• البداية
  • السابق
  • 315 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32040 / تحميل: 6186
الحجم الحجم الحجم
الانتصار

الانتصار

مؤلف:
العربية

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به وهو أحد قولي الشافعي إن من وطئ ناسيا لم يفسد ذلك حجه ولا كفارة عليه.

وذهب أبو حنيفة إلى انه مع النسيان يفسد الحج وفيه الكفارة، وهو أحد قولي الشافعي.

دليلنا الاجماع المتردد، ويجوز أن يعارضوا بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، ومعلوم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد رفع هذه الافعال وإنما أراد رفع أحكامها فان حملوا ذلك على رفع الاثم وهو حكم.

قلنا: هذا تخصيص بغير دليل على أن رفع الاثم عن الخاطئ مستفاد من قوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) وحملوا كلامه تعالى على فائدة ولم تستفد أولى.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن المحرم إذا قتل صيدا متعمدا عليه جزاء‌ان، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والحجة لنا فيه إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط واليقين ببرائة الذمة، لانه لا خلاف في أنه بالقتل قد وجب لله في ذمته حق، وإذا فعل ما ذكرناه سقط ذلك الحق بيقين، وليس كذلك إن اقتصر على جزاء واحد.

ويمكن أن يقال: قد ثبت أن من قتل صيدا ناسيا يجب عليه الجزاء والعمد أغلظ من النسيان في الشريعة فيجب ان يتضاعف الجزاء عليه مع العمد.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن المحرم إذا صاد في الحرم تضاعف عليه الفدية، والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة انه قد جمع بين وجهين يقتضي على كل واحد منهما الفداء وهو الصيد مع الاحرام، ثم إيقاعه في الحرم، ألا ترى ان المحرم إذا صاد في غير الحرم يلزمه الفدية، والحلال إذا صاد في الحرم لزمته الفدية، واجتماع الامرين يوجب اجتماع الجزائين.

١٠١

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من كسر بيض النعام وهو محرم وجب عليه أن يرسل فحولة الابل في إناثها بعدد ما كسر فما نتج من ذلك كان هديا للبيت، فإن لم يجد ذلك فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فإطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن البيض مضمون بقيمته، وقال مالك يجب في البيضة عشر قيمة الصيد.

وقال داود والمزني: لا شئ في البيض، دليلنا بعد إجماع الطائفة ان اليقين ببراء‌ة الذمة بعد العلم باشتغالها لا يحصل إلا بما ذكرناه، وأيضا فهو أحوط في منفعة الفقراء فيجب أن يكون أولى.

فان عارضونا بما يروونه عن أبي هريرة عن النبي أنه قال في بيض النعامة ثمنها، قلنا: هذا خبر واحد، ويجوز أن يكون لفظة ثمنها محمولة على الجزاء، فإن الجزاء والبدل في الشرع يجوز وصفهما بالثمن، لانه في مقابلة المثمن فيكون تقدير الكلام في بيض النعامة الجزاء الذي قررته الشريعة، وهو ما ذكرناه.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن من اضطر إلى أكل ميتة أو لحم صيد وجب أن يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة.

وأبويوسف يوافق في ذلك لانه قال: يذبح الصيد ويأكله ويفديه، وهو أحد قولى الشافعي، وقال أبوحنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن: يأكل الميتة ولا يأكل الصيد، دليلنا إجماع الطائفة.

وأيضا فان الصيد له فداء في الشريعة يسقط إثمه وليس كذلك الميتة ولان في الناس من يقول: ان الصيد ليس بميتة وأنه يذكى وأكله مباح، والميتة متفق على حظرها، وربما رجحوا الميتة على الصيد بأن الحظر في الصيد ثبت من وجوه، منها تناوله، ومنها قتله، ومنها أكله، وكل ذلك محظور

١٠٢

وليس في الميتة إلا حظر واحد وهو الاكل، وهذا ليس بشئ، لانا لو فرضنا ان رجلا غصب شاة ثم وقذها وضربها حتى ماتت ثم أكلها لكان الحظر هاهنا من وجوه كما ذكرتم في الصيد وأنتم مع ذلك لا تفرقون بين أكل هذه الميتة وبين غيرها عند الضرورة وتعدلون إليها عن أكل الصيد.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن كفارة الجزاء على الترتيب دون التخيير ومثاله انهم يوجبون في النعامة مثلا بدنة فإن لم يجد اطعم ستين مسكينا فان لم يقدر صام شهرين متتابعين، والرواية الموافقة للامامية عن ابن عباس وابن سيرين أنهما قالا ذلك على الترتيب فلا يجوز أن يطعم مع القدرة على إخراج المثل ولا أن يصوم مع القدرة على الاطعام، وباقي الفقهاء يقولون ذلك على التخيير، دليلنا إجماع الطائفة، فإن قيل ظاهر القرآن يخالف مذهبكم، لانه تعالى قال: (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) ولفظة أو تقتضى التخيير قلنا: ندع الظاهر للدلالة كما تركنا ظاهر إيجاب الواو للجمع وحملناها على التخيير في قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ويكون معنى أو كذا إذا لم يجد الاول.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الجماع إذا تكرر من المحرم تكررت الكفارة سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة وسواء كفر عن الاول أو لم يكفر وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

