المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

المهذب البارع في شرح المختصر النافع9%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51526 / تحميل: 7495
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فتحصّنوا عنه بالحصون، وتمادى بهم التحصّن قريباً من سنة ونصف حتّى ظهر فيهم القحط والوباء.

وأصرّ بخت نصّر على المحاصرة حتّى فتح الحصون، وذلك في سنة خمسمائة وستّ وثمانين قبل المسيح، وقتل نفوسهم، وخرب ديارهم وخرّبوا بيت الله وأفنوا كلّ آية وعلامة دينيّة وبدّلوا هيكلهم تلّاً من تراب، وفقدت عند ذلك التوراة والتابوت الّذي كانت تجعل فيه.

وبقى الأمر على هذا الحال خمسين سنة تقريباً وهم قاطنون ببابل وليس من كتابهم عين ولا أثر ولا من مسجدهم وديارهم إلّا تلال ورياع.

ثمّ لمّا جلس كورش من ملوك فارس على سرير الملك وكان من أمره مع البابليّين ما كان وفتح بابل ودخله أطلق اُسراء بابل من بني اسرائيل وكان عزرا المعروف من المقرّبين عنده فأمّره عليهم وأجاز له أن يكتب لهم كتابهم التوراة ويبني لهم الهيكل ويعيدهم إلى سيرتهم الاُولى وكان رجوع عزرا بهم إلى بيت المقدس سنة أربعمائة وسبعة وخمسين قبل المسيح وبعد ذلك جمع عزرا كتب العهد العتيق وصحّحها وهي التوراة الدائرة اليوم(١) .

وأنت ترى بعد التدبّر في القصّة أنّ سند التوراة الدائرة اليوم مقطوعة غير متّصلة بموسى (عليه السلام) إلّا بواحد (وهو عزرا) لا نعرفه أوّلاً ولا نعرف كيفيّة اطّلاعه وتعمّقه ثانياً ولا نعرف مقدار أمانته ثالثاً، ولا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعاً، ولا ندري بالاستناد إلى أيّ مستند صحّح الأغلاط الواقعة أو الدائرة خامساً.

وقد أعقبت هذه الحادثة المشئومة أثراً مشئوماً آخر وهو إنكار عدّة من باحثي المورّخين من الغربيّين وجود موسى وما يتبعه، وقولهم: إنّه شخص خياليّ كما قيل

____________________

(١) مأخوذ من قاموس الكتاب المقدّس تأليف مستر هاكس الامريكائي الهمداني ومآخذ اُخرى من التواريخ.

٣٤١

نظيره في المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام. لكنّ ذلك لا يسع لمسلم فإنّ القرآن الشريف يصرّح بوجوده (عليه السلام) وينصّ عليه.

٢ - قصّة المسيح والإنجيل:

اليهود مهتمون بتاريخ قوميّتهم وضبط الحوادث الظاهرة في الأعصار الّتي مرّت بهم، ومع ذلك فإنّك لو تتبّعت كتبهم ومسفوراتهم لم تعثر فيها على ذكر المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام): لا على كيفيّة ولادته ولا على ظهوره ودعوته ولا على سيرته والآيات الّتي أظهرها الله على يديه ولا على خاتمة حياته من موت أو قتل أو صلب أو غير ذلك. فما هو السبب في ذلك؟ وما هو الّذي أوجب خفاء أمره عليهم أو إخفائهم أمره؟

والقرآن يذكر عنهم أنّهم قذفوا مريم ورموها بالبهتان في ولادة عيسى، وأنّهم ادّعوا قتل عيسى. قال تعالى:( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً ) النساء - ١٥٧.

فهل كانت دعواهم تلك مستندة إلى حديث دائر بينهم كانوا يذكرونه بين قصصهم القوميّة من غير أن يكون مودعاً في كتاب؟ وعند كلّ اُمّة أحاديث دائرة من واقعيّات وأساطير لا اعتبار بها ما لم تنته إلى مآخذ صحيحة قويمة.

أو أنّهم سمعوا من النصارى الذكر المكرّر من المسيح وولادته وظهوره ودعوته فأخذوا ذلك من أفواههم وباهتوا مريم، وادّعوا قتل المسيح؟ لا طريق إلى استبانة شئ من ذلك غير أنّ القرآن - كما يظهر بالتدبّر في الآية السابقة - لا ينسب إليهم صريحاً إلّا دعوى القتل دون الصلب، ويذكر أنّهم على ريب من الأمر وأنّ هناك اختلافاً.

وأمّا حقيقة ما عند النصارى من قصّة المسيح وأمر الإنجيل والبشارة فهي أنّ قصّته (عليه السلام) وما يتعلّق بها تنتهي عندهم إلى الكتب المقدّسة عندهم وهي الأناجيل الأربعة الّتي هي أناجيل متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وكتاب أعمال الرسل للوقا،

٣٤٢

وعدّة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويوحنّا ويهودا. واعتبار الجميع ينتهي إلى اعتبار الأناجيل فلنشتغل بها:

أمّا إنجيل متّى فهو أقدم الأناجيل في تصنيفه وانتشاره ذكر بعضهم أنّه صنّف سنة ٣٨ الميلاديّة، وذكر آخرون أنّه كتب ما بين سنة ٥٠ إلى سنة ٦٠(١) فهو مؤلّف بعد المسيح.

والمحقّقون من قدمائهم ومتأخّريّهم على أنّه كان أصله مكتوباً بالعبرانيّة ثمّ ترجم إلى اليونانيّة وغيرها أمّا النسخة الأصليّة العبرانيّة فمفقودة، وأمّا الترجمة فلا يدري حالها، ولا يعرف مترجمها(٢) .

وأمّا إنجيل مرقس: فمرقس هذا كان تلميذاً لبطرس، ولم يكن من الحواريّين وربّما ذكروا أنّه إنّما كتب إنجيله بإشارة بطرس وأمره، وكان لا يرى إلهيّة المسيح(٣) ولذلك ذكر بعضهم أنّه إنّما كتب إنجيله للعشائر وأهل القرى فعرّف المسيح تعريف رسول إلهيّ مبلّغ لشرائع الله(٤) وكيف كان فقد كتب إنجيله سنة ٦١ ميلاديّة.

وأما إنجيل لوقا: فلوقا هذا لم يكن حواريّاً ولا رأى المسيح وإنّما تلقّن النصرانيّة من بولس، وبولس كان يهوديّاً متعصّباً على النصرانيّة يوذي المؤمنين بالمسيح ويقلّب الاُمور عليهم ثمّ اتّفق مفاجأة أن ادّعى أنّه صرع وفي حال الصرع لمسه المسيح ولامه وزجره عن الإساءة إلى متّبعيه وأنّه آمن بالمسيح وأرسله المسيح ليبشّر بإنجيله.

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدّس للمستر هاكس مادّة - متى.

 (٢) كتاب ميزان الحقّ واعتراف به على تردّد في قاموس الكتاب المقدّس.

 (٣) نقل ذلك عبد الوهّاب النجّار في قصص الأنبياء عن كتاب مروج الاخبار في تراجم الاخبار لبطرس قرماج.

(٤) ذكره في قاموس الكتاب المقدّس. يقول فيه: إن نصّ تواتر السلف على أن مرقس كتب إنجيله برومية وانتشر بعد وفاة بطرس وبولس لكنّه ليس له كثير اعتبار لأن ظاهر إنجيله أنّه كتبه لأهل القبائل والقرويين لا لأهل البلاد وخاصّة الروميّة. فتدبّر في كلامه !

٣٤٣

وبولس هذا هو الّذي شيّد أركان النصرانيّة الحاضرة على ما هي عليها(١) فبني التعليم على أنّ الإيمان بالمسيح كاف في النجاة من دون عمل وأباح لهم أكل الميتة ولحم الخنزير ونهى عن الختنة وكثير ممّا في التوراة(٢) مع أنّ الإنجيل لم يأت إلّا مصدّقاً لما بين يديه من التوراة، ولم يحلّل إلّا أشياء معدودة. وبالجملة إنّما جاء عيسى ليقوّم شريعة التوراة ويردّ إليها المنحرفين والفاسقين لا ليبطل العمل ويقصر السعادة على الإيمان الخالي.

وقد كتب لوقا إنجيله بعد إنجيل مرقس. وذلك بعد موت بطرس وبولس. وقد صرّح جمع بأنّ إنجيله ليس كتاباً إلهاميّاً كسائر الأناجيل(٣) كما يدلّ عليه ما وقع في مبتدء إنجيله.

وأمّا إنجيل يوحنّا فقد ذكر كثير من النصارى أنّ يوحنّا هذا هو يوحنّا بن زبديّ الصيّاد أحد التلاميذ الإثنى عشر (الحواريّين) الّذي كان يحبّه المسيح حبّاً شديداً(٤) .

وذكروا أنّ (شيرينطوس) و(أبيسون) وجماعتهما لمّا كانوا يرون أنّ المسيح ليس إلّا إنساناً مخلوقاً لا يسبق وجوده وجود اُمّه اجتمعت أساقفة آسيا وغيرهم في سنة ٩٦

____________________

(١) راجع مادّة بولس من قاموس الكتاب المقدّس.

(٢) راجع كتاب أعمال الرسل ورسائل بولس.

(٣) قال في أوّل إنجيل لوقا:( لأجل أن كثيرين راموا كتب قصص الاُمور الّتي نحن بها عارفون كما عهد الينا اولئك الأوّلون الّذين كانوا من قبل معاينين وكانوا خداما للكلمة رأيت أنا أيضاً إذ كنت تابعا لكلّ شئ بتحقيق أن أكتب اليك أيّها العزيز ثاوفيلا) ودلالته على كون الكتاب نظريا غير إلهامي ظاهرة وقد نقل ذلك أيضاً عن مستر كدل في رسالة اللّهمّ وصرح جيروم أن بعض القدماء كانوا يشكون في البابين الأوّلين من إنجيل لوقا وأنّهما ما كانا في نسخة فرقة مارسيوني وجزم إكهارن في كتابه ص ٩٥ أن من ف ٤٣ إلى ٤٧ من الباب ٢٢ من إنجيل لوقا الحاقية وذكر إكهارن أيضاً في ص ٦١ من كتابه: قد اختلط الكذب الروائي ببيان المعجزات الّتي نقلها لوقا والكاتب ضمه على طريق المبالغة الشاعرية لكن تمييز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير وقول:( كلي مي شيس أن متّى ومرقس يتخالفان في التحرير وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا) نقل عن قصص الأنبياء للنجّار - ص ٤٧٧.

(٤) راجع قاموس الكتاب المقدّس مادّة يوحنّا.

٣٤٤

ميلاديّة عند يوحنّا والتمسوا منه أن يكتب ما لم يكتبه الآخرون في أناجيلهم ويبيّن بنوع خصوصيّ لاهوت المسيح فلم يسعه أن ينكر إجابة طلبهم(١) .

وقد اختلفت كلماتهم في السنة الّتي اُلّف فيها هذا الإنجيل فمن قائل أنّها سنة ٦٥ وقائل أنّها سنة ٩٦ وقائل أنّها سند ٩٨.

وقال جمع منهم إنّه ليس تأليف يوحنّا التلميذ: فبعضهم على أنّه تأليف طالب من طلبة المدرسة الاسكندريّة(٢) وبعضهم على أنّ هذا الإنجيل كلّه وكذا رسائل يوحنّا ليست من تصنيفه بل إنّما صنّفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنّا ليعتربه الناس(٣) وبعضهم على أنّ إنجيل يوحنّا كان في الأصل عشرين باباً فألحقت كنيسة (أفاس) الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنّا(٤) فهذه حال هذه الأناجيل الأربعة وإذا أخذنا بالقدر المتيقّن من هذه الطرق انتهت إلى سبعة رجال هم: متّى، مرقس، لوقا، يوحنّا، بطرس، بولس، يهوذا، ينتهي ركونهم كلّه إلى هذه الأناجيل الأربعة وينتهي الأربعة إلى واحد هو أقدمها وأسبقها وهو إنجيل متّى وقد مرّ أنّه ترجمة مفقود الأصل لا يدري من الّذي ترجمه؟ وكيف كان أصله. وعلى ما ذا كان يبني تعليمه أبرسالة المسيح أم باُلوهيّته.

