المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

المهذب البارع في شرح المختصر النافع13%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51500 / تحميل: 7487
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٥

مؤلف:
العربية

المهذب البارع في شرح المختصر النافع

ال جزء الخامس

تأليف:

العلامة جمال الدين ابي العباس

احمد بن محمد بن فهد الحلي

تحقيق: الحجة الشيخ مجتبى العراقي

٧٥٧ - ٨٤١ ه‍.

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

٣

٤

كتاب الحدود والتعزيرات(١) وفيه فصول: الفصل الاول: في حد الزنا والنظر في

الموجب والحد واللواحق

(المقدمة الأولى)

الحد في اللغة: المنع والتقدير. وفي الشرع: عقوبة مقدرة على فعل ما لا يجوز شرعا، وما ليس له مقدر يسمى تعزيرا. وأصناف الاول تسعة:

(الاول) الضرب بالسيف، او الاحراق بالنار، او الالقاء من الجدار، او القاؤه

____________________

(١)هنا مطلبان: الاول: ليس في النسخ المخطوطة كلمة (والمتعزيرات) والثاني: ان في النسخ المخطوطة اورد كتاب الحدود بعد الشهادات، ولكن في النسخ المطبوعة من المختصر النافع اوردها في آخر الجزء الاول بعد كتاب اللعان، فلاحظ ولا تغفل.

[*]

٥

عليه، او الرجم، ويجوز الجمع بين احد هذه وبين الاحراق، وذلك في اللواط.

(الثاني) الجلد والرجم في زنا المحصن اذا كان شيخا او شيخة.

(الثالث) الرجم خاصة في زنا الشاب المحصن على احد القولين.

(الرابع) الجلد والحرق والتغريب في زنا البكر الذكر الحر.

(الخامس) الجلد خاصة في زنا المرأة غير المحصنة.

(السادس) جلد ثمانين في الشرب والقذف.

(السابع) ثلاثة ارباع حد الزاني مع الشهوة والنفي في القيادة.

(الثامن) ثمن حد الزاني، اثنى عشر سوطا، ونصف حد من تزوج امة على حرة ودخل بها قبل اذن الحرة، فيلزم نصف السوط ويضرب به.

(التاسع) القتل مطلقا، الحر والعبد والمحصن وغيره سواء، في زنا الاكراه، وزنا الذمي بالمسلمة، والزنا بالمحرمة.

وأما الثاني: فذكر له اصناف: ويجمعها كل من فعل محرما، او ترك واجبا. واطلق الاصحاب: كون التعزير ما ليس له في الشرع تقدير.

وخرج منه مواضع:

(الاول) المجامع لزوجته في نهار رمضان على كل منهما التعزير بخمسة وعشرين سوطا.

(الثاني) المجتمعان تحت ازار واحد مجردين على كل منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين.

(الثالث) من افتض بكرا باصبعه، قال الشيخ: جلد من ثلاثين إلى سبعة وسبعين(١) .

وقال المفيد: يضرب من ثلاثين إلى ثمانين سوطا عقوبة على

____________________

(١)النهاية: كتاب الحدود ص ٦٩٩ س ١١ قال: ومن افتض جارية بكرا إلى قوله: جلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين.

[*]

٦

ما جناه(١) . وهو في صحيحة ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام عن عليعليه‌السلام (٢) وقال الصدوقان: عليه الحد(٣) (٤) وقال ابن ادريس: روي انه يغرم عشر ديتها، ويجلد من ثلاثين إلى تسع وتسعين(٥) .

(الرابع) الرجل والمرأة يوجدان في لحاف وازار مجردين، او عاين الشهود التصاق جسم بجسم، فيه عشر جلدات إلى تسعة وتسعين قاله المفيد(٦) وقال الشيخ: التعزير(٧) وقال في الخلاف: روى اصحابنا الحد(٨) .

(المقدمة الثانية)

اجمع اهل الملل على تحريم الزنا لانه من الاول الخمسة التي يجب تعزيرها في كل شريعة.

____________________

(١)المقنعة: باب الحدود ص ١٢٤ س ٣١ قال: ومن افتض جارية باصبعه ضرب من ثلاثين سوطا إلى ثمانين الخ.

(٢)التهذيب: ج ٨(١) باب حدود الزنا ص ٤٧ الحديث ١٧٢ ١٧٣ وفيه (تجلد ثمانين).