فقال أبوحنيفة: إذا جامع مرارا في مقام واحد فعليه كفارة واحدة وإن كان في أماكن متعددة فعليه لكل واحد كفارة، وقال أحمد عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الاول.

وقال الثوري مثل ذلك.

وقال مالك والشافعي إذا جامع مرارا في مقام واحد فعليه كفارة واحدة، دليلنا الاجماع المتردد.

١٠٣

وأيضا طريقة اليقين ببراء‌ة الذمة وليس لهم أن يقولوا أن الجماع الاول الحج والثاني لم يفسده، وذلك أن الحج وإن كان قد فسد بالاول فحرمته باقية ولهذا وجب المضي فيه فجاز أن تتعلق الكفارة بما يستأنف من ذلك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بوجوب التلبية فعندهم إن الاحرام لا ينعقد إلا بها إلا أن أبا حنيفة وإن وافق في وجوب التلبية فعنده ان الاحرام ينعقد بغيرها من تقليد الهدي وسوقه مع نية الاحرام.

وقال مالك والشافعي: التلبية ليست بواجبة، ويصح الدخول في الاحرام بمجرد النية.

دليلنا الاجماع المتكرر لانه إذا لبى دخل في الاحرام وانعقد بلا خلاف، وليس كذلك إذا لم يلب.

ويمكن الاستدلال على ذلك بأن فرض الحج مجمل في القرآن، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ورد في مورد البيان كان واجبا، لان بيان الشئ في حكم وجوبه.

وقد روى الناس كلهم أن النبي لبى لما أحرم فيجب بذلك وجوب التلبية ويقوى ذلك بما يروونه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله خذوا عني مناسككم، ورووا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أتاني جبرئيلعليه‌السلام فقال: مر أصحابك بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فانها من شعار الحج.

ورووا عنهعليه‌السلام أنه قال لعائشة أنفضي رأسك وامتشطي واغتسلي ودعي العمرة وأهلي بالحج، والاهلال الحج التلبية، فالامر دل على الوجوب فان خالفوا بأن ا لمراد بالاهلال التلبية، وادعوا أن المراد بها الاحرام كان ذلك واضح البطلان، لان اللغة تشهد بما ذكرناه وكل أهل العربية قالوا استهل الصبي إذا رفع صوته عند الولادة صارخا قالوا: ومثله استهلال الحج الذي هو رفع الصوت بالتلبية، وكذلك استهلال السماء بالمطر إنما هو صوت وقعه على الارض.

١٠٤

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من طاف طواف الزيارة فقد تحلل من كل شئ كان به محرما إلا النساء فليس له وطؤهن إلا بطواف آخر متى فعله حللن له، وهو الذى يسمى طواف النساء، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فإذا قيل هذا هو طواف الصدر، وعند أبي حنيفة أنه واجب ومن تركه لغير عذر كان عليه دم شاة، والشافعي في أحد قوليه يوافق به أبا حنيفة في أنه واجب.

قلنا: من أوجب طواف الصدر وهو طواف الوداع، فانه لا يقول: النساء يحللن به، بل يقول: ان النساء حللن بطواف الزيارة، فانفرادنا بذلك صحيح.

والحجة لنا الاجماع المتردد وأنه لا خلاف في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فعله وقد روي عنهعليه‌السلام أنه قال: خذوا عني مناسككم، وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا انه قال: من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف، وظاهر الامر(١) الوجوب.

فان قالوا: لو كان هذا الطواف واجبا لاثر في التحلل، قلنا: يؤثر عندنا في التحلل على ما شرحناه، وإنما يلزم هذا الكلام(٢) أبا حنيفة، وكذلك إن قالوا: كان يجب أن يلزم المكي، لانه يلزم عندنا المكي إذا أراد التحلل وإتيان النساء.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من السنة المؤكدة إستلام الركن اليماني وتقبيله.

ووافق الشافعي في إستلامه دون تقبيله، وقال: إذا وضع يده عليه قبل يده ولم يقبله، وقال أبوحنيفة: ليس إستلام الركن اليماني من السنة ولا تقبيله.

