الولي اكثر من ماله، لانه على تقدير قتلهما يكون الواجب عليه رد دية كاملة، لانه قتل اثنين، وله واحد. وقد تضمنت الرواية: ان عليه رد نصف ديته إلى ورثة المشهود عليه خاصة، ووجهه: ان المقر اسقط حقه من الرد، فبقي المشهود عليه. وهذا كله على تقدير ان يقول الولي: لا اعلم، اما لو ادعى القتل على احدهما، فانه له قتله وسقط حكم الاخر.

تذنيب: الحجة اما اقرار واما شهود

الحجة اما اقرار واما شهود، ولا كلام. في العمل بأحديهما مع انفرادها.

وإن اجتمع حجتان: فاما اقراران، او بينتان، او اقرار وبينة، فالاقسام ثلاثة.

(أ) الاقراران: فان اجتمعا، فان برأ الثاني الاول ورجع الاول، فهو قضاء الحسنعليه‌السلام ، وقد مر بيانه. وان لم يبرئه كان له قتلهما، سواء رجع الاول أولا، ويرد عليهما دية يقتسمانها. وان برئه ولم يرجع الاول، كان له قتل الثاني ولا شئ له، لمضي اقرار العاقل

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ كتاب الجنايات، في البينة ص ٦٠٩ س ٢٢ قال: فالقول بالاشتراك قول بلا دليل فيكون خطأ.

[*]

٢٠٧

على نفسه، ثم لا شئ له على الاخر، وله قتل الاول، وفي تسلط ورثته على المقر الثاني نظر، ويجئ على رواية زرارة(١) استحقاق ورثة الاول الرجوع على الثاني بالنصف. وله قتلهما على الرواية على اشكال. ويحتمل قويا منعه من قتلهما، وتخيره فيهما.

(ب) البينتان: فابن ادريس طرد الحكم فيهما، واوجب تخيير الولي(٢) والشيخ اوجب الدية نصفين(٣) وقد تقدم البحث فيه.

(ج) الاقرار والبينة: والاقوى التخيير كمذهب العلامة(٤) وابن ادريس(٥) والشيخ اجاز قتلهما ويدفع نصف ديته على اولياء المشهود، وقتل المشهود ويرد المقر على اوليائه نصف الدية، وقتل المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه(٦) وهو صحيحة زرارة المتقدمة.

____________________

(١)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٢ الحديث ١٨.

(٢)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٣٦ قال: والذي يقتضيه اصول المذهب: ان اولياء المقتول بالخيار، في تصديق احدى البينتين وتكذيب الاخرى الخ.

(٣)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٢ س ١٨ قال: ومتى شهدنفسان إلى قوله: وكانت الدية على المشهود عليهما نصفين.

(٤)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ٢٣ قال بعدنقل تصادم البينات، ويؤيد هذه المسألة ما ياتي: من ان من شهد عليه بالقتل ثم اقر اخر بالقتل، للاولياء ان يقتلوا من شاؤا منهما بغير خلاف.

(٥)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢٢ س ٤ قال: فاذا قامت البينة على رجل بانه قتل رجلا عمدا وأقر اخر إلى قوله: كان اولياء المقتول مخيرين الخ.

(٦)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٣ س ٣ قال: واذا قامت البينة على رجل بانه قتل رجلا عمدا واقر رجل اخر بانه قتل ذلك المقتول إلى قوله: وليس لاولياء المقر على نفسه على الذي قامت عليه البينة سبيل.

[*]

٢٠٨

[(الاولى) قيل: يحبس المتهم بالدم ستة ايام، فان ثبتت الدعوى، والا خلى سبيله، وفي السند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.] قال طاب ثراه: قيل: يحبس المتهم بالدم ستة أيام، فان ثبتت الدعوى، والا خلي سبيله، وفي السند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.

