• البداية
  • السابق
  • 315 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32035 / تحميل: 6186
الحجم الحجم الحجم
الانتصار

الانتصار

مؤلف:
العربية

من قوله ليس على المسلم في عبده ولا على فرسه صدقة.

وعموم هذا القول يقتضي نفي الصدقة عما هو معرض للتجارة وعما ليس بمعرض لها، لانهعليه‌السلام لم يفصل بينهما، وإذا ثبت نفي الصدقة عن العبد والفرس وإن كان للتجارة ثبت فيما عداهما من العروض لان أحدا لم يفصل بين الامرين.

وأيضا فإن أصول الشريعة تقتضي أن الزكاة إنما تجب في الاعيان لاالاثمان، وعروض التجارة عندهم إنما تجب في أثمانها لا أعيانها، وذلك مخالف لاصول الشريعة، فإن تعلقوا بقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وإن عموم الآية بقوله يتناول عروض التجارة.

فالجواب عن ذلك أن أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما والعموم معرض للتخصيص، ونحن نخص هذا العموم ببعض ما تقدم من أدلتنا على أن مخالفينا لا بد لهم من ترك الظاهر في عروض التجارة لانهم يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة، وهذا ترك للظاهر وخروج عنه ولا فرق بينهم فيه وبيننا إذا حملنا اللفظة في الآية على الاصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها، وإذا قمنا في ذلك مقامهم وهم المستدلون بالآية بطل استدلالهم بمثل هذا الكلام ويبطل تعلقهم بقوله تعالى: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) ويمكن في هذه الآية أن يقال أنها خرجت مخرج المدح لهم فيما فعلوه لا على سبيل إيجاب الحق في أموالهم لانه تعالى قال: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبا لاسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) فأخرج الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه، وليس في إيجاب الله تعالى في أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم مدحا لهم ولا ما يوجب الثناء عليهم، فعلم أن المعنى ويعطون من أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا

٨١

بل قد يكون نفلا وتطوعا، فقد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه، ولا تعلق لهم بقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) لان اسم الزكاة اسم شرعي ونحن لا نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم فعلى من ادعى ذلك أن يدل عليه ولا تعلق لهم بما روي عنهعليه‌السلام من قوله: حصنوا أموالكم بالصدقة، وأن لفظة الاموال يدخل تحتها عروض التجارة، وذلك أنه ليس في الظاهر إنما يحصن كل مال بصدقة منه، وليس يمتنع أن تحصن أموال التجارة وما لا يجب فيه الزكاة بالصدقة مما يجب فيه الزكاة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية نفي الزكاة عن الذهب والفضة على اختلاف أحوالهما إلا أن يكون درهما أو دينارا مضروبا منقوشا وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون الزكاة في جميع الاحوال إلا الشافعي فانه لا يوجب الزكاة في الحلي والحلل المباح على أظهر قوليه.

دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة ما قدمنا ذكره أيضا من أن الاصل براء‌ة الذمة، ولم يقم دليل قاطع على أن ما عدا الدراهم والدنانير من المصوغات وغيرها يجب فيه الزكاة ونحن على حكم الاصل فإن تعلقوا بالاخبار التى وردت في ايجاب الزكاة على الذهب والفضة على الاطلاق فهذه أولا كلها أخبار آحاد تعارضها الاخبار الواردة بأنه لا زكاة إلا في الدراهم والدنانير على إنا نحمل تلك الاخبار العامة على أن المراد بها الدراهم والدنانير لانهما من فضة وذهب.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الابل إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس شياة، لان باقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون في خمس وعشرين ابنة مخاض، دليلنا الاجماع المتقدم.

فإن قيل قد خالف أبوعلي ابن الجنيد في ذلك وقال: ان في خمس وعشرين ابنة

٨٢

مخاض، فإن لم تكن في الابل فابن لبون، فإن لم يكن فخمس شياة، فإن زادت على خمس وعشرين واحدة ففيها ابنة مخاض.

قلنا إجماع الامامية قدتقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد في هذا المذهب على بعض الاخبار المروية عن أئمتناعليهم‌السلام ومثل هذه الاخبار لا يعول عليها ويمكن أن نحمل ذكر بنت المخاض وابن اللبون في خمس وعشرين على أن ذلك على سبيل القيمة لما هو الواجب من خمس شياة وعندنا أن القيم يجوز أخذها في الصدقات.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به وقد وافقها غيرها من الفقهاء فيه قولهم أن الابل إذا بلغت مائة وعشرين ثم زادت فلا شئ عليهم في زيادتها حتى تبلغ مائة وثلاثين، فإذا بلغتها ففيها حقة واحدة وابنتا لبون، وأنه لا شئ في الزيادة مابين العشرين والثلاثين وهذا مذهب مالك بعينه والشافعي يذهب إلى أنها إذا زادت واحدة على مائة وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون.