وقال مالك: يستلمه ويضع يده

____________________

(١) وظاهر الامر للوجوب خ ل.

(٢) هذا الكلام عند أبا حنيفة خ ل.

١٠٥

على فيه ولايقبلها.

وروي عن جابر وابن الزبير وأنس أنهم قالوا: من السنة إستلام الاركان كلها، دليلنا الاجماع المتردد، ويمكن معارضتهم بالاخبار التي رووها ان النبي إستلم الركن اليماني وركن الحجر وهي كثيرة.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به وقد ذهب إليه مالك القول: بأن من رمى صيدا وهو محرم فجرحه وغاب الصيد فلم يعلم هل مات أو اندملت جراحته فعليه فداؤه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

والحجة لنا إجماع الطائفة.

ولان فيما ذهبنا إليه الاحتياط واليقين ببرائة الذمة، فإذا قيل: يجوز أن تكون الجراحة اندملت، قلنا: يجوز أن تكون ما اندملت وإنتهت إلى الاتلاف فالاظهر والاحوط ما ذهبنا إليه.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن المحرم إذا تلوط بغلام أو أتى بهيمة أو أتى امرأة في دبرها فسد حجه وعليه بدنة وإن ذلك جار مجرى الوطي في القبل، والشافعي يوافق في ذلك وأبوحنيفة وأصحابه يقولون أنه لا يفسد الحج، دليلنا الاجماع المتردد.

وأيضا فقد ثبت أن ذلك كله يوجب الحد، وكل ما أوجب به الحد افسد به الحج، والتفرقة بين الامرين خلاف الاجماع، ويمكن أن يقال لهم قد اتفقنا على أن ما ذكرناه أغلظ من ا لوطي في القبل، لان وطي الغلام لا يستباح بحال ولا وطي البهيمة، والوطي في القبل يجوز إستباحته في حال فكيف يجوز أن يفسد الحج الاخف ولا يفسده الاغلظ.

فإن قالوا: لو تعلق بالوطي في الدبر فساد الحج لتعلق به وجوب المهر، قلنا: هكذا نقول.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به أن المحرم إذا اشترط فقال عند دخوله في الاحرام فان عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني جاز له أن

١٠٦

يتحلل عند العوايق من مرض وغيره بغير دم، وهذا أحد قولي الشافعي، وذهب أبوحنيفة وأصحابه وباقي الفقهاء إلى أن وجود هذا الشرط كعدمه، دليلنا الاجماع المتقدم، ويعارضون بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لضباعة بنت الزبير: حجي واشترطي وقولي (اللهم فحلني حيث حبستني) ولا فائدة لهذا الشرط إلا التأثير في ما ذكرناه من الحكم، فإن احتجوا بعموم قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فان احصرتم فما استيسر من الهدي) قلنا: نحمل ذلك على من لم يشترط.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به وهو مذهب الشافعي القول: بأن رمي الجمار لا يجوز إلا بالاحجار خاصة دون غيرها من الاجسام، وقال أبوحنيفة يجوز بكل شئ من جنس الارض كالزرنيخ والنورة والكحل، فأما الذهب والفضة والخشب فلا يجوز، وقال أهل الظاهر يجوز بكل شئ.

دليلنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط واليقين لانه لا خلاف في إجزاء الرمي بالحجر وليس كذلك غيره.

ويجوز أن نعارض مخالفينا في هذه المسألة بما يروونه عن الفضل بن العباس أنه قال: لما أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عرفة وهبط وادي محسر قال يا أيها الناس عليكم بحصى الحدف، والامر على الوجوب، وتفرقة أبي حنيفة بين الذهب والفضة والخشب، وبين الزرنيخ والكحل باطلة، لان الكحل وإن كان مستحيلا من جوهر الارض فان استحالته قد سلبته إطلاق إسم الارض عليه فاذ ا جاز الرمي به وإن لم يسم أرضا، لانه من جوهر الارض، فإن الخشب كله والذهب والفضة مستحيل من جوهر الارض.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بوجوب الخذف بحصى الجمار، وهو أن يضع الرامي الحصاة على إبهام يده اليمنى ويدفعها بظفر اصبعه الوسطى، ولم يراع ذلك أحد من الفقهاء.

١٠٧

والذي يدل على ما قلناه: إجماع الطائفة، ولان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أكثر الروايات أمر بالخذف، والخذف كيفية في الرمي مخالفة لغيرها.

[مسائل النكاح]

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من زنا بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وإن فارقها زوجها، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك والحجة لنا إجماع الطائفة.