أقول: التحقيق: ان في المسألة خمسة اقوال: الاول، قال الشيخ في النهاية: المتهم بالقتل يبنغي ان يحبس ستة ايام، فان جاء المدعي ببينة، والا خلي سبيله(١) وتبعه القاضي(٢) . والمستند ما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام قال: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبس في تهمة الدم ستة ايام، فان جاء اولياء المقتول ببينة، والا خلي سبيله(٣) .

(الثاني) قال ابن حمزة: يحبس ثلاثة أيام(٤) ولعله نظر إلى انه المهلة الشرعية.

(الثالث) قال ابن ادريس: لا يحبس بمجرد التهمة(٥) واختاره المصنف(٦)

____________________

(١)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٤ س ٤ قال: والمتهم بالقتل يبنغي ان يحبس ستة ايام الخ.

(٢)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠٣ س ٥ قال: واذا اتهم انسان بالقتل وجب ان يحبس ستة ايام الخ.

(٣)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٤ الحديث ٢٣.

(٤)الوسيلة: في بيان احكام الشهادة على الجنايات ص ٤٦١ س ١ قال: والمتهم بقتل اخر إلى قوله: فان انكر حبس ثلاثة ايام.

(٥)السرائر: باب البينات على القتل ص ٤٢٢ س ١٧ قال بعد نقل الحديث: وليس على هذه الرواية دليل يعضدها.

(٦)لاحظ عبارة النافع في قوله: وفي السند ضعف، وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.

[*]

٢٠٩

والعلامة(١) وفخر المحققين(٢) . وردوا الرواية بوجهين.

(أ) ضعف السند، لان السكوني عامى.

(ب) اشتمالها على عقوبة لم يثبت لها موجب، لان الموجب للحبس ثبوت حق على المحبوس، وسببه ظاهر، اما الاقرار، أو البينة، وكلاهما مفقود.

(الرابع) قال العلامة في المختلف: ونعم ما قال، ان حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستة ايام، عملا بالرواية، وتحفظا للنفوس عن الاتلاف، وان حصلت لغيره، فلا، عملا بالاصل(٣) .

قلت: ويجب على الحاكم: البحث والاستقصاء في تحصيل امارة التهمة، فان حصلت، والا اطلقه، صونا للنفوس، ومبالغة في حقن الدماء.

(الخامس) قال ابوعلي: ان ادعى الولي ان له بينة حبس سنة(٤) وهو متروك. ولعله نظر إلى انه غاية الاحتياط في الدماء واقرب إلى تحقق عدم البينة.

واعلم: ان الخلاف وارد على تقدير عدم قيام البينة، وعلى تقدير قيام بينة لم تثبت عدالتها، لكن الظن هنا ربما حصل للحاكم، فيحبس على قول العلامة، لكن

____________________

(١)القواعد: ج ٢ في احكام القسامة ص ٢٩٨ س ١٥ قال: وقيل: ويحبس المتهم في الدم مع التماس خصمه حتى يحضر البينة.

(٢)الايضاح: ج ٤ في احكام القسامة ص ٦١٩ س ٢٠ قال: ومنع بن ادريس حبسه بمجرد التهمة إلى قوله: وانا به افتى.

(٣)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل، ص ٢٣٨ س ٢١ قال: والتحقيق ان نقول: ان حصلت التهمة للحاكم الخ.

(٤)غاية المراد ونكث الارشاد، قال في ذيل قوله: (ولو التمس الولى حبس المتهم): قال ابن الجنيد: ان ادعى الولى البينة حبس إلى سنة.

[*]

٢١٠

[(الثانية) لو قتل وادعى انه وجد المقتول مع امرأته، قتل به الا ان يقيم البينة بدعواه. (الثالثة) خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال، ومن قال: حذار، لم يضمن. وان اعتدى عليه فاعتدى بمثله لم يضمن، وان تلفت.] لا إلى سنة، بل ستة ايام.

قال طاب ثراه: لو قتل وادعى انه وجد المقتول مع امرأته، قتل به الا ان يقيم البينة بدعواه.