وعند أبي حنيفة وأصحابه فيما زاد على مائة وعشرين أنه يستقبل الفريضة ويخرج من كل خمسة زائدة على العشرين شاة، فإذا بلغت الزيادة خمسا وعشرين أخرج ابنة مخاض.

والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن الاصل هو برائة الذمة من الزكاة، وقد اتفقنا على ما يخرج من الابل إذا كانت مائة وعشرين واختلفت الامة فيما زاد على العشرين في ما بينها وبين الثلاثين، ولم يقم دليل قاطع على وجوب شئ ما بينها وبين العشرين إلى أن تبلغ الزيادة ثلاثين فيجب فيها حقة وابنتا لبون عندنا وعند الشافعى ومالك وعند أبي حنيفة يجب حقتان وشاتان، وقد أجمعنا على وجوب الزكاة في مائة وثلاثين، ولم يجمع على وجوب شئ في الزيادة في ما بين العشرين والثلاثين، ولم يقم دليل

٨٣

قاطع فيجب أن يكون على الاصل، فإذا ذكرت الاخبار المتضمنة أن الفريضة إذا زادت على العشرين ومائة تعاد الفريضة إلى أولها في كل خمس شاة أو الخبر المتضمن أنها إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، فجوابنا عن ذلك أن هذه كلها أخبار آحاد لا توجب علما ولا تقتضي قطعا ويعارضها ما رووه عن طرقهم ووجد في كتبهم انه وجد في كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الابل إذا زادت على عشرين ومائة فليس في ما زاد شئ دون ثلاثين ومائة، فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون وحقة فأما ما يعارض ما رووه من روايات أصحابنا عن أئمتناعليهم‌السلام فأكثر من أن تحصى وإنما عارضناهم بما يعرفونه ويألفونه.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بأن الزكاة لا تجزي إلا إذا انصرفت إلى إمامي ولا تسقط عن الذمة بدفعها إلى مخالف، والحجة في ذلك مضافا إلى الاجماع أن الدليل قد دل على أن خلاف الامامية في أصولهم كفر وجار مجري الردة، ولا خلاف بين المسلمين في أن المرتد لا تخرج إليه الزكاة.

(مسالة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الزكاة لا تخرج إلى الفساق وإن كانوا معتقدين، الحق وأجاز باقي الفقهاء أن تخرج إلى الفساق وأصحاب الكبائر.

دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط واليقين ببرائة الذمة أيضا، لان إخراجها إلى من ليس بفاسق مجزي بلا خلاف، وإذا أخرجها إلى الفاسق فلا يقين ببرائة الذمة منها ويمكن أن يستدل على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق والعصاة وتقويتهم وذلك كثير.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأنه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقل من خمسة دراهم.

وروي أن الاقل درهم واحد،

٨٤

وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، ويجيزون إعطاء القليل والكثير من غير تحديد.

وحجتنا على ماذهبنا إليه إجماع الطائفة، وطريقة الاحتياط وبرائة الذمة أيضا.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من فر بدراهم أو دنانير من الزكاة فسبكها أو أبدل في الحول جنسا بغيره هربا من وجوب الزكاة فإن الزكاة تجب عليه إذا كان قصد بما فعله الهرب منها، وإن كان له غرض آخر سوى الفرار من الزكاة فلا زكاة عليه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يوجبون على من ذكرنا الزكاة وإن كان قصده الهرب منها.

وروى عن مالك وبعض التابعين أن عليه الزكاة.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة.

فإن قيل: قد ذكر أبوعلي ابن الجنيد أن الزكاة لا تلزم الفار منها ببعض ما ذكرناه.

قلنا ان الاجماع قد تقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد على اخبار رويت عن أئمتناعليهم‌السلام وتتضمن أنه لا زكاة عليه وإن فر بماله، وبازاء تلك الاخبار مما هو أظهر منه وأقوى وأولى وأوضح طرقا تتضمن أن الزكاة يلزمه ويمكن حمل ما تضمن من الاخبار أنها لا تلزمه على التقية، فإن ذلك مذهب جميع المخالفين، ولا تأويل للاخبار التي وردت بان الزكاة تلزمه إذا فر منها إلا إيجاب الزكاة، فالعمل بهذه الاخبار أولى.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول: بأن السخال والفصال والعجاجيل لا تضم إلى أمهاتها في الزكاة وإن بلغ عدد الامهات النصاب، وسواء كانت هذه السخال متولدة عن هذه الامهات التي في ملك صاحبها أو كانت مستفادة من جهة أخرى، لان النخعي والحسن البصري يذهبان إلى مثل ما تذهب إليه الامامية، ولا يجعلان حول الكبار حولا للصغار.