وأيضا إن استباحة التمتع بالمرئة لا يجوز إلا بيقين، ولا يقين في استباحة من هذه صفته فيجب العدول عنها إلى من يتيقن استباحة التمتع به بالعقد، فان قالوا الاصل الاباحة ومن ادعى الحظر فعليه دليل يقتضي العلم بالحظر، قلنا: الاجماع الذي أشرنا إليه يخرجنا عن حكم الاصل.

وبعد: فان جميع مخالفينا ينتقلون عن حكم الاصل في العقول بأخبار الآحاد.

وقد ورد من طرق الشيعة في حظر ما ذكرناه أخبار معروفة فيجب على ما يذهبون إليه أن ينتقل عن الاباحة، فان استدلوا بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بعد ذكر المحرمات، وبقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء).

قلنا: هذه الظواهر يجوز أن يرجع عنها بالادلة كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، والاجماع الذي ذكرناه يوجب الرجوع لانه مفض إلى العلم، والاخبار التي روتها الشيعة لو انفردت عن الاجماع لوجب عند خصومنا أن يخصوا بها كل هذه الظواهر لانهم يذهبون

١٠٨

إلى تخصيص ظواهر القرآن بأخبار الآحاد وليس لهم أن يقولوا هذه أخبار لا نعرفها ولا رويناها فلا يجب العمل بها.

قلنا: شروط الخبر الذي يوجب العمل عندكم قائمة في هذه الاخبار فابحثوا عن رواتها وطرقها لتعلموا ذلك، وليس كل شئ لم تألفوه وترووه لا حجة فيه، بل الحجة فيما حصلت له شرائط الحجة من الاخبار ولو لم يكن في العدول عن نكاح من ذكرناه إلا الاحتياط للدين لكفى، لان نكاح من هذه حاله مختلف فيه ومشكوك في إباحته فالتجنب له أولى.

وقد رويتهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من زنا بامرأة وهي في عدة من بعلها له عليها فيها رجعة حرمت عليه بذلك ولم تحل له أبدا، والحجة لاصحابنا في هذه المسألة الحجة في التى قبلها، والكلام في المسألتين واحد فلا معنى لتكراره.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من عقد على امرأة وهي في عدة مع العلم بذلك لم تحل له أبدا وإن لم يدخل بها، والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألتين المتقدمتين.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به أن من عقد على امرأة وهي في عدة وهو لا يعلم فدخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا.

وقد روي وفاق الامامية في ذلك عن مالك والاوزاعي والليث بن سعد، وقال مالك والليث لا تحل له أبدا ولا يملك اليمين.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من تلوط بغلام فأوقب لم تحل له أم الغلام ولا أخته ولا بنته أبدا، وحكي عن الاوزاعي وابن حنبل أن من تلوط بغلام يحرم عليه تزويج بنته، والطريقة في هذه المسألة كالطريقة فيما تقدمها من المسائل.

١٠٩

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من طلق امرأته تسع تطليقات للعدة ينكحها بينهن رجلان، ثم تعود إليه حرمت عليه أبدا، وهذه المسألة نظير ما تقدمها.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن من زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بناتهما على التأبيد، وأبوحنيفة موافق في ذلك، ويذهب إلى أنه من زنا بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وحرمت المرأة على أبيه وابنه، وهو أيضا قول الثوري والاوزاعي، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يحرموا بالزنا الام والبنت.

دليلنا كل شئ احتججنا به في تحريم المرأة على التأبيد إذا كانت ذات بعل (محرم) على من زنا.

ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)، ولفظ النكاح واقع على الوطئ والعقد معا، فكأنه تعالى قال: لا تعقدوا على ما عقد عليه آباؤكم من النساء ولا تطؤا ما وطؤهن، وكل ما حرم بالوطئ في الزنا امراة على الابن والاب حرم بنتها وأمها عليهما جميعا.

والاحتجاج في هذا الموضع بما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله الحرام لا يحرم الحلال غير صحيح، لانه خبر واحد، ولانه مخصوص بإجماع ويحمل على مواضع منها أن الوطئ في الحيض وهو حرام لا يحرم ما هو مباح من المرأة ومنها إذا زنا بامرأة فله أن يتزوجها، ومنها إن وطئ الاب لزوجة ابنه التي دخل بها أو وطئ الابن لزوجة أبيه وهو حرام لا يحرم تلك المرأة على زوجها ولا يجعل هذا الحلال ذلك الحرام حراما.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به أن من لاعن امرأة لم تحل له أبدا، وقد وافق الامامية في ذلك الشافعي وزفر وأبويوسف ومالك وقالوا ان فرقة اللعان مؤبدة.

١١٠

وقال أبوحنيفة وأصحابه ومحمد: أن الملاعن إذا أكذب نفسه وجلد الحد له أن يتزوجها، دليلنا الاجماع المتردد، ويعارضون بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعويمر حين فرق بينه وبين زوجته: باللعان لا سبيل لك عليها، وإذا قيل: معنى ذلك لا سبيل لك عليها في هذه الحال، قلنا: هذا تخصيص بلا دليل.