وهذا الإنجيل الموجود يترجم أنّه ظهر في بني إسرائيل رجل يدعى عيسى بن يوسف النجّار وأقام الدعوة إلى الله، وكان يدّعي أنّه ابن الله مولود من غير أب بشريّ وأنّ أباه أرسله ليفدي به الناس عن ذنوبهم بالصلب والقتل، وأنّه أحيى الميّت وأبرء الأكمه والأبرص وشفى المجانين بإخراج الجنّ من أبدانهم، وأنّه كان له إثنا عشر تلميذاً: أحدهم متّى صاحب الإنجيل بارك لهم وأرسلهم للدعوة وتبليغ الدين المسيحيّ إلخ.

____________________

(١) نقله في قصص الأنبياء عند جرجس زوين الفتوحي اللبناني في كتابه.

 (٢) نقل ذلك من كتاب (كاتلك هر الد) في المجلد السابع المطبوع سنة ١٨٤٤ ص ٢٠٥ نقله عن استادلن (عن القصص) وأشار إليه في القاموس في مادّة يوحنّا.

 (٣) قال ذلك (بر طشنيدر) على ما نقل عن كتاب الفاروق المجلد الأوّل (عن القصص).

(٤) المدرك السابق.

٣٤٥

 فهذا ملخّص ما تنتهى إليه الدعوة المسيحيّة على انبساطها على شرق الأرض وغربها، وهو لا يزيد على خبر واحد مجهول الاسم والرسم، مبهم العين والوصف.

وهذا الوهن العجيب في مبدء القصّة هو الّذي أوجب لبعض أحرار الباحثين من اُروبه أن أدّعى أنّ المسيح عيسى بن مريم شخص خياليّ صوّره بعض النزعات الدينيّة على حكومات الوقت أو لها وتأيّد ذلك بموضوع خرافيّ آخر يشبهه كلّ الشبه في جميع شئون القصّة وهو موضوع (كرشنا) الّذي تدّعي وثنيّة الهند القديمة أنّه ابن الله نزل عن لاهوته، وفدى الناس بنفسه صلباً ليخلّصهم من الأوزار والخطايا كما يدّعى في عيسى المسيح حذو النعل بالنعل (كما سيجئ ذكره).

وأوجب لآخرين من منتقدي الباحثين أن يذهبوا إلى أنّ هناك شخصين مسمّيين بالمسيح: المسيح غير المصلوب، والمسيح المصلوب. وبينهما من الزمان ما يزيد على خمسة قرون.

وأنّ التاريخ الميلاديّ الّذي سنتنا هذه سنة الف وتسعمائة وستّة وخمسين منه لا ينطبق على واحد منهما بل المسيح الأوّل غير المصلوب يتقدّم عليه بما يزيد على مأتين وخمسين سنة وقد عاش نحواً من ستّين سنة والمسيح الثاني المصلوب يتأخّر عنه بما يزيد على مأتين وتسعين سنة وقد عاش نحواً من ثلاث وثلاثين سنة(١)

على أنّ عدم انطباق التاريخ الميلاديّ على ميلاد المسيح في الجملة ممّا لم يسع للنصارى إنكاره(٢) وهو سكتة تاريخيّة.

على أنّ هيهنا اُموراً مريبة موهمة اُخرى فقد ذكروا أنّه كتب في القرنين الأوّلين من الميلاد أناجيل كثيرة اُخرى ربّما أنهوها إلى نيّف ومائة من الأناجيل والأناجيل الأربعة منها ثمّ حرّمت الكنيسة جميع تلك الأناجيل إلّا الأناجيل الأربعة

____________________

(١) وقد فصل القول في ذلك الزعيم الفاضل (بهروز) في كتاب ألفه جديداً في البشارات النبوّية وأرجو أن أوفق لايداع شذرة منه في تفسير آخر سورة النساء من هذا الكتاب والقدر المتيقن (الّذي يهمنا منه) اختلال التاريخ المسيحي.

(٢) راجع مادّة مسيح من قاموس الكتاب المقدس.

٣٤٦

الّتي عرفت قانونيّة لموافقة متونها تعليم الكنيسة(١) .

ومن جملة الأناجيل المتروكة إنجيل برنابا الّذي ظهرت نسخة منها منذ سنين فترجمت إلى العربيّة والفارسيّة، وهو يوافق في عامّة قصصه ما قصّه القرآن في المسيح عيسى بن مريم(٢) .

ومن العجيب أنّ الموادّ التاريخيّة المأثورة عن غير اليهود أيضاً ساكتة عن تفاصيل ما ينسبه الإنجيل إلى الدعوة المسيحيّة من حديث البنوّة والفداء وغيرهما. ذكر المورّخ الإمريكيّ الشهير (هندريك ويلم وان لون) في تأليفه في تاريخ البشر كتاباً كتبه الطبيب (إسكولابيوس كولتلوس) الروميّ سنة ٦٢ الميلاديّة إلى ابن أخيه (جلاديوس أنسا) وكان جنديّاً في عسكر الروم بفلسطين، يذكر فيه أنّه عاد مريضاً بروميّة يسمّى بولس فأعجبه كلامه وقد كان بولس كلّمه بالدعوة المسيحيّة، وذكر له طرفاً من أخبار المسيح ودعوته.

ثمّ يذكر أنّه ترك بولس ولم يره حتّى سمع بعد حين أنّه قتل في طريق (أوستى) ثمّ يسأل ابن أخيه أن يبحث عن أخبار هذا النبيّ الاسرائيليّ الّذي كان يذكره بولس وعن أخبار بولس نفسه ويكتب إليه ما بلغه من ذلك.

____________________

(١) ولقد لام (شيلسوس) الفيلسوف في القرن الثاني النصارى في كتابه (الخطاب الحقيقي) على تلاعبهم بالاناجيل، ومحوهم بالغد ما أدرجوه بالامس، وفي سنة ٣٨٤ م أمر البابا داماسيوس أن تحرر ترجمة لاتينية جديدة من العهدين القديم والحديث تعتبر قانونيّة في الكنائس وكان تيودوسيس الملك قد ضجر من المخاصمات الجدلية بين الاساقفة، وتمت تلك الترجمة الّتي تسمى (فولكانا) وكان ذلك خاصّا بالاناجيل الاربعة: متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا وقد قال مرتب تلك الاناجيل: (بعد أن قابلنا عددا من النسخ اليونانية القديمة رتبناها بمعنى أننا نقحنا ماكان فيها مغايرا للمعنى، وأبقينا الباقي على ماكان عليه) ثمّ إن هذه الترجمة قد ثبتها المجمع (التريدنتيني) سنة ١٥٤٦ أي بعدها بأحد عشر قرنا، ثمّ خطأها سيستوس الخامس سنة ١٥٩٠ وأمر بطبع نسخ جديدة ثمّ خطأ كليمنضوس الثامن هذه النسخة الثانية أيضاً، وأمر بطبعة جديدة منقحة هي الدارجة اليوم عند الكاثوليكيين (تفسير الجواهر - الجزء الثاني - ص ١٢١ الطبعة الثانية).

(٢) وقد وجد هذا الانجيل بالخط الايطالي منذ سنين وترجمه إلى العربيّة الدكتور خليل سعاده بمصر وترجمه إلى الفارسيّة الحبر الفاضل (سردار كابلي) بإيران.

٣٤٧

فكتب إليه (جلاديوس أنسا) بعد ستّة أسابيع من معسكر الروم باُورشليم: أنّي سألت عدّة من شيوخ البلد ومعمّريهم عن عيسى المسيح فوجدتهم لا يحسنون مجاوبتي فيما أسألهم( هذا والسنة سنة ٦٢ ميلاديّة وهم شيوخ !) .

حتّى لقيت بيّاع زيتون فسألته هل يعرفه؟ فأنعم لي في الجواب ثمّ دلّني على رجل اسمه يوسف، و ذكر أنّه كان من أتباعه ومحبّيه وأنّه خبير بقصصه بصير بأخباره يستطيع أن يجيبك فيما تسأله عنه.

فلقيت يوسف اليوم بعد ما تفحّصت أيّاماً فوجدته شيخاً هرماً وقد كان قديماً يصطاد السمك في بعض البحيرات من هذه الناحية.

كان الرجل على كبر سنّه صحيح المشاعر جيّد الحافظة وقصّ لي جميع الأخبار والقضايا الحادثة في ذلك الأوان، أوان الاغتشاش والفتنة.

ذكر أنّ فونتيوس فيلاطوس كان حاكماً على سامرا ويهوديّه في عهد القيصر (تي بريوس).

فاتّفق أن وقع أيّام حكومته فتنة في اُورشليم فسافر فونتيوس فيلاطوس إليه لإخماد ما فيه من نار الفتنة وكانت الفتنة هي ما شاع يومئذ أنّ ابن نجّار من أهل الناصرة يدعو الناس ويستنهضهم على الحكومة.

فلمّا تحقّقوا أمره تبيّن أنّ ابن النجّار المتّهم شابّ عاقل متين لم يرتكب ما يوجب عليه سياسة غير أنّ رؤساء المذهب من اليهود كانوا يخالفونه ويباغضونه بأشدّ ما يكون وقد قالوا لفيلاطوس إنّ هذا الشابّ الناصريّ يقول: لو أنّ يونانيّاً أو روميّاً أو فلسطينيّاً عامل الناس وعاشرهم بالعدالة والشفقة كان عند الله كمن صرف عمره في مطّلعة كتاب الله وتلاوة آياته.

وكأنّ هذه التعرّضات والاقتراحات لم تؤثّر في فيلاطوس أثرها لكنّه لما سمع ازدحام الناس قبال المعبد وهم يريدون أن يقبضوا على عيسى وأصحابه ويقطّعوهم إرباً إرباً رأى أنّ الأصلح أن يقبض هو على هذا الشابّ النجّار ويسجنة حتّى لا يقتل بأيدي الناس في غوغائهم.

٣٤٨

وكان فيلاطوس لم يتّضح له سبب ما ينقمه الناس من عيسى كلّ الاتّضاح وكلّما كلّم الناس في أمره وسألهم واستوضحهم علت أصواتهم وتنادوا (هو كافر) (هو ملحد) (هو خائن) فلم ينته الأمر إلى طائل.

حتّى استقرّ رأي فيلاطوس أن يكلّم عيسى بنفسه فأشخصه وكلّمه وسأله عمّا يقصده بما يبلّغه من الدين فأجابه عيسى أنّه لا يهتمّ بأمر الحكومة والسياسة ولا له في ذلك غرض وأنّه يهتمّ بالحياة الروحانيّة أكثر ممّا يهتمّ بأمر الحياة الجسمانيّة وأنّه يعتقد أنّ الإنسان يجب أن يحسن إلى الناس ويعبد الله الفرد الواحد وحده الّذي هو في حكم الأب لجميع أرباب الحياة من المخلوقات.

وكان فيلاطوس ذا خبرة في مذاهب الرواقيّين وسائر فلاسفة يونان فكأنّه لم ير في ما كلّمه به عيسى موضع غمضة ولا محلّ مؤاخذة ولذلك عزم ثانياً أن يخلّص هذا النبيّ السليم المتين من شرّ اليهود وسوّف في حكم قتله وإنجازه.

لكنّ اليهود لم يرضوا بذلك ولم يتركوه على حاله بل أشاعوا عليه أنّه فتن بأكاذيب عيسى وأقاويله وأنّ فيلاطوس يريد الخيانة على قيصر، وأخذوا يستشهدون عليه ويسجّلون الطوامير على ذلك يريدون به عزله من الحكومة، وقد كان برز قبل ذلك فتن وانقلابات في فلسطين. والقوى المؤمّنة القيصريّة قليلة العدّة لا تقوى على إسكات الناس فيها كلّ القوّة.