وأبوحنيفة

٨٥

وأصحابه يضمون المستفاد إلى الاصل على كل حال ويزكونه بحول الاصل.

والشافعي يضم إلى الاصل ما تولد منه خاصة بعد أن يبلغ الاصل النصاب والحجة لمذهبنا الاجماع المتردد.

وأيضا فإن الاصل برائة الذمة من الحقوق ولم يثبت بيقين وعلم قاطع ان في السخال زكاة مع الامهات وإنما يضم إليها في الحول، ويمكن أن يعارض المخالف بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

فظاهر هذاالخبر يوجب أن المستفاد لا يضم إلى الاصل ويجعل أصل الحول حولا له، بل لا بد من المستفاد إذا كان من الجنس الذي يجب فيه الزكاة أن يستأنف له حول على استقلاله بحصوله في الملك، وليس لهم أن يحتجوا بما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله ويعد صغيرها وكبيرها، ولم يفرق بين أحوالها، وذلك أن المراد بهذا الخبر أنه يعد الصغير والكبير إذا حال عليهما الحول لانه لا خلاف في أن الحول معتبر، ومعنى الصغير والكبير ها هنا ليس المراد به ما ينقص في سنه عن الحد الذي يجب فيه الزكاة، وإنما المراد الصغير والكبير مما بلغ سن الزكاة، ويجوز أن يراد بالصغير والكبير ها هنا العالي المنزلة والمنخفض المنزلة والكريم وغير الكريم فقد يكون في المواشي الكرايم وغير الكرايم.

(مسأله) ومما ظن إنفراد الامامية به القول: بأنه يجوز أن يأخذ الهاشمي من زكاة الهاشمي، وإنما حرم على بني هاشم زكاة من عداهم من الناس، وقد وافقهم في ذلك أبويوسف صاحب أبي حنيفة فيما رواه عنه ابن سماعة.

وحكى عنه أن الزكاة من بني هاشم تحل لبني هاشم ولا يحل لهم ذلك من غيرهم.

والحجة فيما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ويمكن أن يقوى ذلك بأن

٨٦

الصدقة إنما حرمت عليهم تنزيها وتعظيما.

وفي الاخبار الواردة بحظر الصدقة عليهم ما يقتضي التنزيه والصيانة عما فيه مذلة وغضاضة، وهذا المعنى مفقود في بعضهم مع بعض.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل الله لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلت لهم الصدقة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ويقوي هذا المذهب بظاهر الاخبار بأن الله تعالى حرم الصدقة على بني هاشم وعوضهم بالخمس عنها فإذا سقط ما عوضوا به لم تحرم عليهم الصدقة.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به اجازتهم أن يشترى من مال الزكاة المملوك فيعتق، ويقولون: أنه متى استفاد المعتق مالا ثم مات فماله لاهل الزكاة لانه اشترى من مالهم.

وقد روي عن مالك وأحمد بن حنبل مثل هذا القول الذي حكيناه.

وروي عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه قال: اعتق من زكاتك.

فأما باقي الفقهاء من أبي حنيفة والشافعي وغيرهما فعندهم أنه لا يجوز العتق من الزكاة دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) إلى قوله تعالى: (وفي الرقاب) وهذا نص صريح في جواز عتق الرقبة من الزكاة.

فإن قيل المراد بقوله تعالى: (وفي الرقاب) المكاتبون، فإن الفقهاء كلهم يجيزون أن يعطى المكاتب من مال الزكاة إلا مالكا، فانا نحمله على المكاتب وعلى من يبتاع فيعتق، لانه لا تنافي بين الامرين، وظاهر القول يقتضي الكل.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الزكاة يجوز أن

٨٧

يكفن منها الموتى ويقضى بها الدين عن الميت، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك كله والحجة لاصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله تعالى في آية وجوه الصدقات: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والغارمين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، ومعنى سبيل الله الطريق إلى ثوابه والوصلة إلى التقرب إليه، ولما كان ما ذكرناه متقربا إلى الله تعالى وموصلا إلى الثواب جاز صرفه فيه، فإذا قيل أن المراد بقوله تعالى: (وفي سبيل الله) ما ينفق في جهاد العدو.

قلنا: كل هذا مما يوصف بأنه في سبيل الله تعالى وإرادة بعضه لا تمنع من إرادة بعض آخر.

وقد روى مخالفونا عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله، فقال ابن عمر: ان الحج من سبيل الله فاجعلوه فيه، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: الحج والعمرة من سبيل الله تعالى.