أقول: روى اصحابنا: ان علياعليه‌السلام اتي برجل قتل رجلا وادعى انه وجده مع امرأته فقال لهعليه‌السلام : ان عليك القود الا ان تاتي بالبينة(١) .

قال الشيخ في النهاية: ومن قتل رجلا ثم ادعى انه وجده مع امرأته، او في داره، قتل به، او يقيم البينة على ما قال(٢) وتابعه المصنف(٣) والعلامة(٤) .

وقال ابن ادريس: الاولى ان يقيدذلك: بان الموجود كان يزنى بالمرأة، وكان محصنا، فحينئذ لا يجب على قاتله القود ولا الدية، لانه مباح الدم، فاما ان اقام البينة انه وجده مع المرأة، لا زانيا بها، او زانيا بها ولا يكون محصنا، فانه يجب على من قتله القود، ولا ينفعه بينته(٥) .

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٦٠٠ الحديث ٥٩ ورواه في القواعد ج ٢ في التساوي في الدين ص ٢٩٠ س ١٦.

(٢)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٤ س ٦ قال: ومن قتل رجلا ثم ادعى انه وجده مع امرأته قتل به الخ.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)نقل الحديث في القواعد كما نقلناه آنفا استدلالا به، ونقل قوله الشيخ في المختلف ج ٢ ص ٢٣٨ س ٢٢ رضا به فلا حظ.

(٥)السرائر: باب البينات في القتل ص ٤٢٢ س ١٨ قال: والاولى عندي ان يقيد ذلك بان الموجود كان يزنى بالمرأة وكان محصنا.

[*]

٢١١

قال العلامة في المختلف: وهذا النزاع لفظي، ومقصود الشيخرحمه‌الله سقوط القود في القتل المستحق او تقول: جاز ان يكون وجدانه مع امرأته أو في داره شبهة مسوغة لقتله، فلهذا سقط القود، ولا يلزم منه سقوط الضمان(١) . وهذا الكلام يعطى ثلاثة احكام.

(أ) الجنوح إلى ما شرطه ابن ادريس.

(ب) صلاحية وجدانه مع امرأته، او في داره، للشبهة المسوغة للقتل.

(ج) كون هذه الشبهة غير مسقطة للدية، وان اسقطت القود.

احتج ابن ادريس: باصالة عصمة الدم الا في موضع اليقين، ولا يقين بدون المشاهدة، ومعها لا يقتل غير المحصن بالزنا، فلا يباح دمه. ويؤيده ما رواه داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا لسعد بن عبادة: أرايت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: كنت اضربه بالسيف، قال: فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ما ذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به؟ فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد، فكيف بالاربعة شهود؟ فقال: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رأي عينى، وعلم الله ان قد فعل؟ ! قال: أي والله بعد رأي عينيك وعلم الله انه فعل، لان الله قد جعل لكل شئ حدا، وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا(٢) . وزاد في بعضها: وجعل ما دون الاربعة شهداء مستورا على المسلمين(٣) .

____________________

(١)المختلف: ج ٢ فيما يثبت به القتل، ص ٢٣٨ س ٢٥ قال: وهذا النزاع لفظي الخ.

(٢)الكافي: ج ٧ باب التحديد ص ١٧٦ الحديث ١٢.

(٣)الكافي: ج ٧ باب التحديد ص ١٧٤ قطعة من حديث ٤.

[*]

٢١٢

احتج الاخرون بما روي عن عليعليه‌السلام (١) وقد تقدم. وهو على عمومه. وبما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسنعليه‌السلام في رجل دخل دار غيره للتلصص، أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به ام لا؟ فقال: اعلم ان من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، ولا يجب عليه شئ(٢) .