وكان على الحكّام وسائر المأمورين من ناحية قيصر أن لا يعاملوا الناس بما يجلب شكواهم وعدم رضايتهم.

فلهذه الأسباب لم ير فيلاطوس بدّاً من أن يفدي هذا الشابّ المسجون للأمن العامّ، ويجيب الناس فيما سألوه من قتله.

وأمّا عيسى فإنّه لم يجزع من الموت بل استقبله على شهامة من نفسه وقد عفى قبل موته عمّن تسبّب إلى قتله من اليهود ثمّ قضى به على الصليب و الناس يسخرون منه ويشتمونه ويسبّونه.

٣٤٩

قال (جلاديوس أنسا) هذا ما قصّ لي يوسف من قصّة عيسى ودموعه تجري على خدّيه وحين ودّعني للمفارقة قدّمت إليه شيئاً من المسكوك الذهبيّ لكنّه أبى أن يأخذه، وقال لي يوجد هيهنا من هو أفقر منّي فأعطه إيّاه.

وسألته عن بولس رفيقك المعهود فما كان يعرفه معرفة تامّة. والقدر الّذي تبيّن من أمره أنّه كان رجلاً خيّاماً ثمّ ترك شغله واشتغل بالتبليغ لهذا المذهب الجديد مذهب الربّ الرؤوف الرحيم الإله الّذي بينه وبين (يهوّه) إله يهود الّذي لا نزال نسمعه من علماء اليهود من الفرق ما هو أبعد ممّا بين السماء والأرض.

والظاهر أنّ بولس سافر أوّلاً إلى آسيا الصغرى ثمّ إلى يونان وأنّه كان يقول للعبيد والأرقّاء إنّهم جميعاً أبناء لأب يحبّهم ويرأف بهم وأنّ السعادة ليست تخصّ بعض الناس دون بعض بل تعمّ جميع الناس من فقير وغنيّ بشرط أن يعاشروا على المواخاة ويعيشوا على الطهارة والصداقة انتهى ملخّصاً.

هذه عامّة فقرات هذا الكتاب ممّا يرتبط بما نحن فيه من البحث.

وبالتأمّل في جمل مضامين هذا الكتاب يتحصّل للمتأمّل أنّ ظهور الدعوة المسيحيّة كيف كان في بني إسرائيل بعيد عيسى (عليه السلام). وأنّه لم يكن إلّا ظهور دعوة نبويّة بالرسالة من عند الله لا ظهور دعوة إلهيّة بظهور اللاهوت ونزولها إليهم وتخليصهم بالفداء!

ثمّ إنّ عدّة من تلامذة عيسى أو المنتسبين إليه كبولس وتلامذة تلامذتهم سافروا بعد وقعة الصلب إلى مختلف أقطار الأرض من الهند وإفريقيّة وروميّة وغيرها وبسطوا الدعوة المسيحيّة لكنّهم لم يلبثوا دون أن اختلفوا في مسائل أصليّة من التعليم كلاهوت المسيح وكفاية الإيمان بالمسيح عن العمل بشريعة موسى وكون دين الإنجيل ديناً أصيلاً ناسخاً لدين موسى أو كونه تابعاً لشريعة التوراة مكمّلاً إيّاها(١) فافترقوا عند ذلك فرقاً.

____________________

(١) يشير إليه كتاب الرسل ووسائل بولس، وقد اعترضت به النصارى

٣٥٠

والّذي يجب الإمعان فيه أنّ الاُمم الّتي بسطت الدعوة المسيحيّة وظهرت فيها أوّل ظهورها كالروم والهند وغيرهما كانوا قبلها منتحلين بالوثنيّة الصابئة أو البرهمنيّة أو البوذائيّة وفيها اُصول من مذاق التصوّف من جهة والفلسفة البرهمنيّة من جهة وفيها جميعاً شطر وافر من ظهور اللاهوت في مظهر الناسوت. على أنّ القول بتثليث الوحدة ونزول اللاهوت في لباس الناسوت وتحمّلها الصلب(١) والعذاب فدائا كان دائراً بين القدماء من وثنيّة الهند والصين ومصر وكلدان والآشور والفرس وكذا قدماء وثنيّة الغرب كالرومان والاسكندناويّين وغيرهم على ما يوجد في الكتب المؤلّفة في الاديان والمذاهب القديمة.

ذكر (دوان) في كتابه (خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الاُخرى): إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أنّ أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتيّة هو التثليث ويسمّون هذا التعليم بلغتهم (ترى مورتى) وهي عبارة مركّبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتيّة (ترى) ومعناها الثلاثة و(مورتى) ومعناها هيآت أو أقانيم وهي (برهما، وفشنو، وسيفا) ثلاثة أقانيم متّحدة لا ينفكّ عن الوحدة فهي إله واحد بزعمهم.

ثمّ ذكر: أنّ برهما عندهم هو الأب وفشنو هو الابن، وسيفا هو روح القدس.

ثمّ ذكر أنّهم يدعون سيفا (كرشنا)(٢) الربّ المخلّص والروح العظيم الّذي ولد منه (فشنو) الإله الّذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلّص الناس فهو أحد الأقانيم الثلاثة الّتي هي الإله الواحد.

____________________

(١) القتل بالصلب على الصليب من القواعد القديمة جدّاً فقد كانوا يقتلون من اشتدّ جرمه وفظع دنبه بالصلب الّذي هو من أشدّ أسباب القتل عذاباً وأسوئها ذكراً، وكانت الطريقة فيه أن يصنع من خشبتين تقاطع إحديهما الاُخرى ما هو على شكل الصليب المعروف بحيث ينطبق عليه إنسان لو حمل عليه ثمّ يوضع المجرم عليه مبسوط اليدين ويدق من باطن راحتيه على طرفي الخشبة المعترضة بالمسامير، وكذا تدق قدماه على الخشبة وربّما شدتا من غير دقّ ثمّ تقام الخشبة بنصب طرفها على الأرض بحيث يكون ما بين قدمه إلى الأرض ما يقرب من ذراعين فيبقى الصليب على ذلك يوماً أو أيّاماً ثمّ تكسر قدماه من الساقين ويقتل على الصليب أو ينزل فيقتل بعد الانزال، وكان المصلوب يعذب قبل الصلب بالجلد أو المثلة وكان من العار الشنيع على قوم أن يقتل واحد منهم بالصلب.

(٢) وهو المعبر عنه ابلانكليزية (كرس) وهو المسيح المخلص.

٣٥١

 وذكر أيضاً: أنّهم يرمزون للاُقنوم الثالث بصورة حمامة كما يقوله النصارى.

وقال مستر (فابر) في كتابه (أصل الوثنيّة) كما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلّفاً من (برهما) و(فشنو) و(سيفا) نجد عند البوذيّين ثالوثاً فإنّهم يقولون: إنّ (بوذ) إله له ثلاثة أقانيم. وكذلك بوذيو (جينست) يقولون: إنّ (جيفا) مثلّث الأقانيم.

قال: والصينيّون يعبدون بوذه ويسمّونه (فو) ويقولون إنّه ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.

وقال دوان في كتابه المتقدّم ذكره: وكان قسّيسوا هيكل منفيس بمصر يعبّرون عن الثالوث المقدّس للمبتدئين بتعلّم الدين بقولهم: إنّ الأوّل خلق الثاني والثاني خلق الثالث وبذلك تمّ الثالوث المقدّس.

وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكي أن يخبره: هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه فأجابه الكاهن: نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كلّ شئ ثمّ الكلمة ومعهما روح القدس ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة، وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوّة الأبديّة فاذهب يا فاني يا صاحب الحياه القصيرة.

وقال بونويك في كتابه (عقائد قدماء المصريّين) أغرب كلمة عمّ انتشارها في ديانة المصريّين هي قولهم بلاهوت الكلمة، وأنّ كلّ شئ حصل بواسطتها، وأنّها منبثقة من الله، وأنّها هي الله انتهى. وهذا عين العبارة الّتي يبتدي بها إنجيل يوحنّا.

وقال (هيجين) في كتاب (الإنكلوساكسون) كان الفرس يدعون متروساً الكلمة والوسيط ومخلّص الفرس.

ونقل عن كتاب سكّان اُوروبة الأوّلين: أنّه كان الوثنيّون القدماء يقولون: إنّ الإله مثلّث الأقانيم.

ونقل عن اليونان والرومان والفنلنديّين والاسكندناويّين قضيّة الثالوث السابق الذكر وكذا القول بالكلمة عن الكلدانيّين والآشوريّين والفينيقيّين.

وقال دوان في كتابه (خرافات التوراة وما يقابلها من الديانات الاُخرى) (ص ١٨١ - ١٨٢) ما ترجمته بالتلخيص:

٣٥٢

(إنّ تصوّر الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فدائا عن الخطيئة قديم العهد جدّاً عند الهنود الوثنيّين وغيرهم) وذكر شواهد على ذلك:

منها قوله: يعتقد الهنود أنّ كرشنا المولود البكر - الّذي هو نفس الإلهة فشنو الّذى لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم - تحرّك حنوّاً كي يخلّص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلّص الإنسان بتقديم ذبيحة عنه.

وذكر أنّ (مسترمور) قد صوّر كرشنا مصلوباً كما هو مصوّر في كتب الهنود مثقوب اليدين والرجلين، وعلى قميصه صورة قلب الإنسان معلّقاً، ووجدت له صورة مصلوباً وعلى رأسه إكليل من الذهب. والنصارى تقول: إن يسوع صلب وعلى رأسه إكليل من الشوك.

وقال (هوك) في ص ٣٢٦ من المجلد الأوّل من رحلته: ويعتقد الهنود الوثنيّون بتجسّد بعض الآلهة وتقديم ذبيحة فداء للناس من الخطيئة.

وقال (موريفور ليمس) في ص ٢٦ من كتابه (الهنود) ويعتقد الهنود الوثنيّون بالخطيئة الأصليّة وممّا يدلّ على ذلك ما جاء في مناجاتهم وتوسّلاتهم الّتي يتوسّلون بها بعد (الكياتري) وهو إنّي مذنب ومرتكب الخطيئة، وطبيعتي شريرة، وحملتني اُمّي بالإثم فخلّصني يا ذا العين الحندقوقيّة يا مخلّص الخاطئين من الآثام والذنوب.

وقال القسّ (جورج كوكس) في كتابه (الديانات القديمة) في سياق الكلام عن الهنود: ويصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً لأنّه قدّم شخصه ذبيحة.

ونقل (هيجين) عن (اندارا دا الكروزوبوس) وهو أوّل اُوروبيّ دخل بلاد التيبال والتبّت: أنّه قال في الإله (اندرا) الّذي يعبدونه: أنّه سفك دمه بالصلب وثقب المسامير لكي يخلّص البشر من ذنوبهم وأنّ صورة الصلب موجودة في كتبهم.

وفي كتاب (جورجيوس) الراهب صورة الإله (اندرا) هذا مصلوباً، وهو بشكل صليب أضلاعه متساوية العرض متفاوتة الطول فالرأسيّ اقصرها - وفيه صورة وجهه - والسفلى أطولها ولو لا صورة الوجه لما خطر لمن يرى الصورة أنّها تمثّل شخصاً هذا.

