• البداية
  • السابق
  • 315 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32028 / تحميل: 6186
الحجم الحجم الحجم
الانتصار

الانتصار

مؤلف:
العربية

فعلت ذلك يا علي؟ فقال: يا رسول الله نحن نصدقك على أمر الله ونهيه وأمر الجنة والنار والثواب والعقاب ووحي الله عزوجل فلا نصدقك في ثمن ناقة هذا الاعرابي وإني قتلته لانه كذبك لما قلت له أصدق رسول الله فيما قال؟ فقال لا ما أوفاني شيئا، فقال رسول الله أصبت يا علي فلا تعد إلى مثلها ثم إلتفت إلى القرشي وكان قد تبعه فقال هذا حكم الله لا ما حكمت به.

وروت الشيعة أيضا عن ابن جريح عن الضحاك عن ابن عباس قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من منزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة فقال: يا محمد إشتر مني هذه الناقة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم بكم تبيعها يا أعرابي؟ قال بمائة درهم، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ناقتك خير من هذا، قال: فما زال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يزيد حتى إشترى الناقة بأربعمائة درهم، فقال: فلما دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعرابي الدراهم ضرب الاعرابي يده إلى زمام الناقة، فقال الناقة ناقتي والدراهم دراهمي فان كان لمحمد شئ فليقم البينة قال: فأقبل رجل فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ قال نعم يا محمد، فلما دنا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إقض في ما بيني وبين هذا الاعرابي قال: تكلم يا رسول الله، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي، فقال الاعرابي: بل الدراهم دراهمي والناقة ناقتي فان كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال الرجل القضية فيها واضحة يا رسول الله وذلك أن الاعرابي طلب البينة، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس فجلس ثم أقبل رجل آخر فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ قال نعم فلما دنا قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إقض فيما بيني وبين الاعرابي، قال نعم تكلم يا رسول الله صلى الله عليك، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي، فقال الاعرابي: لا بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي، فان كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال الرجل: القضية فيها

٢٤١

واضحة يا رسول الله لان الاعرابي طلب البينة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس حتى يأتي الله بمن يقضي بيني وبين الاعرابي بالحق، قال: فأقبل عليعليه‌السلام فقال النبي صلى ا لله عليه وآله وسلم أترضى بالشاب المقبل؟ قال: نعم، فلما دنا قال يا أبا الحسن إقض بيني وبين الاعرابي، فقالعليه‌السلام تكلم يا رسول الله فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي، فقال الاعرابي: لا بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي، فان كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال علي خل بين الناقة وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الاعرابى: ما كنت بالذي أفعل أو يقم البينة، فدخل عليعليه‌السلام منزله، فاشتمل على قايم سيفه ثم أتى، وقال خل بين الناقة وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة قال: فضربهعليه‌السلام ضربة فأجمع أهل الحجاز على أنه رمى برأسه وقال بعض أهل العراق: بل قطع منه عضوا، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما حملك على هذا يا علي؟ فقال يا رسول الله نصدقك على الوحي من السماء ولا نصدقك على أربعمائة درهم.

وقال أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، وقد روى هذين الخبرين في كتابه المعروف بمن لا يحضره الفقيه هذان الخبران غير مختلفين، لانهما في قضيتين، فكانت هذه القضية قبل القضية التي ذكرناها قبلها.

وقد روت الشيعة أيضا في كتبها خبر عليعليه‌السلام مع شريح قاضيه في درع طلحة بن عبيد الله لما قالعليه‌السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ومطالبة شريح بالبينة على ذلك وإحضارهعليه‌السلام الحسن إبنهعليه‌السلام وقنبرا غلامه، وقولهعليه‌السلام لشريح أخطأت ثلاث مرات.

ورووا أيضا حديث خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين لما شهد للنبي على الاعرابي فقال النبي كيف شهدت بذلك

٢٤٢

وعلمته؟ قال من حيث علمنا أنك رسول الله فمن يروي هذه الاخبار مستحسنا لها ومعولا عليها كيف يجوز أن يشك في أنه كان يذهب إلى أن الحاكم يحكم بعلمه لولا قلة تأمل ابن الجنيد.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه زائدا على الاجماع المتردد قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدواكل واحد منهما مأة جلدة)، وقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، فمن علمه الامام سارقا أو زانيا قبل القضاء أو بعده فواجب عليه أن يقضي فيه بما أوجبته الآية من إقامة الحدود، وإذا ثبت ذلك في الحدود فهو ثابت في الاموال لان من أجاز ذلك في الحدود أجازه في الاموال، ولم يجزه أحد من الامة في الحدود دون الاموال.

فان قيل: فلم زعمتم أنه أراد بقوله: الزانية والزاني والسارق والسارقة من علمتموه كذلك دون أن يكون أراد من أقر عندكم بسرقة أو زنا أو شهد عليه الشهود.