تنبيه: هل يشترط في البينة عدد شهود الزنا؟

وهل يشترط في البينة عدد شهود الزنا، أو يكفي العدلان؟ قال في التحرير: الاقرب الاكتفاء بالشاهدين(٣) لان البينة يشهد على وجوده مع المرأة، لا على الزنا. ويحتمل اعتبار الاربعة، لقولهعليه‌السلام : (فكيف بالاربعة شهود)(٤) : ولما رواه سعيد بن المسيب: ان رجلا من اهل الشام يقال له: ابن أبي الجسرين، وجد على بطن امرأته رجلا فقتله وقد اشكل حكم ذلك على القضاة، فكتب معاوية إلى أبي موسى الاشعري يسأل له عن ذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له عليعليه‌السلام : ان هذا الشئ ما هو بأرضنا، عزمت عليك لتخبرني، فقال أبوموسى الاشعري: كتب إلى في ذلك معاوية، فقال علي

____________________

(١)عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٠٠ الحديث ٥٩ ورواه في القواعد ج ٢، في التساوي في الدين، ص ٢٩٠ س ١٦.

(٢)الكافي ج ٧ باب من لا دية له ص ٢٩٤ الحديث ١٦.

(٣)التحرير ج ٢ كتاب الحدود، في حد المحارب ص ٢٢٤ س ٣٢ قال: (يح) لو وجد مع زوجته إلى قوله: والاقرب الاكتفاء بالشاهدين.

(٤)الكافي ج ٧ باب التحديد ص ١٧٦ قطعة من حديث ١٢ وقد تقدم ايضا.

[*]

٢١٣

[واما القسامة: فلا تثبت الا مع اللوث.]عليه‌السلام : أنا أبوالحسن، ان لم يأت باربعة شهداء فليعط برمته(١) . والتحقيق أن نقول: إن شرطنا المشاهدة فلا بد من الاربعة، وان اكتفينا بالوجدان كفى الشاهدان. (ذكر القسامة)(٢) .

مقدمة

القسامة عند الفقهاء: كثرة الايمان وتعددها، واشتقاقها من القسم، وهو الحلف، وسميت قسامة، لتكثر اليمين فيها. وقال اهل اللغة: القسامة عبارة عن اسماء الحالفين من أولياء المقتول، فعبر بالمصدر عنهم، واقيم مقامهم(٣) . وهي تثبت مع اللوث.

وهو امارة يغلب معها ظن الحاكم بصدق المدعي، كما اذا كان القتيل في دار المدعي عليه، او محلته، وكان بينهما عداوة. وكشهادة الواحد، فأجاز الشارع هنا سماع الدعوى من المدعي واثبات حقه بخمسين يمينا، ثم ياخذ المدعي عليه، فيقتله في العمد، ويأخذ منه الدية في عمد الخطأ، ومن عاقلته في الخطأ المحض، فاجاز الشارع هنا اثبات حق المدعي بيمينه، وان لم تقم البينة. وحجية اليمين اضعف من حجية البينة، فاجاز الشارع في اثبات الدم قبول هذه الحجة الضعيفة، كما اجاز شهادة الصبيان في الجراح والقصاص، تحقيقا لقوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)(٤) .

____________________

(١)الفقيه ج ٤ باب نوادر الديات ص ١٢٧ الحديث ٩.

(٢)هكذا في جميع النسخ المخطوطة التي عندي، وفي النافع المطبوع (واما القسامة) كما اثبتناه.

(٣)لسان العرب ج ١٢ ص ٤٨١ كلمة (قسم) قال: والقسامة الجماعة يقسمون على الشئ، ويمين القسامة منسوبة اليهم، إلى قوله: ابوزيد: جاء‌ت قسامة الرجل سمى بالمصدر الخ.

(٤)سورة البقرة / ١٧٩.

[*]

٢١٤

فقد خالفت القسامة غيرها من الدعاوي والحقوق في امور.

(أ) كون اليمين ابتداء على المدعي.

(ب) جواز حلف الانسان لا ثبات حق غيره، ولنفي الدعوى عن غيره.

(ج) تعدد الايمان فيها.

(د) ان من توجهت عليه اليمين اذا نكل، لا يسقط الحق بنكوله، بل يرد على غيره من باقي القسامة. وهي ثابتة بالنص والاجماع.