وقال محمد بن الحسن في السير الكبير في رجل أوصى بماله في سبيل الله تعالى أنه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع به وكل هذا يدل على أن هذا الاسم لا يختص بجهاد العدو.

(مسائل كتاب الخمس)

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز ومما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤنة والكفاية في طول السنة على اقتصاد، وجهات قسمته هو أن يقسم هذا الخمس على ستة أسهم ثلاثة منها للامام القائم مقام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي سهم الله تعالى وسهم رسوله

٨٨

وسهم ذوي القربى، ومنهم من لا يخص الامام بسهم ذي القربى ويجعله لجميع قرابة الرسول "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من بني هاشم، فأما الثلاثة الاسهم الباقية فهي ليتامى آل محمدعليهم‌السلام ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يتعداهم إلى غيرهم ممن استحق هذه الاوصاف.

ويقولون: إذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر بالسيف قسم الامام الغنيمة على خمسة أسهم، فجعل أربعة منها بين من قاتل على ذلك وجعل السهم الخامس على ستة أسهم، ثلاثة منها لهعليه‌السلام ، وثلاثة للاصناف الثلاثة من أهله من أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وخالف سائر الفقهاء في ذلك وقالوا كلهم أقوالا خارجة عنه، والحجة فيه الاجماع المتكرر.

فإن قيل: هذا المذهب يخالف ظاهر الكتاب، لان الله تعالى قال: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وعموم الكلام يقتضي ألا يكون ذوي القربي واحدا وعموم قوله تعالى: (ولليتامى والمساكين وابن السبيل) يقتضي تناوله لكل من كان بهذه الصفات ولا يختص ببني هاشم قلنا: ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالادلة على أنه خلاف بين الامة في تخصيص هذه الظواهر، لان ذوي القربى عام وقد خصوه بقربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره، ولفظ اليتامى والمساكين وابن السبيل عام في المشرك والذمي والغني والفقير، وقد خصته الجماعة ببعض من له هذه الصفة على أن من ذهب من أصحابنا إلى أن ذا القربى هو الامام القائم مقام الرسولعليه‌السلام خاصة، وسمي بذلك لقربه منه نسبا وتخصصا، فالظاهر معه لان قوله تعالى (وذي القربى) لفظ وحدة ولو أراد تعالى الجمع لقال ولذوي القربى فمن حمل ذلك على الجماعة فهو مخالف للظاهر.

فإن قيل فمن حمل ذا القربى في الآية على جميع ذوي القرابات من بني هاشم يلزمه أن يكون ما عطف على ذلك من اليتامى والمساكين منهم غير الاقارب لان النبي لا

٨٩

يعطف على نفسه، قلنا: لا يلزم ذلك لان الشئ وإن لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة على صفة أخرى والموصوف واحد، لانهم يقولون جاء‌ني زيد العاقل الظريف والشجاع والموصوف معا واحد.

وقال الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

والصفات كلها لموصوف واحد وكلام العرب مملو في نظائر ذلك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن الصاع تسعة أرطال بالعراقي، وخالف سائر الفقهاء في ذلك.

فقال أبوحنيفة ومحمد بن أبي ليلى والثوري وابن حي الصاع ثمانية أرطال بالعراقي، وقال أبويوسف والشافعي الصاع خمسة أرطال وثلث، وقال شريك ابن عبدالله الصاع أقل من ثمانية أرطال وأكثر من سبعة.

والدليل على صحة مذهبنا بعد إجماع الطائفة أن من أخرج تسعة أرطال فلا خلاف في برائة ذمته، وليس كذلك من أخرج دون ذلك، وإذا وجب حق في الذمة بيقين فيجب سقوطه عنها بيقين، ولا يقين إلا في ما ذهبنا إليه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأنه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع وإن جاز أن يعطى اكثر من ذلك، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

والحجة لنا فيه بعد الاجماع المتردد اليقين ببراء‌ة الذمة وحصول الاجزاء وليس ذلك إلا فيما نذهب إليه دون غيره.

وأيضا فكل من قال أن الصاع تسعة أرطال ذهب إلى ما ذكرناه فالتفرقة بين المسألتين خلاف الاجماع.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب عليه إخراج الفطرة عنه، والحجة فيه الاجماع المتردد،

٩٠

وليس لهم أن يقولوا أن الضيف لا يجب عليه نفقته فلا يجب عليه فطرته، لانا ليس نراعي في وجوب الفطرة وجوب النفقة، بل نراعي من يعوله سواء كان ذلك وجوبا أو تطوعا.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الفطرة لا يجوز أن يعطى المخالف لها ولا الفاسق وإن كان موافقا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

وقد تقدم هذا الكلام على نظير هذه المسألة في باب الزكاة فلا معنى لاعادته.