(٣)المقنع: باب الزنا واللواط ص ١٤٥ س ٥ قال: وان افتضت جارية باصبعها فعليه المهر وتضرب الحد.

(٤)لم اظفر على فتوى علي بن بابويه.

(٥)السرائر: كتاب الحدود ص ٤٤٦ س ٢٥ قال: فان كانت امة روي انه يغرم ثمنها، ويجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين.

(٦)المقنعة: باب الحدود، باب الحد في اللواط ص ١٢٤ س ٣٤ قال: فان شهد الاربعة على رؤيتهما في ازار واحد مجردين من الثياب ولم يشهدوا برؤية الفعال إلى آخره، وكذا في المختلف أيضا ج ٢ ص ٢١١ س ١١ ولكن البحث من المصنف: وكذا من العلامة في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد.

(٧)النهاية: باب الحد في السحق ص ٧٠٧ س ١٦ قال: واذا وجدت امرأتان في ازار واحد إلى قوله: كان على كل واحدة منهما التعزير.

(٨)الخلاف: كتاب الحدود مسألة ٩ قال: روى اصحابنا إلى قوله: ان عليهما مائة جلدة.

[*]

٧

فشرح حد الزنا الحفظ النسب، والقصاص لحفظ النفوس، وحد الردة لحفظ الدين، وحد السرقة لحفظ المال، وحد الشرب لحفظ العقل. فان قلت: الحكم بكون الخمر يملكها الذمي، ويضمن له لو اتلفها عليه مسلم، يدل على عدم تحريمها في الشرع. قلنا: بل هو من المحرف.

(المقدمة الثالثة)

الزنا تغيب الحشفة من ذكر اصلي يقينا في فرج امرأة أصلي يقينا، مع علم التحريم، علما مطابقا لما في نفس الامر. فقولنا (قدر الحشفة) ليشمل الحشفة الحقيقية، والمقدرة لو كانت الحشفة مقطوعة. وقولنا (من ذكر اصلي) احتراز عن الزائد كالخنثى، وقولنا (يقينا) احتراز عن ذكر الخنثى المشكل، فانه وان لم يعلم انه زائد لم يعلم انه اصلي ووجوب الحد منوط باليقين، لقولهعليه‌السلام : ادرؤا الحدود بالشبهات(١) وقولنا (مع علم التحريم) ليخرج الجاهل بالتحريم، أو المحرمة، وقلنا (مطابقا لما في نفس الامر) احتراز عما لو زنى بامرأة في ظنه واتفقت محللة له بان لا يعلمها، أو زوجه الوكيل، أو اشتراها ولما يعلم، فانه لا حد عليه، لانه ليس بزان في نفس الامر.

(المقدمة الرابعة)

الزنا من اعظم الكبائر قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة)(٢) وقال سبحانه:( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا)(٣) فقد جمع وجود الحد، والتوعد بالخلود في النار.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لن يعمل ابن آدم عملا اعظم عندالله عزوجل من رجل قتل نبيا،

____________________

(١)الفقيه: ج ٤(١٧) باب نوادر الحدود ص ٥٣ الحديث ١٢

(٢)الاسراء: ٣٢.

(٣)الفرقان: ٦٨ ٦٩.

[*]

٨

او هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده، او افرغ مائه في امرأة حراماً(١) .

وقالعليه‌السلام : ماعجت الارض إلى ربها كعجيجها من ثلاث: دم حرام يسفك عليها، أو اغتسال من زنا، والنوم عليها قبل طلوع الشمس(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام عن ابيهعليه‌السلام قال: قال يعقوب لابنه يوسف: يا بني لا تزن، فان الطير لوزنا لتناثر ريشه(٣) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال: كان فيما اوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران: يا موسى من زنا زني به ولو في العقب من بعده، يابن عمران: ان تعف تعف اهلك، يا موسى بن عمران ان اردت ان يكثر خير اهل بيتك فاياك والزنا، يابن عمران كما تدين تدان(٤) .

وصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر، فقال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقل محتال(٥) .

وسأل ابن مسعود رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اي الذنب اعظم؟ قال: ان تجعل لله ندا وهو خلقك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ان تقتل ولدك مخافة ان يطعم معك قال: قلت: ثم أي؟ قال: ان تزني بحليلة جارك(٦) .

وروى عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اجتمع الحواريون

____________________

(١)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(٣) باب ما جاء في الزنا ص ١٢ الحديث ١.