٣٥٣

وأمّا ما يروى عن البوذيّين في بوذا فهو أكثر انطباقاً على ما يرويه النصارى عن المسيح من جميع الوجوه حتّى أنّهم يسمّونه المسيح، والمولود الوحيد، ومخلّص العالم ويقولون إنّه إنسان كامل وإله كامل تجسّد بالناسوت، وأنّه قدّم نفسه ذبيحة ليكفّر ذنوب البشر ويخلّصهم من ذنوبهم فلا يعاقبوا عليها، ويجعلهم وارثين لملكوت السماوات بيّن ذلك كثير من علماء الغرب: منهم (بيل) في كتابه و(هوك) في رحلته و(موالر) في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتيّة وغيرهم.(١)

فهذه نبذة أو اُنموذجة من عقيدة تلبّس اللاهوت بالناسوت، وحديث الصلب والفداء في الديانات القديمة الّتي كانت الاُمم متمسّكين بها منكبّين عليها يوم شرعت الديانة النصرانيّة تنبسط على الأرض وأخذت الدعوة المسيحيّة تأخذ بمجامع القلوب في المناطق الّتي جال الدعاة المسيحيّون فيها فهل هذا إلّا أنّ الدعاة المسيحيّين أخذوا اُصول المسيحيّة وأفرغوها في قالب الوثنيّة واستمالوا بذلك قلوب الناس في تقبّل دعوتهم وهضم تعليمهم؟

ويؤيّد ذلك ما ترى في كلمات بولس وغيره من الطعن في حكمة الحكماء وفلسفتهم والإزراء بطرق الاستدلالات العقليّة وأنّ الإله الربّ يرجّح بلاهة الأبله على عقل العاقل.

وليس ذلك إلّا لأنّهم قابلوا بتعليمهم مكاتب التعقّل والاستدلال فردّه أهله بأنّه لا طريق إلى قبوله بل إلى تعقّله الصحيح من جهة الاستدلال فوضعوا الأساس على المكاشفة والامتلاء بالروح المقدّس فشاكلوا بذلك ما يصرّ به جهلة المتصوّفة أنّ طريقتهم طور وراء طور العقل.

ثمّ إنّ الدعاة منهم ترهبوا وجالوا في البلاد (على ما يحكيه كتاب أعمال الرسل والتواريخ) وبسطوا الدعوة المسيحيّة واستقبلتهم في ذلك العامّة في شتات البلاد، كان من سرّ موفّقيّتهم وخاصّة في إمبراطوريّة الروم هي الضغطة الروحيّة الّتي عمّت

____________________

(١) يجد القارئ هذه المنقولات في تفسير المنار - الجزء السادس في تفسير النساء وفي دوائر المعارف وفي كتاب العقائد الوثنيّة في الديانة النصرانيّة وغيرها.

٣٥٤

البلاد من فشوّ الظلم والتعدّي، وشمول أحكام الاسترقاق والاستعباد، والبون البعيد في حياة الطبقة الحاكمة والمحكومة والآمرة والمأمورة والفصل الشاسع بين عيشة الاغنياء وأهل الإتراف والفقراء والمساكين والأرقّاء.

وقد كانت الدعاة تدعو إلى المواخاة والمحابّة و التساوي والمعاشرة الجميلة بين الناس ورفض الدنيا وعيشتها الكدرة الفانية والاقبال على الحياة الصافية السعيدة الّتي في ملكوت السماء ولهذا بعينه ما كان يعني بحالهم الطبقة الحاكمة من الملوك والقياصرة كلّ العناية، ولا يقصدونهم بالأذى والسياسة والطرد.

فلم يزالوا يزيدون عدداً من غير تظاهر وتنافس وينمون قوّة وشدّة حتّى حصل لهم جمّ غفير في إمبراطوريّة الروم وإفريقيّة والهند وغيرها من البلاد. ولم يزالوا كلّما بنوا كنيسة وفتحوا بابها على وجوه الناس هدموا بذلك واحداً من بيوت الأوثان وأغلقوا بابه.

وكانوا لا يعتنون بمزاحمة رؤساء الوثنيّة في هدم أساسهم، ولا بملوك الوقت وحكّامه في التعالي عن خضوعهم وفي مخالفة أحكامهم ودساتيرهم وربّما كان ذلك يؤدّيهم إلى الهلاك والقتل والحبس والعذاب فكان لا تزال تقتل طائفة وتسجن اُخرى وتشرّد ثالثة.

وكان الأمر على هذه الصفة إلى أوان ملك القيصر (كنستانتين) فآمن بالملّة المسيحيّة وأعلن بها فأخذ التنصّر بالرسميّة وبنيت الكنائس في الروم وما يتبع إمبراطوريّته من الممالك وذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الميلاديّ.

تمركزت النصرانيّة يومئذ في كنيسة الروم وأخذت تبعث القسّيسين إلى أكناف الأرض من البلاد التابعة يبنون الكنائس والديرات ومدارس يدرسون بها التعليم الإنجيليّ.

والّذي يجب إلتفات النظر إليه أنّهم وضعوا البحث على اُصول مسلّمة إنجيليّة فأخذوا التعاليم الإنجيليّة كمسألة الأب والابن والروح، ومسألة الصلب والفداء وغير ذلك اُصولاً مسلّمة وبنوا البحث والتنقير عليها.

٣٥٥

وهذا أوّل ما ورد على أبحاثهم الدينيّة من الوهن والوهي فإنّ استحكام البناء المبنيّ وإن بلغ ما بلغ واستقامته لا يغني عن وهن الأساس المبنيّ عليه شيئاً وما بنوا عليه من مسألة تثليث الوحدة والصلب والفداء أمر غير معقول.

وقد اعترف عدّة من باحثيهم في التثليث بأنّه أمر غير معقول لكنّهم اعتذروا عنه بأنّه من المسائل الدينيّة الّتي يجب أن تقبل تعبّداً فكم في الأديان من مسألة تعبديّة تحيلها العقول.

وهو من الظنون الفاسدة المتفرّعة على أصلهم الفاسد، وكيف يتصوّر وقوع مسألة مستحيلة في دين حقّ؟ ونحن إنّما نقبل الدين ونميّز كونه دين حقّ بالعقل وكيف يمكن عند العقل أن تشتمل العقيدة الحقّة على أمر يبطله العقل ويحيله؟ وهل هذا إلّا تناقض صريح؟

نعم يمكن أن يشتمل الدين على ممكن يخرق العادة الجارية، والسنّة الطبيعيّة القائمة، وأمّا المحال الذاتيّ فلا البتّة.

وهذا الطريق المذكور من البحث هو الّذي أوجب وقوع الخلاف والمشاجرة بين الباحثين المتفكّرين منهم في أوائل انتشار صيت النصرانيّة وانكباب المحصّلين على الأبحاث المذهبيّة في مدارس الروم والإسكندريّة وغيرهما.

فكانت الكنيسة تزيد كلّ يوم في مراقبتها لوحدة الكلمة وتهيّئ مجمعاً مشكّلاً عند ظهور كلّ قول حديث وبدعة جديدة من البطارقة والأساقفة لإقناعهم بالمذهب العامّ وتكفيرهم ونفيهم وطردهم وقتلهم إذا لم يقنعوا.

وأوّل مجمع عقدوه مجمع نيقيه لمّا قال أريوس: إنّ اُقنوم الابن غير مساو لاُقنوم الأب وإنّ القديم هو الله والمسيح مخلوق.

اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في قسطنطينيّة بمحضر من القيصر كنستانتين وكانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً واتّفقوا على هذه الكلمة( نؤمن بالله الواحد الأب مالك كلّ شئ وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد يسوع المسيح

٣٥٦

ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلّها، وليس بمصنوع، إله حقّ من إله حقّ، من جوهر أبيه الّذي بيده اُتقنت العوالم وكلّ شئ، الّذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسّد من روح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب أيّام فيلاطوس، ودفن، ثمّ قام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعدّ للمجئ تارة اُخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد، روح الحقّ الّذي يخرج من أبيه، وبمعموديّة(١) واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسيّة مسيحيّة - جاثليقيّة وبقيام أبداننا(٢) والحياة أبد الآبدين(٣) ) .

هذا هو المجمع الأوّل، وكم من مجمع بعد ذلك عقدوه للتبرّي عن المذاهب المستحدثة كمذهب النسطوريّة واليعقوبيّة والأليانيّة واليليارسيّة و المقدانوسيّة والسباليوسيّة والنوئتوسيّة والبولسيّة وغيرها.

ومع هذا كانت الكنيسة تقوم بالواجب من مراقبتها، ولا تتوانى ولا تهن في دعوتها وتزيد كلّ يوم في قوّتها وسيطرتها حتّى وفّقت لجلب سائر دول اُوروبه إلى التنصّر كفرنسا و الإنجليز والنمسا والبروس والإسبانيا والبرتغال والبلجيك وهولاندا وغيرهم إلّا الروسيا أواخر القرن الخامس الميلاديّ سنة ٤٩٦.

ولم تزل تتقدّم وترتقي الكنيسة من جانب، ومن جانب آخر كانت تهاجم الاُمم الشماليّة والعشائر البدويّة على الروم، والحروب والفتن تضعّف سلطنة القياصرة،

____________________

(١) المراد بالمعمودية طهارة الباطن وقداسته.

(٢) أورد عليه أنّه يستلزم القول بالمعاد الجسمانيّ والنصارى تقول بالمعاد الروحانيّ كما يدلّ عليه الانجيل وأظنّ أنّ الانجيل إنّما يدلّ على عدم وجود اللذائذ الجسمانيّة الدنيويّة في القيامة وأمّا كون الإنسان روحاً مجرّداً من غير جسم فلا دلالة فيه عليه بل يدلّ على أنّ الإنسان يصير في المعاد كالملائكة لا ازدواج بينهم وظاهر العهدين أنّ الله سبحانه وملائكته جميعاً أجسام فضلا عن الإنسان يوم القيامة.

(٣) الملل والنجل للشهرستاني.

٣٥٧

وآل الأمر إلى أن أجمعت أهل الروم والاُمم المتغلّبة على إلقاء زمام اُمور المملكة إلى الكنيسة كما كانت زمام اُمور الدين بيدها فاجتمعت السلطنة الروحانيّة والجسمانيّة لرئيس الكنيسة اليوم وهو (البابا جريجوار) وكان ذلك سنة ٥٩٠ الميلاديّة.

وضارت كنيسة الروم لها الرئاسة المطلقة للعالم المسيحيّ غير أنّ الروم لمّا كانت انشعبت إمبراطوريّته إلى الروم الغربيّ الّذي عاصمتها رومة، والروم الشرقيّ الّذي عاصمتها قسطنطينيّة كانت قياصرة الروم الشرقيّ يعدّون أنفسهم رؤساء دينيّين لمملكتهم من غير أن يتّبعوا كنيسة روما وهذا مبدأ انشعاب المسيحيّة إلى الكاثوليك، أتباع كنيسة روما والأرثوذوكس وهم غيرهم.

وكان الأمر على ذلك حتّى إذا فتحت قسطنطينيّة بيد آل عثمان، وقتل القيصر (بالي اُولوكوس) وهو آخر قياصرة الروم الشرقيّ وقسّيس الكنيسة اليوم (قتل في كنيسة(أياصوفيا)).

وادّعى وراثة هذا المنصب الدينيّ أعني رئاسة الكنيسة قياصرة روسيا لقرابة سببيّة كانت بينهم وبين قياصرة الروم، وكانت الروس تنصّرت في القرن العاشر الميلاديّ فصارت ملوك روسيا قسّيسي كنيسة أرضهم غير تابعة لكنيسة رومة، وكان ذلك سنة ١٤٥٤ الميلاديّة.

وبقي الأمر على هذا الحال نحواً من خمسة قرون حتّى قتل (تزار نيكولا) وهو آخر قياصرة الروسيا قتل هو وجميع أهل بيته سنة ١٩١٨ الميلاديّة بيد الشيوعيّين فعادت كنيسة رومة تقريباً إلى حالها قبل الانشعاب.

لكنّ الكنيسة في أثر ما كانت تحاول رؤسائها السلطة على جميع جهات حياة الناس في القرون الوسطى الّتي كانت الكنيسة فيها في أوج ارتقائها وإرتفاعها ثار عليها جماهير من المتديّنين تخلّصاً من القيود الّتي كانت تحملها عليهم الكنيسة.