(مسألة) ومما شنع به على الامامية وادعى تفردها به، وليس الامر كذلك إباحة نكاح المتعة وهو النكاح المؤجل، وقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الاقوال، منهم أمير المؤمنين " ع " وعبدالله بن عباس رحمة الله عليه، وعبدالله بن مسعود ومجاهد وعطا، وانهم يقرؤن (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن).

وقد روي عن جابر بن عبدالله الانصاري وسلمة بن الاكوع وأبي سعيد الخدري والمغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير وابن جريح أنهم كانوا يفتون بها، فادعاؤهم الاتفاق على حضر المتعة باطل.

والحجة لنا سوى إجماع الطائفة على إباحتها أشياء منها انه قد ثبت بالادلة الصحيحة أن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا في آجل مباحة بضرورة العقل، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل.

فان قيل: من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل والخلاف في ذلك؟ قلنا: أن من ادعى ضررا في الآجل فعليه الدليل، ولا دليل قاطع يدل على ذلك.

ومنها أنه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بغير شبهة ثم ادعى تحريمها من بعد ونسخها ولم يثبت النسخ وقد ثبت الاباحة بالاجماع فعلى من ادعى الحظر والنسخ الدلالة.

١١١

فإن ذكروا الاخبار التي رووها في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرمها ونهى عنها فالجواب عن ذلك: أن كل هذه الاخبار إذا سلمت من المطاعن والتضعيف أخبار آحاد، وقد ثبت أنها لا توجب عملا في الشريعة، ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه، على أن هذه الاخبار كلها قد طعن أصحاب الحديث ونقاده على رواتها وضعفوهم، وقالوا في كل واحد منهم ما هو مسطور، ولا معنى للتطويل بإيراده.

وبعد: فهذه الاخبار معارضة بأخبار كثيرة في استمرار إباحتها والعمل بها حتى ظهر من نهي عمر عنها ما ظهر.

ومنها قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فلفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان واقعا في الاصل على الالتذاذ والانتفاع فبعرف الشرع قد صار مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء، ولا يفهم من قول القائل متعة النساء إلا هذا العقد المخصوص، دون التلذذ والمنفعة كماأن لفظ الظهار اختص بعرف الشرع بهذا الحكم المخصوص وإن كانت لفظة ظهار في اللغة مشتركة غير مختصة، فكأنه تعالى قال: فإذا عقدتم عليهن هذا العقد المخصوص فآتوهن أجورهن، وقد كنا قلنا في بعض ما أمليناه قديما أن تعليقه تعالى وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع دلالة على أن هذا العقد المخصوص دون الجماع، لان المهر إنما يجب بالعقد دون الجماع، ويمكن اعتراض ذلك بأن يقال: أن المهر إنما يجب دفعه بالدخول وهو الاستمتاع.

والذي يجب تحقيقه والتعويل عليه أن لفظة استمتعتم لا تعدو وجهين، فاما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللغة أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع، ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه

١١٢

الاول لامرين، أحدهما أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا أورد وهو محتمل لامرين، إحدهما وضع أصل اللغة والآخر عرف الشريعة أنه يجب حمله على عرف الشريعة، ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون اللغوي.

والامر الآخر أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ، لان رجلا لو وطئ امرأة ولم يلتذذ بوطئها، لان نفسه عافتها وكرهتها، أو لغير ذلك من الاسباب لكان دفع المهر واجبا وإن كان الالتذاذ مرتفعا، فعلمنا أن لفظ الاستمتاع في الآية إنما أريد به العقد المخصوص دون غيره.

ومما يبين ما ذكرناه ويقوى به قوله تعالى: (لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) والمعنى على ما أجمع عليه أصحابنا وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم صلوات الله عليهم أن تزيدها في الاجرة وتزيدك في الاجل، وما يقوله مخالفونا من أن المراد بذلك رفع الجناح في الابراء والنقصان أو الزيادة في المهر أو ما يستقر بتراضيهما من النفقة ليس بمعمول عليه، لانا نعلم أن العفو والابراء مسقط للحقوق بالعقول، ومن الشرع ضرورة لا بهذه الآية، والزيادة في المهر إنما هي كالهبة، والهبة أيضا معلومة لا من هذه الآية، وأن التراضي يؤثر في النفقات وما أشبهها معلوم أيضا، وحمل الآية والاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها ولا معلوم هو الاولى، والحكم الذى ذكرناه مستفاد بالآية غير معلوم قبلها فيجب أن يكون أولى.