(٢)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(٣) باب ما جاء في الزنا ص ١٣ الحديث ٣.

(٣)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(٣) باب ما جاء في الزنا ص ١٣ الحديث ٤.

(٤)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(٣) باب ما جاء في الزنا ص ١٣ الحديث ٥.

(٥)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(٣) باب ما جاء في الزنا ص ١٣ الحديث ٦.

(٦)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٤٦ الحديث ٧ ولا حظ ما علق عليه.

[*]

٩

إلى عيسىعليه‌السلام فقالوا له: يا معلم الخير ارشدنا، فقال لهم: ان موسى كليم اللهعليه‌السلام امركم ان لا تحلفوا بالله تبارك وتعالى كاذبين، وانا آمركم: ان لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين، قالوا: يا روح الله زدنا، فقال ان موسى نبي اللهعليه‌السلام أمركم ان لا تزنوا، وانا آمركم ان لا تحدثوا انفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا، فان من حدث نفسه بالزنا كان كمن اوقد في بيت مزوق(١) فافسد التزاويق الدخان وان لم يحترق البيت(٢) .

وروى عبدالله بن ميمون القداح عن أبي عبدالله عن أبيهعليهم‌السلام قال: للزاني ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، اما التي في الدنيا فيذهب بنور الوجه، ويورث الفقر، ويعجل الفناء. واما التى في الآخرة، فسخط الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار(٣) .

وروى الفضل بن أبي قرة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لما اقام العالم الجدار، اوحى الله تبارك وتعالى إلى موسىعليه‌السلام : اني مجازي الابناء بسعي الآباء، ان خيرا فخيروان شرا فشر، لا تزنوا فتزني نساء‌كم، ومن وطئ فراش امرء مسلم وطئ فراشه، كما تدين تدان(٤) .

وروى هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اما يخشى الذين

____________________

(١)قال الفيروزآبادي: الزوق بالضم: الزيبق، ومنه التزويق للتزيين والتحسين، لانه يجمع مع الذهب فيطلى به، فيدخل في النار فيطير الزواووق ويبقى الذهب، ثم قيل لكل منقش ومزين مزوق (مرات العقول: ج ٢٠ ص ٣٨٧).

(٢)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب الزاني ص ٥٤٢ الحديث ٧.

(٣)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب الزاني ص ٥٤١ الحديث ٣.

(٤)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب ان من عف عن حرم الناس عف عن حرمه ص ٥٥٣ الحديث ١.

[*]

١٠

ينظرون في ادبار النساء ان يبتلوا بذلك في نسائهم(١) .

وعن مفضل الجعفي قال: قال ابوعبداللهعليه‌السلام : ما اقبح بالرجل ان يرى بالمكان المعور(٢) فيدخل ذلك علينا وعلى صالحي اصحابنا، يا مفضل أتدري لم قيل: من يزن يوما يزن به !؟. قلت: لا جعلت فداك، قال: انها كانت بغي في بني اسرائيل، وكان في بني اسرائيل رجل يكثر الاختلاف اليها، فلما كان في آخر ما اتاها اجرى الله على لسانها: اما انك سترجع إلى اهلك فتجد معها رجلا، قال: فخرج وهو خبيث النفس، فدخل منزله غير الحال التي كان يدخل بها قبل ذلك اليوم، وكان يدخل باذن، فدخل يومئذ بغير اذن، فوجد على فراشه رجلا، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام على موسىعليه‌السلام فقال: يا موسى من يزن يوما يزن به، فنظر اليهما فقال: عفوا تعف نسائكم(٣) .

وعن عبدالحميد عن أبي ابراهيمعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تزوجوا إلى آل فلان فانهم عفوا فعفت نسائهم، ولا تزوجوا إلى آل فلان، فانهم بغوا فبغت نسائهم، وقال: مكتوب في التوراة، (انا الله قاتل القاتلين ومفقر الزانين، ايها الناس: لا تزنوا فتزني نسائكم كما تدين تدان)(٤) .

____________________

(١)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب ان من عف عن حرم الناس عف عن حرمه ص ٥٥٣ الحديث ٢.

(٢)قولهعليه‌السلام : (بالمكان المعور) اما من العوار بمعنى العير، او من العورة بمعنى السوء‌ة وما يستحي منه، وفي التنزيل (ان بيوتنا عورة) اي ذات عورة، او من العور بمعنى الردائة، وقال الجوهري: وهذا مكان معور: اي يخاف فيه القطع (مرات العقول: ج ٢٠ س ٤٠٣).