قلنا: من أقر بزنا أو شهد عليه الشهود لا يجوز أن يطلق عليه القول بأنه زان، وكذلك السارق وإنما حكمنا فيهما بالاحكام المخصوصة إتباعا للشرع، وإن جوزنا أن يكونا ما فعلا شيئا من ذلك، والزاني في الحقيقة من فعل الزنا وعلم ذلك منه.

وكذلك السارق فحمل الآيتين على العلم أولى من حملهما على الشهادة والاقرار، فان إحتجوا بما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لو اعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر.

وأخبرعليه‌السلام أن المدعي لا يعطى بغير بينة، فالجواب أولا أن هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا، ثم إذا سلمناه قلنا علم الحاكم أقوى البينات، وإذا جعلنا البينة الاقرار والاشهاد من حيث أبانت عن الامر وكشفت فأقوى منها العلم اليقين، فأما من فرق بين ما علمه القاضي وهو حاكم وبين ما علمه وهو على خلاف ذلك.

٢٤٣

وقوله: ان الذي علمه وهو غير حاكم لا إعتداد به، لان القاضي علمه في حال لا ينفذ حكمه فيها باطل، لان العدل إذا شهد أمضى الحاكم شهادته، وإن جوز أن يكون قد تحملها في حال فسقه، وبذلك تقبل شهادة العدل البالغ وإن جوز أن يكون قد تحملها في حال طفوليته، فان قيل: لو جاز للحاكم أن يحكم بعلمه لكان في ذلك تزكية لنفسه، قلنا: التزكية حاصلة للحاكم بتولية الحكم له، وليس ذلك بمناف لامضاء الحكم فيما علمه ثم هذا لازم في إجازتهم حكم الحاكم بعلمه في غير الحدود، لانه تزكية لنفسه، ولا يختلفون أيضا في أنه يقبل منه جرحه لشهادته وإسقاط شهادته ولا يكون ذلك تزكية لنفسه.

فإن قالوا: إذا حكم بعلمه فقد عرض نفسه للتهمة وسوء الظن به، قلنا: وكذلك إذا حكم بالبينة والاقرار فهو معرض نفسه للتهمة فلا يلتفت إلى ذلك لوقوع التهمة في غير موضعها، لان قبول الشهادة والسكون إلى عدالة الشاهد مما يجوز أن يقع في مثله التهمة أيضا.

ووجدت لابن الجنيد كلاما في هذه المسألة غير محصل لانه لم يكن في هذا دلالة وإليه دراية يفرق بين علم النبي صلى الله عليه آله يالشئ وبين علم خلفائه وحكامه، وهذا غلط منه، لان علم العالمين بالمعلومات لا يختلف، فعلم كل عالم بمعلوم بعينه كعلم كل عالم به، وكما أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الامامعليه‌السلام إذا شاهدا رجلا يزني أو يسرق فهما عالمان بذلك علما صحيحا، وكذلك من علم مثل ما علماه من خلفائهما والتساوي في ذلك موجود، ووجدته يستدل على بطلان الحكم بالعلم بأن يقول: وجدت الله تعالى قد أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقا ابطلها فيما بينهم وبين الكفار والمرتدين كالمواريث والمناكحة وأكل الذبائح، ووجدنا الله تعالى قد اطلع رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله على من كان يبطن الكفر ويظهر الاسلام،

٢٤٤

وكان يعلمه ولم يبينصلى‌الله‌عليه‌وآله أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعون من مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وهذا غير معتمد، لانا أولا لا نسلم له أن الله تعالى قداطلع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على معايب المنافقين وكل من كان يظهر الايمان ويبطن الكفر من أمته، فان إستدل على ذلك بقوله تعالى (ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول) فهذا لا يدل على وقوع التعريف وإنما يدل على القدرة عليه.

ومعنى قوله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) أي يستقر ظنك أو وهمك من غير ظن ولا يقين.

ثم لو سلمنا على غاية مقترحة أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد اطلع على البواطن لم يلزم ما ذكره، لانه غير ممتنع أن يكون تحريم المناكحة والموارثة وأكل الذبائح إنما يختص بمن أظهر كفره وردته دون من أبطنها وأن تكون المصلحة التي يتعلق بها التحريم والتحليل إقتضت ما ذكرناه ولا يجب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبين أحوال من أبطن الردة والكفر لاجل هذه الاحكام التي ذكرناها لانها لا تتعلق بالمبطن وإنما تتعلق بالمظهر.

وليس كذلك الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ولان الحد في هذه الامور يتعلق بالمبطن والمظهر على سواء، وإنما يستحق بالفعلية التي يشترك فيها المعلن والمستر.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الخصمين إذا إبتدآ في الدعوى بين يدي الحاكم، وتشاحا في الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي على يمين خصمه، ثم ينظر في دعوى الآخر، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يذهبوا إلى مثل ما حكيناه.

دليلنا على صحة ذلك إطباق الطائفه عليه.

ولان من خالف ما ذكرناه إعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى.