فخرجت طائفة عن تبعيّة أحكام رؤساء الكنيسة والباباوات وطاعتهم مع البقاء على طاعة التعليم الإنجيليّ على ما يفهمه مجامعهم، ويقرّره اتّفاق علمائهم وقسّيسهم وهؤلاء هم الأرثوذكس.

٣٥٨

 وطائفة خرجت عن متابعة كنيسة رومة أصلاً فليسوا بتابعين في التعليم الإنجيليّ لكنيسة رومة ولا معتنين للأوامر الصادرة منها وهؤلاء هم البروتستانت.

فأنشعب العالم المسيحيّ اليوم إلى ثلاث فرق: الكاثوليك وهي التابعة لكنيسة رومة وتعليمها والاُورثوذكس وهي التابعة لتعليم الكنيسة دون نفسها وقد حدثت شعبتهم بحدوث الانشعاب في الكنيسة وخاصّة بعد انتقال كنيسة قسطنطينيّة إلى مسكو بالروسيا (كما تقدّم) والبروتستانت وهي الخارجة عن تبعيّة الكنيسة وتعليمها جميعاً. وقد استقلّت طريقتهم وتظاهرت في القرن الخامس عشر الميلاديّ.

هذا إجمال ما جرى عليه الدعوة المسيحيّة في زمان يقرب من عشرين قرناً والبصير بالغرض الموضوع له هذا الكتاب يعلم أنّ القصد من ذكر جمل تاريخهم:

أوّلا: أن يكون الباحث على بصيرة من التحوّلات التاريخيّة في مذهبهم والمعاني الّتي يمكن أن تنتقل إلى عقائدهم الدينيّة بنحو التوارث أو السراية أو الانفعال بالامتزاج أو الإلف والعادة من عقائد الوثنيّة والأفكار الموروثة منهم أو المأخوذة عنهم.

وثانياً: أنّ اقتدار الكنيسة وخاصّة كنيسة رومة بلغ بالتدريج في القرون الوسطى الميلاديّة إلى نهاية أوجه حتّى كانت لهم سيطرة الدين والدنيا وانقادت لهم كراسيّ الملك بأوربه فكان لهم عزل من شاءوا ونصب من شاءوا(١) .

يروى أنّ البابا مرّة أمر إمبراطور آلمانيا أن يقف ثلاثة أيّام حافياً على باب قصره في فصل الشتاء لزلّة صدرت منه يريد ان يغفرها له(٢) .

ورفس البابا مرّة تاج الملك برجله حيث جائه جاثياً يطلب المغفرة(٣) .

وقد كانوا وصفوا المسلمين لأتباعهم وصفاً لم يدعهم إلّا أن يروا دين الإسلام دين الوثنيّة يستفاد ذلك من الشعارات والأشعار الّتي نظموها في استنهاض النصارى و

____________________

(١) الفتوحات الإسلاميّة.

(٢) المدرك السابق.

(٣) المدرك السابق.

٣٥٩

تهييجهم على المسلمين في الحروب الصليبيّة الّتي نشبت بينهم وبين المسلمين سنين متطاولة.

فإنّهم كانوا(١) يرون أنّ المسلمين يعبدون الأصنام وأنّ لهم آلهة ثلاثة أسماؤها على الترتيب (ماهوم) ويسمّى بافوميد وماهومند وهو أوّل الآلهة وهو (محمّد) وبعده (ايلين) وهو الثاني وبعده (ترفاجان) وهو الثالث وربّما يظهر من بعض كلماتهم أنّ للمسلمين إلهين آخرين وهما (مارتوان) و(جوبين) ولكنّهما بعد الثلاثة المتقدّمة رتبة وكانوا يقولون: إنّ محمّداً بنى دعوته على دعوى الاُلوهيّة وربّما قالوا: إنّه كان اتّخذ لنفسه صنماً من ذهب.

وفي أشعار ريشار الّتي قالها لاستنهاض الإفرنج على المسلمين: (قوموا وقلّبوا ماهومند وترفاجان وألقوهما في النار تقرّباً من إلهكم).

وفي أشعار رولان في وصف (ماهوم) إله المسلمين: (إنّه مصنوع تامّاً من الذهب والفضّة ولو رأيته أيقنت أنّه لا يمكن لصانع أن يصوّر في خياله أجمل منه ثمّ يصنعه عظيمة جثّته جيّدة صنعته وفي سيمائه آثار الجلالة ظاهرة ماهوم مصنوع من الذهب والفضّة يكاد سنا برقه يذهب بالبصر. وقد اُقعد على فيل هو من أحسن المصنوعات وأجودها بطنه خال وربّما أحسّ الناظر من بطنه ضوءاً هو مرصّعة بالأحجار الثمينة المتلالئة، يرى باطنه من ظاهره ولا يوجد له في جودة الصنعة نظير.

ولمّا كانت آلهة المسلمين يوحون إليهم في مواقع الشدّة وقد انهزم المسلمون في بعض حروبهم بعث قائد القوم واحداً في طلب إلههم الّذي كان بمكّة (يعني محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)). يروي بعض من شاهد الواقعة: أنّ الإله (يعني محمّداً) جائهم وقد أحاط به جمّ غفير من أتباعه وهم يضربون الطبول والعيدان والمزامير والبوقات المعمولة من فضّة ويتغنّون ويرقصون حتّى أتوا به إلى المعسكر بسرور وترح ومرح، وقد كان خليفته منتظراً لقدومه فلمّا رآه قام على ساقه، واشتغل بعبادته بخضوع وخشوع.

____________________

(١) هذا وما بعده إلى آخر الفصل منقول عن ترجمة كتاب (هنري دوكاستري) في الديانة الإسلاميّة الفصل الأوّل منه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

[(الثانية): في جنين البهيمة عشر قيمتها، وفي عين الدابة ربع قيمتها.] قال طاب ثراه: في جنين البهيمة عشر قيمتها، وفي عين الدابة ربع قيمتها.

أقول: هنا مسألتان.

(الاولى) في جنين البهيمة عشر قيمتها، قاله الشيخ واتباعه(١) (٢) واختاره المصنف(٣) وذهب العلامة في التحرير إلى ضمان الارش(٤) .

احتج الاولون: بما رواه الشيخ عن النوفلي، عن السكوني عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في جنين البهيمة اذا ضربت فالقت عشر ثمنها(٥) . احتج العلامة: بانه تقدير شرعي، فيقف على الدلالة الشرعية، ولا تصلح رواية السكوني لذلك، والمتيقن الارش، فتقوم الام حاملا وحائلا، ويلزم الجاني بالتفاوت(٦) .

(الثانية) في اعضاء الدابة، وفيها ثلاثة أقوال.

(أ) نصف القيمة في كل ما في البدن منه اثنان، كالعين واليد، وفي العينين كمال القيمة، قاله الشيخ في الخلاف، مستدلا بالاجماع والرواية، وهي كل ما في البدن منه اثنان، الحديث(٧) كذا فسره ابن ادريس(٨) .

____________________

(١)النهاية باب دية الجنين ص ٧٧٩ س ١١ قال: وفي جنين البهيمة عشر قيمتها.

(٢)المهذب ج ٢ باب دية الجنين ص ٥١٠ س ١٣ قال: وفي جنين البهيمة عشر قيمتها، والمراسم ذكر ضمان النفوس ص ٢٤٢ س ١٥ فلاحظ.

(٣)لاحظ عبارة النافع.

(٤)و(٦) التحرير ج ٢ في الجناية على الحيوان ص ٢٧٩ س ٢٠ قال: (ه‍) لا دية لجنين الدابة مقدرة، بل ارش ما نقص من امها إلى قوله: ويلزم الجاني بالتفاوت.

(٥)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ٩.

(٧)كتاب الخلاف، كتاب الغصب مسألة ٤ قال: اذا قلع عين دابة كان عليه نصف قيمتها.

(٨)السرائر باب الغصب ص ٢٨٠ س ٢٣ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف: قال محمد بن ادريس: ما ذكره من قوله: كل ما في البدن منه اثنان إلى قوله: لان القياس عندنا باطل.

[*]

٤٠١

ويضعف: بانها لم ترد الا في الانسان، والتعدي قياس.

(ب) ربع القيمة في العين الواحدة، وفيهما النصف قاله الشيخ في النهاية(١) . محتجا بما روه مسمع عن الصادقعليه‌السلام : ان علياعليه‌السلام قضى في عين الدابة ربع ثمنها(٢) . وفي معناها رواية أبي العباس عن الصادقعليه‌السلام قال: من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها(٣) .

(ج) الارش قاله الشيخ في المبسوط(٤) وتبعه القاضي(٥) وابن ادريس(٦) واختاره المصنف(٧) والعلامة(٨) لانه المتيقن، وما عداه يقف على الدلالة الشرعية، والروايتان ضعيفتان.

____________________

(١)النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨١ س ١ قال: وفي عين البهيمة اذا فقأت ربع قيمتها.

(٢)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣٠٩ الحديث ٤.

(٣)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣٠٩ الحديث ١.

(٤)المبسوط ج ٣ كتاب الغصب ص ٦٢ س ٢ قال: وان جنى عليها فقيمة ما نقص، يقوم بعد الاندمال، فيكون عليه ما بين قيمته صحيحا قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال إلى قوله: فان اتلف بهيمة ففيها ما ذكرنا.

(٥)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ٦ قال: وجراح البهائم وقطع اعضائها إلى قوله: كان فيه ارش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا.

(٦)السرائر باب الغصب ص ٢٨٠ س ٢٤ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف (وقد تقدم انفا): والصحيح هو الارش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا.

(٧)الشرائع في الجناية على الحيوان قال: ولو قطع بعض اعضائه، أو كسر شيئا من عظامه، فللمالك الارش.

(٨)المختلف ج ٢ في الجراحات ص ٢٦٣ س ٢٥ قال: وقوله في المبسوط من الرجوع بالتفاوت هو المعتمد إلى قوله: فكان الواجب الارش.

[*]

٤٠٢

[(الثالثة) روى السكوني عن أبي جعفرعليه‌السلام عن ابيه عليعليه‌السلام قال: كان لا يضمن ما افسدت البهائم نهارا ويضمن ما افسدته ليلا. والرواية مشهورة غير ان في السكوني ضعفا، والاولى اعتبار التفريط ليلا كان او نهارا.] قال طاب ثراه: روى السكوني عن أبي جعفرعليه‌السلام عن أبيه عليعليه‌السلام قال: كان لا يضمن ما افسدت البهائم نهارا ويضمن ما افسدته ليلا. والرواية مشهورة غير ان في السكوني ضعفا، والاولى اعتبار التفريط ليلا كان ام نهارا.

أقول: اكثر الاصحاب كالشيخين(١) (٢) والقاضي(٣) والتقي(٤) وابن حمزة(٥) والطبرسي(٦) وابن زهرة(٧) والكيدري(٨) .

____________________

(١)النهاية باب الجنايات على الحيوان ص ٧٨١ س ١٦ قال: فمن ذلك جناية غنم الانسان على زرع غيره قوله: فان كان افسادها له نهارا الخ.

(٢)المقنعة باب الجنايات على الحيوان ص ١٢٢ س ٥ قال: فمن ذلك جناية غنم الانسان على زرع غيره إلى قوله: وان كان افسادها له نهارا.

(٣)المهذب ج ٢ باب الجنايات على الحيوان ص ٥١٢ س ١٦ قال: فمن ذلك جناية غنم الانسان على زرع إلى قوله: وان كان افسادها كذلك نهارا لم يكن عليه شئ.

(٤)الكافي، الديات ص ٤٠١ س ١٢ قال: فمن ذلك ان يرسل غنمه ليلا فيضمن ما تجنيه على كل حال، ولا يضمن ما تجنيه نهارا الا ان يرسلها في ملك غيره.

(٥)الوسيلة في بيان احكام الجناية على الحيوان ص ٤٢٨ س ٧ قال: وكان بالليل ضمن، وان كان بالنهار لم يضمن.