قال الصادقعليه‌السلام : القسامة حق، وهي مكتوبة عندنا، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شئ، وانما القسامة نجاة للناس(١) .

والبينة في الحقوق كلها على المدعي واليمين على المدعى عليه الا في الدم خاصة.

فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر اذا فقدت الانصار رجلا منهم، فوجدوه قتيلا، فقالت الانصار: ان فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: اقيموا رجلين عدلين من غيركم، افيدوه برمته، فان لم تجدوا شاهدين، فاقيموا قسامة خمسين رجلا افيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا، وانا لنكره ان نقسم على مالم نره، فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده، وقال: انما حقن دماء المسلمين بالقسامة، لكي اذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه، حجزه مخافة القسامة ان يقتل به، فكف عن قتله، والا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلناه، ولا علمنا قاتلا، والا اغرموا الدية اذا وجدوا قتيلا بين اظهرهم، اذا لم يقسم المدعون(٢) .

____________________

(١)الكافي: ج ٧ باب القسامة ص ٣٦٠ الحديث ١ وفيه: عن الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة كيف كانت؟ فقال: هي حق الخ.

(٢)الكافي: ج ٧ باب القسامة ص ٣٦١ الحديث ٤.

[*]

٢١٥

[وهو امارة يغلب معها الظن بصدق المدعي، كما لو وجد في دار قوم، او محلتهم، او قريتهم، او بين قريتهم، او بين قريتين، وهو إلى احدهما اقرب، فهو لوث، ولو تساوت مسافتهما كانتا سواء في اللوث. اما من جهل قاتله، كقتيل الزحام، والفزعات، ومن وجد في فلات، او في معسكر، او سوق، او جمعة، فديته من بيت المال. ومع اللوث يكون للاولياء اثبات الدعوى بالقسامة. وهي في العمد: خمسون يمينا، وفي الخطأ خمسة وعشرون على الاظهر] وقد دل هذا الخبر على احكام.

(أ) مشروعية القسامة، وبيان علتها.

(ب) كون اليهودي يقاد برمته كالعبد، وفيه دلالة على جواز استرقاقه.

(ج) توجه الدعوى فيها مع التهمة، لقولهم: (على ما لم نره) ولم تبطل دعواهم بذلك.

(د) القضاء بالنكول من المدعى عليه، وذلك لانها مردودة.

(ه‍) رد الشهادة مع التهمة، لانهعليه‌السلام طلب الشاهدين من غيرهم.

واما اداء‌ه الدية من ماله، فتبرع منه صلوات الله عليه وآله.

واما الاجماع: فمن الامة لا يختلفون فيها على الجملة، وان اختلفوا في آحاد مسائلها.

قال طاب ثراه: وفي الخطأ خمسة وعشرون على الاظهر.

أقول: اختلف الاصحاب في عدد القسامة من الخطأ المحض وعمده على قولين.

(الاول) مساواتهما في العدد لقسامة العمد، وهو خمسون يمينا، قاله المفيد(١)

____________________

(١)المقنعة، باب البينات على القتل ص ١١٤ س ٣١ قال: اقسم اولياء المقتول خمسين يمينا ووجبت لهم الدية بعد ذلك.

[*]

٢١٦

وتلميذه(١) وابن ادريس(٢) واختاره العلامة في القواعد(٣) لانه احوط، وادعى ابن ادريس عليه اجماع المسلمين(٤) .

(ب) خمسة وعشرون: قاله الشيخ في كتبه الثلاثة، النهاية(٥) وكتابي الفروع(٦) (٧) وتبعه القاضي(٨) وابن حمزة(٩) واختاره المصنف(١٠) والعلامة في المختلف(١١) لانه أدون من قتل العمد، فيناسب تخفيف القسامة فيه، اذا التهجم بالدم على القود اضعف من التهجم على الدية، فكان التشدد في اثبات الاول اولى.

____________________

(١)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٢ س ١١ قال: قسامة قتل النفس وماله حكم النفس في الجنايات إلى قوله: وهو خمسون.