٢٤٥

ووجدت ابن الجنيد لما روى عن ابن محبوب عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قضى أن يتقدم صاحب اليمين في المجلس بالكلام، قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدعي، لان اليمين المردودة عليه، قال ابن الجنيد: إلا أن ابن محبوب فسر ذلك في حديث رواه عن عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: إذا تقدمت مع خصم إلى وال أو قاض فكن عن يمينه يعني يمين الخصم، وهذا تخليط من ابن الجنيد لان التأويلات إنما تدخل بحيث تشكل الامور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين التي هي القسم، وإذا فرضنا المسألة في تفسير تبادر الكلام بين يدي القاضى وتناهياه وأراد كل واحد منهما أن يدعى على صاحبه فهما جميعا مدعيان، كما أنهما جميعا مدعى عليهما فبطلت المزية والتفرقة التي توهمها ابن الجنيد.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية في هذه الاعصار وإن روى لهما وفاق قديم القول بجواز شهادات ذوي الارحام والقرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا من غير إستثناء لاحد، إلا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمدا على خبر يرويه من أنه لا يجوز شهادة الولد على الوالد وإن جازت شهادته له ويجوز شهادة الوالد لولده وعليه.

وقد رويت موافقة الامامية في ذلك عن(١) عمر بن الخطاب وشريح والزهري وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري والشعبي وأبي ثور، وروى الساجي أن أياس بن معاوية أجاز شهادة رجل لابنه وأخذ يمين الطالب وكل من أجاز شهادة الاب للابن والابن للاب أجاز شهادة الاخ لاخيه، وكل ذي قرابة لقرابته.

وقد روي جواز شهادة الاخ لاخيه عن شريح وابن سيرين والنخعي والشعبي وعطا وقتادة وعبدالله بن الحسن

____________________

(١) عن ابن عمر خ ل.

٢٤٦

وعثمان بن البستي وعمر بن عبد العزيز والثوري ومالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء على ذلك، وإنما خالف فيه الاوزاعي، فذهب إلى أن شهادة الاخ لاخيه لا تقبل وإن كان عدلا.

وحكي عن مالك أنه قال: ان شهد له في غير النسب قبلت، وإن شهد له في النسب، فأن كانا أخوين من أم فادعى أحدهما أخامن أب وشهد له أخوه لم تقبل، وإذا جاز شهادة الاقارب في النسب بعضهم لبعض فالاولى جواز ذلك في الرضاع، لان كل من ذهب إلى أحد الامرين ذهب إلى الآخر ولم يفرق أحد بين المسألتين.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد.

وأيضا قوله (وأشهدوا ذوى عدل منكم)، فشرط تعالى العدالة ولم يشرط سواها، ويدخل في عموم هذا القول ذو القرابات كلهم، وقوله تعالى: (وإستشهدوا شهيدين من رجالكم فأن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان) يدل أيضا على هذه المسألة، فأما إعتماد المخالفين على الاخبار التي يروونها في هذا الباب، كخبر يروى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده، فمما لا يصح الاعتماد عليه لان كل هذه الاخبارإذا سلمت من القدح كانت أخبار آحاد لا توجب إلا الظن ولا تنتهي إلى علم، ولا يجوز ان يرجع بما يوجب الظن عن ظواهر الكتاب الموجبة للعلم على أن الساجي قد قال في هذا الخبر أن هذه رواية غير ثابتة عند أهل النقل، وراوي هذا الخبر عن الزهري يزيد بن أبي زياد.

وحكى الساجي أن شعبة قال: أن يزيد كان رفاعا، أي يرفع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لا أصل له، وضعف هذا الحديث من وجوه معروفة، وقدح في رواته، وأما الاعتماد في المنع من شهادة الاقارب على التهمة التي تلحق لاجل النسب فغير صحيح لانه يلزم على ذلك أن لا تقبل

٢٤٧

شهادة الصديق لصديقه ولا الجار لجاره لان التهمة متطرقة.

وأيضا فأن العدالة مانعة من التهمة حاجزة، وحكى عن الشافعي في المنع من شهادة الوالد لولده والولد لوالده أنه قال الولد جزء من أبيه فكأنه شهد لنفسه إذا شهد لما هو بعضه، وهذا غير محصل، لان الولد وإن كان مخلوقا من نطفة أبيه، فليس ببعض له على الحقيقة، بل لكل واحد منهما حكم يخالف حكم صاحبه.

وكذلك إسترقوا الولد برقية أمه وإن كان الاب حرا وحرروه بحرية الام وإن كان الاب عبدا، ولم يسر حكم كل واحدمنهما إلى صاحبه.

(مسألة)(١) ومما إنفردت به الامامية إلا من شذ من جملتهم وسنتكلم عليه القول بشهادة العبيد لساداتهم إذا كان العبيد عدولا مقبولة وتقبل أيضا على غيرهم ولهم ولا تقبل على ساداتهم وإن كانوا عدولا.