(٦)غاية المراد في شرح قول المصنف: (ولو جنت الماشية على الزرع) ص.. س ١٣ قال: الضمان ليلا لا نهارا مذهب اكثر الاصحاب إلى قوله: والطبرسي.

(٧)الغنية (في الجوامع الفقهية) في الجنايات ص ٦٢٠ س ٢٠ قال: او بارسال غنمه ليلا على كل حال، ولا يضمن بما يجنيه نهارا الخ.

(٨)اصباح الشيعة للكيدري كتاب الجنايات ص ٣٠٠ س ٢١ قال: او بارسال غنمه ليلا، ولا [*]

٤٠٣

ورواه ابوعلي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان على اهل الاموال حفظها نهارا، وعلى اهل الماشية ما افسدت مواشيهم بالليل، حكم به في قضية ناقة براء بن عازب لما دخلت حائطا فافسدت(١) . وفي رواية السكوني عن جعفر عن ابيهعليهم‌السلام قال: كان عليعليه‌السلام : لا يضمن ما افسدت البهائم نهارا، ويقول: على صاحب الزرع حفظه، وكان يضمن ما افسدت ليلا(٢) .

واما ابن ادريس، والمصنف، والعلامة، وولده فاعتبروا التفريط وعدمه، ولم يفرقوا بين الليل والنهار، وحملوا الرواية على ذلك(٣) (٤) (٥) (٦) وخرجت الرواية على الغالب: من حفظ الدابة ليلا، وحفظ الزرع نهارا. قال الشهيد: ولا ينبغي ان يكون الخلاف هنا الا في مجرد العبارة عن الضابط، اما المعنى فلا خلاف فيه(٧) .

____________________

يضمن ما يجنيه نهارا الا ان يكون ارساله في ملك غيره.

(١)سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٧٨١(١٣) باب الحكم فيما افسدت المواشي الحديث ٢٣٣٢ ولاحظ ذيله أيضا.

(٢)التهذيب ج ١٠(٢٧) باب الجنايات على الحيوان ص ٣١٠ الحديث ١١.

(٣)السرائر باب الجنايات على الحيوان، ص ٤٤١ س ١٤ قال: ان كانت الجناية منها بتفريط وقع منه في حفظها إلى قوله: فهو ضامن لما افسدته بجنايتها، وان كان بغير ذلك لم يكن عليه ضمان إلى اخره.

(٤)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: ولاولى اعتبار التفريط ليلا كان او نهارا.

(٥)القواعد ج ٢ في الجناية على الحيوان ص ٣٤٠ س ١٠ قال: والوجه: ان صاحب الغنم يضمن مع التفريط ليلا كان او نهارا.

(٦)الايضاح ج ٤ في الجناية على الحيوان ص ٧٣٢ س ١٢ قال: والوجه عندي ما اختاره المصنف، وهو ان صاحب الغنم ان فرط في حفظها ضمن ما افسدت سواء كان ليلا او نهارا وان لم يفرط فلاضمان عليه.

(٧)اللمعة ج ١٠ في الجناية على الحيوان، ص ٣٢٧ س ٧ قال: فلا ينبغي ان يكون الاختلاف هنا الا في مجرد العبارة عن الضابط.

[*]

٤٠٤

[(الثالث) في كفارة القتل.

تجب كفارة الجمع بقتل العمد، والمرتبة بقتل الخطأ مع المباشرة دون التسبيب، فلو طرح حجرا في ملك غيره، أو سابلة فهلك به عاثر ضمن الدية ولا كفارة، وتجب بقتل المسلم ذكرا كان أو انثى، صبيا كان أو مجنونا، حرا وعبدا، ولو كان ملك القاتل. وكذا تجب بقتل الجنين ان ولجته الروح، ولا تجب قبل ذلك. ولا تجب بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا. ولو قتل المسلم مثله في دار الحرب عالما لا لضرورة فعليه القود والكفارة. ولو ظنه حربيا فبان مسلما فلا دية وعليه الكفارة.

(الرابع): في العاقلة.] ونعم ما قال:(الرابع) العاقلة

مقدمة: اشتقاق العاقلة من العقل، وهو الشد، يقال: عقلت البعير اذا أثبت ركبتيه وشددتهما وسمي هذا الحبل عقالا(١) ، وسمي أهل العقل عاقلة، لانها تعقل الابل بفناء ولي المقتول المستحق للدية(٢) .

وقيل: العقل اسم للدية وعبارة عنها(٣) . وسمي اهل العقل عاقلة، لانها تعقل

____________________

(١)عقل البعير ثنى وظيفه مع ذراعه وشدهما جميعا في وسط الذراع، وكذلك الناقة، وذلك الحبل هو العقال (لسان العرب ج ١١ ص ٤٥٩).

(٢)قال الاصمعي: وانما سميت بذلك لان الابل كانت تعقل بفناء ولى المقتول (صحاح ج ٥ ص ١٧٦٩.

(٣)قال الازهري: والعقل في كلام العرب الدية، سميت عقلا لان الدية كانت عند العرب في الجاهلية ابلا، لانها كانت اموالهم فسميت الدية عقلا لان القاتل كان يكلف ان يسوق الدية إلى فناء ورثة المقتول، فيعقلها بالعقل وسلمها إلى اوليائه، (لسان العرب ج ١١ ص ٤٦١ لغة عقل).

[*]

٤٠٥

لسان ولي المقتول، تقول: عقلت عنه اذا تحملت عنه، وعقلت له اذا دفعت اليه الدية.

وقيل: سميت عاقلة، لانها ما نعة، والعقل المنع، وذلك ان العشيرة كانت تمنع عن القاتل بالسيف في الجاهلية فلما جاء الاسلام منعت عنه بالمال، فلهذا سميت عاقلة(١) .

فروع في الدية

(أ) اجمع علماء الاسلام على ان العاقلة تضمن دية الخطأ، ولا عبرة بخلاف الخوارج، لانهم عندنا ليسوا مسلمين وان انتحلوا الاسلام، ولا شذوذ الاصم لانقراضه حيث ذهبوا إلى وجوبها على القاتل(٢) .

(ب) الدية يجب ابتداء على العاقلة، ولا ترجع العاقلة بها على الجاني خلاف للمفيد(٣) وتلميذه(٤) حيث اوجباها على العاقلة وجعلا لها الرجوع بها، ولعله جمع بين الدليلين فالزم العاقلة بها اولا لدلالة النص والاجماع عليه، وجعل لهم الرجوع

____________________

(١)وسمى العقل عقلا، لانه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي يحبسه (لسان العرب ج ١١ ص ٤٥٩ لغة عقل.

(٢)قال في المبسوط ج ٧ ص ١٧٣ اجمع المسلمون على ان العاقلة تحمل دية الخطأ الا الاصم فانه قال: على القاتل، وبه قالت الخوارج.

(٣)المبسوط ج ٧ باب البينات على القتل ص ١١٥ س ١ قال: الزمت عاقلته الدية، وترجع العاقلة على القاتل.

(٤)المراسم ذكر احكام الجنايات في القضاء ص ٢٣٩ س ١٢ قال: ودية الخطأ ترجع العاقلة بها على مال القاتل.

[*]

٤٠٦

بها على القاتل تعويلا على دليل العقل، او لعله عثر على دليل لم يقف غيره عليه.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا اعرف به نصا(١) وقال ابوعلي: ولا اعرف فيه خلافا(٢) .

واختاره القاضي(٣) والتقي(٤) وابن ادريس(٥) والمصنف(٦) والعلامة(٧) بل الاصحاب عدا المذكورين ولا فصل بين كون القاتل حال القتل موسرا او معسرا.

(ج) المشهور اختصاص العاقلة بضمان الخطأ المحض، وذهب التقي إلى ضمانها دية شبيه العمد(٨) وهو نادر.

(د) تحمل العاقلة دية الموضحة فما فوقها، وهل تحمل ما دونها؟ قال الشيخ في

____________________

(١)المبسوط ج ٧ فصل في العاقلة ص ١٧٤ س ٣ قال: ولست اعرف به نصا.

(٢)المختلف ج ٢ في دية القتل ص ٢٣٢ س ٢٥ قال: وقال ابن الجنيد: لا اعلم خلافا في ان دية المقتول خطا، على عاقلة المقتول الخ.

(٣)المهذب ج ٢ باب اقسام القتل ص ٤٥٧ س ٢٢ قال: واما دية قتل الخطأ فواجبة على عاقلة القاتل الخ.

(٤)الكافي، الديات، ص ٣٩٢ س ٤ قال: ودية الخطأ على العاقلة.

(٥)السرائر باب في اقسام القتل ص ٤١٩ س ٢٤ قال: فاما دية قتل الخطأ فانها تلزم العاقلة.

(٦)الشرائع، الرابع في العاقلة، قال: اما كيفية التقسط، فان الدية تجب ابتداء على العاقلة الخ.

(٧)الارشاد ج ٢ كتاب الديات، والمقصد الثاني: فيمن تجب عليه، قال: ودية الخطأ على العاقلة.

(٨)الكافي، الديات ص ٣٩٦ س ٢ قال: وخطأ محض وخطأ شبيه العمد يوجبان الدية على العاقلة.

[*]

٤٠٧

النهاية: لا(١) ، وبه قال التقي(٢) وابوعلي(٣) والقاضي في الكامل(٤) واختاره العلامة(٥) وفخر المحققين(٦) .

وقال في الخلاف: تحمل العاقلة قدر الجناية، قليلا كان أو كثيرا(٧) واختاره ابن ادريس(٨) .

احتج الاولون بوجوه.

(الاول) ان الاصل ايجاب الدية على مباشر الجناية، عدلنا عنه في دية النفس والموضحة فمازاد للنصوص والاجماع، فيبقى الباقي على اصله.

(الثاني) قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر اخرى)(٩) وغيرها من الايات الدالة على اختصاص الانسان بجنايته واكتساب يده.

____________________

(١)النهاية باب اقسام القتل ص ٧٣٧ س ١٦ قال: وما كان خطأ إلى قوله: لا يحمل في الجراح على العاقلة الا الموضحة فصاعدا.

(٢)الكافي، الديات ص ٣٩٥ س ٢١ قال: ولا تعقل العاقلة إلى قوله: ولا مادون الموضحة.

(٣)و(٤) المختلف ج ٢ في دية القتل ص ٢٣٥ س ٣١ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية: وبه قال ابن الجنيد إلى قوله: والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية.

(٥)غاية المراد، في شرح قول المصنف (وتحمل العاقلة دية الموضحة ص.. س ٣ قال: عدم التحمل فيما دونها إلى قوله: وتبعه ابن البراج في الكامل.

(٦)الايضاح ج ٤ في كيفية التوزيع ص ٧٤٦ س ٢٣ قال بعد نقل قوله الشيخ: وهو الاصح عندي.

(٧)كتاب الخلاف، كتاب الديات، مسألة ١٠٦ قال: القدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني هو قدر جنايته قليلا كان او كثيرا.

(٨)السرائر في اقسام القتل ص ٤٢٠ س ١٠ قال: والقدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني هو قدر جنايته قليلا كان او كثيرا.

(٩)الانعام / ١٦٤.

[*]

٤٠٨

(الثالث) ما رواه الشيخ عن علي بن إبراهيم، عن ابيه، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن ابي مريم عن الباقيعليه‌السلام قال: قضى اميرالمؤمنينعليه‌السلام ان لا تحمل على العاقلة الا الموضحة فصاعدا(١) .

قال المصنف: وفي الرواية ضعف(٢) وكذا العلامة في القواعد(٣) لان في طريقها (ابن فضال) فان كان الحسن فقد قيل: انه قطحي المذهب(٤) فمن هنا كانت الرواية ضعيفة، وجعلها العلامة في المختلف من الموثق(٥) .

قال فخر المحققين: لما قرأت على والدي التهذيب في المرة الثانية في طريق الحجاز في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، سألته عن هذه الرواية لما بلغت اليها وقلت له: انك حكمت عليها في المختلف: انها في الموثق وفي القواعد: فيها ضعف؟ فقال لي: بل هي ضعيفة(٦) .