ومما يمكن معارضة المخالف به الرواية المشهورة أن عمر بن الخطاب خطب الناس ثم قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج، فاعترف بأنهما كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حلالا، وأضاف النهي والتحريم إلى نفسه، فلو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي نسخهما ونهى عنهما أو أباحهما في وقت مخصوص

١١٣

دون غيره على ما يدعون لاضاف عمر التحريم إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله دون نفسه.

فإن قيل: من المستبعد أن يقول: ذلك عمر، ويصرح بأنه حرم ما أحله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا ينكره عليه منكر، قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال في جواب المسائل الطرابلسيات.

وقلنا: أنه لا يمتنع أن يكون السامعون لهذا القول من عمر إنقسموا إلى معتقد للحق، برئ من الشبهة، خارج عن حيز العصبية غير أنه لقلة عدده وضعف بطشه، لم يتمكن من إظهار الانكار بلسانه فاقتصر على إنكار قلبه.

وقسم آخر وهم الاكثرون عددا، دخلت عليهم الشبهة الداخلة على مخالفينا في هذه المسألة واعتقدوا أن عمر إنما أضاف النهي إلى نفسه وإن كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي حرمها تغليظا وتشديدا وتكفلا وتحققا، وقسم آخر اعتقدوا أن ما أباحه الله تعالى في بعض الاوقات إذا تغيرت الحال فيه وأشفقوا من ضرر في الدين يلحق في الاستمرار عليه جاز أن ينهى عنه بعض الائمة، وعلى هذا الوجه حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحج، وقد تقدم ذكر ذلك على أنه لا خلاف بين الفقهاء في ان المتمتع لا يستحق رجما ولا غيره، ولا عقوبة، وقال عمر في كلامه: لا أوتى بأحد تزوج متعة إلا عذبته بالحجارة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت، وما أنكر مع هذا عليه ذكر الرجم والعقوبة أحد، فاعتذروا في ترك النكير لذلك بما شئتم فهو العذر في ترك النكير للنهي عن المتعة، وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة استمتعتم تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمى العوض عليه أجرا ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا وصداقا وفرضا، وهذا غير معتمد لانه تعالى قد سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالاجر في قوله تعالى: (ولا جناح عليكم أن

١١٤

تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن).

وفي قوله عزوجل: (فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن)، فإن قيل: كيف يصح حمل لفظة استمتعتم على النكاح المخصوص وقد أباح الله تعالى بقوله: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) النكاح المؤبد بلا خلاف فمن خصص ذلك بعقد المتعة خارج عن الاجماع.

قلنا: قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: (وأحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) يبيح العقد على النساء والتوصل بالمال إلى استباحتهن، ويعم ذلك العقد المؤبد والمؤجل ثم خص العقد المؤجل بالذكر، فقال تعالى: (فاستمتعتم منهن)، والمعنى فمن نكحتموه منهن نكاح المتعة (فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)، لان الزيادة في الاجر والاجل لا يليق إلا بالعقد المؤجل.

فإن قيل: الآية مجملة لقوله تعالى: (محصنين غير مسافحين)، ولفظة الاحصان تقع على أشياء مختلفة من العفة والتزويج وغير ذلك.

قلنا: الاولى أن يكون لفظة محصنين محمولة على العفة والتنزه عن الزنا، لانه في مقابلة قوله تعالى: (غير مسافحين)، و السفاح الزنا بغير شبهة، ولو حملت اللفظة على الامرين من العفة والاحصان الذي يتعلق به الرجم لم يكن بعيدا.

فإن قيل: كيف يحمل لفظة الاحصان في الآية على ما يقتضي الرجم وعندكم أن المتعة لا تحصن.

قلنا: قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنها تحصن وبعد فإذا كانت لفظة محصنين تليق بالنكاح المؤبد رددنا ذلك إليه، كما أنا رددنا لفظة الاستمتاع إلى النكاح المؤجل لما كانت تليق به، فكأنه تعالى أحل النكاح على الاطلاق

١١٥

وابتغاء‌ه بالاموال ثم فصل منه المؤبد بذكر الاحصان والمؤجل بذكر الاستمتاع وقد استدل المخالفون في حظر المتعة بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)، قالوا: والمنكوحة متعة ليست بزوجة من وجوه، لانها لا ترث ولا تورث، والله تعالى يقول (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولهن الربع مما تركتم).

وأيضا لو كانت زوجة لوجب أن تعتد عند وفاة المستمتع بها أربعة أشهر وعشرا لقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا).

وأيضا لو كانت زوجة لبانت بالطلاق بظاهر الكتاب.

وأيضا لو كانت زوجة للحقها الا يلاء واللعان والظهار ويلحق بها الولد.