[مسائل الحج]

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بوجوب الوقوف بالمشعر الحرام وأنه ركن من أركان الحج، جار مجرى الوقوف بعرفة في الوجوب، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبه واحد منهم.

دليلنا بعد الاجماع المتردد قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) والامر على الوجوب، ولا يجوز أن يوجب ذكر الله تعالى فيه إلا وقد أوجب الكون فيه، ولان كل من أوجب الذكر فيه أوجب الوقوف، فإن قالوا نحمل ذلك على الندب قلنا: هو خلاف الظاهر ويحتاج إلى الدلالة.

وأيضا فإن من وقف في المشعر وأدى سائر أركان الحج سقط الحج عن ذمته بلا خلاف، وليس كذلك إذا لم يقف به، فإن قيل هذه الآية تدل على وجوب الذكر وأنتم لا توجبونه وإنما توجبون الوقوف مثل عرفة، قلنا: لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية.

وبعد فإن الآية تقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص والذكر جميعا

٩١

وإذا دل الدليل على أن الذكر مستحب غير واجب أخرجناه عن الظاهر وبقى الآخر يتناوله الظاهر وتقدير الكلام فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله تعالى فيه.

فإن قيل الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو استحباب لانه إنما يراد له من أجله فإذا ثبت أن الذكر مستحب فكذلك الكون.

قلنا: لا نسلم أن الكون في ذلك المكان تابع للذكر لان الكون عبادة مفردة عن الذكر، والذكر عبادة أخرى وإحداهما لا تتبع الاخرى كما لا يتبع الذكر لله سبحانه وتعالى في عرفات الكون في ذلك المكان والوقوف به لان الذكر مستحب، والوقوف بعرفات واجب بلا خلاف، على أن الذكر إن لم يكن واجبا فشكرالله تعالى على نعمه واجب على كل حال، وقد أمر الله عزوجل بأن نشكره عند المشعر الحرام، فيجب أن يكون الكون بالمشعر واجبا، كما أن القول إذا أمرنا بإيقاعه عنده واجب.

فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المشعر ليس بمحل للشكر وإن كان محلا للذكر وإن عطف الشكر على الذكر، قلنا: الظاهر بخلاف ذلك لان عطف الشكر على الذكر يقتضي تساوي حكمهما في المحل وغيره، وجرى ذلك مجرى قول القائل اضرب زيدا في الدار وقيده في أن الدار محل للفعلين معا.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من فاته الوقوف بعرفة وأدرك الوقوف بالمشعر الحرام يوم النحر فقد أدرك الحج، وخالف باقي الفقهاء في ذلك والحجة لنا بعد الاجماع المتقدم أنا قد دللنا على وجوب الوقوف بالمشعر الحرام، وكل من قال من الامة كلها بوجوب ذلك قال: أن الوقوف به إذا فات الوقوف بعرفة يتم معه الحج، والتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع المسلمين.

٩٢

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الاحرام قبل الميقات لا ينعقد، وقد شاركها في كراهية ذلك مالك والشافعي إلا أنهما لا ينتهيان إلى نفي انعقاده، وذهب أبوحنيفة وأصحابه والشعبي وابن حي إلى أن أفضل الاحرام أن تحرم من دويرة أهلك.

دليلنا بعد الاجماع الذي مضى أن معنى ميقات في الشريعة هو الذي يتعين فلا يجوز التقدم عليه مثل مواقيت الصلاة، فتجويز التقدم على الميقات يبطل معنى هذا الاسم.

وأيضا فلا خلاف في أنه إذا أحرم من الميقات إنعقد حجه، وليس كذلك إذا أحرم قبله، وينبغي أن يكون من انعقاد إحرامه على يقين، فإن عارض المخالف بما يروونه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعبدالله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) إن إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، فالجواب أن هذا خبر واحد، وقد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب عملا كما لا توجب علما، ثم ذلك محمول على من منزله دون الميقات، فعندنا أن كل من كان كذلك فميقاته منزله، فإن اعترضوا بما يروونه عن أم سلمة رضي ‌الله‌ عنها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من أحرم من بيت المقدس غفر الله له ذنبه.

وفي خبر آخر من أهل بعمرة أو حجة من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام وجبت له الجنة.

فالجواب عنه بعد أنه خبر واحد حمله على أن من عزم على ذلك ونواه وقصد من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له، وقد يسمى القاصد إلى الامر باسم الفاعل له والداخل فيه، وهذا أكثر في اللسان العربي من أن يحصى.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من أحرم بالحج في

٩٣

غير أشهر الحج وهي شوال وذي القعدة وتسع من ذي الحجة لم ينعقد إحرامه والشافعي يوافق الامامية في أن إحرامه بالحج لا ينعقد، لكنه يذهب إلى أنه ينعقد له عمرة.