وأقول: ان ابن فضال ان كان هو الحسن بن علي بن فضال، فقد قال الكشي: انه ممدوح، معظم، كان فطحيا فرجع قبل موته(٧) ومدحه الشيخ في

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧٠ الحديث ٩.

(٢)لاحظ عبارة النافع حيث يقول: غير ان في الرواية ضعفا، وسياتي عن قريب.

(٣)القواعد ج ٢ في كيفية التوزيع ص ٣٤٤ س ٨ قال: وهل تحمل ما نقص؟ قيل: نعم، وقيل: لا، لرواية فيها ضعف.

(٤)الفهرست باب الحاء ص ٤٧ تحت رقم ١٥٣ قال: الحسن بن علي بن فضال كان فطحيا يقول بامامة عبدالله بن جعفر، ثم رجع إلى امامة ابى الحسنعليه‌السلام عند موته.

(٥)المختلف ج ٢ في دية القتل ص ٢٣٥ س ٣٨ قال: وما رواه الشيخ في الموثق الخ.

(٦)الايضاح ج ٤ في كيفية التوزيع ص ٧٤٧ س ١٦ قال: لما قرأت عليه التهذيب في المرة الثانية الخ.

(٧)اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ص ٥٦٥ تحت رقم ١٠٦٧ قال: وكان الحسن بن علي فطحيا يقول: بعبدالله بن جعفر، فرجع فيما حكي عنه.

[*]

٤٠٩

الفهرست(١) . وان كان علي بن الحسن بن علي بن فضال فقد قال النجاشي: انه فقيه اصحابنا بالكوفه، ووجههم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله، سمع منه كثير، ولم يعثر له على زلة، وقل ما روى من ضعيف، الا انه كان فطحيا(٢) . والاولى اثبات هذه الرواية في الموثق كما ذكره العلامة في المختلف. احتج الاخرون: بعموم الاخبار الواردة: بايجاب دية الخطأ على العاقلة من غير تفصيل(٣) والجواب: قد بينا التفصيل في الرواية الموثقة.

(ه‍) لا يضمن العاقلة الغرامات اللاحقة للانسان باتلاف الاموال، سواء كان الجاني غنيا أو فقيرا، وسواء الخطأ او العمد، وسواء كان بالغا أو صغيرا، عاقلا أو مجنونا، وسواء كان التلف مالا او حيوانا. ولو كان عبدا فهل تضمنه العاقلة ام لا؟ قال الشيخ: نعم(٤) لعموم ضمان العاقلة جنايته على الادمي، وبه قال. القاضي(٥) واختاره المصنف(٦) والعلامة في

____________________

(١)تقدم آنفا.

(٢)رجال النجاشي (باب على) ص ١٩٤ قال: علي بن الحسن بن علي بن فضال إلى قوله: كان فقيه اصحابنا بالكوفة، ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث الخ.

(٣)لاحظ من لا يحضره الفقيه ج ٤(٣٣) باب العاقلة ص ١٠٥ الحديث ١ و ٦.

(٤)كتاب الخلاف، كتاب الديات، مسألة ٨٥ قال: اذا قتل عبد عمدا، إلى قوله: وان كان خطأ محضا فعلى العاقلة سواء قتله او قطع اطرافه.

(٥)المهذب ج ٢ كتاب الديات ص ٤٨٧ س ٧ قال: واذا قتل حر عبدا، إلى قوله: فان قتله خطأ محضا فالقيمة على عاقلته وكذلك في اطرافه.

(٦)النافع ص ٣١٦ قال: (الثالثة) لا تعقل العاقلة بهيمة ولا اتلاف مال ويختص ضمانها بالجناية على الادمي حسب.

[*]

٤١٠

القواعد(١) . وقال ابوعلي: ولا يضمن العاقلة قيمة العبد اذا قتلهم اقرباؤهم خطأ، ولا ارش جراحتهم لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الزم العاقلة الديات، وانما يؤخذ عن العبيد قيمة، لا دية، لا خلاف في ذلك، ولانهم كاموال مالكهم(٢) واستحسنه العلامة في المختلف(٣) .

وله في التحرير قولان: فجزم في اول كتاب الديات منه بضمان العاقلة(٤) وفي باب العاقلة بالضمان في ماله خاصة(٥) .

(و) لا تعقل العاقلة حالا، وانما تضمن مؤجلا، فالمضمون اما دية أو ارش، فان كان دية فاجله ثلاث سنين، سواء كانت الدية تامة او ناقصة كدية المرأة، والذمي، فيؤخذ عند انسلاخ كل حول ثلث دية، او سدس، او مأتين وستة وستين درهما، وثلثي درهم. وان كان ارشا فان كان بقدر ثلث الدية فما دون اخذ في سنة واحدة عند انسلاخها، وان كان اكثر حل الثلث عند انسلاخ الحول الاول. والزائد عند انسلاخ الثاني ان كان ثلثا فمادون. ولو كان اكثر من دية كقطع يدين وقلع عينين، فان تعدد الجاني او المجني عليه حل بانسلاخ كل حول عن كل جناية

____________________

(١)القواعد ج ٢ في كيفية التوزيع ص ٣٤٤ س ١٦ قال: والحر اذا قتل عبدا عمدا إلى قوله: وان كان خطأ فعلى عاقلته.

(٢)و(٣) المختلف ج ٢ في اللواحق ص ٢٦٧ س ١٤ قال: (مسألة) قال: ابن الجنيد ولا تضمن العاقلة قيم العبد اذا قتلهم اقرباؤهم الخ. ثم قال بعد اسطر: وقول ابن الجنيد حسن.

(٤)التحرير ج ٢ كتاب الديات ص ٢٦٩ س ٩ قال (يج) دية العبد قيمته إلى قوله: ومن عاقلته ان كان خطأ.

(٥)التحرير ج ٢ كتاب الجنايات ص ٢٨٠ س ٢٢ قال: (يب) لا يضمن العاقلة عبدا بمعنى ان العبد اذا قتل كانت قيمته في مال القاتل، لا على عاقلة القاتل خطأ.

[*]

٤١١

ثلث، وان اتحد أجل له ثلاث لكل جناية سدس، وهذا فتوى العلامة(١) . واستشكله المصنف: من حيث احتمال التاجيل بالدية لا بالارش، فعلى هذا يكون حالا، ولم يجزم به(٢) . والاول هو المعتمد: لان العاقلة لا تعقل حالا، ويؤخذ من العاقلة عند الحلول، كما تؤخذ من المديون فيترك له قوت يوم وليلة ويؤخذ من الفاضل عن ذلك، ولو اعسر عن ذلك نزل منزلة المعدوم. وينتظر قدوم الغائب، ولا يسقط بغيبته. ولو مات قبل الدفع قدم كفنه الواجب، وكذا كفن واجب النفقة، لانه من المؤونة. ومع اعساره وتحمل غيره من العاقلة باقي الدية لا يرجع اليه بعد يساره، نعم لو أيسر وقد بقي من الدية بقية لزم الاداء.

تحقيق

لا يتوجه المطالبة على العاقلة الا بعد الحلول، بل ولا تستقر الدية على الموجود حال الجناية، بل بعد الحلول، فالعاقلة الموجودون في ذلك الوقت، والاعتبار بيسار العاقلة وفقرها حينئذ، ولا اعتبار بوقت الجناية

وتظهر الفائدة في مسائل

(الاولى) لو مات بعض العاقلة قبل الحلول سقط ما ضرب عليه، فان كان وارثه من العاقلة اخذت منه بحساب حاله، والا اخذت من بقية العاقلة، ولا ضمان

____________________

(١)القواعد ج ٢ في قدر التوزيع ص ٣٤٤ س ٢١ قال: ولو كاناكثر من الدية كقطع يدين ورجلين، فان تعدد المجني عليه إلى قوله: وان كان واحدا حل له ثلث لكل جناية، سدس دية.

(٢)الشرائع ج ٤ في العاقلة قال: اما الارش فقد قال في المبسوط: يستأدي في سنة واحدة عند انسلاخها اذا كانت ثلث الدية فمادون، لان العاقلة لا تعقل حالا، وفيه اشكال: ينشأ من احتمال تخصيص التاجيل بالدية لا بالارش.

[*]

٤١٢

[والنظر في المحل وكيفية التقسيط، واللواحق. اما المحل: فالعصبة: والمعتق، وضامن الجريرة، واللواحق. والعصبة: من تقرب بالميت من الابوين، او بالاب كالاخوة واولادهم، والعمومة واولادهم، والاجداد وان علوا. وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل، والاول اظهر.] على التركة.

(الثانية) لو كان فقيرا في اول الحول ثم استغنى عند الحول، او بالعكس كان الاعتبار بوقت المطالبة، فتؤخذ بحسب حاله في ذلك الوقت.

(الثالثة) لو كان عاقلا وقت الجناية ثم جن في اخر الحول سقطت، ولو انعكس الحال طولب.

(الرابعة) لا يجوز اخذ الرهن من العاقلة قبل الحلول، لعدم القرار في الذمة.

(الخامسة) لا يصح ضمان قبله، لما قلناه.

قال طاب ثراه: والعصبة من تقرب بالميت من الابوين، او بالاب كالاخوة واولادهم، والعمومة واولادهم، والاجداد وان علوا، وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل، والاول اظهر.

أقول: اختلف الاصحاب في تفسير العصبة الذين يعقلون القاتل على خمسة اقوال:

(الاول) ما ذكره المصنف، وهو مذهب الشيخ(١) وتبعه القاضي(٢) واختاره

____________________

(١)المبسوط ج ٧ فصل في العاقلة ص ١٧٣ س ١٦ قال: والعاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين، وهم الاخوة وابنائهم الخ.

(٢)المهذب ج ٢ باب العاقلة ص ٥٠٣ س ١١ قال: والعاقلة، هم كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين، وهم الاخوة وابنائهم الخ.

[*]

٤١٣

العلامة(١) .

(الثاني) العاقلة من يرث دية القاتل لو قتل، ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئا على حال، وهو مذهب الشيخ في النهاية(٢) . قال المصنف في الشرائع: وفي هذا الاطلاق وهم، فان الزوجين والمتقرب بالام يرثون من الدية، وليسوا عصبته(٣) ، اما الاول فقد مر بيانه في باب الميراث، واما الثاني فاجماعي، وايضا فان الانثى المتقربة بالاب ترث من الدية وليست عصبة. وايضا الدية يرثها الاقرب فالاقرب وليس كذلك العقل.

(الثالث) العصبة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء سواء كانوا من قبل ابيه او امه، فان تساوت القرابتان كالاخوة للاب والاخوة للام كان على الاخوة للاب الثلثان وعلى الاخوة للام الثلث، ولا يلزم ولد الابن شئ الا بعد عدم الولد والاب، ولا يلزم ولد الجد من شئ الا بعد عدم الولد والابوين.

وعلى هذا: فان عدم قرابة النسب كانت على الموالي اعتاقه، فان عدموا كانت على الوالي علاقته، وهو قول أبي علي(٤) .

(الرابع) العاقلة العصبات من الرجال سواء كان وارثا أو غيروارث، الاقرب

____________________

(١)التحرير ج ٢ في محل الدية ص ٢٧٩ س ٣٤ قال: (ب) العصبة من تقرب بالابوين، او بالاب خاصة من الذكور كالاخوة واولادهم الخ.

(٢)النهاية باب اقسام القتل ص ٧٣٧ س ٢ قال: واما دية قتل الخطأ فانها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل ان لو قتل، ولا يلزم الخ.

(٣)الشرائع: ج ٤ ص ٢٨٨ قال: وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل، وفي هذا الاطلاق وهم إلى اخره.

(٤)المختلف ج ٢ في دية القتل ص ٢٣٥ س ٢ قال: وقال ابن الجنيد: العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء سواء كانوا من قبل ابيه او امه.