(٣)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب إن من عف عن حرم الناس عف عن حرمه ص ٥٥٣ الحديث ٣.

(٤)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب إن من عف عن حرم الناس عف عن حرمه ص ٥٥٤ الحديث ٤

[*]

١١

وروى ميمون القداح قال: سمعت ابا جعفرعليه‌السلام يقول: ما من عبادة افضل من عفة بطن وفرج(١) .

وخطب اميرالمؤمنينعليه‌السلام الناس فقال: ان الله تبارك وتعالى حد حدودا، فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن أشياء ولم يسكت عنها نسيانا لها فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها، ثم قال عليعليه‌السلام : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم، فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حمى الله عزوجل، فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها(٢) .

(المقدمة الخامسة)

اقامة الحدود من مهمات الفرائض، واعظم مصالح النوع.

روى محمد بن يعقوب يرفعه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اقامة الحد لله خير من مطر اربعين صباحا(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، وحد يقام في الارض أفضل من مطر أربعين صباحا(٤) .

وعن الباقرعليه‌السلام : حد يقام في الارض ازكى فيها من مطر اربعين ليلة وايامها(٥) .

وروى ابن محبوب، عن أبي ايوب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ان في كتاب عليعليه‌السلام : انه كان يضرب بالسوط، وبنصف السوط، وببعضه في الحدود. وكان اذا اتى بغلام أو جارية لم يدركا لا يبطل حدا من حدود الله، قيل له: وكيف كان يضرب؟ قال: كان يأخذ السوط بيده من وسطه، او من ثلثه، ثم

____________________

(١)الكافي: ج ٥ كتاب النكاح باب ان من عف عن حرم الناس عف عن حرمه ص ٥٥٤ الحديث ٧.

(٢)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٧) باب نوادر الحدود ص ٥٣ الحديث ١٥.

(٣)الكافي: ج ٧ ص ١٧٤ ح ٣.

(٤)الكافي: ج ٧ ص ١٧٥ ح ٨.

(٥)الكافي: ج ٥ ص ١٧٤ ح ١.

[*]

١٢

[أما الموجب: فهو ايلاج الانسان فرجه في فرج امرأة، من غير عقد، ولا ملك، لا شبهة، ويتحقق بغيبوبة الحشفة قبلا، أو دبرا. ويشترط في ثبوت الحد: البلوغ، والعقل، والعلم بالتحريم، والاختيار.

فلو تزوج محرمة كالام، او المحصنة، سقط الحد مع الجهالة بالتحريم، ويثبت مع العلم، ولا يكون العقد بمجرده شبهة في السقوط.] يضرب على قدر اسنانهم، ولا يبطل حدا من حدود الله(١) .

قال طاب ثراه: ولا يكون العقد بمجرده شبهة في السقوط.

أقول: يريد ان الانسان لو تزوج محرمة كالام سقط عنه الحد ان اعتقد التحليل به، لعموم قولهعليه‌السلام : (ادرؤا الحدود بالشبهات)(٢) وينظر إلى احوال المكلف: ان كان ممن يخفى عليه تحريم الام كقريب العهد بالاسلام درء عنه الحد. وان كان الاحتمال غير ممكن في حقه لا يلتفت إلى دعواه واقيم عليه الحد، فقوله: (ولا يكون العقد بمجرده شبهة) اي لا يقتنع منه بمجرد ايقاع العقد، بل ينظر إلى شاهد حاله. وهذا رد على أبي حنيفة: حيث اسقط الحد عنه بمجرد ايقاع العقد، وان كان عالما بتحريمه، فايجاد صورة العقد عنده موجب لسقوط الحد عنه(٣) .

____________________

(١)الكافي: ج ٧ كتاب الحدود، باب التحديد ص ١٧٦ الحديث ١٣.

(٢)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٧) باب نوادر الحدود ص ٥٣ قطعة من حديث ١٢.