وقال أبوحنيفة وأصحابه ومالك والثوري وابن حي أنه إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج انعقد إحرامه ولزمه.

وقد روي عن أبي حنيفة مع ذلك كراهيته، والحجة لنا إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) ومعنى ذلك وقت الحج أشهر معلومات، لان الحج نفسه لا يكون أشهرا، والتوقيت في الشريعة يدل على اختصاص الموقت بذلك الوقت وأنه لا يجزي في غيره.

وأيضا فقد ثبت أن من أحرم في أشهر الحج انعقد إحرامه بالحج بلا خلاف، وليس كذلك من أحرم قبل ذلك، فالواجب إيقاع الاحرام في الزمان الذي يحصل العلم بانعقاده فيه، فإن تعلق المخالف بقوله تعالى: (يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فظاهر ذلك يقتضي أن الشهور كلها متساوية في جواز الاحرام فيها.

والجواب ان هذه أن آية عامة تخصصها بقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) وبحمل لفظة الاهلة على أشهر الحج خاصة على أن أبا حنيفة لا يمكنه التعلق بهذه الآية، لان الله تعالى قال: (مواقيت للناس والحج) والاحرام عنده ليس من الحج، وبعد فتوقيت العبادة يقتضي جواز فعلها بغير كراهية، وعند أبي حنيفة وأصحابه أنه مكروه تقديم الاحرام على أشهر الحج، وقد أجاب بعض الشافعية على التعلق بهذه الآية بأن قوله تعالى: (يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس) أي لمنافعهم وتجاراتهم، ثم قال: (والحج) فاقتضى ذلك أن يكون بعضها لهذا وبعضها لهذا، وهكذا نقول، ويجري ذلك مجرى قوله: هذا المال لزيد وعمر.

وأن الظاهر يقتضي اشتراكهما فيه، وهذا

٩٤

ليس بمعتمد، لان الظاهر من قوله تعالى: (للناس والحج) يقتضي أن يكون جميع الاهلة على العموم لكل واحد من الامرين، وليس كذلك قولهم المال لزيد وعمرو، لانه لا يجوز أن يكون جميع المال لكل واحد منهما، فوجب الاشتراك لهذه العلة، وجرت الآية مجرى أن يقول هذا الشهر أجل لدين فلان ودين فلان، في أنه يقتضي أن يكون الاشتراك إلا لهذه العلة كون الشهر كله أجلا للدينيين جميعا، ولا ينقسم كانقسام المال فوجب الاشتراك لهذه العلة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن التمتع بالعمرة إلى الحج هو فرض الله تعالى على كل من نأى عن المسجد الحرام لا يجزيه مع التمكن سواه، وصفته أن يحرم من الميقات بالعمرة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة سبعا، ثم أحل من كل شئ أحرم منه، فإذا كان يوم التروية عند زوال الشمس أحرم بالحج من المسجد الحرام وعليه دم المتعة، فإن عدم الهدي وكان واجدا لثمنه تركه عند من يثق به من أهل مكة حتى يذبح عنه طول ذي الحجة فإن لم يتمكن من ذلك أخره إلى أيام النحر من العام القابل، ومن لم يجد الهدي ولا ثمنه كان عليه صوم عشرة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك صام ثلاثة أيام من أيام التشريق، وباقي العشرة إذا عاد إلى أهله.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك كله إلا أنهم اختلفوا في الافضل من ضروب الحج، فقال أبوحنيفة: وزفر القران أفضل من التمتع والافراد، وقال أبويوسف: التمتع بمنزلة القران وهو قول ابن حي وكره الثوري أن يقال بعضها أفضل من بعض.

وقال مالك والاوزاعي: الافراد أفضل.

وللشافعي قولان: أحدهما إن الافراد أفضل، والآخر أن التمتع أفضل وهو قول: أحمد بن حنبل

٩٥

وأصحاب الحديث، دليلنا الاجماع المتردد، ويمكن أن يستدل أيضا على وجوب التمتع بأن الدليل قد دل على وجوب الوقوف بالمشعر، وأنه مجزي في تمام الحج عن الوقوف بعرفة إذا فات، وكل من قال بذلك أوجب التمتع بالعمرة إلى الحج والقول بوجوب أحدهما دون الآخر خروج عن إجماع المسلمين، ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) وأمره تعالى على الوجوب والفور فلا يخلو من أن يأتي بهما على الفور بأن يبدء بالحج ويثني بالعمرة أو يبدء بالعمرة ويثني بالحج أو يحرم بالحج والعمرة معا، والاول يفسد بأن أحدا من الامة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة، والقسم الاخير باطل عندنا أنه لايجوز أن يجمع في إحرام واحد بين الحج والعمرة كما لا يجمع في إحرام واحد بين حجتين أو عمرتين، فلم يبق إلا وجوب القسم الاخير وهو التمتع الذى ذهبنا إليه، فإن قيل: قد نهى عن هذه المتعة مع متعة النساء عمر بن الخطاب وأمسكت الامة عنه راضية بقوله.