وأيضا لو كانت زوجة لوجب لها السكنى والنفقة وأجرة الرضاع وأنتم تذهبون إلى خلاف ذلك، وأيضا فلو كانت زوجة لاحلت المطلقة ثلاثا للزوج الاول بظاهر قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره)، فيقال لهم في ما تعلقوا به أولا ليس فقد الميراث علامة على فقد الزوجية، لان الزوجة الذمية والامة والقاتلة لا يرثن ولا يورثن وهن زوجات على أن مذهبنا ان الميراث قد يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه، ويستثنى المتمتع بها مع شرط نفي الميراث من ظواهر آيات الميراث كما استثنيتم الذمية والمقاتلة و أما ما ذكروه ثانيا فهن يخصون الآية التي تلوها في عدة المتوفي عنها زوجها لان الامة عندهم زوجة وعدتها شهران وخمسة أيام، وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل خصصنا المستمتع بها بمثله.

وأما ما ذكروه ثالثا فالجواب عنه أن في الزوجات من تبين بغير طلاق كالملاعنة والمرتدة والامة المبيعة والمالكة لزوجها وظواهر الكتاب غير موجبة

١١٦

لان كل زوجة يقع بها طلاق وإنما يتضمن ذكر أحكام الطلاق إذا وقع مثل قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن).

وقوله تعالى: (إذا طلقتموا النساء فبلغن أجلهن)، فإن قالوا: الزوجية تقتضي جواز لحوق الطلاق بالزوجة، ومن ذكرتم من الباينات بغير طلاق، وقد كان يجوز أن يلحقهن حكم الطلاق.

قلنا: الطلاق إنما يحتاج إليه في النكاح المؤبد لانه غير موقت، والنكاح الموقت لا يفتقر إلى الطلاق، لانه ينقطع حكمه بمضي الوقت، فإذا قيل: وإن لم يفتقر الموقت إلى الطلاق في وقوع الفرقة، ألا جاز أن تطلق قبل انقضاء الاجل المضروب فيؤثر ذلك فيما بقي من مدة الاجل.

قلنا: قد منعت الشريعة من ذلك، لان كل من أجاز النكاح الموقت وذهب إلى الاستباحة به يمنع من أن يقع فرقة قبله بطلاق، فالقول: بالامرين خلاف الاجماع.

والذي ذكروه رابعا جوابه أن الولد يلحق بعقد المتعة ومن ظن خلاف ذلك علينا فقد أساء بنا الظن والظهار أيضا يقع بالمتمتع بها، وكذلك اللعان على أنهم لا يذهبون إلى وقوع اللعان بكل زوجة، لان أبا حنيفة يشترط في اللعان أن يكون الزوجان جميعا غير كافرين ولا عبدين، وعنده أيضا أن الاخرس لا يصح قذفه ولا لعانه.

وعند أبي حنيفة أيضا ان ظهار الذي لا يصح على أنه ليس في ظواهر القرآن ما يقتضي لحوق الظهار واللعان بكل زوجة، وكذلك الايلاء، وإنما في الآيات الواردات بهذه الاحكام بيان حكم من ظاهر أو لا عن أو آلى فلا تعلق للمخالف بذلك.

وأما الايلاء فانما لم يلحق المستمتع بها، لان أجل المتعة ربما كان دون أربعة أشهر وهو الاجل المضروب في الايلاء.

١١٧

فأما أجل المتعة إن كان زائدا على ذلك فانما لم يدخل على هذا العقد الايلاء، لان الله تعالى قال: (فان فاؤا فان الله غفور رحيم) (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) فعلق حكم من لم يراجع بالطلاق، ولا طلاق بالمتعة فلا إيلاء يصح فيها، وهذا الوجه الاخير يبطل دخول الايلاء في نكاح المتعة طالت مدتها أو قصرت.

والجواب عما ذكروه، خامسا أن الشيعة تذهب إلى أنه لا سكنى للمتمتع بها بعد انقضاء الاجل، ولا نفقة لها في حال حملها، ولها أجرة الرضاع إن لم يشترط عليها في ابتداء العقد رضاع الولد والكفالة به، ويخصصون قوله تعالى: (واسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن).

كما خصصت الجماعة ذلك فيمن خلع زوجته على أن تنفق على نفسها في أحوال حملها، وتتكفل بولدها، واتفقا على ذلك.

والجواب عما ذكروه، سادسا أن المعول عليه والاظهر من المذهب أن المتمتع بها لا تحلل المطلقة ثلاثا للزوج الاول، لانها تحتاج إلى أن تدخل في مثل ما خرجت منه ويخصص بالدليل قوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)، كما خصصنا كلنا هذه الآية، وأخرجنا منها من عقد ولم يقع منه وطئ للمرأة.