وقد روى عن أنس موافقة الامامية في قبول شهادة العبيد العدول وهو قول الليث وأحمد بن حنبل وداود وأبي ثور، وروي عن الشعبي أنه قال: يقبل فيما قل من الحقوق ولا يقبل فيما كثر.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ولا إعتبار بمن شذ أخيرا عنهم، وظواهر آيات الشهود في الكتاب العزيز مثل قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وهو عام في العبيد إذا كانوا عدولا وغيرهم ولا يلتفت إلى ما يروى مما يخالف هذه الظواهر من طرق الشيعة ولا طرق العامة وإن كثرت لانها تقتضي الظن ولاتنتهي إلى العلم، وهذه الظواهر التي ذكرناها توجب العلم ولا يرجع عنها لما يقتضي الظن، وهذه الطريقة هي التي يجب الرجوع إليها والتعويل عليها، وهي مزيلة لكل شبه في هذه المسألة، ولو كنا ممن يثبت الاحكام بالاستدلالات لكان لنا أن نقول: إذا كان العبد العدل بلا

____________________

(١) مسألة ومما إنفرد به وإتفق كل الامامية خ ل.

٢٤٨

خلاف تقبل شهادته على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في روايته عنه فلان تقبل في شهادته على غيره أولى.

وكان أبوعلي بن الجنيد من جملة أصحابنا يمنع من شهادة العبد وإن كان عدلا، ولما تكلم على ظواهر الآيات في الكتاب التي تعم العبد والحر إدعى تخصيص الآيات بغير دليل، وزعم أن العبد من حيث لم يكن كفوا للحر في دمه وكان ناقصا عنه في أحكامه لم يدخل تحت الظواهر، وقال أيضا أن النساء قد يكن أقوى عدالة من الرجال ولم تكن شهادتهن مقبولة في كل ما يقبل فيه شهادة الرجال وهذا منه غلط فاحش، لانه إذا إدعى أن الظواهر إذا إختصت بمن تتساوى أحكامه في الاحرار كان عليه الدليل، لانه إدعى ما يخالف الظواهر ولا يجوز رجوعه في ذلك إلى أخبار الآحاد التي يروونها لانا قد بينا ما في ذلك.

فأما النساء: فغير داخلات في الظواهر التي ذكرناها مثل قوله تعالى: (ذوى عدل منكم)، ومثل قوله تعالى: (شهيدين من رجالكم) فانما أخرجنا النساء من هذه الظواهر لانهن ما دخلن فيها، والعبيد العدول داخلون فيها بلا خلاف ويحتاج في إخراجهم إلى دليل.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن شهادة ولد الزنا لا تقبل وإن كان على ظاهر العدالة، وقد روي موافقة الامامية في الاقوال القديمة، فروى الساجي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال: لا تقبل شهادة ولد الزنا، وروى الطبري(١) والساجي عن عبدالله بن عمر مثل ذلك، وحكى الطبري عن يحيى بن سعيد الانصاري ومالك والليث بن سعد أن شهادته في الزنا لا تجوز، وقال مالك: ولا في ما أشبه من الحدود، دليلنا على ذلك إجماع الطائفة عليه.

____________________

(١) وروى الزهري خ ل.

٢٤٩

فأن قيل: أليس ظواهر الآيات التي إحتججتم بها تقتضي قبول شهادة ولد الزنا إذا كان عدلا فكيف إمتنعتم من قبول شهادته مع العدالة وهو دخل في ظواهر الآيات، قلنا: هذا موضع لطيف لا بد من تحقيقه، وقد حققناه في مسألة أمليناها قديما في الخبر الذي يروى بأن ولد الزنا لايدخل الجنة، وبسطنا القول فيها، لان ولد الزنا لا يتعدى إليه ذنب من خلق من نطفته وله حكم نفسه فما المانع من أن يكون عدلا مرضيا، والذي نقوله: أن طائفتنا مجمعة على أن ولد الزنا لا يكون نجيبا ولا مرضيا عند الله تعالى، ومعنى ذلك أن يكون الله تعالى قد علم فيمن خلق من نطفة زنا لا يختار هذا الخير والصلاح.

وإذا علمنا بدليل قاطع عدم نجابة ولد الزنا وعدالته وإن شهد وهو مظهر للعدالة مع غيره لم يلتفت إلى ظاهره المقتضي لظن العدالة به.

ونحن قاطعون على خبث باطنه وقبح سريرته فلا تقبل شهادته، لانه عندنا غير عدل ولا مرضي، فعلى هذا الوجه يجب أن يقع الاعتماد دون ما تعلق به أبوعلي بن الجنيد لانه قال: إذاكنا لانقبل شهادة الزاني والزانية كان ردنا لشهادة من هو شر منهما أولى.

وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: في ولد الزنا أنه شر الثلاثة، وهذا غير معتمد، لان الخبر الذي رواه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا، ولا يرجع بمثله عن ظواهر الكتاب الموجبة للعلم.

وإذا كان معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه شر الثلاثة من حيث لم تقبل شهادته أبدا وقبلت شهادة الزانيين إذا تابا، فقدكان يجب على ابن الجنيد أن يبين من أي وجه لم تقبل شهادته على التأييد وكيف كان أسوأ حالا في هذا الحكم من الكافر الذي تقبل شهادته بعد ا لتوبة من الكفر والرجوع إلى الايمان، ويبين كيف لم تقبل شهادته مع إظهار العدالة والصلاح والنسك والعبادة وأنه بذلك داخل في ظواهر آيات قبول

٢٥٠

الشهادة وما شرع في ذلك ولا إهتدى له، والوجه هو ما نبهنا عليه الموافق للقول بالعمل بالعدل.