قلنا: نهي من ليس بمعصوم عن الفعال لا يدل على قبحه، والامساك عن النكير لا يدل عند أحد من العلماء على الرضا إلا بعد أن يعلم أنه لا وجه له إلا الرضا، وقد بينا ذلك وبسطناه في كثير من كتبنا.

وبعد فإن الفقهاء والمحصلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر، وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن إن نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه منها أنه أراد أن يكون الحج في أشهر المخصوصة به والعمرة في غير تلك الشهور، ومنها إن أحب عمارة البيت وإن يكثر زواره في غير الموسم، ومنها أنه أراد إدخال الرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم.

ورووا في تقوية هذا المعنى أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل

٩٦

بذكرها، وفيهم من حمل نهي عمر عن المتعة على فسخ الحج إذا طاف له قبل يوم النحر.

وقد روي عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه كان يذهب إلى جواز ذلك وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمر أصحابه في حجة الوداع بفسخ الحج من كان منهم لم يسق هديا ولم يحل هوعليه‌السلام لانه كان ساق الهدي، وزعموا أن ذلك منسوخ بقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) وهذا التأويل الثاني بعيد من الصواب، لان فسخ الحج لا يسمى متعة، وقد صارت هذه اللفظة بعرف الشرع مخصوصة بمن ذكرنا حاله وصفته.

وأما التأويل الاول فيبطله قوله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، وتشدده في ذلك وتوعده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب على أن نهيه عن متعة النساء كان مقرونا بنهيه عن متعة الحج، فإن كان نهيه عن متعة الحج استحبابا فالمتعة الاخرى كذلك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الجدال الذي منع منه المحرم بقوله تعالى: (ولا جدال في الحج) هو الحلف بالله صادقا أو كاذبا وأنه إن جادل وهو محرم صادقا مرة أو مرتين فليس عليه كفارة وليستغفر الله تعالى، وإن جادل ثلاث مرات صادقا فما زاد فعليه دم شاة، فإن جادل مرة واحدة كاذبا فعليه دم شاة، وإن جادل مرتين كاذبا فدم بقرة، فإن جادل ثلاث مرات كاذبا فعليه دم بدنة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

والحجة لنا إجماع الطائفة عليه، ولان اليقين ببرائة الذمة في قولنا دون قولهم، فإن قيل ليس في لغة العرب، أن الجدال هو الحلف.

قلنا: ليس ينكر أن يقتضي عرف الشريعة ما ليس في وضع اللغة على أن الجدال إذا كان الخصومة والمراء والمنازعة، وهذه أمور تستعمل للدفع والمنع والقسم بالله تعالى قد يفعل لذلك وفيه معنى المنازعة والخصومة.

٩٧

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من جامع بعد الاحرام وقبل التلبية لا شئ عليه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة فيه إجماع الطائفة عليه.

والوجه فيه أن التلبية عندهم بها يتم انعقاد الاحرام، فإذا لم يحصل فما انعقد، وما فعله كان رجوعا عن الاحرام قبل تكامله لا أنه نقض له بعد انعقاده، ويجب على هذا إذا أراد الاحرام أن يستأنفه ويلبي فإن الاحرام الاول قد رجع عنه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من وطئ عامدا في الفرج قبل الوقوف بالمشعر فعليه بدنة، والحج من قابل ويجري عندهم مجرى من وطئ قبل الوقوف بعرفة، وإن وطئ بعد الوقوف بالمشعر لم يفسد حجه وكان عليه بدنة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، لان أبا حنيفة وأصحابه يقولون أنه إن وطئ قبل الوقوف بالمشعر لم يفسد حجه والشافعى يقول: أنه يفسد غير أنه يقول فإن وطئ بعد وقوفه بالمشعر وقبل التحليل الاول يفسد أيضا حجه، ونحن لا نقول ذلك، فالانفراد بما ذكرناه صحيح.

ودليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أنه قد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر، وإنه ينوب في تمام الحج عن الوقوف بعرفة عمن لم يدركه، وكل من قال بذلك أوجب بالجماع قبله فساد الحج ولم يفسده بالجماع بعده، فالتفرقة بين الامرين خلاف الاجماع فإن اعترضوا بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من وقف بعرفة فقد تم حجه.