[*]

٤١٤

[ومن الاصحاب من شرك بين من يتقرب بالام مع من يتقرب بالاب والام، او بالاب، وهو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل، وفيه ضعف.] فالاقرب وهو قول ابن ادريس(١) .

(الخامس) عاقلة الحر عصبته، وعاقلة العبد مالكه، وهو قول التقى(٢) . قال طاب ثراه: ومن الاصحاب من شرك بين من يتقرب بالام مع من يتقرب بالاب والام، او بالاب، وهو استناد إلى رواية مسلمة بن كهيل، وفيه ضعف.

أقول: هذه اشارة إلى قول أبي علي، وقد حكيناه. واستند في ذلك إلى ما رواه الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ابيه، عن سلمة بن كهيل قال: اتى اميرالمؤمنينعليه‌السلام برجل من اهل الموصل قد قتل رجلا خطأ، فكتب اميرالمؤمنينعليه‌السلام إلى عامله بها في كتابه: وأسأل عن قرابته من المسلمين، فان كان من اهل الموصل ممن ولد بها واصبت له بها قرابة من المسلمين فاجمعهم اليك، ثم انظر فان كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه احد من المسلمين فالزمه الدية، وخذه بها نجوما في ثلاث سنين، وان لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا قرابة سواء في النسب، ففض الدية على قرابته من قبل ابيه وعلى قرابته من قبل امه من الرجال المدركين المسلمين، ثم اجعل على قرابته من قبل ابيه ثلثي الدية، واجعل على قرابته من قبل امه ثلث الدية وان لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففض الدية على قرابته من قبل امه من الرجال المدركين، ثم خذهم بها واستادهم الدية في ثلاث سنين، وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا قرابة من قبل امه، ففض الدية على أهل الموصل ممن

____________________

(١)السرائر في اقسام القتل ص ٤١٩ س ٢٤ قال: وهي تلزم العصبات من الرجال سواء كان وارثا أو غير وارث الاقرب فالاقرب.

(٢)الكافي، الديات ص ٣٩٢ قال: وعاقلة الحر المسلم عصبته وعاقلة الرقيق مالكه.

[*]

٤١٥

ولد بها ونشأ، ولا تدخلن فيهم غيرهم من اهل البلد، ثم استأدي ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجم حتى تستوفيه ان شاء الله، وان لم يكن لفلان بن فلان قرابة من اهل الموصل، ولا يكون من اهلها وكان مبطلا فرده إلي مع رسولي فلان، فانا وليه والمؤدي عنه، ولا يبطل دم امرء مسلم(١) .

وقد دلت هذه الرواية عليامور.

(أ) دخول الاباء والاولاد في العقل.

(ب) دخول الام في العقل، لان لها سهما في كتاب الله لا يحجب عنه.

(ج) دخول قرابة الام في العقل.

(د) الزامهم بثلث الدية مع قرابة الاب.

(ه‍) اشتراط الذكورة فيمن عدم الام.

(و) اشتراط البلوغ في العقل، فلا يعقل الصبي لقوله: من الرجال المذكورين(٢) .

(ز) اشتراط اسلام العاقل.

(ح) الزام اهل بلد القاتل.

(ط) الزام الامام مع عدمهم.

(ى) اشتراط الولادة في البلد، والنشوء فيه، فمن ولد في غيره فلا يعقل، وان اقام فيه وابن كهيل مذموم بتري قاله الكشي(٣) .

____________________

(١)التهذيب ج ١٠(١٢) باب البينات على القتل ص ١٧١ الحديث ١٥ والمصنفقدس‌سره أورد الحديث مقطعا.

(٢)في (گل): المدركين.

(٣)اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ص ٢٣٦ تحت رقم ٤٢٩ وفيه (عن سدير قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام ومعى سلمة بنكهيل وجماعة، وعند أبي جعفرعليه‌السلام اخوه زيد بن عليعليه‌السلام فقالوا لابي جعفرعليه‌السلام : نتولى عليا وحسنا وحسينا ونتبرأ من اعدائهم قال: نعم، قالوا: نتولى ابابكر وعمر ونتبرأ من اعدائهم ! قال: فالتفت اليهم زيد بن علي قال لهم: أتتبرؤن من فاطمة؟ ! بترتم، أمرنا بتركم الله، فيومئذ سموا البترية).

[*]

٤١٦

[ويدخل الاباء والاولاد في العقل على الاشبه، ولا يشركهم القاتل، ولا تعقل المرأة ولا الصبي، ولا المجنون وان ورثوا من الدية.] قال طاب ثراه: ويدخل الاباء والاولاد في العقل على الاشبه.

أقول: قال الشيخ في كتابي الفروع: لا يدخل الاباء والاولاد في العقل(١) (٢) وتبعه القاضي(٣) .

وقال ابوعلي: بدخولهم(٤) واختاره المصنف(٥) والعلامة(٦) . احتج الاولون بوجوه.

(أ) اصالة براء‌ة الذمة من الضمان الا مع اليقين، وقد حصل الشك بوجود الخلاف هنا.

(ب) ما روي عنهعليه‌السلام : انت ومالك لابيك(٧) فلو غرم الابن جناية الاب لغرم الاب، لان ماله ماله(٨) . روى ابوعلي بن الفضل بن الحسن الطبرسي في كتابه المسمى بالباهر في شرح

____________________

(١)كتاب الخلاف، كتاب الديات مسألة ٩٨ قال: العاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين إلى قوله: ولا دليل على ان الوالدين والولد منهم والاصل براء‌ة ذمتهم.

(٢)المبسوط ج ٧ فصل في العاقلة ص ١٧٣ س ١٦ قال: والعاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين الخ.

(٣)المهذب ج ٢ باب العاقلة ص ٥٠٣ س ١١ قال: والعاقله التي تحمل ذلك هم كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين، وهم الاخوة الخ.

(٤)غاية المراد في شرح قول المصنف (قال الشيخ: ولا يدخل الاباء والاولاد) ص.. ص ١٠ قال: وابن الجنيد قال: (هم المستحقون ارث القاتل من الاب والام).

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)التحرير ج ٢ في محل الدية ص ٢٨٠ س ٢ قال: (ج) الاقرب دخول الاباء والاولاد في العقل.

(٧)سنن ابن ماجه ج ٢ ص ٧٦٨(٦٤) باب ما للرجل من مال ولده الحديث ٢٢٩١ و ٢٢٩٢.

(٨)زاد هنا في بعض النسخ المخطوطة التي عندي مايلي.

[*]

٤١٧

الحماسة(١) قال: روى الشيخ علي بن الحرب الساري مرفوعا إلى جابر بن عبدالله الانصاري قال: جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله ان أبي أخذ مالي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللرجل: اذهب فأتنى بابيك، فنزل جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ان الله يقرء‌ك السلام ويقول: اذا جاء‌ك الشيخ فسله عن شئ قاله في نفسه، ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مابال ابنك يشكوك؟ ! أتريد ان تاخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله هل هو الا غرامة، أو اداء امانة، أو ما انفقه على نفسي وعيالي هل انفقته الا على عماته أو خالاته، او على نفسي؟ ! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيه، دعنا من هذا، اخبرنا عن شئ قلته في نفسك ما سمعته اذناك، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته اذناي، فقال: قل وانا اسمع، قال: قلت: غدوتك مولودا ومنتك يافعا * تعل بما أجني عليك وتنهل اذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت * لسقمك الا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي * طرقت به دوني فعيناي تهمل تخاف الردى نفسي عليك وانها * لتعلم أنالموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي * اليها مدى ما فيك كنت أومل جعلت جزائى غلظة وفظاظة * كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك اذ لم ترع حق أبوتى * فعلت كما الجار المجاور يفعل

____________________

(١)لم اظفر على كتاب (الباهر في شرح الحماسة) للطبرسي، ولم يورده أرباب المعاجم، ورأيت في بعض المدونات ايضا ينقلون بعنوان شرح الحماسة ولعل الله يحدث بعد ذلك امرا.

[*]

٤١٨

تراه معدا ل ل خلاف كأنه * برد على أهل الصواب موكل(١) وفي رواية اخرى زيادة على هذه الابيات: وعيرتني اني كبرت وعيني * ولم يمض لي من بعد ستين كمل وسميتني الشيخ المفيد وليه * وفي رأيك التقييد لو كنت تعقل وليتك اذ لم ترع حق ابوتي * فعلت كما الجار المجاور يفعل تراه معدا للخلاف كأنه * برد على اهل الصواب موكل قال: فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: انت ومالك لابيك. قوله: (او اداء مأنة) مأخوذ من المؤنة، يقال: مأنه مؤنة اذا عاله وانفق عليه.

ويقال للجنين اذا خرج من بطن امه مولود، فاذا تحرك وشب فهو يافع ومنه اليفاع(٢) .

وروي ان رجلا اتى النبي ومعه ابنه، فقال: من هذا؟ فقال: ابنى، فقال: اما انه لا يجني عليك ولا تجني عليه(٣) . وليس المراد نفي الحقيقة، لا مكانها، فيحمل على اقرب المجازات، وهو رفع حكم الجناية، فيكون معناه: لايلزمك موجب جنايته، ولا يلزمه موجب جنايتك، (ج) ما رواه سعيد بن المسيب: ان امرأتين من هذيل اقتتلتا، فقتلت احداهما الاخرى ولكل زوج وولد، فبرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزوج والولد وجعل الدية على العاقلة(٤) .

____________________

(١)إلى هنا نقلته عن (المعجم الصغير للطبراني) ج ٢ ص ٦٢ وعن (مجمع الزوائد للهيثمي) ج ٤ ص ١٥٤ باب في مال الولد.

(٢)إلى ما في بعض النسخ المخطوطة التي عندي والله اعلم بالصواب.

(٣)عوالي اللئالي ج ٣ ص ٦٦٥ الحديث ١٥٧ ولا حظ ما علق عليه.

(٤)عوالى اللئالي ج ٣ ص ٦٦٦ الحديث ١٥٨ ولا حظ ما علق عليه.

[*]

٤١٩

[وتحمل العاقلة دية الموضحة فما فوقها اتفاقا، وفيما دون الموضحة قولان: المروي انها لا تحمله، غير ان في الرواية ضعفا، واذا لم يكن عاقلة من قومه، ولا ضمان جريرة، ضمن الامام جنايته. وجناية الذمي في ماله وان كانت خطأ، فان لم يكن له مال فعاقلته الامام، لانه يؤدي اليه ضريبته ولا يعقله قومه. واما كيفية التقسيط: فقد تردد الشيخ فيه، والوجه وقوفه على رأي الامام، او من نصبه للحكومة بحسب ما يراه من احوال العاقلة. ويبدأ بالتقسيط على الاقرب فالاقرب، ويؤجلها عليهم على ما سلف.] احتج الاخرون: بانهم اخص القوم، والقرابة ادنى القوم، وبرواية سلمة بن كهيل.

قال طاب ثراه: ويحمل العاقلة دية الموضحة فما فوقها اتفاقا، وفيما دون الموضحة قولان: المروي انها لا تحمله غير ان في الرواية ضعفا. أقول: قد تقدم البحث في هذه المسألة في فروع العاقلة.

قال طاب ثراه: واما كيفية التقسيط: فقد تردد فيه الشيخ، والوجه وقوفه على رأي الامام.

أقول: قال الشيخ في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا، انه لا يقدر ذلك، بل يقسم الامام على ما يراه من حاله، من الغنى والفقر، وان يفرقه على القريب والبعيد، وان قلنا يقدم الاولى فالاولى كان قويا لقوله تعالى: (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض)(١)(٢) وقال قبل هذا الكلام بقليل: واكثر ما يحمله كل رجل من

____________________

(١)الانفال / ٧٥.

(٢)المبسوط ج ٧، فصل في العاقلة ص ١٧٨ س ٧ قال: الذي يقتضيه مذهبنا ان لا يقدر ذلك، بل يقسم الامام.

[*]

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430