(٣)المغني لا بن قدامة: ج ١٠ ص ١٤٨(٧١٥٨) قال: فصل، وان تزوج محرمه، فالنكاح باطل بالاجماع، فان وطئها فعليه الحد إلى قوله: وقال ابوحنيفة: لا حد عليه، لانه وطء تمكنت الشبهة منه، فلم يوجب الحد، إلى قوله: وبيان الشبهة: انه قد وجدت صورة المبيح، وهو عقد النكاح الذي هو سبب للاباحة، فاذا لم يثبت حكمه وهو الاباحة، بقيت صورة شبهة دائرة للحد الذي يندرئ بالشبهات فلاحظ وان شئت اكثر من هذا فعليك بمراجعة كتاب الفقه على المذاهب الاربعة الجزء الرابع كتاب النكاح ص ١٢٤ س ١٦ الثالثة: شبهة العقد إلى آخره.

[*]

١٣

[ولو تشبهت الاجنبية بالزوجة فعليها الحد، دون واطئها. وفي رواية: يقام عليها الحد جهرا، وعليه سرا، وهي متروكة.] وفي ارجوزته المشهورة.

وما على لواطة من حد

ولا نكاح الام بعد العقد

قال طاب ثراه: ولو تشبهت الاجنبية بالزوجة فعليها الحد دون واطئها. وفي رواية يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا، وهي متروكة. أقول: اذا تشبهت الاجنبية، بأن نامت على فراشه فظنها زوجته، او امته فوطئها من غير تحرز، قال القاضي: عليها الحد يقام جهرا، وعليه سرا(١) ، وقاله الشيخان(٢) (٣) .

وقد روي: ان امرأة تشبهت لرجل بجاريته، واضطجعت على فراشه ليلا، فظنها جاريته، فوطئها من غير تحرز، فرفع خبره إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، فأمر باقامة الحد على الرجل سرا، واقامة الحد على المرأة جهرا(٤) . وقال في الخلاف: لا حد عليه(٥) وهو مذهب ابن ادريس(٦) والمصنف(٧)

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب الزنا واقسام الزنا ص ٥٢٤ س ٧ قال: واذا تشابهت امرأة لرجل إلى قوله: كان عليه الحد سرا وعلى المرأة جهرا.

(٢)المقنعة: باب الحدود والآداب، ص ١٢٤ س ٢٤ قال: واذا إدعى انه اشتبه الامر عليه إلى قوله: لم يسقط ذلك عنه الحد، ثم استشهد بالحديث.

(٣)النهاية: باب اقسام الزناة ص ٦٩٩ س ١ قال: فان ادعى انه اشتبه عليه الامر إلى قوله: واقيم عليه الحد، ثم استشهد بالحديث.

(٤)عوالي اللئالي: ج ٣ ص ٥٥٠ الحديث ٢٠ ولا حظ ما علق عليه.

(٥)الخلاف: كتاب الحدود مسألة ٢٠ قال: اذا وجد الرجل على فراشه امرأة إلى قوله: فوطئها لم يكن عليه الحد.

(٦)السرائر: في اقسام الزنا ص ٤٤٦ س ١٤ قال: فان ادعى انه اشتبه عليه الامر إلى قوله بعد اسطر وبعد نقل قول الخلاف: هو الصحيح الذي يقتضيه مذهبنا.

(٧)لاحظ عبارة النافع.

[*]

١٤

[ولو وطئ المجنون عاقلة، ففي وجوب الحد تردد، وأوجبه الشيخان، ولاحد على المجنونة.]

والعلامة(١) لا صالة البراء‌ة وعموم الخبر.

قال طاب ثراه: ولو زنى المجنون بعاقلة، ففي وجوب الحد تردد، واوجبه الشيخان.

أقول: المجنون اذا زنا، ما ذا عليه؟ قيل فيه: ثلاثة أقوال:

(أ) الحد كاملا، الرجم مع الاحصان، والجلد مع عدمه، قاله الشيخان(٢) (٣) والصدوق(٤) والقاضي(٥) وهو ظاهر السيد(٦) وأبي علي(٧) .

(ب) لا شئ عليه قاله الشيخ في كتابي [المبسوط] الخلاف(٨) (٩) وبه قال ابن

____________________

(١)القواعد: ج ٢ كتاب الحدود ص ٢٤٩ س ٢٢ قال: ولو وجد امرأة على فراشه فظنها زوجته فلاحد، ولو تشبهت عليه حدت دونه.

(٢)المقنعة: باب باب الحدود والآداب ص ١٢٣ س ٢٨ قال: والمجنون اذا زنا اقيم عليه الحد الخ.

(٣)النهاية: باب اقسام الزناة ص ٦٩٦ س ٤ قال: فان زنا مجنون بامرأة كان عليه الحد تاما.