وفي خبر آخر: الحج عرفة، فالجواب أن هذه أخبار آحاد وهي معارضة بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعروة بن مضرس بمزدلفة من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة، وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من

٩٨

الليل أو نهارا فقد تم حجه، فشرط في تمام الحج الوقوف بالموقفين ويمكن حمل الخبرين اللذين رووهما على أن معظم الحج عرفة، ومعنى تم حجه قارب التمام، وهذا نظير قوله " ع " إذا رفع الامام رأسه من السجدة الاخيرة فقد تمت صلاته فالتفرقة بين الامرين خلاف إجماع الامامية.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية ولها في بعضه موافق القول بأن من وطئ عامدا زوجته أو أمته فأفسد بذلك حجه يفرق بينهما ولا يجتمعان إلى أن يعود إلى المكان الذي وقع عليها فيه من الطريق، وإذا حجا من قابل فبلغا ذلك المكان فرغ بينهما ولم يجتمعا حتى يبلغ الهدى محله.

وقال الشافعى والثورى: ان من وطئ زوجته فافسد بذلك حجه ثم حج بها من قابل فبلغا الموضع الذى وطئها فيه فرغ بينهما، وهذا شطر ما قالته الامامية.

وروي عن مالك وسفيان مثل ذلك.

وقال أبوحنيفة وأصحابه لا يفرق بينهما بحال من الاحوال، دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا فإن ذلك ينهى ويزجر عن فعل مثله وكأنه عقوبة على جنايته.

وقد روى مخالفونا عن عمر وابن عباسرضي‌الله‌عنه انهما قالا: إذا وطئ الرجل زوجته فقضيا من قابل وبلغ الموضع الذي وطئها فيه فرق بينهما ولم يعرف لهما مخالف.

(مسألة): ومما يظن انفراد الامامية به ولهم فيه موافق القول بأن المحرم لا يجوز له أن يستظل في محمله من الشمس إلا عن ضرورة، وذهبوا إلى أنه يفدي ذلك إذا فعله بدم، ووافق مالك في كراهية ذلك إلا أننا ما نظنه يوجب في فعله شيئا، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والحجة فيه إجماع الطائفة والاحتياط لليقين بسلامة إحرامه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من تزوج امرأة وهو

٩٩

محرم عالما بأن ذلك محرم عليه بطل نكاحه ولم تحل له المرأة أبدا.

وهذا لم يوافق فيه أحد من الفقهاء ولان الشافعى ومالك وإن ابطلا النكاح المحرم، وجوز ذلك أبوحنيفة فانهما لا يقولان انه إذا فعل ذلك على بعض الوجوه حرمت عليه المرأة أبدا، دليلنا الاجماع المتردد.

ويمكن أن نقول للشافعي ومالك الموافقين لنا في تحريم نكاح المحرم إذا ثبت فساد نكاح المحرم باتفاق بيننا، وثبت أن ما صح فساده أو صحته في أحكام الشريعة لا يجوز تغير أحواله باجتهاد أو استفتاء مجتهد، لان الدليل قد دل عندنا على فساد الاجتهاد الذي يعنونه في الشريعة، فلم يبق إلا أن الفاسد يكون أبدا كذلك، والصحيح يكون على كل حال كذلك، وإذا ثبت هذه الجملة وجدنا كل من قال من الامة أن نكاح المحرم أو انكاحه فاسد على كل وجه، ومن كل أحد يذهب إلى ما فصلناه من انه إذا فعل ذلك عالما بطل نكاحه ولم تحل له المرأة أبدا، لان أحدا من الامة لم يفرق بين الموضعين والفرق بينهما خروج عن إجماع الامة، فان عارضونا بما يروونه عن أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه نكح ميمونة وهو محرم، فالجواب أنه خبر واحد وتعارضه أخبار كثيرة رووها أنه تزوجها وهو حلال.

وقيل: يمكن أن يتناول خبر ميمونة على أن ابن عباسرضي‌الله‌عنه كان يرى أن من قلد الهدي كان محرما، فلما رآه قلد الهدي اعتقد أنه محرم.

وأيضا فيحتمل ان يكون أراد أنه تزوجها في الشهر الحرام، والعرب تسمي من كان في الشهر الحرام بأنه محرم.

واستشهدوا بقول الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما جهرا إن لم يكن عاقد الاحرام بلا خلاف وإنما كان في الشهر الحرام، ومما يمكن الاستدلال به على أن أصل المسألة ان النكاح سبب لاستباحة الوطئ بيقين، ولا يقين في أن عقد المحرم للنكاح سبب في الاستباحة فواجب تجنبه.

١٠٠