(٢)و(٣) السرائر باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ٧ قال: والاظهر عندنا: ان القسامة خمسون رجلا سواء كان القتل عمدا او خطأ محضا او خطأ شبيه العمد إلى قوله: وما اخترناه عليه اجماع المسلمين.

(٤)القواعد ج ٢ في كيفية القسامة ص ٢٩٧ س ٢ قال: وفي عدد القسامة في الخطأ وعمد الخطأ قولان اقربهما مساواتهما للعمد.

(٥)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤٠ س ١٧ قال: وان كان خطأ فخمسة وعشرون رجلا يقسمون مثل ذلك.

(٦)كتاب الخلاف: كتاب القسامة، مسألة ٤ قال: القسامة في قتل الخطأ خمسة وعشرون رجلا.

(٧)المبسوط: ج ٧ كتاب القسامة ص ٢١١ س ١٨ قال: وقتل الخطأ فيه خمسة وعشرون يمينا على شرح يمين العمد سواء.

(٨)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل والقسامة ص ٥٠٠ س ٤ قال: واما قتل الخطأ فقسامته خمسة وعشرون رجلا.

(٩)الوسيلة: في بيان احكام الشهادة واحكام القسامة ص ٤٦٠ س ٥ قال: وان كان معه شاهد واحد كان القسامة خمسة وعشرين الخ.

(١٠)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: وفي الخطأ خمسة وعشرون على الاظهر.

(١١)المختلف: ج ٢، فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ س ١ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية: والوجه ما قاله الشيخ، لنا انه ادون الخ.

[*]

٢١٧

[ولو لم يكن للمدعي قسامة، كررت عليه الايمان. ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة، حلف كل منهم حتى يكملوا، وان لم يكن له قسامة كررت عليه الايمان حتى يأتي بالعدد، ولو نكل الزم الدعوي عمدا أو خطأ. ويثبت الحكم في الاعضاء بالقسامة مع التهمة، فما كانت ديته دية النفس كالانف واللسان، فالاشهر: ان القسامة ستة رجال، يقسم كل منهم يمينا، ومع عدمهم يحلف الولي ستة ايمان، ولو لم يكن قسامة، او امتنع احلف المنكر مع قومه سته، ولو لم يكن له قوم، احلف هو الستة. وما كانت ديته دون دية النفس، فبحسابه من ستة.] ولصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادقعليهم‌السلام قال: القسامة خمسون رجلا في العمد، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلا، وعليهم ان يحلفوا بالله(١) .

ومثلها حسنة يونس عن الرضاعليه‌السلام : ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام جعل القسامة في النفس على العمد خمسين رجلا، وجعل في النفس على الخطأ خمس وعشرون(٢) والتفصيل قاطع للشركة.

قال طاب ثراه: ويثبت الحكم في الاعضاء بالقسامة مع التهمة، فما كانت ديته دية النفس كالانف واللسان فالاشهر: ان القسامة ستة رجال.

أقول: تثبت القسامة في الاعضاء كما تثبت في النفس، فما بلغ دية النفس كانت القسامة فيه ستة رجال عن المشهور، وما كانت ديته دونها فبحسابه من

____________________

(١)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٨ الحديث ٧.

(٢)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٩ الحديث ٨ س(٨) قال: وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلا.

[*]

٢١٨

ستة، قاله الشيخ في الكتب الثلاثة(١) (٢) (٣) وتبعه القاضي(٤) وابن حمزة(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة في المختلف(٧) .

وقال سلار: يوجب الخمسين في العمد وخمس وعشرين في الخطأ(٨) واختاره ابن ادريس(٩) ونقله عن المفيد(١٠) . احتج الاولون: بان الجناية هنا اخف، فكان الحلف فيها اخف، عملا بالتناسب.

____________________

(١)النهاية: باب البينات على القتل ص ٧٤١ س ١٥ قال: والبينة في الاعضاء مثل البينة في النفس إلى قوله: وفيها نقص من الاعضاء القسامة فيها على قدر ذلك الخ.