(مسألة) ومما يظن إنفراد الامامية به ولها فيه موافق القول: بأن شهادة الاعمى إذا كان عدلا مقبولة على كل حال، ولا فرق بين أن يكون ما علمه وشهد به كان قبل العمى أو بعده، ووافق الامامية في ذلك مالك والليث بن سعد، قالا: تجوز شهادة الاعمى على ما علمه في حال العمى إذا عرف الصوت في الطلاق والاقرار ونحوهما، وإن شهد على زنا حد للقذف ولم تقبل شهادته.

ووافق الامامية في قبول شهادة الاعمى أيضا داود بن علي، وقال أبوحنيفة ومحمد لا تقبل شهادة الاعمى بحال.

وهو قياس قول ابن شبرمة، وقال أبويوسف وابن أبي ليلى والشافعي ما علمه قبل العمى جاز شهادته، وما علمه في حال العمى لم يجز أن يشهد به.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه زائدا على إجماع الطائفة ظواهر الكتاب التي تلوناها وإستدللنا بها على جواز شهادة العبيد وغيرهم، لان الاعمى داخل في هذه الظواهر ولا يمنع عماه من كونه متناولة له، ومعول من خالفنا في هذه المسألة على أن الاعمى تشتبه عليه الاصوات فلا يحصل له العلم اليقين ولانهم يظنون أن الادراك بالسمع لا يحصل عنده من العلم الضروري ما يحصل عند الادراك بالبصر، وهذا غلط فاحش، لان إشتباه الاصوات كاشتباه الصور والاشخاص، فلو منع التشابه في الاصوات من العلم الضروري لمنع التشابه في الصور منه أيضا، لانهما طريقان إلى العلم الضروري للعاقل مع زوال اللبس، وقد يتعذر زوال اللبس بالسمع كما يتعذر ذلك بالادراك بالبصر، ألا ترى أن الضرير يعرف زوجته ووالديه وأولاده ضرورة وإن كان طريق معرفته إدراك السمع دون البصر، ولا يدخل عليه شك في ذلك

٢٥١

كله، ولو كان لا سبيل له إلى ذلك لم يحل له وطئ إمرأته لتجويزه أن تكون غير من عقد عليها.

وقد إستدل على ما ذكرنا أيضا بأن أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كن يحدثن ويخاطبن من وراء حجاب مع فقد مشاهدتهن.

وقد كانت الصحابة تروي عنهن الاخبار وتسند إليهن ما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإعتذار من يخالفنا في هذا الموضع بأن باب الخبر أوسع من باب الشهادة لا يغني شيئا، لانه لا يحل لاحد أن يخبر عن غيره إلا على سبيل اليقين لا سيما في رواية عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ويعول في ذلك على الظن دون اليقين، وإذا كان الصحابة تروي عن الازواج بأعيانهن ما سمعوه منهن بالسماع من الاخبار فذلك يدل على أنهم علموهن وميزوهن بالسمع فاستدل المخالف بقوله: (وما يستوي الاعمى والبصير).

فالجواب عنه أن الآية مجملة لم تتضمن ذكر ما لا يستوون فيه، وإدعاء العموم فيما لم يذكر غير صحيح، وظواهر آيات الشهادة تتناول الاعمى كتناولها للبصير إذا كان عدلا، لان قوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم)، (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) يدخل فيه الاعمى كدخول البصير.

(مسألة) ومما يظن إنفراد الامامية به ولها فيه موافق القول بقبول شهادة الصبيان في الشجاج والجراح إذا كانوا يعقلون ما يشهدون به ويؤخذ بأول كلامهم ولا يؤخذ بآخره.

وقد وافق الامامية في ذلك عبدالله بن الزبير وعروة بن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وابن أبى ليلى والزهري ومالك وأبوالزناد، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يجيزوا شهادة الصبيان في شئ، والمعتمد في هذه المسألة على إطباق الطائفة وهو مشهور من مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقد روى ذلك عنه الخاص والعام والشيعي وغير الشيعي وهو موجود في كتب

٢٥٢

مخالفينا، ورووا كلهم أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قضى في ستة غلمان وقعوا في الماء فغرق أحدهم وشهد ثلاثة غلمان على غلامين أنهما غرقا الغلام وشهد الغلامان على الثلاثة أنهم غرقوه، فقضىعليه‌السلام بدية الغلام أخماسا على الغلامين ثلاثة أخماس الدية لشهادة الثلاثة عليهما وعلى الثلاثة بخمسي الدية لشهادة الغلامين عليهم، وليس لاحد أن يقول لو قبلت شهادة الصبيان في بعض الامور لقبلت في جميعها كسائر العدول، قلنا: غير ممتنع أن توجب المصلحة قبول شهادة الصبيان في موضع دون موضع كما أنها أوجبت قبول شهادة النساء في بعض المواضع دون بعض، ولم يلزم أن تكون النساء في كل المواضع مقبولات الشهادة من حيث قبلت شهادتهن في بعضها.