(٤)المقنع: باب الزنا واللواط ص ١٤٦ س ١٧ قال: واذا زنا المجنون حد.

(٥)المهذب: ج ٢ باب الزنا واقسام الزنا ص ٥٢١ س ١٢ قال: واذا زنا مجنون بامرأة كان عليها جلد مائة (أو الرجم) فليتأمل.

(٤)الانتصار: في الحدود ص ٢٥٨ س ٣ قال: مسألة، ومما انفردت به الامامية إلى قوله: هذه الصفات اذا ثبتت فهو مستغن بالحلال عن الحرام الخ.

(٧)المختلف: ج ٢ في حد الزنا ص ٢٠٧ س ٨ قال: وقال ابن الجنيد: والاحصان الذي يلزم صاحبه اذا زنا الرجم هو ان يكون إلى قوله: وهذا يعطي عدم اشتراط العقل ونحوه قال السيد المرتضى.

(٨)المبسوط: ج ٨ كتاب الحدود ص ٣ س ٧ قال: وحد الاحصان عندنا هو كل حر بالغ كامل العقل إلى قوله: واصحابنا لم يراعو كمال العقل لانهم رووا ان المجنون اذا زنا وجب عليه الجلد او الرجم.

(٩)الخلاف: كتاب الحدود مسألة ٦ قال: اذا مكنت العاقلة المجنون من نفسها ووطئها لزمها الحد وان وطئ المجنونة عاقل لزمه الحد ولم يلزمها الحد.

[*]

١٥

[ويسقط الحد با دعاء الزوجية، وبدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي. ولا يثبت الاحصان الذي يجب معه الرجم حتى يكون الزاني بالغا حدا له فرج مملوك بالعقد الدائم، او الملك يغدو عليه ويروح، ويستوي في المسلمة والذمية.]

ادريس(١) واختاره المصنف(٢) والعلامة(٣) لانتفاء التكليف في حقه، واصالة براء‌ة الذمة. اما المجنونة فلا حد عليها اجماعا.

(ج) قال التقي، ونعم ما قال: المجنون ينقسم إلى قسمين: مطبق لا يفيق ولا يهتدي شيئا، فلا جناح عليه، والى من يصح منه القصد إلى الزنا، فيجلد مائة محصنا كان او غيره(٤) وفيه جمع بين القولين.

احتج الاولون: بما رواه ابان بن تغلب عن الصادقعليه‌السلام قال: اذا زنا المجنون او المعتوه جلد الحد، وان كان محصنا رجم، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة، والمعتوه والمعتوهة؟ قال: المرأة انما تؤتى والرجل يأتي، وانما يزني اذا عقل، كيف يأتي اللذة، وان المرأة انما تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها(٥) . وحملها العلامة: على من يعتوره الجنون اذا زنى بعد تحصيله، لان العلة التي ذكرها الامامعليه‌السلام تدل عليه(٦) .

____________________

(١)السرائر: في اقسام الزنا ص ٤٤٥ س ١٧ قال: والذي يقتضيه اصول مذهبنا، انه لا حد على المجنون والمجنونة لانهما غير مخاطبين.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

(٣)المختلف: ج ٢ في حد الزنا ص ٢٠٧ س ١٣ قال: والمعتمد اسقاط الحد عن المجنون والمجنونة.

(٤)الكافي: فصل في حد الزنا ص ٤٠٦ س ٨ قال: وان كان مجنونا مطبقا لا يفيق الخ.

(٥)الكافي: ج ٧ باب المجنون والمجنونة يزنيان ص ١٩٢ الحديث ٣.

(٦)المختلف: ج ٢ في حد الزنا ص ٢٠٧ س ١٧ قال بعد نقل الحديث: والجواب بعد صحة السند، الحمل على ما يعتوره الجنون الخ.

[*]

١٦

[واحصان المرأة كاحصان الرجل، لكن يراعى فيها العقل اجماعا. ولا تخرج المطلقة رجعية عن الاحصان، وتخرج البائن، وكذا المطلق. ولو تزوج معتدة عالما حد مع الدخول، وكذا المرأة. ولو ادعيا الجهالة، او احدهما قبل على الاصح اذا كان ممكنا في حقه. ولو راجع المخالع لم يتوجه عليه الرجم حتى يطأ. وكذا العبد لو اعتق، والمكاتب اذا تحرر.] قال طاب ثراه: ولو تزوج معتدة عالما حد مع الدخول، وكذا المرأة. ولو ادعيا الجهالة او احدهما قبل على الاصح ان كان ممكنا في حقه.