وأخرجنا أيضا منها الغلام الذي لم يبلغ الحلم وإن وطئ، ولمن جامع دون الفرج فتخصيص هذه الآية مجمع عليه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية منه إباحتهم أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها وخالتها بعد أن يستأذنهما وترضيا به، ويجوزون أن يتزوج بالعمة وعنده بنت أخيها وإن لم ترض بنت الاخ.

وكذلك يجوز عندهم أن يعقدوا على الخالة وعنده بنت أختها من غير

١١٨

رضى بنت الاخت، وحكى عن الخوارج إباحة تزويج المرأة على عمتها وخالتها، والحجة بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وكل ظاهر في القرآن يبيح العقد على النساء بالاطلاق، فإن احتجوا بما يروى عنه " ع " من قوله لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها، فالجواب أنه خبر واحد ونحمله على الحظر إذا لم يكن منهما رضى وهو معارض بأخبار كثيرة في الاباحة مع الاستيذان والرضى.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية حظر نكاح الكتابيات، وباقي الفقهاء يجيزون ذلك، دليلنا بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، ولا شبهة في أن النصرانية مشركة، وقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)، وبين الزوجين عصمة لا محالة، وقوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة)، والظاهر من ذلك نفي التساوي في سائر الاحكام ا لتي من جملتها المناكحة، فان عارضونا بقوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، فالجواب إنا نشترط في ذلك الاسلام بالادلة المتقدمة.

فإذا قيل: لا معنى لذلك، وقد أغنى عنه قوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات)، قلنا: قد يجوز قبل ورود هذا أن يفرق الشرع بين المؤمنة التي لم تكن قط كافرة وبين من كانت كافرة ثم آمنت، ففي بيان ذلك والجمع بين الامرين في الاباحة فائدة.

فان قيل: إذا شرطتم في آية الاباحة ما ليس في الظاهر وصارت مجازا فأي فرق بينكم في ذلك وبيننا إذا عدلنا عن ظواهر الآيات التي إحتججتم بها، وخصصناها بالكافرات المرتدات والحربيات.

قلنا: الفرق بيننا وبينكم أنكم تعدلون عن ظواهر الآيات كثيرة، ونحن نعدل عن ظاهر آية واحدة، فمذهبنا أولى.

١١٩

(مسألة) ومما شنع به على الامامية تجويز إعارة الفروج، وإن الفرج يستباح بلفظ العارية وتحقيق هذه المسألة إنا ما وجدنا فقيها منهم أفتى بذلك ولا أودعه مصنفا له ولا كتابا، وإنما يوجد في أحاديثهم أخبار نادرة تتضمن لاعارة الفروج في المماليك.

وقد يجوز إذا صحت تلك الاخبار وسلمت من القدح والتضعيف أن يكون عبر بلفظ العارية عن النكاح، لان في النكاح معنى العارية من حيث كانت إباحة للمنافع مع بقاء العين على ملك مالكها، ونكاح الامة يجري هذا المجرى، لان الرجل إذا أنكح أمته غيره فانما أباحه الانتفاع بها مع بقاء ملك الجارية عليه.

فان قيل: أفتجوزون إستباحة الفرج بلفظ العارية؟ قلنا: ليس في الاخبار التي أشرنا إليها أن لفظة العارية من الالفاظ التي ينعقد بها النكاح، وإنما تضمنت أنه يجوز للرجل أن يعير فرج مملوكته لغيره فيحمل لفظ العارية هاهنا على أن المراد بها النكاح من حيث الاشتراك في المعنى، كما قال يجوز للرجل أن يبيح مملوكته لغيره على معنى أنه يعقد عليها عقد النكاح الذي فيه معنى الاباحة، ولا يقتضي ذلك ان النكاح ينعقد بلفظ الاباحة على أن أبا حنيفة وأصحابه لا يجب أن يشنعوا بذلك وهم يجيزون أن ينعقد النكاح بلفظ الهبة والبيع، وليس الشناعة في العدول عن زوجيني نفسك إلى بيعيني نفسك أو هبي لي نفسك بأدون في الشناعة من أعيريني نفسك.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به وشنع عليهم لاجله القول بأن الشهادة ليس بشرط في النكاح، وقد وافق داود في ذلك.

وقال مالك: إذا لم يتواصوا بالكتمان صح النكاح وإن لم يحضروا الشهود.

وباقي الفقهاء جعلوا الشهادة في النكاح شرطا، والحجة لقولنا إجماع الطائفة.

وأيضا فإن الله تعالى أمر بالنكاح في مواضع كثيرة من الكتاب ولم يشرطه

١٢٠