مسائل الحدود والقصاص والديات (وما يتصل بذلك)

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن حد الوطي إذا أوقع الفعل فيما دون الدبر بين الفخذين مائة جلدة للفاعل والمفعول به إذا كانا معا عاقلين بالغين لا يراعى في جلدهما وجود الاحصان، كما روعي في الزنا، فأما الايلاج في الدبر فيجب فيه القتل من غير مراعاة أيضا للاحصان فيه، والامام مخير في القتل بين السيف وضرب عنقه به وبين أن يلقى عليه جدارا يتلف نفسه بألقائه أو بأن يلقيه من جدار أو جبل على وجه يتلف معه نفسه بألقائه أو يرميه بالاحجار حتى يموت.

وقد إنفردت الامامية إنفرادا صحيحا ولا موافق لها فيها، فأنه وإن روى عن مالك والليث بن سعد في المتلاوطين أنهما يرجمان احصنا أو لم يحصنا

٢٥٣

فهذه لعمري موافقة للامامية من بعض الوجوه ولم يفصلا ذلك التفصيل الذي شرحناه وما أظنهما يوجبان على من لم يكن فعله في نفس الدبر جلدا ولا غيره، وقال أبوحنيفة في اللوطي أنه يعزر ولا يحد.

وقال الليثي وأبويوسف ومحمد وابن حي والشافعي: أن اللواط بمنزلة الزنا وراعوا فيه الاحصان الذي يراعونه في الزنا.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع إلمتردد، وقد ظهر من مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام القول بقتل اللوطي وفعله حجة ومما يذكر على سبيل المعارضة للمخالف أنهم كلهم يروون عن عكرمة عن ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من وجدتموه على عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.

وقد حكي أنه كان يذهب إليه مع أمير المؤمنينعليه‌السلام أبوبكر وابن عباس، ولم يظهر خلاف عليهم هناك وربما قوى هذا المذهب بأن يقال: قد علمنا أن الحدود إنما قد وضعت في الشريعة للزجر عن فعل الفواحش والجنايات وكل ما كان الفعل أفحش كان الزجر أقوى ولا خلاف في أن اللواط أفحش من الزنا، والكتاب ينطق بذلك فيجب أن يكون الزجر عنه أقوى، وليس هذا بقياس لكنه ضرب من الاستدلال، وربما قوى بأن اللواط أفحش من الزنا بأنه إصابة الفرج لا تستباح إصابته بحال، وليس كذلك الزنا وعذر أبي حنيفة كأنه أوسع من عذر الشافعي وأبي يوسف ومحمد لان أبا حنيفة يدعي أنه لم يعثر في الشريعة على دلالة يقتضي وجوب الحد على اللوطي، وكلما لا حد فيه من الجنايات ففيه التعزير، والشافعي ومن وافقه من أبي يوسف ومحمد يجرون اللواط مجرى الزنا في جميع الاحكام، فيا ليت شعري من أين لهم ذلك وكيف حكموا فيه بحكم الزنا، وإسم الزنا لا يتناوله في الشرع، فان قالوا إسم الزنا وإن لم يتناوله فأسم الفاحشة عام في اللواط.

٢٥٤

والزنا قلنا: إنما علق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاحكام المخصوصة بأسم الزنا، فلما لم يقع عليه هذا الاسم المعين ليتعلق به الاحكام وإسم الفاحشة وإن عم اللواط فهو يعم الزنا والسرقة وكل القبائح فيجب أن يجعل(١) بجميع هذه الجنايات أحكام الزنا، لان إسم الفاحشه يقع عليها، قال الله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) وإنما أراد جميع القبائح والمعاصي.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن البينة إذا قامت على إمرأتين بالسحق جلدت كل واحدة منهما مائة جلدة مع فقد الاحصان ووجوده فان قامت البينة عليهما بتكرر هذا الفعل منهما وإصرارهما عليه كان للامام قتلهما كما يفعل باللوطي.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا شيئا مما أوجبناه.

دليلنا ما تقدم من إجماع الطائفة فلا خلاف بينهم في ذلك، وأيضا فلا خلاف في أن هذا فعل فاحش قوي الخطر يجري مجرى اللواط، وكل شئ كان أزجر عنه فهو أولى، وثبوت الحد فيه أزجر عنه وادعى إلى الامتناع عنه وإنما يرجع مخالفونا في نفي الحد من هذا الموضع إلى الرأي والاجتهاد وقد بينا أنه لا رجوع إلى مثلهما في الشريعة وإنما الرجوع إلى النص والتوقيف.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول: بأن من نكح بهيمة وجب عليه التعزير بما هو دون الحد من الزنا وتغريم ثمن البهيمة لصاحبها، وقد روي عن الاوزاعي إيجاب الحد على من أتى البهيمة، وقال باقي الفقهاء: لا حد على من أتى البهيمة ولا تعزير، والمعتمد في ذلك على إجماع الطائفة ويمكن أن يعارضوا بما يروونه هم عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه

____________________

(١) يحصل لجميع خ ل.