أقول: قال الشيخ في النهاية: من عقد على امرأة في عدتها ودخل بها عالما بذلك وجب عليه الحد، وعليها مثله في البائنة، وعليها في الرجعية الرجم، فان ادعيا انهما لم يعلما ان ذلك لا يجوز في شرع الاسلام لا يصدقان واقيم عليهما الحد(١) ونحوه قال المفيد(٢) وقال ابن ادريس: يقبل ان كانا قريبي العهد بالاسلام ودرئ الحد عنهما، لقولهعليه‌السلام : ادرؤا الحدود بالشبهات(٣) وهذه شبهة بغير خلاف، وان كانا بخلاف ذلك لم يصدقا واقيم عليهما الحد، لانه شائع بين المسلمين لا يختص بعالم دون عامي جاهل فلا شبهة لهما في ذلك(٤) .

____________________

(١)النهاية: باب اقسام الزناة ص ٦٩٦ س ١٦ قال: ومن عقد على امرأة في عدتها الخ.

(٢)المقنعة: باب الحدود والآداب ص ١٢٣ س ٣٠ قال: ومن عقد على امرأة وهي في عدة من زوجها الخ.

(٣)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٧) باب نوادر الحدود ص ٥٣ الحديث ١٢.

(٤)السرائر: في اقسام الزنا ص ٤٤٥ س ٢٧ قال: ومن عقد على امرأة في عدتها إلى قوله: فان ادعيا انهما لم يعلما الخ.

[*]

١٧

[ويجب الحد على الاعمى، فان ادعى الشبهة، فقولان، اشبههما القبول مع الاحتمال. وفي التقبيل، والمضاجعة، والمعانقة التعزير. ويثبت الزنا بالاقرار او البينة.] قال طاب ثراه: ويجب الحد على الاعمى، فان ادعى الشبهة فقولان، اشبههما: القبول مع الاحتمال.

أقول: اذا وطئ الاعمى امرأة، ثم ادعى انه اشتبه عليه الامر، فظن ان الذي وطئها زوجته، او امته قال الشيخان: لا يصدق في ذلك واقيم عليه الحد(١) (٢) وتبعهما القاضي(٣) وسلار في ذلك(٤) وقال ابن ادريس: الاعمى كالمبصر اذا اشتبه عليه الامر فظنها زوجته او امته، وكانت الحال شاهدة بما ادعاه، بان تكون على فراشه نائمة. وان كان شاهد الحال بخلاف ذلك، فانه لا يصدق واقيم عليه الحد(٥) ، واختاره المصنف(٦) والعلامة(٧) لانه مسلم، والاصل في اخباره المطابقة، وهو في مظنة ما اخبربه، ولا صالة البراء‌ة.

____________________

(١)المقنعة: باب الحدود والآداب ص ١٢٤ س ٢٤ قال: ويحد الاعمى اذا زنا ولا يقبل له عذر لعماه.

(٢)النهاية: باب اقسام الزناة ص ٦٩٨ س ٢٠ قال: والاعمى اذا زنا وجب عليه الحد، ولم يسقط عنه الحد لعماه.

(٣)المهذب: ج ٢ باب الزنا واقسام الزنا ص ٥٢٤ س ٢ قال: واذا زنا وهو اعمى وجب عليه الحد، ولم يسقط عنه لعماه.

(٤)المراسم: كتاب الحدود والآداب ص ٢٥٤ س ٥ قال: ويجلد السكران والاعمى، فان ادعى إلى قوله: لم يقبل منه.

(٥)السرائر: كتاب الحدود ج ٣ ص ٤٤٨.

(٦)لاحظ عبارة النافع.

(٧)المختلف: ج ٢ في حد الزنا ص ٢٠٨ س ١٥ قال: لا نه مسلم، والاصل في اخباره المطابقة الخ.

[*]

١٨

[ولا بد من بلوغ المقر، وكماله، واختياره، وحريته، وتكرار الاقرار اربعا. وهل يشترط اختلاف مجالس الاقرار؟ اشبهه: انه لا يشترط.]

قال طاب ثراه: وهل يشترط اختلاف مجالس الاقرار؟ أشبهه: انه لا يشترط.