(٢)المبسوط: ج ٧ كتاب القسامة ص ٢٢٣ س ١٣ قال: فاما اذا كانت الدعوى دون النفس إلى قوله: وان كانت الجناية ما يجب فيها دون الدية الخ.

(٣)كتاب الخلاف: كتاب القسامة، مسألةقال: يثبت عندنا في الاطراف قسامة إلى قوله: وان كانت الجناية ما يجب فيها دون الدية الخ.

(٤)المهذب: ج ٢ باب البينات على القتل ص ٥٠١ س ١٢ قال: والبينة في الاعضاء مثل البينة في النفس إلى قوله: وفيما نقص من الاعضاء الخ.

(٥)الوسيلة: في بيان احكام الشهادة على الجنايات واحكام القسامة ص ٤٦٠ س ٧ قال: وان كانت الجناية على النفس إلى قوله: وان اوجبت نصف الدية ففيها ثلاث ايمان، وان اوجبت سدس. الدية ففيها يمين واحدة الخ.

(٦)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: وما كانت ديته دون النفس فبحسابه من سته.

(٧)المختلف: ج ٢، فيما يثبت به القتل ص ٢٣٧ قال بعد نقل قول الشيخ: والوجه ما قاله الشيخ.

(٨)المراسم: ذكر احكام البينات ص ٢٣٢ س ١٠ قال: فاعداد القسامة على ضربين إلى قوله: والثاني قسامة ما دون ذلك وهو بحسابه.

(٩)و(١٠) السرائر باب البينات على القتل ص ٤٢١ س ١٧ قال: وكل شئ من اعضاء الانسان إلى قوله: وبحسبه من الايمان من حساب الخمسين يمينا ان كانت الجناية عمدا، او خمسة وعشرين ان كانت الجناية خطأ إلى قوله: وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد.

[*]

٢١٩

وبحسنة يونس عن الرضاعليه‌السلام ، وقال في حديث عن اميرالمؤمنينعليه‌السلام : وعلى ما بلغت ديته من الجوارح الف دينار، ستة نفر، وما كان دون ذلك فبحسابه من ستة نفر(١) .

واحتج الاخرون بالاحتياط.

فروع حول القسامة

(الاول) القسامة يثبت في العبد كما يثبت في الحر، ويثبت السيد بها دعواه. ومنعه ابوعلي(٢) لانه مال فحكمه حكم البهيمة، قال في الخلاف: لسيد العبد القسامة اذا كان هناك لوث(٣) ، لعموم الاخبار الواردة بالقسامة في القتل(٤) .

(الثاني) القسامة خمسون مع اللوث، سواء كان اللوث شاهدا أو غيره، وقال ابن حمزة: يحلف مع الشاهد خمسة وعشرون يمينا(٥) .

(الثالث) المشهوران كلا من المدعي والمدعى عليه يتعدد عليه الايمان خمسون يمينا ان كان واحدا، وان كانوا اكثر توزعت عليهم الايمان بالنسبة، وهو مذهب

____________________

(١)التهذيب: ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٦٨ الحديث ٧.

(٢)المختلف: ج ٢، في اللواحق ص ٢٦٦ س ١٦ قال: مسألة قال ابن الجنيد: ولا قسامة في بهيمة ولا في عبد مقتول.

(٣)لوث بفتح اللام وتسكين الواو، وهو التهمة القاهرة، لان اللوث القوة، يقال: ناقة ذات لوث، أي قوة (نقلا من السرائر ص ٤٢١ س ٥).

(٤)كتاب الخلاف: كتاب القسامة مسألة ١١ قال: اذا قتل عبد وهناك لوث فلسيده القسامة إلى قوله: لنا عموم الاخبار الواردة.

(٥)الوسيلة، في بيان احكام الشهادة على الجنايات واحكام القسامة ص ٤٦٠ س ٥ قال: وان كان معه شاهد واحد كان القسامة خمسة وعشرين يمينا.

[*]

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430