٢٥٥

واقتلوا البهمية، وإذا كان هذا موجودا في رواياتهم فقد إنضم إلى ما ترويه الشيعة وهو كثير.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من نكح إمرأة ميتة أو تلوط بغلام ميت فان حكمه في العقوبة حكم من فعل ذلك بالحي ولسنا نعرف موافقا من باقي الفقهاء للامامية في ذلك، وإن كانوا مخطئين لفاعله مبدعين له، إلا أنهم ما عرفنا أنهم يوجبون عليه من الحد ما يوجبونه على فاعل ذلك بالحي، والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن هذا فعل فيه بشاعة وشناعة في الشريعة وتمثيل بالاموات، فكلما زجر عنه وباعد عن فعله فهو أولى.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من إستمنى بيده وجب عليه أن يضرب بالدرة على يده الضرب الشديد حتى تحمر، ولم يعرف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا ما تقدم ذكره في المسألة التي تقدمت هذه المسألة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من قامت عليه البينة بالجمع بين النساء والرجال أو الرجال والغلمان للفجور وجب أن يجلد خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهر في البلد الذي يفعل ذلك فيه، وتجلد المرأة إذا جمعت بين الفاجرين لكنها لا يحلق رأسها ولا تشهر، ولم يعرف باقي الفقهاء ذلك ولا سمعناه عنهم ولا منهم، والحجة لنا فيه إجماع الطائفة وإن ذلك أزجر وادعى إلى مجانبة هذا الفعل القبيح الشنيع.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية وأهل الظاهر يوافقونهم فيه القول: بأنه يجمع على الزاني المحصن بين الجلد والرجم يبدأ بالجلد ويثنى بالرجم وداود مع أهل الظاهر يوافقونهم في ذلك، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا لا يجمع الجلد والرجم بل يقتصر في المحصن على الرجم، دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة.

٢٥٦

وأيضا فلا خلاف في إستحقاق المحصن الرجم وإنما الخلاف في إستحقاق الجلد، والذي يدل على إستحقاقه إياه قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة) والمحصن يدخل تحت هذا الاسم فيجب أن يكون مستحقا للجلد، وكأنه تعالى قال: اجلدوهما لاجل زناهما، وإذا كان الزنا علة في إستحقاق الجلد وجب في المحصن كما وجب في غيره وإستحقاقه للرجم غير مناف لاستحقاقه للجلد، لان إجتماع الاستحقاقين لا يتنافى، وليس يمكنهم أن يدعوا دخول الجلد في الرجم كما يدعون دخول المسح في الغسل لان من المعلوم أنه متميز منه وغير داخل فيه.

فان قالوا: هذه الآية محمولة على الابكار، قلنا: هذا تخصيص بغير دليل فان عولوا في تخصيصه على ما رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال فان إعترفت فارجموها ولم يذكر الجلد.

قلنا: هذا أولا خبر واحد غاية حاله إذا سلم من كل قدح أن يوجب الظن، وأخبار الآحاد لا يختص بها ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، وإذا سلمناه فليس فيه أكثر من خلو الخبر من ذكره للجلد، وذلك لا يسقط وجوبه، ألا ترى أنهم كلهم يدفعون إستدلالهم من إستدل على أن الشهادة في النكاح ليست بواجبة بأن يقول: ان الله تعالى ذكر النكاح في مواضع من الكتاب ولم يذكر الشهادة في آيات النكاح ولا شرطها بأن يقولوا عدم ذكر الشهادة في آيات النكاح لا يدل على أنها ليست بواجبة، وما سبيل المحتج بذلك إلا سبيل من قال: أن الوضوء ليس بواجب، لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها ولم يذكر الوضوء ولم يشرطه ها هنا ولم يدل نفي إشتراطه على نفي وجوبه.

فان إحتج المخالف بما رواه قتادة عن سمرة عن ا لحسن بن محمد أن

٢٥٧

جابرا قال كنت فيمن رجم ماعزا ولم يجلده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فالجواب عن ذلك أن هذا أيضا خبر واحد لا يختص به ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، وقد طعن في هذا الخبر لان قتادة دلسه وقال عن سمرة ولم يقل حدثني وبعد فان هذه شهادة بنفي ولا يتعلق إلا بعلمه، كأنه قال: لم أعلم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جلده وفقد علمه بذلك لا يدل على أنه لم يكن، وغير ممتنع أن يجلده من حيث لا يعلم، فظاهر الخبر أن جابر عنى بقوله كنت فيمن رجم ماعزا، ولم يجلده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما أراد لم يجلده في المجلس الذي رجم فيه، لانه قال: كنت فيمن رجم ولم يجلده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان قصده إلى نفي الجلد على كل حال لم يكن في قوله كنت فيمن رجم معنى ألا ترى أن رجلا لو قال: ما أكل عمرو الطعام وهو يريد منه ثلاثة أيام لم يجز أن يقوى قوله فاني كنت معه طول البارحة فلم يطعم وإنما يحسن هذا القول منه إذا كان يريد في أكله مدة ملازمته له.