أقول: اذا اقر المكلف على نفسه عند الحاكم بالزنا اربع مرات، هل يشترط ايقاع ذلك في اربعة مجالس؟ فلو كان في مجلس واحد لم يجب الحد، او لا يشترط ذلك بل يقام عليه الحد وان كان المجلس واحدا؟.

قال المفيد: اذا اقر على نفسه بالزنا اربع مرات على اختيار منه، وجب عليه الحد(١) ، واطلق وكذا اطلق الشيخ في النهاية(٢) والتقي(٣) والحسن(٤) والقاضي(٥) وسلار(٦) وابن ادريس(٧) وقطب الدين الكيدري(٨) واكثر الاصحاب(٩) .

____________________

(١)المقنعة: باب الحدود والآداب ص ١٢٢ س ٢٣ قال: واذا اقر الانسان على نفسه بالزنا اربع مرات الخ.

(٢)النهاية: باب ماهية الزنا وما يثبت به ذلك ص ٦٨٩ س ٣ قال: احدهما اقرار الفاعل بذلك إلى قوله: اربع مرات.

(٣)الكافي: فصل في حد الزنا ص ٤٠٤ س ١١ قال: انما يكون المرء زانيا في الشريعة بان يقربه اربع مرات.

(٤)المختلف: ج ٢ في حد الزنا ص ٢١١ س ٤ قال: وقال ابن عقيل: إلى قوله: وقيل: اذا اقر المحصن بالزنا رد اربع مرات ثم رجم.

(٥)المهذب: ج ٢ باب مابه يثبت به حكم الزنا ص ٥٢٤ س ١٣ قال: فهو اقرار الانسان إلى قوله: على نفسه اربع مرات.

(٦)المراسم: كتاب الحدود والآداب ص ٢٥٢ س ١٦ قال: وكل حدود الزنا، إلى قوله: او الاقرار اربع مرات.

(٧)السرائر: باب ماهية الزنا وما به يثبت ذلك ص ٤٤١ س ٣٧ قال: فإذا اقر اربع مرات إلى قوله: حكم له بالزنا.

(٨)لم اظفر عليه.

(٩)قال في الجواهر: ج ٤١ ص ٢٨٣ س ٥ في رد من قال بعدم الثبوت لو اقر اربعا في مجلس واحد: بل منع وفاقا لا طلاق الاكثر وصريح غير واحد ممن تاخر بل في الرياض تسبته إلى كافة المتأخرين.

[*]

١٩

[ولو اقر بحدولم يبينه، ضرب حتى ينهى عن نفسه. ولو اقربما يوجب الرجم ثم انكر سقط عنه، ولا يسقط غيره. ولو اقر ثم تاب كان الامام مجزى في الاقامة، رجما كان او غيره. ولا يكفي في البينة اقل من أربعة رجال، او ثلاثة وامراتين. ولو شهد رجلان واربع نساء يثبت بهم الجلد، لا الرجم. ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل، ولا شهادة النساء منفردات. ولو شهد ما دون الاربع لم يثبت، وحدوا للفرية. ولا بد في الشهادة من ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة. ولابد من تواردهم على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد.] وصرح المصنف والعلامة بعدم الاشتراط(١) (٢) .

وقال الشيخ: في الكتابين: لا يجب الحد بالزنا الا بالاقرار اربع مرات في اربعة مجالس(٣) (٤) وبه قال ابن حمزة(٥) وقطب الدين الراوندي(٦) .

____________________

(١)لاحظ عبارة النافع.

(٢)المختلف: ج ٢ في حد الزنا ص ٢٠٩ س ٣٥ قال: والمعتمد الاول، اي قول المفيد.

(٣)المبسوط: ج ٨ كتاب الحدود ص ٤ س ١٦ قال: لايثبت حد الزنا الا بالاقرار اربع مرات في اربع مجالس.

(٤)الخلاف: كتاب الحدود، مسألة ١٦ قال: لا يجب الحد بالزنا الا باقرار اربع مرات في اربعة مجالس.

(٥)الوسيلة: فصل في بيان ماهية الزنا وما يثبت به ص ٤١٠ س ١٠ قال: واما ثبوته باقرار الفاعل إلى قوله: اربع مرات في مجالس متفرقات.

(٦)فقه القرآن: ج ٢ ص ٢٧٠ س ١٨ قال: باقرار الفاعل اربع مرات في اربع مجالس.

[*]

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430