وقد قيل أن غاية ما في الخبر أن ظاهره يقتضي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما باشر جلده بنفسه وذلك لا يدل عى أنه لم يأمر غيره بجلده.

والقول في الخبر الذي يرويه نافع عن ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجم اليهوديين ولم يجلدهما يجري مجرى الكلام في هذا الخبر على أن هذا الخبر الذي رووه معارض بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: الثيب بالثيب تجلد مائة جلدة والرجم، وهذا يعارض رواياتهم ويسقط الرجوع عن ظاهر الكتاب بها، وإذا كان هذا موجودا في رواياتهم فما ترويه الشيعة من ذلك لا يحصى كثرة من إجتماع الجلد والرجم.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الحر البكر إذا زنا فجلد ثم عاد فجلد ثم عاد الثالثة فجلد أنه إن عاد الرابعة قتله الامام، والعبد يقتل في الثامنة.

٢٥٨

وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يقولوا بشئ منه، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فقد علمنا أن إيجاب القتل على من عادوا إلى الرابعة أزجر وادعى إلى تجنب ذلك وما هو أزجر من القبائح فهو أولى، ولاننا أيضا قد علمنا أن من عاود الزنا بعد الجلد لا يكون حاله في الجرأة على الله والتجاسر على معصيته حاله في الاولى والثانية، بل لا بد من أن يكون كالمتهاون والمستصغر للمعاصي فمن المحال أن يكون عقابه عقاب الاول للفرق ما بينهما من فحش الذنب وعظمه وتأكده.

فان قالوا: لو إستحق البكر القتل في الرابعة للحق البكر بالثيب، قلنا: الفرق بينهما أن المحصن يقتل في الاولى، ومن ليس بمحصن يقتل في الرابعة، فأن عولوا على ما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله لا يحل دم إمرئ مسلم بكفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل النفس التي حرمها الله تعالى، والمعاود للزنا في الرابعة ليس بواحد منهم، قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يثبت بمثله الاحكام ويعارضه من أخبارنا المتضمنة للقتل في الرابعة ما هو أولى منه وأوكد، وقد يستحق القتل في الشريعة جماعة لم يدخلوا تحت لفظ هذا الخبر فغير ممتنع مثل ذلك فيمن ذكرناه.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن شارب الخمر المحدود في الاولى والثانية يقتل في الثالثة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا عليه قتلا في معاودة شرب الخمر على وجه من الوجوه، والطريقة في نصرة هذه المسألة هي الطريقة في النصرة التي قبلها بلا فصل، ولا معنى لتكرار ذلك.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن شارب الفقاع يحد حد شارب الخمر وتجري أحكامهما مجرى واحدا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك والحجة لنا فيه بعد إجماع الطائفة أنه قد ثبت تحريم شرب الفقاع بما

٢٥٩

دللنا عليه في هذا الكتاب، وكل من حرمه أوجب فيه حد الخمر والتفرقة بين الامرين خلاف إجماع الامة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الاحصان الموجب في الزاني الرجم هوأن يكون له زوجة أو ملك يمين يتمكن من وطئها متى شاء من غير حايل عن ذلك بغيبته أو مرض منهما أو حبس دونه سواء كانت الزوجة حرة أو أمة ملية أو ذمية، لان هذه الصفات إذا ثبتت فهو مستغن بالحلال عن الحرام، ونكاح المتعة عندنا لا يحصن على أصح الاقوال لانه غير دائم ومعلق بأوقات محدودات، وفرقوا بين الغيبة والحيض، لان الحيض لا يمتد وربما إمتدت الغيبة، ولانه قد يتمتع من الحائض بما دون موضع الحيض وليس كذلك الغيبة.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه الاحصان أن يكونا حرين مسلمين بالغين قد جامعها وهما بالغان.

وروي عن أبي يوسف أن المسلم يحصن النصرانية ولا تحصنه، وروي عنه أيضا أن النصراني إذا دخل بامرأته النصرانية ثم أسلما أنهما محصنان بذلك الدخول، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال قال ابن أبي ليلى إذا زنا اليهودي والنصراني بعد ما أحصنا فعليهما الرجم.

وقال أبويوسف وبه نأخذ وقال مالك: تحصن الامة الحر ويحصن العبد الحرة، ولا تحصن الحرة العبد وتحصن اليهودية والنصرانية المسلم، وتحصن الصبية الرجل وتحصن المجنونة العاقل، ولا يحصن الصبي المرأة، ولا يحصن العبد الامة إذا جامعها في حال الرق، ثم أعتقا لم يكونا محصنين بذلك الجماع حتى يجامعها بعد العتق، وقال مالك: إذا تزوجت الحرة خصيا وهي لا تعلم أنه خصي فوطئها ثم علمت أنه خصي فلها أن تختار فراقه ولا يكون ذلك الوطئ إحصانا وقال الثوري: لا يحصن بالنصرانية ولا اليهودية والمملوكة، وقال الاوزاعي

٢٦٠